اقلام واراء عربي 435
27/6/2013
في هذا الملف
جسر مالي يربط «إخوان مصر» بقادة حماس
هدى الحسيني/الشرق الأوسط
إتجاه - غزة كـ "مختبر" لصناعة الأسلحة الإسرائيلية!
انطـوان شلحـت – عكا/النهار اللبنانية
أزمة في المؤسسة الفلسطينية
معتصم حمادة(عضو مكتب سياسي في الجبهة الديموقراطية–مقيم بباريس)/النهار اللبنانية
الفلسطينيون في لبنان اتعظوا في اختبار صيدا وظلّوا خارج الحسابات والمشاريع المدمّرة
ابراهيم بيرم/النهار اللبنانية
إسرائيل السادسة في تصدير الأسلحة عالمياً: مبيعات بقيمة 2.4 مليار دولار في 2012
حلمي موسى/السفير
محمد عساف «الظاهرة».. غزة «الجديدة»
بكر عويضة/الشرق الأوسط
عساف… والجوع إلى انتصار
د. فايز رشيد(كاتب فلسطيني)/القدس العربي
محمد عساف 67 مليون صوت
ابراهيم عبدالمجيد القيسي/الدستور الأردنية
الفلسطيني الذي هزم أوباما
د. صبري صيدم/القدس العربي
على ماذا يراهن.. أُوجلان؟!
محمد خروب/الرأي الأردنية
أمير قطر صانع ثروتها من الغاز
رندة تقي الدين/الحياة اللندنية
الأمير تميم والإخوان
نيوتن/المصري اليوم
"الجزيرة": الخبر المهم والمواكبة الرديئة
جهاد الزين/النهار اللبنانية
تنظيم الإخوان المسلح..إلى أين؟
سمير كرم(كاتب صحفى مصرى)/الشروق المصرية
يا أخي إنت جبلتك إيه؟
حمدي رزق/المصري اليوم
جسر مالي يربط «إخوان مصر» بقادة حماس
هدى الحسيني/الشرق الأوسط
بعض الدول تحفر لنفسها حفرة لا يمكن أن تتخلص منها لاحقا. هذه السياسة يعتمدها بعض حكام دول العالم الثالث بحيث يبقون أبناء الريف يتخبطون في الفقر والعزلة والأمية لسهولة السيطرة عليهم بهذه الحالة. وهذا ما اعتمده ويعتمده حكام مصر. إذا راجعنا البيانات عن مصر، يتبين أنها لا تستطيع أن تحدد قعر الحفرة في ميزان مدفوعاتها، حفرة بدأتها بالاعتماد بنسبة 50% على المواد الغذائية المستوردة، ناهيك بفاتورة الطاقة التي تستهلك ربع الميزانية السنوية.
المظاهرة المتوقعة في 30 يونيو (حزيران) الحالي، تعكس مرارات كثيرة: رفض حكم الإخوان المسلمين التعبير عن الظلم الذي يعيشه فقراء مصر وفلاحوها.. طوابير الناس التي تقف أمام المخابز.. المياه التي لا تصل إلى الأراضي الزراعية، كما أن سوء التغذية يصيب ربع المصريين؛ في تقديرات منظمة الصحة العالمية، وحكومة الإخوان المسلمين تعد بوصول القمح الوفير الذي لن يصل أبدا. وتدرك الحكومات الأخرى الغربية والخليجية أن أي أموال تصب في مصر سيبتلعها مجرى لا نهاية له.
ومع ذلك، ورغم كل المعاناة المصرية، فإن الإخوان المسلمين يركزون على دعم حليفهم في قطاع غزة حركة حماس.. فالبعد الذي تتطلع إليه الجماعة يتجاوز معاناة الفرد المصري، ليخدم تطلع المستقبل الذي تعتقد بأنه آت لا محالة.
أما حماس التي خسرت ممولها الأساسي إيران، فإنها قررت التعويض بجولات يقوم بها الثنائي خالد مشعل - إسماعيل هنية إلى قطر وتركيا ومصر.
في مصر هناك الآن المؤسسة المصرية والجيش من جهة، وهناك قيادة الإخوان المسلمين. وبسبب ما تعرضت له سيناء من هجمات من متطرفين إرهابيين، عمد الجيش المصري إلى إغلاق العدد الكبير من الأنفاق بين سيناء وغزة الشهر الماضي، كما أنه ضيّق على محاولات حماس إعادة التسلح، فصادر أسلحة ومتفجرات بما فيها صواريخ قصيرة المدى وصواريخ مضادة للدبابات. لكن حركة حماس وجماعة الإخوان المسلمين في مصر، تجاوزتا كل هذه «التفاصيل»، فالهدف الذي يجمعهما يصب أحيانا في المصلحة الخاصة.
وعلى الرغم من استمرار تدهور الوضع الاقتصادي في مصر في ظل رئاسة محمد مرسي، فإن الإخوان المسلمين يقدمون المساعدة المالية المباشرة، للفرع الشقيق حماس.
خلال الثورة، قدمت حماس كثيرا من المساعدات السرية لجماعة الإخوان المسلمين، وبسبب الأزمة المالية التي تمر بها حماس، قرر «الإخوان» التعويض عليها وسداد «الدين» وذلك على شكل ملايين من الدولارات التي تُهرّب إلى قطاع غزة على حساب المصالح المصرية والملايين من المصريين الذين يعيشون تحت خط الفقر.
في برنامج عن النشاط العقاري في غزة، قدمت أخيرا قناة «فرانس 24» تحقيقا مذهلا، حيث إن الأراضي في غزة يتضاعف سعرها شهريا والمشترين يتكاثرون. الفيللات الفخمة لا يقل سعر الواحدة منها عن المليون دولار، ودائما تجد من يشغلها. يقول أحد أبناء غزة عن فريق جديد لا يتكلم إلا بالملايين: «قبل سنتين لم يكن معه ثمن علبة سجائر».
الأنفاق هي الطريق إلى الثروة، والتهريب أولى درجات سلم الثراء، والمقربون من الحكومة أكثر المحظوظين. في نهاية البرنامج، يقول أحد المقاولين: «مستقبل الأراضي والعقارات سيكون في غزة.. الأسعار في كل العالم تنخفض، لكنها في غزة تزداد ارتفاعا».
خيرت الشاطر، أحد كبار رجال الأعمال، ومن بين أهم الأعضاء المخططين في «الإخوان» يقال إنه هو المسؤول الرئيس عن تنسيق تحويل الأموال إلى حماس. عام 2012 وفي الأشهر الأخيرة، ذكر أنه قام بتحويل الملايين من الدولارات إلى المسؤول عن الشؤون المالية لـ«كتائب عز الدين القسام» في مصر، وإلى المسؤول المالي لحركة حماس في القطاع. جزء كبير من هذه الأموال تحول إلى الجناح العسكري لحماس في القطاع، فضلا عن استخدامات أخرى للحركة.
إضافة إلى التحويلات المالية، فإن كبار الشخصيات في حركة حماس يستثمرون في الأصول المصرية من أجل تحقيق أرباح للحركة ولأنفسهم أيضا. وفي هذه الحالات، ترد أسماء قياديين في جماعة الإخوان المسلمين على أنهم يشاركون مباشرة في استثمارات حماس في مصر، بعد لقاءات عقدوها مع كبار المسؤولين عن الجهاز المالي في الحركة، وكان بينهم أعضاء في الحركة وجهت إليهم اتهامات كثيرة.
من أنشطة رجال حماس في مصر، دخول بعضهم في شراكة استثمارية مع مسؤولين كبار في مالية الإخوان المسلمين. وأولئك يستفيدون كثيرا من الاستثمارات المدعومة بشكل كبير في مصر، التي هي على حساب الشعب المصري.
فضلا عن التحويلات المالية والاستثمارات، ثمة من يتهم حماس بانتهاكها القانون المصري من خلال تهريب المبالغ غير المعلنة، أكثر من 10 آلاف دولار أميركي من مصر إلى قطاع غزة. ووفقا للجمعية الدولية للنقل الجوي (اياتا)، يسمح للفرد لدى خروجه من مصر بأن يحمل ما يصل إلى 10 آلاف دولار و5 آلاف جنيه مصري. لكن حماس تغادر مصر ومعها ملايين من الدولارات في كل مرة من خلال تبديل الأموال، والمسؤولون يغادرون إلى غزة عبر رفح.
ويتحدثون في القاهرة عن قيادي في حماس يواصل نقل الملايين من اليوروات المخصصة للحركة لدى عودته من دول شرق أوسطية إلى مصر، كما يرددون اسم مسؤول كبير يستمر في ملء حقائبه بالملايين من الدولارات أثناء مغادرته مصر إلى غزة عن طريق معبر رفح، ويقولون أيضا إن هناك بعض النشطاء البارزين في الذراع العسكرية لحماس في غزة يواصلون نقل ملايين الدولارات واليوروات من مصر إلى غزة.
في مقال نشرته مجلة «أتلانتيك» الأميركية كتب جوناثان شانزر نائب الرئيس للأبحاث في «مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات»، أن قادة حماس بدأوا يسوِّقون فكرة تجذب أغلب أهالي غزة: «لماذا لا نخرج باقتصاد غزة من الأنفاق إلى سطح الأرض، بمساعدة مصر». حركة حماس عبر تعاطيها بهذا الأسلوب مع جماعة الإخوان المسلمين بدأت تحقق هذا، وهو في الحقيقة اقتصاد مهتز يعتمد على التهريب والفوضى وحرمان المصريين من حقهم، وحرمان أهل غزة أيضا.. إنه اقتصاد إثراء المسؤولين في حماس.
يقول شانزر: «مثل هذه الخطوة قد تجبر حماس على التخلي عن تهريب الأسلحة، وبقبولها مثل هذا الترتيب، قد تضطر إلى نبذ العنف بالفعل إن لم يكن بالقول...». ويضيف شانزر: «يبدو أن الحركة فقدت قابلية الصراع، مما يشير إلى أنها في حالة تغيير مستمر».
في المقال يوضح مخيمر أبو سعدى، أستاذ علوم سياسية في غزة: «حماس في عملية تحول. (الاعتدال) ليست الكلمة الصحيحة، إنما هناك أمر ما يحدث».
الأمر الذي يحدث أن فوز الإخوان المسلمين في مصر، فتح آفاقا جديدة لقادة حركة حماس: السلطة والأموال التي تتدفق من دون محاسبة؛ إذ منذ أن تسلمت دفة الأمور في غزة، زاد فقر الغزاويين وضاقت سبل الحياة أمامهم.. الأنفاق أثرت «النخب» المقربة من السلطة. «الإخوان» في مصر، من ناحيتهم، يتصرفون تجاه المصريين وكأنهم سيحكمون أبدا. المظاهرة التي ستنطلق في 30 يونيو الحالي مدعومة بتوقيع 15 مليون مصري يطالبون مرسي بالرحيل، واجهها مرسي بمظاهرة من قبل الإخوان المسلمين تحرض على قتل العلمانيين والليبراليين والمسلمين من غير «الإخوان». بعد مرور سنة على تسلم «الإخوان» الحكم، ما زال المصريون يتسابقون أمام المخابز وأمام محطات الوقود.. السياح لم يعودوا.. المياه قد تجف مع سد إثيوبيا، والبطالة تتصاعد.. بعد مرور سنة، لا يزال «الإخوان المسلمون» يظنون أن حزبهم المنظم قادر على قمع الناس وتحريكهم كما يريدون، المهم أن لا يلهيهم شيء عن الوصول إلى «الأمة» التي يتطلعون إليها، ورأوا في حماس وإغراق مسؤوليها بالمال والاستثمارات، بداية لطريق يعتقدون أنه سيصل بهم إلى «بر الأمان» حتى ولو دخلت مصر غرفة العناية الفائقة.
