حماس تتحول إلى استراتيجية عملياتية تنطلق من الخارج إلى الداخل

بوليسي ووتش – ماثيو ليفيت

ترجمة مركز الإعلام

ملاحظة: الكاتب شغل منصب نائب مساعد وزير لشؤون الاستخبارات والتحليل في وزارة الخزانة الأمريكية.

لقد قصرت حماس تركيزها العملياتي في السابق على إسرائيل، حيث وقعت معظم هجماتها تقريباً داخل الضفة الغربية وغزة وإسرائيل ذاتها. ورغم قتل العديد من غير الإسرائيليين في تلك الهجمات، إلا أن معظمهم كانوا من الضحايا غير المستهدفين للأساليب الإرهابية العشوائية بصفة جوهرية. ومع ذلك، وسّعت حماس مجال عملياتها في الآونة الأخيرة. وتشير المعلومات التي أعلنتها السلطات الإسرائيلية والأمريكية إلى أن الجماعة قد وسعت من نطاق جهودها اللوجستية بل وحتى بعض أنشطتها التخطيطية والعملياتية في مناطق بعيدة مثل العراق والمملكة العربية السعودية وتركيا وسوريا ومصر والصين.

إعادة البناء في الضفة الغربية

منذ أيار/مايو، اعتقلت قوات الأمن الإسرائيلية العشرات من عملاء حماس المنتشرين عبر شبكة تضم نحو ثلاث عشرة خلية مقاتلة واقعة في جنوب الضفة الغربية ومنطقة القدس. وقد نفّذت الشبكة هجوماً واحداً، فجرت خلاله عبوة ناسفة صغيرة بالقرب من "مركز المؤتمرات الدولي" في وسط مدينة القدس في 23 آذار/مارس، مما أدى إلى مقتل مواطن بريطاني وجرح سبعة وأربعين إسرائيلياً. وفي حالة أخرى، نجحت الشبكة في مساعدة منتحر على التسلل إلى داخل القدس من الخليل، لكن السلطات أجهضت تلك المحاولة واعتقلت الانتحاري المحتمل في 22 آب/أغسطس.

وقد ضم أعضاء الشبكة أكثر من عشرين مجرماً جنّدهم عملاء حماس المعتقلين في "سجن كتسيعوت" الإسرائيلي. وكان معظمهم على وشك إنهاء مدة سجنهم في فترة ذلك التجنيد وكان سيتم الإفراج عنهم في وقت قريب، ولذا ركزوا جهودهم على تجنيد أعضاء آخرين والتخطيط لعمليات اختطاف تهدف إلى تأمين الإفراج عن قادة حماس في السجون الإسرائيلية. لقد ساعد زعماء حماس من غزة على توجيه عمليات هذه الخلايا الجديدة في الضفة الغربية وسعوا إلى تزويدهم بالأسلحة من خلال تهريبها عبر سيناء وصحراء النقب إلى جنوب الضفة الغربية.

ومن بين المخططات التي أحبطتها الاعتقالات الإسرائيلية عمليات إطلاق النار واستهداف الإسرائيليين بالقرب من الخليل ومجمع "غوش عتصيون" في الضفة الغربية، والتفجير الانتحاري في القدس الذي كان مخططاً له في 21 آب/أغسطس. وقد جاءت أخبار الاعتقالات مفاجأة بالنسبة للكثيرين بالنظر إلى الهدوء النسبي الذي تمتعت به الضفة الغربية مؤخراً، والذي جاء إلى حد كبير نتيجة التعاون الإسرائيلي - الفلسطيني الذي استهدف أنشطة حماس هناك. إلا أنه على مدى الأشهر الستة الماضية، سجل مسؤولو الأمن الإسرائيليون زيادة بنسبة 25% في عدد التحذيرات التهديدية بشأن هجمات حماس المحتملة في الضفة الغربية، لا سيما في مناطق الخليل ونابلس ورام الله.

