ملخص مركز الاعلام
الفيفا: الحقيقة والمناورة.
يوسف رزقة / فيسبوك رزقة
لم أصدق للحظة واحدة أن هناك طلبا فلسطينيا جادا ضد دولة العدوان الإسرائيلي، يطلب بإقصائها من المشاركة في منظمة الفيفا، بناء على ممارساتها العنصرية، وعرقلتها لأنشطة الرياضة الفلسطينية وسفر اللاعبين، وإشراك لاعبين يهود من المستوطنات القائمة في الضفة والقدس.
التهم التي تضمنها الطلب الفلسطيني للإقصاء صحيحة وحقيقية ومقنعة لجلّ أعضاء الفيفا، ولكن إرادة الإقصاء كانت غائبة تماما عند الطرف الفلسطيني، وما كان يقال لا يتجاوز المناورة ، لأن الطرف الفلسطيني لا يستطيع دفع الثمن، وتحمل ردود الأفعال الإسرائيلية، وهذا أمر كان معلوما عند الرجوب وعند مرجعيته، ولكن الطرف الفلسطيني قرر المناورة الإعلامية ، واتباع حافة الهاوية لتحقيق أمرين :
الأول صناعة مظهر وطني مقاوم من خلال الرياضة ومن خلال منصة الفيفا، على نحو يمنح السلطة ورقة تجارية في الداخل الفلسطيني. والثاني يهدف للحصول على بعض التسهيلات من طرف دولة الاحتلال في مقابل التراجع وسحب مقترح طلب الإقصاء، لأن هذه الفرصة لا تتكرر إلا في فترات متباعدة زمنيا.
كان التراجع عن طلب التصويت على إقصاء دولة العدوان مفاجئا لمن صدق المناورة، ومن ثمة حصلت عنده صدمة من قرار الرجوب، ولكن من خبر السلطة، وتعمق سياستها القائمة على الشراكة التفاوضية مع السلطات المحتلة، يدرك مسبقا أن ما يجري في الإعلام لن يتم في الميدان عند اجتماع الفيفا، وهذه القناعة كانت راسخة عند الطرف الإسرائيلي، وما جرى من استبدال (الإقصاء) بما أسمته الفيفا (بالتنقيح)، والذي تمثل بتشكيل لجنة من الفيفا لمساعدة الطرف الفلسطيني فيما يتعلق بسفر اللاعبين الفلسطينين لاحقا لا يزيد عن استكمال مشترك لإجراءات المناورة، بعد الاتفاق على الإجراءات مسبقا في الغرف المغلقة، لذا رحب رئيس الوفد الإسرائيلي باللجنة، وذهب مبتسما لمصافحة الجنرال الرجوب، الذي رد بابتسامة مماثلة ؟!
حديث الطرف الفلسطيني عن تراجعه بسبب اتصالات عربية وغير عربية تطالبه بالتراجع هو نوع من تضليل الرأي العام الفلسطيني على الأقل، فالقضية مثارة منذ أسابيع، وقد قدم (بلاتر ) نفسه إلى المنطقة والتقى الطرفين الفلسطيني والصهيوني ، ومواقف الدول العربية وغير العربية كانت معلومة للطرفين بحساب دقيق قبل انعقاد اجتماع الفيفا. لذا فإنه لمن العار إخفاء الحقيقة وتحميل أطرافا عربية ( لم يحددها وتركها مجهولة عمدا، لأن الضغوط بصراحة لم تكن موجودة من أصله).
ما حدث في اجتماع الفيفا من تراجع فلسطيني هو نتيجة للحسابات التفاوضية ، و يمكن أن يحدث مثله في ملف محكمة الجنايات الدولية، ومن ثمة فنحن نسمع من السلطة في هذا الملف جعجعة عالية، ولا نرى طحنا، ومن المنتظر أن نبقى نعاني من المناورة الفلسطينية في ملفات عديدة بسبب غياب إرادة التخلص من عبء ملف المفاوضات نفسه، لأنه يستحيل أن تتمسك السلطة بالمفاوضات، وتذهب في الوقت نفسه لشكاية من تفاوضهم لمحكمة الجنايات؟!
