اقلام واراء عربي
نتنياهو إذْ جاء متأبِّطاً «الكونفدرالية» !
بقلم: جواد البشيتي عن العرب اليوم الأردنية
وجاء نتنياهو متأبِّطاً ملف "الكونفدرالية"، وكأنَّ إسرائيل في عهده، وقُبَيْل انتخاباتها العامة، قد اكتشفت في الكونفدرالية بين دولتي الأردن وفلسطين "سِحْراً"، وأنَّ هذه العلاقة، كما تتصوَّرها وتَفْهَمَها هي، إنْ من حيث محتواها أم من حيث شكلها، تَصْلُح، الآن، لـ "تهريب" الحل النهائي لأزمة "الحل النهائي" مع الفلسطينيين.
انطلق نتنياهو من "الواقع الجديد" الذي جاء به قُبُول "دولة فلسطين" عضواً مراقِباً في الأمم المتحدة، يَخْضَع "إقليمها"، الذي يشمل الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة، للاحتلال الإسرائيلي؛ وينبغي، من ثمَّ، للأمم المتحدة أنْ تساعِد هذه "الدولة" في رَفْع هذا الاحتلال عن "إقليمها"؛ كما ينبغي لإسرائيل نفسها أنْ تُفاوِض، إذا ما أرادت حلاًّ نهائياً من طريق التفاوض، وعقد معاهدة للسلام مع الفلسطينيين، هذه "الدولة"، أيْ أنْ تَقْبَل صيغة "مفاوضات بين دولتين"، مع ما تعنيه هذه المفاوضات دولياً الآن.
ولقد اتَّضَح لنتيناهو الآن، وأكثر من ذي قَبْل، أنَّ التفاوض مع مفاوِض فلسطيني يُمثِّل "دولة فلسطين" لن يؤدِّي أبداً إلى "الحل النهائي" الذي تريده إسرائيل، وتسعى إليه؛ فهذا المفاوِض إنَّما يريد مفاوضات تنتهي (وسريعاً) بحلٍّ نهائي، يقوم على إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لكل إقليم "دولة فلسطين"، وجَعْل "القدس الشرقية" عاصمةً لها، واتِّخاذ "خط الرابع من حزيران (1967)" أساساً للحدود النهائية والدائمة بين الدولتين، وحل مشكلة "حق العودة" بما يعني، ويؤكِّد، أنَّ الفلسطينيين لم (ولن) يعترفوا بإسرائيل على أنَّها دولة يهودية (لا حقَّ قومياً في أراضيها إلاَّ لـ "الشعب اليهودي").
نتنياهو جاء ليقول دَعُونا نؤجِّل الحلول النهائية للمشكلات الصعبة المعقَّدة، ولنَتَوصَّل معكم إلى حلول انتقالية طويلة الأجل؛ لكن ضِمْن كونفدرالية بين دولتي الأردن وفلسطين؛ فإسرائيل تحتفظ بالقدس الشرقية جزءاً من عاصمتها الأبدية، وتُخْرِج (كما فَعَلَت في قطاع غزة) جنودها ومستوطنيها من الضفة الغربية، باستثناء المناطق التي تعتزم الاحتفاظ بالسيطرة عليها لدواعٍ استيطانية وأمنية وإستراتيجية، والتي يَقَع قسمها الأكبر غرب "الجدار الأمني". كان نتنياهو (وما زال) يُفاضِل بين ثلاثة خيارات هي: أنْ "تنفصل" إسرائيل عن أراضٍ في الضفة الغربية (وعن مُدُن الضفة) كما انفصلت، من قَبْل، عن قطاع غزة، أو أنْ "تنفصل"؛ لكن في اتفاقية انتقالية طويلة الأجل مع الفلسطينيين، أو أنْ يأتي "انفصالها" هذا في اتفاقية انتقالية طويلة الأجل مع الأردن الذي تَضُمُّه و"دولة فلسطين" كونفدرالية.
إسرائيل تَعْلَم أنَّ "انفصالها" عن أجزاء من الضفة الغربية، تشمل المُدُن، لن يَدَع للفلسطينيين من خيارٍ إلاَّ ذاك الذي هو أقرب إلى "الاضطِّرار" منه إلى "الخيار"، ألا وهو أنْ يبسطوا سيطرة (وسيادة) دولتهم على تلك الأجزاء؛ لكن كيف لهذه الدولة، بـ "إقليمها الانتقالي" هذا، أنْ تعيش إذا ما "انفصلت" إسرائيل، محتفِظَةً بسيطرتها على المعابر البرية للفلسطينيين مع الأردن؟! وكيف لها أنْ تعيش إذا ما أبقت إسرائيل الممر البري بين الضفة الغربية وقطاع غزة مُغْلَقاً؟! وكيف لإسرائيل، التي "انفصلت"، وأغلقت حدودها مع "دولة فلسطين"، بـ "إقليمها الانتقالي" هذا، أنْ تُنظِّم الصِّلة الدينية (الإسلامية والمسيحية) لمواطني "دولة فلسطين (وغيرهم)" بالأماكن المقدَّسة في القدس الشرقية؟!
نتنياهو يَعْلَم أنَّ "الخيار الثاني"، أيْ خيار أنْ "تنفصل" إسرائيل؛ لكن في اتفاقية انتقالية طويلة الأجل مع الفلسطينيين، لن يكون واقعياً؛ لأنَّ "دولة فلسطين" لن تَقْبَله؛ ولا بدَّ له، من ثمَّ، من أنْ يسعى في تذليل العقبات من طريق "الخيار الثالث"، أيْ خيار أنْ يأتي "انفصال" إسرائيل في اتفاقية انتقالية طويلة الأجل مع الأردن الذي تَضُمُّه و"دولة فلسطين" كونفدرالية؛ فـ "الخيار الأوَّل"، أيْ خيار أنْ "تنفصل" إسرائيل عن أراضٍ في الضفة الغربية (وعن مُدُن الضفة) كما انفصلت، من قَبْل، عن قطاع غزة، هو "خياره الأخير"؛ وإنَّه لخيارٌ محفوف بالمخاطر، سيئ العواقب، وأقرب، من ثمَّ، إلى "الاضطِّرار" منه إلى "الخيار"؛ فماذا ستفعل إسرائيل إذا ما قرَّر الفلسطينيون حلَّ "سلطتهم"، و"دَعْوَة" إسرائيل، ضِمْناً، من ثمَّ، إلى أنْ تستأنف احتلالها المباشر والصريح لكل الضفة الغربية، أيْ لكل هذا الجزء من إقليم "دولة فلسطين"؟!
العبء الفلسطيني مجدّداً
بقلم: نايلة تويني عن النهار البيروتية
نتفهم الدوافع الانسانية التي تحول دون اقفال الحدود في وجه النازحين من سوريا، ولا نضمر العداء لأي مواطن سوري معارض للنظام الذي احتلنا وقتلنا، ولا نرفض فلسطينيا لجأ الى لبنان من غير ان يشكل خطراً على سيادته، كما حصل زمناً طويلاً عندما اعتقد الفلسطينيون ان طريق القدس تمر من جونيه، وان لبنان يمكن ان يشكل وطنا بديلا، وحولوه مع السوريين، وبمباركة من بعض المجتمع الدولي، ساحة لحروب الاخرين، ومساحة لتصفية الحسابات، ومجالا لعمل اجهزة المخابرات.
ولبنان، الذي عانى الكثير من هؤلاء، ليس قادرا اليوم على تحمل المزيد، اذ ان التقارير الرسمية تشير الى ما يقرب من 200 الف لاجئ سوري حتى اليوم، وان العدد مرشح للارتفاع اذا طالت الحرب السورية، ليلامس نصف مليون شخص في 2013. وهو رقم كبير ضمن امكانات لبنان الاقتصادية المتراجعة بشكل مخيف.
ويمكن المواطن السوري ان يعود الى بلاده فور توقف المعارك، لان الحياة اللبنانية لا تناسبه في الغلاء، وفي الاستشفاء، وفي تعليم الابناء، وخصوصا اذا ما قرر النظام الجديد تعويض السوري الاضرار التي لحقت به.
اما الفلسطيني، فقد تكون الفرصة سانحة امام السوري للتخلص من عبئه، خصوصا ان شعارات القضية الفلسطينية لم تعد جذابة كما كانت بالامس، والانظمة ما عادت في هذه الحاجة الى الاستمرار وخصوصا متى بلغت سدة الحكم بطريقة ديموقراطية.
