اقلام واراء عربي 414
3/6/2013
في هذا الملــــف:
- المشغول الأوحد بالقضية
بقلم: فهمي هويدي عن السبيل الأردنية
- «سلام اقتصادي» لن يجلب سلاما
بقلم: لؤي قدومي عن الوطن القطرية
- خطة كيري الاسرائيلية!
بقلم: عبدالله أبو مازن عن القدس العربي
- الكيد لشعب فلسطين باسم التضامن
بقلم: عبد الاله بلقزيز عن الخليج الاماراتية
- إلغاء “كامب ديفيد” وتحرير الأقصى
بقلم: فايز رشيد عن الخليج الاماراتية
- 30 - مِهلة أشهر قبل حل "السلطة الوطنية"؟
بقلم: سركيس نعوم عن النهار البيروتية
- ردا على رشاد ابو شاور: كيف لك ان تستمرأنا يا رجل؟
بقلم: احمد دغلس عن القدس العربي
- عيون وآذان (درس للإسلاميين العرب)
بقلم: جهاد الخازن عن الحياة اللندنية
- كلمة الرياض: هل تعود أمريكا لاحتلال العراق مرة أخرى؟!
بقلم: يوسف الكويليت عن الرياض السعودية
- من يريد الانتهاء من الكيان السوري؟
بقلم: خيرالله خيرالله عن الراي الكويتية
- رسالة إلى رئيس فقد شرعيته «ارحل»
بقلم: مصطفى بكرى عن الوطن المصرية
المشغول الأوحد بالقضية
بقلم: فهمي هويدي عن السبيل الأردنية
السيد جون كيري وزير الخارجية الأمريكي قلق على الأوضاع الاقتصادية للفلسطينيين، ويعتبر أنّ إسهامه الأبرز في عملية السلام يتمثّل في تحسين أحوالهم من خلال ضخ مبلغ 4 مليارات دولار في الاقتصاد الفلسطيني، في إطار خطة «تعب» عليها هو والسيد توني بلير ممثل الرباعية الدولية، من شأنها تخفيض نسبة البطالة من 22 بالمئة إلى 8 بالمئة فقط وزيادة الناتج المحلي الفلسطيني بنسبة 50 بالمئة خلال 3 سنوات. ولإنعاش الاقتصاد الفلسطيني فإنّه طالب الإسرائيليين بالمصادقة على المشروعات الفلسطينية في المنطقة (ج) الخاضعة للاحتلال، التي منها إقامة مدينة سكنية وأخرى صناعية في الأغوار ومشاريع سياحية على البحر الميت، ومناطق صناعية ومحطات لنقل الوقود والغاز في أنحاء مختلفة من الضفة.
وبقدر ما أنّ كلامه عن الاقتصاد كان واضحا أمام المنتدى الاقتصادي العالمي «دافوس» الذي انعقد في الأسبوع الماضي على ضفاف البحر الميت بالأردن، فإنّ حديثه عن الجانب السياسي كان غامضا وملتبسا، فقد ذكر أنّ الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي مطالبان باتخاذ «قرارات صعبة»، لم يشر إلى طبيعتها، ولكن المصادر الغربية تحدثت عمّا أسمته «مبادرة» من جانبه دعت الطرفين إلى الشروع في التفاوض على الحدود والأمن، ومطالبة «إسرائيل» بعدم طرح أو المصادقة على أيّة عطاءات للبناء في المستوطنات أثناء المفاوضات وإطلاق الأسرى الفلسطينيين المعتقلين منذ ما قبل اتفاق أوسلو. (وهي مقترحات رفضتها «إسرائيل»). وذكرت تلك المصادر أنّ مبادرة كيري تلك ستكون الفرصة الأخيرة لإحلال السلام، ولن يحاول أحد بعده التدخل في العملية.
اللافت للنظر أنّ وزير الخارجية الأمريكي ما إن غادر المنطقة بعد زيارته الرابعة التي قام بها منذ تسلمه منصبه في شباط الماضي (بمعدل زيارة كل شهر)، حتى أعلنت «إسرائيل» عن مشروعين لبناء ألف وحدة سكنية في القدس الشرقية. الأمر الذي اعتبر تحديا علنيا لجهوده واستخفافا بمبادرته. وما كان لـ»إسرائيل» أن تخطو تلك الخطوة لولا أنّها تدرك أنّها في الموقف الأقوى أمام الإدارة الأمريكية، التي أثبتت التجربة أنّها خلال الفترة الثانية من حكم الرئيس أوباما على الأقل لا تملك إستراتيجية واضحة للتعامل مع الشرق الأوسط عموما، والقضية الفلسطينية خصوصا، لأسباب يطول شرحها. بعضها يتعلق بأولوية الشؤون الداخلية الأمريكية والبعض الآخر وثيق الصلة بقوة نفوذ اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة، والبعض الثالث راجع إلى تركيز النظر الأمريكي الخارجي على تنامي قوة الصين ومتغيرات الشرق الأقصى. وهي عوامل أدّت إلى تراجع الاهتمام الأمريكي بالمنطقة وتهميش القضية الفلسطينية.
كما رأيت فإنّ مبادرة «الفرصة الأخيرة» للسيد جون كيري انصبّت على الاقتصاد ولم تتطرّق إلى السياسة إلاّ فى حدود رفع العَتَب وإبراء الذمة. ومن المبالغة القول بأنّ إنعاش الضفة هو الهدف، لأن الهدف الحقيقي هو تسكينها، سواء ببيع وهم الرخاء للفلسطينيين أو بتشديد القبضة الأمنية عليهم، لتجنُّب انطلاق الانتفاضة الثالثة التي ستكون أعنف وأبعد بكثير من الانتفاضتين الأولى والثانية.
تحضرنا في هذا السياق التصريحات التي أدلى بها أخيرا الدكتور حسن خريشة النائب الثاني لرئيس المجلس التشريعي الفلسطيني، وتحدّث فيها عن مصير أموال المساعدات التي تتلقّاها السلطة، وكيف أنّها وجّهت إلى تعزيز الأجهزة الأمنية بحيث أصبح لكل 50 مواطنا رجل أمن يراقبهم، كما أنّها وسّعت من قاعدة المستفيدين من السلطة التي شكّلت 14 حكومة منذ إنشائها في عام 1994، وهذه الحكومات أسفرت عن ظهور جيش مواز ضم نحو 350 وزيرا يتقاضون رواتبهم مدى الحياة، بحيث صار لكل عشرة آلاف فلسطيني وزير، وكانت نتيجة ذلك أنّ المال العام ذهب إلى الأجهزة الأمنية وشرائح النخب وليس لأسر الشهداء والجرحى والفقراء.
قبل أيام سألت الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي الدكتور رمضان شلح «أبو عبد الله» عن رأيه في مدى الاهتمام بالقضية الفلسطينية في ظل المتغيرات الراهنة، فكان ردّه أنّ واحدا فقط من المسؤولين في المنطقة هو الذي لا يزال يركّز في القضية ويعطي كل وقته للتعاطي معها، وهذا الشخص ليس سوى بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي يكرّس كل وقته ويوظّف كل حيله ومناوراته ويستثمر كل فرصة متاحة لتصفية القضية وإحكام إغلاق ملفها ومحو اسم فلسطين من الجغرافيا على الأقل. وربما شجّعه الاسترخاء الحاصل على أن يحاول محوه من التاريخ أيضا.
«سلام اقتصادي» لن يجلب سلاما
بقلم: لؤي قدومي عن الوطن القطرية
يستحق الشعب الفلسطيني بعد أكثر من نصف قرن من الاحتلال وعقب تضحيات غالية قدمها ابناؤه طوال عقود طويلة وشتات فعل فعله بملايين آخرين مشتتين في جميع بقاع الأرض يستحق هذا الشعب أكثر بكثير من مجرد سلام اقتصادي تدفع فيه بعض مليارات الدولارت ويسمح لإسرائيل عبره بتعزيز وجودها على ما تبقى من أراضي الفلسطينيين تحت عناوين الاستثمار المشترك والتعاون الاقتصادي بين الضحية والجلاد.
صحيح ان الفلسطينيين يمرون بظروف اقتصادية خانقة وصحيح ايضا ان السلطة لم تنفك تطلب الدعم من القريب والبعيد كي تتمكن من الوفاء بالتزامتها الأساسية تجاه الشعب المحاصر ولكن الفلسطينيين لم يرفضوا حتما طروحات السلام المشوهة طوال العقدين اللذين تليا توقيع اتفاق أوسلو كي ينتهي بهم المطاف إلى القبول بسلام اقتصادي يحول ما تبقى من أراضيهم إلى مناطق حرة تسيطر عليها إسرائيل وتفرض عليها سيطرتها بحجة ان الطرفين يتعاونان اقتصاديا.
إن السلام المبني على المنافع الاقتصادية فقط لا يمكن ان يكون دائما لان اغلبية الشعب الفلسطيني لا يمكن أن تقبل به تحت أي ظرف من الظروف، ولانه كما يفهم منه يقتضي ان تقوم السلطة في رام الله بتقديم تنازلات كبيرة جدا تتعلق بالسيادة والقدس واللاجئين والمياه وكل شيء آخر مقابل وعود بمشاريع اقتصادية كبيرة تقضي الخطة الجديدة بأن يتم بناء معظمها في المنطقة «ج» التي تخضع للسيطرة الأمنية لجيش الاحتلال الاسرائيلي.
ان أي سلام حقيقي ودائم لا يمكن ان يتحقق الا عندما تشعر غالبية ابناء الشعب الفلسطيني بأنه بات لهم وطن حقيقي يملكون حق الاقامة فيه كما هو الحال مع بقية شعوب الأرض.
فحق العودة مثلا هو حق شخصي لا يمكن التصرف فيه لجميع ابناء الشعب الفلسطيني الذين يملكون وحدهم ان يقرروا ما إذا كانوا يريدون العيش في مجتمعات جديدة أو العودة إلى وطنهم الذي حرموا منه لأكثر من نصف قرن، والحال هو كذلك بالنسبة للقدس التي لا يملك أي كان حرية التصرف فيها خاصة وانها تضم احد أقدس مساجد المسلمين ما يعني أن أي اتفاق لا يعيد السيادة عليه إلى الفلسطينيين لن يساوي الحبر الذي كتب به.
