[IMG]file:///C:\Users\ARCHIV~1\AppData\Loca l\Temp\msohtmlclip1\01\clip_im age001.gif[/IMG][IMG]file:///C:\Users\ARCHIV~1\AppData\Loca l\Temp\msohtmlclip1\01\clip_im age003.gif[/IMG]
[IMG]file:///C:\Users\ARCHIV~1\AppData\Loca l\Temp\msohtmlclip1\01\clip_im age004.gif[/IMG]
- في هذا الملــــف:
- اللوبي المؤيّد لإسرائيل: نهاية أسطورة «أيباك» في واشنطن؟
- جو معكرون عن السفير
- الانتفاضة الثالثة لن تأخذ إذناً من أحد
- ماجد كيالي (كاتب فلسطيني) عن الحياة اللندنية
- الانتفاضة الثالثة: مصلحة لمن؟ ومسؤولية من؟
- محمد السعيد ادريس عن دار الخليج
- هل تندلع الانتفاضة الثالثة؟
- عوني صادق عن دار الخليج
- عودة لجدل الكفاح الفلسطيني
- يوسف مكي عن دار الخليج
- اعتداء غاشم
- رأي البيان الإماراتية
- عيون وآذان (بانتظار حكومة الإرهابيين)
- جهاد الخازن عن الحياة اللندنية
- تفسيران لسياسة واشنطن الشرق أوسطية.. ليسا في مصلحة أوباما
- إياد أبو شقرا عن الشرق الأوسط
- الوضع المصري مصدر قلق لاسرائيل
- راي القدس العربي
- ليفني.. نتانياهو
- عناد السالم عن الرأي الأردنية
- يهود ضد الصهيونية ايضا!
- اسامة الشريف عن الدستور الأردنية
- لماذا أبعد الاردن طائراته عن سورية؟!
- ماهر ابو طير عن الدستور
- التطــورات العربيـة وإسـرائيـل
- غازي العريضي عن الدستور الأردنية
- إسرائيل والأزمة المالية الأميركية: تقليص الدعم للمنظومات الدفاعية
- حلمي موسى عن السفير
- هـل سـيواجه البـابا العتيـد الذئـاب أم سـيهرب منـها؟
- غراسيا بيطار عن السفير
- رام الله هي فلسطين
- اوكتافيا نصر عن النهار اللبنانية
- من يحتاج الآخر.. نحن أم أمريكا؟!
- كلمة الرياض بقلم:يوسف الكويليت
- قبل أن يصبح الإسلام هو المشكلة
- فهمي هويدي عن الشروق المصرية
- دعم أمريكا للإخوان
- محمد سلماوي عن المصري اليوم
- العلاقات «المصرية- الأمريكية»: نظرة تحليلية
- سارة خورشيد عن المصري اليوم
خلاف تكتيكي أميركي ـ إسرائيلي بشأن إيران .. وقلق مشترك حول سوريا
اللوبي المؤيّد لإسرائيل: نهاية أسطورة «أيباك» في واشنطن؟
جو معكرون عن السفير
على هامش مؤتمر لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية، هناك همس في الإعلام الأميركي وفي القاعات داخل مركز المؤتمرات في واشنطن حول بداية نهاية أسطورة «أيباك» في المدينة، في وقت تحدث فيه نائب الرئيس الأميركي جو بايدن عن اختلاف تكتيكي بين أميركا وإسرائيل حول التعامل مع إيران، بالتزامن مع قلق مشترك من التحولات المتسارعة في سوريا.
ليست كبيرة هذا العام طموحات اللوبي الأقوى المؤيد لإسرائيل في العاصمة الأميركية: أمل ألا يمس الإلغاء التلقائي في الميزانية الفيدرالية المساعدات العسكرية لإسرائيل، وسعي لضغط تشريعي لا طائل له على الرئيس باراك أوباما لدعم ضربة عسكرية على إيران. ويأتي ذلك بعد خسارة «أيباك» معركة التصديق على ترشيح وزير الدفاع تشاك هايغل في الكونغرس، بعدما قرر اللوبي المؤيد لإسرائيل في مجلس الشيوخ إعطاء أوباما ما يريده بعد فوزه في ولاية رئاسية ثانية.
وللمرة الأولى منذ حوالي سبع سنوات، لا يشارك الرئيس الأميركي في المؤتمر شخصياً ولا حتى رئيس الوزراء أو الرئيس الإسرائيلي، ما يجعل القدرة على دفع جدول الأعمال محدودة، لا سيما مع مفاوضات تشكيل الحكومة الإسرائيلية وانشغال واشنطن بأزمة الميزانية. على جدول المؤتمر هذا العام، الذي يشارك فيه حوالي 12 ألف مندوب، كان بايدن ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (عبر الأقمار الاصطناعية)، ووزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك، ووزير الخارجية الكندي جون بايرد، ودينيس روس، وإليوت ابرامز، وفريد هوف، ولائحة من الأعضاء البارزين في الكونغرس.
بعث بايدن بعض الرسائل إلى إسرائيل ومؤيديها في واشنطن. وأكد في البداية أنه «في وقت قد لا نتفق فيه على التكتيكات... لكننا لم نختلف يوماً على الحتمية الإستراتيجية بأنه على إسرائيل أن تكون قادرة على حماية نفسها»، لافتاً إلى أن أوباما «لا يخادع» حول تصميمه على منع إيران من الحصول على سلاح نووي، لكنه أضاف «نحن لا نبحث عن حرب، نحن مستعدون للتفاوض سلمياً. لكن كل الخيارات مطروحة على الطاولة، بما في ذلك الخيار العسكري»، مشدداً على أن سياسة أوباما هي «منع إيران من الحصول على سلاح نووي. نقطة على السطر، انتهى النقاش. المنع وليس الاحتواء».
كذلك تطرق بايدن إلى مطلب إسرائيلي آخر هو فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على «حزب الله». واعتبر انه لطالما حاول الحزب أن «يطرح نفسه على أنه ليس أكثر من مجموعة رعاية سياسية واجتماعية، فيما يتآمر ضد أبرياء من أوروبا الشرقية إلى شرق أفريقيا، من جنوب شرق آسيا إلى أميركا الجنوبية»، مضيفاً «نحن نعلم ما تعلمه إسرائيل: حزب الله منظمة إرهابية، نقطة على السطر. ونحن نحث كل بلد في العالم يتعامل مع حزب الله أن يبدأ معاملته على هذا النحو ويسميه كمنظمة إرهابية». وتحدث بايدن أيضاً عن الجهود الأميركية لإقناع الأوروبيين بفرض عقوبات على «حزب الله»، وقال متوجهاً إلى الإسرائيليين «معاً، علينا أن نستمر بمواجهة حزب الله أينما يزرع بذور الكراهية».
وتحدث بايدن عن الملف السوري، مؤكداً أن على الرئيس بشار الأسد «الرحيل، لكن لن نوقع على عصابة قاتلة تستبدل أخرى في دمشق»، في إشارة إلى «جبهة النصرة». ولفت في هذا السياق إلى أنه نتيجة لذلك تركز واشنطن دعمها للمعارضة السورية «الشرعية التي ليست فقط ملتزمة بسوريا سلمية بل بمنطقة سلمية». وتابع قائلاً «لهذا السبب في وقت نضغط باستمرار على الأسد ونفرض العقوبات على الميليشيا المدعومة من إيران الموالية للنظام، صنفنا أيضاً جبهة النصرة كمنظمة إرهابية».
وعن التحديات في مصر، قال بايدن «نحتاج إلى الاستثمار في نجاح مصر واستقرارها»، مشدداً على أنه «لا بديل شرعياً في هذه المرحلة عن الانخراط مع مصر... فقط من خلال الانخراط يمكننا دفع قادة مصر للتركيز على احترام الالتزامات الدولية، بما في ذلك وخصوصاً معاهدة السلام مع إسرائيل»، بالإضافة إلى تعزيز الاستقرار في سيناء، و«تشجيع قادة مصر على إجراء إصلاحات». بايدن لم يتطرق حتى إلى التفاوض الفلسطيني – الإسرائيلي، ولا إلى المصالحة بين حركتي فتح وحماس التي تضع إسرائيل فيتو عليها.
رد نتنياهو، بعد كلمة بايدن، حيث ناشد واشنطن قائلاً «لا يمكننا أن نسمح لإيران بتجاوز الخطوط الحمراء. علينا أن نوقف برنامجها لتخصيب اليورانيوم قبل فوات الأوان». وأضاف أن «الكلمات وحدها لن توقف إيران، العقوبات وحدها لن توقف إيران، بل يجب أن تقترن بتهديد واضح وذي مصداقية إذا فشلت الديبلوماسية والعقوبات».
واعتبر نتنياهو أن سوريا يمكن أن تتحول إلى «أزمة ذات أبعاد استراتيجية غير متوقعة»، مشيراً إلى أنها «بلد فقير جداً، لكن لديه أسلحة كيمائية وأخرى مضادة للطائرات، وغيرها من الأسلحة الأكثر تطوراً وفتكاً في العالم. وفي وقت ينهار النظام السوري، فإن خطر وقوع هذه الأسلحة في الأيدي الخطأ للمجموعات الإرهابية حقيقي جداً. مجموعات إرهابية مثل حزب الله والقاعدة يحاولون الاستيلاء على هذه الأسلحة فيما نتحدث».
وعن المفاوضات مع الفلسطينيين، قال نتنياهو إن «إسرائيل انسحبت من لبنان، انسحبنا من غزة. لقد تخلينا عن الأرض وحصلنا على الإرهاب. وبالتالي لا يمكننا أن نسمح بحصول ذلك مرة ثالثة». وأضاف أن «إسرائيل مستعدة لتسوية ذات معنى. لكن كرئيس وزراء إسرائيل لن أتنازل عن أمننا. علينا أن نعمل معاً لإيجاد مسار واقعي إلى الأمام – عملية مدروسة خطوة خطوة تدفعنا نحو سلام مستدام يمكننا إثباته والدفاع عنه».
أوباما يركز حالياً على جولته الشهر الحالي إلى إسرائيل ورام الله والأردن. السفير الأميركي لدى إسرائيل دان شابيرو موجود حالياً في واشنطن في إطار التحضير للزيارة، كما أن الوفود الفلسطينية والإسرائيلية موجودة في واشنطن للغاية ذاتها.
دينيس روس رفض في كلمته خلال المؤتمر الحوار «خطوة خطوة» مع إيران، وإليوت ابرامز اعتبر أن العام 2013 سيكون «عاماً حاسماً» في الملف النووي الإيراني. أما وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك فاقترح «بناء إطار أمني إقليمي» بوساطة أميركية للتعامل مع الملف النووي الإيراني، و«التحديات المشتركة حول إرهاب الإسلاميين المتطرف، وأمن الحدود».
يأتي مؤتمر «أيباك» السنوي في توقيت غير مؤات هذه المرة، حيث دخل حيز التنفيذ هذا الأسبوع إلغاء تلقائي بحجم 85 مليار دولار في الميزانية الفيدرالية الأميركية لهذا العام، وسيطال نصف هذا التقليص ميزانية البنتاغون.
أهداف «إيباك» هذا العام هي تسمية إسرائيل كـ«حليف استراتيجي رئيسي» لواشنطن واستثناؤها من أي تقليص في نفقات برنامج المساعدات العسكرية الأميركية. وسيتم لهذه الغاية حجز مواعيد للناشطين في «إيباك» مع أعضاء الكونغرس في دائرتهم الانتخابية لبحث هذه القضايا التي «تهم المجتمع المؤيد لإسرائيل»، كما يشارك في المؤتمر 130 موظفاً في الكونغرس في ندوة حول سياسة الشرق الأوسط. كذلك، هناك مشروع قرار طُرح في الكونغرس، بالتزامن مع بدء أعمال المؤتمر، يدعو أوباما إلى دعم إسرائيل إذا قررت توجيه ضربة عسكرية وقائية ضد المواقع النووية الإيرانية مع الإشارة إلى أن هذا لا يعني «إعلان حرب»، لكن حتى ضمن هذه اللغة الغامضة لن يقبل البيت الأبيض على الأرجح بتكبيل تحركه تشريعياً.
جنيفر روبين كتبت في صحيفة «واشنطن بوست» مقالاً تحت عنوان «إيباك لديها مشاكل» جاء فيه، «نظراً لتراجع دعم إسرائيل بين الديموقراطيين، بعض القادة اليهود يبحثون عن قادة المستقبل. لكن الانتظار سيكون طويلاً حتى يصل مثل هؤلاء القادة إلى مرحلة النضوج السياسي».
حتى إيهود باراك وجه نداءً خاصاً إلى الجيل الجديد من «إيباك»، وقد شارك حوالي 240 منهم في المؤتمر تمهيداً لصقلهم عسى أن يصبحوا فاعلين ومؤثرين في صفوف اللوبي الإسرائيلي.
روبين، ذات الميول المحافظة، ختمت المقال بالقول إن «إيباك في مأزق لأن عليها أن تتعامل مع إدارة على خلاف مع إسرائيل، في وقت تواجه فيه الدولة اليهودية عدم استقرار متزايداً في المنطقة وتهديداً من إيران المســلحة نووياً. جيل جديد من الديموقراطيين قد يكون أكثر دعماً للعلاقات الأميركية - الإسرائيلية، لكن ماذا تفعل إيباك في السنوات العشر المقبلة». حتى السفير الإسرائيلي لدى واشنطن مايكل اورين استدرك احتمال عزلة إسرائيل داخل الحزب الديموقراطي الذي يــزداد تنوعاً في ديموغرافيــته، وناشد المندوبين في «إيبــاك» التواصل مع «الأفارقة الأميركيين والأميركيين واللاتينيين والمسلمين».
الانتفاضة الثالثة لن تأخذ إذناً من أحد
ماجد كيالي (كاتب فلسطيني) عن الحياة اللندنية
لا أحد يعرف متى ستندلع الانتفاضة الفلسطينية الثالثة، فهي كسابقتيها لن تأخذ إذناً من أحد، ولا يمكن أحداً أن يحول دونها، فإسرائيل لم تستطع ذلك، مع الانتفاضتين الأولى والثانية، وبالتأكيد فإن السلطة الفلسطينية ليس في مقدروها ذلك.
هذا يعني أن الانتفاضة الثالثة في الطريق، وأنها ستندلع، اليوم أو غداً، ليس لأن أحداً ما يرغب في ذلك أو يخطّط له، عن هواية أو قصدية ما، وإنما لأن كل الدروب تقود إلى ذلك، بسبب انسداد كل الحلول السياسية، وبسبب أن الضغط، الناجم عن الاحتلال والقهر والظلم لا يولّد إلا الانفجار. وفي الواقع لا أحد يحتاج إلى أي قدر من التفكير للتأكد من أن سدّ كل الطرق أمام الفلسطينيين، ولا سيما أمام نزعتهم للتحرّر من الاحتلال، لا يؤدي إلا إلى هذا الطريق، بخاصّة مع استمرار بناء المستوطنات والجدار الفاصل ومصادرة الأراضي ومحاولات تهويد القدس وانتهاج الاعتقالات، وهو أمر تعرفه إسرائيل جيداً، فقد حدث ذلك من دون وجود السلطة (1987ـ1993)، ومع وجودها (2000ـ2004).
القصد من ذلك القول إن عوامل الانتفاضة كامنة في احشاء المجتمع الفلسطيني، على رغم كل الكوابح، بما فيها الاحباط من مآلات الانتفاضتين السابقتين، والانقسام في الحركة الوطنية، والافتقار الى قيادة قادرة على إلهام الفلسطينيين وإشعال الحلم والأمل في قلوبهم، ومع وجود طبقة سياسية باتت تستمرئ العيش في ظل سلطة تحت الاحتلال وعلاقات التنسيق الأمني والارتهان لمعونات الدول المانحة، أي أن الانتفاضة ستأتي رغم كل ذلك، وهي تنتظر فقط لحظتها التاريخية، أو حادثتها، أو شرارتها.
ربما يجدر التذكير هنا بأن المقاومة الشعبية ضد الاحتلال، بمظاهره العسكرية والاستيطانية، في قرى ومدن الضفة لم تهدأ قطّ، منذ وقف الانتفاضة الثانية (المسلّحة)، إذ إنها استمرت بمختلف الأشكال، وإن بوتائر متفاوتة. ويمكن أن نشمل في ذلك التحركات الشعبية ضد الاستيطان والجدار الفاصل، والتي بلغت ذروتها في الفعاليات المتواصلة منذ سنوات في قريتي نعلين وبعلين تحديداً. ويمكن أن نذكر، أيضاً، انتفاضة «العودة»، التي اطلقتها مجموعات من الشباب الفلسطينيين في الداخل والخارج، وتخلّلتها محاولات لعبور الحدود. كما تنضوي في الإطار ذاته جملة التحرّكات الشعبية الناشطة للتضامن مع الأسرى المضربين عن الطعام في سجون الاحتلال، والتي باتت تعرف بانتفاضة «الأمعاء الخاوية» (أيار/مايو 2012). ومعلوم أن هذه المعركة كانت بدأت مطلع العالم الماضي، مع اضراب خضر عدنان (66 يوماً) وهناء الشلبي (44 يوماً)، ثم تصاعدت (في أيار) مع اضراب الأسرى الذين اشتهر منهم كل من بلال ذياب (77 يوماً) وثائر حلاحلة (77 يوماً)، وصولاً إلى الاضراب الأطول، وغير المسبوق في التاريخ، للأسير سامر العيساوي (أكثر من مئتي يوم).
في هذا الإطار يمكن طرح ملاحظتين، أولاهما، أن تحركات الفلسطينيين لم تعد تقتصر على تحدي سلطة الاحتلال، فهي باتت تشمل، أيضاً، تحدّي السلطة في الضفة وغزة، بسبب تفاقم شعور الفلسطينيين بالضياع وفقدان الأمل والغضب. وهي مشاعر تتغذى من انسداد مشروع المفاوضة والتسوية، وحال الانقسام في النظام السياسي، وتفاقم المشكلات الاقتصادية والمعيشية، وتسيّد الأجهزة الأمنية، والتضييق على الحريات، وتفاقم الشعور بدونية السلطة إزاء إسرائيل، لا سيما مع علاقات التنسيق الأمني والتبعية الاقتصادية. والمشكلة أن كل هذا يجري في وضع لا تفوّت فيه إسرائيل أية فرصة للتقليل من هيبة السلطة والحطّ من صورتها عند شعبها.