الولايات المتحدة والعراق يستهدفان خبير عبوات ناسفة تابع لـحماس

إن الأمر الأكثر غرابة هو ما انتشر من أخبار حول محمد هشام محمد إسماعيل أبو غزالة (المعروف أيضاً باسم منصور/كاظم الحسين)، وهو خبير متفجرات تابع لـحماس استهدفته كل من واشنطن وبغداد بسبب روابطه بـتنظيم القاعدة وإيران وعناصر سابقة من نظام صدام وشبكات مسؤولة عن نشر العبوات الناسفة في شمال العراق ومنظمات إرهابية مختلفة في جميع أنحاء البلاد. وقد أوردته الولايات المتحدة مؤخراً على قائمتها باعتباره "إرهابي عالمي ذو تصنيف خاص" بموجب "الأمر التنفيذي" رقم 13224، الذي يستهدف أولئك الذين ينفذون عمليات إرهابية أو يدعمونها. ووفقاً لبيان صحفي صادر عن وزارة الخارجية الأمريكية الذي أُعلن فيه عن هذا التصنيف، عمل أبو غزالة في مجالات الصواريخ والمركبات الجوية بدون طيار وقام بنشر تصاميم تفجير عن بُعد إلى عناصر من النظام السابق وإرهابيين آخرين في العراق. كما أكدت الوزارة على روابطه مع إيران - "الدولة الرائدة في العالم في رعاية الإرهاب" - وكذلك مع تنظيم القاعدة.

ومن جانبها، عرضت بغداد مكافأة قدرها 50,000 دولار لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى إلقاء القبض عليه. ووفقاً لمستشار الأمن الوطني العراقي موفق الربيعي، يعتبر أبوغزالة من بين كبار مؤيدي التمرد، ولهذا يظهر في المرتبة الثلاثة والثلاثين على "قائمة الـ41 شخصاً المطلوبين" من قبل الحكومة العراقية. كما أن وصف أنشطته الوارد في تلك القائمة مطابقاً تقريباً لذلك الوارد على لائحة وزارة الخارجية الأمريكية.

وربما الأكثر إثارة للدهشة أنه لا يوجد في تصنيف الولايات المتحدة ما يشير إلى أن أبو غزالة انشق عن حماس لينضم إلى التمرد في العراق أو يقيم شراكة مع عناصر مرتبطة بـتنظيم القاعدة. وعلى النقيض من ذلك، أكد البيان الصحفي - بالفعل المضارع - أنه "يلعب دوراً جوهرياً في حماس". ومن الواضح أن أنشطته الإرهابية جذبت انتباه وكالات أمريكية أخرى كذلك، وجاء تصنيف وزارة الخارجية الأمريكية من أجل "تسليط الضوء على التهديد الذي يشكله أبو غزالة مع المساعدة في الوقت ذاته واستكمال إجراءات تنفيذ القانون للوكالات الأمريكية الأخرى".

الاجتماعات العملياتية في المملكة العربية السعودية

تُفيد السلطات الإسرائيلية أن أعضاء حماس اجتمعوا مؤخراً مع مجندين جدد من منطقة الخليل في المملكة العربية السعودية، حيث أعطوهم توجيهات عملياتية تم تمريرها من قادة الجناح العسكري للجماعة في غزة. وكان من بين المشاركين، مأمون قفيشة، الذي وُصِف بأنه "عميل عسكري لـحماس مسؤول عن التعامل مع المجندين الجدد في يهودا والسامرة (الضفة الغربية) من محل إقامته في المملكة العربية السعودية".

لقد كان عملاء حماس في السابق يعقدون اجتماعات في المملكة خلال موسم الحج، كما عُرف منذ فترة طويلة بأن لجنة تمويل الجماعة تعمل انطلاقاً من مدينة جدة، إلا أن أخبار ترسيخ عملاء حماس العسكريين لأنفسهم هناك وعقدهم اجتماعات إرهابية في منازلهم بالسعودية هي أمر جديد. ومن بين الذين جندهم قفيشة - حسين قواسمه، "مهندس" المتفجرات الرئيسي لشبكة حماس التي تستهدفها إسرائيل والتي وردت مناقشتها أعلاه، وكان قد قام بتصميم القنبلة التي تم استخدامها في هجوم 23 آذار/مارس في القدس - كما وُجدت قنبلة أخرى في منزله بالخليل. وعلى نحو مماثل، تم تجنيد أحمد المدهون، وهو أحد زعماء خلية الخليل، في اجتماع آخر في المملكة العربية السعودية من قبل نشطاء حماس من قطاع غزة. وقد ذكرت التقارير أن المدهون حصل على 10,000 دولار لتجنيد وتسليح خلية جديدة لـحماس في الخليل تتمثل مهمتها الرئيسية في اختطاف جندي إسرائيلي.