ان ما يريده الفلسطينيون هو أن يفهم العالم بانهم قدموا تنازلا هائلا من حيث حجمه وقيمته عندما قبلوا بأن تقوم دولة اسرائيل على نحو 78 % من الارض التي كانت ملكهم حتى أربعينيات القرن الماضي، ولذلك فان مطالبتهم بتفهم احتياجات إسرائيل الأمنية والاقتصادية والديمغرافية مقابل بضعة مليارات من الاستثمارات لن يسيل لعابهم دون ادنى شك.
الحل واضح وسهل ولكنه زمن الحلول التي يفرضها الأقوياء!
خطة كيري الاسرائيلية!
بقلم: عبدالله أبو مازن عن القدس العربي
تتسرب بعض المعطيات حول ما في جعبة كيري، في جولاته. وأبرز ما تحدث فيه عن السلام الإقتصادي، ووقف الإستيطان ما أمكن، وغير ذلك يحاط بالسرية. فهل كيري يحمل خطة محددة؟ أم أنه إدارة وضع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي؟ وهل الزيارة تهتم فقط بهذا الصراع بمعزل عن ما يدور في ‘المحرقة’ على أرض العرب؟
في تاريخية العلاقة الأمريكية الإسرائيلية، لم تعمل أمريكا ما ترفضه إسرائيل، وأكثر ما في الأمر هو تفهم الخصوصية الإسرائيلية، بل إن كثيراً من اليسار الإسرئيلي تبنى مواقف أفضل من توجهات الإدارة الأمريكية. لهذا لن تقدم أمريكا على أية خطوة، دون موافقة حكومة إسرائيل، وستكون الجولات للوزير الأمريكي تطوع لتحريك المياه الراكدة، فالمياه الساكنة أخطر من الجارية. ففي الجانب الفلسطيني ستتم عملية الضغط من أجل إجراء المفاوضات، مع تقديم الدعم الإقتصادي.
وفي الطرف الآخر محاولة وقف الإستيطان ما أمكن. إن تلك الجولات تحدث حراكاً (بغض النظر عن المراهنة على الزيارات أو التأييد أو التنديد)، يساهم في محاولة عدم دفع الوضع الفلسطيني إلى حافة الإنفجار. إن أي حدوث تغيرات نوعية قادمة في الحالة الفلسطينية، لن تكون كالمرات السابقة (سواء من قوة التحدي الفلسطيني أو من عنف الرد الإسرائيلي)، فالوضع هذا ليس منفصلاً عن مايحدث عربياً (إرتفاع أعداد القتلى بصورة رهيبة)، وسينظر للخسائر البشرية والمادية بنوع من المحاكاة مع الأحداث في المنطقة وخاصة في سورية، وما تجره من ويلات.
وزيارة كيري، أصبحت بحكم الوضع المتأزم، ضرورة لا بد منها. فهي تركز بشكلها الظاهري على الوضع الفلسطيني الإسرائيلي فقط، ولكنها في العمق، هي زيارة ‘ ميدانية ‘ للساحة الحربية، لوزير لا يحمل نياشين الجيش. إن كيري يعلم أن الملف الفلسطيني، هو ضمن الملفات الساخنة الأخرى، وبالتالي سيكون من المفيد أكثر، حله من خلال الحاضنة العربية والإقليمية، وهذه بداية العودة إلى الملف الفلسطيني بحلة جديدة، ومتلازم مع ما يجري عربياً (لإنه في إشتداد الأزمات العربية تم تراجع ترتيب الملف الفلسطيني).
إن التركيز الأخير على المبادرة العربية مع إضافة تبادل الأراضي، تصب في هذا التوجه، فالفلسطينيون هم جزء من الأمة العربية، وبالتالي إن أمكن أن يوافق الفلسطينيون بعد موافقة العرب، سيعطي زخماً أكثر لحل الأزمة، إضافة إلى إبقاء العرب يدورون حول النجم الأمريكي، بعد تراجع مكانة أمريكا عالمياً، وتشكل التحالفات الجديدة. وسيبقى كيري ‘يلعب’ من خلال خطته المزعومة فيوهم العالم بأن خطته مكتملة وجاهزة، والدلالة على ذلك سيقول للمعنيين أن خطته موضوعة في مكان آمن، وعلامة المكان تحت الغيمة!
الكيد لشعب فلسطين باسم التضامن
بقلم: عبد الاله بلقزيز عن الخليج الاماراتية
قبل سنوات خَلَت، ولم تكن “الثورات” العربية قد أمطرت “الربيع العربي” الأعجف بعدُ، أجاب أحد فقهاء اليوم عن سؤال أحد سائليه، في برنامجه التلفزي الديني الأسبوعي، في موضوع زيارة مناطق السلطة الفلسطينية، بما يفيد أن الزيارة غير جائزة لأنها تُسلّم باحتلال “إسرائيل” المناطق الفلسطينية، وتمثّل شكلاً ما من التطبيع، ولو غير المباشر، مع العدو الصهيوني . وكان معروفاً عن هذا الفقيه أنه يعارض، على الأقل في ذلك الحين، “اتفاق أوسلو” سيئ الذكر، وهو ما كان يدفعه باستمرار، في برنامجه التلفزيوني ذاك كما في خطب الجمعة، في البلد الذي يقيم فيه، إلى عدم تفويت أية فرصة للقدْح في مواقف السلطة الفلسطينية، والتشنيع عليها، واتهامها بالتفريط بحقوق الشعب والأمة في أرض لم يكن يكتفي باعتباره إياها أرض شعب فقط، بل ويزيد على ذلك بالقول إنها وقفٌ إسلامي لا سبيل إلى تفويته .
الفقيه هذا زار غزة، والتقى أركان حكومتها من دون أن يبدو عليه أدنى حرج، وكأن غزة ليست من مناطق السلطة! . . وكأن حكومتها ليست من مؤسسات “أوسلو”! وكأنها دولة مستقلة ذات سيادة! وكأن حدودها تخضع لسيادة القوة السياسية التي تدير القطاع! وكان الفقيه الزائر قد مهّد لانقلابه منذ سنوات: حين بدأ يخفّف من نقده ل “اتفاق أوسلو”، في أواسط العقد الماضي، لأن من “بركات” هذا الاتفاق “المشؤوم” أن “حماس” حازت أغلبية في “المجلس التشريعي” وشكلت حكومة (والمجلس والحكومة من المؤسسات التي نص عليها “اتفاق أوسلو”)، فجاز السكوت عليه بالتبِعة! ثم لم يلبث أنْ أتْبَعَ ذلك باختصار الشأن الفلسطيني في غزة منذ استيلاء “حماس” على السلطة فيها بالقوة قبل ثماني سنوات، وخاصة منذ بدأ القطاع يتعرض للعدوان والحصار بدءاً من العام 2009 .
ولقد يكون مفهوماً - من دون أن يكون مشروعاً - أن يَغُضّ الفقيه الطرف عن “اتفاق أوسلو” المشؤوم، ما دامت حركة “حماس” - وهو مرجعها الديني أو الفقهي - قد تصالحت هي نفسها مع ذلك الاتفاق، وقبلت به عمليّاً إطاراً لإدارة الأمور في المناطق المحتلة العام ،67 فدخلت في مؤسساته من “مجلس تشريعي” و”حكومة”، ثم بدأت تنسى ميثاقها وبرنامجها لتحرير الوطن من النهر إلى البحر، لتتحدث عن دولة مستقلة في مناطق ال ،67 وتنسى تراثها عن الكفاح المسلّح أو الجهاد لتقبل اتفاقات الهدنة مع العدو . . إلخ . كما قد يكون مفهوماً - ومرة أخرى من دون أن يكون مشروعاً- أن ينصرف الفقيه إلى نصرة غزة لا الضفة الغربية، لأن في الأولى سلطة تعجبه وفي الثانية سلطة لا تعجبه . غير أن العَصِي على الفهم أن يزور غزة بينما فلسطين كلها تحت الاحتلال، وفتاوى فضيلته مازالت ترنّ في الآذان، كما لو أن الدين يحلّل ما يُحِلّه الفقيه، ويحرّم ما تُحرّمه فضيلته لا العكس .
والحق أن هذه المشكلة ليست مشكلة الشيخ الداعية فحسب، فليس هو أول من زار غزة ولن يكون الأخير قطعاً، لكنّه وفّر غطاء فقهياً وشرعية أخلاقية لكل من يريدون الإساءة إلى قضية فلسطين بدعوى نصرة شعبها ومؤازرة مؤسساته “الوطنية” . وظنّي أن زيارة غزة في جملة ما يُساء به، اليوم، إلى قضية فلسطين وشعبها . وليس ذلك لأن غزة لا تستحق التضامن - معاذ الله- ولكن التضامن الذي تحتاج إليه غزة هو التضامن مع كل فلسطين لا مع بعض فلسطين . إنها تحتاج إلى تضامن كامل وشامل لا إلى تضامنٍ انتقائي وفئوي يُغلّب الزبونية والحزبية على المصلحة العامة للشعب الفلسطيني . والتضامن هذا لا يمكن أن يكون في موقع من فلسطين دون آخر، وخاصة حينما تتواجه المواقع والشرعيات فيها: كما هي متواجهة اليوم، بل منذ سنين خَلَت، ومقصِدُنا من هذا إلى القول، إنّ فكرة التضامن ينبغي أن تكون مجردة من أي غرض حزبي أو فئوي حتى تليق بها صفة التضامن، وإلا فهي مُغْرِضة لا يُبْتَغى بها وجهُ الله ولا نصرةُ قضيةٍ ولا يخزنون، فضلاً عن أن للتضامن أشكالاً عدة أَفْعَلَ وأثمرَ من زياراتٍ على شرعيتها خلاف .
ورب “تضامنٍ” يكون فتنةً أو وقودَ فتنة . وأحسب أن زيارة الفقيه وأضرابه هي من هذا القبيل، إذ من نافلة القول أن بين حكام غزة وحكام الضفة شنآناً وتباغضاً منذ زمن، وأن الانقسام في جسم الحركة السياسية الفصائلية سرى مفعولاً، في المجتمع الفلسطيني، فبات انقساماً اجتماعياً وجغرافياً ومؤسسياً، وأن أي “متضامن” عربي أو مسلم يمحض فريقاً بعينه الولاء، وينفحه دعماً وتأييداً، إنما يكرّس الانقسام ذاك حتى لو لم يقصد، وأن أَجَل خدمة قد يسديها “المتضامنون” أن لا يمارسوا، اليوم، هذا النوع المغرض والمسموم من “التضامن”، مكتفين بالدعوة إلى وحدة شعب فلسطين وأرضه ومؤسساته، وبالعمل الصادق على تيسير أسبابها . أما إذا كان “لا بد” من الزيارات، فليزر الزائرون غزة والضفة معاً حتى ترتفع شبهة الاغْتراض عن زياراتهم،فَيُنْظَرَ إليها كفعل سياسي متوازن ومصروف لخدمة قضية شعب برمته .
