النص الكامل لخطة نتنياهو السياسية

القى رئيس وزراء اسرائيل نتنياهو كلمة امام الكنيست تحدث فيها عن مشروعه السياسي الذي يريد ان يطرحه في واشنطن خلال زيارته التي تبدأ مساء الخميس ، حيث سيلتقي الجمعة مع الرئيس الامريكي اوباما ، كما سيلقي كلمة امام الكونغرس الامريكي وكلمة اخرى امام اللوبي اليهودي ايباك ، وهذا النص الكامل لكلمة نتنياهو امام الكنيست ، والتي طرح فيها خطته السياسية التي رفضتها السلطة الوطنية ...

صديقي رئيس الكنيست رؤوفين ريفلين،

زملائي الوزراء ونواب الكنيست الموقرين،

لقد تزامن يوم أمس الأول ، أي يوم العاشر من أيار [وفق التقويم العبري] ، مع مضي 107 عام على وفاة بنيامين زئيف هرتصل [مؤسس الحركة الصهيونية]. وليس من باب الصدفة أن تكون اللوحة التي ترسم صورة هرتصل هي اللوحة الوحيدة المعلقة هنا في قاعة الكنيست. إذ كان هرتصل أعظم قائد للشعب اليهودي في العصر الحديث. إنه أدرك جيداً أوضاع الشعب اليهودي في عصره ورصد التغييرات الكبيرة التي حدثت وأثرت على شعبنا واستشرف بوضوح ضرورة إقامة دولة يهودية ضماناً لبقاء الشعب وضرورة تكوين جيش يهودي باعتباره شرطاً أساسياً لاستمرار وجود الدولة اليهودية ، لا بل إنه أكد ضرورة أن يكون هذا الجيش قوياً ومزوداً بالأسلحة الحديثة القائمة على التقنيات المتقدمة.

أرجو الاستشهاد بما كان "هرتسل" قد كتبه بهذا الخصوص عام 1896: "سيتولى جيش الدولة اليهودية المجهز بأحدث أنواع الأسلحة حماية الدولة من الداخل والحفاظ على حدودها". لقد أدرك "هرتسل" أنه لن تكون هناك أي جهة أخرى تدافع عنا بل ستقتضي الحاجة أن ندافع عن أنفسنا بقدراتنا الذاتية. ومضى هرتسل يقول: "أرجو أن يكون الاستيطان قابلاً للدفاع عنه في إطار جيش يهودي خاص بنا".

كان هرتسل صاحب رؤية لكنه كان في الوقت ذاته واقعياً. إنه أدرك أن اليهود سوف يُضطرون لحماية أنفسهم حتى بعد قيام دولتهم. وقد نعته البعض ب"المجنون" بسبب طرحه فكرة حماية الدولة اليهودية ، ناهيك عن تعرضه للكثير من الاستهزاء عند حديثه عن رؤيته المتعلقة بالجيش اليهودي. ومما يثير الاهتمام على هذا الصعيد تحديداً هو أنه رغم نجاح هرتسل في حشد دعم عدد من عمالقة عصره من أبناء الشعب اليهودي مثل نورداؤ [كاتب ألماني مشهور أصبح نائباً لهرتصل ثم خليفته في رئاسة المؤتمرات الأولى للحركة الصهيونية] وزانغفيل [كاتب بريطاني مشهور] وآخرين ، إلا أنه تعرض للسخرية الشديدة بالذات لدى الطبقات الميسورة والمثقفة من أبناء شعبنا في دول الغرب بينما أبدى جماهير شعبنا من اليهود البسطاء في قرى ومدن شرق أوروبا وتحديداً في بولندا وروسيا وأوكرانيا استعداداً أكبر لقبول رؤية هرتصل والالتفاف حول أفكاره.