إتجاه - غزة كـ "مختبر" لصناعة الأسلحة الإسرائيلية!
انطـوان شلحـت – عكا/النهار اللبنانية
أظهر مؤشر جديد لإحدى الشركات العالمية المتخصصة في الشؤون العسكرية أن إسرائيل تُعتبر "دولة عظمى سادسة"، بعد الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا، في كل ما يتعلق بتصدير الأسلحة إلى العالم، وأنها ماضية قدمًا نحو احتلال المرتبة الأولى في مجال تصدير الطائرات من دون طيّار، متقدمة بذلك حتى على الولايات المتحدة.
ويسري على مجال صناعة الأسلحة في إسرائيل، شأنه شأن مجالات أمنية كثيرة أخرى، مبدأ الغموض، الذي سبق لأحد علماء الاجتماع الإسرائيليين أن أشار إلى مبلغ ولع المسؤولين به، منذ أن اعتمدوه في ما يتعلق بالسياسة النووية، وسرعان ما شاع في جميع الحقول، بما في ذلك حقل السياسة العامة.
ولا تقف صناعة الأسلحة في صلب الجدل الإسرائيلي العام، رغم وجود مركز ثقل كبير لها في شتى مناحي الاقتصاد والحياة.
في ضوء ذلك، يكتسب فيلم وثائقي إسرائيلي جديد باسم "المختبر" أنجزه المخرج يوتام فيلدمان أخيرًا، وتناول فيه موضوع صناعة الأسلحة، قيمة مضافة نظرًا إلى كونه قد سلط الضوء على مسألة لا يستقيم فهم إسرائيل من دونها، ولا سيما في ما يرتبط بمتغيري القوة والمعنى، اللذين يعتبرهما كثير من المفكرين بمثابة متغيرين أساسيين في النظام الدولي المعاصر.
يشير الفيلم إلى كيفية تحوّل ضباط سابقين في الجيش الإسرائيلي مستشارين وتجار أسلحة، يعملون على تطوير وبيع معدات عسكرية ونظريات قتالية، أضحت سلعة مطلوبة في أنحاء العالم، ومصدر رزق لمئات آلاف الإسرائيليين، وإلى ازدياد الصادرات الأمنية الإسرائيلية من عام إلى آخر حتى غدت رافدًا مهما لاقتصاد الدولة.
غير أن أهم ما يبرزه يتمثل في أن "نجاح" إسرائيل في هذا المضمار لا بُد من أن يكون معتمدًا على "مختبر" يتيح إمكان اختبار هذه الاختراعات والابتكارات في ميدان ملموس، وعلى بني بشر حقيقيين.
وبالتالي تمّ اختيار قطاع غزة ليكون بمثابة "مختبر" كهذا.
ولعل في هذا ما يفسر سيرورة- يؤكد فيلدمان أنه لم ينتبه لها سوى قلائل من خارج الجيش- استحالت فيها الحرب من حدث غير مألوف، دراماتيكي وغير متوقع، في حياة إسرائيل، إلى عملية دورية مصاحبة لها، بحيث أضحت الدولة من حين إلى آخر إما في خضم حرب على غزة، وإما في فترة انتظار للحرب المقبلة.
وهذا ما يثبته واقع شنّ ستة حروب على القطاع منذ الانفصال عنه عام 2005 حتى الآن، حرصت إسرائيل على إطلاق اسم "عمليات عسكرية" عليها للتخفيف من وطأتها.
أزمة في المؤسسة الفلسطينية
معتصم حمادة(عضو المكتب السياسي في الجبهة الديموقراطية– مقيم في باريس)/النهار اللبنانية
أيّاً تكن التفاصيل التي أدت إلى استقالة رامي الحمد الله من رئاسة حكومة السلطة الفلسطينية، فإن التحليل الأخير يقودنا إلى التأكيد ان الاستقالة كانت تعبيراً عن أزمة في المؤسسة الفلسطينية، عنوانها النزاع على الصلاحيات، والتفرد بالقرار؛ إن في شؤون الإدارة العامة، أو في المجال السياسي.
هي أزمة على مستويين، تطال الرئيس محمود عباس، (ومنصب الرئاسة في السلطة الفلسطينية بشكل عام)، كما تطال حركة "فتح" نفسها، حزب الرئيس، الذي يطمح لأن يصبح الحزب الحاكم، ولا تستثنى، في السياق، الفصائل الباقية، وإن من موقع مغاير.
وتتبدى سياسة التفرد بالقرار لدى الرئيس عباس، على مستويين:
- المستوى الأول في العلاقة مع الفصائل حيث اتبع سياسة تهميش المؤسسة (اللجنة التنفيذية والمجلس المركزي في منظمة التحرير) وتحويل قراراتها مجرد حبر على ورق، وتوصياتها مجرد لغو وكلام. كما اتبع سياسة الالتفاف على الوزارات المدارة من قبل فصائل أخرى، كحال تجربة وزارة الشؤون الاجتماعية حين تولتها ماجدة المصري فأنشأ مكتباً للشؤون الاجتماعية تابعاً لمؤسسة الرئاسة، وموازياً للوزارة.
- المستوى الثاني في العلاقة مع حركة "فتح" نفسها التي تحاول أن تنازعه المصالح والنفوذ من خلال إما المطالبة بتولي الحكومة، أو من خلال المساهمة في تشكيلها أو تسمية وزرائها. لذلك لم يكن غريباً أن يصف أحد خصوم الرئيس عباس، من قيادة "فتح"، حكومة الحمد الله أنها حكومة الرئيس وليست حكومة "فتح"، في محاولة للقول إن عباس تفرد بتشكيل هذه الحكومة وتسمية وزرائها دون إشراك «حزب السلطة»، كما تحاول "فتح" أن تقدم نفسها. وفي الحالتين، يحاول كل من عباس، و"فتح"، أن يدير حكومة، تقدم على أنها من المستقلين، من وراء الستار، مستفيدين من النفوذ داخلها، دون تحمل المسؤوليات أمام المؤسسة الفلسطينية.
في ما خص حكومة الحمد الله، فقد شكلها الرئيس عباس دون أن يعالج أزمة علاقة الرئيس برئيس الحكومة، ودون أن يعيد رسم حدود صلاحيات كل منهما. فابتدأ التوتر مع الحمد الله من حيث انتهى إليه مع سلفه سلام فياض. إذ أفرغ الرئيس عباس منصب رئيس الوزراء من الكثير من مضمونه، وجرّده من الكثير من صلاحياته، حين عيّن له نائبين أحدهما للشأن الاقتصادي والآخر للشأن السياسي واحتفظ لنفسه بالشأن الأمني (وهو الأمر الذي فشل في تحقيقه مع فياض ما أدى إلى الاستقالة بعد طول توتر) الأمر الذي حول الحمد الله مجرد ناظر للشأن العام.
استقالة الحمد الله قد تكون فاجأت المراقبين، ولم يمضِ على توليه المنصب أسبوعين، وقد لاحظوا لديه جدية ونشاطية في مزاولة مهماته. لكن الاستقالة، إذا ما وضعت في مجرى الأزمة المعروفة، تفقد عنصر المفاجأة.
دعا البعض، كحل للأزمة، إلى تشكيل حكومة وفاق وطني بين "فتح" و"حماس" بإشراك الآخرين. علماً أن الطرفين، كما توضح الوقائع ليسا مؤهلين بعد، للدخول في تجربة مثل هذه الحكومة، إذ لم يتوصلا بعد إلى نظام جديد للمحاصصة، بديلاً من المحاصصة الفاشلة التي وصلت بهما إلى الانقسام في 14/6/2007.
برزت هذه الأزمة إبان تولي محمود عباس رئاسة الحكومة في عهد الرئيس عرفات، انتهى به المطاف بعد مئة يوم من النزاع على الصلاحيات إلى الاعتكاف في بيته، تطارده صيحات شبيبة فتح: كارزاي فلسطين.
كما برزت أثناء تولي أحمد قريع لرئاسة الحكومة في عهد رئاسة عباس للسلطة. ويومها قال قريع لعباس: لا تفعل معي ما فعله عرفات معك.
كذلك برزت نافرة وانتهت إلى الاقتتال حين تولى رئاسة الحكومة إسماعيل هنية. أما مع فياض، القوي بعلاقاته مع الجهات المانحة، فإن التوتر كان العلاقة اليومية.
الحل يوفره إصلاح مؤسسي للسلطة يعيد رسم حدود صلاحيات الرئيس ورئيس وزرائه، وصلاحيات المجلس التشريعي، و إدخال تعديلات على القانون الأساسي للسلطة من وحي التجربة ودروسها.
الأزمة تعبير عن فشل في إدارة الشأن العام؛ وإدارة الشأن السياسي. وفتح هذين الملفين، من شأنه أن يعزز روح الإصلاح لدى سلطة مازالت لم تعرف الاستقرار منذ أن تأسست.
الفلسطينيون في لبنان اتعظوا في "اختبار صيدا" وظلّوا خارج كل الحسابات والمشاريع المدمّرة
ابراهيم بيرم/النهار اللبنانية
نجح الفلسطينيون في الاختبار الأمني الاخير في صيدا ومحيطها عموماً وحيّدوا المخيمات فعلياً عن الفتنة التي عصفت ببوابة الجنوب. ذلك هو الاستنتاج الجلي الذي خرجت به قوى 8 آذار يوم أول من أمس، وهي ترصد عن كثب لحظة بلحظة الوضع الأمني في عبرا، والجهود التي تبذلها وحدات الجيش لتنفيذ قرار القيادة بإنهاء ظاهرة الشيخ أحمد الأسير بعدما تحولت عبئاً أمنياً، وظاهرة تستدعي عناصر الفتنة.
التحدي الأكبر أمام القيادات الفلسطينية في الجنوب كان على مستويين اثنين:
الاول في ألا تجد "نداءات واستغاثات" الشيخ الأسير صداها لدى مجموعات معينة كامنة في مخيم عين الحلوة وفي تعمير عين الحلوة، وبالتالي إما ان تذهب هذه المجموعات باتجاه تفجير الوضع على نطاق واسع مع الجيش، وإما أن تخرج مجموعات من داخل هذين التجمعين السكانيين المكتظين مع سلاحها للانتشار في شوارع صيدا مع ما يستلزم ذلك من قطع لطرق رئيسية، أو تنظيم زحف باتجاه عبرا لنجدة عناصر الأسير المحاصرين في مربعهم.
ولقد كان محك نجاح القيادة الفلسطينية الميداني في تعمير عين الحلوة حيث تقدمت بمبادرة لضبط الوضع ونجحت في أخذ موافقة قيادة الجيش، ثم نجحت في الضغط على المسلحين الاصوليين الذين كانوا فتحوا مواجهة مع الجيش وبالتالي اجبارهم على الانكفاء.
