مقابلة خاصة مع رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض مع مجلة ديرشبيغل الألمانية
ترجمة مركز الإعلام – 19/9/2011
" فلسطين دولة مستقلة أمرا حتميا"
ناقش رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض البالغ من العمر 59 عاما في مقابلة مع مجلة ديرشبيغل مشاريع الفلسطينين المثيرة للجدل للمطالبة بالعضوية لدولتهم في الأمم المتحدة يوم الجمعة القادم، ولماذا يعتقد بأنه لا يتوجب اعتبار هذا التصرف تحركا أحادي الجانب.
ديرشبيغل: سيدي رئيس الوزراء هل سيدون اسمك في التاريخ كأب مؤسس للدولة الفلسطينية؟
فياض: لا أعلم إذا كان هنالك دولة فلسطينية خلال فترة وجودي في الحكومة ولكن لا أشك بأنها ستحدث.
ديرشبيغل: خلال السنوات الماضية كنت مشغولا ببناء المدارس والطرق وإصلاح الإدارة وتحركت بحزم لمحاربة الإرهاب. هل فلسطين مستعدة للاستقلال؟
فياض: نعم نحن مستعدون. ولست أنا فقط من يقول هذا - فهناك منظمات مثل البنك الدولي وصندوق التمويل العالمي والأمم المتحدة. فقد أكدوا بالفعل في نيسان أبريل بأن السلطة الوطنية الفلسطينية قد قطعت المرحلة المتصلة بإعلان الدولة. بالنسبة لي هذه شهادة ميلاد لدولتنا. حتى لو لم تقم إسرائيل بإنهاء الاحتلال فإن حقيقة مشروع عضوية الدولة الفلسطينية سيخلق في الواقع ضغطا حيث سيكون استقلال فلسطين أمرا محتوما.
ديرشبيغل: لقد ذكرت في برنامجك السياسي لعامين والذي ينتهي في غضون الأيام القليلة القادمة "إنهاء الاحتلال، تأسيس الدولة" هل وعدت بالكثير؟
فياض: وصف الكثير من الناس هذا البرنامج بالطموح، وأنا كنت أحدهم في البداية. إلا أننا اليوم أقرب للديمقراطية مما كنا عليه. بالطبع أنا خائب الآمال من حقيقة فشل العملية السياسية، والتي من غير المرجح أن تخلصنا من الاحتلال الإسرائيلي في أيلول أو بعد هذا الشهر بقليل.
ديرشبيغل: من المتوقع أن يلقي الرئيس محمود عباس خطابا أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في 23 أيلول، وأنه سيطلب بعد ذلك بقليل الاعتراف بالدولة الفلسطينية كدولة عضو في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. هل أنت مع الذهاب إلى مجلس الأمن، على الرغم من أنه يعني مواجهة مع الولايات المتحدة الأمريكية والتي أعلنت أنها ستستخدم حق النقض الفيتو؟
فياض: إذا فكرت للحظة أنه بتلك الطريقة من الممكن أن نحصل على العضوية بشكل كامل في الأمم المتحدة فحتما سأذهب. إلا أن هنالك فجوة بين ما أود الحصول عليه وما بإمكاني الحصول عليه. فإذا تأكد أن هذا التحرك سيكون فاشلا في مجلس الأمن، وهذا ما يعتقده الأغلبيه بشكل عام، سأقول: دعونا ندخل مسارا أكثر شمولية والذي يضمن عملنا يد بيد مع المجتمع الدولي. يتوجب علينا الحصول على أكبر تأييد متحالف معنا حتى لا يحدث انقسامات في الاتحاد الأوروبي أثناء التصويت.
ديرشبيغل: أوروبا فعلا منقسمة بآرائها. فقد صرحت ألمانيا في وقت مبكر من هذه السنة أنها ضد مبادرة الأمم المتحدة، في حين تميل فرنسا وإسبانيا إلى دعمها.
فياض: لا أسمي هذا انقسام، فما نقوم به متلائم مع الموقف الإجماعي للاتحاد الأوروبي في 2009 ، والذي تم التأكيد عليه العام الماضي. ماذا لو، فقط للتوضيح، بأننا ذهبنا إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة وعرضنا مسودة القرار، حيث أخذنا المقدمة حرفيا من موقف المجلس الأوروبي عام 2009؟ لا يستطيع أحد عند ذلك إخبارى سبب ممانعة المجلس الأوروبي للقرار.