أما الآن فنستطيع تقدير ما استهزأ به الكثيرون من أبناء شعبنا بشكل أفضل ، إذ أصبحنا نعلم بحقيقة أن ميزة هرتسل الأولى وذات التأثير الأشد ما هي إلا قدرته على تشخيص الحالة المتغيرة وطرح الحل لها ، حتى وإن لم ينَل هذا الحل قبول القيادات اليهودية في عصره. وكان هرتسل يملك تلك الخصلة التي لم يتحلَّ بها إلا القلائل وهي القدرة على استشراف تكوّن العداء لليهود في عصره عندما كان في مراحله الأولى لا بل في مهده ثم – وبما لا يقل عن ذلك أهمية – القدرة على إدراك وجهة هذا العداء على وجه التحديد. ويصح القول إن هرتسل لم ينجح في حشد دعم كل اليهود للحل الذي طرحه لكنه تمكن من توحيد الكتل الصهيونية حول أفكاره المحورية. وأعتقد بأن الحركة الصهيونية لما كانت ستتغلب على القوى الكبيرة التي تصدَّت لها في العالم لولا وجود هذه النواة من الإجماع الداخلي فيها.

أرجو حصر العِبَر والدروس التي يمكن استخلاصها حالياً من مجمل النشاطات التي قام بها هرتسل في حينه:

إن العبرة الأولى هي ضرورة تشخيص الواقع المتغير. ويشهد الشرق الأوسط حالياً تغييراً دراماتيكياً سريعاً حيث هناك مئات الملايين من الأشخاص في المنطقة المحيطة بنا الذين يتوقون للحريات السياسية والاقتصادية ويكافحون من أجل تحقيقها. وقد أصبحت هذه التغييرات حتمية ومن غير المستبعد أن تكون إيجابية على المدى البعيد. إنني أتمنى على كل حال أن يكون الأمر كذلك سواء من منطلق مصلحة أولئك الأشخاص أنفسهم أو من منطلق دفع فرص تحقيق السلام وقدرته على الصمود إذا ما تكلل كفاحهم بالنجاح. غير أن المدى الفوري – أي تلك المرحلة الانتقالية – قد يشهد تفاقماً للمشاكل والتحديات التي نجابهها. إننا نشهد ما يجري في مصر وسوريا ولبنان علماً بأن لبنان أصبح خاضعاً لسيطرة حزب الله برعاية إيرانية بعد مضي 5 سنوات ليس إلا على ازدهار الآمال في تحقيق الحرية والتقدم فيه.

كما أننا نشهد ما جرى بالأمس على امتداد حدود دولة إسرائيل حيث احتشد الآلاف على الأسيجة الحدودية محاولين اقتحام أراضينا والاعتداء على سيادتنا. ويجب القول إن مثيري الشغب يعتبرون أن مرور 63 سنة على استقلال إسرائيل لم يغير شيئاً. فماذا قاله المتظاهرون في غزة أمس؟ إنهم استصرخوا مؤكدين رغبتهم في العودة إلى يافا. وماذا قال المتظاهرون في سوريا؟ قالوا إنهم يريدون العودة إلى الجليل. وماذا قاله أمس رئيس حماس في غزة؟ إنه قال الآتي: "نريد رؤية نهاية المشروع الصهيوني" وهو ذات الكلام الذي يتحدث به رُعاته الإيرانيون.

أيها الأصدقاء، إن هذه التصريحات لم تقتصر على هذه المواقع فحسب بل كان الشيء الأكثر إثارة للاهتمام هو ما جرى في بلعين (حتى وإنْ لم يجرِ هناك فقط) ذلك لأن التظاهرة التي جرت في بلعين أول أمس أباحت بالسرّ ، إذ شاركت في المسيرة التي جرت في بلعين طفلة صغيرة ممسكة بيديْها مفتاحاً كبيراً ورمزياً علماً بأن أي فلسطيني يدرك حقيقة مغزى هذا المفتاح. إنه لا يشير إلى مفاتيح بيوتهم في بلعين أو نابلس أو رام الله بل يشير إلى مفاتيح بيوتنا في يافا وعكا وحيفا والرملة.