بقي أن ننبه إلى أمر لا يخلو الإعراض عن رؤيته من دلالة: إن تجنّب زوار غزة الذهاب إلى الضفة الغربية لا يعبر عن انحياز إلى الحركة السياسية التي تسيطر على القطاع فحسب، بل تعبر عن موقف سلبي من مؤسسات الشعب الفلسطيني ومرجعيات الشرعية . نعم في رام الله حكومة غير شرعية وغير دستورية كالتي توجد في غزة، فهما معاً فُرِضَتا بالقوة: القوة السياسية في رام الله، والقوة العسكرية في غزة . غير أن الفارق يكمن في أن الضفة الغربية مقر مرجعيتين: مرجعية ثورية تمثيلية جامعة اسمها منظمة التحرير، ومرجعية سياسية عامة اسمها السلطة الفلسطينية . إن “فتح” مجرد فريق سياسي في المرجعيتين وإن كان الأقوى . أما في غزة ف “حماس” لا تمثل إلا جمهورها الحزبي، ولا تملك أن تتحدث باسم الشعب الفلسطيني إلا من خلال أطره الشرعية، ومن يخاطبونها بصفتها ممثلاً للشعب، يقترفون جرماً في حق هذا الشعب .
إلغاء “كامب ديفيد” وتحرير الأقصى
بقلم: فايز رشيد عن الخليج الاماراتية
دعا رئيس الحكومة المقالة إسماعيل هنية في غزة، مصر إلى إلغاء اتفاقية “كامب ديفيد” . جاء ذلك في خطبة الجمعة (24 مايو/أيار) التي ألقاها في أحد مساجد غزة! من ناحية ثانية، توقع الشيخ عبدالرحمن البر مفتي الإخوان المسلمين في مصر، وعضو مكتب الإرشاد في الجماعة الذي أعدّه حزب “الحرية والعدالة” ليكون مفتياً للديار المصرية وشيخاً للجامع الأزهر بعد شغور هذا الموقع، تحرير الأقصى على يدي محمد مرسي . معروف عن الشيخ البر أنه صاحب الفتوى الشهيرة التي تحّرم على المسلمين تهئنة الأقباط بأعيادهم . فتواه الأخيرة هذه أثارت ضجة كبيرة حينها في مصر والعالم العربي على حد سواء . الشيخ البر قال في درس ديني له في بني سويف “لقد قمنا بتحرير جنودنا وسنقوم بتحرير الأقصى” . ويذهب البر بعيداً في تفسيره لتحرير ثالث الحرمين الشريفين ويقول إن عرّافاً يهودياً تنبأ في عهد عبدالناصر بأنه سيتعاقب على مصر من بعده ثلاثة رؤساء باسم محمد، وأن محمد الثالث سيقوم بتحرير المسجد الأقصى . المقصود بالقول الرئيس محمد مرسي الذي جاء بعد محمد أنور السادات ومحمد حسني مبارك .
بداية، من الصعب التكهن بالدوافع التي كانت خلف دعوة هنية مصر إلى إلغاء اتفاقية “كامب ديفيد”، في الوقت الذي يدرك فيه تماماً أن الرئيس مرسي أعلن أكثر من مرّة التزام مصر بكل الاتفاقيات الدولية التي وقعتها بما يعني ضمنياً، أن الرئيس المصري يعلن تمسكه بهذه الاتفاقية المشؤومة . يعرف أيضاً نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس أن الاتفاقيات الموقعة بين حزب الحرية والعدالة والأوساط الأمريكية التي تحدثت عنها مصادر كثيرة، وبموجبها أنه لا تعارض الولايات المتحدة صعود الإخوان المسلمين إلى الحكم في مصر وتونس، مقابل ضمان علاقات جيدة لمصر مع الولايات المتحدة والدول الغربية، والمحافظة على اتفاقية “كامب ديفيد” مع الكيان الصهيوني .
على صعيد آخر، فإن المسلكية السياسية للرئيس المصري ممثل حزب الحرية والعدالة الذي مضى على تسلمه منصبه قرابة العام، لا تشي فقط باستحالة إلغاء مصر للاتفاقية المذكورة، وبالمعنى العملي، مارست مصر في عهد الإخوان المسلمين كل السياسات التي انتهجها الرئيس السابق حسني مبارك، بل زادت عليها مخاطبة مرسي لبيريز “بالصديق العزيز والتمنيات ل”إسرائيل” ولشعبها بالمزيد من التقدم”، وإنما أيضاً مارست مصر دور الوساطة بين “إسرائيل” وحركة “حماس” في أثناء العدوان الصهيوني الأخير (نوفمبر/تشرين الثاني الماضي) على القطاع . وكانت حصيلة الوساطة قبول حماس بهدنة طويلة الأمد مع الكيان الصهيوني مقابل ضمان مصري بعدم إمداد غزة بالسلاح .
من ناحية ثانية: كيف يطلب هنية من مصر إلغاء الاتفاقية، في الوقت الذي تعقد فيه حماس مع “إسرائيل” هدنة طويلة الأمد، وتقوم بملاحقة كل من يثبت أنه أطلق طلقة باتجاه الكيان الصهيوني؟ الأولى أن تقوم “حماس” بإلغاء الهدنة والعودة إلى المقاومة المسلحة، ومن ثم تطالب مصر بإلغاء اتفاقية “كامب ديفيد” . لعله ليس جديداً القول إن حركة “حماس” هي جزء تنظيمي من جماعة الإخوان المسلمين وملتزمة بكل السياسات التي تقررها قيادة الجماعة .
لقد سبق لأحمد يوسف، أحد قيادات “حماس” في غزة وأحد الناطقين الرسميين باسمها، أن أعلن في تصريح له منذ أشهر “أن رفع أوروبا والولايات المتحدة لاسم “حماس” من قائمة الإرهاب هي مسألة وقت ليس إلاّ” . كما أشار إلى ضغوط تمارسها جماعة الإخوان المسلمين على الأطراف المعنية لتنفيذ هذه القضية . يوسف يومها استغرب التأييد والتفاهم مع الجماعات الإسلامية في كل من مصر وتونس وغيرهما الذي تبديه الأوساط الغربية، في الوقت الذي تضع فيه “حماس” على “قائمة الإرهاب” مع العلم وفقاً ليوسف: “أنها من صلب جماعة الإخوان المسلمين” .
بالنسبة إلى تحريم تهنئة الأقباط في أعيادهم من قبل المسلمين، فغريب على عالم دين أن يفتي بذلك في الوقت الذي نعرف فيه من تاريخنا الإسلامي أن الإسلام يدعو إلى امتلاك أفضل العلاقات مع المسيحيين، وأن الخليفة العادل عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، زار كنيسة القيامة عندما زار القدس، ورفض أن يصلي فيها خوفاً من مطالبة المسلمين في ما بعد، بإقامة مسجد في مكانها، لأن الخليفة صلّى هناك . الخليفة عمر بعث إلى واليه في مصر ليرد قطعة أرض إلى يهودي، قدم له شكوى من مصادرتها من قبل الوالي من أجل بناء مسجد، يومها بعث الفاروق إلى الوالي وأمره برد قطعة الأرض إلى صاحبها، وذكر مقولته المشهورة “يعوجّ المسجد ولا يعوجّ الحق” . هذا هو الإسلام الذي تعلمناه والذي نعرفه، فكيف تحريم التهنئة من مصريين مسلمين لإخوانهم أبناء بلدهم من المسيحيين؟ ولم نسمع عن مثل هذا التحريم في التاريخ الإسلامي مطلقاً . أيضاً، يدرك الشيخ البر أن الاعتماد على حُلم هو تفسير مبسط وعاجز عن إمكان وقوع الحدث الذي جرى الحلم به . الأحلام وفق ما يقول العلم: هي أحداث مسكونة في لا وعي الإنسان تسيطر على عقله أثناء النوم .
لذلك لا يمكن المراهنة على إمكان تحقيق الحلم . ثم أين هي المقدمات التي تؤشر إلى الإمكانية القريب لتحرير مرسي الأقصى؟ على العكس من هذا، فإن واقع الأحداث تؤشر إلى تمسك مصر بالوضع القائم والدليل ما أعلنته الأنباء عن إمكان ترتيب الرئيس المصري محمد مرسي لقاء بين رئيس السلطة محمود عباس مع رئيس دولة الكيان شيمون بيريز في القاهرة لبحث عملية السلام . يجيء هذا بعد لقائهما المشترك في البحر الميت على هامش مؤتمر منتدى دافوس الاقتصادي وبحضور العاهل الأردني، وبرعاية وزير الخارجية الأمريكي جون كيري . من يستعد لعقد لقاء مثل هذا لا ينوي تحرير الأقصى، فهو قد فك ارتباطه وارتباط مصر بقضية فلسطين منذ توقيع الاتفاقية وفي وقت سريانها أيضاً، والدليل هو طبيعة الأحداث التي رافقت تسلم مرسي والإخوان السلطة في مصر . من يريد تحرير الأقصى لا يرفع علم الكيان في وسط عاصمته، ويقوم بالضرورة بإلغاء الاتفاقية المبرمة مع هذا العدو .
30 - مِهلة أشهر قبل حل "السلطة الوطنية"؟
بقلم: سركيس نعوم عن النهار البيروتية
أجاب الباحث اليهودي الاميركي نفسه، وهو مؤسس مركز أبحاث خارج واشنطن وناقد لنتنياهو واليمين الاسرائيلي ومؤمن بحل الدولتين عن سؤالي: ماذا يستطيع اوباما الثاني ان يفعل؟ وهل سيفعله؟ قال: "كان هناك أمل في أن يفرض اوباما الأول رؤيته الى الحل. لكنه لم يفعل ولن يفعل. هناك أمر يمكنه فعله لأنه الوحيد الذي يؤمِّن مصلحة الفلسطينيين لكنه يهدد مصلحة اسرائيل على المدى الطويل. وهو حلّ السلطة الوطنية الفلسطينية، وتصرُّف الفلسطينيين على اساس انهم مواطنون في دولة (اسرائيل) يناضلون من أجل نيل حقوقهم جراء معاملة إسرائيل لهم كمواطنين من درجة ثانية.