لقد قدم لنا ملف الفيفا يقينا إضافيا لما عندنا حول إدارة السلطة للملفات الأخرى كملف محكمة الجنايات، وملف تدويل القضية والخروج من الرعاية الأميركية والمفاوضات الثنائية، وملف القدس واللاحئين.
قتل جديد لأيتام غزة بأيد فلسطينية
أيمن تيسير دلول / المركز الفلسطيني للاعلام
في إحدى ليالي شهر نوفمبر الماضي شديدة البرودة، وبعد الحرب الشرسة التي شنتها (إسرائيل) على غزة اصطحبني أحد مدراء الجمعيات الخيرية في حي الزيتون بمدينة غزة بجولة ميدانية على عدد من الأسر الفقيرة التي تكفلها الجمعية لتسليط الضوء إعلاميا من جانبي على معاناتها.
كانت محطتنا الأولى والأخيرة في ذلك اليوم، عائلة فقيرة تسكن في الخلاء، وجدنا طفلين لا تتجاوز سنوات عمرهم أصابع اليد الواحدة، يتجولون في محيط المنزل، ويلتقطون بعض نباتات الأرض، أذكر حينها أنها كانت "بصل أخضر" ويقومون بأكلها دون شيء آخر والدموع تنهمر من عيونهم، حينها توقفتُ فسألت أحد الأطفال عن سبب أكلها، فصدمني بإجابته: "والله يا عمي ما في عنا في البيت غير البصل ناكله منذ سبعة أيام". اقشعر بدني من كلماته فطلبنا التعرف على أحوال البيت، فكان عبارة عن ألواح من الصفيح المهترئ وبعض الملابس البالية التي تحاول العائلة أن تستر بها نفسها من عيون المارة.
تجولتُ قليلا، وابتعدنا بضعة أمتار عن البيت لنجد كرسيا موضوعا أسفل شجرة زيتون "وقد اعتدنا على رؤيته في بيت قضاء الحاجة" وتحيط به مجموعة من الملابس البالية وبلا سقف، حينها سألت: "ما هذا؟"، فأجابتني امرأة ترعى أطفالها: "هذا بيت قضاء الحاجة"، قلت لها: "وكيف تقضون حاجتكم خلال الليل؟، فقالت: "أخرج برفقة أبنائي رغم البرد والمطر والكلاب الضالة".. حينها نزلت دموعي دون إرادة مني، وقلتُ لها: "وابنتك الجامعية تقضي حاجتها في هذا المكان".. قالت: نعم..
خرجتُ من المكان بصحبة مدير تلك الجمعية، وأخبرني خلال رحلة عودتنا أنه كلما تفقد تلك العائلات لم يذق طعما للنوم والراحة لأيام وليالي طويلة، لكنه أخبرني أن هذا المنزل تبرع أحد رجال الخير من إحدى الدول الخليجية لبنائه حتى يستر تلك العائلة وأيتامها مما هم فيه. لكنني قابلت مسئول تلك الجمعية بعد أيام والحسرة في عينيه حينما أدركتُ بأن بنك فلسطين قام برد الحوالة المالية لتلك العائلة، ورفضت تسليمها للجمعية التي كانت بصدد تنفيذ بناء منزل لتلك العائلة.
مرت الأيام والشهور وتكشفت الحقيقة المؤلمة، فقد اشتد الحصار على قطاع غزة بعد حرب تموز/يوليو عام 2014م من قبل الاحتلال الصهيوني، وهذا متوقع من الاحتلال، لكن أن تقوم المؤسسات الفلسطينية بهذا الدور بجدارة كما يقوم بنك فلسطين فهذا يطرح تساؤلات كبيرة.
بحثت في الأرقام، لمعرفة الدور الذي يمارسه ذلك البنك، كون لغة الأرقام هي الأقرب للعقل والمنطق، فوصلت إلى النتائج المروعة التالية:
1- قام بنك فلسطين بتجميد حسابات 31 جمعية خيرية في قطاع غزة خلال الأعوام 2014م و 2015م فقط.
2- رفض البنك المذكور فتح حسابات لـ 50 جمعية خيرية، بل وجميع الجمعيات التي تم ترخيصها بعد العام 2006م، أي بعد فوز حركة "حماس" في الانتخابات التشريعية الفلسطينية.