تركيا الاكبر مساحة من لبنان، والاقوى اقتصادياً، وضعت المجتمع الدولي امام مسؤولياته، وحددت قدرتها الاستيعابية، ومثلها فعلت المملكة الاردنية الهاشمية اذ لا قدرة لاقتصادها على تحمل اعباء النازحين. وحده لبنان غير قادر على اتخاذ موقف فعلي من الملف، ودائما تحت شعار الغطاء الانساني. ولن تتمكن الحكومة الحالية التي ورثت اخرى اسقطت بقرار سوري، من ان تتفق بين مكوناتها الحليفة للنظام الاسدي، على قرار جريء يحدد اعداد النازحين، وخصوصا الفلسطينيين منهم الذين ما ان يدخلوا الجزر الامنية في المخيمات حتى تصبح الدولة بأجهزتها عاجزة عن ملاحقتهم ومتابعة ملفاتهم. وبذلك ستزداد اعداد الفلسطينيين لنجد انفسنا امام واقع جديد، ومستوطنين جدد، وعبء جديد، يعيد الى ذاكرتنا صورة الكابوس الفلسطيني في لبنان في السبعينات من القرن الماضي.
المطلوب من حلفاء النظام السوري في لبنان، ان يخففوا المزايدات في هذا المجال، او ان يأخذوا الامور على عواتقهم، لان اللبنانيين احق بكثير من موارد البلاد وامكاناتها المتناقصة الى حين "ظهور" النفط.
عندما تصبح الحرب على اسرائيل حرباً على الجامعة!!
بقلم: تحسين الحلبي عن الوطن السورية
يقول أحد قادة الاستيطان الإسرائيلي في حملاته الانتخابية إن واقع الضفة الغربية سيختلف كثيراً من ناحية ديموغرافية وسياسية وجغرافية خلال السنوات القليلة المقبلة وقبل أن تفرز التطورات العربية أنظمة معادية لإسرائيل على غرار سورية وإيران. ويضيف أنه حين تظهر هذه النتيجة داخل الضفة الغربية ستكون القضية الفلسطينية قد أغلق ملف نزاعها مع السلطة الفلسطينية ومعظم الحكومات العربية وسيجد الحكام العرب المعادون لإسرائيل أنفسهم أمام جدول عمل لا يسمح لهم بشن الحروب على إسرائيل لأنها ستتحول إلى حرب ضد الأمم المتحدة وضد الجامعة العربية.
ويبدو أن ما يفكر ويخطط له قادة إسرائيل يتجه حقاً نحو تنفيذ مخطط يبدأ به نتنياهو بعد انتخابه رئيساً للحكومة في شباط 2013 وينتهي منه في عام 2016 باستيطان معظم أراضي الضفة الغربية ونقل إدارة السلطة الفلسطينية على شؤون الفلسطينيين داخل الضفة الغربية إلى مشاركة أردنية فلسطينية.
وفي هذا الاتجاه تماماً كان البروفيسور الإسرائيلي (باسكير) الذي عمل وسيطاً بين نتنياهو وقيادة حماس في صفقة شاليط لتبادل الأسرى قد نشر أفكاراً في صحيفة جروزليم بوست الإسرائيلية دعا فيها نتنياهو إلى إنهاء كافة الارتباطات الإسرائيلية من قطاع غزة عن طريق امتناع إسرائيل عن تقديم أو بيع الكهرباء والماء والخدمات للقطاع وإغلاق حدود إسرائيل مع القطاع وكأنها حدود نهائية بين دولتين إسرائيل ودولة القطاع.
ودعا باسكين بالمقابل الولايات المتحدة إلى القيام بدور يطلب من الحكومة المصرية تغطية كل هذه الخدمات لقطاع غزة وفتح الحدود مع القطاع وكأنها حدود دولة فلسطينية مع دولة مصر. وبهذه الطريقة يقول باسكين تكون إسرائيل قد تخلصت من كل ما يحمله القطاع وأسلحته من خطر على إسرائيل.. أما الضفة الغربية فيرى باسكين أنها ستفتح أكثر فأكثر على الضفة الشرقية أي على المملكة الأردنية وعلى إسرائيل أيضاً عن طريق رصد أموال عربية ودولية تحقق انشغالاً للفلسطينيين في اقتصادهم وتطوير حياتهم فيما يتبقى من الضفة الغربية مع إخوانهم الأردنيين والفلسطينيين من أبناء المملكة!؟
ويبدو أن إصرار إسرائيل على ترسيخ الانقسام بين قطاع غزة وبين الضفة الغربية يؤشر للتمهيد العملي والتنفيذي لمثل هذا المخطط لأن إسرائيل وجدت نفسها عاجزة عن (استيعاب) 4 ملايين فلسطيني داخل الضفة الغربية وقطاع غزة طالما أنها تريد ضم الأراضي والتوسع الاستيطاني ولذلك ربما وجدت أن التخلص من قطاع غزة وسكانه وتجزئتهم عن قضيتهم الفلسطينية سيوفر مرحلة تسخر فيها إسرائيل المفاوضات مع السلطة الفلسطينية لتحقيق هذه الغاية فمن الملاحظ أن ساحة العمل السياسي أو التفاوضي بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية بدأت تفتقد لتداول في خطة خارطة الطريق عام 2002 ولخطة «التفاوض مقابل تجميد الاستيطان» ولخطة تبادل الأراضي وكان من اللافت أن يملأ التداول الإسرائيلي بتوسيع الاستيطان سواء جرت المفاوضات مع عباس أو لم تجر معظم ساحة العمل التنفيذي في الضفة الغربية وخصوصاً في مدينة القدس المحتلة وما تتعرض له من تهويد في كل ساعة!؟
ومن الملاحظ أن السلطة الفلسطينية لم تطلب منذ فترة من الجامعة العربية وضع خطة تحرك عربي دولي لإيقاف الاستيطان أو للتنديد به على الأقل!؟ فحين تظهر خلال أسبوع واحد خطة لتنفيذ بناء 5600 وحدة استيطانية في القدس ولا يقابلها من الغرب سوى «وصف» لما يمكن أن تحمله هذه الخطة ضد المصالح الفلسطينية أو سوى «انتقاد» دبلوماسي فإن هذا يعني أن إسرائيل لا تجد من يردعها أو يوقفها عن هذه السياسة الوحشية ضد الشعب الفلسطيني!؟
العربي ورام الله وما بعد
بقلم: أمجد عرار (كاتب فلسطيني) عن الخليج الاماراتية
أقصى ما جادت به قريحة أمين عام الجامعة العربية د .نبيل العربي ليطلقه من رام الله في زيارته الأولى لها، التلويح بالذهاب إلى مجلس الأمن لكي يشكو العرب “إسرائيل” هناك . هذا كل ما في الأمر بعدما تجول العربي حول رام الله ورأى المستوطنات تتدلى على سفوح التلال بمبانيها القرميدية ونوافير مياهها المسروقة من جوف الأرض الفلسطينية . لو فكر العربي بزيارة مخيم قدورة أو الأمعري اللذين كانا بعيدين عنه مشي عشر دقائق على الأقدام، لأدرك أن نوافير المياه في المستوطنات تخطف شربة الماء من شفاه الفقراء الفلسطينيين، ولعرف الفرق بين البيت الذي يسكنه الجيل المئة، والفيلا التي يسكنها مهاجر روسي قد يكون وصل قبل دقائق من وصول العربي .
ولو فكّر قليلاً في الوقت القصير الذي تحتاجه قيادة الكيان الصهيوني لإحضار دفعة من مئات المستوطنين من إثيوبيا أو إحدى الدول الأوروبية، لعرف حالة البؤس التي وصلها العرب، وهم يفشلون في لملمة حفنة من الوزراء للذهاب في رحلة إلى رام الله، مع الإدراك أن ظاهرها “تضامن” مع السلطة، وباطنها تطبيع مع “إسرائيل” .
قد يحتاج المرء إلى نبش آلاف المعادلات في المنطق لكي يجد علاقة منطقية بين معاناة شعب وسلطة تحت الاحتلال، والتضامن معهما من خلال زيارة لا يمكن أن تتم من دون موافقة الاحتلال نفسه، بل والتنسيق معه، أما كل كلام عن زيارة بلا موافقة “إسرائيل” فهو لا يقنع طفلاً فلسطينياً يعرف سياسة “إسرائيل” وطريقة تفكيرها .
لكن فلنفترض أن الزيارة تمت من دون تنسيق مع “إسرائيل” أو موافقتها، كيف تكون الزيارة تضامنية؟ ثم ما هو وزن زيارة تحوّل المخططون لها من وفد “عرمرم” كما فهمنا من مسؤول فلسطيني في بادئ الأمر، إلى وفد من اثنين، أمين الجامعة ووزير خارجية مصر الذي يمكنه القيام بمثل هذه الزيارة ليس إلى رام الله فحسب، إنما إلى “تل أبيب” بحكم وجود علاقات دبلوماسية كاملة بين النظام المصري و”إسرائيل” من الواضح ان النظام الجديد ملتزم بها، بل سبق لأحد أسلاف وزير الخارجية أن زار المسجد الأقصى صمن زيارة كانت مقرّرة ومعلنة إلى “إسرائيل”! .