ويمكن أن نذكر في هذا الإطار الكثير من المظاهر ومن ضمنها، مثلاً، الحراكات الشبابية ضد الانقسام، والتي شملت الضفة وغزة (آذار/مارس 2011)، وكان شعارها الرئيس: «الشعب يريد انهاء الانقسام»، وقد جرى انهاؤها، بطريقة ناعمة أو قاسية. وهناك التظاهرات التي اندلعت احتجاجاً على الزيارة التي كان يزمع شاؤول موفاز، زعيم حزب «كاديما»، القيام بها الى مقر القيادة الفلسطينية في رام الله (أواخر حزيران /يونيو 2012). أيضاً، ثمة التظاهرات التي شملت بعض مدن الضفة (تشرين الأول/اكتوبر الماضي)، والتي كانت دعت إليها مجموعة «فلسطينيون من أجل الكرامة»، وتركّزت ضد الاعتقالات السياسيّة التي تنفذها الاجهزة الأمنية للسلطة. كما يمكن أن نحسب في هذا الاتجاه الحراك المتمثل بالإقبال الشعبي الواسع على احتفالية الذكرى السنوية لانطلاقة «فتح» في مدينة غزة (كانون الثاني/يناير 2013)، والذي كان مفاجئاً لسلطة «حماس»، وعبّر في احد معانيه عن التذمر من طريقة إدارتها للقطاع.
أما الملاحظة الثانية، فتتعلق بموقف القيادة الرسمية من مسألة اندلاع انتفاضة جديدة، وهو موقف متسرّع ومزاجي، ويعبّر عن سذاجة سياسية، إضافة إلى أنه يأتي كنوع من سلفة سياسية مجانية لإسرائيل، وكإثبات امتثال لمتطلّباتها ومتطلّبات الدول المانحة، من دون النظر إلى حال الفلسطينيين وقضيتهم. ففي حقيقة الأمر فإن هذه الانتفاضة لن تأخذ إذناً من أحد، ولا من القيادة الفلسطينية، أي أنها ستشتعل هكذا ببساطة، لأن كل عوامل الاشتعال باتت موجودة. وهذه الانتفاضة ستندلع لأن هذه القيادة بالذات لم تعرف كيف توجّه الطاقة المختزنة عند شعبها في مواجهة الاحتلال، بهذه الطريقة او تلك، وإنما فضّلت حبسها، ومفاقمة احتقانها. والحال، فإن القيادة تتحمل قسطاً من المسؤولية عن وصول الفلسطينيين إلى هذا الوضع المتفجّر، بسبب علاقات التنسيق الأمني مع إسرائيل، ولممانعتها تبلور حالة منظمة ومستمرة من المقاومة الشعبية ضد الاحتلال.
على ذلك، لا يشفع لهذه القيادة الادعاء بأنها ضد الانتفاضة بدعوى أنها ضد العنف والفوضى، فهذه لغة غريبة وتبدو مستوردة من قاموس الاحتلال، لا سيما أن المفاضلة محصورة هنا بين طريقين خاطئين: الفوضى والعنف أو العيش بهدوء في ظل الاحتلال. وبديهي، فإن وضع المسألة على هذا النحو الخاطئ هو دليل آخر على افتقاد هذه القيادة أهليتها الكفاحية، وتأكيد شيخوختها السياسية وتكلس بناها وتآكل مكانتها.
الآن، قد يكون من المفهوم أن مهمة أية قيادة هي إدارة كفاح شعبها بأفضل وأقوم الطرق، والوصول الى الهدف بأقل الأثمان، لكن ذلك يرتبط بمفهوم آخر مفاده أن الاحتلال، بخاصة إذا كان من النمط الاستيطاني ـ العنصري ـ الأيديولوجي (الديني) لا ينتهي بالمناشدات أو بالتوسّلات أو بالمفاوضات. فلا شيء يجعل الإسرائيليين، الذين لا يدفعون أي ثمن للاحتلال، والذين باتوا يعيشون واقعاً من الاحتلال المريح والمربح لهم، في ظل سلطة اوسلو، يتخلون عن هذا الواقع، لا شيء البتّة، لذا فهذه معادلة غريبة، وغير مقبولة، وينبغي وضع حد لها، إما بإنهاء الاحتلال، أو بتدفيعه ثمن الاحتلال.
حقاً، لقد دفع الفلسطينيون أثماناً باهظة في الانتفاضة الثانية، بسبب العسكرة التي حدّت من الطابع الشعبي للانتفاضة، واختزلتها بمجموعات عسكرية، وبسبب انتهاج نمط العمليات التفجيرية، التي بددت طاقة الانتفاضة، وبررت لإسرائيل البطش بالفلسطينيين، لكن الخيار هنا ليس حتمياّ بين الانتفاضة الثانية (المسلحة) أو قبول العيش في ظل الاحتلال، ومن يضع المسألة على هذا النحو يريد أن يؤبد الواقع القائم. والمعنى أن ثمة خيارات أخرى، فثمة، مثلاً، نمط الانتفاضة الأولى التي كانت شعبية، فهذه استطاعت تحييد الآلة العسكرية لإسرائيل، وجلب التعاطف الدولي مع حقوق الفلسطينيين، ناهيك عن دورها في مفاقمة الانقسام بين الإسرائيليين، وفرض أجندتها السياسية عليهم.
ومن تفحّص التجربة الوطنية الفلسطينية يمكن، مثلاً، ملاحظة أن مشكلة الفلسطينيين لم تكن تتمثل باعتماد هذا الشكل الكفاحي أو ذاك، في مواجهة إسرائيل، بقدر ما كانت تتمثل في الرؤية السياسية التي تحكم اعتماد هذا الشكل او ذاك، وكيفية إدارته، ثم بالقدرة على استمراره. ولا شك في أن هذه الملاحظة لا تقتصر على كيفية إدارة الكفاح المسلح، أو الانتفاضة الشعبية، وانما تشمل كيفية ادارة العمل السياسي، وكذلك كيفية إدارة المفاوضات، إذ إن الحال في هذه الأخيرة لم تكن أحسن إن لم تكن أسوأ من الأولى.
عموماً، فإنه لأمر غريب وجود قيادة سياسية تقلق، أو تتخوف، من صعود الروح الكفاحية عند شعبها، فالمفروض أصلاً أن أمراً كهذا هو موضع قلق عند الإسرائيليين، والمفروض، أيضاً، أن مهمة هذه القيادة الاشتغال على بثّ هذه الروح وتوظيفها أقله في مجال الضغط على إسرائيل.
قصارى القول، لا ينبغي الهلع من الانتفاضة، بل ينبغي التهيؤ لها، لا لوقفها أو قمعها، وإنما لمواكبتها، واحتضانها، وتهيئة مقومات صمودها، في مواجهة عدوها، وأيضاً لتنظيمها، وترشيد مساراتها، بالاستفادة من التجارب السابقة، وصولاً الى استثمارها بما يخدم تحقيق الفلسطينيين لأهدافهم الوطنية.
الانتفاضة الثالثة: مصلحة لمن؟ ومسؤولية من؟
محمد السعيد ادريس عن دار الخليج
بقدر ما أدرك قادة الكيان الصهيوني مدى خطورة اندلاع “انتفاضة ثالثة” للشعب الفلسطيني، في هذا الوقت بالذات الذي ترتبك فيه إدارة الكيان في مواجهة التحديات الداخلية على وجه الخصوص، بقدر ما يشعر هؤلاء القادة بقدر من الاطمئنان، وهذا الاطمئنان مصدره رهانهم على أنه مازال في مقدور السلطة الفلسطينية الموجودة في رام الله ضبط مسار الأحداث بعيداً عن نقطة الخطر، ورهانهم على أن من يحكمون قطاع غزة يدركون أن قيام هذه الانتفاضة ليست ضمن أولوياتهم، وأنهم مع التهدئة، على حد قول الصحفية “الإسرائيلية” عميرة هاس التي كتبت تقول في صحيفة “هآرتس”: إن “الانقسام هو سيد الموقف بالنسبة لقادة حركة “فتح”، فجزء منهم يدعو إلى التظاهر، وجزء آخر يدعو إلى الحذر، أما حركة “حماس” فتتحدث بصوتين: صوت وقف النار والاستقرار والتنمية حين يتعلق الأمر بقطاع غزة، وصوت الكفاح، حتى الإبادة، عندما يتعلق الأمر بأي مكان آخر” .
رهانات لها ما يبررها للأسف، والمحصلة أن الانتفاضة “الأمل” التي تفجرت في معظم أنحاء الوطن الفلسطيني المحتل كرد فعل على حزمة قوية من الأسباب والدوافع والحوافز التي كان يمكن أن تجعل منها “انتفاضة التحرير” التي أشعلها استشهاد المناضل الفلسطيني عرفات جرادات تحت التعذيب في أقبية سجن “مجدو” الصهيوني تكاد تخفت جذوتها للأسباب التي رصدها الصهاينة، ولأنها من دون قيادة أو تنظيم، ومن دون مشروع، والأهم أنها تستخدم كمجرد “أداة مساومة” مع قادة الكيان الصهيوني قبيل وصول الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى الكيان، في زيارته المقررة لعدد من الدول العربية وبعض دول المنطقة .
المحزن في الأمر أن قادة الكيان يدركون أكثر من غيرهم أن انفجار الشعب الفلسطيني أعمق من أن يكون نتيجة شرارة هنا أو هناك، وأنه ليس سوى تعبير عن رفض هذا الشعب للاحتلال، ومظالمه وتبدد فرص السلام وانكشاف أكذوبته، وتداعي خيار المفاوضات أمام حقيقة مؤكدة هي حقيقة الاستيطان والتوسع المستمر لتهويد كل الوطن الفلسطيني، لفرض خيار “الدولة اليهودية” على كل أرض فلسطين التاريخية من النهر إلى البحر، لكنهم رغم ذلك فإنهم مازالوا يعلقون آمالهم على أن السلطة الفلسطينية قادرة في نهاية الأمر على ضبط حركة الشارع، ومنع تطوره إلى “انتفاضة ثالثة” ببعديها الشعبي والعسكري، وأن ما تشهده الضفة الغربية من احتجاج شعبي يتحرك ضمن الهامش الذي تسمح به السلطة من تحقيق أهداف سياسية تتصل بأجندة زيارة الرئيس الأمريكي المرتقبة هذا الشهر، بغية انتزاع بعض الإنجازات، خصوصاً بعد أن تأكّد أن القضية الفلسطينية ليست ضمن أولويات زيارة أوباما التي ستركّز على ملفين، أولهما الملف النووي الإيراني، والثاني ملف الأزمة السورية، وهذا ما دفع الأجهزة الأمنية الصهيونية إلى تقديم تقديرات موقف تقول إن “السلطة الفلسطينية معنية باستمرار مضبوط لتصعيد المواجهات والاحتكاكات في المناطق (المحتلة) إلى حين زيارة الرئيس الأمريكي، وحمله على تغيير سلّم أولوياته لصالح القضية الفلسطينية عامة، والأسرى في السجون “الإسرائيلية” على وجه الخصوص” .
هذا التقدير وجد ما يؤكده، وما يزيد من جرعة التفاؤل “الإسرائيلية” التي تعززت بعد الرسالة الضمنية التي وجهها رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بالقول: “إن “إسرائيل” تقود في اتجاه الفوضى، ونحن لن نسمح لهم بالوصول إلى هذا الوضع”، إضافة إلى مضمون هذا التصريح وما يعنيه من رفض أو تحفظ الرئيس أبومازن على اندلاع انتفاضة، فإن الأجهزة الأمنية “الإسرائيلية” تضع في اعتبارها دائماً استمرار ما يعرف ب “التنسيق الأمني” بين السلطة الفلسطينية وسلطة الاحتلال، وهو التنسيق الذي يعني التعاون بين أجهزة الأمن الفلسطينية وكل من الجيش “الإسرائيلي”، وأجهزة الأمن والاستخبارات “الإسرائيلية” في الضفة الغربية.
وخشية أن يؤدي توسع قيام الجيش “الإسرائيلي” والأجهزة الأمنية بمهمة قمع الاضطرابات والمظاهرات إلى اندلاع انتفاضة ثالثة، ولقناعة المسؤولين بالكيان بأن هناك أسباباً موضوعية تغذي فرص اندلاع هذه الانتفاضة، أبرزها توسع إضراب الأسرى عن الطعام، وما يمكن أن يؤدي إليه مثل هذا الإضراب من وفاة بعضهم، وتردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، والصدمة التي أحدثها الإعلان عن تعمّد تهميش القضية الفلسطينية في أجندة زيارة الرئيس الأمريكي المرتقبة للمنطقة، وحرص السلطة الفلسطينية على تسخين الأجواء لفرض الملف الفلسطيني على أجندة هذه الزيارة، يتجه هؤلاء المسؤولون إلى اتخاذ بعض القرارات الاستثنائية لاحتواء فرص اندلاع مثل هذه الانتفاضة .
من بين هذه القرارات إرسال الحكومة “الإسرائيلية” أموال الضرائب عن شهر يناير/ كانون الثاني الماضي إلى السلطة الفلسطينية، اعتقاداً بأن مثل هذا الإجراء ستكون له آثار إيجابية، حتى لو لم يؤد ذلك إلى أن يتلقى موظفو السلطة الفلسطينية كافة أجورهم، طالما أن موظفي الأجهزة الأمنية، على وجه الخصوص، سيكون في مقدورهم الحصول على أجورهم، لأن “استقرار السلطة وقدرة أجهزتها الأمنية على تأدية دورها أمران مرتبطان ببعضهما البعض” . المعنى هنا واضح، وهو رشوة الأجهزة الأمنية الفلسطينية، وتعميق الإدراك بوجود مصلحة شخصية مباشرة من قمع التظاهرات، طالما أن ذلك يؤدي إلى استمرار الحصول على الرواتب .
هناك قرار آخر يجري التفكير فيه، وهو الإسراع في الإفراج عن عدد كبير من الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين في الأيام المقبلة، وقبل أن يصل الرئيس الأمريكي إلى الكيان الصهيوني، في مسعى هدفه “تهدئة الخواطر”، ونزع فتيل الأزمة . من هنا جاءت اتصالات منسق أعمال الحكومة “الإسرائيلية” في الضفة الغربية اللواء ايتان دانغوت مع رئيس الحكومة الفلسطينية سلام فياض، ورئيس الشعبة السياسية والأمنية في وزارة الدفاع عاموس جلعاد مع مسؤولين فلسطينيين، وزيارته للقاهرة مؤخراً، لإطلاع المسؤولين المصريين على التطورات الأمنية في الضفة الغربية، لكن الأهم هو ثقة قادة الكيان في أن “إسرائيل” تتوقع من السلطة الفلسطينية “أن تتصرف بمسؤولية، وتمنع التحريض والعنف اللذين لن يؤديا إلا إلى تفاقم الوضع الحالي في نهاية المطاف”، على حد قول مارك ريجيف المتحدث باسم حكومة الكيان .
إن قطاعاً واسعاً من أبناء الشعب الفلسطيني باتوا على قناعة بأن ما قام به الجنرال دايتون في الضفة الغربية، بالتعاون والتنسيق مع السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية، من انتزاع وتدمير كل مقومات تفجير انتفاضة ثالثة، سيحول فعلاً دون اندلاعها، وأن السلطة الفلسطينية التي تعتمد في بقائها على ما تأذن به سلطة الكيان والولايات المتحدة من تمويل يصل إليها لن تسمح باندلاع مثل تلك الانتفاضة، وأن سلطة “حماس” في قطاع غزة لم تعد صاحبة مصلحة الآن، في ظل ارتباطها بحكم الإخوان المسلمين في مصر، لدعم فرص اندلاع انتفاضة داخل القطاع، قد تحرك ذلك في الضفة لإحراج سلطة أبومازن، لكنها لن تفعل ذلك في القطاع، وهذا بدوره يطرح السؤال الأهم: من في مصلحته تفجير الانتفاضة الثالثة، ومن في مقدوره أن يقوم بهذه المهمة؟
الإجابة واضحة وهي: الشعب الفلسطيني وحده هو صاحب المصلحة، وهو وحده القادر على القيادة، أما القيادات الراهنة فستكون حتماً خارج نظام ما بعد الانتفاضة إذا ما تحولت إلى انتفاضة للتحرر الوطني واسترداد المقدسات .
هل تندلع الانتفاضة الثالثة؟
عوني صادق عن دار الخليج
مع بدء العدوان “الإسرائيلي” الأخير على قطاع غزة في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، عبر عملية “عمود السحاب”، بدأ يسمع وقع الأرجل في أنحاء كثيرة من الضفة الغربية المحتلة، تضامناً مع القطاع واحتجاجاً على العدوان . واستمرت الحركة بعد وقف إطلاق النار، واتسعت مع قرية “باب الشمس” و”باب الكرامة”، ومتزامنة مع اعتصامات السجناء وإضرابهم عن الطعام . وبينما زاد تدهور الوضع الاقتصادي معاناة الجماهير الفقيرة، زاد استمرار الانقسام والخلافات (بعد ما بدا من تحسن في العلاقات الفتحاوية- الحمساوية بعد الإنجاز العسكري في غزة، والإنجاز الدبلوماسي في الأمم المتحدة) من حالة الإحباط في الشارع الفلسطيني . وأخيراً، جاء استشهاد الأسير عرفات جرادات تحت التعذيب الذي تعرض له في السجن ليزيد من وتيرة ومستوى المواجهات مع المستوطنين وجنود الاحتلال، ما فرض التساؤل عما إذا كانت ساعة اندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة قد أزفت، أم أن الأمر لا يزيد على “فورة غضب” ستمر وتنتهي؟
وبالتوازي مع تلك التطورات، كان القادة الأمنيون والعسكريون “الإسرائيليون”، وبعض السياسيين أيضاً، قد بدأوا يحذرون من سكوت حكومة بنيامين نتنياهو عن تصرفات المستوطنين واستفزازاتهم للفلسطينيين، من جهة، ومن الجمود السياسي الذي ساد فترة حكومة نتنياهو من جهة أخرى، ويعبرون عن خشيتهم من أن يؤدي ذلك إلى اندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة يرون أسبابها بالمقارنة مع الانتفاضتين السابقتين في العامين 1987 و،2000 متوفرة أكثر . ظهر ذلك جلياً في تصريحات وأحاديث أدلوا بها لوسائل الإعلام “الإسرائيلية”، ومن بين هؤلاء: بني غينتس رئيس الأركان، ويوفال ديسكين رئيس “الشاباك” السابق، وبنيامين بن أليعازر عضو الكنيست عن “حزب العمل” والوزير السابق، وآفي ديختر وزير الأمن الداخلي في حكومة نتنياهو، وآخرون .