ولا تستطيع اسرائيل أن تنفي مواطنيتهم لأنها تعتبر الضفة الغربية جزءاً من أرضها. كافح الفلسطينيون عقوداً، حققوا انجازات وكذلك أخفقوا. عليهم الآن اختيار طريق مختلف في ظل الوضع الدولي المعروف والأوضاع الاقليمية الصعبة. يجب ان ينسوا حل الدولتين والاتفاقات السابقة. هذه لن تحقق لهم شيئاً. وبموقف كالذي اقترحه على الفلسطينيين تصبح اسرائيل دولة تمييز عنصري، وتنعزل دولياً مثلما حصل لجنوب افريقيا قبل عقود.
ويوم يصل الفلسطينيون الى حقوقهم أو حتى ان لم يحصلوا عليها، تصبح يهودية دولة اسرائيل مهدَّدة بسبب التفوق الديموغرافي الفلسطيني. فهل نتنياهو مستعد لمقايضة يهودية الدولة بالاعتراف بحق الفلسطينيين في دولة مستقلة وبمساعدته لقيامها؟ إنه طبعاً لا يستطيع ولا يتجرأ على التخلي عن يهودية الدولة".
أضاف الباحث اليهودي الاميركي: "زرت الضفة الغربية أكثر من مرة وطرحت الأمر على رئيس السلطة الوطنية محمود عباس وآخرين. وقلت له: "عليك ان تتخذ موقفاً نهائياً تقول فيه أعطيكم (اسرائيل واميركا) مهلة ستة أشهر لتقرروا معاودة مفاوضات السلام وعلى اساس حدود 1967. ولا ندخل في قضايا الحل النهائي. فقط ذلك، واطلُب من أميركا ان تقنع اسرائيل بالموافقة على ذلك، أو أن تعلن هي استئناف التفاوض بموافقة اسرائيل.
واذا لم يحصل ذلك فأبلغ اليهم انك ستحل السلطة الوطنية الفلسطينية". طبعاً هذه الفكرة واردة عند عباس ولكن ليس بقوة وكذلك عند ياسر عبد ربه. وواردة عند قيادات في "السلطة" و"فتح" وغير واردة عند آخرين. هناك مصالح. وهناك حوالى مئة الى مئة وخمسين الف موظف فلسطيني يحتاجون الى رواتب والى اعمال. قلت لعباس ايضاً: "انكم ضحيتم كثيراً، ولا بد من متابعة التضحية اذا اردتم الحصول على حقوقكم".
على كل حال التقيت في الضفة جيل شباب لم يعد يؤمن بحل الدولتين بل بالحقوق المتساوية مع الاسرائيليين وبالعمل الجاد للحصول عليها. ولا بد من تحوّل شعبي وداخل الفصائل والمنظمات الفلسطينية ومن نقاش جدي ومستفيض حول هذا الموضوع". وتابع الباحث اليهودي الاميركي نفسه: "اجتمع اوباما في اثناء زيارته للضفة الغربية بمجموعة من هؤلاء الشباب خارج مدينة القدس. ولم يُعلَن عن الاجتماع وسمع منهم كلاماً مشابها. أما الشباب الاسرائيلي الذي اجتمع معهم اوباما فقد تم اختيارهم عمداً من جامعة اسرائيلية وكانوا "يساريين". ولذلك صفقوا له عندما تكلم على حل الدولتين. طبعاً فُسَّر ذلك داخل اميركا على انه تأكيد لوجود التزام اميركي بهذا الحل ولتجاوب نتنياهو معه. وذلك ليس صحيحاً".
سألتُ: ماذا عن "حماس"؟ هل التقيت احداً من قادتها كما فعلت سابقاً؟ أجاب: "كلا. آخر مرة التقيت احداً منهم كانت منذ سنة تقريباً. وقتها التقيت خالد مشعل. طرحت اقتراحي المفصل أعلاه عليه. فكان جوابه انه ربما كان معقولاً، لكن "حماس" كحركة مقاومة سياسية وشعبية لا تستطيع تبنيه لأن ذلك يكون بمثابة انتحار لها. اما بالنسبة الى حل الدولتين فقد أكد مشعل في حينه ان "حماس" ستوقف عملياتها العسكرية فور الاتفاق على هذا الحل ومباشرة تنفيذه".
سألتُ: ماذا عن وزير خارجية اميركا جون كيري واجتماعاته السبعة أو الثمانية مع الرئيس بشار الاسد؟ لقد سمعنا معلومات دقيقة انه اصيب بخيبة منه. اجاب: "لا اعرف عن هذا الموضوع شيئاً". سألت: هل تعتقد ان اسرائيل قد توجه ضربة عسكرية الى سوريا ولبنان أو قد تُستدرج الى توجيه ضربة كهذه؟ أجاب: "لا أملك معلومات. ولكن بالتحليل أقول ان نتنياهو لا يريد التورط في حرب الآن. هو يهتم بالأسلحة الكيماوية السورية وأمكنة تخزينها وعدم انتقالها الى "القاعدة" وأشباهها والى "حزب الله".
ماذا عن ايران؟ سألت.
ردا على رشاد ابو شاور: كيف لك ان تستمرأنا يا رجل؟
بقلم: احمد دغلس عن القدس العربي
في مقال نشر في ‘القدس العربي’ اللندنية هذا الاسبوع، تحت عنوان ‘في شهر ايار التقينا.. بكينا وتمنينا’ يكتب الكاتب الفلسطيني – الذي نكن له الإحترام والتقدير – التالي ‘في الأيام التي قضيتها في فيينا التقيت بكثيرين من الجاليات العربية، و..الفلسطينية، ولمست بحزن وأسى الشروخ في الجالية الفلسطينية، وهي من صنع فلسطينيين اعتادوا واستمرأوا (الهيمنة)، وما عادت تعنيهم آلام شعبنا، ومتاهات قضيتنا’. إنتهى الإقتباس.
السيد الكاتب الأستاذ رشاد ابو شاور.. انك تعلن وتكتب عن من يقوم على الجالية الفلسطينية في النمسا، هذا الإتهام غير المبرر، الذي لا يصدر عن معرفة وانتم الملمون بأهلنا ووطنا وشعبنا وأنتم تحيطون بكل صغيرة وكبيرة، فكيف بالله عليك سيدي الكاتب الذي نتمتع بقراءة افكاره ان يقدم على هذه التهمة دون ان يكون بيده الدليل، وكيف يتهم فلسطينيين يقومون على العمل، وممن مولوا بسخاء مؤتمر الجاليات الفلسطينية في النمسا، الذي حضرته شخصيا في فيينا! أليس هذا اتهام بحق من قام وعمل وشارك بالمال واللوجستك والإقامة بالفندق عندما تحكم عليه الآن وبعد قدومك لفيينا ثانية بوصفهم بالمستمرئ والمهيمن وما عادت تعنيهم آلام شعبنا ومتاهات قضيتنا ّّ !!
عجبا الأخ رشاد ابو شاور الذي نتمنى عليه الحكمة ونتمنى عليه الإعتذار الواضح عن هذه الكلمات المسيئة، ولهذا النعت اللا وطني الذي يحمل في طياته الكثير من الجهل والتعصب وعدم الوقوف على حقيقة الأمور وإن كانت.. هل سمعت الطرف المستمرئ؟ وهل عرفت ماذا تعني ومن تعني؟ اشخاصا وعائلات فلسطينية ملتزمة وطنية؟ وهل عرفت الحقيقة لتحكم هذا الحكم اللا وطني على مناضلين شرفاء إستقبلوك برحابة حتى آخر شخص في الجالية الفلسطينية في النمسا؟!
لقد تعودنا على مثل هذه الأهازيج التي يصدح منها الظالم، معلوم بغيرالمعلوم عند الطرف الآخر.. معلومات لا تمت للحقيقة وإن كانت الحقيقة فحقك يا سيدي الكاتب ان تكتب وتعلن اكثر وبما تشاء.. لكن ليس من حقك ان تعمم التهمة لمن يناضل ويدفع من جيبه الخاص على مدار عشرات السنين ليأتي واش يوشي لكاتب.. الذي بدوره يشوه الحقيقة دون معرفة الطرف الآخر؟ وهو الكاتب الذي يدافع ومن رواد الحقيقة التي نقرؤها في ما يقول ويكتب بالفلسطيني .
اهلا وسهلا إن كنتم تريدون الحقيقة فإننا مستعدون مرة اخرى لتقف على الرأي الآخر وبعدها كن كما تريد ان تكون.. فهذا حقك الشخصي الذي لا يتطاول عليه احد، كما هو حقنا الذي لا نسمح ان ينال منه احد، ولو كان من كاتب معروف هو رشاد ابو شاور او من غيره.
عيون وآذان (درس للإسلاميين العرب)
بقلم: جهاد الخازن عن الحياة اللندنية
تركيا اليوم تعطي دروساً للحكام من الإسلاميين العرب الذين ينامون على حرير الغفلة.
قبل أسبوعين كنت مع زملاء عرب في تركيا، زرت أنقرة وإسطنبول، وسمعت أركان الحكم يتحدثون عن سياسة حزب «العدالة والتنمية» وطموحاته. كان رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان يمشي ملكاً.
اليوم يمشي أردوغان قلقاً، وربما يصلي صلاة الخوف، فقد انفجرت في وجه حكمه تظاهرات شعبية في إسطنبول وأنقرة وأزمير وبودروم وغيرها.
أريد قبل أن أكمل أن أسجل أن الحزب الحاكم في تركيا فاز ثلاث مرات بانتخابات نزيهة، وحقق إنجازاً غير مسبوق في عشر سنوات شهدت نمو الاقتصاد مئة في المئة، وزيادة دخل الفرد من ثلاثة آلاف دولار في السنة إلى 11 ألف دولار، فتركيا تنعم بفورة اقتصادية استفاد منها الشعب كله، وهي نجت من آثار الأزمة الاقتصادية العالمية.
كل ما سبق لم يشفع لأردوغان وحزبه، فالحكومة وافقت على هدم حديقة غازي قرب ميدان تقسيم في قلب إسطنبول لبناء مجمع تجاري، واحتج على ذلك أنصار البيئة، فاعتصموا وتظاهروا، وكان أن ردت عليهم الحكومة بعنف غير مبرر، فاستخدمت الشرطة قنابل الغاز المسيل للدموع ومدافع الماء، وكان أن انتشرت الاحتجاجات كالنار في الهشيم، وضاعت إنجازات حزب «العدالة والتنمية» إزاء ما رأى المتظاهرون انه حكم فردي (لم يقل أحد إنه ديكتاتوري) يتخذ قراراته في غرف مغلقة ولا يستشير الناس.
الآن أقارن مع حكم الإخوان المسلمين في مصر، والرئيس محمد مرسي يحتفل هذا الشهر بمرور سنة على رئاسته.