عندما يتحول عدد وفد عربي لرام الله إلى مناقصة علنية تنتهي بالرسو على شخصين، و”إسرائيل” وحماتها يرون ذلك، ماذا يتبقى من أنياب للتهديد بمجلس الأمن؟ ثم إن محطة مجلس الأمن جرّبها محمود عباس في سبتمبر/أيلول 2011 طارقاً باب الاعتراف بدولة فلسطينية، وأحبطت ضغوط أمريكا على معظم أعضاء المجلس الدعوة في مهدها، وخرجت “إسرائيل” منتصرة، ثم خفّضت السلطة الفلسطينية سقفها وعادت الشهر الماضي من الأمم المتحدة بدولة مراقبة غير عضو في الأمم المتحدة .
الآن يستشعر مسؤولون فلسطينيون ضغطاً أمريكياً على المانحين الدوليين والعرب لكي يجفّفوا تمويل السلطة بالتزامن مع وقف تحويل “إسرائيل” لأموال الضرائب الفلسطينية المحجوزة لديها، وهي أموال مقتطعة من العمال الفلسطينيين . هذه العقوبات المركبّة أدت إلى أزمة مالية أصبحت معها السلطة عاجزة عن دفع رواتب الموظّفين العموميين . التحليل السياسي لهذه الحالي منسجم مع مشهد إقليمي يشي بما هو أخطر .
يرتبط بهذا المشهد تصريح درامي صدر عن محمود عباس هدّد فيه بحل السلطة و”تسليم المفاتيح” ل “إسرائيل” . وبعيداً عن نقاش الأبعاد الكامنة في هذا “التهديد” من حيث المغزى السياسي والجدية والسقف التكتيكي، فإنه جاء متأخراً تماماً ولربما جاء منسجماً مع ما يريده هؤلاء الذين يوجّه إليهم . ولهذا فقد سمعنا وزير خارجية “إسرائيل” المستقيل أفيغدور ليبرمان يرحّب به، بل ويرد بأن بديل سلطة عباس و”فتح” جاهز، وهو “حماس” .
الفلسطينيون «الإرهابيون»
بقلم: فهمي هويدي عن الشروق المصرية
هللت بعض الصحف المصرية لأن شابا من أصل فلسطينى ألقى القبض عليه ضمن آخرين ممن تم احتجازهم والتحقيق معهم فى واقعة الاعتداء على رئيس نادى القضاة. وهى القصة المفتعلة التى تحيط بها شكوك كثيرة حيث لم يثبت أن هناك اعتداء من الأساس، ومع ذلك جرى النفخ فيها والتهويل منها، حتى وصفها بعض المحرضين بأنها إيذان ببدء عهد «الاغتيالات» فى مصر.. هكذا مرة واحدة!
لا أعرف كيف سينتهى الأمر، لكن معلوماتى أن الشبان الثلاثة الذين ألقى القبض عليهم ذكروا فى التحقيق، أنهم كانوا خارجين بالصدفة من أحد المحال العامة، وحين شاهدوا الرجل هتفوا ضده فتمت ملاحقتهم وتعرضوا للضرب المبرح من جانب بعض أنصار صاحبنا، ولم ينقذهم من أيديهم سوى الشرطة التى هرعت إلى المكان.
أثار انتباهى فى المسألة أمران، أولهما إبراز بعض الصحف لهوية الشاب المولود فى مصر ولم ير فلسطين فى حياته، لكنه أصبح مشتبها لأن أباه فلسطينى وأمه مصرية (شقيقتاه متزوجتان من مصريين). ثانيها أن بعض محامى رجال النظام السابق تلقفوا الخبر واعتبروه قرينة حاولوا الاستدلال بها على أن الفلسطينيين ــ وليس الشرطة ولا رجال مبارك ــ ضالعون فى الجرائم التى ارتكبت أثناء الثورة.
إذ نشرت الصحف أن محامى مبارك وهو يدافع عنه فى قضية قتل المتظاهرين وجه الاتهام إلى جماعة الإخوان وحركة حماس فى المسئولية عن قتل المتظاهرين.
واستند فى ذلك إلى شهادة للواء عمر سليمان رئيس المخابرات السابق ذكر فيها أنه تم رصد 90 مسلحا فلسطينيا من كتائب القسام التابعة لحركة حماس و80 عنصرا من حزب الله، دخلوا إلى مصر عبر أنفاق رفح، وقال إن هؤلاء هم الذين قاموا بقتل المتظاهرين، وهم الذين اقتحموا سجن وادى النطرون وأخرجوا المسجونين من عناصر حزب الله، كما أخرجوا قيادات الإخوان التى احتجزت فيه.
القصة ذاتها رددها محامى اللواء العادلى وزير الداخلية الأسبق الذى قال فى مرافعته إن أجهزة المخابرات المصرية رصدت اتصالات بين قيادات حماس فى غزة وقيادات الإخوان فى مصر للاتفاق على استقدام عناصر مسلحة من كتائب القسام للمشاركة فى عمليات التخريب والفوضى التى حدثت يوم 28 يناير، حيث اندس هؤلاء وسط المتظاهرين وأطلقوا عليهم النيران التى أسفرت عن قتل العشرات منهم للتعجيل بإسقاط نظام مبارك.
كأن المحاميين فى محاولتهما تبرئة مبارك والعادلى، أرادا غسل أيدى الأخيرين من الجريمة وتوجيه الاتهام إلى طرفين خاصمهما النظام السابق وهما الإخوان وحركة حماس.
ولأن إقحام الإخوان ضمن لائحة الاتهام قصة جديدة فسوف ننحيه جانبا، وسنظل مع اتهام فلسطينيى حماس بقتل المصريين وإشاعة الفوضى فى البلد، وهى الصورة التى حرصت الأجهزة الأمنية على ترويجها فى عهد مبارك والتى ظلت ترددها الأبواق الإعلامية آنذاك حتى نجحت فى إثارة الضغينة لدى البعض ضد الفلسطينيين. حتى صاروا فى نظر البعض «إرهابيين ومخربين»، وهى ذات الأوصاف التى تطلق عليهم فى إسرائيل.
لا أعرف كيف يمكن لعاقل أن يقتنع بأن الفلسطينيين يمكن أن يقتلوا المصريين بغير سبب أو مبرر، أو أن يسعوا إلى إشاعة الفوضى فى مصر التى هم بحاجة إليها. ويحتاج المرء لأن يلغى عقله لكى يصدق أن جماعة حماس اشتركت فى قتل المتظاهرين، الذين كان الإخوان بينهم، لكن شيطنة حماس التى كانت سياسة ممنهجة فى عهد مبارك نجحت فى تشويه إدراك كثيرين انطلت عليهم أكذوبة «الخطر» الذى ادعوا أن غزة تمثله بالنسبة لمصر. ومن خلال تلك الشيطنة اقتنع البعض بأن غزة باتت تهرب السلاح (الذى هى فى أشد الحاجة إليه) لإثارة القلاقل فى مصر. كما اقتنعوا بأن الفلسطينيين يتطلعون إلى التمدد فى سيناء واختطافها.
وأشاع أحدهم أن انقطاع تيار الكهرباء فى مصر سببه أن «حكومة الإخوان» تمد غزة بالطاقة على حساب المصريين. وقيل فى هذا الصدد إن رئيس الوزراء المصرى تحمس للفكرة لأن زوجته شقيقة لزوجة السيد إسماعيل هنية، الأمر الذى كذبه الدكتور هشام قنديل وقال لى إن مصر تزود غزة بما يعادل واحدا على 1200 من استهلاكها، وهى لا تهديه إلى حكومة القطاع ولكنها تبيعه لها.
عملية شيطنة الفلسطينيين قد تكون مفهومة فى ظل نظام مبارك باعتباره كنزا استراتيجيا لإسرائيل، لكننا لابد أن نستغرب استمرار تلك السياسة بعد الثورة، لأن المستفيد الوحيد منها طرف واحد هو إسرائيل،ولا تفسير لذلك سوى أن الرجل الكنز ذهب حقا لكن أبواقه الإعلامية لا تزال باقية. واللبيب بالإشارة يفهم.
هل تأكل ثورات «الربيع العربي» أبناءها؟
بقلم: وليد محمود عبدالناصر(كاتب مصري) عن الحياة اللندنية
علّمنا التاريخ الحديث والمعاصر للإنسانية على مدار أكثر من قرنين من الزمان أن الغالبية العظمى من الثورات الكبرى، بل الأقل حجماً وتأثيراً، في هذه الأزمنة شهدت ظاهرة تكاد أن تكون متكررة ومشتركة، ولو في أشكال وصور مختلفة، في هذه الثورات، بحيث أصبحت تمثل تقريباً قاعدة ثابتة فيها، وأعني هنا المقولة التي صرنا نحفظها والتي تذكر أن «الثورات تأكل أبناءها».
تصدق هذه المقولة على الثورة الفرنسية بداية، حيث شهدنا فصيلاً واحداً ينفرد بالثورة، ومن ثم بالسلطة والحكم، ويقصي بقية الفصائل، ثم هذا الفصيل بدوره ينقسم إلى أكثر من فصيل تتقاتل فيما بينها، بحيث يصفي فصيل فرعي بقية الفصائل الفرعية، وتصعد دوماً للقمة العناصر الأكثر راديكالية من نوعية روبسبيير مثلاً، وهكذا دواليك.