ويبدو أن الجميع، فلسطينيين (باستثناء السلطة ورئيسها) وصهاينة، متفقون على أن عوامل وأسباب الانتفاضة موجودة ومتوفرة، وربما أكثر مما تحتاجه الانتفاضة لتندلع، بل إن أحد كبار ضباط القيادة في ما تسمى “المنطقة الوسطى”، يانيف إلالوف، قال أمام مجموعة من جنود الاحتياط: “نحن لسنا على أبواب انتفاضة ثالثة، بل نحن في أوجها” فعمليات مصادرة الأرض، والتوسع الاستيطاني السريع وغير المسبوق في السنة الأخيرة، وإجراءات تهويد القدس والعبث وتدنيس المقدسات الإسلامية والمسيحية، وعمليات الاعتقال وإعادة الاعتقال المستمرة، والإساءة والتنكيل بالأسرى، وتدهور الوضع الاقتصادي وسوء ظروف المعيشة للمواطن الفلسطيني التي تزداد سوءاً، وأخيراً انسداد الأفق السياسي، كلها أسباب تكفي لإشعال أكثر من انتفاضة ضد الاحتلال والمتعاونين معه أو الساكتين على احتلاله .
إزاء ذلك، نجد الموقف “الإسرائيلي” الرسمي، كما يتبدى من موقف رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، يتراوح بين الرشوة والتهديد، فمن جهة، يتم الإفراج عن جزء من الضرائب المحجوزة، وتعطى وعود بالإفراج عن بعض المعتقلين . ومن جهة أخرى يطلب من رئيس السلطة أن يعمل لتهدئة الأمور، وإلا فإنها ستنقلب عليه . أما الموقف “الإسرائيلي” غير الرسمي، كما يعرضة بعض السياسيين وأصحاب الرأي، فهو أيضاً يتراوح بين التهوين مما يجري واعتباره مجرد “شغب” روتيني سيمر، مع مطالبة الحكومة بإطلاق أيدي الجيش بقمع المشاغبين حتى لا يحسبون السكوت عنهم ضعفاً فيتحول الشغب إلى انتفاضة، وبين التحذير من استمرار الجمود والتمسك بسياسات نتنياهو، التي لا تهتم إلا بالحفاظ على “الوضع الراهن”، ومطالبة الحكومة بالتقدم على طريق استئناف المفاوضات، وهؤلاء ينتظرون زيارة الرئيس الأميركي باراك أوباما ويعولون عليها أن تحرك مياه نتنياهو الراكدة .
أما الموقف الفلسطيني الرسمي، فيتراوح بين تحميل الحكومة “الإسرائيلية” مسؤولية ما يجري، انطلاقا من سياساتها الاستيطانية والتهويدية وتصرفاتها القمعية والعنصرية، وعدم التزامها بتنفيذ “حل الدولتين”، وبين اتهامها بتدبير “مؤامرة” مفادها التشجيع وجرّ الفلسطينيين إلى انتفاضة لتبرر ما تستعد له من قتل الفلسطينيين، في الوقت نفسه، تستبعد السلطة اندلاع انتفاضة، وتؤكد أنها لن تسمح بحدوث ذلك، أما الموقف الشعبي الفلسطيني، سواء ما تعبر عنه مواقف وتصريحات الفصائل، خصوصاً حركة (حماس)، أو ما يعبر عنه الحراك الشعبي في الشوارع، فهو مع اندلاع انتفاضة، لأنه يراها الرد الطبيعي الذي لا رد غيره على سياسات وجرائم الاحتلال .
والخلاصة، ليست المسألة في أن تندلع الانتفاضة أو لا تندلع، فالانتفاضات الشعبية تندلع، لا تنتظر إذنا من أحد . وإذا كان لا أحد يعرف على وجه الدقة متى أو كيف ستندلع، فإنها يمكن أن تندلع في أية لحظة ولأي سبب، والأسباب، كما قلنا، كثيرة . لكن المسألة فيما إذا كانت قوى الشعب الفلسطيني في الضفة جاهزة وعلى استعداد لتحمل تبعات ونتائج هذه الانتفاضة، لأنها هي من سيواجه الآلة العسكرية “الإسرائيلية” الباطشة .
صحيح أن انفجار الموقف واندلاع الانتفاضة لا يقومان على حساب عقلي لاحتمالاتها ونتائجها، لكن يجب أن يكون هناك من يقوم بهذا الحساب، ويستعد للمتوقع من الاحتمالات والنتائج . إن تجربة الانتفاضتين السابقتين، وما تركتها من آثار مادية ومعنوية وسياسية، وكذلك سياسات القيادة السياسية وما نجم عنها من تنازلات، خصوصاً ذلك “التعاون”، في إطار “التنسيق الأمني” مع الأجهزة الأمنية للاحتلال، وأيضاً الانقسام الحاصل، وما تركه في نفوس الجماهير من إحباطات، خلقت حالة من عدم اليقين وجعلتها الحالة السائدة، مع ذلك فإنه مطلوب من الجميع، في الضفة والقطاع، أن يستعدوا لتحمل مسؤولياتهم منذ الآن، كأن الانتفاضة قد اندلعت بالفعل، حتى لا تتحول إلى كارثة حقيقية شاملة .
عودة لجدل الكفاح الفلسطيني
يوسف مكي عن دار الخليج
في محطات كثيرة، من كفاح الفلسطينيين في مواجهة الاحتلال الصهيوني الغاصب، كما في انتفاضة أطفال الحجارة، وانتفاضة الأقصى الشريف، غمرنا كما غمر العرب جميعا شعور بأننا نقترب من هدف التحرير . لكن هذا الكفاح، يصطدم في كل مرة، بقراءات واستراتيجيات، غاية في التبسيط، لا تبلغ في قدرتها استيعاب ما هو متحقق على الأرض من مكتسبات نضالية .
والنتيجة أن الملاحم البطولية لنضال الشعب الفلسطيني، سرعان ما يجري العمل من قبل القيادات التقليدية على استثمارها، كأوراق على طاولة التفاوض، لينتهي الأمر، باتفاقية أوسلو، وبمراهنات لا تنتهي على عوامل من خارج دائرة الكفاح، للتوصل إلى تسوية تقود لقيام الدولة الفلسطينية المستقلة .
غياب استراتيجية واضحة، تنطلق من وعي قوانين الصراع وطبيعته وأدواته، أسهمت من جهة، في فقدان البوصلة بطبيعة المشروع الصهيوني، كمشروع استيطاني، يشكل قاعدة متقدمة لمشاريع الهيمنة الغربية، وعلى ذلك فإن الصراع مع الصهاينة، هو صراع كينونة ووجود وليس صراعاً على مناطق متنازع عليها . ومن جهة أخرى، أدت النظرة السلبية للصراع، واللهث المتواصل للوصول إلى تسوية مع العدو إلى عدم الثقة بالشعب الفلسطيني، من قبل القيادات التي تصدت لقيادة مجرى النضال الفلسطيني، إلى محاولة استثمار نتائج هذا الكفاح بشكل سريع، قبل أن يتوقف زخمه .
ولا شك، أن ذلك حدّ من إمكانية صياغة استراتيجية نضالية، بعيدة المدى تقود في محصلتها إلى هزيمة المشروع الصهيوني، وإعادة الاعتبار لتحرير فلسطين . . كل فلسطين .
نطرح هذا الأمر، في سياق الحدث الأبرز بالأراضي المحتلة، الذي عبرت عنه الاحتجاجات التي عمت الأراضي الفلسطينية المحتلة إثر وفاة المناضل الفلسطيني عرفات جرادات جراء التعذيب داخل السجون “الإسرائيلية” . فقد أثارت هذه الحادثة موجة غضب شديد، دفعت عدداً من القيادات في السلطة الفلسطينية للتهديد بإشعال انتفاضة فلسطينية جديدة في مواجهة الكيان الغاصب . وأعلنت حركة حماس، أنها لن تقف مكتوفة الأيدي، إذا ما واصل جنود الاحتلال ممارساتهم في تعذيب الأسرى الفلسطينيين، وأن لديها خططاً جاهزة، سبق أن نفذتها، لاختطاف عدد من الجنود “الإسرائيليين”، ومبادلتهم بأسرى فلسطينيين . وهددت منظمتا الجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ، باتخاذ إجراءات مماثلة .
في هذا السياق، اتصل وزير الخارجية الأمريكي، المعين أخيراً، جون كيري برئيس الحكومة “الإسرائيلية”، بنيامين نتنياهو ورئيس السلطة الفلسطينية، أبومازن مطالبا كليهما بالعمل على تهدئة الأوضاع، بالأراضي المحتلة . ويبدو أن الأوضاع مرشحة لانفجار شعبي واسع في الأراضي المحتلة .
ما يهمنا في هذا الحديث، ليست حادثة مصرع الشهيد جرادات، ولكن نتائجها السياسية، وتأثيراتها على مجرى النضال الفلسطيني، من أجل التحرير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة .
الإرهاب الصهيوني بحق المقاومين الفلسطينيين، أمر مألوف وحالة مستمرة، وهو من صلب المشروع الصهيوني، الذي قام على أساس إنكار وجود الشعب الفلسطيني، واقتلاعه من جذوره، بالنفي والتشريد أو بالقتل . وكان الاحتلال يتصدى دائما للمقاومين إما بالاغتيال والتصفية، كما حدث للعشرات من قيادات المقاومة الفلسطينية، عبر الخمسة عقود المنصرمة أو عن طريق الطرد أو القتل تحت التعذيب داخل المعتقلات والسجون “الإسرائيلية” .
بل إن “الإسرائيليين”، لا يترددون عن التبجح بممارساتهم الإرهابية والقمعية بحق الفلسطينيين، وآخرها صورة الجندي “الإسرائيلي”، التي برزت في مواقع التواصل الاجتماعية وهو يوجه فوهة بندقيته، صوب رأس طفل، كما أبرزها هو نفسه على حسابه الشخصي، بموقع الفيس بوك . وقد أدت هذه الجريمة ونشرها بشكل مفضوح ووقح، إلى إعلان السلطات الصهيونية، عن نيتها التحقيق مع هذا الجندي، لكن ملف القضية أغلق سريعا، ومعه تم إغلاق الحساب الشخصي على الفيس بوك للجندي المذكور، وهكذا أغلق ملف القضية . وفي حالات كثيرة، مشابهة لا ينال الجناة، من الجنود الصهاينة، بعد ثبوت جرائم التعذيب التي ارتكبوها، أكثر من أربعة عشر يوماً في سجن مرفه، يعودون بعدها إلى مواقع عملهم بالجيش .
اللافت أن القضية الأخيرة، التي نشرت في المواقع الاجتماعية، وضحيتها طفل فلسطيني، لم تأخذ نصيباً من الغضب العربي، كما حدث سابقا للطفلة الفلسطينية، التي وجدت هائمة على ساحل البحر في قطاع غزة، بعد أن استشهد جميع أفراد عائلتها، تحت القصف الهمجي “الإسرائيلي” في الحرب الأخيرة .
يبرر الصهاينة، أعمال الإرهاب التي تصاعدت أخيراً، من قبل الجنود “الإسرائيليين”، بحق المدنيين الفلسطينيين بأن معظمها يرتكب من قبل جنود الاحتياط، وليس من قبل الجنود الذين يمتلكون ما يكفي من الخبرة القتالية، وحسن التصرف تجاه الشعب المحتل . لكن ذلك، من وجهة نظر المتابعين لتطور تشكيل وهياكل المؤسسة العسكرية “الإسرائيلية”، غير دقيق، ولا يعبر عن حقيقة الأمر . فغالبية الجنود “الإسرائيليين”، هم من الاحتياط، نتيجة لتركيبة المجتمع “الإسرائيلي”، ومحدودية عدد السكان .
الخطير في ما يجري بالأراضي المحتلة الآن، هو نجاح الصهاينة، في توجيه بوصلة الكفاح الفلسطيني، من مواصلة النضال، نحو تحقيق هدف التحرير وإقامة الدولة المستقلة، والعمل على وقف بناء المستوطنات “الإسرائيلية” التي يجري بناؤها بالأراضي المحتلة . لقد قضمت معظم أراضي الضفة الغربية ومدينة القدس، بحيث لم يتبق من الأراضي التي احتلت في نكسة يونيو/حزيران عام 1967م، من القدس والضفة الغربية، سوى أقل من 47 في المئة، وهي الأراضي التي يفترض إقامة الدولة الفلسطينية المرتقبة فوقها .
اعتداء غاشم
رأي البيان الإماراتية
الاعتداء الغاشم على المسجد الأقصى من قبل ضابط في جيش الاحتلال الإسرائيلي، وقيامه بتصرفات أقل ما يقال عنها إنها عنصرية، يؤشر إلى أن حكومة بنيامين نتانياهو ماضية في سياستها العدوانية، على كافة الصعد والميادين.
ولم تكتف هذه الحكومة اليمينية بالاعتداء على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، وبناء المستوطنات والطرق الالتفافية فيها، ولا بممارسة سياسات العقاب الجماعي ضد الفلسطينيين وفي الضفة الغربية وقطاع غزة، ولا بالتهرب من استحقاقات العملية التفاوضية، بل ها هي تدخل في منطقة خطيرة، تهز مشاعر الفلسطينيين، بل والعرب والمسلمين جميعاً، وهو ما ينذر بردود فعل غاضبة من شأنها أن تشكل إرهاصات ما قبل الانتفاضة الثالثة التي بدأت بوادرها تظهر إلى العلن مع توسع الفعاليات الاحتجاجية للأسرى، وانضمام أسرى جدد إلى معركة الأمعاء الخاوية.
وتحت ذرائع الديمقراطية تطلق السلطات الإسرائيلية يد المتطرفين لكي يعيثوا فساداً في الأماكن المقدسة للمسلمين في القدس وغيرها من المدن الفلسطينية، وكأن الديمقراطية وحرية التعبير هي حق لمجموعة من الناس على حساب حقوق الآخرين، وما يلفت النظر أن مثل هذه الاعتداءات تمر على القضاء الإسرائيلي مرور الكرام، هذا إن وصلت إلى القضاء، ولا تجري محاسبة مرتكبيها.
ولسنا في حاجة إلى سوق الأمثلة والشواهد على عنصرية إسرائيل وعدوانيتها والغطرسة التي تتعامل فيها مع المجتمع الدولي والقرارات الصادرة عن أعلى المرجعات الأممية، ففي كل مرة تتحفنا بانتهاك جديد وبجريمة موصوفة، بحق الشعب الفلسطيني وأرضه وسمائه وبحره.
لقد آن الأوان لأن يقول العالم كفى، وأن يتخذ إجراءات بحق هذه العدوانية التي تحولت إلى منغص يومي لحياة ملايين الفلسطينيين على امتداد الضفة والقطاع، ولعل المطلوب من المجتمع الدولي في هذا السياق، الاعتراف الكامل بدولة فلسطين على كامل التراب الفلسطيني المحتل عام 1967، والبدء بعملية تفاوضية جدية بضمانات دولية تهدف إلى الانسحاب الإسرائيلي الكامل من آخر شبر من الأراضي الفلسطينية المحتلة بأفق زمني محدد.
وإلا فإن الغضب الفلسطيني آتٍ، وعندما يشتعل هذه المرة فلن يوقفه شيء حتى تعود الحقوق إلى أصحابها.
عيون وآذان (بانتظار حكومة الإرهابيين)
جهاد الخازن عن الحياة اللندنية
مع استمرار الأزمة الوزارية الاسرائيلية قرأت في صحفهم مقالات تقترح إجراء إنتخابات جديدة تنتهي بفائز وخاسر بشكل واضح. وعندي اليوم للقارئ مشاهد اسرائيلية.
بنيامين نتانياهو حصل من الرئيس شمعون بيريز على مهلة أسبوعين إضافيين لتشكيل حكومة اسرائيلية جديدة، مع ترجيح مراقبين أن يتم التشكيل خلال أيام، فيضم تحالف ليكود – اسرائيل بيتنا وييش آتيد وبيت يهودي وهاتنوا وكديما.
رئيس وزراء اسرائيل كان يريد العودة الى تحالفه القديم مع الأحزاب الدينية اليهودية التي يستحيل السلام معها، إلا أنه فشِل مع نجاح حزب ييش آتيد برئاسة النجم التلفزيوني يائير لابيد وبروز حزب بيت يهودي برئاسة المهاجر الأميركي نفتالي بنيت. وهو حاول شق هذين الحزبين، إلا أنه إكتشف وجود علاقة شخصية قوية بين لابيد وبنيت، واختار أن يتعامل معهما، ثم دخل مأزقاً آخر لأن لابيد أعلن صراحة أنه سيخلف نتانياهو في رئاسة الوزارة بعد الإنتخابات المقبلة، ويريد الآن وزارة الخارجية، ما يعني أن يكتسب شعبية إضافية من تركيز الأضواء عليها، لذلك يجد نتانياهو نفسه في وضع أنه يحتاج الى لابيد ولا يريده.