الإسلاميون في مصر لم يحققوا شيئاً على الإطلاق من وعودهم، وإنما فعلوا ما هو أسوأ، فكل مشكلة حقيقية أو وهمية ورثوها عن حكم حسني مبارك صارت أسوأ، وأكتفي بالاقتصاد والأمن مثلين صارخين على الفشل، وبعض أهم قرارات الرئيس أَعلنت المحاكم عدم قانونيتها، والنظام في حرب مكشوفة مع القضاء ويحاول «أخونته»، مع البلاد كلها.
الحزب التركي الذي حقق معجزة يثور عليه الناس لسبب تافه، والحزب الذي لم يحقق شيئاً ماضٍ في طريق تحدي نصف الشعب الذي لم ينتخبه، وتحدي القضاء معه.
هل تفهم الجماعة في مصر أو تونس أو ليبيا معنى الدرس التركي؟
توقفت أمام مقارنات، فالنائب عن حزب «العدالة والتنمية» سيري أونال قال على «تويتر» بعد استعمال الشرطة الغاز ضد المتظاهرين، إن بعض الناس بحاجة إلى غاز، وهو ذكرني بنجم «الحزب الوطني» في مصر أحمد عز، الذي فاخر بالانتصار في الانتخابات البرلمانية المزورة في مصر سنة 2010. والبرلمان الذي يسيطر عليه حزب «العدالة والتنمية» في تركيا أصدر قانوناً يحد من بيع الخمر وتعاطيه في البارات، وهذا مع العلم أن 83 في المئة من الأتراك لا يتعاطون الخمر أصلاً، وان استهلاكه هو الأقل في أوروبا كلها، ويبقى على قلته مبالغاً فيه جداً، لأن الأرقام تشمل ما يشرب السياح الأجانب في تركيا من خمر. وهذا يذكرني بتكسير متاجر بيع الكحول والبارات في تونس حيث السائح الفرنسي أو الألماني أو الإيطالي سيفكر مرتين قبل زيارة بلد لا يستطيع أن يشرب فيه النبيذ مع طعامه. ربنا يحاسب هذا السائح، لا السلفيون التونسيون.
أهم من كل ما سبق، درس الجيش، فالحكومة التركية استعانت بقوات عسكرية لمساندة الشرطة ضد المتظاهرين، وقرأت ان الجيش لم يساعد الشرطة وإنما أبدى تعاطفاً مع المتظاهرين.
هل ينتظر الجيش في هذا البلد العربي أو ذاك أن يصل فشل الإسلاميين في الحكم حداً يرحب معه الشعب بانقلاب عسكري لإنقاذ البلاد من «منقذيها».
رجب طيب أردوغان ذكرني ببعض الحكام العرب في كل بلد وهو يصف التظاهرات بأنها «مؤامرة». لا مؤامرة في تركيا أو بلادنا، وإنما حراك شعبي، غير أن أردوغان يظل أذكى من الذين ابتلينا بهم، فهو اعترف بأن الشرطة استعملت عنفاً غير مبرر ضد المتظاهرين، ولم يقل ان المتظاهرين اعتدوا على الشرطة، كما انه لم يتهم الميديا بالمبالغة في تغطية التظاهرات، وإنما حاول استمالتها إلى جانبه، كما انه لم يهاجم القضاء ولا يمكن أن يفعل.
إذا كان الناجح التركي يواجه تحديات لحكمه، فماذا يواجه الفاشلون العرب؟ لا أعتقد انهم يعون أهمية الدرس التركي، فلو أن عندهم الوعي ما فشلوا إلى هذه الدرجة المخزية، وأراهم سيدفعون الثمن.
كلمة الرياض: هل تعود أمريكا لاحتلال العراق مرة أخرى؟!
بقلم: يوسف الكويليت عن الرياض السعودية
بخلاف ما يجري في سورية من اقتتال، وتورط عراقي في شأنه تم قتل ألف وسبع مئة وتسعة وسبعين مواطناً عراقياً خلال شهر مايو، وفيما الجدل يدور بين الفرقاء ومساعٍ من الحكم لوقف حالات التنافر، والاتجاه للتهدئة، والوعود باتفاقات تنهي حالات التدهور الأمني، فإن النوايا لا تزال غير واضحة، وحيث إن المالكي برع في المماطلة واتهام الخصوم وإبعادهم أو التسبب في قتلهم، فإن الاتجاه لا يزال سرابياً غير واضح، ومعه يقين بأن الأمور لا تتجه للمصالحة طالما احتكار السلطة يبقى بيد المالكي وطائفته..
الحلول العراقية ليست مستحيلة لو كانت هناك إرادة ترى في كل مواطن أن له حقاً متساوياً مع الآخر، إلاّ أن آثار السنين وعقدة أن السلطة ما بعد الاستقلال آلت للسنة وحدهم هي أمر لم يكن بحساسية اليوم عندما كانت العشائر الشيعية والسنية ذات الأغلبية هي من أرادت حكم السنة، ولم يكن هناك مُشكل للانتماء الطائفي آنذاك، وكان السبب الأساسي هو تجنب الشيعة للحكم حتى عودة الإمام المنتظر كعقد تاريخي في الإبقاء على هذه المسلّمات.
المشكل التاريخي أعاد سيرة الصراع بين المذاهب في العراق، ولعل وصول الخميني للحكم أعطى الطائفة بعداً سياسياً أشمل، خاصة وأن المخرج للوصول إلى الحكم جاء من الخميني بولاية الفقيه فحل عقدة الابتعاد عن السلطة، لكن إيران تختلف عن العراق بأن المرجعية تحولت إلى قوة هائلة، ألغت معها مرجعية النجف ما أضعف نفوذها التقليدي، وهنا صار العراق مجرد ولاية لإيران في عهد المالكي، وهو ما أثار حتى الشيعة ما تسبب في اضطراب أمني غير مسبوق عندما تم إلغاء المرجعية والسلطة معاً.
قبل أيام وصل مبعوث أمريكي لبغداد، وقد صرح بشكل غير قابل للتأويل بأنه إذا لم يتم حل سياسي يجمع كل الأطياف، فالبديل هو عودةٌ للاحتلال الأمريكي تحت البند السابع من الاتفاقية بين البلدين التي تنص «على دعمٍ أمريكي للعراق في حال تعرضه لعدوان خارجي، أو اضطرابات داخلية» بمعنى أن الكشف الجديد لهذه الاتفاقية ربما هو ما قاد الفرقاء إلى رؤية الإنذار بأنه حقيقي، وبالتالي جعل المالكي أكثر تراجعاً عن صلفه واتجاهه بتهميش القوى الأخرى لحلم دولة المذهب التي يقودها..
المتفائلون لا يرون في الأفق ضوءاً ما لأن تركيبة السلطة واتكاءها على إيران، ومحاولة عزل الفئات الأخرى تحت مفاهيم دستورية، أو حجج أمنية، وإحاطة الرئاسة بالمنتفعين والأزلام، أبقت الأمر في مهب العواصف، ولذلك بدأت يد الحكم تتراخى أمام تزايد عمليات العنف والتفجيرات شبه اليومية، وهي التي كشفت عن ضعف الأجهزة الأمنية، وربما فسادها وعدم ولائها، وعملياً فمن يعتقد أن أمريكا خرجت للابتعاد عن أزمات العراق يجهل كيف أنها بنت أكبر سفارة لها في العالم الخارجي في بغداد، وأن الغزو أساساً، جاء وفق سيناريو المصالح الاقتصادية والسياسية، وأن الاتفاقية المقيدة للنظام، لا تضعه صاحب السلطة الدائمة، ولعل نطقها الواضح يجرّد العراق من سيادته الحقيقية، وعلى هذا الأساس جاء الإنذار الذي ربما يقلب السحر على الساحر، في حال نفذت وعدها بالعودة للعراق كمحتل جديد.
من يريد الانتهاء من الكيان السوري؟
بقلم: خيرالله خيرالله عن الراي الكويتية
ليس مهمّا انعقاد مؤتر جنيف 2. المهمّ أكثر موازين القوى التي سينعقد في ظلها هذا المؤتمر. نتائج المؤتمر ستحدد مستقبل سورية التي هي حاليا بين خيارين لا ثالث لهما. يتمثّل الخيار الاوّل في استمرار الحرب التي يخوضها نظام في مواجهة مع شعبه. وهذا يعني في طبيعة الحال بلوغ وضع لا يعود امام سورية سوى التفكك. أمّا الخيار الثاني، فيتمثّل في ايجاد صيغة لحلّ سياسي يرحل بموجبه بشّار الاسد عن السلطة في أسرع وقت وتشكّل في الوقت ذاته حكومة انتقالية تسعى الى نقل سورية الى مستقبل أفضل.
يفترض في هذه الحكومة أن تمثّل كل فئات الشعب السوري وأن تمتلك كلّ الصلاحيات التي تسمح لها بوضع الاسس لسورية جديدة على علاقة بما يدور في العالم والمنطقة. اي سورية ديموقراطية فيها مجتمع مدني وتجري فيها انتخابات ولا تحكمها احزاب شمولية من نوع الاخوان المسلمين وما شابه ذلك من بعث تحوّل الى نظام عائلي لا علاقة له من قريب أو بعيد سوى بالاجهزة الامنية التي تسيطر على كلّ مفاصل الدولة.
سورية الحديثة، كما يجب أن تكون، هي دولة موحّدة بعيدة كلّ البعد عن حكم الاجهزة الامنية وعن حلف الاقليات الذي تشجّع عليه ايران التي تخدم من حيث تدري أو لا تدري التوجه الاسرائيلي.
يمثّل الخيار الثاني، الذي يبدأ برحيل رمز النظام، الأمل. لا أمل لسورية الموحدة الاّ اذا رحل النظام الطائفي الذي تحوّل في السنوات الثلاث عشرة الاخيرة الى نظام عائلي لا همّ له سوى نهب خيرات البلد واذلال شعبه باسم «المقاومة» و«الممانعة».
و«المقاومة» و«الممانعة» هما في نهاية المطاف الغطاء المستخدم منذ ما يزيد على نصف قرن، أيّ منذ ما قبل وصول البعث الى السلطة في العام 1963 من أجل حماية نظام، يهرب دائما الى الخارج السوري، ويقوم على الغاء ارادة الشعب وتطلعه الى مستقبل أفضل.
ما نشهده حاليا محاولة ايرانية- روسية لفرض أمر واقع قبل انعقاد مؤتمر جنيف 2. هذا كلّ ما في الأمر. انه التمهيد المباشر لاستمرار الحرب الاهلية الدائرة حاليا في سورية.