وقد تكرر هذا السيناريو مرة أخرى مع إحدى أعظم الثورات التالية في التاريخ الحديث للبشرية وهي الثورة البلشفية في روسيا في تشرين الأول (أكتوبر) 1917، فبعد انتصار الثورة قام فصيل فلاديمير إليتش أوليانوف الشهير بـ «لينين» بتصفية بقية الفصائل المشاركة له في الثورة، ثم سرعان ما قام هذا الفصيل ذاته بتصفية رموز بداخله، سواء في حياة لينين أو بعد وفاته، خصوصاً قيام جوزيف ستالين، خليفة لينين، بإقصاء ليون تروتسكي والسعي بالطرق كافة لتصفيته جسدياً حتى تحقق له ذلك.
أمراض ثورات الربيع العربي
بقلم: فيصل الدابي (كاتب سوداني) عن القدس العربي
إذا قام مختص بتشخيص الأمراض التي أصابت بلدان الربيع العربي، قبل، خلال وبعد نشوب الثورات فسيرصد بعض الأمراض السياسية منها، مرض التوحد مع المعتدي، ومن أعراضه أن يسلك المقهور الذي تولى السلطة حديثاً نفس سلوك القاهر الذي أسقطته الثورة، كأن يصدر الرئيس الجديد قراراً باحتكار السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، علماً بأن احتكار السلطات هو الذي أدي لاندلاع الثورة، وهذا المرض يسبب ارتفاع ضغط الدم السياسي وليس له علاج سوى ابتلاع حبة القرار المثير للجدل! مرض السلطة ومن أعراضه اتباع الحاكم المنتخب بعد نجاح الثورة لسياسة التمكين وعزل المعارضين له من المناصب الهامة وتعيين أتباعه الحزبيين بدلاً منهم وهذا المرض يسبب ارتفاعاً شديداً في درجة حرارة المعارضة ويسبب الاختناق السياسي ولا علاج له سوى إجراء جراحة عاجلة لازالة غدة الأنا السياسية الملتهبة!
مرض التطرف الديني والسياسي، هو مرض وراثي، فهناك من يُولد وسطياً ليبرالياً وهناك من يُولد متطرفاً يسارياً أو متطرفاً يمنياً، ومن أعراضه شعور المصاب بأنه وحده على صواب والجميع على خطأ، ولا شفاء من هذا المرض بالعلاج الطبيعي ويستلزم إجراء عملية جراحية لازالة الأورام الفكرية الخبيثة! مرض البيات الشتوي الرئاسي ومن أعراضه اختفاء الرئيس المنتخب بعد الثورة عند اندلاع مظاهرات المعارضة وترك مهمة مواجهتها والتعليق عليها لاتباعه الحزبيين ولا علاج لهذا المرض إلا بتحديد ساعات الدوام الرئاسي! مرض الزهايمر السياسي، ومن أعراضه أن يقول الحكام والمعارضون شيئاً في المساء ثم ينسونه في الصباح ولا علاج لهذا المرض سوى إجراء تمارين لتقوية الذاكرة، مرض الإنكار المزمن، وهو يصيب الرئيس الاستبدادي الآيل للسقوط، ومن أعراضه تكرار التصريحات بأن المعارضة الشعبية، التي اعترفت بها معظم دول العالم، مجرد عصابات إجرامية وهذا المرض ليس له علاج سوى إسقاط الرئيس!
مرض العنف السياسي، هو مرض خطير ويُطلق عليه أحياناً مرض الجنون الجماعي إذ يتجمع المصابون به ويهاجمون معارضيهم أو يقومون بتخريب الملتقيات الفنية والثقافية وليس لهذا المرض علاج سوى استعمال كبسولات العقوبات القانونية!
وهناك مرض السذاجة الثورية ومن أعراضه أن يتوهم المصابون به بإمكانية تطبيق القيم المثالية ولا يعترفون بالواقع الذي تحكمه مصالح الدول الأخرى الممسكة بخيوط الدعم السياسي والعسكري والاعلامي ولا علاج لهذا المرض سوى اعتزال العمل السياسي، أما مرض الجنون السياسي المتقطع فهو يربك الجميع فمن أعراضه أن يبدو الرئيس الجديد عاقلاً ثم يأتي أحياناً بأفعال أو أقوال جنونية تثير الغضب المحلي والدولي ولا علاج لهذا المرض سوى ابتلاع الرئيس لكورس كامل من حبوب الرشد السياسي وأخذ راحة لمدة أسبوع! أخيراً يأتي مرض الجنون السياسي المُطبق وهو من أخطر الأمراض السياسية ومن أعراضه أن يقوم الرئيس الآيل للسقوط بقصف وتدمير مدن بلاده ويقتل ويجرح ويشرد الملايين ثم يحلم بعد ذلك بالبقاء في الحكم وهذا المرض ليس له علاج سوى إسقاط الرئيس الذي فقد رشده السياسي بالكامل!
قد يقول قائل إن كثرة أمراض ثورات الربيع العربي تثبت عدم صلاحية الديمقراطية لشعوب وحكومات المنطقة لكن هذا ليس صحيحاً على الإطلاق، فالأمراض الثورية دليل صحة وعافية ووجودها شيء طبيعي بحكم النقص في الطبيعة البشرية بل أن لها فوائد وهي أنها تُكسب الجسم السياسي مناعة صحية نسبية ومن الطبيعي للغاية أن نجد زكاماً سياسياً هنا وحمى سياسية هناك حتى في أعرق الديمقراطيات العالمية.
حاكمية الإخوان على المحك
بقلم: أنس زاهد عن المدينة السعودية
مهما ادعى أنصار نظرية الحاكمية التي أعاد الإخوان المسلمون إحياءها بعد اندثار تراث الخوارج، بأنهم يعملون على إقامة حكم الله، فإن الحقيقة تقول بأن كل نظريات ومشاريع الحكم تبقى مجرد مجهودات بشرية.
وحتى في حال استلهام ملامح المشروع أو النظرية السياسية من النصوص المقدسة، فإن المسألة تبقى مرهونة بالاجتهاد البشري المحكوم بدوره، بتعدد واختلاف المذاهب والفرق والمدارس المتعددة.. هذا عدا وجهات النظر المستقلة التي عبرت عن نفسها من خلال أطروحات العديد من المفكرين والعلماء المسلمين المعاصرين، كجمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وجمال البنا بالنسبة للسنة، وكالخميني وعلي شريعتي وعبد الكريم سروش بالنسبة للشيعة.
الخلاصة أن مجموعة المفاهيم المستلهمة من النصوص المقدسة وما ينتج عنها من تطبيقات على أرض الواقع فيما يخص مسألة الحكم، تظل في النهاية بشرية وليست إلهية، على اعتبار أن آلية الوحي انقطعت بمجرد انتقال الرسول عليه وآله الصلاة والسلام إلى الرفيق الأعلى.. وعلى اعتبار أن النصوص المقدسة نفسها لم تؤسس لنظام حكم واضح المعالم يغني البشر عن مشقة الاجتهاد والتأويل في هذا الشأن.
وحتى نبتعد عن التجريد قليلا، فإن القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة لم يحددا آلية أو مجموعة من الآليات لانتقال السلطة التي تعد واحدة من أهم الركائز التي تقوم عليها بنية الأنظمة السياسية. كما أن مصادر التشريع الرئيسة لم تحدد طبيعة عمل مؤسسات الدولة، ولم تضع مبادئ خاصة بإقرار آليات محددة للمحاسبة، ولم تعمل على إقرار نظام اقتصادي بعينه. مما يعني أن القرآن الكريم لم يكن بمثابة إعلان دستوري ضامن لتحقيق مبدأ أو نظرية الحاكمية.. وهذا في حد ذاته ليس عيبا في القرآن الذي وضع مجموعة من المبادئ العامة والخطوط العريضة التي تسمح للناس باستلهامها، بل هو تكريم للإنسان وثقة في قدرته على الفهم والإبداع باعتباره المخلوق المكرم بالاستخلاف والممتحن بالتكليف الذي يقتضي وجود إرادة حرة هي مناطه ومبرره.
الآن وبعد أن وصل الإخوان المسلمون في مصر إلى سدة الحكم، سيكون عليهم طرح مشروع وطني للتنمية، إضافة إلى رؤية استراتيجية تتعلق بدور مصر في المنطقة وفي العالم أجمع...ليس هناك شيء اسمه الحاكمية في الواقع.
قيادات لا «راديكالية» للعام الجديد
بقلم: محمد حميد السلمان عن الوسط البحرينية
يقول أحد الخبراء الاقتصاديين المصريين عن الاقتصاد المصري الحالي في ظل قيادة الإخوان، وعن أداء الرئيس محمد مرسي من الناحية الاقتصادية: «الرئيس مرسي يتبع نفس السياسة الاقتصادية للنظام السابق، فقط الفرق الوحيد بينه وبين النظام السابق أنه ليس لصاً».