ديرشبيغل: على الأغلب ستتمكن الأمم المتحدة من منح فلسطين مرتبة دولة مراقبة بدون عضوية - كما هو الحال مع الفاتيكان.
فياض: إذا أعلنت الأمم المتحدة استعداد فلسطين لتكون دولة، فسيشكل هذا التوثيق لوحده إنجازا أساسيا لنا نحن الفلسطنين.
ديرشبيغل: إلا أن فلسطين ستبقى بعيدة عن حصولها على الاستقلال
فياض: الأمم المتحدة لا تعترف بالدول- بل الدول هي من يعترف ببعضها البعض. فبعدما أعلن الرئيس الراحل ياسر عرفات استقلالنا في عام 1988 اعترفت العديد من الدول بفلسطين. خلال الأشهر الأخيرة كان هنالك ازديادا ظاهرا في أعداد الدول المضافة إلى قائمة الدول الموجودة فعلا والتي ستعترف بفلسطين. تتحرك الدول للاعتراف بنا، وكما تحسن تمثيلنا في عواصمها أيضا. تم تأسيس أطر عمل بناءة للتعامل مع السلطة الوطنية الفلسطينية على أنها دولة ذات سيادة، فالعالم يعترف فعليا بنا.
ديرشبيغل: على الرغم من ذلك فأن العديد من الدول المهمة ما زالت تمتنع عن دعم الاستحقاق في الأمم المتحدة، وبخاصة ألمانيا والتي تتصرف هكذا مراعاة لإسرائيل، فهل أنت محبط؟
فياض: لامجال لأن تجبرني على القول أنني خائب الأمل عندما يتعلق الأمر في أصدقائنا كألمانيا. سأخبرك ما الذي يخيب أملي بشكل عام: الردود العكسية والجدل بأننا نتصرف بشكل أحادي الجانب. هذا لا يسمى توجه أحادي الجانب! فالأمر لا يتعلق بإعلان الدولة أحادي الجانب. إن غايتنا السياسية هي دولة ذات سيادة على 22% من الأراضي التي خضعت للانتداب البريطاني. وهذا تجسيد كامل للحل القائم على أساس دولتين. أليس هذا ما تؤكد الحكومة الإسرائيلة أنها تريده؟
ديرشبيغل: انهارت المفاوضات الأخيرة مع إسرائيل قبل عام. هل ما زلت تؤمن بعملية السلام؟
فياض: بالطبع، هناك حاجة للمفاوضات مع إسرائيل. لا يمكن إيجاد حل دون العملية السياسية.
ديرشبيغل: لم يجتمع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مع الرئيس محمود عباس منذ ذلك الوقت.
فياض: لا تكمن مشكلة مفاوضات في عدم وجودها. أجد أنه من المؤسف بعد مرور 18 سنة لم يعد واضحا ما الذي نتحدث عنه. نتفاوض على المبادئ بدلا من الضمانات والتنسيقات. إلا أن ما نحتاج إليه اتفاقيات ثابته بدلا من إضاعة الوقت في استخلاص تصريحات مقتضبه.
ديرشبيغل: في أثناء ذلك تستمر إسرائيل بتوسيع المستوطنات في الضفة الغربية والقدس الشرقية. أعداد متزايدة من الفلسطينين بدأوا بالشعور بأن فكرة الدولة الفلسطينية محض خيال على نحو متزايد. هل مايزال الحل القائم على أساس دولتين يقدم فرصة؟
فياض: نحن جميعنا مدركين للحقائق المغايرة للواقع والتي تستمر بالظهور لتتضارب بذلك مع الحاجة إلى الدولة الفلسطينية. فأنا لاأزال أعتقد بأن الحل القائم على أساس دولتين ممكن، وعلى الناس أن لا يتسرعوا لإعلان موت هذا الحل أيضا. لأنه ما هو البديل بالتحديد؟ وهذا هو السؤال الذي يجب على إسرائيل توجيهه.
ديرشبيغل: بدون المفاوضات وعضوية الأمم المتحدة فإن مشروع بناء الدولة من الممكن أن يخفق قريبا.
فياض: أوافق على هذا الكلام. أنا ربما كنت أول من قال: إن أي عمل نقوم به يجب أن ينظر إليه على أنه ممارسة ستقودنا إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وهذا لا يشكل جزءا من الجهود التي تتأقلم مع واقع احتلال طويل الأمد.