الثاني: ان القيادة الفلسطينية نجحت في اسقاط مقولة ان اللاجئين الفلسطينيين قد باتوا قوة احتياط جاهزة للاستخدام لدى جهة لبنانية ذات لون مذهبي معين.
فلم يعد خافياً ان الذين كانوا يعدون العدة لفتح المواجهة في الجنوب ضد "حزب الله" كانوا يتحدثون في مجالسهم، وفق معلومات وصلت الى الجهات الرسمية والحزبية المعنية، عن مربع قوة يمتد من الناعمة على الاوتوستراد المؤدي الى الجنوب الى صيدا نفسها واستتباعاً تعمير عين الحلوة وأخيراً المخيم.
وفي حصيلة ما جرى خلال الايام الثلاثة الماضية تكوّن لدى هذه الجهات استنتاج ميداني فحواه ان "الانتصار" الذي تحقق في عبرا كان مزدوجاً، إذ قضى على "المربع" الذي أعد ليكون لغماً جاهزاً للانفجار لتتحول شظاياه الى عوامل فتنة واسقط من حسابات الحاسبين ان الفلسطينيين في الجنوب بعديد مقاتليهم الذي يفوق الثلاثة آلاف هم الاحتياط الذي يعتمد عليه عندما يدق النفير. وفي كل الأحوال كان أمام القوتين الفاعلتين في الشارع الفلسطيني، وهما حركة "فتح" وحركة "حماس" امتحان كبير وكان عليهما أن تنجحا فيه، وقد نجحتا الى حد بعيد.
فقيادة حركة "فتح" التي في لبنان او في رام الله، بذلت خلال الايام القليلة الماضية جهوداً جبارة كي لا يتكرر ما يعتبره البعض خطأين تاريخيين. الخطأ الأول عام 1975 عندما دخل الفلسطينيون في لبنان عنصراً اساسياً في الحرب الأهلية التي اندلعت في ذلك التاريخ فنظر اليهم على انهم "جيش السنة" ودفعوا هم ثمن ذلك الدخول والدور وما زالوا حتى الآن يدفعون بمفاعيل رجعية.
والخطأ الثاني كان خطأ انحياز الفلسطينيين في الكويت الى جانب الغزاة العراقيين لهذا البلد عام 1990 مما افضى بعد خروج الجيش العراقي الى ان يدفع جميع الفلسطينيين المقيمين في الكويت الثمن الباهظ اذ طردوا منها وفقدوا ميزات لم تكن لسواهم في هذا البلد.
وبمفعول رجعي دفع الفلسطينيون المقيمون في العراق الثمن الكبير ايضاً بعد سقوط نظام صدام حسين اذ طردوا ايضاً جميعاً من هناك.
وبناء على هذه التجارب ذات الحصاد المر كان للقيادة الرسمية الفلسطينية موقف مميز في لبنان ليس وليد الأمس بل يرقى الى زمن بعيد اثبتت فيه دوماً انها على مسافة واحدة من جميع الاطراف في لبنان وانها تتحاشى تكرار تجارب ما بعد 1970، وقد اثبتت ذلك بشكل حاسم وحازم بالامس في صيدا وعين الحلوة وتعمير عين الحلوة فبددت كل رهانات الاسير ودعواته لجذب متعاطفين معه الى ميدان المواجهة على نحو يغير المسار على رغم ان ثلث قوته الضاربة هو بالاصل من العناصر الفلسطينية. اما حركة "حماس" فقد انطلقت في خط النأي عن معركة الأسير من حسابات لم يمر عليها الزمن.
فمعلوم ان الحركة الاسلامية التوجه، تبذل في الآونة الاخيرة جهوداً كبرى لتدرأ عن نفسها شبهة الضلوع بشكل او بآخر في الأحداث في سوريا ومن موقع المتعاطف مع المجموعات المعارضة للنظام الذي عاشت لفترة طويلة في كنفه، فبدت بخروجها من هناك وكأنها ناكرة للجميل.
ولقد تحمل الفلسطينيون في سوريا (تعدادهم هناك يقارب تعدادهم في لبنان) وزر هذا الوضع، وخصوصا اللاجئين في مخيم اليرموك القريب من العاصمة. وثمة معلومات مستقاة من الجانب الفلسطيني نفسه، تشير الى ان فلسطينيي سوريا دفعوا حتى الآن أكثر من 7 آلاف قتيل وآلاف الجرحى، فضلاً عن اكثر من 60 الف نازح غالبيتهم انضموا الى النازحين في لبنان.
ولم تفقد "حماس" علاقتها الوثقى مع دمشق فحسب، بل ان موقفها من الاحداث في سوريا ترك انعكاسات سلبية على علاقتها بطهران وبـ"حزب الله" وبمحورهما، فضلاً عن ظهور ولو خجولاً لتعارضات في داخل قيادة الحركة وجسمها في الداخل الفلسطيني وفي الشتات. وعليه أعلنت الحركة اخيراً ما يشبه "النفير العام" اثر اعلانها انها تتعرض لهجمة شرسة وان عليها واجب درء هذه الهجمة وخصوصاً في لبنان، فركزت خلال الاشهر الماضية على مسألة اساسية وهي انها تحرص على استقلاليتها وعدم ارتباطها بأي طرف لبناني وانها لن تكون بأي شكل من الأشكال في خندق واحد مع أي جهة لبنانية تريد ان تفتح ابواب المواجهات وتصفي الحسابات.
وبناء على ذلك اثبتت "حماس" بالأمس في صيدا انها خارج حسابات او رهانات اي طرف، واظهرت استطراداً انها تريد استرداد ما فقدته من دور وسمعة وعلاقات وخصوصاً ان قياداتها لم تخف ان الاسير وسواه اتصلوا بعين الحلوة وبمن فيه اكثر من مرة طالبين النجدة والمدد فلم يجدوا الابواب مفتوحة ولا الآذان صاغية.
وهكذا اثبت الفلسطينيون في لبنان على اختلاف انتماءاتهم وميولهم انهم شبّوا عن الطوق، ولم يعودوا احتياطاً لأي جهة، أو لم يعودوا حقل تجارب لمشاريع مشبوهة ومدمرة مثل مشروع شاكر العبسي.، واستطراداً لم يعودوا بندقية للإيجار.
وغالب الظن انهم اتعظوا من العبر والدروس ولو متأخرين!
إسرائيل السادسة في تصدير الأسلحة عالمياً: مبيعات بقيمة 2.4 مليار دولار في 2012
حلمي موسى/السفير
أظهرت دراسة أعدها ونشرها مركز دراسات تابع لمجلة «جاينز» الدفاعية أن إسرائيل تحتل المرتبة السادسة في العالم في قائمة مصدري السلاح الدولية. ووفقاً للدراسة، التي نفذتها شركة «IHS Jane’s»، فإن إسرائيل باعت في العام 2012 أسلحة ومعدات عسكرية لدول أجنبية بحوالي 2,4 مليار دولار لتسبق بذلك دولاً مثل إيطاليا والصين، ولتتبع الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا. ومن المحتمل أن تكون الدراسة قد «ظلمت» إسرائيل، وأنزلتها من مرتبة أعلى، خصوصاً أن قسماً كبيراً من صادرات الأسلحة الإسرائيلية لا يعلن عنه. وللمفارقة، فإن السعودية هي ثاني أكبر مستورد للسلاح في العالم بعد الهند.
وتظهر الدراسة السنوية لهذا المركز أن الولايات المتحدة لا تزال تحتل المكانة الأولى في قائمة الدول المصدرة للسلاح، وأنها تنال حصة الأسد من كعكة الصادرات، إذ بلغت صادراتها العسكرية حوالي 28 مليار دولار في العام 2012. وبعد أميركا، تأتي روسيا التي باعت أسلحة ومعدات عسكرية بأكثر من عشرة مليارات دولار في العام ذاته. ثم فرنسا التي باعت بحوالي 4,5 مليارات دولار، وتلحقها بريطانيا بأربعة مليارات دولار. وبعد ذلك هناك ألمانيا، التي باعت أسلحة ومعدات عسكرية، بحوالي ثلاثة مليارات دولار، تليها إسرائيل في القائمة بـ 2.4 مليار دولار.
وتجدر الإشارة إلى أن تقريراً نشر في صحيفة «غلوبس» الاقتصادية الإسرائيلية أشار إلى أن عقود صادرات إسرائيل الأمنية في العام 2010 زادت عن 7.3 مليارات دولار. ونقلت الصحيفة عن مصادر مطلعة، أن عقود صادرات العام 2010 تقارب صادرات العام الذي سبقه، والتي زادت هي الأخرى عن سبعة مليارات دولار.
ومعروف أن حوالي 80 في المئة من إنتاج صناعة السلاح الإسرائيلية معد للتصدير، وأن الصادرات هي ما تسمح لإسرائيل بتطوير أسلحة خاصة للجيش. وأضافت «غلوبس» أنه تم تسجيل عقود بقيمة 3.5 مليارات دولار في العام 2005، وعقود بقيمة 4.9 مليارات دولار للعام 2006، وأخرى بقيمة 5.6 مليارات دولار للعام 2007، بالإضافة إلى عقود بقيمة 6,6 مليارات دولار في العام 2008. وربما تظهر هذه المعطيات أن صادرات إسرائيل الفعلية أكبر مما أشار إليه تقرير «IHS Jane’s».
وتعتبر الدراسة أن إسرائيل تقدمت على إيطاليا والصين وكندا والسويد في تصدير السلاح. ومع ذلك تلاحظ أن الدولة العبرية تحتل المكان الثاني في قائمة الدول مصدرة الطائرات من دون طيار بعد الولايات المتحدة، الأمر الذي يخالف دراسات نشرتها معاهد دولية هامة أفادت بأن إسرائيل هي أكبر مصدر لمثل هذه الطائرات في العالم. وربما لحل هذا التناقض تشير الدراسة إلى أن إسرائيل ستبيع في العام المقبل ضعف ما ستبيع الولايات المتحدة من الطائرات من دون طيار لتغدو المصدر الأكبر. وتضيف الدراسة أن صادرات إسرائيل العسكرية ازدادت بنسبة 74 في المئة مقارنة بصادراتها في العام 2008، خصوصاً بسبب الصفقات التي أبرمتها مع الهند.
ومعروف أن الهند هي أكبر مستورد للسلاح في العالم، وهي تشتري سنوياً من الخارج بأكثر من خمسة مليارات دولار. أما السعودية فتحتل المكان الثاني باستيراد حوالي 3.7 مليارات دولار، تليها الإمارات باستيراد أسلحة بقيمة 3.5 مليارات دولار سنوياً.
ولاحظت الدراسة أن صفقات الأسلحة، التي أبرمتها هذه الدول الثلاث، تعاظمت «دراماتيكيا» منذ بدء الأزمة الاقتصادية العالمية. وتحتل تركيا المكان الرابع في استيراد الأسلحة بمبلغ 3.3 مليارات دولار، وتليها كل من مصر وكوريا الجنوبية وأستراليا والعراق، التي اشترت كل منها في العام الماضي أسلحة بأكثر من ملياري دولار.