إذا أُجريت إنتخابات جديدة فكل إستطلاعات الرأي العام تقول أن حزب لابيد سيفوز فيها بحوالى 29 مقعداً أو 30، وأن حزب بنيت سيُحافظ على مقاعده الـ 12 وربما زادها مقعداً أو إثنين. والحزبان يرفضان أي تسوية مع الحراديم، أو اليهود الشرقيين المتدينين، حتى لو أدى ذلك الى إنتخابات جديدة، فهما يريدان أن يؤدي أعضاء أحزاب الحراديم الخدمة العسكرية الإجبارية، بدل أن يعيشوا على حساب الدولة بحجة الدراسة الدينية، فيمارسون سياسات متطرفة مجرمة، ويتركون الاسرائيليين الآخرين يقاتلون في سبيلها ويموتون.
حارس المواخير المولدافي أفيغدور ليبرمان إستقال من وزارة الخارجية تحت وطأة فضيحة شخصية مستمرة، وهو أطلق أخيراً تصريحات ضد إيران بعد اجتماع قزخستان مع الدول الكبرى الست، والإتفاق على إجتماع آخر في اسطنبول ثم العودة الى قزخستان. ليبرمان قال إن العالم المتنور لا يريد مواجهة التطرف، وهذا صحيح فلو واجه العالم المتنور، واسرائيل ليست منه، التطرف لواجه اسرائيل قبل غيرها، فهي آخر دولة ابارتهيد في العالم، وتحتل أراضي الفلسطينيين وتقتل النساء والأطفال.
حماس طلبت من الرئيس باراك اوباما ألا يزور الحرم الشريف إذا زار اسرائيل في 20 من هذا الشهر كما هو مقرر. الميديا الاسرائيلية قالت إن حماس طلبت من اوباما عدم زيارة جبل الهيكل، وهذا خرافة توراتية أخرى، فالجبل المزعوم تلة لا هيكل فيها إطلاقاً، وقد حفرت الحكومة الأولى لاسحق رابين في أوائل الثمانينات تحت الحرم ووجدت آثار قصر أموي. كل أنبياء التوراة خرافات توراتية، لا آثار لها على الأرض، ولا أفهم كيف تكون هناك مملكة وملوك ولا أثر في بلادنا لقصر ملكي أو معبد أو مبنى كبير يضم دوائر الحكم.
على خلفية كل ما سبق، تهدد جماعات اسرائيلية متطرفة باستقبال باراك اوباما في اسرائيل بتظاهرات تضم ألوف المجرمين الذين إحتلوا أراضي الفلسطينيين للمطالبة بالإفراج عن الأميركي الجاسوس لاسرائيل جوناثان بولارد الذي خان بلاده وسرق ألوف الوثائق السرية وسلّمها لجاسوس في سفارة اسرائيل في واشنطن يحمل صفة ديبلوماسية حمَته من الملاحقة.
كلهم جاسوس، إما مُدان، أو هو (بلغة الفلاسفة) في نية التجسس، وعض اليد الأميركية التي تطعمهم.
تفسيران لسياسة واشنطن الشرق أوسطية.. ليسا في مصلحة أوباما
إياد أبو شقرا عن الشرق الأوسط
سمعنا خلال الأيام العشرة الماضية كلاما كثيرا عن نضج طبخة ما تتعلق بتسوية سلمية للأزمة السورية التي تكمل خلال بضعة أيام سنتها الثانية. ومن منطلق الحكمة الشعرية القائلة: «.. وما آفة الأخبار إلا رواتها» من الأفضل تحاشي التوقف طويلا أمام الأقوال والتركيز أكثر على الأفعال.
أبرز الأفعال، ما يلي:
1) تصعيد النظام السوري قمعه الدموي الانتفاضة الشعبية، وسعيه الواضح لإحداث إعادة فرز ديموغرافي على الأرض عبر تدمير مدن وقرى وتهجير سكانها، ولا سيما في مدينة حمص وريفها، وفي بعض ضواحي دمشق.
2) الاحتضان الإيراني الكامل للنظام السوري، وصولا إلى التكلم باسمه، كما حدث خلال المؤتمر الصحافي في طهران عندما تطوّع وزير الخارجية الإيراني الدكتور علي أكبر صالحي للإعلان عن نية الرئيس بشار الأسد الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة.. بحضور زميله السوري وليد المعلّم. وعلى الصعيد الميداني، ما عاد ثمة شك في الدعم الإيراني المباشر للماكينة العسكرية لنظام دمشق سواء عبر مشاركة حزب الله اللبناني في القتال، أو خرق لبنان - الذي يعيش في ظل سلاح «الحزب» - الحظر الدولي المفروض على سوريا.. عبر سماحه بتزويد قوات الأسد بالوقود.
3) جولة وزير الخارجية الأميركية جون كيري في الشرق الأوسط على وقع تفويض الرئيس باراك أوباما إياه مواصلة «التفاوض» مع نظيره الروسي سيرغي لافروف في أعقاب مكالمة هاتفية بين أوباما والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وهذا مع أن الموقف الروسي معروف في أعقاب ثلاثة «فيتوهات» صريحة. واللافت أنه سبقت هذه الجولة إعلانات أميركية عن أنها مخصّصة لـ«الإصغاء»، بمعنى أنها لا تطرح جديدا في ظل قرار واشنطن ترك السوريين لمصيرهم.. بعد عقود من التحريض على نظام دمشق ورميه بتهم احتضان الإرهاب ورعايته.
4) إصرار الوسيط الدولي السيد الأخضر الإبراهيمي على مواصلة «وساطته»، على الرغم من اتضاح أبعاد «الصفقة» المُوحى بها بشأنها. وهذا أمر يؤسَف له من دبلوماسي عربي مخضرم بالمقارنة مع موقف سلفه كوفي أنان.. الذي اختصر الطريق فرفع مسؤوليته عن «مأساة - ملهاة» يُراق فيها الدم السوري، جنبا إلى جنب مع تمزيق النسيج الاجتماعي لسوريا وإشراع بواباتها أمام جهاديّي العالم وتكفيرييه.
إنها أربع حقائق ما عاد ممكنا المُجادلة فيها.
وهنا أعود بالذاكرة إلى التنازلات التي قدّمها ميخائيل غورباتشوف، آخر رؤساء الاتحاد السوفياتي السابق، إلى الرئيس الأميركي رونالد ريغان قرب نهاية الحرب الباردة.
يومذاك قدّم غورباتشوف تنازلاته لأكثر رؤساء أميركا «تشدّدا» و«يمينية» وألدّهم عداوة للاتحاد السوفياتي.. الذي كان يصفه بـ«إمبراطورية الشر».
التنازلات تلك فاجأت كثرة من المراقبين، من جهة لأنها بدت غير مشروطة، ومن جهة أخرى لأنها قُدّمت إلى إدارة أميركية كانت فعليا تريد - وتتوقّع - من موسكو الاستسلام الكامل.. لا الشراكة. وعلى وقع التصفيق الغربي ودغدغة مشاعره بالزعم أنه «رجل رؤيوي مُلهَم» يخوض نهضة تجديدية عظيمة، صدّق غورباتشوف الكذبة فمضى قدُما في عملية تجديد خرقاء لم تحسب حساب العامل التراكمي في ترّهل الاتحاد السوفياتي. وبالتالي، استثار في آن معا الماركسيين التقليديين القدامى الخائفين من التجديد، والديماغوجيين القوميين والطفيليين الفاسدين وأدعياء «الليبرالية» اليمينيين الذين شجّعوه على تسريع هدم الضوابط المتآكلة للنظام. وعلى الأثر بذل الماركسيون التقليديون محاولتهم الأخيرة لإنقاذ إرثهم فكانت المحاولة الانقلابية الفاشلة، التي انتهت بمنظر بوريس يلتسين «عميد» الديماغوجيين والفاسدين، على ظهر دبابة، معلنا نهاية النظام السوفياتي.. ومفتتا الكيان الذي توهّم غورباتشوف بغبائه وغروره أنه يسعى إلى المحافظة عليه عبر تجديده.
اليوم نحن أمام مشهد مقلوب تماما. الاقتصاد الأميركي في ورطة، وفي البيت الأبيض رئيس طيّب النية، سليم الطوية، قرّر سلفا الانكفاء إلى الداخل والامتناع عن خوض أي مواجهة مهما بلغ حجم التحدي لواشنطن. وفي المقابل يقيم سعيدا في الكرملين «قيصر» روسي جديد متشدّد يفهم العقل الغربي جيدا منذ أيام عمله الاستخباراتي في ألمانيا، وهو يتوق للثأر من إذلال أميركا بلاده في أواخر الثمانينات من القرن الماضي، وهو اليوم يتفنّن في ابتزاز واشنطن الجانحة إلى السلم بأي ثمن.
ما هو التفسير المنطقي لهذا الواقع الذي يقلق عددا من شعوب دول المنطقة.. في مقدمهم الشعب السوري وشعوب دول الخليج ونسبة لا بأس بها من أبناء الشعب المصري قلقة من «أخوَنة» النظام والمجتمع؟
ثمة تفسيران لا ثالث لهما؛ الأول أن واشنطن بدأت في عهد أوباما مسيرة ترهّل يشبه ترهل موسكو في عهد ليونيد بريجينيف والعهود التالية حتى انهيار التجربة السوفياتية عام 1989. والثاني أن واشنطن - المتحالفة استراتيجيا مع إسرائيل - ضالعة حقا في مشروع إعادة رسم خريطة المنطقة بالتراضي والتفاهم الضمني مع إيران، وداعمها التكتيكي روسيا.
أي كلام آخر بعيد جدا عن فهم ما يحدث في المنطقة.
الوضع المصري مصدر قلق لاسرائيل
راي القدس العربي
بعد ان نجحت السلطة الاسرائيلية في تفكيك الجيش العراقي وحله بالتحريض على غزو العراق واحتلاله، وبعد ان اطمأنت الى اضعاف الجيش السوري وانشغاله في حرب اهلية طاحنة، بات محور خوفها منصبا على خطرين اساسيين:
' الاول: الجيش المصري الذي يملك اسلحة امريكية متطورة، من بينها طائرات من طراز 'اف 16' ودبابات حديثة وعقيدة عسكرية ما زالت تعتبر اسرائيل الخطر الاكبر على الامة.
' الثاني: اتساع دائرة الفوضى الحالية المتفاقمة في سورية، ووصول التنظيمات الجهادية الى حدودها مع سورية ولبنان والاردن.
التغيير الديمقراطي الذي اطاح بنظام الرئيس محمد حسني مبارك في مصر اربك الحسابات العسكرية والامنية الاسرائيلية، فقد ظلت الجبهة المصرية هادئة لاكثر من اربعين عاما بفضل اتفاقات كامب ديفيد اولا، وحرص النظام المصري السابق على احترامها ثانيا.
اول انعكاس مباشر لهذا القلق الاسرائيلي على الجبهتين المصرية والسورية تمثل في اقامة سور امني اوشك على الانتهاء على الحدود مع سيناء، ووضع مخطط لبناء حائط امني آخر على حدود هضبة الجولان.
بناء الاسوار اجراء وقائي مكلف ومهم في الوقت نفسه، يمكن ان يقلص عمليات التسلل الراجلة مثلما يقول الخبراء العسكريون، ولكنه قد لا يمنع الهجمات الصاروخية مثلما هو الحال في قطاع غزة وفي جنوب لبنان.
صواريخ المقاومة الفلسطينية التي تنطلق من قطاع غزة وصلت الى تل ابيب والغلاف الاستيطاني المحيط بالقدس المحتلة. صحيح ان القبة الحديدية الاسرائيلية استطاعت صواريخها ان تتصدى وتسقط بعض هذه الصواريخ قبل وصولها الى اهدافها، ولكن الصحيح ايضا ان بعضها تجاوز هذه القبة، واخترق سياجها، ووصل الى اهدافه.
حل الجيش العراقي وانهاك الجيش السوري من المفترض ان يؤديا الى تخفيض ميزانية المؤسسة العسكرية الاسرائيلية في ظل الازمة الاقتصادية الطاحنة، لكن ما يحدث حاليا هو العكس تماما، فقد ظلت هذه الميزانية على حالها وهناك مطالب بزيادتها، واضافة المزيد من الاسلحة الحديثة والمتطورة.
الخبراء العسكريون والامنيون الاسرائيليون يراقبون تطورات الاحداث الداخلية في مصر عن كثب، ويخشون ان تؤدي حالة عدم الاستقرار الحالية الى محاولة السلطات المصرية تصدير الازمة الى الخارج، والغاء معاهدة كامب ديفيد الامر الذي قد يؤدي الى التوتر وربما انفجار حرب.
ما يمكن قوله ان اسرائيل التي عاشت في حالة امن واستقرار لاكثر من اربعين عاما تقريبا باتت تشعر، وبفضل تغيير انظمة، واضعاف اخرى، وغرق ثالثة في حالة من الفوضى باتت تشعر ان هذا العصر الذهبي بدأ يتبخر تدريجيا في تواز مع ضغوط غربية متنامية للتراجع عن سياساتها المتغطرسة، وانحسار شعبيتها في اوساط المواطنين الغربيين وتحولها الى عبء امني وسياسي في نظر اغلبيتهم.
ليفني.. نتانياهو
عناد السالم عن الرأي الأردنية
النساء.. ما النساء؟!
النساء كـ(أكياس الشاي) لا نعرف كم هي قوية، إلا عندما نضعها بالماء الساخن.. هذا على نطاقٍ حياتي عادي، فكيف الحال لمرأة تعيش الحياة السياسية بكل تفاصيلها منذ طفولتها..
أتحدث عن زعيمة الحزب الوسطي الجديد في إسرائيل (حزب الحركة) الذي حصد ستة مقاعد بالبرلمان الإسرائيلي خلال الانتخابات الأخيرة، إنها (تسيفي ليفني)، ابنة (إيتان وسارة ليفني) عضوي منظمة (الإرجون) الصهيونية (المنظمة التي شكلت نواة حزب الليكود)..
اليوم.. وبعدما أعلن (بنيامين نتانياهو) أن المرأة التي تحدته ذات يوم ورفعت شعار (عشق الماء الساخن) في الحياة السياسية الاسرائيلية, عندما تزعمت حزب كاديما, (قد أصبحت تحت أمره) بضمها للائتلاف الحكومي القادم, وبأنها ستتسلم مهام ملف التفاوض مع الجانب الفلسطيني, بتنا نعرف أكثر فأكثر، كم هو عالم السياسة في (دولة الجوار) يعيش التغيّر والتّحوّل الدائم, كم أن الثابت الوحيد هنالك (هو التغيّر).. وبتنا نعرف أكثر, كيف أن اعداء الحياة السياسية في الامس, هم أنفسهم (أصدقاء وحلفاء اليوم)..
لا شيء مستغرب.. لكن المستغرب؛ مدى الإفراط في التفاؤل عند البعض؛ المراقب والمهتم بالشأن الاسرائيلي الفلسطيني, هذا التفاؤل المستمد من ان (ليفني) سعت بكل طاقتها لإبرام اتفاق تسوية مع الفلسطينيين زمن (ايهود اولمرت).. ونسي البعض المتفائل أنها (ليفني) نفسها التي قالت ذات يوم: (لكي تحافظ إسرائيل على نفسها؛ ينبغي تقاسم الأرض وإنشاء دولة فلسطينية إلى جوارها).. هي ذاتها من أعلنت، وهي تسعى لإحداث التسوية، أن لا حل مع هؤلاء الفلسطينيين إلا باعترافهم بـ (يهودية إسرائيل كـدولة), وهي بداخلها على يقين بأن لا فلسطيني يستطيع ان يفعل ذلك حتى ولو كان (ابو مازن) بكل مناصبه التي تبدأ برئيس لدولة وهمية، وتنتهي بزعيم لحركة مقيَّدة بسلسلة اتفاقيات يدّعون أنها ستأتي بالدولة الحلم..
في عالم سياسة إسرائيل, الكل يخاف من الكل, والكل يحذر من الكل, حتى لو كان الكل في ائتلاف حكومي واحد.. لا طمأنينة ولا سكينة سياسية تذكر.. لهذا علينا ان نتوقع اي شيء, واي انقلاب بالمواقف والتحالفات..
تبقى فكرة الحديث..
نتانياهو تذكر..
(المرأة شيطان يدخلك الجحيم من أبواب الجنة).. فاحذر, ثم احذر.. ثم احذر اكثر..
تذكر.. لربما قبلت بهذا المنصب لتثبت مدى فشلك في قيادة الحكم بتل ابيب..
يهود ضد الصهيونية ايضا!
اسامة الشريف عن الدستور الأردنية
غضبة البيت الأبيض على تصريحات رئيس وزراء تركيا رجب طيب اردوغان حول الصهيونية التي اعتبرها جريمة ضد الانسانية كما الفاشية والاسلاموفوبيا واللاسامية يمكن فهمها ضمن سياق ذود الولايات المتحدة عن اسرائيل وسياساتها وهي الحليف الأقوى والأهم لواشنطن في المنطقة. اردوغان عبر عن ما يجول في صدور الاتراك والعرب والمسلمين وغيرهم ممن ضاقوا ذرعا بصلف اسرائيل وتنكيلها المستمر بالشعب الفلسطيني.
في وقت ما اعتبرت الجمعية العامة للأمم المتحدة الصهيونية شكلا من اشكال العنصرية واصدرت قرارا بذلك في نوفمبر 1975 وحاربت اسرائيل واميركا هذا القرار الى ان نجحتا في الغائه في ديسمبر 1991. بالنسبة لاصدقاء اسرائيل وحلفائها فان الصهيونية هي تلك الفلسفة القومية التي تسعى الى تثبيت حق اليهود في وطن قومي لهم على ارض فلسطين بعد قرون من الضياع والشتات. لكن الفلسطينيين يعرفون من خلال التجربة حقيقة هذا الكيان الذي استوطن ارضهم واستولى عليها وشرد اهلها واحتل ما تبقى منها وهو الآن ينكل بمن تبقى منهم تحت نير احتلال استعماري بغيض يعلن في كل لحظة عن عنصريته وتفوقه.