3- قام البنك بإرجاع الحوالات المالية التي تخص الأيتام والفقراء والمعاقين، والمشاريع الخيرية ورفض استلامها، وهي تُعد بالمئات.
وكانت نتيجة هذه الإجراءات من بنك فلسطين "الذي يحصد 60 % من أرباحه من قطاع غزة الذي يشكل مواطنوه 40% من مجموع سكان القطاع والضفة الغربية المحتلة، بينما لا يدفع أي ضرائب أو يدعم مشاريع تنموية لأهالي القطاع المحاصر كسائر المؤسسات الكبيرة في أي مجتمع على وجه الأرض"، كانت نتائج خطواته ما يلي:
1- وقف 40000 كفالة تخص الأيتام والفقراء والمرضى والمعاقين، وهي تُقدر بمبلغ 2 مليون دولار شهرياً.
2- تضرر 11 مدرسة خيرية للأيتام وذوي الاحتياجات الخاصة يدرس فيها ما يقرب من 9000 طالب وطالبة.
3- التأثير على 20 مستشفى ومركز صحي خيري يتردد عليها مليون مريض سنويا.
4- توقف الجمعيات عن تقديم مساعدات لأكثر من 20000 ألف طالب وطالبة من طلاب الجامعات "كانت الطالبة سالفة الذكر إحداهن".
5- التأثير على عملية إعادة الإعمار للبيوت التي دمرها الاحتلال الصهيوني بالكامل أو أصابها ضرر جزئي في العدوان الأخير، والتي تأثر بسببها ما يزيد عن 50000 أسرة فلسطينية.
6- لقد أثرت إجراءات البنك على المساعدات العامة من طرود غذائية والحقيبة المدرسية ومشاريع الأضاحي ومعونة الشتاء بنسبة تخطت الـ 50% من المساعدات التي اعتادت المؤسسات الخيرية تقديمها للأسر الفقيرة في غزة.
وأمام هذا الواقع المؤلم، وفي ظل رفض إدارة بنك فلسطين حتى مجرد التعليق على الاعتصامات التي ينفذها الأيتام والأرامل أمام مقراته في غزة هذه الأيام، ألا نستطيع القول بأن البنك بات أداة من أدوات الاحتلال ما دام يمارس أساليبه في قتل أبناء الشعب الفلسطيني؟ ثم إن كان الأمر غير ذلك، فهل من المفترض أن يبتز البنك الذي يوسم نفسه بفلسطين الأيتام في أرزاقهم بعدما قتل الاحتلال الصهيوني آبائهم الذين دافعوا عن تراب وممتلكات فلسطين حينما سعى الاحتلال لتدميرها؟ ثم أليس الشهداء هم من حفظوا مؤسسات الوطن وجادوا بدمائهم في سبيل ذلك؟ وهل هكذا يرد البنك الجميل لأبناء الشهداء؟ أليس من المفترض على أصحاب رؤوس الأموال والودائع في البنك مراجعة حساباتهم بعد هذا الدور المشبوه للبنك وتحريك أموالهم من البنك لخارجه؟.
الأمعاء الخاوية سبيل الأسرى
أيمن أبو ناهية / فلسطين اون لاين
إن عودة الأسير خضر عدنان إلى الإضراب المفتوح عن الطعام يأتي نتيجة الانفجار الذي كان متوقعا لما تمارسه إدارة سجون الاحتلال لأعنف أساليب التعذيب والتضييق والحرمان من الحقوق في محاولة لتدمير حالتهم النفسية والشخصية بشكل مقصود ومتعمد وقد صعدت من لهجة انتهاكاتها بحق الأسرى في الأيام الأخيرة، وخاصة على صعيد التحقيق والتعذيب والعزل الانفرادي والإهمال الطبي المتعمد، وحرمان الأهل من الزيارات، كل ذلك من أجل التأثير على صمودهم الذي أغاظ وقهر السجان.