وبحسب صحيفة «هآرتس»، التي نشرت تقريراً عن هذه الدراسة، فإن المركز يحاول أيضاً فحص ميول التصدير العسكري المستقبلية، وبالتالي ميزانيات الدفاع العالمية. ووفقاً للمركز، فإنه خلال أقل من عقد، ستكون ميزانيات الدفاع في الدول الآسيوية أكبر من ميزانية دفاع أميركا وكندا.
وفي المقابل، فإن حصة دول أوروبا الغربية في صفقات السلاح تقلصت في السنوات الأخيرة، فيما يواصل حجم الصفقات في بلدان الشرق الارتفاع.
وبحسب تقديرات المركز، فإن الميزانية العالمية لمواضيع الأمن ترتفع مع مرور السنين، وستصل في العام 2021 إلى 1.65 تريليون دولار، وهي زيادة بحوالي عشرة في المئة مقارنة بالعام 2013.
عموماً، ينشر هذا المركز ميزان التجارة لصفقات الأسلحة منذ بدء الأزمة الاقتصادية في العام 2008. وبحسب المركز، فإن التقرير يحلل 34 ألف مشروع شراء أسلحة ومعدات عسكرية.
ونقلت «هآرتس» عن محلل كبير في «IHS Jane’s» قوله عند نشر التقرير ان «سوق السلاح العالمي سيغدو عاصفاً جداً. ومن الجائز أننا وصلنا إلى ذروة أمنية مع هيمنة أميركية على سوق السلاح العالمي»، مضيفاً ان «شركات الأسلحة الغربية تواجه مشكلة لا حل لها، ولذلك فإن شمسها تغرب. وإسرائيل توشك أن تسيطر على سوق الوسائل غير المأهولة في العالم خلال العام 2013. أما تركيا، سنغافورة، كوريا الجنوبية والصين فإنها تحاول التنافس. وفي آسيا والشرق الأوسط ستباع أسلحة بمستوى عالمي، فيما تشتري الولايات المتحدة حالياً كميات من الأسلحة الاجنبية».
محمد عساف «الظاهرة».. غزة «الجديدة»
بكر عويضة/الشرق الأوسط
يوم استكملت حركة حماس سيطرتها على غزة (الجمعة 15 يونيو/ حزيران 2007) لم يكن محمد عساف أكمل السادسة عشرة (مولود في 10 سبتمبر/ أيلول 1989). نهار وصول محمد عساف إلى خان يونس، عائدا من بيروت بنجومية «آراب أيدول» عصر أول من أمس، الثلاثاء، كانت حماس أكملت ست سنوات في الحكم.
لماذا الربط؟ لكثرة ما طالعت من آراء استغربت، أو استهجنت، ظهور ظاهرة بحجم محمد عساف في ظل حكم موسوم بتشدد ديني. ثمة رأي يبالغ، إذ يضع سلطة حماس في سلة واحدة مع حركة طالبان. وهناك آراء يغيب عن أصحابها تباين درجات المرونة والتشدد بين الحركات الدينية.
وضع المسافة بين حماس وطالبان لا يلغي أننا أمام حالة جديدة. غزة محمد عساف 2013 ليست هي ذاتها غزة إسماعيل هنية 2007. ليس المقصود الشخص هنا، بل الحالة، إذ حتى لو أن فتح تجلس محل حماس الآن سيكون عليها إدراك التغيير الذي يحصل في المجتمع.
إذا كان الساسة هم من يكررون القول الشهير: «السياسة فن الممكن»، فكيف يمكن أن يغيب عن أذكيائهم أن في مقدم أسباب التمكن تفهم المزاج الشعبي؟ تفهم هكذا سيوجب المسايرة، وهي بدورها تبرر تحييد بعض مفاهيم متصادمة مع مزاج، توجه، إحساس، مطلب، أو ظاهرة ما، لأي منها حضور مهم ومؤثر بين الناس. والحال هكذا، سيكون مستغربا أن تجدف سلطة حماس، وكذلك إدارة الرئيس محمود عباس، باتجاه معاكس لتيار شعبي، عفوي، وجارف، أنزل محمد عساف في القلوب والمنازل منزلة يغار منها معظم السياسيين، في الحكم هم أم المعارضة.
ثمة مبالغة؟ ربما. لست متأكدا. إنما المؤكد أن محمد عساف مثال متألق يضاف إلى ظاهرة تتجاوز فلسطين، والعالم العربي، إلى الحيز الإنساني.
حتى مساء السبت 11 أبريل (نيسان) 2009 لم يكن أحد، خارج حدود معارفها، يعرف شيئا عن الاسكوتلندية سوزان بويل. صدعت حنجرة سوزان بـ«حلمت حلما» من رائعة فيكتور هوغو «البؤساء»*، فإذا بالذهول يسيطر على الجمهور، بدءا من لجنة تحكيم برنامج المواهب البريطاني (BGT). ثلاث دقائق غيرت مسار حياة سوزان بويل، ذات الاثنين والخمسين عاما، من مواطنة متواضعة إلى نجمة عالمية.
قبل 2008 قليلون داخل غزة ذاتها كانوا يعرفون الكثير عن محمد عساف. بعدها، اختلف الأمر. سمعنا عنه، وسمعناه يناشد بلده، بحنجرة ابن الحادية عشرة، أن «شدي حيلك يا بلد». بوسع أي متأمل، بشيء من التدقيق، لمقاطع من أداء محمد عساف، أن يلحظ قوة حضور النجم بين الجمهور، بدءا بلجنة التحكيم ذاتها. لست أدعي معرفة بالنقد الموسيقي، إنما لنقل إنني، مثل ملايين الناس، أخذت بتميز الصوت أولا، ثم إنني بعين الصحافي رحت ألحظ مدى التفاعل بين النجم وجمهوره، الثقة الواضحة بالنفس، الثراء في التنقل بعذوبة الغناء من فلسطين وجراحها، كوفيتها وأسراها، إلى شجن القلب في «كل ده كان ليه»، أو «الزينة لبست خلخالا»، و«يا بنت السلطان». كل هذا من شاب لم يزل دون الثالثة والعشرين، تذكر طلته بعندليب مصر والعرب، فكيف لا يحتل مكانة الظاهرة؟
ذلك كله، يجب أن لا يحول دون بعض الإشفاق على ما ينتظر محمد عساف، فنانا وإنسانا. الأرجح أن يحمل عساف الفنان فوق طاقته، إذا حوصر ضمن إطار الأغنية الوطنية. والأغلب أن يطالب محمد عساف، الشاب الفلسطيني، بأكثر مما يحتمل، كإنسان، من متطلبات الالتزام السياسي. بل إن الفنان النجم راغب علامة، الذي بدا شديد التفاعل مع عساف، سارع إلى إعطائه صفة «الصاروخ الفلسطيني»، تلك مشاعر وطنية مفهومة، إنما آمل أن يعطى محمد عساف، النجم الظاهرة، ما يستحق من فسحة الحرية الشخصية، وإمكانية الاستمرار في تطوير قدراته الإبداعية من ضغوط مرهقة.
مفرح أن ترى كل هذا الفرح يغمر الناس، لا في غزة وحدها، أو فلسطين من عكا إلى رفح، بل بين العرب أجمعين، كأنما طال الشوق للحظات بهجة تحلق كما الفينيق من بين ركام العذابات والآلام، إن بفلسطين، أو سوريا، أو العراق. شكرا محمد عساف. شكرا «إم بي سي».
* بدأ عرض مسرحية «البؤساء» الموسيقية في لندن ربيع 1985 ومستمر حتى الآن.
عساف… والجوع إلى انتصار
د. فايز رشيد(كاتب فلسطيني)/القدس العربي
لم يجمع الشعب الفلسطيني على قضية خارج القضايا المتعلقة بالشأن الوطني المباشر كما أجمع على تأييد الفنان الفلسطيني محمد عساف، في سباق برنامج’محبوب العرب’، الذي كسب لقبه عن جدارة وكفاءة. توّحد الفلسطينيون في كل مواقعهم، في الضفة الغربية وقطاع غزة، في المنطقة المحتلة عام 1948 وفي الشتات. البعض رأى في ظاهرة التأييد القوي مبالغة لا لزوم لها، خاصة أن البرنامج من وجهة نظرهم يعتمد على المصالح المادية للفضائية المنظمة أولاً وأخيراً، كذلك فإن أمام الشعب الفلسطيني قضايا أهم بكثير من قضية ‘تأييد عساف’، فلو كان المرشح للكسب غير فلسطيني لكان رأي الفلسطينيين غير الذي رأيناه. أيضاً حرّم البعض (مثل حركة حماس المسيطرة على قطاع غزة) بل قام بتكفير كل من يصوّت لصالح عساف أو يستمع اليه. وبالمناسبة خرج الأخير من حدود رفح عن طريق التهريب، بعد أن منعته سلطة حماس من الخروج، وكأنه إن شارك في مثل هذا البرنامج فقد اقترف إثماً عظيماً، وكأنه اقترف الخيانة بحق وطنه وبلده، وكأن الذين يصوّتون لصالح الشاب الفلسطيني خرجوا عن الدين الإسلامي الحنيف. خرج عساف من الحدود مجهولا وعاد بطلا وطنيا، استقبلته حشود جماهيرية لا تعد ولا تحصى. كتابات كثيرة تناولته في الصحافة، كما احتل فوزه أخبارا رئيسية في الفضائيات. الصحف الصهيونية غطت نجاحه وكتبت مقالات رئيسية عنه.
في نقاش وجهة النظر السابقة نقول، إن ما جرى هو ظاهرة طبيعية تماماً، فالشعوب تعيش أفراحاً واسعة وطويلة عند الفوز في مباراة كرة قدم، خاصة إن كسبت كؤوسا في مسابقات الكرة، وهي تعتز إذا استطاع أحد أبنائها كسب جائزة ما في تنافس مع دول اخرى، فلماذا ننكر على الشعب الفلسطيني هذا الحق؟ ولماذا نستكثر عليه الفرح تضامنا مع فوز كبير لأحد أبنائه؟ الفلسطينيون يعيشون في مرحلة تحرر وطني، وهم يعانون جراء قضيتهم الوطنية والمآسي التي اقترفت بحقهم وما تزال منذ قرن زمني تقريباً. هم بلا دولة مستقلة مثل باقي دول العالم. وهذا ما يضاعف من قيمة أي انتصار يحرزه فلسطيني في مجال ما، فرغم الظروف القاسية والصعبة وأجواء المخيمات في الوطن والشتات، ورغم العراقيل الموضوعة أمام الفلسطينيين، لم يمنعهم ذلك من تحصيل العلم في كافة المجالات، حتى أن نسبة المتعلمين في الشعب الفلسطيني هي من أعلى النسب بين الشعوب الأخرى على مستوى العالم، والكفاءات الفلسطينية موزعة في جميع انحاء القارات والدول، ونسبة الأمية بين الفلسطينيين هي من أقل النسب بين شعوب الأرض.
الفلسطينيون مبدعون في كافة المجالات، حتى أن الحجر تحول في أيديهم إلى سلاح مقاومة. الابداع الفني الثقافي الفلسطيني معروف وملموس. قامات وهامات كثيرة فلسطينية لها وجودها العالمي المعترف به دولياً مثل، ادوارد سعيد وهشام شرابي والشهيد غسان كنفاني ومحمود درويش وجبرا إبراهيم جبرا وإبراهيم طوقان وغيرهم من أجيال سابقة. الفلسطينيون لعبوا دوراً تنويرياً في العالم العربي، وهم من أكثر أبناء الأمة العربية الواحدة انشداداً إلى الوحدة العربية والتكامل العربي والعمل العربي المشترك، لأنهم يرون في ذلك قضية وطنية قومية، كما يرون أن الوحدة هي طريق مأمول لتحرير وطنهم المغتصب.