تشريد الفلسطينيين ومصادرة ارضهم وخنقهم اقتصاديا واعتقال اطفالهم وقتل شبابهم وشن حرب شعواء ضدهم وحصارهم وتجويعهم وتعطيشهم، كل ذلك يتم باسم الصهيونية والحلم الصهيوني. لم يكن اردوغان أول من اعتبر الصهيونية جريمة ضد الانسانية، فقد ظهر من بين اليهود، من امثال اموس اوز ومايكل وارشواسكي وليئا تسيميل وغيرهم، من اماط اللثام عن الوجه الحقيقي لدولة اسرائيل واعتبر الصهيونية نقيضا لليهودية والاحتلال عملا لا اخلاقيا.
وحتى يومنا هذا يجري داخل اسرائيل حوار بين مختلف النخب الاكاديمية حول هوية اسرائيل الصهيونية وهناك من يعارض ويعبر عن رأيه بشراسة، لكن المعضلة ان مثل هذا الحوار لا يمكن له ان يقوم في الولايات المتحدة او غيرها بينما كتب في هذا الشأن عشرات الشخصيات اليهودية. مع ذلك لابد من الاعتراف بأن اليسار الاسرائيلي الذي نادى في مرحلة ما قبل حرب 1967 بقيام «اسرائيل ما بعد الصهيونية» قد انهار تماما بينما تولى الأمر اليوم شخصيات مستقلة ليس لها تأثير سياسي كبير على الشارع.
افعال اسرائيل وجرائمها المستمرة وخرقها للقوانين والمواثيق واستباحتها لحقوق الفلسطينيين كلها تؤكد حقيقة الصهيونية ونظرتها العنصرية تجاه العرب. العالم يعرف هذه الحقيقة ولا يجرؤ على الافصاح بها، وكل من حاول من السياسيين والمثقفين في الغرب ان يهاجم الصهيونية وجرائم اسرائيل بحق الفلسطينيين دفع ثمنا غاليا.
معارضة الصهيونية لا تأتي من قبل المؤسسات السياسية التقليدية في الغرب بل من شخصيات يهودية علمانية ومتدينة انشأت منظمات مناهضة للصهيونية في اميركا وكندا وفرنسا وبريطانيا وغيرها. ليس مستغربا اذن ان شنت الجيروزالم بوست مؤخرا حملة شعواء ضد هؤلاء اليهود وحذرت من تاثيرهم على الرأي العام في المناطق التي يعيشون فيها، بل ودعت الى اخراجهم من الدين اليهودي لانهم يؤيدون اعداء اسرائيل ويطالبون بمقاطعتها وسحب استثمارات الغرب منها بل وفرض عقوبات عليها. ومؤخرا اثار كتاب للاكاديمية المعروفة جوديث بتلر عاصفة من الهجاء لانها دعت الى فصل اليهودية عن الصهيونية كوسيلة لخلاص اسرائيل.
خطيئة اردوغان انه هاجم الصهيونية في وقت تمر فيه العلاقات بين تركيا واسرائيل في اسوأ مراحلها. ما يغيب عن البيت الأبيض واعضاء الكونغرس ان شخصيات يهودية تتفق مع اردوغان وتعلن عن موقفها المناهض للصهيونية داخل اسرائيل وخارجها في كل يوم!
لماذا أبعد الاردن طائراته عن سورية؟!
ماهر ابو طير عن الدستور
قرار الملكية الاردنية بتحويل الطائرات المتجهة الى بيروت،بعيداً عن الاجواء السورية،من اجل سلامة الركاب،ليس قرارا عادياً،ويشي باحتمالات سياسية وعسكرية كثيرة،ويتعلق فعلياً بما قد يستجد في سورية خلال الفترة المقبلة.
هذا مؤشرعلى عدة سيناريوهات والاول يتحدث عن احتمال تنفيذ عملية عسكرية جوية مشتركة ضد القاعدة في سورية،ومنع عبور الطائرات يأتي تحوطا مما يقال عن وصول اسلحة متقدمة لإسقاط الطائرات الى يد مقاتلي جبهة النصرة.
هناك ايضا سيناريو آخر حول ضربة عسكرية مفاجئة قد تتم في اي لحظة ضد النظام،وهذه الضربة ستؤدي الى اشتباكات وحرب مفتوحة برياً وجوياً،والاردن يريد مسبقا تفادي الاضرارالجانبية،بمنع طائراته من دخول الاجواء السورية.
السيناريو الثالث يتحدث عن ان هناك من يريد اسقاط طائرة اردنية مدنية،بحيث يتم اتهام الجيش السوري،اذا كان الفاعل هوالجيش الحر،او اتهام الجيش الحر اذا كان الفاعل هو الجيش السوري،ومن اجل غايات عديدة تتعلق بإعادة خلط الاوراق.
الطائرات كانت تمرعبر المجال الجوي السوري طوال عامين فائتين وكانت خلالهما الطائرات العسكرية السورية تنفذ عملياتها الحربية،ولا يلحق الطيران المدني الاردني أي ضرر،فما الذي استجد فجأة وجعل تحويل مسارالطائرات،قرارا لا بد منه؟!.
من هذه الزاوية يمكن التحليل كثيراً،غير ان المؤكد هنا ان تداعيات الازمة السورية تتزايد على الاردن،الذي يديرموقفه بشكل لا بأس فيه حتى الان،غير ان الخشية ان نجد انفسنا امام استحقاقات ذات ارتداد صعب جداً على الاردن.
معنى الكلام ان اي مداخلة عسكرية اردنية بشراكة مع اي جهة اخرى،ستكون مكلفة جدا على الاردن،الذي من مصلحة شعبه ان تنتهي الازمة السورية سريعا،وان لا يضع الاردن نفسه ومستقبله ومؤسساته ورجاله في وجه النار السورية،فأي مغامرة ستكون محفوفة بالخطر ولها ارتداد على الداخل الاردني.
سواء كان هناك تخطيط لعمل اردني منفرد او اردني امريكي ضد القاعدة او ضد النظام،فهذا تخطيط له كلفة عالية،وتورط مرفوض في الازمة السورية،ونحن في غنى عنه،وقد يؤدي الى ارتدادات هنا،من باب الانتقام من جانب جهات كثيرة.
هناك مخاوف من زيارة الرئيس الامريكي باراك اوباما الى المنطقة التي قد تكون توطئة لمداخلة عسكرية ضد النظام السوري.
السيناريوالثالث المتعلق باحتمال ارتكاب جهة ما عملية استهداف لطائرة مدنية اردنية،من اجل توريط طرف ما،سيناريو قائم ايضا،وأحسن ما يتم فعله في هذا الصدد الابتعاد كليا عن الاجواء السورية.
ما نتمناه ان يبقى الاردن مع الحل السياسي للازمة السورية،وان لا يتم التورط بأي تدخل عسكري،وان يبقى الاردن في خانة الادارة السياسية والساعي من اجل انهاء الازمة سلميا وربما المساعدة في اي حوار بين السوريين.
يبقى السؤال:..لماذا تذكرنا سلامة الطائرات والركاب فجأة في هذا التوقيت،ولعل الذي يجيب بدقة سيصل الى الحقيقة حول ما سيجري على امتداد الجبهة الاردنية السورية المشتركة خلال الفترة المقبلة؟!.
التطــورات العربيـة وإسـرائيـل
غازي العريضي عن الدستور الأردنية
اغتيال المعارض التونسي شكري بلعيد منذ أيام تحوّل خطير في مسار عملية التغيير. تحوّل لا يخدم الثورة والديموقراطية أبداً، بل يفتح الباب أمام المزيد من الانقسامات والضعف واغتيالات أخرى ستعيش البلاد في ظلها وتشعل النار، ولا يصل أحد إلى الحقيقة في متابعة تفاصيلها.
وفي معزل عن الجهة التي ارتكبت عملية الاغتيال، والاتهامات التي سيقت، والردود التي تلتها، فإن تونس دخلت مرحلة جديدة من اللااستقرار، بدأت الثورة بإحراق رجل فقير نفسه، لم يستهدف أحداً. قدّم حياته فداء. دفاعاً عن الكرامة، تعبيراً عن الغضب والرفض. وتمسكاً بالحق في العيش الكريم، انطلقت الشرارة، سقط النظام، بدأ التحوّل، فلا يجوز أن يكون تحولاً عن الغاية الأساس، وعن الوفاء لهذا الفقير التونسي، ولا يجوز أن يكون تحولاً في اتجاه الغرق بالدم.
تميّزت الثورة بأنها لم تكن مسلحة، لم تكن خسائر بشرية أو مادية في البلاد، فرض الشعب إرادته بسرعة، فلا يجوز أن نصبح اليوم أمام ارتدادات خطيرة لممارسات وتصرفات لا تعبّر عن بعد نظر وخبرة وتجربة في إدارة الشؤون السياسية والعلاقات بين القوى المختلفة. صحيح أن الثورة بحاجة إلى وقت لتستقر على واقع سياسي معين، وأن الرجال الجدد بحاجة إلى خبرة في السياسة والإدارة والتعاطي مع المؤسسات الدولية. ولكن المطروح اليوم ليس هذا. نحن أمام حد أدنى من الوعي مطلوب الالتزام به، حد أدنى من الالتزام بالثوابت والتوافق على حماية التنوّع السياسي في البلاد وعلى إبقاء الديموقراطية الأساس في العمل السياسي. الحرية هي التي أتاحت لقوى التغيير أن تطيح بالنظام، فلا يجوز لأي منها أن يطيح بالحرية طمعاً بسلطة، لا. هذا أمر خطير جداً، ولا يجوز أن يكون منطق الاغتيال هو الذي سيسود في البلاد، بل التوافق هو الذي يجب أن يكون أساس الحكم في هذه المرحلة الانتقالية لا سيما بين القوى الشريكة في إسقاط النظام وحماية تونس والعمل على تغيير واقعها السياسي نحو الأفضل.
وفي مصر حالة أخرى خطيرة مواجهات في الشوارع بين القوى الأمنية والمتظاهرين ضد السلطة السياسية وتصريحاتها ومواقفها وقراراتها. مواجهات على أبواب القصر الجمهوري. إحراق مؤسسات لـ الإخوان المسلمين . عمليات اغتصاب للنساء في الشوارع، استهداف مؤسسات عامة وخاصة. والأخطر من كل ذلك ومع انتشار السلاح في كل مكان، الفتاوى التي تصدر والتي تدعو إلى اغتيال رموز المعارضة. ليس ثمة أسهل من أن يخرج أحدهم ويصدر فتوى لتذهب إلى التنفيذ. ما الفرق بين النظام القديم والديكتاتورية القديمة التي أطيح بها والتي كانت تمارس على مستوى أفراد أو جماعة في إطار نظام وبين ديكتاتوريات فردية في كل حيّ أو قرية أو منطقة يقودها أفراد نصبّوا أنفسهم مرجعيات وأمراء يأمرون وينهون؟
القمع ولّد الانتفاضة، ماذا سيولّد القمع اليوم؟ حسناً فعلت مؤسسة الرئاسة وبعض المراجع برفض هذه الفتاوى والتنصل من أصحابها، والدعوة إلى احترام حقوق الناس وحرياتهم. ومهم جداً أن يكرس هذا النهج. لكن ذلك يجب أن يترافق مع خطوات سياسية رسمية وشعبية ودينية ووطنية تحصن المجتمع المصري في هذا الاتجاه.
ثمة أياد كثيرة تعبث بالأمن والوحدة في مصر، وبالتالي هي قادرة على التخريب، وأي اغتيال سيؤدي إلى مزيد من التطرف والعنف وستدخل البلاد في دوامة خطيرة لن تخرج منها في وقت قصير. وستكون ردّة على عملية التغيير التي حصلت، ستفقر مصر، ويجوع شعبها أكثر، وستعّم الفوضى. لن يكون هذا في صالح الثورة و الثوار الأصليين، أو الذين سرقوا الثورة كما يقولون.
الكل سيكون مهدداً في مستقبله وأحلامه وحياته.
ليس المشهد بأفضل من ذلك في ليبيا، التي يسود فيها حكم ولايات وجماعات تدير شؤون مناطقها بذاتها، كما تقفل ليبيا أبوابها على مواطنين عرب من هنا وهناك لأسباب مختلفة. وتشهد مناطق كثيرة فيها نزاعات مسلحة واغتيالات. وخرج منها كثيرون محمّلين بأسلحة نوعية إلى الخارج في اتجاهات عديدة في أفريقيا...
والخطر في اليمن لا يزال قائماً، من دعوات إلى الانفصال، إلى تسليح وتدريب وتهريب سلاح من أكثر من جهة وتدخل من أكثر من دولة واغتيالات وتفجيرات وصراعات دموية هنا وهناك.
وفي العراق حالة غليان وتعبئة مذهبية خطيرة، تفجيرات واغتيالات وتهديدات بالإقصاء والإلغاء واستنزاف لطاقات وإمكانات البلد.
وفي سوريا، حدّث ولا حرج. صحيح أن النظام ارتاح نسبياً وأن المعارضة تعاني مشاكل، صحيح أن النظام استعاد مواقع على الأرض، وأنه أصبح في موقع المبادر في أكثر من مكان. لكن الصحيح أن الحرب مستمرة، وأن ما يجري من تقدم أو تراجع لهذا الطرف، أو ذاك هو أمر طبيعي في جولات هذه الحرب. وقد عشنا هذه الحالة في لبنان، ما دامت الحرب مستمرة، فهذا يعني أن الخراب والدمار والانقسام والحقد والفقر والتهجير وإضعاف الدولة مستمر ولا يستطيع أحد الادعاء أنه قادر على الحكم والتحكم بمسار الأمور في ظل هذا الواقع المفتوح على كل الاحتمالات، وما يجري في كل هذه المواقع يفرض نفسه على الدول المحيطة التي تعاني حالات قلق على المصير.
المستفيد من كل ذلك إسرائيل، ماذا تريد مشهداً أفضل، مما هو أمامنا اليوم؟ عرب يقتلون بعضهم بعضاً. الاغتيالات في كل مكان، سيقول الإسرائيليون لقد قتل من العرب على أيدي العرب أكثر بكثير مما قتل منهم على أيدينا ويتهموننا به !
لقد ارتكب العرب مجازر بحق بعضهم أكبر وأخطر مما يتهموننا به ! سيقول الإسرائيليون أيضاً: لا الأنظمة القديمة كانت ديموقراطية. ولا الحكام الجدد أصبحوا ديموقراطيين. إسرائيل هي الديموقراطية الوحيدة في هذه المنطقة، وهي محاطة بمناخ من التطرف والحقد والجهل ومنطق القتل والاغتيال والإرهاب، ومن حقها أن تطالب بكل الضمانات لحمايتها وضمان أمنها واستقرارها !
إسرائيل والأزمة المالية الأميركية: تقليص الدعم للمنظومات الدفاعية
حلمي موسى عن السفير
تعاملت إسرائيل بقدر كبير من الغصة مع الأزمة الاقتصادية الأميركية ومصاعب الإدارة الديموقراطية في التوافق مع الجمهوريين حول خطوات تتعلق بسبل حلها. فعندما تمطر في واشنطن تضطر تل أبيب إلى اتخاذ الحيطة وحمل المظلات اتقاء للمطر. وهذا هو حال إسرائيل بعد قرار إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما تقليص الميزانية الأميركية بحوالي 85 مليار دولار، من بينها 46 مليار دولار من ميزانية الدفاع، الأمر الذي من شأنه أن يقلص مخصصات المعونة الأميركية لإسرائيل بحوالي 750 مليون دولار.
واضطر وزير المالية الإسرائيلي يوفال شتاينتس في جلسة الحكومة الأخيرة للإعراب عن قلقه من الإجراءات الأميركية، قائلاً إن «المصاعب الاقتصادية الأميركية تقلقنا، وآمل ألا نتأذى منها. فالدولة الوحيدة التي أفلحت في السنوات الثلاث الماضية في السباحة ضد التيار مع نمو إيجابي وتقليص للبطالة كانت إسرائيل. ولكن البيئة الدولية قاسية جداً الآن، لذلك يتطلب الأمر منا أن نتصرف بمسؤولية وجرأة، والعمل بجد من أجل حماية اقتصادنا».
ومن الجائز أن القرار الأميركي كان يمكن أن يمر بهدوء لولا أن إسرائيل بدأت تعاني من مظاهر الأزمة الاقتصادية العالمية، ومن احتجاجات اجتماعية نابعة أصلاً من عدم التناسب بين ميزانية الدفاع وميزانيات التعليم والخدمات الاجتماعية. ومعروف أنه شُنت حملة في الأشهر الأخيرة بعد تنامي نسبة العجز في الميزانية العامة الإسرائيلية، وتعاظم الدعوات لتقليص ميزانية الدفاع بحوالي أربعة إلى خمسة مليارات شيكل. وقد ترافقت هذه الحملة مع تفاقم التوترات بين العلمانيين والمتدينين حول مسألة توزيع الأعباء خصوصاً في الخدمة العسكرية والمعونات الاجتماعية.
وفي كل حال، بدا واضحاً بعد القرار الأميركي بشأن التقليصات أن احتمال تقليص ميزانية الدفاع بالمبلغ المطلوب بات ينطوي على خطر جسيم في ظل الأوضاع الإقليمية. ولذلك تتجه الأنظار اليوم نحو وزارة المالية التي كانت المُطالب الأساسي بإجراء هذا التقليص، متوقعة ألا تتجرأ هذه الوزارة على عرض هذا المطلب من جديد. غير أن المشكلة لا تقف عند هذه النقطة بل تتعداها إلى وجوب البحث عن سبل جديدة لتعويض الأموال التي كان يفترض تقليصها. وبكلمات أخرى فإن وزارة المالية الإسرائيلية أصبحت مضطرة، في ظل هذا الوضع، لفرض ضرائب جديدة.