مع أنه كان من المتوقع من نظام يتحكم فيه الإخوان أن يتبنى فلسفةً سياسيةً تؤكّد الحاجة للبحث عن مظاهر الجور والظلم السياسي والاقتصادي في المجتمع ويجتثها؛ فالراديكاليون، إن كان الإخوان منهم، يبحثون عادةً عمّا يعتبرونه جذور الأخطاء الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في المجتمع ويطالبون بالتغييرات الفورية لإزالتها، لا أن يسيروا على نهج من سبقهم بالفساد وهم الثائرون عليه علناً ومبشرون بعالمٍ آخر تنتفي فيه كافة مظاهر وجذور الظلم في المجتمع.
فالراديكالية، وهي تعريب للكلمة الإنجليزية (Radicalism)، وتعني «أصل» أو «جذر»، فيقصد بها عموماً العودة إلى الأصول والجذور والتمسك بها والتصرف أو التكلم وفقها. كما وتصفها القواميس السياسية بأنها «كل مذهب محافظ متصلّب في موضوع المعتقد السياسي».
إذن... بما أن الرئيس ليس لصاً ولا راديكالياً متزمتاً، فلماذا لا تتعاون معه المعارضة في قيادة مصر نحو بر الأمان الديمقراطي الحديث؟ وكيف سيحكم الإسلاميون بلدانهم؟
يستند أحد المعارضين عند رفضه لجماعة الإخوان في توليها للحكم، إلى بعض المفاهيم السياسية الأكاديمية حين يقول: «إنهم تنظيم حديدي يقوم على الولاء والسمع والطاعة المطلقة، تماماً كالأحزاب الفاشية والنازية التي أنشأها موسوليني في إيطاليا وهتلر في ألمانيا.
وفي حالة الإخوان فإن هذا الولاء المطلق الخالي من التفكير والمنطق، أكثر تشدداً بسبب ما يضفيه قادة الجماعة من بُعد ديني إلهي على منصب المرشد العام، والذي يتعاملون معه كأنه خليفة رسول الله (ص)، والمسئول عن إعادة مجد الأمة الإسلامية. ولذلك لا يتم انتخاب للمرشد، بل تتم البيعة له، وتكون مخالفة قراراته بمثابة الخروج عن تعاليم الله والإسلام»!
ورغم أن قيادة الإخوان تختلف عن الجماعات الإسلامية الأكثر تشدداً، وتحديداً تلك التي تؤمن باستخدام العنف، إلا أن تحالفهم مع السلفيين (حزب النور) الذين يؤمنون بذلك جعلهم أقرب إلى فلسفة الراديكالية الدينية، وهذا ما اتضح في الصدام مع المعارضين من الليبراليين وغيرهم، واللجوء إلى العنف ما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى في الأيام الماضية بين التصويتين على الدستور. كما بشرت الجماعة السلفية المتشددة جداً والتي تسمّى «حازمون»، بعودة دولة الخلافة الموعودة حين أطلقوا صيحات «واإسلاماه»، ونعوت التكفير والخروج من الملة ضد الصحافيين والمثقفين والفنانين، وليس ضد مغتصبي أرض فلسطين وداعميهم من الغرب.
في النسخة التركية، فإن المجتمع التركي منقسم بين مفهومين للإسلام، أحدهما «إسلام رسمي»، وآخر «إسلام شعبي» إن جاز التعبير.
الأوّل، سمته الأبرز أنه يحمل جرعة زائدة من القومية على حساب أممية دين محمد (ص)، وهذا ما يصبغ سياسة قادة النسخة التركية للإسلام اليوم ممثلةً في أردوغان وحلمه بعودة الإمبراطورية التركية العثمانية.
وتشترك هذه النسخة مع ما تؤمن به القيادات العربية الدينية الجديدة بعد الثورات من ملاحقة رموز الإسلام التي تختلف معها في الطرح والمعتقد، ما سيؤدي لإشعال حروب طائفية، وإخضاع الدين لرقابة السلطات العامة، والتوجّس من أي تسييس للدين شعبياً إلا كان مسيّساً من قبل الدولة.
أما الإسلام الشعبي، فيمارسه الناس تقيةً حيناً، وبالهرب إلى تحت الأرض وداخل المنازل حيناً آخر، أو التعبير عن نفسه في تنظيمات دينية حقيقية لكن خارج تركيا.
لكن الغريب في الأمر، وما اتضح خلال العامين الماضيين من عمر الثورات العربية؛ أن النسخة التركية للإسلام، وتوصف بالمعتدلة، جاء تصرفها تجاه سورية وبقية ثورات الربيع العربية محيّراً في مغازلة التنظيم التركي الأخطر ضد النسخة التركية الحديثة للإسلام، وهو تنظيم «الدولة الفدرالية الإسلامية»، ويعتبر أحد التنظيمات الإسلامية التركية اليمينية المتطرفة.
وهذه المغازلة أوضحت موقف قادة النسخة التركية اليوم من أحداث سورية ومنسجمة مع الأطروحات الأميركية، بتأييدهم للمتشددين الدمويين في المعارضة وليس المعتدلين.
وبعكس سياسة نجم الدين أربكان، المنقلب عليه العام 1997 داخل النسخة التركية للإسلام، الذي كان يرى أن السوق الأوروبية المشتركة ما هي إلا مشروع صهيوني، كاثوليكي يهدف إلى نزع السمة الإسلامية عن تركيا، حاثاً في المقابل على تقارب تركيا اقتصادياً مع الدول الإسلامية بدل الخيار الغربي. نرى سياسة أردوغان العكس تماماً، خصوصاً في مواقفه المتمازجة جداً مع الولايات المتحدة والغرب عموماً، والكيان الصهيوني بشكل خاص.
ومع ذلك أصبح النموذج الإسلامي التركي مصدر إغراء لعدد كبير من الدول التي تعاني من الإسلام الجهادي والتكفيري، بينما النسخة المصرية التي تحاول التشبه بتلك، ليست على نفس النهج تماماً، وإن كانت اتبعت النموذج التركي لحزب «العدالة والتنمية» في تهميش الدور العسكري للجيش المصري في الشئون السياسية.
فهل تستطيع النسخة المصرية للإسلام مجاراة التركية التي كانت تعتقد بعدم تكفير العلمانية بل ومسايرتها والتماهي معها إن تقيةً أو وصولاً لتخفيف قبضتها على الحكم كما حدث في تركيا، أم أن تحالف الإخوان مع السلف، المتشددين جداً ضد الطوائف الأخرى، وليس مع الليبراليين، سيقلب الأمور رأساً على عقب في المستقبل القريب؟
والأهم، هل ترغب الجماهير العربية في قيادة دينية متشددة كما في حركتي طالبان والقاعدة وتثق بها، أم ترنو لحكم كالنسخة التركية يجمع بين الدين قليلاً والحداثة كثيراً، مما يرضي الغرب، وكفى الله المؤمنين شر القتال؟
عام 2013 وعقدة التشاؤم
بقلم: أمين قمورية (كاتب لبناني) عن الصباح العراقية
نودع عاما ونستقبل عاما آخر. سنة 2012 كانت سنة ساخنة عربيا ومحبطة لاحلام كثر بالحرية التي لاحت في العام الذي سبق مع فجر الثورات والانتفاضات العاتية التي دغدغت المشاعر الشعبية وحركت المياه السياسية العربية الآسنة منذ عقود. عام 2013 صار على الابواب.. لكن تركة العام المنصرم لا تبشر بأن العام الجديد يحمل في طياته الامل والحبور لشعوب هذه المنطقة ودولها. كل المقدمات والمسالك تشير الى سنة جديدة تغلي على صفيح ساخن، ولعل اكثر ما يبعث التشاؤم ان هذا العام يحمل الرقم 13 الذي ارتبط دائما في الكثير من المعتقدات بالشؤم .
تقول الاساطير انه في روما القديمة كانت الساحرات يجتمعن في مجموعات تضم كل منها 12 ساحرة، أما الرقم 13 فهو الشيطان. وكان الاسكندنافيون القدماء يعقدون حبل المشنقة 13 عقدة. وفي القرن التاسع عشر كانت شركات التأمين الكبرى ترفض تأمين أية سفينة تبحر يوم 13 من كل شهر. وثمة العشرات من افلام الرعب التي تدور حول الخوف من الرقم 13.
ومع ذلك فلنترك الاساطير والخرافات للمنجمين الذين باتوا يغطون شاشات الفضائيات العربية وطغت توقعاتهم على تصريحات السياسين وتحليلات الصحافيين وتقارير الباحثين، ولنترك الوقائع تتكلم عن نفسها في هذا الاقليم المنكوب بالنكسة تلو النكسة: منذ سنة ونيف، لايكاد العالم العربي، يخرج من مخاض حتى يسقط في اخر اشد صعوبة. ولا تكاد شعوب المنطقة تلتقط انفاسها من حدث خطير يقض مضاجعها حتى تشتد اعصابها ازاء حدث اخطر. فما كادت غزة تلملم اشلاءها بعد العدوان الاسرائيلي الذي لم يوفر في ثمانية ايام متواصلة لا الحجر ولا البشر، حتى صعق الناس بخبر "الانقلاب" الرئاسي المصري على الدستور والقانون والقضاء.