فقد ذكرت في مقالات سابقة أننا مقصرون بحق أسرانا، وهذه حقيقة نعترف بها ومهما قدمنا من مبادرات ومواقف تضامنية لمساندهم ولو أنها مطلوبة وواجبة علينا، لكن تبقى هذه الأنشطة والفعاليات التضامنية تراوح مكانها لا جدوى منها طالما أننا لم نستخدمها كورقة ضغط لمحاسبة الاحتلال قانونيا، فلماذا لا نبحث عن مطالب جدية بوضعية أسرى الحرب لأسرانا، مع أن القانون الدولي الإنساني واضح وصريح وفيه من المداخل الكثير مما يدحض المزاعم والتفسيرات الإسرائيلية بهذا الخصوص، بدءاً بإثبات وضعية النزاع المسلح الدولي والاحتلال العسكري، ثم انطباق ونفاذ نصوص القانون الدولي الإنساني والإلزام القانوني للاحتلال الإسرائيلي بها، وصولاً إلى تأكيد صفة المقاتلين الشرعيين على أسرانا وتوفر شروط أسرى الحرب فيهم، مما يتيح لنا المجال في مقارعة (إسرائيل) جدياً بالدليل والبرهان القاطع في هذه القضية.
كما أن موضوع الاعتقال الإداري الذي تنتهجه (إسرائيل) بشكل تعسفي يرقى إلى درجة العقاب الجماعي، يفتح المجال واسعاً أمام إدانة قانونية مؤكدة لـ(إسرائيل) في انتهاكها وتحريفها جوهر القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان لما يخدم توجهاتها ومصالحها. فالاقتناع بجدوى السلاح القانوني في المعركة الإنسانية النضالية للأسرى الفلسطينيين ضد المحتل، وأقصد هنا "سلاح الجوع" هو السبيل الوحيد للأسرى، فإذا كان السبيل متاحا من قبل الأسرى للارتقاء بهذا السلاح إلى ما قد يؤرق الاحتلال عبر هيئات القضاء والقانون الدوليين فلماذا لا نسعى لهذا الحق القانوني لنحمي أسرانا من بطش السجان.
إن الاستسلام لسياسة الاحتلال بالتعامل مع الأسرى الفلسطينيين باعتبارهم سجناء جنائيين، يحتجزون ويحاكمون ويسجنون لارتكابهم مخالفات جنائية وفق القوانين الإسرائيلية، يعطيه الضوء الأخضر لمواصلة جرائمه ضد أسرانا، الذي يرفض التعامل معهم بوصفهم، أو بوصف أعداد منهم، أسرى حرب، وذلك لنزع الصفة النضالية الشرعية عن مشاركتهم في الأعمال القتالية، وحصر صفتهم القانونية بخانة الإرهاب أو المقاتلين غير الشرعيين، بهدف تغيير الصورة المشرقة لنضال الأسرى وإضفاء صفة المجرمين عليهم حتى لا يمكن أن تصنف وضعيتهم وفق القانون الدولي، ولكي يسقط عنهم حق أسرى الحرب، وأيضًا كي يبعد عن نفسه كل الشبهات والالتزامات القانونية بحقهم، وهذا من شأنه أيضًا إطلاق يده في شرعنة التعذيب والقتل والنفي للأسرى كيفما يشاء، دون محاسبة.
فلا بد من كلمة شرف نفتخر ونعتز بها؛ أقول: أيها الأسرى، أنتم الشرفاء، وإن أساليب الاحتلال ساقطة، وستشرق بإذن الله عليكم شمس الحرية عاجلاً أم آجلًا، وسيعلم القاصي والداني أنكم على حق وستنصرون ولو بعد حين بصمودكم وصبركم بأمعائكم الخاوية على طريقة الرسول (صلى الله عليه وسلم) الذي كلما اشتد عليه الجوع ربط على معدته حجرا، والكل يعرف ما قيمة الحجر في عرفنا، وكم هو مكروه في عرف الاحتلال، فعليكم أن ترفعوا رؤوسكم وهاماتكم عالية، وألا ترفعوا الراية البيضاء، وألا تستسلموا للسجن والسجان حتى تتحقق مطالبكم ومطالب شعبكم الذي ينتظر عودتكم بصيد ثمين.


رد مع اقتباس