لقد لعب الوضع الفلسطيني الحالي المأزوم للأسف، بسبب الانقسام وتداعياته، من تراجع المشروع الوطني الفلسطيني عقوداً إلى الوراء، لعب دوراً في تعزيز ظاهرة التأييد لعساف، فأمام النكسات المتعددة التي واجهها شعبنا وقضيتنا، والاحباطات المتعددة بسبب الرهانات الخاطئة لقادته المتنقذين، في التقرير بشأن القضية الوطنية، أصبح يبحث عن انتصارٍ أيِّ انتصار، فوجد التجسيد في المراهنة على عساف في سباق عربي متين، فالأصوات الثلاثة المتبقية للحلقة الأخيرة هي كلها أصوات قوية ومرشحة للفوز.
إن من أبرز أهداف الفن والثقافة، هو خدمة الناس، وفي الحالة الفلسطينية هو خدمة القضية، فلا فن من أجل الفن وفق الفهم الأول الأفلاطوني للقضية، وإنما فن من أجل مشروع ثقافي، وفي الحالة الفلسطينية هو خدمة المشروع الوطني. لقد جسّد عساف في أغانيه المنتقاة هذا الهدف، ولذا ازداد الناس تعاطفاً معه. لقد رفض محمد عساف مديح الناطق باسم الجيش الإسرائيلي أميخاي أدرعي له (على صفحته في الفيسبوك) وأجاب هذا العدو المتطرف ‘إنني اضطررت اضطراراً للاطلاع على صفحتكم وإنني أرفض المديح من قبلكم لأنكم معتدون ومحتلون لأرضنا’، عساف كتب هذه الجملة على صفحته هو وليس على صفحة الناطق باسم جيش الحرب الصهيوني.
الابداع الفلسطيني بما فيه ابداع عساف وإنجازاته، هو جزء أصيل من الابداع العربي العام، هذا الابداع الذي يتأسس على الثقافة العربية الأصيلة، هذه التي تشكل جبهة ثقافية صلبة، أثبتت أصالتها في كل المعارك التي واجهتها وتواجهها الأمة العربية. وفيما يتعلق بهذه الجبهة والعدو الصهيوني يمكن القول إن الجبهة الثقافية العربية ظلّت عصية على الكسر، رغم الانكسارات العديدة في الجبهات الأخرى. الجبهة الثقافية ظلت ضد التطبيع مع العدو الصهيوني، رغم محاولاته اختراقها. لا يمكن أن يتم التطبيع بين ثقافة تحررية أصيلة متغلغلة في أعماق التاريخ ومشاريع ثقافية عديدة تبعاً للأجناس العديدة التي تتبناها، وهذا بالضبط ما هو قائم في الكيان الصهيوني الوليد منذ ما يقارب الستة عقود، فلا يمكن القول بوجود ‘ثقافة إسرائيلية’، رغم المحاولات الصهيونية لتسييد مقالة ‘الثقافة اليهودية الواحدة’. الإسرائيليون جاءوا مستوطنين غزاة من دول عديدة في كل انحاء العالم، فما هو الرابط الثقافي بين يهود جاءوا من روسيا ومهاجرين يهود جاءوا إلى فلسطين من إثيوبيا، على سبيل المثال لا الحصر. مفهوم ‘الثقافة اليهودية الواحدة’ هو مفهوم مزّيف، حاولت الحركة الصهيونية، وهي تحاول وستظل تحاول تمرير وتأصيل هذا المفهوم، من أجل الربط بينه وبين التاريخ، الذي يحاول الإسرائيليون الاتكاء عليه.
التاريخ الحضاري الثقافي الفلسطيني العربي هو أيضاً موجود منذ أن وُجد التاريخ، وهو النبع الذي يستقي منه مبدعونا أعمالهم الأدبية وفنونهم في كافة المجالات. فلسطين كانت منارة في التاريخ القديم، وهي ما تزال حتى هذه اللحظة، حاول الإسرائيليون وما يزالون البحث عن آثار تربطهم بفلسطين وتاريخها، لم يجدوا. هذا ما أجمع عليه كل خبراء الآثار والمنقبين على صعيد العالم. وأمام هذا الخواء التاريخي لجأ الإسرائيليون إلى سرقة التراث الفلسطيني، من زي شعبي وأكلات شعبية والادعاء بأنها إسرائيلية، خدمة لمقولة زائفة يرددونها هي مقولة ‘الثقافة الإسرائيلية’ التي لم تكن، وهي غير موجودة، ولن تكون مستقبلاً. مهما طال العمر بالوجود الإسرائيلي، فسيظل شارعه مزيجا من الفسيسفاء الإثنية العرقية المختلفة (وفقاً لأصولها السابقة) التي لا ولن تنتج ثقافة موحدة.
يبقى القول، ان محمد عساف مبدع فلسطيني عربي عليه الارتقاء بالتراث الشعبي الغنائي الفلسطيني، وما أكثره، على طريق الارتقاء بالاغنية العربية الهادفة الملتزمة وهو يمتلك الموهبة والثقافة التي تؤهله لأن يلعب هذا الدور.
محمد عساف 67 مليون صوت
ابراهيم عبدالمجيد القيسي/الدستور الأردنية
كنت حضرت حلقتين فقط من برنامج «أراب أيدول»، فكتبت في هذه الزاوية يوم 18 الجاري مقالة بعنوان (محمد عساف محبوب العرب)، وهي ليست نبوءة بالطبع، لكنها تقع في باب توصيف منطقي لوهج ولمعان نجم عربي بمثل هذا التألق، وحين يحصل محمد عساف على 67 مليون و400 الف صوت، فهذا يعني الكثير، ولا أعتقد أن جهة سياسية أو فنية أو اقتصادية في الوطن العربي جميعه «أعني بلا سايكس – بيكو»، يمكن لها أن تحصل على مثل هذا الرقم من التصويت وبمثل هذه البساطة والسلاسة والاستحقاق، لكن الفتى العربي الفلسطيني ابن المخيم، حصل عليها ولم يكن يتوقع أن يقوم عربي واحد بالشهادة له على الملأ بأنه نجم عربي، علما أن النجومية التي أتحدث عنها هنا ليست نجومية «فنية – غنائية» فقط..
الضخامة والفخامة، من سلالات الرقم المذكور في العنوان، ستكون أرقام محمد عساف، ولن يمر وقت طويل ليتقاضى أكبر أجر عن حفلاته، وستكون لديه أكبر فرقة موسيقية، وسيلتف حوله أكبر الملحنين والموزعين والمنتجين والشركات المختصة، وهذه أيضا ليست نبوءة، فالمنطق وال67 مليون صوت تقول هذا، ولا أقول إفكا لو نصحت محمد عساف بأن لا يظهر على أية فضائية بلا أجر، لأن مجرد إعلان الفضائية أنها ستسضيفه سيجعلها تحظى بأعلى نسبة مشاهدة، ولو قامت فرقة «العاشقين» الفلسطينية بتوجيه دعوة «وطنية» لمحمد عساف ليشاركها في ليلتها على هامش مهرجان جرش الذي تم إطلاقه أمس، لغصت كل المدينة الأثرية بالجماهير، افعلوها، وسوف يلبي «السفير».. وربما يستطيع أن يحفظ بسرعة أغنية من أغاني التراث الأردني، ويؤديها خلال ليلة «العاشقين» في مهرجان جرش الحالي..
الاستقبال الذي حظي به محمد عساف في غزة، وفي المخيم الذي يقيم فيه، استقبال تاريخي بكل معنى الكلمة، وخبره، حظي بأكثر القراءات على كل المواقع التي نشرته، فالخبر بحد ذاته «أغنية»، كما هي طريقة وصول محمد عساف ، حين خرج من غزة الى الفندق الذي تجري فيه المسابقات الأولية لمشتركي «أراب أيدول»، كلها «أغان ممكنة» لو استطاع رأس المال الفلسطيني التقاط هذه الصفقة الرابحة على كل المستويات..
في مقالتي التي تم نشرها في هذه الزاوية بتاريخ 11الجاري، والتي كانت بعنوان «الجاز العربي غضب من ذهب»، تحدثت عن «تخوفي» من أن يصبح محمد عساف هدفا مشروعا للموساد الإسرائيلي، الذي دأب على قتل فلسطين وكل ابداع فيها ومنها، وبعد أن حظي عساف بكل هذه الشعبية، وعبر «قليلا» عن هويته الثقافية الحقيقية، فالتخوف سيكون في مكانه بلا أدنى شك، لهذا أتوقع أن يكون هناك أيضا «أكبر عدد من الحرس الشخصي حول النجم عساف»، علما أن السياسة ليست من «الأغاني الممكنة» لمحمد عساف، أي يجب أن ينأى بنفسه عن «التورط» في السياسة، ويكتفي برسالة الحس والجمال الإنساني، فهي أهم وأكثر أثرا من منابر السياسة وشللياتها، بل هي السياسة الحقيقية التنويرية التي تنصف الناس وتقود الجماهير..أرواحها وعقولها.
لو قدّر لي أن اقدم نصيحة فنية لمحمد عساف، بخصوص ما يجب عليه أن يغني، أو يستخدم من موسيقى، فسأقترح عليه موسيقى «الجاز»، لأنها موسيقى خرجت من رحم الكبت والتحرر من العبودية والاحتلال، وهي بحد ذاتها «ثورة»، تشبه قصة وصول محمد عساف الى برنامج عرب أيدول وخروجه منه نجما مختلفا عن كل النجوم..
محمد: لماذا لم تغن حافية القدمين للقيصر كاظم الساهر في برنامج «أراب أيدول»؟ افعلها إذا توفرت الموسيقى والفرصة، وصحح عبارة واحدة فيها أثناء الأداء، فقل : «ترقص حافية القدمين في مدخل شرياني» ولا تقل «ترقص حافية القدمين بمدخل شرياني»، أنت تتميز بأنك «تُشبع المقام الموسيقي بصوتك»، وهذه عبارة ربما غفل عنها القيصر، ولم تخرج مشبعة..
أشبع الشريان ومدخله ووجعه المقيم في كل مقاماته، لأن للإبداع رسالة تنويرية عظيمة ؛ أنت الآن رسولها وسفيرها لشعب عربي وليس فقط لفلسطين المغدورة وشعبها المقهور..
الفلسطيني الذي هزم أوباما
د. صبري صيدم/القدس العربي
قد لا يشكل انتصار ما في مسابقة غنائية للبعض مادة تستأهل الكتابة عنها. لكن حجم الملاحظات التي صاحبت هذا الانتصار استوجبت التوقف عندها.
فمن شدة الشوق للانتصارات ذهل الفلسطينيون قبل أيام عندما أعلنت النتائج التي بالمناسبة فاقت عدد المصوتين للرئيس أوباما ذاته، قبل مدة بسيطة في انتخاباته الرئاسية.