وبحسب ما توفر من معلومات في الصحف الإسرائيلية فإن القرار الأميركي بتقليص الميزانية ينعكس مباشرة على إسرائيل بتقليص المعونة الأميركية السنوية المقدرة بثلاثة مليارات دولار بحوالي ربع مليار دولار. ولكن القسم الأكبر من التقليصات التي تمس إسرائيل، وتقدر بحوالي نصف مليار دولار، يرتبط بالمعونات المالية السخية المكرسة أصلاً لتطوير منظومتي «القبة الحديدية» و«حيتس»، وتزويد إسرائيل ببطاريات جديدة من المنظومة الأولى.
وكانت إسرائيل تفترض أن تنال من واشنطن 211 مليون دولار مساعدة لشراء بطاريات «قبة حديدية» و268 مليون دولار لتطوير منظومتي «حيتس 2 و3» و«مقلاع دافيد». وتتوقع المصادر الإسرائيلية أن يؤثر القرار الأميركي على مشتريات إسرائيلية مستقبلية، من بينها الطائرات الحربية الحديثة من طراز «F35»، وطائرات النقل من طراز «هيركوليس C-130». وتجدر الإشارة إلى أن إسرائيل وحدها تتلقى 60 في المئة من إجمالي المساعدات العسكرية الأميركية إلى الخارج، والبالغة 5,1 مليار دولار.
ومن المعروف أن ميزانية الدفاع الإسرائيلية تبلغ 60 مليار شيكل (أكثر من 15 مليار دولار)، وكان من المقرر تقليصها بحوالي 405 مليارات شيكل. ولكن بعد القرار الأميركي أصبح الحد الأقصى الممكن تقليصه من ميزانية الدفاع الإسرائيلية لا يزيد كثيراً عن مليار شيكل. وعملياً يعني ذلك واحدا من خيارين، إما تقليص خدمات أخرى كالتعليم والصحة والرفاه الاجتماعي أو فرض ضرائب جديدة. وثمة ميل في وزارة المالية الإسرائيلية للمطالبة بإجراء تقليص بنسب متفاوتة في كل ميزانيات الوزارات. ومن المفترض أن تأتي هذه النسبة إضافة لقرار سابق بتقليص الميزانية العامة في العامين المقبلين بحوالي 22 مليار شيكل، وفرض ضرائب إضافية بقيمة 11 مليار شيكل أخرى. وكل ذلك من أجل الاقتراب من نسبة العجز المطلوبة في الميزانية العامة، وهي ثلاثة في المئة للعام الحالي، و2,7 في المئة للعام المقبل.
وما يزيد الطين بلة لدى حكومة بنيامين نتنياهو المقبلة أنها تجري مفاوضات ائتلافية، وأن للأحزاب المشاركة في الائتلاف الحكومي مطالب مالية لا يستهان بها. ولذلك فإن مداولات ومفاوضات الميزانية العامة تصطدم أيضاً باعتبارات سياسية وحزبية. وكانت مداولات الميزانية بين الأمور التي سرعت أصلاً التوجه نحو انتخابات مبكرة، كما أن المفاوضات الحقيقية بشأنها لن تبدأ رسمياً إلا بعد تشكيل الحكومة الجديدة. وهناك من يعتقد أن هذه المفاوضات ستجري في ظروف مكثفة بسبب ضيق الوقت وكثرة الأعياد والعطل في الشهر المقبل، خصوصاً عيد الفصح وأعياد الكارثة النازية وتأسيس الجيش وإعلان الدولة وأعياد دينية أخرى، ستعيق مناقشات الميزانية في الحكومة والكنيست على حد سواء.
ويعتقد خبراء في وزارة المالية الإسرائيلية أنه سيكون من الصعب إقرار الميزانية العامة قبل نهاية شهر حزيران المقبل حيث ستكون ميزانية العام 2013 ميزانية لنصف سنة فقط على أن تربط بميزانية العام 2014.
هـل سـيواجه البـابا العتيـد الذئـاب أم سـيهرب منـها؟
غراسيا بيطار عن السفير
في 11 شباط الماضي، وقبل دقائق من إعلان المتحدث باسم الكرسي الرسولي الأب فريديركو لومباردو عزم البابا بنديكتوس السادس عشر على الاستقالة بعد أيام عدة، وصل أحد الوزراء السابقين المخضرمين الى عين التينة. دخل مباشرة في صلب الموضوع مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري: «لقد توقع أمامي أحد المنجمين ان يستقيل بابا الفاتيكان ويخلفه بابا إفريقي ومن بعده بمدة قصيرة الكاردينال بشارة الراعي». لم يعر «النبيه» الكلام أهمية كبيرة لكن ما أن هم مضيفه بالرحيل حتى وصلته ورقة تفيده بالقرار البابوي المفاجئ فبادر بري الوزير السابق: «عد وأخبرني المزيد عما قاله المنجم».
يسمع الكاردينال بشارة الراعي هذه «السالفة» وغيرها مما كتب وقيل ويطلق العنان لصمت طويل. «الطموح في الوصول الى الكرسي الفاتيكاني غير وارد على الإطلاق. نحن نسير بالمشيئة الإلهية وكل مهمة توكل الينا مستعدون لتوليها بقوة الرب ومشيئته» تقول أوساط كنسية مقربة من سيد بكركي.
يتماهى الراعي في ذلك مع البابا المستقيل. فجوزف راتسينغر لم تكن تعنيه الألقاب والمناصب وإنما «متابعة أبحاثه الفلسفية واللاهوتية حول موضوع العقل والإيمان»، الى ان أصبح رئيس دولة الفاتيكان. تقبل المشيئة الربانية وشرع في تطبيقها، داعيا المؤمنين ان يصلّوا له لكي «يكون حقا الراعي الصالح ولا يهرب من الذئاب». لم يهرب «المبارك» من الذئاب ولكنه أعلن عجزه عن مواصلة القيام «بخدمتي البطرسية بالدفع اللازم».
ومن دون أن يزيح عن شعار «العمل والصلاة»، قرر بنديكتوس السادس عشر خدمة الكنيسة بالصلاة والتأمل والصوم. واجه «الذئاب» على قدر ما يستطيع. «تنظيم الإدارت المالية والقانونية والليتورجية ومواجهة نقص الدعوات الكهنوتية والرهبانية وعزوبة الكهنة والانقسامات في الكنيسة وتزايد اضطهاد المسيحيين وتراجع نسب عددهم في العالم مقارنة مع المدّ الكاسح لغيرهم من متطرفين وملحدين»... طبّق نهجه الجامع بين العقل والدين، فأسميّ «عقل الكنيسة».
خطوة السادس عشر في الاستقالة هزت السابع والسبعين من بطاركة أنطاكيا وسائر المشرق. لم يكبح دموعه من الانفجار في وسط الكنيسة تأثرا بالأمر. يعتبر أن البابا في خطوته الجبارة تلك «مثالا وقدوة في الالتزام والتحلي بالمسؤولية وطاعة الرب في كل شيء والتعالي عن كل المناصب الدنيوية».
لا ينظر بطريرك موارنة لبنان الى المسألة من زاوية «من سيملأ الكرسي الفارغ، فهذا في علم الروح القدس». ولكن هل حظوظ الإتيان ببابا من الشرق مرتفعة هذه المرة نظرا لما يمر به من فصول متوالية ربيعا وخريفا؟ تجيب أوساط كنسية بارزة: «المسيحيون في أكثر من بقعة في العالم يعانون وليس فقط في الشرق. وهذا لا يعد معيارا أكيدا. معايير انتخاب البابا الجديد تبدأ من شخصه. أن يكون منفتحا ويتقن لغتين: الدين ومشاكل العالم وفي طليعتها الانفتاح على الديانات الأخرى في ظل صعود نجم الإسلام المتطرف». بالإضافة الى «بابا يعيد الاعتبار الى مبدأ العمل الجماعي الذي لم يكن يتحلى به كثيرا البابا بنديكتوس السادس عشر فضلا عن اتقانه مخاطبة العالم بطريقة تتجاوز حدود الكاثوليكية وهذا ما يميز كل شاغلي الكرسي البابوي».
كيف تتبلور معالم البابا الجديد؟
عند انعقاد مجمع الكرادلة من أنحاء العالم كافة ستحضر الاختلافات قبل نقاط التلاقي ومنها تنبثق الهوية البابوية المنتظرة. من الأرجنتين والصين ونيجيريا والولايات المتحدة والهند وجنوب أفريقيا والشرق الأوسط... هنا ستتشعب الأولويات من محاربة الفساد الى الحروب والعنصرية والتحرش بالأطفال والحقوق السياسية والتلاقي الثقافي والعلمنة...
«عقل الكنيسة» تعامل مع هذه الاستحقاقات وغيرها لكنه قرر في النهاية الاستراحة. وإذا كان فريق المحافظين هو من أوصل «العقل» الى السدة البابوية فإن «محاربة الشيوعية» هي من أوصلت «القلب» يوحنا بولس الثاني. الرئيس الكوبي فيديل كاسترو، برغم ذلك، رفع عن الأخير تهمة «إسقاط الشيوعية في أوروبا الشرقية».
لا شك ان «ظروفا» داخلية وخارجية ستساهم في تحديد هوية البابا الجديد. «العين على الكرسي البابوي» تأتي من أميركا الشمالية والجنوبية ومن أفريقيا وأوروبا «تحصيل حاصل». صحيح ان الأوساط الكنسية تستبعد حظوظ الشرق لكن البعض ينطلق من تجربة يوحنا بولس الثاني في محاربة الشيوعية بـ«قلب كنسي» ليقرأ في «الحالة المسيحية في الشرق» كـ«دواء لداء التطرف اليوم».
«المسيحيون طردوا من العراق ويعانون من المزيد من التضييق في مصر وتركيا ويعانون في سوريا... بحيث بات المطلوب إعادة الإعتبار للوجود المسيحي». وعلى قاعدة «لا يظهر الحسن إلا الضد»، يتوقع خبراء فاتيكانيون ان تربح الدفة القائلة بـ«تعزيز الوجود المسيحي المشرقي عبر منحه المنصب البابوي من أجل عقلنة التطرف الإسلامي الذي ينهش في جسم المنطقة برمتها». هكذا توجه اذا طبع هيئة الكرادلة الناخبة عندها تقصر المسافة التي تفصل كرادلة الشرق، عن الكرسي الكنسي الكاثوليكي الأول في العالم.
قبل مئات السنين، تأخر الكرادلة في انتخاب باب جديد فاضطر المعنيون الى إقفال الباب عليهم بالمفتاح ومنع الطعام عنهم لأيام عدة لكي يسرعوا في مهمتهم الى ان خرج دخانها الأبيض من أصغر دولة في العالم ولكنها تعني الملايين حول العالم.
رام الله هي فلسطين
اوكتافيا نصر عن النهار اللبنانية
ما من مدينة توحي إليّ بفلسطين أكثر من رام الله. عند حاجز قلنديا، تحذّر لافتة إسرائيلية كبيرة الزوّار من أنهم على وشك دخول أراضٍ فلسطينية، وبناءً عليه، سلامتهم وأمنهم مهدّدان. جدار الفصل الذي بنته إسرائيل يُقذي العين، ويولّد لدى الناظر على الفور شعوراً باليأس والعزلة. فالجدار الإسمنتي الضخم الذي تسمّيه إسرائيل "السياج الأمني" شاهق العلو ولا حياة فيه. إنه يفصل سكّان الضفة الغربية عن مدارسهم وأعمالهم. ويكفي أن ننظر إليه لندرك أن الحياة خلفه حافلة بالصعوبات والتحدّيات.
بعد عبور الحاجز، تستقبلك رسوم وكتابات محمَّلة بالرموز على الجدار، تعبّر عن الجانب الفلسطيني من الرواية. ففي البداية تستوقفك صورة كبيرة لياسر عرفات، قرب صورة لمروان البرغوثي وسط الكثير من مشاعر الاستياء التي تراود الفلسطينيين من جراء العيش تحت الاحتلال والقمع الإسرائيليين.
بعد عبور المناطق الصناعية والأسواق المليئة بورش اصلاح السيارات، والمطاعم المتواضعة والباعة المتجوّلين، تفتح لك رام الله ذراعَيها مع مبانيها وأعمالها التجارية الكثيرة، والملصقات الإعلانية الأكبر حجماً من الطرق واللوحات التي عُلِّقت عليها. في الواقع، منظر اللوحات الإعلانية قبيح، ويحوّل الأنظار عن مدينة جميلة لا تزال تنمو وتكافح من أجل الازدهار والمضي قدماً في ظل ظروف اقتصادية وسياسية صعبة جداً.
كلما توغّلت أكثر في رام الله، يصير المنظر أكثر سلمية وسكوناً. ويولّد لديك شعوراً أكثر طمأنينة بأنك في حضرة شعب نابض بالحياة تحرّكه رغبة حقيقية في الازدهار والنجاح. المباني في تلك المناطق حديثة وفي حال جيّدة، وتطل على بعض أروع المناظر في المدينة. الشوارع نظيفة وترحّب بالزوار. فكّرتُ في نفسي، هذه هي فلسطين. مقرّ السلطة الوطنية الفلسطينية، مبنى المحكمة، المتاجر، المطاعم، المدارس، الجامعات والمنازل، كلها تقف شاهدةً على الاعتزاز والأمل والضيافة الفلسطينية.
عند زيارة ضريح ومتحف محمود درويش، تشعر كأنك في عالم آخر. حضور درويش في الغياب في هذا المكان الفريد يضاهي بقوّته حضوره عندما كان على قيد الحياة. يرقد على تلة جميلة تطلّ على القدس، ويملأ صوته المتحف ويلامس أعماق روحك فيما تنظر إلى إنجازاته ومقتنياته الشخصية. يشعر الزائر بأن هناك سحراً يطغى على أجواء المتحف، عندما ينظر إلى مستنداته الشخصية، وأقلامه، ومكتبه، وملابسه وحتى سلسلة مفاتيحه. تحدّق نظّاراته فيك بقوّة، على وقع كلماته وقصائده التي تصدح في المكان. مسحة الحزن الوحيدة هي الإدراك أنه لم يعد موجوداً بيننا في الجسد؛ وفنجانه وركوة القهوة العربية موجودان هناك للذكرى التي يتعلّق بها محبّوه. رحت أحدّق فيهما وقد اجتاحتني مشاعر قويّة، فنجان وركوة فارغان من القهوة التي أحبّها كثيراً، وكم تمنّيت لو أنني أستطيع احتساء فنجان قهوة معه في تلك اللحظة لأسأله عن رأيه في ما يجري وفي ما ستؤول إليه الأمور.
أجريت، في إطار المهمة الصحافية التي أقوم بها، مقابلات مع بعض النساء المرموقات والنافذات في رام الله، وهن: الأيقونة الفلسطينية حنان عشراوي، والقاضية إيمان ناصر الدين، والموسيقية ريما ناصر ترزي. كل واحدة منهنّ قدوةٌ تحتذى، وقويّة كالجبال. يسري في عروقهن تاريخ نضال يطبع الفلسطينيين، والأهم من ذلك، يرسم مستقبلاً لامعاً ما دامت هؤلاء السيدات يتسلّمن الدفة ويعملن بلا كلل.
خاطبتني شوارع رام الله بطرق لا تجيدها أية مدينة أخرى. قالت لي "هذه فلسطين، مفعمة بالحياة والأمل بمستقبل أكثر إِشراقاً". في وجوه الباعة المتجوّلين والمارة العاديين، قرأت رسالة الحب وكرم الضيافة التي لا نجدها إلا عند الفلسطينيين. بعيداً من السياسة والمشكلات اليومية، هناك رغبة عميقة في الوجود، وإثبات أنفسهم كشعب شرط أن تُتاح لهم الفرصة!
من يحتاج الآخر.. نحن أم أمريكا؟!
كلمة الرياض بقلم:يوسف الكويليت
ما بعد الحرب العالمية الثانية برزت قوة أمريكا، ورغم وجود السوفيات كقوة منافسة، إلاّ أنها من فاز بتلك المراحل بدءاً من إعمار أوروبا بمشروع (مارشال) لإيقاف الزحف الشيوعي الناشئ والمغري بأفكاره وأيدلوجيته بعد مأساة حربين كونيتين، أو إعادة بناء اليابان وكوريا الجنوبية ثم مساعدة النجوم الآسيوية الصغرى، لتكون النموذج المضاد للصين وفيتنام وكمبوديا وكوريا الشمالية ذات النزعة العسكرية بفرض الشيوعية بالقوة..
جاءت أمريكا بفرصتيْ الانتصار على النازية والفاشية، واحتلال المركز الأول في التأثير الاقتصادي والعسكري على كل القوى التقليدية، حتى إن النموذج الأمريكي ثقافياً وفنياً، وسلوكياً بات المؤثر على جيل ما بعد الحرب العالمية الأخيرة..
أمريكا الراهنة لم تفقد قوتها، ولكنها تشهد أكتاف قوى ناشئة تزاحمها على الكراسي الأولى العالمية في صياغة عالم لا يحتكره القطب الواحد، عندما أصبحت قوى آسيا تهدد زعامة أمريكا الشمالية، وتحيل أوروبا إلى قارة عجوز قد تكون في حسابات القوة تجلس على المقاعد الثانية أو الثالثة في حال انتقل الثقل إلى القارة الأكبر..