بكلام أوضح، انّ الهمّ الاوّل للايراني والروسي يختصر بالإصرار على توريط «حزب الله» بعناصره اللبنانية في الحرب السورية وزيادة كمّيات الاسلحة التي ترسل الى النظام السوري لمتابعة مهمّة قتل شعبه.
في مرحلة لاحقة، يبدو أن ايران ستجد نفسها مضطرة الى التورط أكثر في الحرب التي يتعرّض لها الشعب السوري من أجل الحؤول دون خروج النظام من دمشق في اتجاه الساحل.
والخروج الى الساحل هو بمثابة الخيار الأخير للنظام، أي خيار الدولة العلوية المربوطة بالبقاع اللبناني وغير القابلة للحياة. يعني ذلك، بين ما يعني اللجوء الى عمليات تطهيرعرقي في طول الساحل وعرضه، خصوصا في اللاذقية والمدن الكبرى الأخرى، بما في ذلك مدينة غير ساحلية مثل حمص. ولذلك ثمة أنباء شبه أكيدة عن اعداد ايران لعشرات آلاف المقاتلين كي ينتقلوا الى سورية، وكي تصبح جزءا لا يتجزّأ من عملية الدفاع عن النظام السوري وحربه على شعبه.
هل يقف العالم متفرّجا أمام ما تتعرّض له سورية؟ الجواب أن كلّ شيء سيتوقف على الاسس التي سينعقد جنيف 2 في ظلّها. هل ينعقد المؤتمر فيما النظام قادر على استخدام سلاح الجوّ والمقاتلين التابعين لـ«حزب الله» من أجل المحافظة على مواقع معيّنة تقطع خطوط الامداد عن «الجيش الحر» أم لا؟
في هذه الحال، سيكون هناك قرار دولي بالقضاء على سورية الموحّدة. فما لا يفهمه الايراني والروسي وما يفهمه الاسرائيلي جيّدا هو أن استمرار الحرب في سورية يعني أوّل ما يعني القضاء على وحدة البلد. ربّما يفهم الايراني والروسي ذلك أكثر من الاسرائيلي، ويفهمان خصوصا أنّ لا مستقبل لنفوذهما في سورية في حال بقاء البلد موحّدا.
هل من تواطؤ أميركي مع هذا التوجّه؟ يمكن الحديث عن مثل هذا التواطؤ لدى التمعّن في مواقف ادارة الرئيس باراك أوباما التي ترسم للنظام السوري خطوطا حمرا ولا تلبث أن تعتبرها لاغية عند تجاوزها. هذه مهزلة المهازل، لا أكثر ولا أقلّ. ما تقوم به الادارة الأميركية يدلّ على شيء واحد. هذا الشيء هو الرغبة في تفتيت سورية بحجة أنّ المعارضة غير قادرة على أن تتوحد من جهة وأن هناك ما يسمّى «جبهة النصرة» من جهة أخرى.
من سهّل استمرار الحرب السورية، عن طريق تفادي اقامة منطقة حظر جوّي واحدة والامتناع عن تزويد «الجيش الحر» بأسلحة متطورة الى حدّ ما، هو الحليف الاساسي غير المعلن لما يسمّى «جبهة النصرة» وكلّ التنظيمات المتطرفة التي على شاكلتها.
يمكن أن يمثّل جنيف 2 الامل بالنسبة الى سورية والسوريين. كذلك، يمكن ان يمثّل ذروة الفشل في حال انعقاده في ظلّ الظروف الراهنة وفي غياب الرغبة في التصدي على الارض لما يقوم به الحلف الايراني - الروسي. من الواضح أنّ لا هدف لهذا الحلف سوى تدمير سورية. فتدمير سورية، والانتهاء من الكيان السوري بشكله الحالي، هو الفرصة الوحيدة المتاحة له كي يحافظ على نفوذه في جزء من البلد.
مرّة أخرى. السؤال ليس هل ينعقد جنيف 2، بل في أي ظروف سينعقد المؤتمر وفي ظل أي توازنات؟ هل ينعقد فيما هناك من يسعى الى احياء الاموات، أي النظام السوري الحالي وذلك من أجل تأكيد أن سورية سائرة نحو التفتيت حتما؟ أم ينعقد من أجل تكريس الانتهاء من نظام لا شرعية له من أي نوع كان وقف دائما في وجه انتماء الشعب السوري الى ثقافة الحياة والحرية والكرامة؟
رسالة إلى رئيس فقد شرعيته «ارحل»
بقلم: مصطفى بكرى عن الوطن المصرية
أبعث إليك بهذا الخطاب، أرجو أن تقرأه جيداً، تعرف أننى أكتب من القلب، ليس لى مطمع فى سلطة، ولم أكن واحداً من منافسيك، لا أسعى إلى منصب ولا أهدف إلى مصلحة، لكننى أكتب إليك حرصاً على الوطن، وسعياً لإنقاذ ما تبقى.
لم أكن فى يوم من الأيام معادياً لجماعة الإخوان، بل كنت مدافعاً عن حقهم فى الوجود ورفضت بكل قوة أى إجراءات قمعية مورست ضد عناصركم فى فترة حكم الرئيس السابق، وسعيت كما تعرف إلى تهدئة الأجواء، وحل الكثير من المشاكل والأزمات التى كانت تتفجر بينكم وبين المجلس العسكرى.
وأظنك تتذكر ماذا قلت لى بعد ترتيبى لقاء بينك وبين ثلاثة من أعضاء المجلس العسكرى، هم اللواء عبدالفتاح السيسى واللواء محمد العصار واللواء ممدوح شاهين، وكنت أنا خامسكم، وكان اللقاء الذى جرى بتعليمات من المشير قد جاء بعد أن طلبت منه ضرورة حل الأزمة التى تفجرت بين الجماعة والمجلس العسكرى على خلفية اتهامكم للمجلس بالسعى إلى تزوير الانتخابات، ويومها رد المجلس فى بيان حاد يذكركم بسيناريو 1954 بين عبدالناصر والإخوان.
اسأل مرشدك الدكتور محمد بديع عن الرسائل التى حملتها منه إلى المشير وقادة المجلس العسكرى لتهدئة الأجواء ونزع فتيل الأزمة، وكذلك الحال بين الدكتور الجنزورى والجماعة. كان الهدف هو لملمة الشمل، وإجراء الانتخابات فى أجواء حيادية تضمن الانتقال السلمى للسلطة من رجال عاهدوا الله وعاهدوا أنفسهم على الوفاء بالرسالة وتسليم الحكم فى الموعد المحدد.
لا أريد أن أذكرك بموقفك فى اليوم الأول لتولى السلطة، عندما ذهبت تعلن العداء للمحكمة الدستورية العليا وتشكك فى حكمها بحل مجلس الشعب وأنت الذى أقسمت أمامها منذ قليل وأنشدت فيها شعراً، ثم انقلبت عليها وأعدت مجلس الشعب الباطل ولم تتراجع إلا بعد صدور المزيد من الأحكام، حاولت الانتقام من أعضائها، ثم نجحت بعد أن فصلت لهم مادة فى الدستور الإخوانى وتمكنت من إبعاد تسعة من أعضائها كان فى مقدمتهم المستشارة تهانى الجبالى، التى قادت داخل المحكمة تياراً يرفض محاولة أداء القسم خارج المحكمة وبحضور نواب المجلس المنحل.
تتذكر يا دكتور مرسى، كيف تقولت على المحكمة وادعيت بالباطل عليها وعلى بعض من أعضائها الأجلاء، وعندما طالبوك بالمستندات لم تعبأ ولم تكترث ولم ترد، لأنك لا تمتلك شيئاً أو دليلاً مما ادعيت.
وعندما صدرت التعليمات منك بمحاصرة مبنى المحكمة الدستورية لمنعها من إصدار حكم فى شأن حل مجلس الشورى والجمعية التأسيسية، كان ذلك قمة التحدى وقمة الاستهانة بالقضاء؛ لقد دفعت بحشود جاءت بها جماعتك من كل حدب وصوب، تصدوا للقضاء الأجلاء، أهانوهم، هتفوا لك وقالوا إنهم مستعدون أن يأتوا بهم فى شيكارة إذا أردت ذلك.
انتفض العالم بأسره، علقت 60 محكمة عليا أعمالها فى شتى أنحاء العالم احتجاجاً، لكنك لم تهتم ولم تراجع نفسك، وعندما أجرى معك الإعلامى عمرو الليثى حديثاً تليفزيونياً على شاشة قناة المحور مؤخراً يسألك فيه عن رأيك فى حصار المحكمة الدستورية لم تدنْ ولم تعتذر، بل رحت تبرر وتقول إن الآخرين حاصروا القصر الرئاسى فى الاتحادية، مع أنك لو تتذكر أن المظاهرات التى زحفت إلى القصر الرئاسى جاءت بعد حصار أنصارك للدستورية.
نفس الأمر وبنفس الطريقة تم التعامل مع من تسميهم أنت وجماعتك بالإعلام الفاسد، لقد تمت محاصرة مدينة الإنتاج الإعلامى بواسطة جماعة حليفك حازم صلاح أبوإسماعيل وبتعليمات مباشرة منك ومن جماعتك، أهين الإعلاميون ومنع الضيوف وتم التهديد باقتحام المدينة، أثاروا الرعب والفزع والخوف فى نفوس العاملين، ولم يحرك ذلك ساكناً لديك، كنت سعيداً بكل ما يجرى بل مؤيداً وداعماً، تكرر الأمر أكثر من مرة وفى كل مرة كنت أكثر سعادة.
ألغيت الإعلان الدستورى المكمل، وأهنت المشير طنطاوى ورئيس الأركان الفريق سامى عنان بخديعتك لهما فى 12 أغسطس من العام الماضى، وقمت بعزلهما بطريقة غير أخلاقية بعد أن كنت تشيد بهما وبإخلاص المجلس العسكرى ووفائه لعهده الذى قطعه على نفسه، وكان الهدف من وراء كل ذلك هو إلغاء الإعلان الدستورى المكمل الذى كان يكبل سلطتك فى إصدار دستور إخوانى ويضع معايير موضوعية لإصدار الدستور ويمنعك من التدخل فى شئون المؤسسة العسكرية ويعطى المجلس العسكرى الحق فى تشكيل الجمعية التأسيسية حال صدور حكم من القضاء الإدارى ببطلانها.