ومع هذا الانتصار خرج الفلسطينيون في أصقاع الأرض ومعهم كل من أحب المطرب الشاب فرحين مهللين، في مشهد غير مألوف أو مسبوق، مما يدلل على ثلاثة أمور مهمة:
أولها أن سواد الانقسام ورهان الاحتلال على تشرذم الفلسطينيين وعدم إمكانية إجماعهم على أحد قد انهار، خاصة بعد أن أجمع الفلسطينيون على شاب كبير بصوته ففـــرحوا لإنجازه وصفقوا له، رغم تحفظ البعض منهم على المسابقة ذاتها وعلى الأولويات والاهتمام بها دون غيرها، ودون قضايا أخرى ملحة.
وثاني هذه القضايا هو غياب الشعور الفلسطيني بالقدرة على الانتصار بشيء، فما أن أعلنت النتيجة إلا وصدم الفلسطينيون بالفعل فأعلنوا انتفاضة العاطفة وخرجوا بمركباتهم وألعابهم النارية في عواصم عدة ليعبروا عن سعادة غامرة وغير مسبوقة.
ثالث الأمور هو حالة الإجماع العربي والفلسطيني القادر على تحقيق الإنجاز بصورة تجتمع فيها جهود المؤسسة الرسمية والقطاع الخاص والناس بكامل مكوناتهم لينتصروا للإنجاز، خاصة بعدما أحدث الانقسام شرخاً كبيراً ومحزناً في نسيج حياتنا.
أحد البسطاء وهو بائع زيتون في بيت لحم دعا زبائنه للتصويت للمطرب الشاب عبر هواتفهم المحمولة أمام ناظريه مقابل منحهم حفنة مجانية من زيتونه، وعندما سأله الناس قال بأنه لا يمتلك مالاً لدعم المطرب الشاب فاختار أن يوهب زيتونه لتحقيق قناعاته.
روح العطاء المتجددة هذه وظاهرة الفوز هذه وما صاحبها من صخب استجلبت اهتمام إعلام المحتل فتحدث عنها بنوع من الاستغراب والحسد والشعور بحالة من ‘استكثار’ هذا الإنجاز على الفلسطيني المحتل.
وأمام هذه الملاحظات وجب التأكيد على أهمية الاستفادة من هذه التجربة، بإيلاء كامل قضايانا الوطنية كامل الاهتمام والجهد ومن الجميع، خاصة مؤسساتنا الرسمية وفصائلنا، لذلك فإن الجميع بانتظار صخب جديد لاحتــفال أكبر يصاحب احتفاءنا بحرية أسرانا وإنهاء الانقسام والخلاص من الاحتلال.. وإلا بقيت انتصاراتنا موسمية الحدوث!
على ماذا يراهن.. أُوجلان؟!
محمد خروب/الرأي الأردنية
في وقت تزداد فيه عزلة رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان الدولية، وتتوالى الانتقادات اللاذعة على قمعه لاحتجاجات المتظاهرين السلميين وخصوصاً في ميدان تقسيم وبروز معارضة شعبية شبابية وعمالية، تزداد حضوراً ودوراً في المشهد التركي، وتفسح في المجال لحدوث تغيير في موازين القوى السياسية والحزبية، بعد ان هيمن رئيس حزب العدالة والتنمية على القرار السياسي مستنداً الى شعبية ما تزال عند ضفاف نصف الناخبين الذين منحوه فرصة غير مسبوقة في الانتخابات البرلمانية الاخيرة عندما فوضوه الحكم لدورة ثالثة، وهو امر لم يسبق لأي حزب ان ناله منذ قيام الجمهورية قبل تسعين عاماً (1923).
نقول: في هذا الوقت الذي يواجه فيه اردوغان اكبر ازمة سياسية (ودبلوماسية ايضاً) منذ بروزه نجماً على الساحة التركية بل والاقليمية التي عبر منها الى الدولية، وقرار الاتحاد الاوروبي بتأجيل البحث في فتح «فصل جديد» من المفاوضات الرامية الى قبول تركيا عضواً في النادي المسيحي كما وصفه اردوغان.. منتقداً، يثير «اصرار» عبدالله اوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني التركي (PKK) على المضي قُدماً في عملية السلام اكثر من سؤال، وبخاصة ان المرحلة الاولى التي قيل انها انتهت (انسحاب مقاتلي الحزب من تركيا باتجاه جبال قنديل في اقليم كردستان العراق وهناك من قال ان بعضهم استقر في كردستان الغربية وهو الاسم الذي يُطلقه الكرد على المناطق ذات الاغلبية الكردية في سوريا)..
فهل ثمة ما يبرر في نظر الزعيم الكردي «المحتجز» في سجن جزيرة ايمرالي؟ وهل يعتقد السيد آبو (كما يحلو للكرد الاتراك مناداته) ان تنفيذ اتفاق ايمرالي، يحتل اولوية على جدول اعمال السيد اردوغان الذي يواصل جولاته الخطابية الرامية الى استعادة شعبيته او ايصال رسالة واضحة لمعارضيه بان جمهوره «جاهز» لمواجهتهم وانه عند الوعد (اقرأ التهديد) الذي كان قطعه على نفسه، وهو انهم اذا حشدوا مائة الف فإنه سيحشد مليوناً.. بل هو قال قبل يومين في تحد للجميع وامام احتفال للشرطة: ان الشرطة التركية «كتبت ملحمة بطولية.. قوات شرطتنا اجتازت بنجاح امتحان ديمقراطية»؟
من السابق لاوانه معرفة الاسباب التي دعت اوجلان الى اعلان دخول «عملية السلام» مرحلتها الثانية، وبخاصة ان الرجل كان قد أيّد من سجنه احتجاجات الميادين ودعا المشاركين الى عدم الوقوع في افخاخ اليمين، ما دفع احد نواب اردوغان الى تحذيره من استغلال هذه الاحداث وان لدى الحكومة ما تقوله في هذا الشأن، إلاّ ان النص المصاحب لاعلان اوجلان الانتقال الى المرحلة الثانية والذي جاء في بيان اصدره حزب السلام والديمقراطية الذراع السياسية لحزب العمال الذي يتزعمه اوجلان، يشي بان الرجل في موقف ضعيف او انه (في قراءة اخرى) بات على قناعة بان عملية السلام لن ترى النور، وان مستقبل اردوغان السياسي بات غير مضمون وبالتالي فإن خليفته، إن بقي حزبه في السلطة قد لا ينفذه او يلغيه، ما بالك اذا ما جاء ائتلاف معارض يقوده حزب الشعب الجمهوري او الحركة القومية المتطرفة، ولهذا فإن إصدار بيان مهادن او لفظي او اي تسمية يمكن ان تطلق عليه، لن يكلف اوجلان شيئاً ما تعكسه المفردات والمصطلحات الهادئة او الخانعة (لا فرق) التي جاءت فيه «.. أتمنى ان تُقيّم الدولة اقتراحاتنا بخصوص المرحلة الثانية، بشكل صائب، وتتوصل الى النتائج السليمة ورغم تعطيل من بعض القوى، انا مُصرّ على المضي في هذه العملية واعتقد اننا سنحقق نجاحا»!
بيان صيغ بلغة مهزوم او مستسلم لقدره، اللهم إلاّ اذا كان مناورة سياسية واعلامية تستهدف تفويت الفرصة على اي جهة، يمكن ان تحمّله مسؤولية فشل «العملية» وإلا فما معنى.. اتمنى، او...شكل صائب، او..نتائج سليمة، و..أَعْتقد؟
ربما يمكن القول ان ليس لدى اوجلان ما يخسره الان بعد ان انسحب مقاتلوه الى جبال قنديل وترك القنبلة الكردية (إن جاز الوصف) في حضن اردوغان الممتلئ (حضنه) بالقنابل سريعة التفجير والتدمير، والتي قد تطال «شظاياها» مستقبله السياسي وترسله الى صحراء العزلة، وفي كل الاحوال فإنه (اردوغان) لن يكون هو اردوغان ما قبل 31 ايار 2013 يوم اندلاع الاحتجاجات.
هل ثمة حكمة في تصريح اوجلان ام رهان على مجهول؟
.. الأيام ستقول!
أمير قطر صانع ثروتها من الغاز
رندة تقي الدين/الحياة اللندنية
خلال زيارة الرئيس فرانسوا هولاند إلى الدوحة يومي السبت والأحد الماضيين تسنى للرئيس الفرنسي أن يرى تطور قطر العمراني والصناعي. كما تسنى له أن يسمع من الأمير الشيخ حمد بن خليفة نواياه بتسليم زمام الحكم إلى ولي عهده الشاب الشيخ تميم (٣٣ سنة) الذي كان حاضراً في جميع لقاءات والده مع ضيفه الفرنسي. لا شك أن تسليم الأمير الشيخ حمد وهو من مواليد عام 1952 زمام الحكم لولي عهده أثار تساؤلات عدة وتعجباً كبيراً وهو ما زال في سن يتيح له الاستمرار في مهمته. إلا أنه أوضح في خطابه أمس ثقته بقدرة ولي العهد على تولي مهمة هو معد لها. كما أن الشيخ حمد أدلى بثقته بالجيل الشاب الذي سيتسلم زمام الحكم في البلد. فأمير قطر الشاب الشيخ تميم تسلم من والده بلداً كان إمارة ذات عائدات محدودة جعلها من أغنى دول العالم برؤيته لتطوير صناعة الغاز الطبيعي. ففي ١٩٩٥ كانت قطر منتج نفط صغيراً يصل إنتاجها إلى حوالي٨٠٠ ألف برميل في اليوم من النفط الخام ولم يطور إنتاج الغاز قبل وصول الأمير حمد إلى الحكم، فحول بلده إلى أكبر منتج للغاز الطبيعي في العالم مع دور أساسي في بناء صناعة الغاز لوزير النفط السابق عبد الله حمد العطية.
فقطر تملك أحد أكبر احتياطي للغاز الطبيعي في العالم في حقل الشمال الذي حرص أمير قطر على الاستفادة منه وسلم مسؤولية بناء هذه الصناعة إلى العطية الذي بتوجيه وثقة ورؤية الأمير استطاع أن يبني صناعة غاز ونفط ويعترف له الكل في شركات النفط العالمية بهذا الإنجاز الضخم . فقطر تنتج حالياً من الغاز الطبيعي المسال ما يعادل ١،٨ مليون برميل في اليوم من النفط. فاكتشاف حقل الشمال من الغاز يعود إلى ما قبل وصول الأمير الشيخ حمد إلى الحكم. ولكن رؤية الشيخ حمد مكنته من الاستفادة من قيمة هذا الغاز. فوقع عقوداً طويلة الأمد مع عدد من الدول في آسيا وأوروبا والولايات المتحدة. وهذه العقود مكنت قطر من إطلاق هذه المشاريع. فتحليل الأمير والعطية آنذاك أن أسواق آسيا وأوروبا والولايات المتحدة كانت بحاجة إلى هذا الغاز. ورؤية الأمير في تطوير بلده بواسطة تطوير صناعة الغاز المسال الطبيعي حققت نجاحاً فاق التوقعات. لم يكن أحد يتوقع أولاً أن سعر النفط سيبلغ يوماً مئة دولار للبرميل. كما أن أحداً لم يتوقع تعطش دول آسيا للطاقة وللغاز المسال. فعنصرا سعر النفط والطلب الآسيوي للغاز مكنا من وضع قطر من بين أغنى دول العالم. وأميرها الذي سلم الحكم لولي عهده أمس كان طور صناعة الغاز المسال في وقت كانت تكاليف هذا التطوير معقولة. في حين أنه لو أنشأ اليوم ما تم بناؤه لصناعة قطر للغاز آنذاك لكان تطلب ذلك ثلاثة أضعاف ما صرف من استثمارات عندما أطلقها الأمير.