منطقتنا العربية ارتطمت بالاستعمار الأوروبي الذي خلّف لنا العديد من حروب الحدود والتخلف، ونهب الثروات، وبناء دولة إسرائيل، وعندما تحولت أمريكا إلى الوريث والبديل كانت مغريات تقاربها مع الجناح المضاد للسوفيات، أنها خط الدفاع عن هذه الأنظمة، ورغم أن النفط لم يكن الأساس في عقد هذه العلاقة لأنها في فترة الخمسينيات إلى السبعينيات كانت دولة مصدرة، ثم مكتفية، ولكنها بعد ذلك أصبحت تنظر لمصادر النفط بدول الخليج العربي، وإيران والعراق أنها الساحة المفتوحة لها باعتبارها مركز قوتها الاستراتيجية، لكن زوال الحكم الملكي في العراق، ثم سقوط الشاه ووجود أنظمة على خلاف أيدلوجي وسياسي معها، بدأت تخطط لإحداث تغييرات في سياساتها أي عدم قبول نظام يهدد مصالحها، فقامت بإسقاط نظام صدام، ولكنها أوجدت رديفاً مسانداً لحكم الملالي في إيران، لكن ماذا عن المراحل القادمة، وهل ستكون أمريكا ثابتة على مواقفها، أم أنها ستغير اتجاهها وفق قوانين المتغير في موازين القوى والحراك الذي بدل الصراع من الأيدلوجيا التي قادتها منظمات ودول اشتراكية إلى منافسات بين القارات؛ بحيث أصبح الواقع يحيل أوروبا إلى التقاعد أمام بروز آسيا وأمريكا الجنوبية، وأفريقيا؟
قطعاً منطقتنا العربية تأتي في قلب الأحداث، فكل شيء عاصف بها ثورات وصراعات قومية وحروب طوائف، وتنازع إقليمي على من يكون رأس القوة في محيطه أي أن إيران وتركيا وإسرائيل، لا تزال كل واحدة منها تريد أن تكون قطب الرحى ومركز الجذب في وطن عربي صارت تحولاته غير مستقرة على اتجاه واضح..
أمريكا في هذه الحركة غير الثابتة ليست في حالة غياب، ولكنها ترسم خطوطها وفقاً لعائد المنفعة السياسية والمادية، وهذا ما يجعلنا نأخذ الاحتمالات كلها السيئ والمتفائل بعين الاعتبار، والنظر إلى آسيا بأنها العمق القادم وبدون فقدان أصدقائنا التقليديين..
قبل أن يصبح الإسلام هو المشكلة
فهمي هويدي عن الشروق المصرية
تواجه الحالة الإسلامية تحديا كبيرا بعد الثورة جراء هبوطها الاضطرارى من فضاء الشعارات والتعاليم على أرض الواقع المدبب والملغوم، الأمر الذى فرض عليها إعادة النظر فى الكثير من مواقفها ومقولاتها.
(١)
أدرى أن مصطلح الحالة الإسلامية فضفاض إلى حد كبير، لكنى أقصد الناشطين فى الساحة الإسلاميين وليس كل المسلمين الذين هم جزء لا يتجزأ من «الحالة»، ولست أشك فى أن منهم كثيرين أشد إخلاصا وأكثر إسلاما من أولئك الناشطين، ثم إننى أفهم أن هؤلاء الآخرين ليسوا شيئا واحدا، وأن تبايناتهم حاصلة فى البلد الواحد (فى مصر 8 أحزاب إسلامية غير الجماعات التى يقودها شيوخ مستقلون). ليس ذلك فحسب وإنما تلك التباينات حاصله أيضا فى خبرات الناشطين الإسلاميين فى مختلف الأقطار العربية والإسلامية، ومما يحسب للربيع العربى أنه سلط الأضواء على هذه الخرائط كلها (أغلبها إن شئت الدقة)، بحيث أسفر الجميع عن وجوههم فسمعنا أصوات المعتدلين والمتطرفين، والعقلاء والسفهاء، ولأسباب مفهومة احتفت وسائل الإعلام بالمتطرفين والغلاة، وكانت الحفاوة أشد بكل من ذهب بعيدا فى الغلو والشذوذ.
فى مصر وفى تونس وسوريا ابتلى الجميع بالإيذاء والإقصاء، لكن الابتلاء كان أشد بعد الثورة لأنه حل بهم من باب الغواية والتمكين، وإذا كانت العزائم هى سلاح التصدى للابتلاء الأول، فإن الخبرات والعقول صارت السلاح الأمضى فى التعامل مع الثانى، إن شئت فقل إنهم فى الابتلاء الأول كانوا يصدون ويقاومون، أما الابتلاء الثانى فقد فرض عليهم التقدم والمبادرة، ولأنهم لم يكونوا جاهزين لمواجهة ذلك الموقف الذى فاجأهم فى مسار لم يتوقعوه، إذ فرض عليهم أولويات لم تكن فى الحسبان، واستدعى ملفات وعناوين ظلت مؤجلة طول الوقت وجلّها يتعلق بكيان الدولة الحديثة ومؤسساتها وبإطار التعامل مع الآخر فى الداخل والخارج.
(٢)
منذ سبعينيات القرن الماضى على الأقل، حيث ظهر عنوان الصحوة الإسلامية فى الأفق ظلت فكرة الدولة عند الإسلاميين محل لغط كبير فى بعض أوساط المثقفين العرب فضلا عن الباحثين الغربيين، فقد اعتبرها البعض نموذجا للدولة الدينية التى عرفتها التجربة الأوروبية، ولم تكن العلاقة بين الدولة والأمة واضحة، كما كان شكل الدولة غامضا حتى تحدث البعض عن الإمارة وقال آخرون بالخلافة، وكان هناك من يجادل فى علاقة الشورى بالديمقراطية، ويتساءل عما إذا كانت الشورى مُعلمة أو ملزمة، كما كان الجدل مثارا حول صيغة التعددية السياسية والموقف الشرعى من فكرة الأحزاب، وطال الجدل مسألة العلاقة مع العالم الخارجى وهل ذلك العالم هو دار الكفر أم دار العهد أم أمة الدعوة (فى مقابل ديار الإسلام التى اعتبرت أمة الإجابة)...إلخ.
وحين قامت الثورة الإيرانية وتأسست الجمهورية الإسلامية فى عام 1979، فإنها قدمت نموذجا لم يوقف الجدل، لكنه هز بعض القناعات والانطباعات. إذ قدمت فكرة «ولاية الفقيه» صورة جاءت أقرب إلى صيغة الدولة الدينية، إلا أن الدولة الجديدة وضعت دستورا وأقامت مجلسا نيابيا وأجرت الانتخابات الديمقراطية على أكثر من مستوى، فيما غدا تجسيدا قريبا من فكرة الدولة الحديثة، ورغم أن قلة من الباحثين أدركوا أن النموذج الإيرانى مرتبط بخصوصية المذهب الشيعى ومرجعياته الفقهية، إلا أن شبحه ظل يطارد الإسلاميين فى مجتمعات أهل السنة طول الوقت، وباتوا يلاحقون بالسؤال عما إذا كانوا يتطلعون إلى احتذائه وتطبيقه، ومن ثم عما إذا كانوا يسعون إلى إقامة دولة دينية أم مدنية.
الثورات العربية التى تلاحقت فى المنطقة منذ عام 2011 استدعت كل الأسئلة المعلقة منذ السبعينيات بما فيها الأسئلة المستجدة التى فرضتها الثورة الإسلامية فى إىران، وكان السبب فى استدعاء تلك الأسئلة أن التيار الإسلامى فاز بالأغلبية فى الانتخابات التشريعية التى أجريت فى ثلاث دول على الأقل هى تونس ومصر والمغرب، وكان على تلك الأغلبية أن تقدم إجاباتها عليها إن لم يكن من خلال المواقف والممارسات العملية فعلى الأقل فى الناحية النظرية لطمأنة المجتمعات التى شهدت تلك الثورات.
اختلف الوضع فى أقطار الثورات العربية من عدة نواح، فالثورات كانت وطنية ولم تكن ذات صيغة إسلامية كما فى الحالة الإيرانية، بالتالى فإن الإسلاميين كانوا فصيلا معها فيها وليسوا صناعها أو قادتها، ومن ناحية ثانية فإن الثورات وقعت فى مجتمعات أهل السنة التى تختلف فى بيئاتها وهياكلها وتراثها الفقهى عن بيئة المجتمعات الشيعية، ومن ناحية ثالثة فإن مجتمعات أهل السنة العربية تحفل بالاجتهادات الفقهية المستنيرة (من محمد عبده إلى القرضاوى) التى تنحاز إلى قيم الدولة الحديثة وفى مقدمتها الديمقراطية والتعددية السياسية، ويعد الأزهر فى مصر رمزا للمرجعية التى تعبر عن ذلك الانحياز.
(3)
قبل عدة سنوات تداول السلفيون فى الإسكندرية رسالة كان عنوانها: «القول السديد فى أن الاشتراك فى الانتخابات مخالف للتوحيد». إلا أن الدنيا تغيرت بحيث شكلت الجماعة السلفية فى الإسكندرية حزب النور بعد الثورة، وخرج من عباءتها حزب آخر باسم الوطن، وحزب ثالث مشترك بينها وبين الإخوان هو حزب الإصلاح والنهضة، وفى حين كان الاعتقاد الشائع فى أوساط السلفيين أن الحزبية مكروهة باعتبارها بابا للفرقة والفتنة، فقد تشكل فى مصر بعد الثورة نحو ثمانية أحزاب (أحدثها حزب الراية للشيخ حازم أبوإسماعيل)، وبدا أن بعضها أحزاب تمثل الجهة بأكثر مما تمثل فكرا مغايرا «النور فى الإسكندرية ـــ الشعب فى الدقهلية ــــ الإصلاح فى البحيرة ــــ الأصالة والفضيلة فى القاهرة ـــــ الهدف فى 6 أكتوبر».
خارج الدائرة السلفية فهناك 8 أحزاب أخرى تعتمد المرجعية الإسلامية، الأمر الذى يعنى أنه فى مصر وحتى إشعار آخر فهناك 16 حزبا إسلاميا كل منها يتطلع إلى المشاركة فى الانتخابات والفوز بعضوية مجلس النواب القادم، وهو ما يمكن أن يسوغ لنا أن تقول بأن الجدل حول الأحزاب بات محسوما على الصعيد العملى.
حين دخلت الأحزاب الإسلامية بما فيها السلفية إلى ساحة العمل السياسى من باب الانتخابات فذلك يعنى عمليا أن الواقع فرض نفسه على الفكر، ولن نذهب بعيدا إذا قلنا إن الواقع سبق الفكر وصوبه، بالتالى فلم يعد هناك مجال للجدل حول النظام الحزبى والتعددية السياسية، أو حول الديمقراطية واختلافها أو اتفاقها مع الشورى، كما لم يعد هناك خلاف حول النظام البرلمانى ومؤسسات الدولة الحديثة، الأمر الذى يستبعد تلقائيا أى حديث عن فكرة الدولة الدينية أو دولة الخلافة أو صيغة الإمارة، وهو ما يسوغ لنا أن نقول إن هذه المشاركة فى مجملها كرست فكرة التصالح بين الأحزاب الإسلامية والديمقراطية، والدولة المدنية. وهى العلاقة التى ظلت محل جدل ومثار لغظ لم يتوقف خلال العقد الأخير.
لا أستطيع أن أدعى أن هذه الأمور حسمت تماما، لأن ثمة أصواتا لاتزال تشكك فى الديمقراطية وترفض التعددية وتتململ من فكرة المواطنة، لكنها تظل أصواتا شاذة لا وزن لها ولا تأثير على المسار الديمقراطى لأن الأغلبية انحازت إلى صف الديمقراطية وقيمها وتقدمت للمشاركة فى بناء النظام الجديد على ذلك الأساس.
(4)
تصالح الإسلاميين مع الديمقراطية لا يعنى أن الأمور كلها حسمت لأن ثمة تحديات ينبغى عدم الاستهانة بها لاتزال تواجه العقل الإسلامى الذى له دوره فى إدارة شئون الدولة بعد الثورة، ولا أستطيع فى هذا الصدد أن أتجاهل حقيقة أن الإقصاء الذى فرض على الحالة الإسلامية لم يمكنها من اختبار الافكار على صعيد الواقع، كما لم يمكن الناشطين من اكتساب الخبرات التى تمكنهم من المشاركة فى تسيير ماكينة إدارة الدولة. لذلك لا مفر من الاعتراف بأنه فى الحالة المصرية وأمثالها فإن أداء الإسلاميين فى إدارة شئون الدولة يبدأ من الصفر تقريبا، الأمر الذى فرض عليهم إجراء مجموعة من المراجعات الضرورية للكثير من رؤاهم الاستراتيجية واجتهاداتهم الفكرية، وتلك دعوة لا أتفرد بها، لأن بعض القيادات الإسلامية التى خاضت التجربة عبرت عن ذلك بصورة أو أخرى، إذ فى مناسبتين منفصلتين قال كل من الشيخ راشد الغنوشى زعيم حركة النهضة التونسية والدكتور محمد مرسى رئيس مصر أن الأوضاع التى تعامل معها كل منهما فى تونس ومصر، مختلفة وأصعب بكثير مما تصوروا فى البداية.
وإذا جاز لى أن أعرض لبعض أبرز الملفات العالقة والتى يحتاج بعضها إلى حسم ويحتاج البعض الآخر إلى مراجعة وتصويب ومنها ما يلى:
• العلاقة بين الدين والسياسة وكيف يمكن ضبط التمايز بين الدائرتين دون انفصال يهدد المرجعية ودون اتصال يعيد إلى الأذهان فكرة الدولة الدينية.
• ترجمة الشعارات إلى سياسات تستلهم المرجعية وتستهدف خدمة الناس وتنمية المجتمع متجنبة الاستغراق فى وعظ الناس وفرض الوصاية على المجتمع.
• تصويب العلاقة بين الجماعة والوطن، واعتبار الأولى وسيلة لا غاية ينبغى أن تتراجع مصلحتها أمام أى مصلحة مرجوة للوطن.
• رد الاعتبار لفقه المقاصد وتقديمه على الوسائل، باعتبار أن المقاصد فى المرحلة الراهنة تشكل المظلة والإطار الأوسع الذى يوسع فى محيط المشترك مع الآخر، بما يعزز من قيمة الوحدة الوطنية التى تشكل حجر الأساس فى ضمان الاستقرار والتقدم للمجتمع.
• تأصيل فقه العيش المشترك، الذى يسع المخالفين فى الرأى والمذهب والاعتقاد، الأمر الذى يرد الاعتبار لقيمة المواطنة التى يتساوى فيها الجميع فى الحقوق والواجبات.
• فض الاشتباك مع التيارات الأخرى العلمانية واليسارية، واستلهام صيغة «حلف الفضول» الذى امتدحه النبى عليه الصلاه والسلام حين عقد فى الجاهلية لحماية الضعفاء والانحياز للفقراء.
• إعمال وتطوير قواعد فقه الأولويات وفقه الإنكار، وفى ظل الأول ترتب الواجبات طبقا لمدى إسهامها فى تحقيق المصالح العليا للمجتمع التى تقدم على مصالح الأفراد، وبتطوير فقه الأفكار توضع ضوابط الإصلاح التى تحملها الدولة وتلك التى يباشرها المجتمع وحدود ما يخص الأفراد منها.
• التعامل الإيجابى مع قضية الحريات بما يرفع من سقف الحريات العامة ويحول دون المساس بالحريات الخاصة طالما أنها تتم فى إطار القانون وبما لا يمس النظام العام للمجتمع.
• حسم العلاقة مع العالم الخارجى، بما ينهى اللغط المثار حول تكييف تلك العلاقة عند بعض الإسلاميين بما يضعها فى دائرة التضاد والتقاطع وليس التوازى أو التفاعل والتعاون.
•••
لقد كان البعض يرفعون فى السابق شعار الإسلام هو الحل، وأخشى إذا تعثرت المسيرة فى ظل وجود الإسلاميين بالسلطة أن تنقلب الآية فى نهاية المطاف بحيث يصبح الإسلام فى نظر البعض هو المشكلة.
(ملحوظة: النص عاليه خلاصة محاضرة دعيت لإلقائها فى العاصمة الأردنية عمان يوم السبت الماضى ٢/٣، بدعوة من منتدى مركز دراسات الشرق الأوسط).
دعم أمريكا للإخوان
محمد سلماوي عن المصري اليوم
كل الأسباب التى دعت الولايات المتحدة لدعم الإخوان فى الوصول إلى حكم مصر بعد الثورة ثبت خطؤها، ففى مقدمة هذه الأسباب كان تصورهم الساذج بأن الإخوان بحكم كونهم التنظيم السياسى الأكبر بعد غياب الحزب الوطنى فإنهم القادرون على تحقيق الاستقرار بما يضمن المصالح الأمريكية، بينما لو وصلت قوى أخرى إلى الحكم فإن ذلك سيجلب الفوضى التى تهدد المصالح الأمريكية فى المنطقة، وذلك بسبب عدم خبرة القوى السياسية الأخرى فى الحكم، ولأن الإخوان فى هذه الحالة سينشرون الفوضى، أو على حد قولهم «سيحرقون البلد»، وهو تهديد يعرف الأمريكان وغيرهم جديته، فحريق القاهرة يوم 26 يناير 1952 ليس ببعيد.
والحقيقة أن تلك الفرضية التى اعتمدت عليها الولايات المتحدة فى تأييدها لحكم الإخوان سرعان ما سقطت بمجرد تولى محمد مرسى الحكم وقبل مرور فترة المائة يوم الأولى، حيث ظهر على الفور انحيازه الكامل لجماعة الإخوان، واتباعه لتوجيهاتها السياسية الصادرة إليه من جبل المقطم، ومن ناحية أخرى فقد التزم بكل السياسات والقوانين البالية التى سنها النظام السابق من أجل إحكام سيطرته على البلاد، بحيث أصبح الهدف الرئيسى لحكمه هو تمكين الإخوان من السيطرة على مفاصل الدولة بلا أى برنامج سياسى لحل مشاكل الجماهير.
ولقد كانت تلك هى الوصفة المؤكدة لجلب الفوضى وليس الاستقرار، فقد تصاعد الغضب الشعبى ضد حكم الإخوان، وجاء رد الفعل الرسمى على هذا الغضب بالعنف الذى أدى إلى سقوط العشرات من القتلى وإصابة المئات، بالإضافة لمن تم اعتقالهم وتعريضهم لوسائل تعذيب مختلفة أدت لاستشهاد البعض منهم.