أطلقت يد جماعتك لتمارس الإرهاب وتشوه سمعة المجلس العسكرى حتى يقبل بسياسة الأمر الواقع ويسلم إليك السلطة التشريعية وهى ليست من حقك فى ظل غياب مجلس الشعب، لكنهم تركوا لك السلطة ورفضوا الانقلاب وارتضوا بسياسة الأمر الواقع خوفاً من انفجار الأوضاع وحرصاً على المؤسسة العسكرية، فى وقت هللت فيه جميع القوى بغباء منقطع النظير لقراركم بإلغاء الإعلان الدستورى المكمل، ثم عادوا يندمون!
وفى 21 نوفمبر من العام الماضى أصدرتم إعلاناً دستورياً بمقتضى سلطة اغتصبتموها يقضى بسحب جميع الصلاحيات من محاكم القضاء، والإمساك بها، وعزل النائب العام وتقويض سلطة القضاء، فكان ذلك إنذار خطر شديداً، وتحدياً لكل ثوابت الوطن، وانتهاكاً لعرض القوانين والإعلانات الدستورية المختلفة، فكان ذلك بداية الشرارة التى دفعت الجماهير إلى الزحف للقصر الرئاسى فى 4 ديسمبر الماضى تعلن رفضها للديكتاتور الجديد، الذى قبض على السلطات الثلاث فى يديه؛ التنفيذية والتشريعية والقضائية، معلناً بذلك أنه تفوق على جميع المستبدين الذين حكموا وتحكموا فى مصر منذ زمن الفراعنة وحتى الآن.
كان هناك نحو مليون متظاهر، كانوا سلميين حرصوا على أمن البلاد، لم يقتربوا من القصر الرئاسى بأى أذى، ولكن فى اليوم التالى كانت التعليمات قد صدرت من جماعتك بالتشاور معك، فانطلقت جحافل الميليشيات الإخوانية وراحت تعتدى على الأبرياء وتقتل وتصيب المئات.. تفجرت الدماء حول القصر وتم أسر العشرات من المواطنين، بواسطة هذه الميليشيات، وجرى تعذيبهم داخل القصر بعلمكم ومشاركة قيادات كبرى من كبار الموظفين بالرئاسة.
تحدثتم عن مؤامرة، وعن قيادات تآمرت عليكم، فإذا بالمستشار مصطفى خاطر المحامى العام لنيابة شرق القاهرة يكشف كذب ادعاءاتكم ويعلن الحقيقة أمام الرأى العام رغم مواقف نائبكم العام المعين الذى طالب بحبسهم، لكن رجال النيابة الشرفاء تحدوا نائبهم العام، وأعلنوا الحقيقة غير خائفين، وظهرت أنت بمظهر الرجل الذى يسعى إلى تلفيق الاتهامات للآخرين.
عزلت النائب العام المستشار عبدالمجيد محمود لأسباب أنت تعرفها جيداً، ودعك من الادعاءات الكاذبة، ثم عينت نائباً عاماً بقرار باطل، ورغم صدور حكم من محكمة الاستئناف، ورغم إعلان وزير العدل السابق أحمد مكى أن قرارك باطل، فإنك صممت على المضى فى الطريق، لأنك أردت أن ترهب وأن تؤدب الجميع وأن تقبض على الدولة ليصبح جميعها مسخراً تحت يديك.
هكذا تحولت الدولة المصرية إلى مرتع خصب لك ولأقاربك ولجماعتك؛ جئت بابن شقيقتك، أسعد الشيخة، ليتولى منصب نائب رئيس الديوان الرئاسى، أصبحت كل المهام فى يده ولم تعد هناك كلمة داخل القصر لأحد سواه، أبناؤك وأهلك وعشيرتك يستخدمون كل إمكانات القصور وكأنها عزبة ورثوها عن الأجداد، استباحوا قصور رأس التين والقناطر الخيرية واستراحات الرئاسة وسياراتها وإمكاناتها، سخروا الدولة لمصلحتهم، وأصبحت أنت تتنقل بطائرات الرئاسة حتى فى زيارتك لأهلك بالشرقية، وأنت أرجو منك أن تعلن للرأى فقط عن فاتورة «الجمبرى والاستاكوزا» الذى يدخل يومياً إلى القصر الجمهورى لك ولحاشيتك.
لم تصدق فى وعد أطلقته، لا مناصب ولا إجراءات، لا قرارات ولا برنامج انتخابى، حتى محمود مكى الذى عينته نائباً لك، رفضت استمراره لأنه تجرأ فى يوم وانتقد جماعة الإخوان ومحاولة تدخلها فى الأمور الرئاسية، بل حتى أقرب المقربين إليك الرجل الذى ساعدك فى إصدار القوانين والإعلانات الدستورية الباطلة المستشار محمد فؤاد جاد الله، لم يطق الاستمرار فى الباطل، فأعلن استقالته وقال إن مكتب إرشاد الإخوان المسلمين هو الذى يملى قراراته على رئيس الجمهورية ويتدخل فى كل كبيرة وصغيرة.
القضاء لم يسلم من قراراتك، وهأنت تتحدى الرأى العام، وتصر أنت وجماعتك على إصدار قانون للسلطة القضائية يجرى بمقتضاه عزل 3500 قاضٍ حتى تخلو لك الساحة وتزور الانتخابات وتطيح بأعضاء المجلس الأعلى للقضاء ومستشارى النقض وأعضاء المحكمة الدستورية ورؤساء المحاكم الابتدائية.
نفس الأمر يجرى فى الشرطة والأجهزة الأمنية، تحت شعار التطهير ترتكب كل الموبقات؛ يجرى الاستغناء عن الخبرات والكوادر، تصفى الحسابات وتتخذ إجراءات انتقامية، يتم التحريض على الشرطة وجهازها الوطنى، يتم تحريض بعض العناصر لحصار جهاز الأمن الوطنى والإساءة إلى رجاله!
هل رأيت فى الدنيا يا دكتور مرسى رئيس جمهورية يحرض على أجهزة أمن الوطن الذى يحكمه لصالح ميليشيات جماعته التى تريد أن تستولى على هذه الأجهزة وتسيطر عليها لتحكم قبضتها على البلاد والعباد؟! أنت فعلتها!
لقد قلت لرجلك أبوالعلا ماضى إن جهاز المخابرات العامة أنشأ تنظيماً من 300 ألف بلطجى، وعندما قال ذلك لم يصدق الناس ما ردده على لسانك، لكنك رفضت أن تنفى، بل عرفنا أنك أنت الذى طلبت منه ذلك، وأنك أنت الذى حرضته على القول والإدلاء بهذه التصريحات، لأن الهدف هو دفع الناس إلى الزحف إلى مبنى المخابرات العامة وإسقاطه، ثم إعادة تشكيله من أهلك وعشيرتك والتابعين.
كيف نثق فيك يا دكتور مرسى، وأنت تسعى حثيثاً إلى تفكيك الدولة وأجهزتها، تارة لأنهم من رجال النظام السابق، وتارة لأنهم معادون للثورة؟ وأنا لا أعرف عن أى ثورة تتحدث، وأنت تحرض على قتل أبنائها، وسجنهم، وتعذيبهم، ومواجهتهم بالرصاص فى الشوارع.
لقد كنت أنت وجماعتك من أكثر الموالين للنظام السابق؛ لم يجرؤ أحد فيكم حتى اليوم الأخير على أن يرفع شعار «ارحل»، بل كنتم تنتقدون كل من يطالب الرئيس مبارك بالرحيل، وأظن أن التسجيلات لا تزال موجودة، وأظن أن ما نشر عن تفاصيل لقاءاتك أنت والدكتور سعد الكتاتنى باللواء عمر سليمان لا يزال حاضراً فى الأذهان، بل حضرت بنفسى واحداً من هذه اللقاءات التى جرت يوم 6 فبراير وكان كل مطلب الجماعة الذى جاء على لسانك هو فقط الإفراج عن المعتقلين السياسيين وإلغاء حالة الطوارئ!
فى عهدكم سقط العشرات فى بورسعيد الباسلة وفى السويس والإسماعيلية، ناهيك عن المحافظات الأخرى، أصبحت هذه المدن شبه معزولة، لم تهتم كثيراً بشأنهم، لكنك دفعت إليهم بمشروع يهدد الأمن القومى هو مشروع إخوانى وليس وطنياً؛ مشروع تستهدف من ورائه تقسيم الوطن وتهديد الأمن القومى للبلاد.
بالضبط كما فرطت فى أمن سيناء، وتركتها مرتعاً لأهلك وعشيرتك الذين أفرجت عنهم وجئت بهم من كل حدب وصوب، قتلوا أبناءنا فى رفح ولم نعرف نتيجة التحقيقات، اختطفوا ضباطنا وقتلوهم وكنت على علم بذلك ولم تعلن الحقيقة، خطفوا جنودنا فكنت أحرص على الخاطفين من المخطوفين وطالبت بسلامة الطرفين وهرب الخاطفون، وستكشف الأيام وقائع ما حدث من خلف ستار.
إنهم نفس المجموعات التى كانت تضرب أنابيب الغاز التى تنقل الغاز المصرى إلى إسرائيل، أسألك: لماذا توقف هؤلاء الآن عن ضرب أنابيب الغاز منذ وصولك إلى السلطة؟ من الذى استجاب لمطالب إسرائيل وأمر هؤلاء بالتوقف؟
نعم «إسرائيل» يا دكتور مرسى! إسرائيل التى سميت رئيسها بالصديق الوفى، إنه العدو الصهيونى قاتل أهلنا ومغتصب أرضنا، هذا العدو الذى فشل فى إسكات البندقية الفلسطينية، لكنك ومكتب إرشادك نجحتم فى إجبار حماس على أن توقع اتفاقاً برعايتك مع إسرائيل فى 22 نوفمبر الماضى، تعلن فى بنده الثانى رفض العمليات العدائية من كلا الجانبين!
فى زمنك يا دكتور مرسى، أصبح «الكفاح المسلح» الذى نصت عليه المواثيق الدولية كحق للشعوب المحتلة عملاً عدائياً.
فى عهدك تم إسكات البندقية الفلسطينية وتحولت حماس من حركة تحرر وطنى تدافع وتقاتل لأجل فلسطين، إلى فرع لجماعة الإخوان المسلمين تنفذ الاتفاقات وتحرس أمن إسرائيل من أى محاولات عبثية.
فى زمنك أصبح للوجود الأمريكى فى مصر باعاً ممتداً بطول البلاد وعرضها، لم تجرؤ على انتقاد تصريح أوباما الذى أعلن فيه أن القدس هى العاصمة الأبدية لإسرائيل، لم ترد عليه ولو بكلمة واحدة، التزمت الصمت لأنك تعرف أن أوباما وسفيرته وخارجيته هم من أولياء النعم.