لقد قرر الشيخ حمد إنشاء هذه الصناعة في نهاية التسعينات وهي اليوم تنتج بقدرة كاملة وتزود الأسواق بحاجة كبيرة إلى هذا الغاز والنفط. وعندما وصل الأمير حمد إلى الحكم كانت قدرات قطر المالية محدودة كون سعر النفط كان أقل بكثير من الآن. فقرار تطوير صناعة الغاز كان سباقاً ورائداً من حيث حداثته في التقنيات وفي طريقة التعاقد وجذب الاستثمارات العالمية. وأعطى أمير قطر إمكانيات مالية باهظة مكنته من تحويل قطر من إمارة صغيرة إلى دولة ذات ثروة مالية ضخمة أعطته الإمكانيات لوضعها على خريطة العالم ولعب دور يفوق حجم البلد الصغير.
فالأمير الجديد الشيخ تميم يتسلم بلداً عائداته من الغاز والنفط تبلغ حوالى ٧٠ بليون دولار سنوياً جاءت نتيجة رؤية والده الطويلة الأمد التي نفذها بنجاح معترف له عالمياً وزير نفطه عبد الله حمد العطية. والأمل أن يكون للأمير الشاب فريق عمل يستكمل تحديث البلد وتطويره على النهج الذي أطلقه والده على الصعيد الصناعي والغازي والتحديث عموماً.فلسطين.
الأمير تميم والإخوان
نيوتن/المصري اليوم
ترك الأمير حمد الحكم للأمير تميم. قرأت تعليقات كثيرة. كلها تشير إلى ضغوط. لم يترك الأب موقعه للابن طوعاً. ضغوط عائلية. ضغوط صحية. ضغوط دولية. ضغوط خليجية. أدرك الأب أن وقته انتهى. قرر أن يخلى الحكم بدلاً من إجباره على ذلك. رجل فطن. ذكى جداً. صحته لم تساعده على الإكمال. أو طلب ابنه وزوجته أن يترك منصبه. أو غضبت الولايات المتحدة لأنه ساعد القاعدة فى سوريا. أو يريد أن يترك المقود للسعودية. كلها عوامل فيها جَبْر. يخرج معه حمد بن جاسم بن جبر.
تغيرت قطر. تغيرت معادلة فى المنطقة. اعتمد الإخوان على قطر. دعمتهم. ساعدتهم. أقرضتهم. رَعَتْهم. وضع مقلوب. دولة صغيرة ساندت حكم دولة كبيرة. أغضب هذا المصريين. خصوم مبارك قبل مؤيديه. لدى المصريين كبرياؤهم. استوعبت قطر. لم يستوعب الإخوان. قد لا تقرض قطر مصر مجددا. قد لا تعينها بنفس الطريقة. لا يوجد صديق آخر للإخوان. فقدت الجماعة حليفها الأوحد.
لن تصبح قطر خصماً للإخوان. غير منطقى. الحميمية انتهت. الغاز الذى تقدمه الدولة الصغيرة لمحطات الكهرباء لن يكون مضموناً دائماً. تحالفات كبيرة ترتبك حين يختفى عنصر فيها. الدول الصغيرة ليست مثل الدول الكبيرة. تكون شخصية. سياستها ترتبط بالأفراد. الأمير الأب سيغادر بلده. يترك الساحة لابنه. الأمير الجد والد الأب كان خارج بلده. يعيش الآن منعزلًا. الأمير الحفيد بيده الدفة. لماذا يمكن أن يواصل الأمير تميم خط أبيه مع الإخوان.
لن يرث الابن خصومات أبيه. تغير أبوه لكى يتخلص من خصوماته. تتعقد مشكلات فلا يكون حلاً لها سوى التغيير. عملت فى شركات كبيرة. تعلمت هذه الخبرة. إذا وصلت لطريق مسدود.. غيِّر طريقة التفكير. اجبر المسؤول على أن يغير أسلوبه. لو لم يكن مرناً يجب أن يترك موقعه. بعض الصفقات تتعطل بسبب الأشخاص. صفقات أخرى لابد من تعطيلها فلا يمكن ذلك فى وجود نفس الأشخاص. وقتها يرحلون. أو يُجبَرون على الرحيل. تبدأ أوضاع جديدة فى التشكل. كل مسؤول جديد يريد أن يقول إنه ليس مثل سابقه. حتى لو كان ابنه. إذا قال إنه سيمضى على نفس النهج لا تصدقه. طبيعة الأشياء.
لو بقى الرئيس مرسى فى الحكم سيكون بلا حليف. الولايات المتحدة حليفة الجيش فى مصر. لا أعتبرها حليفة الإخوان. لها مصالح مع الإخوان. ليست حليفتهم. الإخوان بلا صديق. السودان لا يمكن أن يساعدهم. الإمارات ضدهم. السعودية ليست معهم. ليبيا منهارة. أوروبا تتفرج. إيران يمكن أن تلتهم الجماعة. لا حلفاء فى الداخل. لا حلفاء فى الخارج.
أوجه تحية للأمير الذى ترك حكمه. استوعب حقائق الأمور. لو كان أجرى مكالمة مع الرئيس مرسى ونصحه.. يكون فعل خيراً. لم أقرأ بشأن مكالمة أخيرة بينهما.
"الجزيرة": الخبر المهم والمواكبة الرديئة
جهاد الزين/النهار اللبنانية
رصد السياسات الدولية والإقليمية في منطقتنا لم يعد ممكنا منذ سنوات طويلة من دون قناة "الجزيرة" حتى مع تراجع مصداقيّتها الخبرية بسبب ضخامة التزامها السياسي. مع ذلك، يوم أول من أمس كان مختلفا جداً على هذه الشاشة؟
تُروى الروايات عن علاقة أمير قطر (السابق) حمد بن خليفة آل ثاني بقناة "الجزيرة"، بعضُها يبلغ مفعول الأسطورة، ومنها أن لقاءً بين الأمير في إحدى زياراته لواشنطن في ذروة نفوذ "المحافظين الجدد" وبين نائب الرئيس يومها ديك تشيني استغرق بضع دقائق فقط لأن تشيني بدأ المباحثات بطرح ملف قناة "الجزيرة" فسأله الأمير: هل هناك ملفات أخرى؟ فقال له تشيني: هذا هو الملف الوحيد. فأجابه الأمير: وهل أتيت إلى هنا لمناقشة ملف واحد؟ يجب أن تكون هناك ملفات أُخرى. ولما أصر تشيني على موقفه انتهى الاجتماع الخاطف.
لا شك أن قناة "الجزيرة" التي تحوّلتْ إلى أول ظاهرة عالمية في الإعلام العربي ساهمتْ في تكبير الوزن السياسي للحكم في قطر وكانت أحدَ أركانِ مُثَلّثِ نفوذٍ غيرِ مسبوقٍ تمارسِهُ إمارةٌ صغيرة في الخليج حتى قياسا بتجربة الكويت في الستينات والسبعينات: المال- العلاقة مع التنظيم الدولي لـ"الإخوان المسلمين"- القناة التلفزيونية.
لقد ترافقت منظومة النفوذ هذه مع شبكة علاقات سياسية أيضا غير مسبوقة التركيب: إيران وإسرائيل و"طالبان" (ومن خلال "الجزيرة" مع "القاعدة"). مرّت هذه التواصلاتُ وامتداداتُها طويلاً بِـ"حزب الله" وسوريا ولكنها انطبعتْ بطابع مسافة سلبية مع المملكة العربية السعودية الدولة الكبرى في الخليج بل "العصبية" الكبرى في الخليج.... إلى أن بدأ "الربيع العربي" فإذا بقناة "الجزيرة" تنتقل (مع قناة "العربية" السعودية) من تغطية الحدث إلى صناعة الحدث! كانت تلك ذروةَ مجدِها السياسية وبداية انحدارها الإعلامية إن لم يكن "موت" الحقبة التأسيسية فيها. كانت "الجزيرة" على الأقل "تستشهد" إعلاميا داخل ولصالح عملية تغيير سياسي أو ولادة سياسية تاريخية في المنطقة.
لم نكن نعلم أن حقبة مؤسّس القناة هي التي ستنتهي أيضا إلا بعد الأنباء التي بدأت بالتواتر في الشهرين الماضيين والهمس الذي سبقها في العام المنصرم عن صعود نجم ولي العهد وبدء الحديث من أوساط جادة عن مواصفات الشيخ تميم التي ستنعكس في تعديلات جادة في السياسات القطرية. وإحدى الشخصيات العربية التي التقيتُها في الدوحة خلال مناسبة في الخريف المنصرم والقريبة من الشيخ تميم، أكّدت (بعد مديحها طبعاً لشخص ولي العهد يومها) أنه شخصية ستضع لمستها الخاصة على التوجهات القطَرية نحو الانكفاء – أو على الأقل التغيير – في بعض المجالات الخارجية والتركيز على مجالات أخرى أكثر اتصالا بالداخل القطَري والخليجي؟
عندما زرتُ مركز قناة "الجزيرة" قبل أكثر من عشر سنوات فوجئت بتواضع مكاتب القناة قياسا بأهميتها والضجيج الذي تثيره. فالمكاتب على ما رأيتها كانت من الخارج أشبه بمقر شركة بناء على أرض الورشة التي تعمل عليها ومبنيةً من المواد الجاهزة الصنع وداخلها مجموعة كبيرة من المكاتب المتلاصقة تنتهي بمكتب المدير العام.
وعندما شاهدتُ أول من أمس نمط تغطية "الجزيرة"، القناة العربية لا الإنكليزية، لحدث تسليم الشيخ حمد السلطة لولده الشيخ تميم تمنّيتُ لو كانت التغطية مختلفة. فقد تحوّلت هذه القناة على مدى نهار أمس إلى قناة رديئة وسطحية تشبه كل قنوات السلطات التي تمجّد الحاكم بلغة ممالأة مكشوفة. لم تكن "الجزيرة" تشبه الحد الأدنى مما تعوّدنا عليه منها قبل وحتى بعد انخراطها السياسي في الثورات العربية.
لا شك أن حدث التسليم مهمٌ خبرياً لكنْ كان بالإمكان تغطية أقوى وأكثر احتراماً للمشاهد (وبالتالي للنفس) يقوم بها الزملاء في "الجزيرة" وكثيرون بينهم كفاءات أثبتت نفسها.
أتحدّث عن أول من أمس لأنني لم أشاهدها أمس وسأنتظر حتى تنتهي هذه "الموجة" لكي أستعيد عادتي بمتابعتها بين القنوات التي أتابع، مثلي مثل كثيرين على الأرجح. أما خطاب الأمير الجديد فقررتُ الاستماع إليه على قناة أخرى...