أيها الأصدقاء، إن جذور النزاع لم تعُد قط إلى عدم وجود دولة فلسطينية بل إنها كانت وما زالت تعود إلى رفض الاعتراف بالدولة اليهودية. إن النزاع لا يدور حول 1967 بل حول 1948 أي حول مجرد وجود دولة إسرائيل. وبالطبع تنبهتم إلى حقيقة إجراء فعاليات أمس ليس تزامناً مع يوم 5 يونيو حزيران الذي يوافق بدء حرب الأيام الستة [1967] بل تزامناً مع يوم 15 مايو أيار الذي يوافق ذكرى إقامة دولة إسرائيل التي يسميها الفلسطينيون "ذكرى النكبة". غير أن النكبة الحقيقية التي تعرضوا لها هي عدم نشوء قيادة لديهم كانت مستعدة لتقبل الحل الوسط التأريخي الحقيقي بين الشعبيْن الفلسطيني واليهودي. ويؤسفنا القول إن أي قيادة مستعدة للاعتراف بإسرائيل بصفتها الدولة القومية للشعب اليهودي لم تنشأ لديهم منذ ذلك الحين وحتى اليوم.

أيها الأصدقاء، لا يجوز لنا أن نضع رؤوسنا في الرمال بل يجب علينا أن ننظر إلى الواقع على حقيقته ونفقهه بعيون مفتوحة. يجب أن نتوقف أخيراً عن جلد الذات وإلقاء اللوم على أنفسنا والشروع في تسمية الأمور بمسمياتها الحقيقية، إذ إن سبب غياب السلام ما هو إلا رفض الفلسطينيين الاعتراف بدولة إسرائيل بصفتها الدولة القومية للشعب اليهودي. وأرجو القول إنني أشعر ، إزاء هذا الواقع الذي يسود المنطقة عامة والمناطق المحيطة بحدودنا على وجه الخصوص ، بأن هناك إدراكاً يتبلور شيئاً فشيئاً لدى معظم أبناء الشعب يجعله ملتفاً حول المواقف التي أقول بها والتي سوف أطرحها هنا.

إن الشعب ملتف أولاً حول ضرورة الدفاع عن الدولة وحدودها.

إنه ملتف ثانياً حول ضرورة حماية السلام مع مصر والأردن.

كما أنه ملتف ثالثاً حول ضرورة التعامل مع الخطر المتمثل بحصول إيران على السلاح النووي. وأعتقد أيضاً بأن غالبية الشعب تلتف حول مواقفي في قضية خلافية ظاهرياً تخص العملية السياسية الجارية مع الفلسطينيين.

إن المواطنين الإسرائيليين يجتمعون على مواقف بشكل يزيد كثيراً عما يعتقد به الكثيرون وعما تقوله الأحزاب المفروض أن تمثلهم هنا في هذا المقرّ [الكنيست]. إذ ثمة إجماع واسع على المواقف الأساسية وهي كالتالي:

أولاً – ما يتعلق بمطالبتي الفلسطينيين بالاعتراف بإسرائيل بصفتها الدولة القومية للشعب اليهودي.

ثانياً – ما يتعلق بموقفي الذي يوافق موقف الكثيرين ممن يحضر هنا القاضي بضرورة أن يضع الاتفاق بيننا حداً للنزاع وللمطالب الموجهة إلى إسرائيل.

ثالثاً – حول ضرورة أن يتم حل قضية اللاجئين الفلسطينيين خارج حدود دولة إسرائيل وليس داخلها.

رابعاً – أن لا تنشأ دولة فلسطينية إلا ضمن تسوية سلمية لا تمس بأمن إسرائيل. كما أعتقد بأنه يوجد إجماع واسع جداً على الموقف الذي أتشبث به بمعنى ضرورة أن تكون هذه الدولة منزوعة السلاح مع تطبيق إجراءات أمنية حقيقية على الأرض بما في ذلك حضور عسكري طويل الأمد لإسرائيل على امتداد نهر الأردن.

خامساً – إننا نتوافق إلى حد كبير حول وجوب الحفاظ على الكتل الاستيطانية وإبقائها داخل دولة إسرائيل.

سادساً – إنني حريص مثل العديد منكم على الموقف القاضي بضرورة بقاء أورشليم القدس العاصمة السيادية والموحدة لدولة إسرائيل.