خرج الرئيس "المدني الاول لمصر" محمد مرسي مزهوا بانتصاره الديبلوماسي، بوقف العدوان على القطاع والذي اعاد لمصر بعضا من دورها الاقليمي المفقود، فلم ينتظر حتى صباح اليوم التالي اذ سارع الى احتذاء جزمة المستبد عبر توظيف هذا الانتصار في الداخل بحصد المزيد من السلطات في جعبته. بشحطة قلم، او بقرار، نصب نفسه فرعونا جديدا لمصر وفتح باب الصراع الاهلي على مصراعيه. ونقل مصر من الحلم بإقامة دولة ديمقراطية حديثة الى كابوس الدولة الدينية.
مصر اليوم تغرق في ازمة خطيرة، فما كادت تنجو من براثن ثنائية العسكر والمدنيّين حتى سقطت في ثنائيّة الإسلاميّين والعلمانيّين. "ام الدنيا" وقائدة العالم العربي والطامحة الآن الى ان تكون قائدة العالم الاسلامي "الاخواني" تخوض مخاضا صعبا، فاما ان تستولد من الثورة ثورة ومن التغيير تغييراً إلى أن تستقر الأمور على اقتراح حضاري إيجابي تاريخي يترك تداعياته على المنطقة كلها، أو أن تستولد من التشدّد تشدداً وعنفاً يؤديان إلى اقتتال اهلي وعنف يتركان تداعياتهما على المنطقة كلها .
وبينما تتقلب مصر بين ثورة ومشروع ثورة اخرى ، تنهار "الشقيقة " الشرقية سوريا تحت وطأة نار حامية تأكل في طريقها الاخضر واليابس ولاتفلح كل معالجات الاخضر الابراهيمي ومجلس الامن والمحافل الدولية في كبح جماح سيل الدم والتدمير بعدما ركب مجون السلطة رأسي النظام والمعارضة وراح الاثنان يعربدان بالموت يسرة ويمينا. دمشق ابتلت مثل جيرانها بداء الطائفية الكريه، وهي الاخرى ، على طريق ان تكون في خبر كان بفعل التمادي في تدميرها المنهجي لبشرها وحجرها ووحدتها الوطنية ونسيجها الاجتماعي .
سوريا تضاعف سرعة سيرها على طريق الجمر. لكن الطريق طويل ، ويبدو انه عبر الحدود ليصل الى الاردن حيث تهدد الاحتجاجات آخر رمق من الاستقرار الذي عرفته المملكة. وتكثر الاسئلة هل يسير الاردن على الطريق نفسه الذي سلكته شقيقاته الاخريات؟ واذا سقط الاردن من يضمن عدم احياء مشروع الوطن البديل للفلسطينيين في هذه الارض؟
حال العراق ولبنان الجارين لسوريا في الشرق وفي الغرب، ليس افضل من حال الجار الجنوبي. البلدان وشعبهما يسيران اليوم على خيط رفيع ممتد فوق صفيح ساخن تشعله نار الفتنة والاقتتال الاهلي. ولا يمر يوم في البلدين، من دون انفجار او دمار يزيدان الغليان والخوف والقلق.
في المشرق مجون وجنون، وفي المغرب ارتدادات الزلزال القوي الذي ضرب تونس وليبيا لم تتوقف بعد، ولا احد يعرف الى اي منزلق ينزلق اليه البلدان اللذان خرجت فيهما من الجحور كل ثعابين الشرور بدءا من الفتن القبلية والجهوية وصولا الى الصراعات الدينية والمدنية.
عالم عربي يغلي من البحرين الى موريتانيا مرورا باليمن "غير السعيد" الذي صار مثالا جديدا للفوضى والصوملة بعد الصومال الذي لم يعرف بدوره طعم الاستقرار والهدوء منذ عقود طويلة .
هل الذي يجري في عالمنا هذا، ممرا اجباريا لابد منه للوصول الى تحقيق حلم الشعوب المنتفضة والطامحة الى التغيير باقامة دول ديموقراطية مدنية وحديثة شعارها التنمية ومواكبة العصر، ام اننا في مخاض عسير يمهد لشرق اوسط جديد كما مهد اتفاق سايكس بيكو السيء الذكر للشرق الاوسط القديم الذي اوصلنا الى مانحن عليه اليوم؟ .
الرهان كبير على الناس التي خرجت الى الشوارع محطمة القيد والقفص بألاّ تعود اليهما ابدا وان تصنع بيدها مستقبلها، لا ان يرسم غدها في الغرف السود المظلمة كما يحدث حاليا في اكثر من بلد. فهل يكسر عبق الحرية التي تنفسته الشعوب للمرة الاولى من زمان الاساطير والمسلمات وفي مقدمها عقدة التشاؤم من الرقم 13 ؟
لماذا الأردن ... غير مصر وتونس وليبيا واليمن؟
بقلم: خير الله خير الله (كاتب لبناني) عن الراي الكويتية
أن يترشّح 1528 مواطنا أردنيا، بينهم 203 نساء، لانتخابات المجلس النيابي الجديد، دليل على أن رهان الملك عبدالله الثاني كان في محله. أنه رهان على الاردنيين اولا، وعلى رغبتهم في الاصلاح من ضمن المؤسسات الاردنية، في مقدّمها البرلمان، وليس عن طريق الشارع الذي يسعى كثيرون الى استغلاله من اجل اخذ البلد الى المجهول ثانيا...
يُتوقّع ان تجرى الانتخابات في الثالث والعشرين من يناير المقبل. من راهن على المقاطعة خسر رهانه وذلك لسبب في غاية البساطة. يعود السبب الى ان المملكة الاردنية الهاشمية ليست مصر ولا اليمن ولا تونس ولا ليبيا... والاكيد انها ليست سورية. ما حصل في البلدان الخمسة، والذي استغله «الاخوان المسلمين» وغيرهم الى ابعد حدود، هو الفراغ السياسي الذي ولّد ثورات شعبية، وُجد من يخطفها.
لا شكّ أن الاخوان المسلمين حققوا نجاحا كبيرا في كلّ من مصر وتونس. ولكن لا شكّ ايضا أنهم يواجهون عقبات في طريق الاستيلاء على السلطة في كلّ من ليبيا واليمن وسورية وذلك لأسباب مرتبطة بالتعقيدات الداخلية في البلدان الثلاثة.
صحيح أن اليمن كان استثناء، نظرا لأن الرئيس علي عبدالله صالح كان يمتلك قاعدة شعبية، اضافة الى وجود قوى داخل القوّات المسلّحة، لكنّ الصحيح ايضا أن ذلك لم يحل دون اضطراره الى التخلي عن الرئاسة قبل انتهاء ولايته في السنة 2014.
ولكن ما لا مفرّ من الاعتراف به أنّ الرئيس السابق حققّ انجازا على الصعيد الشخصي، مقارنة بزين العابدين بن علي، الذي لجأ الى المملكة العربية السعودية مع افراد عائلته، ومعمّر القذافي الذي صار في خبر كان، وحسني مبارك الذي انتهى في السجن، وبشّار الاسد الذي يتأرجح مصيره بين السجن والنفي وما انتهى اليه صدّام أو معمّر.
تكمن أهمية الاردن في أنه لم يوجد يوما فراغ سياسي في المملكة على الرغم من أنها لم تكن يوما بعيدة عن الازمات. عاشت باستمرار وسط الازمات الاقليمية في مقدّمها النزاع العربي- الاسرائيلي الذي في اساسه قضية فلسطين وشعبها الذي وُجد غير طرف عربي يريد المتاجرة به.
لكنّ الاردن، بفضل ما امتلكه من مؤسسات، استطاع دائما التعاطي مع هذه الازمات التي انعكست عليه داخليا بشكل سلبي. لم يكن في الاردن تصحّر سياسي. على العكس من ذلك، كان هناك دائما سعي الى ايجاد حياة سياسية تقوم على التنافس بين الاحزاب، أكان ذلك في عهد الملك الحسين، رحمه الله، او خليفته عبدالله الثاني؟. ما يجهله كثيرون أن حلم الحسين كان قيام مثل هذه الحياة السياسية الحزبية التي يكون التنافس فيها بين احزاب ذات برامج واضحة وعصرية في الوقت ذاته.
لكنّ التطورات الاقليمية حالت دون ذلك منذ منتصف الخمسينات وبداية الستينات من القرن الماضي في عزّ صعود التيّار الناصري والمزايدات، ذات الطابع القومجي، التي استهدفت العرش الهاشمي. الاكيد أن حرب 1967 التي تورّط فيها الاردن غصبا عنه، في غياب القيادات العربية الواعية والناضجة، لم تساعد في تطوير الحياة السياسية في الاردن.