الأنشطة في سوريا وتركيا والصين ومصر

وفقاً للمسؤولين الإسرائيليين، تعمل حماس الآن على نشر عملائها في جميع أنحاء العالم في العديد من المهام، لا سيما شراء الأسلحة. ففي شباط/فبراير، اعتقل عملاء إسرائيليون ضرار أبو سيسي، وهو مهندس صواريخ تابع لـحماس من غزة كان يعمل في أوكرانيا. وفي تموز/يوليو، اعتقلوا أيمن الآدم، وهو أردني من أصل فلسطيني تنحدر عائلته من منطقة الخليل. وقد استخدمه قادة حماس في سوريا لإرسال أموال وتعليمات حول كيفية تجميع القنابل وتنفيذ عمليات الاختطاف إلى أعضاء من خلية الخليل. وأثناء استجوابه، ذكر الآدم أن المتعامل معه من حماس في سوريا أرسله في مهام ليس فقط إلى الخليل، وإنما إلى تركيا والصين كذلك.

وبالإضافة إلى ذلك، يؤكد المسؤولون الأمنيون الإسرائيليون أن نطاق وحجم النشاط العملياتي والسياسي لـحماس في تركيا - وهي مكان مريح للجماعة منذ فترة طويلة - زاد بشكل كبير خلال العامين الماضيين. والأمر غير الواضح هو مدى معرفة السلطات التركية بالجهود العملياتية. لقد كان عملاء حماس عل مدى الأشهر القليلة الماضية ينقلون بعضاً من أنشطتهم من سوريا إلى تركيا، حيث يتمتعون بحرية عملياتية أكبر في ظل حكومة أردوغان. ووفقاً لجهاز الأمن العام الإسرائيلي الـ "شين بيت"، تلقى عملاء حماس في الضفة الغربية أموالاً وتوجيهات وتدريبات من أفراد من مقر حماس ليس فقط في سوريا بل أيضاً في تركيا والمملكة العربية السعودية.

وعلاوة على ذلك، فإن شخصاً واحداً على الأقل من عملاء منطقة الخليل الذين تم اعتقالهم منذ أيار/مايو "اشترك كذلك في عمليات تم تنفيذها لصالح قيادة حماس في سوريا داخل بلدان أخرى، ومنها الصين وتركيا". ووفق ما أورده جهاز الأمن العام الإسرائيلي الـ "شين بيت"، كشفت التحقيقات التي أجراها الجهاز أن أنشطة حماس في الصين تركزت على غسل الأموال ومشتريات الأسلحة، بينما ركزت جهود الجماعة في تركيا على تجنيد عملاء جدد.

كما أن الجماعة أصبحت أكثر نشاطاً في مصر. فمع سقوط نظام مبارك وضعف الحكومة الانتقالية وصعود جماعة الإخوان المسلمين والعزلة المتزايدة لنظام الأسد في سوريا، يتوقع مسؤولو الأمن الإسرائيليون رحيل المزيد من قادة وعملاء حماس من سوريا إلى مصر في المستقبل القريب. ومع تدفق الأسلحة من السوق السوداء شرقاً من المستودعات الليبية، فضلاً عن عدم خضوع سيناء للسيطرة على نحو كبير ونقص عدد الدوريات فيها، أصبحت مصر كذلك محوراً لمشتريات الأسلحة. وكما أظهر هجوم آب/أغسطس قرب إيلات، من المرجح أن تشمل هجمات حماس في جنوب إسرائيل وبشكل متزايد، ليس فقط مقاتلين فلسطينيين من غزة، وإنما على مصريين كذلك (بدو سيناء على سبيل المثال)، ويخشى المسؤولون الإسرائيليون من انضمام مقاتلين أجانب آخرين.

دلالات لسياسة الولايات المتحدة

مع قيام حماس بتوسيع نطاق أنشطتها في بلدان أخرى، فإنها تحسن فرصها في إعادة بناء بنيتها التحتية العسكرية في الضفة الغربية وتوسيع نطاق أنشطة "مقاومتها" الحربية من مجرد شأن فلسطيني إلى شأن يجذب مقاتلين أجانب إلى المساحات غير الخاضعة للسيطرة في سيناء وغزة. ومن جانبها، تستحق وزارة الخارجية الأمريكية الثناء على جهودها المتضافرة على مدى الأشهر القليلة الماضية للضغط على الحكومات الأجنبية من أجل قمع أنشطة حماس داخل حدودها. ومع ذلك، تؤكد الأحداث الأخيرة الحاجة إلى مضاعفة هذه الجهود والتركيز على إعاقة خطط حماس اللوجستية والمالية والعملياتية في الخارج قبل أن تستحوذ الجماعة على قدرات أكبر وتحظى بانتشار أكبر.