هذه هي المبادئ التي أهتدي بها. وأعلم بأن غالبية عظمى من أبناء الشعب يدركون أنه لا يمكن صنع السلام إلا مع مَن يريد تحقيقه. إن مَن يريد القضاء علينا ليس شريكاً للسلام، وبالتالي فإن حكومة فلسطينية يضم نصفها أولئك الذين يصرحون يوماً بعد يوم بأنهم ينوون القضاء على دولة إسرائيل ليست شريكاً للسلام. ويتعين على كل من يقول "يجب صنع السلام مع العدو" أن يُتبع هذه المقولة التي أعرفها جيداً بإضافة صغيرة لكن غير هامشية وهي أنه يتم تحقيق السلام مع العدو على أن يكون العدو قد قرر تحقيق السلام.

هذه هي العبرة الرئيسية المستقاة مما جرى في القرن ال-20 وأعتقد بأنها أيضاً العبرة الرئيسية التي يمكن استقاؤها من القرن ال-21. ويدرك بعض جيراننا وأصدقائنا الكبار هذا المبدأ عندما يتعلق الأمر بأعدائهم اللدودين. إنني أريد صنع السلام مع دولة فلسطينية تضع حداً للنزاع لكنني أرفض وجود دولة فلسطينية تواصل النزاع ؛ إنني مستعد لوجود دولة فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل لكنني أرفض وجود دولة فلسطينية تحلّ محلّ إسرائيل. وأعي حقيقة وجود مَن لا يتفق مع جزء مما قلته هنا اليوم – وقد استمعت إلى هذا الكلام – لكن هناك غالبية كبيرة من الشعب توافق على ذلك.

أيها السيد رئيس الكنيست وأعضاء الكنيست

إذا اختار [الفلسطينيون] السير على طريق الاعتراف بدولة إسرائيل والكف عن ممارسة الإرهاب فإنهم سيجدوننا شعباً موحداً مستعداً لصنع السلام على أن يكون السلام حقيقياً وقائماً على الحلول الوسطى. هذا ما نرغب في تحقيقه. ويجب القول بالمناسبة إن الحلول الوسطى مؤلمة على أي حال إذ لا يجري الحديث عن بلاد غريبة بل عن أجزاء من وطننا وأرض أجدادنا التي نملك فيها الحقوق التأريخية وليس المصالح الأمنية فقط.

أيها السيد رئيس الكنيست ونوابها الموقرين ، كان هرتسل قد خاطب قبل أكثر من قرن المؤتمر الصهيوني حيث تبيَّن وجود الكثير من الكتل التي تختلف في مواقفها ، غير أنه أدرك أن جل ما يجب السعي إليه هو تكوين الإجماع ، ذلك لأنه فهم حقيقة وجود إجماع على الجوهر بين التيارات الصهيونية المختلفة ودعا بالتالي الكتل المختلفة إلى التسامي عن الاعتبارات الفئوية والشخصية والالتفاف حول الأفكار الكبرى التي شكلت القاعدة الأساسية للحركة الصهيونية. ويجب علينا الآن تكرار هذا النهج. وإذا كانت الضرورة قد اقتضت في الماضي توحّد القوى الصهيونية الرئيسية على إقامة الدولة فإنها تستوجب الآن الاتحاد حفاظاً على الدولة ثم ضماناً لمستقبلها.

وبالتالي آن الأوان للاتحاد من أجل مصلحة الدولة في تلك اللحظة التأريخية حيث يقع زلزال شديد في منطقتنا وحيث هناك من يتحدى مجرد وجودنا، وهي لحظة اتفاق معظمنا على المبادئ التي رسمتها هنا. لذلك أناشدكم ، أيها أعضاء المعارضة الصهيونية ، تجاهل الاعتبارات الفئوية ووضع المصالح الشخصية جانباً والانضمام إلينا على أساس المبادئ التي رسمتها هنا لنكوّن معاً جبهة متماسكة من أجل الأمن والسلام والدولة.