ديرشبيغل: أعلنت إسرائيل أنها بصدد إتخاذ إجراءات ثأرية ردا على مبادرة الأمم المتحدة، هل تخشون من تفجر العنف من جديد؟
فياض:إن مبدأ اللاعنف هو خيارنا الاستراتيجي، وهو الامر الذي أؤمن به أنا شخصيا حيث أنه يملك قوة هائلة. أنا لن أتخلى عن هذا المسار وفي نفس الوقت يمتلك شعبنا الحق في تمثيل نفسه. فإذا احتج شعبنا للحصول على الحرية لا نعتبر هذا الأمر جريمة.
ديرشبيغل: يتطلع العديد من الفلسطينين بتلهف إلى مصر وليبيا، وهما الدولتان اللتان نجح شعبهما في الاحتجاجات للحصول على الحرية. من المحتمل أن يفكرالفلسطينيون: لم لا نقوم نحن بذلك؟
فياض: إن الربيع العربي قد بدأ في فلسطين قبل وقت طويل من تفجره في بقية العالم العربي. لماذا كل هذه الاحتجاجات؟ إنها عن رئاسة الحكومة وحقوق المواطنين. وهذا ما شرعنا به بالتحديد في برنامجنا قبل عامين: حقوق المواطنين بشكل كامل ومنح حق الاقتراع وحكومة للشعب. إلا أنه لدينا اعتبارا مختلفا: الناس تذهب إلى الشوارع للاحتجاج على الاحتلال. أنت لا تتحدث إلى شخص معاد لذلك، أنا مناصر متحمس لمبدأ المقاومة اللاعنفية. وهذا جزءا مما يتوجب علينا فعله.
ديرشبيغل: كيف ستحول دون خروج مثل هذه الاحتجاجات عن السيطرة؟
فياض: سأجيب بسؤال: لم لا تتعامل الحكومة الإسرائيلية مع الاحتجاجات السلمية في الجانب الفلسطيني بنفس الطريقة التي تتعامل فيها مع الاحتجاجات السلمية في شوارع تل أبيب؟
ديرشبيغل: حيث احتج مئات الآلاف من الإسرائيلين على السياسة المحلية لأسابيع منذ الآن.
فياض: لم يتم إطلاق ولا رصاصة مطاطية في تل أبيب، ولا وجود للغاز المسيل للدموع، وإذا تم استخدامه هنالك فأنا واثق بأنهم لن يرموا عبوات الغاز باتجاه المحتجين. لا يقبل أحد بها، ولا الإسرائيلين يقبلون بها. يستبد الاحتلال بنا، لكنه أمر مزعج للمجتمع الإسرائيلي.
ديرشبيغل: إسرائيل تهدد بوقف تحويل أموال الضرائب والجمارك للسلطة الوطنية الفلسطينية إذا واصلت الأخيرة المطالبة بالحصول على العضوية في الأمم المتحدة، من المحتمل أن تصبحوا بدون أموال في القريب العاجل.
فياض: نحن حقا في غمرة الأزمة، فدفع الرواتب أمر صعب حتى الآن.
ديرشبيغل: هل ستنهار السلطة الوطنية الفلسطينية إذا قامت إسرائيل بوقف تدفق الأموال؟
فياض: نحن نعمل بالفعل على تخفيض الميزانية من أجل أن نقلل اعتمادنا الفعلي على المساعدات. بعض الناس يستغلون الأزمة للتدليل على أنه لا يمكننا تأسيس دولة خاصة بنا، فيقولون: انظروا حتى أنهم لا يملكون المال لدفع رواتب الموظفين. إلا أن هنالك عشرات الدول التي احتفظت بكيانها لعشرات العقود بالرغم من أنها اضطرت إلى العيش في مثل هذه الأزمات فهل حرمها هذا من حقها الشرعي كونها دولا؟ لا.
ديرشبيغل: هذه السنة الرابعة لك كرئيس للوزراء، إلا أنه لم يتم أبدا انتخابك. هل فلسطين دولة ديمقراطية؟
فياض: أعتبر نفسي ديمقراطيا، وبناء عليه فقد كنت متحمسا لإنهاء الانقسام عند ظهور الخلاف بين حركتي حماس وفتح. يتوجب علينا التغلب على هذا الانقسام من أجل أن نصبح دولة ديمقراطية تعمل بشكل كامل.
ديرشبيغل: هل ستكون هناك حكومة مشتركة بين حركة فتح في الضفة الغربية وحركة حماس في قطاع غزة قريبا؟
فياض: لم لا؟ فما الذي سنقوم به؟ نقسم البلاد؟ أنا شخص أتطلع إلى اليوم الذي ستحدث فيه المصالحة.


رد مع اقتباس