تنظيم الإخوان المسلح..إلى أين؟
سمير كرم(كاتب صحفى مصرى)/الشروق المصرية
يواجه الرئيس محمد مرسى الآن الموقف نفسه الذى واجهه الرئيس السابق حسنى مبارك فى أيامه الأخيرة فى السلطة. ولعل السؤال عما اذا كان أيهما أكثر صعوبة على الثورة التى يواجهها هو السؤال النهائى بالنسبة الى كل منهما.
كانت الثورة التى واجهها حسنى مبارك ابتداء من يوم 25 يناير 2011 أول ثورة من نوعها فى التاريخ الشعبى المصرى، من حيث حجم الجماهير التى خرجت وصمدت، الى أن وجد مبارك أن لا مفر من التنازل عن العرش فى 11 فبراير التالى. خلال تلك الايام الثمانية عشر كان الجيش موجودا على الساحة، ووقعت الصدامات بين الثوار وأجهزة السلطة، وأوضحت قيادة الجيش انها لن تصطدم بالجماهير وتركت هذه المهمة للشرطة. لكن المهمة كانت اصعب كثيرا من أن تتحملها الشرطة. وبعدها اعلن مبارك تنحيه. وكان ذلك تأكيدا منه بإدراك فعلى بأن الثورة اقوى من أن يستمر فى التصدى لها دون أن يكون الجيش جاهزا للتدخل ضد جماهير الثورة.
•••
الثورة التى يواجهها محمد مرسى الآن، والتى وعدت بأن تبلغ ذروتها فى 30 يونيو مؤكدة اصرارها على ضرورة تنحى مرسى عن الرئاسة كما فعل مبارك قبله، تضع عينيها على ثورة 25 يناير كمثل أعلى من حيث الحجم والاستمرار. وتضع عينيها فى الوقت نفسه على الجيش مدركة أن الموقف لا يختلف بأى حال عما كان عليه فى ثورة 25 يناير، أى أن الجيش يحدد موقفه بانه لن يتدخل بأى حال ضد جماهير الثورة أى ضد الشعب المصرى.
الى هذا الحد يمكن القول بأن ثمة تعادلا بين الثورتين. ولكن ثورة 30 يونيو تشكل وتواجه تحديات لم تكن قائمة فى ثورة 25 يناير. ذلك أن التنظيم الذى يمسك بالسلطة الآن، وهو تنظيم الإخوان المسلمين، يملك قوة مسلحة ومدربة ويلوح باستخدامها ضد الثورة. هل يتقدم تنظيم الإخوان المسلمين من نقطة التهديد الى نقطة الاستخدام الفعلى لهذه القوة المسلحة والمدربة ضد جماهير الثورة باعتبار أن هذا الاستخدام هو الضامن الوحيد لاستمراره فى السلطة؟ أم يقرر تنظيم الإخوان المسلمين أن الوقت الراهن لا يسمح له باستخدام قواته المدربة والمسلحة وأن من الأجدى الانتظار لوقت لاحق؟
قرار تنظيم الإخوان المسلمين بما اذا كان يستخدم قواته المدربة والمسلحة الآن أو فيما بعد يمكن أن يكون أصعب قرار بشأن التصدى للثورة. لكنه قرار لا مفر منه. فإما أن يستخدم القوة ضد الثورة وإما أن يؤجل استخدامها لوقت لاحق، ووقتها لن تكون السلطة فى يده. وعند هذه النقطة الفارقة بل الحرجة سيجد تنظيم الإخوان المسلمين نفسه فى موقف شبيه بالموقف الذى كان فيه مبارك قبيل قراره بالتنحى، مع فارق واحد ولكنه بالغ الاهمية وهو أن سلطة الإخوان المسلمين تملك تنظيما مسلحا ومدربا بخلاف قوة الجيش وقوة الشرطة، بينما لم تكن سلطة مبارك تملك تنظيما مسلحا ومدربا خاصا بها. وهذا يعنى أن سلطة الإخوان ستجد نفسها فى الايام التالية أمام خيار اتخاذ قرار بالدفع بقوتها المسلحة والمدربة أو تأجيل هذا القرار الى وقت لاحق لا تعود فيه فى السلطة.
ويمثل هذا التحدى أمام سلطة الإخوان المسلمين تحديا من نوع جديد لجماهير الثوار. فهى اذا انتصرت ونقلت السلطة الى قوة جديدة ولو مؤقتة ستجد نفسها أمام ضرورة تصفية سلطة التنظيم الذى كان فى الحكم. وعليها أن تقرر اذا كانت ستواجه مسئولية تصفيته أو تترك هذه المسئولية الجسيمة للسلطة الجديدة التى ستنتخب لاحقا نتيجة لانتصار الثورة واتجاهها نحو الخيار الديمقراطى. وبعبارة صريحة تماما فإن الثورة المصرية ستواجه مشكلة لم تواجهها اى من الثورات المصرية من قبل، وهى مشكلة التصدى لحكم مسلح ومدرب لا هو الجيش ولا هو الشرطة. وستبقى هذه المشكلة الى ما بعد صعود السلطة الديمقراطية الجديدة بناء على افتراض بأن تصفية هذه القوة لن تكون متاحة تماما لجماهير الثوار فى مرحلة الثورة الجماهيرية وذلك لأن الجماهير الثورية لن تكون من الأصل مسلحة.
•••
وإذن ستعود مشكلة تصفية تنظيم الإخوان المسلمين المسلح المدرب الى سابق عهدها. وفى هذه الحالة ستكون مهمة تصفية هذه القوة مسئولية الجيش. ولا يمكن أن تكون مسئولية غيره مهما تأجّلت. ولابد أن ندرك من الآن أن مهمة المسئولين القادمين أصعب بكثير من مهمة الحاليين. إن مهمة من سيخلفون الإخوان المسلمين فى السلطة ستكون أصعب بحكم احتمال استمرار وجود الإخوان كتنظيم مسلح ومدرب حتى بعد أن يغادروا السلطة. ويتوقف الأمر على مدى ما يملكه هذا التنظيم من قوة البشر وقوة السلاح. كما يتوقف من ناحية أخرى على مدى استعداد التنظيم الدولى للاخوان المسلمين للاستجابة لدعوة التنظيم داخل مصر لانقاذه.
إن الإخوان المسلمين كتنظيم مسلح ومدرب يزيدون من صعوبة الثورة الحالية وما تستطيع أن تفعله فى مواجهة معهم.
مع ذلك علينا أن نتنبه الى أن الثورة قادرة بمحض وجودها وثقلها الجماهيرى على مواجهة كل الصعاب بلا استثناء. وسيكون على الجيش أن يتخذ موقفا حاسما.
يا أخي إنت جبلتك إيه؟
حمدي رزق/المصري اليوم
الجبلة هى الخليقة. وجُبِلَ فلان على كذا أى خُلِقَ، فالخُلُق جِبِلَّة وجُبُلَّة وجِبْلة وجُبْلة وجَبْلة، وإنت جبلتك إيه، يعنى على أى خلقة خلقت، معلوم الإحساس نعمة، وإنت جبلتك إيه، فيها تعبير شعبوى استنكافا للتبلد وعدم الإحساس، وسايب الدنيا تضرب تقلب، وهو ولا هنا، سادر فى غيه، تعبير صارخ عن عدم المسؤولية، سايب كلابها على ديابها، وعايش فى نفسه، ولنفسه، متقوقع حول ذاته، لا يؤثر ولا يتأثر، كل هذا العالم من حولى لا أحد.
وفى وصف الجبلة أن جلده تخين، أى لا يحس ولا يشعر بفرح أو بغضب، منبت الصلة بالواقع المعاش، أنا من ضيع فى الأوهام عمره، والجبلة يعيش كامناً كالفيروس تحت جلده، غاطساً فى ذاته لا يرى من فوق الماء، باطنه ظلامى، يغشاه ظلام حالك، يتخبط فى ظلام نفسه، إنه اليأس بعينه، ويخرج على الناس فاغراً فاه، كعبيط القرية يقهقه فى المأتم، ويصفق طرباً فى الجنازة، ويتحفنا بمفاجآت صارخة، مفارقات يندى لها الجبين، مثال منصور ابن الناظر وهو يصفق فرحاص: أبوى اتحرق.
الجبلة لديه رد فعل ثابت، جامد، عنده لا مبالاة تنقط، ولون أصفراوى يلون سحنته، لون كالح، ودم مالح، يقرش الليمون الأخضر على فكيه بتلذذ غريب، ويلعق شفتيه حمضاً، لا تنتظر منه حزنا فى حزن، ولا فرحا فى فرح، لا تهزه الأعاصير الطبيعية أو البشرية، متمترس فى مكانه كجزع نخل خاو، فاضى من جوه، من بره هلا هلا ومن جوه يعلم الله.
يتكلم بيقين الجاهل، ويتصرف بغباء منقطع النظير، يرتدى حلة زاهية، ينتفش كالطاووس، وهو من داخله تصفر فى أحشائه الريح عاتية، يتحلل ذاتيا ويحافظ على قشرته الخارجية المتبلدة، والجبلة المجردة التى يتشكل منها جسده بيولوجيا عبارة عن خلايا تمت إزالة جدارها الخلوى طبيعيا، خلاياه معطوبة، عارية كنفسه تماما من الأحاسيس والمشاعر بلا ضفائر عصبية، تهزه هزا، تورثه الإحساس، حرمه الله من نعمة الإحساس فصار نقمة على الحساسين، ينقِط الغاضبين، ويشل الثائرين، ويستفز الحالمين، ويستخرج فيمن حوله أسوأ ما فيهم نقمة عليه.
والجبلة كمصطلح بيولوجى يطلق للدلالة على الجزء من الخلية الحيوية المكون من النواة وما يحيط بها من سيتوبلاسم ومكونات سيتوبلاسمية، وهو كمصطلح يدل على أول الأجسام المتعضية فى الأنواع، أى أنه أول شىء تتشكل منه باقى الأعضاء والأشكال، شكله أستغفر الله غريب، وسمته يا حول الله عجيب، فيه ثبات البومة على الشجر الناشف، نذير شؤم على شجر الحياة، وفيه سواد غراب بين ينعق فى الخراب، غير آسف على شىء، لا يلوى على شىء، لا يرعوى لشىء، فقط على قيد الحياة.
الجبلة من الرجال مكروه ومذموم، ومفارق للجماعة، يأنفونه، يهملونه، وإن تعطف عليه أحد بالسؤال التاريخى إنت جبلتك إيه؟.. يخرج عليهم بخطاب تصدر عنه أصوات قولون متعب، مثقل بالدهنيات التى يزدردها ليل نهار، يأكل كمن يأكل فى آخر زاده، وزاده وزواده الكلاحة، والبلادة، والسخافة، فى الهايفة ويتصدر، قادر على تتفيه عظائم الأمور بلفظ يخرج من فراغ فمه، ويمحق الحق بباطل يعتوره، والحق أبلج والباطل لجلج، ويتلجلج عندما تصدمه سيارة الحقيقة فى عرض الطريق، تقول له ارحل مع كارت أحمر.. يتشبث، قاعد على قلبكم، امشى.. يتغابى، مش ماشى، مشش فى ركبكم، غور فى داهية، لا يأبه، يضع قدما على قدم فى وجه الناس المحترمين، ويرد: أصل أنا جلدى تخين.. يا أخى إنت جبلتك إيه؟ قبر لما يلمك.


رد مع اقتباس