على العكس من ذلك، تعرّض الاردن، بعد 1967، لحملات استهدفت شطبه من خريطة الشرق الاوسط بعد تدفق المسلحين الفلسطينيين عليه وسعيهم الى «اقامة سلطة الشعب»، نظرا الى انّ «طريق القدس تمرّ في عمان». هل من لديه جرأة كافية لاستعادة تلك الايّام والمقارنة بين ما كان يمارسه وقتذاك اليسار الفلسطيني، وهو يسار طفولي، وطريقة تصرّف الاخوان المسلمين، ومن لفّ لفّهم،هذه الاياّم؟
اسس الحسين لمرحلة جديدة في العام 1988 بعد قرار فكّ الارتباط مع الضفّة الغربية. وضع اللبنة الاولى للدولة الفلسطينية المستقلة التي قد تقوم يوما. وفي نوفمبر 1989، وفي الوقت الذي كان فيه جدار برلين يتهاوى، اجريت انتخابات نيابية في الاردن. لم تساعد تطوّرات صيف العام 1990 واجتياح صدّام حسين للكويت في استقرار الاردن الذي تدفّق عليه فلسطينيو الكويت الباحثون عن مكان يؤويهم...
في كلّ وقت من الأوقات، تعرّض الاردن لظلم ذوي القربى، اذ مورست عليه كلّ انواع الضغوطات، ضغوطات ارهابية مصدرها النظام السوري وضغوطات اقتصادية مارسها بعض العرب واسرائيل التي لم يتخل اليمين فيها يوما عن مشروع الوطن البديل.
ما جعل البلد يصمد هو ومؤسسات الدولة من جهة وبداية ظهور وعي، كان متأصّلا، لدى الشرق اردنيين ومعظم المواطنين من اصول فلسطينية بأن المملكة الاردنية الهاشمية ليست دولة عابرة وأن النظام فيها ليس قادرا على حماية البلد وحمايتهم فحسب، بل انه عمل باستمرار على تطوير الحياة السياسية ايضا.
ما يجعل الاردن مختلفا عن كلّ الدول العربية التي شهدت تظاهرات وحراكا شعبيا ووجود اساس يمكن البناء عليه من اجل استيعاب هذا الحراك. بكلام اوضح، لم يكن هناك في ايّ يوم من الايّام تصحّر سياسي في الاردن. هذا ما لم يدركه «الاخوان المسلمين» الذين يقاطعون الانتخابات والذين ردّ عليهم الاردنيون بالطريقة المناسبة، اي عبر الاقبال الكبير على التسجيل في القوائم الانتخابية وتقديم هذا العدد الكبير من الترشيحات.
ربّما اكثر ما فشل الاخوان في استيعابه.
ان عبدالله الثاني يعرفهم جيّدا. يعرف جيّدا ما يريدون. يعرف أنهم يصدقون الاشاعات التي يطلقونها، بما في ذلك المبالغة في قضية الفساد، ويعرف أنّهم يريدون استخدام الشارع من اجل فرض قانون انتخابي على قياسهم وليس على قياس الاردنيين. لديهم شبق لا حدود له للسلطة. كان في امكانهم تمرير مخططاتهم لو كانوا في بلد آخر... ولو لم يكن الاردن هو الاردن.
معارضون.. أم رعاة بقر؟
بقلم : عيسى جرادي عن البلاد الجزائرية
حاولت أن أفهم ما يحدث في مصر وتونس تحديدا.. فلم أجد شبها بانفلات المعارضة في البلدين.. وتردي أوضاعهما النفسية والعقلية.. إلا ما ساد قبل قرنين من الزمن في الغرب الأمريكي المتوحش.. حيث تصارعت إرادتان.. واحدة باسم القانون.. وأخرى باسم “المسدس”.. الشريف ضد الخارج على القانون.. والنظام مقابل الفوضى.
هذه المرة تسود لغة “الكوبوي” ليس في الأريزونا و فضاءات الويسترن المفتوحة على أشواك الصبار وطلقات البارود.. بل في ميدان التحرير وشوارع أم الدنيا وبؤر الفقر المزمن في الريف التونسي المنكوب منذ زمن بورڤيبة وإلى آخر لحظة في حياة الديكتاتور الفار بن علي.. والبطل ليس رجلا يمتطي حصانا ويصيب بطلقة واحدة.. بل سياسيا يسقط من أول كلمة.. ودجالا يركب موجة المعارضة ليقع بين أسنان التنين.
صفتان تميزان “أحلام رعاة البقر”.. التهديدات الفارغة وقرقعة السلاح.. هو ما استعاره المعارضون على الورق في تونس ومصر.. هؤلاء الذين يريدون خلافة الديكتاتورية المقبورة.. لا من خلال الصندوق.. بل بحقن الشارع بمثيرات الفوضى.. وبعثرة أشواك الصبار في طريق من زكاهم الناخب بالأغلبية.
كلما استمعنا إلى معارض مصري يتكلم.. واجهتنا معضلة التمييز بين حدود الإدراك ومجال الجنون.. أفي رؤوس هؤلاء بقية عقل يصدرون عنها؟ وهل تصورهم للشعب المصري ينبع من اعتقادهم أنهم أمام مواطنين أحرار.. وديمقراطية تعني أن يختار الشعب من يشاء.. ويقذف بالحجارة الانتخابية من أراد.. أم يرونه مجرد سلم خشبي يصعدون عليه إلى أعلى كما فعل مبارك؟ وهل يتغابون بتسويق الديمقراطية التي يمكن أن تكون أي شيء آخر إلا أن تكون عنوانا للحرية السياسية.. وطريقا شرعيا نحو الحكم..لا ديمقراطية يستدعونها عند الحاجة.. ويدوسون عليها إن خالفت حساباتهم؟
يقول المعارضون عقب الإعلان عن نتيجة الاستفتاء على الدستور المصري الجديد.. (سوف نواصل نضالنا مع الشعب المصري من أجل أن يحظى هذا الشعب بحقوقه وحرياته… ولن نسمح بتغيير هوية مصر أوعودة الاستبداد أبدا…). ويدعون أيضا أن هذا الاستفتاء شابه (تزوير وانتهاكات ومخالفات وقصور تنظيمي…).. (ومن ثم سيواصلون نضالهم الجماعي من أجل إسقاط هذا الدستور… في أقرب وقت ممكن).. بل إن (من لم يشاركوا في الاستفتاء كانوا سيرفضون مشروع الدستور ولم يدلوا بأصواتهم…)، كما يتوهمون.
وعلى مستوى آخر من البذاءة الأخلاقية والسياسية العابرة للحدود.. نقرأ هذا الخبر البائس (تعرّت الناشطة المصرية علياء المهدي وناشطات ينتمين إلى منظمة “فيمن” الدولية المدافعة عن حقوق المرأة، أمام السفارة المصرية في ستوكهولم، رفضاً للدستور المصري.. ونشرت المنظمة صوراً للناشطة المصرية وقد كتبت على جسدها العاري تماما عبارة “الشريعة ليست دستوراً) .
ويقول الخبر ذاته إن ناشطتين عاريتين من المنظمة ذاتها (حملتا لافتات كتب عليها “الدين عبودية ” و”لا للدين ” وكتبتا على جسديهما “لا للإسلاميين نعم للعلمانية ” و”نهاية العالم مع مرسي”). ودعت المنظمة “شعب مصر العظيمة إلى منع حصول هذا القمع الديني لمن يبدو أنه النبي الجديد مرسي، ومنح الفرصة لمصر لتحصل على التطوّر الديمقراطي المناسب).
أمن عاقل يقبل هذا الفجور السياسي.. أو يجيز هذا التردي الأخلاقي.. من معارضة تبيع نفسها للشيطان.. وتستقوي على الشعب بأمثال هذه الناشطة المنحطة.. وتتعاطى الكذب والدجل؟
إن رعاة البقر وحدهم يتصرفون على هذا النحو البائس.. ويبرزون بطولاتهم الفارغة في الصحاري الشوكية.. ويعتدون وينهبون.. وفي النهاية يشنقون إلى فرع شجرة.
في تونس.. عاد ديناصور منقرض إلى الحياة من جديد.. وحسب الصحافة التونسية المختصة في تطهير السيئين.. فإن (قائد السبسي – رئيس حركة نداء تونس – يتصدر المرتبة الأولى من حيث ثقة التونسيين.. وأنه يتمتع بشعبية موازية لشعبية النهضة وأنه المنافس الأول لها في الانتخابات القادمة).. وتعتقد هذه الصحافة أن (حركة نداء تونس باتت تنافس النهضة منافسة جدية.. في ظل تراجع كبير لثقة التونسيين في حركة النهضة الحاكمة التي تزايد السخط الشعبي تجاه حكومتها حتى أن مقراتها تعرضت للحرق من قبل التونسيين الغاضبين على حركة لم تف بما وعدت).