وتأتى زيارة وزير الخارجية الأمريكى جون كيرى الأخيرة لمصر وسط هذا المناخ الذى يبعد كل البعد عن الاستقرار الذى توقعه الأمريكان من جراء تأييدهم لحكم الإخوان، فهل كانت تلك الزيارة زيارة كاشفة تدفع الأمريكان لإعادة تقييم الموقف؟ الحقيقة أنه لم يصدر عن كيرى أو عن الإدارة الأمريكية ما يشير إلى أنهم على استعداد لمراجعة المواقف، كما يقضى منطق العمل السياسى، بل إن العكس هو الذى حدث، فقد جدد كيرى تأييد بلاده لحكم الإخوان فى مصر بحجة أنهم يدعمون الرئيس الذى اختاره المصريون، رغم ما تلقاه الإدارة الأمريكية فى الوقت الحالى من معارضة لهذا الدعم من جانب الكونجرس الأمريكى.
ولقد وصل بكيرى فى التمسك بسياسة إدارته الداعمة للإخوان أن حث المعارضين فى مصر على دعمه أيضاً وعدم مقاطعته(!!)
على أن هذا لم يكن السبب الوحيد للدعم الأمريكى للإخوان، فهناك أسباب أخرى ثبت فشلها أيضاً وسنتحدث عنها غداً.
العلاقات «المصرية- الأمريكية»: نظرة تحليلية
سارة خورشيد عن المصري اليوم
يرسم المراقبون، كل حسب توجهه وانتمائه، صورتين متناقضتين للعلاقات الأمريكية المصرية في ظل رئاسة الرئيس مرسي المنحدر من جماعة الإخوان المسلمين. فبعض معارضي مرسي يصفون العلاقة بين واشنطن والإخوان بالتحالف الحميم، الراسخ، ويتهمون مرسي بالعمالة. على النقيض نجد من مؤيدي الرئيس من يرونه عدوأمريكا اللدود، المناهض للهيمنة الغربية. ويكثر الحديث عن المؤامرات بين من يزعم أن الرئيس مستهدف من أجهزة مخابرات معادية للإطاحة به، ومن يزعم أن مرسي يتآمر مع أمريكا ضد إرساء سياسات مستقلة عن مصالح الغرب.
لندع جانبا نظريات المؤامرة والتكهنات حول خطط المخابرات – ولنتمعن فى المعلومات المتاحة فعليا في الإعلام الأمريكي، على ألسنة السياسيين والخبراء الأمريكيين والموثقة بالمستندات الرسمية.
*****
بداية العلاقات الرسمية:في الماضي، «حافظت الولايات المتحدة على اتصالات غير رسمية بالجماعة... ازدادت المقابلات بين الإخوان ومسؤولين أمريكيين في التسعينيات بعد أن فازت الجماعة بأعداد من كراسي البرلمان. لكن كان المسؤولون الأمريكيون عادة يقولون إنهم يتحدثون مع أعضاء البرلمان [الإخوانيين] كمستقلين وليس بصفتهم ممثلين للإخوان» – كما جاء في تقرير نشرته ال«واشنطن بوست» فى يونيو2011 بعد إعلان الخارجية الأمريكية لأول مرة ترحيبها بالحوار مع الإخوان. كانت واشنطن قبل الثورة تضطر لتفادي الحوار الرسمي مع الجماعة لتفادي إغضاب مبارك:«كان علينا أن نختار بين الحوار مع الإخوان أوالحوار مع مبارك» كما قال سفير أمريكي سابق بالقاهرة للصحيفة. وبتجنب الحوار المعلن مع الإخوان تفادى المسؤولون الأمريكيون انتقادات الرأي العام خاصة من قبل بعض أعضاء الكونجرس وقادة الرأي المعادين للحوار مع إسلاميين. رغم ذلك حافظت واشنطن على شعرة معاوية، مع ملاحظة أن الحكومات الأمريكية لم تضع جماعة الإخوان أبدا فى قائمة الجماعات «الإرهابية» المنشورة على موقع الخارجية الأمريكية.
بعد الإطاحة بمبارك زالت العقبة الأساسية وطرأت على الساحة المصرية تغيرات جذرية، ولأن أمريكا معنية بالحفاظ على نفوذها في مصر وقدرتها على التأثير في مجريات الأمور بها بما يتوافق مع مصالحها ومصالح إسرائيل، بدأت في إعادة توجيه علاقاتها حسب مراكز القوة الجديدة. استمرت العلاقات «العسكرية-العسكرية» (كما تسميها الخارجية الأمريكية) مع الجيش المصري الذي ظل يتلقى 1.3 مليار دولار سنويا من المساعدات الأمريكية لعقود؛ وفي الوقت ذاته بدأت علاقات واشنطن مع الإخوان تأخذ منعطفا جديدا – لقاءات رسمية مباشرة مع الجماعة، ثم مع الرئيس مرسي وفريقه بعد انتخابه، وزيارات متبادلة، وتعاون وثيق حول عدة ملفات محورية كبيرة تخص مصر وجيرانها، تعاون أخذ يتبلور بشكل أوضح مع تولي مرسي الرئاسة: في هذا الصدد كتب أحد أهم كتاب ومحرري الواشنطن بوست ديفيد اجناشيوس، في ديسمبر: «قامت إدارة أوباما بالدور الرئيسي في تمكين مرسي. المسؤولون الأمريكيون ومرسي عملا معا بشكل وثيق في [مجالات] التنمية الاقتصادية والدبلوماسية الإقليمية».
*****
لاختبار مدى صحة وصف اجناشيوس لمرسي على أنه «رجلنا في القاهرة» Our Man in Cairo))، ولفهم طبيعة العلاقات بين مرسي وواشنطن بعيدا عن التكهنات وأجواء المؤامرات، يمكننا تحليل المطالب المعلنة لكل طرف من الآخر، والمصالح المشتركة والمتقاطعة بينهما.
في الطرف المصري يحتاج مرسي لأمريكا بشكل ملح بسبب الأزمة الاقتصادية، فحتى أكثر الرؤى تفاؤلا تؤكد أن الاقتصاد المصري يمر بأزمة محققة،ولذلك منذ تولي مرسي الرئاسة وحكومته تدلي بتصريحات حول قروض ومساعدات مالية تأمل فى الحصول عليها من هذه الدولة أو تلك، وأهم القروض التي يسعي مرسي للحصول عليها هو قرض من صندوق النقد الدولي بقيمة 4.8 مليار دولار. «قد يفتح اتفاق صندوق النقد الباب أمام مساعدات تصل قيمتها إلى 12 مليار دولار من ممولين آخرين مترددين من بينهم البنك الدولي والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول الخليج العربية» حسب تقرير لرويترز، وقد يساهم القرض في طمأنة المستثمرين فيفتح الباب أمام استثمارات أجنبية تسعى مصر لجذبها. ورغم أن «هناك دولة خليجية واحدة قد تكون مستعدة لتقديم المساعدة دون اتفاق صندوق النقد وهي قطر» إلا أنهم «قليلون هم أولئك الذي يعتقدون أن قطر وحدها تستطيع وقف التراجع». ولأن الصندوق يخضع لسيطرة أمريكية بالأساس، فإنه يتحتم على مرسي الحصول على دعم واشنطن من أجل الحصول على قرض الصندوق.
والطرف المصري يتضمن أيضا الجيش الذي يحتاج لاستمرار تلقيه للمعونة التي يعتمد عليها بشكل أساسي في تسليحه. يحرص الجيش أيضا على استمرار تمتعه بالهيمنة على شؤونه المالية والإدارية بمعزل عن المدنيين، فوفق الدستور يتم تعيين وزير الدفاع من بين ضباط الجيش بالضرورة؛ وموازنة الجيش غير خاضعة للرقابة الشعبية والبرلمانية إلا من خلال مجلس الدفاع الوطني الذي يهيمن العسكريون على عضويته. وميزانية الجيش غير مقصورة على التسليح بل تشير تقديرات لأنها تمتد لمصانع أغذية وشركات وأراض وغيرها مما يقدر بثلث الاقتصاد المصري أو أكثر (يتعذر الوصول لمعلومات دقيقة عن ممتلكات الجيش لسريتها).
أما الطرف الأمريكي فهو بدوره يحتاج لمصر بشكل يحتم عليه عدم التفريط في نفوذه بها تحت أي ظرف. وبعد الثورة التي كشفت عن إمكانية تهديد المصالح الأمريكية، حرصت واشنطن على احتواء الأوضاع بالشكل الذي يضمن استمرار التحالف الاستراتيجي بين البلدين ويحفظ النفوذ الأمريكي فى المنطقة. وتتضح أهمية مصر لواشنطن بالنظر لحجم الاستفادة التي حصلت عليها أمريكا من نظام مبارك وجيشه (نظير المعونة): تتلخص تلك الاستفادة في تقرير رسمي لخدمة أبحاث الكونجرس الأمريكي الرسمية - «يقول [المسئولون المصريون] إن مصر تتمسك بإخلاص بالتزاماتها تجاه إسرائيل، ولقد دفعت الأطراف الأخرى فى المنطقة للسعي للسلام. بالإضافة لذلك، فإن الجيش المصري يسهل طلبات الجيش الأمريكي لعبور قناة السويس والتحليق في المجال الجوي المصري، وتخزين المعدات العسكرية الأمريكية في مصر» (تقريرCRS: Egypt Background and US Relations 2008).
بالطبع ترغب أمريكا في الحفاظ على ذلك كله، والسؤال هو كيف، والإجابة يمكن استمدادها من تطور الخطوات الأمريكية تجاه مصر فى العامين السابقين.
*****
لنبدأ من واقعة حديثة أحدثت ضجة كبيرة في الإعلام الأمريكي، عندما سلمت أمريكا لمصر أربع مقاتلات F-16في أوائل فبراير 2013، في إطار دفعة من 20 مقاتلة و200 دبابة أبرامز جار تسليمهم على مدار العام.
عندما طلب السناتور جيمس إنهوف من الخارجية الأمريكية تأجيل تحويل الأسلحة لمصر لحين تأسيس برلمان ديمقراطي والاطمئنان على استقرار الأوضاع بالبلاد، جاءه رد الخارجية في خطاب رسمي في يناير 2013 كالتالي: «مصر حليف استراتيجي ... على مدار الثلاثين عاما الماضية كانت الـ F-16مكونا أساسيا فى علاقات الجيش الأمريكي بالقوات المسلحة المصرية ... الحفاظ على تلك العلاقة هو أحد مصالحنا الأساسية فى المنطقة».
إذا فأمريكا حريصة على استمرار علاقتها الأصيلة مع الجيش المصري. لكن يبدو أنها ترى تلك العلاقة بشكل مستقل عن علاقاتها مع مرسي/ الإخوان؛ يتضح ذلك في ختام نفس الخطاب: «تعطيل أو إلغاء تسليم طائرات الـF-16من شأنه أن يقوض جهودنا في التعامل مع مصالحنا الأمنية الإقليمية وأن يرسل رسائل ضارة ... لقيادة مصر المدنية والعسكرية». وهي هنا تحدثت عن القيادتين المدنية والعسكرية ككيانين منفصلين.
من اللافت في نفس الإطار أن أهم من تصدي لإحدى المحاولات داخل الكونجرس لتعطيل المعونة العسكرية لمصر هي منظمة الإيباك التى تعتبر أهم منظمات اللوبي المؤيد لإسرائيل في أمريكا: عارضت الإيباك مشروعا لتعديلamendment قدمه السيناتور راند بول لمنع تحويل F-16لمصر. يمكن ربط موقف الإيباك الحالي بمذكرة أصدرتها نفس المنظمة في 10 فبراير 2011 ، قبل تنحي مبارك بيوم واحد في ذات اليوم الذي صرح فيه مدير المخابرات الأمريكية بأن مبارك قد يتنحى في اليوم التالي: أوصت الإيباك في مذكرتها آنذاك بأنه على أمريكا «الإصرار على بعض الأهداف التي يجب أن تحققها الحكومة المصرية القادمة»، وهي التزام مصر بالتالي: (1) معاهدة السلام والإبقاء على سيناء منزوعة السلاح وعلى القوات والمراقبين متعددي الجنسيات بقيادة أمريكا؛ (2) تصدير الغاز لإسرائيل؛ (3) سياسة عزل حماس؛ (4) مقاومة مساعي إيران لتوسيع نفوذها اللإقليمي مباشرة أو من خلال حزب الله وحماس؛ (5) مقاومة القاعدة؛ و(6) استمرار فتح قناة السويس للسفن الإسرائيلية المدنية والعسكرية».
*****
ما تحقق من أهداف أمريكا والإيباك:رغم أن مرسي في بداية ولايته أعطي بعض الإشارات على أن سياسة مصر الخارجية ستشهد تغيرات باتجاه استقلالية مصر وتقوية وضعها الدولي – مثل ذهابه لطهران للمشاركة في مؤتمر عدم الانحياز وخطاباته الحماسية الرامية الى أن مصر لن تكون تابعة لأمريكا والقوى الغربية مثلما كان الحال في حكم مبارك، إلا أنه في نهاية المطاف ظل مرسي داخل الفلك الأمريكي ولم تقترب مصر من استقلاليتها بعد. يظهر ذلك إذا نظرنا للقضايا المحورية المتعلقة بسياسة مصر الخارجية في فترة مرسي. فمثلا بالنسبة لغزة: رغم نجاح مرسي في التوسط للوصول لاتفاقية وقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل إبان الاعتداء الإسرائيلي في نوفمبر 2012، مستغلا في ذلك علاقات الإخوان التاريخية والأصيلة بجماعة حماس، إلا أنه أجبر غزة على التوقف عن استخدام إحدى أهم أوراق الضغط لديها ألا وهي إطلاق صواريخها على إسرائيل في الوقت الذي كانت فيه حماس قد فاجأت الكثيرين بقدرتها على إيصال صواريخها لمناطق في قلب إسرائيل لم تكن قد وصلت إليها من قبل، مثل تل أبيب والقدس، ومناطق أخرى أقل تحصينا، مسفرة عن قتل 6 إسرائيليين وإصابة آخرين. بدلا من أن تستغل حماس ما حققته من إنجاز نسبي لمصلحتها ومصلحة شعب غزة، التزمت بوقف إطلاق النار. فتحت مصر للفلسطينيين المعابر لكنها بعد ذلك أغرقت الأنفاق. في هذا الشأن كتب الخبير الأمريكي ستيفن كوك في مجلة فورين بوليسي: «ثبت أن المصريين أكثر صرامة على حماس عما توقعه الكثيرون، فلقد رفضوا طلب المنظمة فتح مكتب لها في القاهرة وأغرقوا الأنقاق ... التي كانت بمثابة خط إمداد حساس لحماس». إتفق محللون أمريكيون وإسرائيليون آخرون مع كوك وكتبوا أيضا عن التنسيق الأمنى والمخابراتي غير المسبوق بين مصر وإسرائيل في سيناء في عهد مرسي.
ما أغفله كوك هو أنه لتحليل سياسة مصر الخارجية في عهد مرسي يجدر النظر للرئاسة والجيش المصري كمؤسستين منفصلتين، لأن الجيش غير خاضع تماما لسيطرة مرسي مثلما تخضع الجيوش للمدنيين المنتخبين في الديمقراطيات. كذلك الحال بالنسبة لعلاقة مرسي بباقي المؤسسات الأمنية التى لا يسيطر عليها الرئيس سيطرة كاملة. نظرة أخري على تفاصيل الأمثلة التي ذكرها كوك تكشف عن أن من أغرق الأنفاق هو الجيش، ومن رفض فتح مكتب لحماس هو الأمن (إن صح الخبر في الزمان العراقية).
*****
يقول مؤيدو مرسي إنه «أسقط حكم العسكر» ثم يعودون ويبررون وقائع مثل إغراق الأنفاق أو التنسيق الأمني مع إسرائيل في سيناء بأنه من فعل الجيش. وعندما تطالب قوى ثورية بإسقاط حكم العسكر أو تطهير الداخلية من قيادات وثقافة قهر المواطنين وتعذيبهم، يخرج مرسي على شعبه مؤيدا للعسكر ومؤكدا على «حمايته للثورة» ومدافعا عن وزارة الداخلية. والظاهر أن بين مرسي وبين تلك الكيانات مناورات مفادها تفاديه إغضابهم مقابل تفاديهم خلخلة كرسيه – وإن صح هذا الافتراض أو خاب، فالواقع أن مرسي تسامح مع المحاكمات العسكرية للمدنيين من أهل القرصاية مثلا (وهو«رئيس لكل المصريين») وتجاهل احتجاج حركة «لا للمحاكمات العسكرية» وغيرها ضد الدستور الذي شرع تلك المحاكمات وحرم الشعب من حقه الديمقراطي في الرقابة على ميزانية قواته المسلحة.
الخلاصة أنه حتى لو أراد مرسي أن يرسم لمصر دورا جديدا في المجتمع الدولي متحديا الهيمنة الأمريكية، فهو لا يستطيع ولن يستطيع أن ينتصر لمصر دوليا قبل أن ينتصر للثورة داخليا. الحكام الذين لا يصارحون شعوبهم داخليا ويحرمونهم من حق تقرير مصائرهم وشؤونهم الداخلية والخارجية لا ينتصرون خارجيا. الحكام المنقسمة شعوبهم داخليا لا ينتصرون لشعوبهم خارجيا – لاسيما حاكما استغل لحظة انقسام فارقة في 23 نوفمبر وخطب لمؤيديه وحدهم أمام الاتحادية.
أحاط مرسي نفسه بقيود ألا وهي اعتماده على القوى الغربية لنشل الاقتصاد من أزمته، ومهادنته للجيش المتحالف مع أمريكا منذ ثلاثة عقود ولأجهزة أمنية صاحبة سمعة سيئة وتاريخ طويل في قهر وتعذيب المصريين، ربما ليضمن بقاءه في كرسيه، وتجاهل مرسي أصوات شعبه. هادن مرسي كيانات داخلية وخارجية لا تعرف غير مصالحها بدلا من أن يوطد جسور الثقة بينه وبين شعبه الذي إن التف حول قائد فلن يخذله. واستغلت أمريكا ذلك لمصلحتها موطدة علاقاتها القديمة بالجيش من خلال المعونة. وتكاد مصر تخسر فرصة تاريخية لتستعيد ما يطلق عليه «مكانتها الدولية».


رد مع اقتباس