فى زمنك ضاعت ثوابت الوطن وتعرض أمننا القومى للخطر، مصر مهددة بالجوع والعطش وأنت لا تبالى، الإثيوبيون فى صحفهم وإعلامهم يقولون إنك كنت على علم بقرار إثيوبيا بإقامة سد النهضة، وأنت لم ترفض بل دفعت رجالك إلى التطوع بالقول إن الخيار العسكرى مستبعد، ياليتك تقرأ كيف كان عبدالناصر والسادات ومبارك يتعاملون مع هذا الملف، مبارك الذى ثار الشعب عليه لم يجرؤ على التفريط، هدد وتوعد وأدار الأزمة بروح وطنية مسئولة، أما أنت فطز فى مصر، كما قالها مرشدك السابق. ترابنا وأمننا القومى لم يعودا واردين على أجندتك، وكيف يمكن أن يردا فى ذهن رجل هو عضو فى التنظيم الدولى للإخوان الذى لا يؤمن بالوطنية أو القومية ومصر بالنسبة له كأفغانستان أو كازخستان العروبة بالنسبة له وهم والقومية وهم يجب التخلص منه، كما قال حسن مالك رجلك المفضل فى المال والأعمال؟
تحولت مصر إلى ساحة مستباحة تتحكم فيها عناصر الجماعة الإخوانية على يديك؛ المال والاقتصاد وتوظيف الأزمات والعلاقات وشركات وأموال، مليارات تتدفق إلى الجيوب.
لو كنت معادياً للفساد كما تقول أعلن عن ثروة رجال أعمال الجماعة، كيف كانت وكيف أصبحت، أعلن عن الشركات التى أسسوها فى عهدك، وعن التوكيلات التى حصلوا عليها من الداخل والخارج، وكيف تعلن وأنت تخضع لقرارات الجماعة ولا تملك سوى السمع والطاعة لأنك حتى لو أردت فلن تستطيع لأن رئاسة الجمهورية تحكم بواسطة مكتب الإرشاد وليس بواسطتك؟
هل تعرف يا د. مرسى أن عدد الذين هاجروا ولم يستطيعوا البقاء تحت حكمك بلغ نحو المليون مواطن فى أقل من عام؟! مصر بالنسبة لهم هى الحياة لكنهم تركوها ومضوا صاغرين إلى جورجيا وأوكرانيا وكندا وأمريكا وغيرها، بسبب سياساتكم وخوفهم من الميليشيات التى نمت وترعرعت فى عهدكم وبرعايتكم.
الناس تموت فى اليوم ألف مرة، المصريون أصبحوا مرضى بعد أن أعياهم ظلمكم وظلم جماعتكم وعجرفة رجالكم الذين زرعتموهم فى كل مكان على أرض مصر.
انظر إلى الفيلد مارشال محمد البلتاجى وهو يفتش «السجون»، ينظر إلى الضباط بنظرة استعلاء، يستعرض حرس الشرف وكأنه رئيس جمهورية «صغنطوط»! من أين تأتى هذا المتعجرف كل تلك القوة فى الكبر والاستعلاء؟ منك أنت يا ممثل الجماعة فى قصر الرئاسة!
لقد جاع الشعب المصرى فى عهدك، وقف الناس عشرات الكيلومترات فى انتظار كميات ضئيلة من السولار، توقفت ماكينات ضخ مياه الرى، عادت إلينا شموع الإضاءة بعد أن ضن علينا رجالك بالكهرباء، مصر على وشك الإفلاس الدين الخارجى زاد فى عهدك فقط من 33 مليار دولار إلى 44 مليار دولار + 7 مليارات دولار ديون شركات أجنبية تعمل فى مصر، بطالة، انخفاض حاد فى قيمة الجنيه، زيادة فى عجز الموازنة والدين الحكومى، ارتفاع رهيب فى الأسعار ضرائب تفرض ودعم مهدد بالانقراض، انفلات أمنى، خطف وقتل، سرقة بالإكراه، حياتنا أصبحت جحيماً فى عهدك.
استبدلت الأعداء، عاديت أشقاءنا فى الإمارات لأجل مجموعة إخوانية تم القبض عليها، أطلقت إعلامك الفاسد لإهانة دولة شقيقة وقفت معنا وقدم رجالها كل الخير لمصر ورفضوا إبعاد نصف مليون مصرى من أراضيهم رغم تطاول جماعتك وحصارهم لسفارة الإمارات.
لقد داسوا على صورة الراحل العظيم الشيخ زايد ووضعوها تحت أقدامهم، هل تعرف ماذا فعل الشيخ زايد؟ هل تعرف ماذا قدم لمصر؟ امضِ فى شوارعها وأنت تعرف، اسأل الناس وأنت تعرف، إعلامك يتطاول وأنت لا تردع لأنك تحرض، وتوجه الاتهامات من عند أصدقائك وأرباب النعمة فى قطر.
قطر التى أشدت بعطائها ونسيت ما قدمه الآخرون فى السعودية والكويت والإمارات والبحرين وعمان وغيرها!
مصر أكبر منك ومن جماعتك، ولهذه الأسباب يضعك الناس فى موضع المقارنة مع حسنى مبارك!
الأصابع التى تلعب فى مصر ليست أصابع الإمارات كما حاولت الادعاء أنت ورجالك، لكنها أصابع الإخوان التى تلعب فى كل دول الخليج، فكفاك تحريضاً ضد الأشقاء! إنهم لا يكرهوننا لكنهم يرفضون العبث بأمن بلادهم.
بقى فى النهاية سؤال أخير أوجهه إليك يا دكتور مرسى: أين الشريعة الإسلامية؟ لماذا لم يجرِ تطبيق أى من حدودها بعد مرور نحو العام على توليكم الحكم فى البلاد؟!
لقد صدعتم رؤوسنا على مدار سنوات بشعار «الإسلام هو الحل»، فأين هذا الشعار الآن؟ لقد منحت أصحاب محلات الخمور رخصاً لمدة ثلاث سنوات متتالية، ونفس الأمر بالنسبة لأصحاب الكباريهات، بينما مبارك كان يجدد عاماً بعام.
ما زالت البنوك التى سميتموها «ربوية» تعمل، ولم يحرك ذلك ساكناً فيكم، لم تجرؤ حتى الآن على اتخاذ أى قرار يثبت جديتكم فى تطبيق الشريعة، وسعيتم إلى إرهاب السلفيين لأنهم طالبوا بتطبيقها، فهل لديك تفسير لذلك؟
بعد كل هذا أجيبك عن السؤال الذى تسأله بينك وبين نفسك؛ لماذا عاد المصريون يتذكرون مبارك ويترحم البعض على أيامه؟
وأنا أقول لك: والله ليس حباً فى حسنى مبارك، ولا سعياً لعودة نظامه البغيض، ولكن نكاية فيكم، لقد نسى المصريون ماذا فعل فيهم نظام مبارك، لأنهم عندما قارنوا ما حدث فى عهده وما يحدث فى عهدكم أدركوا الفارق بين رجل رفض أن يكون سبباً فى إشعال الحرب الأهلية بين المصريين وتنحى عن الحكم، وبين آخر قال إن جلده سميك ولن يستجيب لمطلب الشعب أبداً حتى لو تفجرت الدماء فى كل جزء من أراضيه.
بين رجل كان يحرص على الأمن القومى لمصر وأصبح لم يعد يعنيه الأمن القومى بقدر ما تعنيه استراتيجية جماعته الإخوانية ونظرتها للعالم فى ضوء هذه المصلحة.
الفارق بين حاكم كان يطلب من اللواء عمر سليمان باعتراف موسى أبومرزوق، نائب رئيس المكتب السياسى لحماس، دعوتهم للاستمرار فى المقاومة ضد إسرائيل، وبينك عندما رعيت اتفاقاً مشبوهاً أسكتّ بمقتضاه البندقية الفلسطينية.
الفارق بينك وبين مبارك، أن مبارك كان حاكماً مستبداً لكنه لم يكن قاتلاً، بينما أنت تحرض علانية وزير الداخلية بمواجهة المتظاهرين السلميين.
بين حاكم يحمى أمن المصريين وآخر يترك المصريين فريسة للانفلات الأمنى ويحرض على أجهزته الأمنية حتى يفتح الطريق أمام الميليشيات الإخوانية لتتولى شئون البلاد، ليظل الإخوان جاثمين على صدر مصر أبد الدهر.. لا تندهش يا دكتور مرسى من حديث المصريين عن مبارك، فهم عندما قارنوا بين نظامك ونظامه أدركوا الفارق، هكذا كتب زميلنا محمد البرغوثى الذى راح يتحدث عن وطنية مبارك، مع أنه كان من أشد الكتاب انتقاداً له فى عهده، وهكذا هو حال كثيرين.
كان المصريون يظنون أنهم تخلصوا من حكم فاسد ومستبد فإذا بهم أمام حكم فاشى أكثر فساداً يعود بنا إلى القرون الوسطى، حيث لا حرية ولا أمن ولا معيشة ولا كرامة ولا تداول سلمى للسلطة ولا استجابة لمطالب الشعب.
لقد مضى عهد مبارك ولن يعود أبداً، لكنك إذا تصورت أن المصريين قد طالهم اليأس والإحباط ولن يكرروا ما حدث فى 25 يناير فأنت مخطئ ولا تعرف هذا الشعب أبداً.
وإذا ظننت أن ميليشياتك سوف تحمى عرشك من السقوط فأنت لا تعرف جيشنا ولا شرطتنا، هؤلاء وطنيون تربوا على عقيدة الوطنية والانتماء، هؤلاء ضحوا ومستعدون لمزيد من التضحية، هؤلاء لا يحكمهم تنظيم دولى أو تنظيم محلى، هؤلاء أبناء مصر الحقيقيون الذين لن يصمتوا أمام وطن اختطف بواسطة التتار الجدد الذين سعوا إلى تقسيمه وتركيعه وإذلال شعبه.
يا مرسى ويا كل مرسى!
مصر ستبقى، ستعيش مرفوعة الرأس، مصر عربية، مصر حرة ومستقلة، مصر تعرف خصومها وتدرك من هم أشقاؤها وأصدقاؤها، مصر أكبر منك، وأكبر من جماعتك، حياتنا لا تساوى شيئاً إلى جوار ذرة من تراب هذا الوطن.. وإذا لم تكن تعرف ذلك فاقرأ التاريخ!


رد مع اقتباس