ويقول السبسي القادم من العصر البورڤيبي.. والذي يرفض أن يصدق أنه قد انتهى.. وأن نجمه السياسي قد أفل منذ عقود.. (إن حركة النهضة الإسلامية تقود تونس نحو الهاوية، وتعمل على قبر الثورة، وإعادة الدولة التونسية إلى القرن السابع عشر.. بينما نداء تونس يرغب ببناء دولة حديثة بمعايير القرن الواحد والعشرين).
والظاهر من هذا الكلام.. الذي يتقاطع مع الجوقة المصرية المعارضة.. أن أصحابه في حالة غيبوبة سياسية تامة.. نتيجة الصدمة الانتخابية التي أصيبوا بها.. وهل يعقل أن يرتد التونسيون على أدبارهم.. ليركبوا زورقا فرعونيا يغرق بهم في أعماق المحيط؟!
رجل يتشبث بالتسعين.. عاش أكثر من مرة.. لا يزال يطمح في وقت إضافي.. يستقطعه من عمر أجيال لا تمت له بصله.. كشأن البرادعي وصباحي وموسى من ممارسي الفرعنة الجديدة.. الذين يشبهون ” كلونات” العرض الطفولي.
يا ناس.. إن الديمقراطي لا يكون راعي بقر.. ولا يمارس السياسة بمسدس كاتم للصوت.. ولا يحتل الشوارع لينصب فيها خيمة متهرئة.. ولا يكذب ليحوز رضا الناخبين.. ولا يكون خارجا على القانون بدعوى حماية الثورة واستنقاذ الشعب.. ولا يشتم رئيسا منتخبا بحرية وشفافية ونزاهة.. ولا يمد يده لالتقاط “بقشيش” خليجي مسموم.. الديمقراطي شخص شريف.. يأبى أن يتلطخ بالأوحال من أجل كرسي لا يدوم لأحد.
كثيرون ادعوا إنقاذ الشعوب والأوطان.. كما حدث في الجزائر.. فما الذي حدث بعد ذلك؟
اسألوا الناس والتاريخ.. وتراب الأرض والهواء المعبأ بأنفاس المعذبين.. والضياع الذي يبدو بلا آخر.. ستجدون أن درب رعاة البقر لا يزال قائما.. وأن أفلام “الويسترن” لا تزال تستهوي بعض العصاة.. أما الخارجون على الأخلاق والقانون.. فمآلهم أن يشنقوا في صناديق الانتخاب.
الإسلاميون بين السياسة والتاريخ!!
بقلم: سعيد حارب عن العرب القطرية
أشرت في مقال الأسبوع الماضي إلى أن هناك ممانعة لدى البعض من فكرة النظام السياسي الإسلامي بسبب جمود هذا النظام عند قوالب محددة ارتبطت في معظمها بممارسة السلطة القائمة، وبجمود الفكر السياسي الإسلامي عند صور هي أقرب للتاريخ منها إلى التطبيق العملي لهذا النظام في مرحلته التي يمر بها، وهذه الحالة ليست وليدة العصور المتأخرة فقط، بل شكا ابن القيم في عصره (القرن الثامن الهجري) من جمود فقهاء زمنه، حتى إنهم اضطروا أمراء عصرهم إلى أن يستحدثوا (قوانين سياسية) بمعزل عن الشرع، وحمل ابن القيم الفقهاء الجامدين تبعة انحراف الأمراء والحكام وشرودهم عن منهج الشريعة السمحة.
ويبدو أن هذا الجمود الفكري استمر لعصور طويلة كانت معظم الكتابات فيها إما للتقرير أو للتبرير، أي إما لغلبة التاريخ على الرأي والاجتهاد بحيث اعتبر التاريخ هو مصدر «الشرعية» للنص في الشأن السياسي، عكس ما كان يجب يحدث أي بتبعية التاريخ للنص، أما التبرير فهو تبرير الواقع بحيث أعطيت «الشرعية» لممارسات سياسية يخالف بعضها المبادئ العامة التي جاء الإسلام من أجلها، ولولا كتابات متفرقة في الشأن السياسي الإسلامي نجدها موزعة عبر سنوات متفرقة من تاريخ المسلمين لخلا الاجتهاد في الشأن السياسي الإسلامي.
فكتابات الماوردي وأبويعلى الفراء وإمام الحرمين الجويني وابن جماعة ويحيى بن الحكم الغزال وابن قتيبة وعدد قليل من الفقهاء الذين اجتهدوا في الشأن السياسي،لولا كتابات هؤلاء لخلا الفكر الإسلامي القديم من البحث في الشأن السياسي، كما أن الفقه السياسي لم يأخذ مكانا واضح متميزا في كتب التراث، حيث توزعت أحكامه في أبواب كثيرة من كتب الحديث والفقه، ولم يحظ إلا بالقليل من الكتابات المتخصصة.
ورغم محاولات لبعض المفكرين والمجتهدين في العصور المتأخرة لبحث هذا الأمر فإن تلك الكتابات لا تقارن باجتهاد المسلمين في أبواب أخرى مثل العقيدة والعبادات، علما بأن الحاجة للاجتهاد في أبواب العقيدة والعبادات -مثلا- أقل منها في المعاملات والنظم ومن بينها النظام السياسي حيث تكثر المستجدات، بل إن بعض الذين يكتبون أو يتصدون للفكر السياسي الإسلامي المعاصر لا يتجاوزون ما كتبه السابقون منهم، فما زالوا محكومين بالتاريخ أكثر من تعاملهم مع الواقع والعصر الذي يعيشون فيه، ونلاحظ ذلك في قضايا كثيرة لم تحسم لديهم مثل الموقف من الديمقراطية، والمشاركة السياسية وطبيعة العلاقة بين الفرد والنظام السياسي.
وفكرة المواطنة والعلاقة بين الدولة القطرية ومفهوم الأمة الشامل، ومكان المرأة في النظام السياسي، وكذا موقع الأقليات في ذلك، وغيرها من القضايا التي ما زالت الكتابة فيها تأخذ منحى العموميات أكثر من التحديد ودون أن يكون هناك رأي واضح أو متفق عليه، ولذا فإن عدم بلورة تصور واضح للفكر السياسي الإسلامي بحيث يمكن تطبيقه على الواقع، يجعل من الداعين لهذا الفكر في موقف مضطرب ويعزز من موقف الرافضين له، لكن الموقف يتعقد أكثر حين ينبري من يرى أن الأوضاع القائمة الآن لا تصلح لتطبيق هذا النظام، ولا يأتي هذا الرفض من المخالفين لفكرة النظام السياسي الإسلامي بل من «أشد» الداعين للتمسك بالإسلام.
إذ إن هناك تيارات أخرى لا ترى إمكانية العمل بالنظام الإسلامي في ظل الأوضاع القائمة لأنها -كما تراها- غير إسلامية ومخالفة «بجملتها» للإسلام، ولا يمكن بهذه الحالة طرح جانب من الإسلام (أي النظام السياسي) للتطبيق في بيئة غير صالحة له!! ولذا فهي تعمل على تغيير الواقع -بجملته- ليكون مهيئا لتطبيق النظام السياسي الإسلامي، وأخذ هؤلاء طريقا آخر اتسم بالقوة والعنف والتشدد في تعاملهم مع الواقع الذي يعيشونه في البلدان الإسلامية، ولم يهتموا ببحث أي جانب جزئي من الإسلام قبل تغيير الواقع كما يرون، ويعبر عن هذا الاتجاه بعض التيارات المتشددة التي ينتمي بعضها لما يسمى بالسلفية الجهادية وجماعة التكفير والهجرة التي ترى وجوب تغيير الواقع بما فيه من أنظمة حتى يتهيأ لها تطبيق الإسلام، وليس النظام السياسي فقط، كما ترى ذلك.
وإذا كانت هذه الاتجاهات لا تحدد رؤية نحو النظام السياسي الإسلامي المعاصر، فإن هذا النظام ما زال مثقلا بإرث تاريخي يمنعه من التحرك والانطلاق في مسيرته نحو التطبيق المعاصر، فقد ارتبط النظام السياسي في حياة البشرية بالتاريخ أكثر مما ارتبط بالنصوص، وليس ذلك حكرا على دين دون آخر، أو ملة دون غيرها، أو شعب دون سواه، بل هو نسق عام شمل مختلف الأزمنة والدول والبيئات.
والنظام السياسي الإسلامي واحد من هذه الأنظمة التي ارتبطت بالتاريخ كثيرا، بيد أنه يختلف عن غيره من الأنظمة بمرجعيته الثابتة والمستقر، لكن الاستلال من المرجعية يحتاج إلى إعمال نظر وبحث واجتهاد، وعدم الاعتماد على الآراء التي رسمها الفقهاء قديما، بل لا بد من فهم جديد ومعاصر يأخذ بدلالات النصوص وينزلها على الواقع حتى يكون هذا النظام قابلا للتطبيق، وحتى لا يبقى النظام السياسي الإسلامي أسيرا للتاريخ.


رد مع اقتباس