اقلام واراء حماس 381
8/7/2013
الأزمة المصرية وقرود السيرك
بقلم ياسين عز الدين عن المركز الفلسطيني للاعلام
معتصم رداد.. آلام قيد وعذابات مرض
بقلم وصفي قبها عن المركز الفلسطيني للاعلام
المشهد المصري وانتكاسة الربيع العربي
بقلم اياد الفرا عن فلسطين اون لاين
مصر بين مشهد الديمقراطية.. ومشهد الوطن
بقلم عمر قاروط عن فلسطين اون لاين
سلوك إسرائيل إزاء أحداث مصر
بقلم عدنان ابو عامر عن فلسطين اون لاين
توظيف الشرع ضد الشرعية
بقلم عصام شاور عن فلسطين اون لاين
وأخيرًا سقط الطاغية
بقلم ناهض الريس عن فلسطين اون لاين
الانقلاب مرتبك والحل بدون دم ممكن
بقلم يوسف رزقة عن فلسطين اون لاين
الأزمة المصرية وقرود السيرك
بقلم ياسين عز الدين عن المركز الفلسطيني للاعلام
لو رجعنا لأصل المشكلة والأزمة الحالية في مصر، سنجد أنها ناجمة عن وجود طبقة متغربة في المجتمع وبنفس الوقت هي تمسك بمقاليد الحكم والسياسة ومفاصل الدولة، وهذه الطبقة من مخلفات الاستعمار الغربي، تركها وراءه ومنذ ذلك الحين وهي تتوالد وتتكاثر وتتناسل وتعيد انتاج ذاتها.
وأحد أهم معضلات هذه الطبقة المتغربة أنها لم تفهم جوهر الحضارة الغربية ولا أسس نجاحها، بل تعلمت بعض طقوس ومظاهر الحضارة الغربية مثل كراهية الحجاب ومعاداة الدين الإسلامي واحتقار الحضارة العربية الإسلامية والملبس الغربي وتطعيم كلامهم بمفردات إنجليزية، بحيث أضحوا مثل قرود السيرك الذين يتقنون بعض الحركات والألعاب التي يعلمهم إياها أسيادهم، دون أن يفهموا ما الذي يقومون به، ودون أن يكونوا قادرين على الإبداع من تلقاء أنفسهم.
وقرود السيرك في نظر أسيادهم ومدربيهم لطيفين خفيفي دم ومسلين ويصفقون لهم، لكنهم عاجزين عن تقديم أي شيء لأبناء شعبهم أو مجتمعهم، وتفكيرهم محصور في مكاسب فردية ومصالح شخصية، فيصبح الأمر عمليًا أن الاحتلال والاستعمار لم يرحل بل بقي من خلال الطبقة المتغربة والمتنفذة في كل مفاصل الدولة والاقتصاد.
ولذا نرى هذا الكم الهائل من المهرجين ضيقي الأفق (مثل عكاشة ولميس الحديدي) في عالم السياسة المصرية، تجد ثائرتهم تثور من أجل رقاصة أو ممثلة تلقت تهديدًا لكن دماء العشرات والمئات لا تعني لهم شيئًا ما داموا لا ينتمون لهذه الطبقة المتغربة، ولذا نرى هذا العداء الهستيري تجاه الإخوان المسلمين والقائم على خيالات وأوهام قادمة مما تعلموه في السيرك، وعندهم مقدرة عجيبة على التمثيل وافتعال مسرحيات هزلية مثل قصة بيع الأهرام وقناة السويس.
والطبقة المتغربة في مصر كما العالم العربي لديها عقدة نقص تجاه الأجنبي والغربي، فتعتبر كل الغربيين بمثابة المدربين لها والقادرين على تعليمها فنون السيرك المختلفة، ولتغطية شعور النقص لديها فهي تستعمل مشاعر الاحتقار للثقافة والمجتمع المحليين (والتي تعلمتها من أسيادها في الغرب) لكي تشعر بأنها أعلى مكانة وأكثر تفوقًا من غير المتغربين داخل المجتمع المصري.
لذا نجد لدى قرود السيرك قناعة راسخة بأن الإسلاميين فاشلون ولو نجحوا لنسبوه إلى الصدفة، فلا يجوز حسب تربيتهم وتعليمهم أن يتفوق غير الذي يقلد الغربيين، ومن أراد السير على طريق التقدم والنهضة فيجب أن يترقى إلى قرد مثلهم، ومن لا يصبح قردًا فيكفي للتعامل معه لغة الاستحمار والاستغباء، وإطعامه من فتات ما يصح لقرود السيرك.
ولكونهم أصحاب مصالح فردية ومكاسب شخصية يعتبروها حقًا حصريًا لهم، فهم يشعرون بالتهديد من أي قادم من خارج القبيلة أو الفصيلة الحيوانية، لذا ارتعبوا من قدوم الإخوان خصوصًا والإسلاميين عمومًا، فهم قد جاءوا لهدم البنية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي استقرت منذ عهد الإستعمار.
ومثل قرد السيرك فغاية أمنيتهم قرن الموز أو كيس الفستق الذي يقدمه لهم المدرب في نهاية كل تمرين، لا توجد لديهم طموحات أكبر، فلا يتقبلون فكرة أن مشروعًا نهضويًا قائمًا على جهود المصريين الذاتية وعلى تحريك عجلة الإنتاج وبناء اقتصاد حقيقي مصري سيستفيد منه الجميع، فلأجل قرن الموز الذي يحصلون عليهم اليوم فهم مستعدون للتضحية بكل الأحلام المستقبلية، هذا فضلًا عن شعور الاستعلاء على باقي الشعب المصري.
الأزمة المصرية تنحصر في هذه الطبقة ونظرتها لذاتها فلا هم يعترفون بقرديتهم، بل يعتبر الواحد منهم أنه بمجرد تقليد الحركات التي تعلمها أصبح أينشتاين المصري، ولا هم يريدون لغيرهم من المصريين أن يسبقوهم وأن يتفوقوا عليهم، فذلك ضد طبيعة الأشياء كما تعلموها في السيرك، فالغربي هو قمة الحضارة الإنسانية والقرد الذي يقلده هو الأقرب له، أما "الأغبياء" الذين يرفضون الحضارة الغربية فيجب أن يبقوا في قاع الحضارة الإنسانية ولو حصل وأن ارتقوا فلا بد أن هنالك خطأ ما.
وعلى قلة عدد هذه الطبقة وعزلتها الاجتماعية عن الشعب المصري، إلا أنها متمكنة من مفاصل الدولة والاقتصاد، وهذا منبع قوتها وقدرتها على خلع مرسي، فلو أعيدت الانتخابات ألف مرة فلن تستطيع الفوز من تلقاء ذاتها، ولذا نجدهم يرفضون الاحتكام لصندوق الانتخابات، فهذا الصندوق برأيهم هو حق حصري لأسيادهم أو لقرود السيرك مثلهم، أما بقية الشعب فهو جاهل بنعمة الاستغراب وكافر بنعمة مشروع الاستحمار الذي تقدمه الطبقة المتغربة، وبالتالي لا يجوز إشراكهم بتقرير مصير شعب وأمة.
معتصم رداد.. آلام قيد وعذابات مرض
بقلم وصفي قبها عن المركز الفلسطيني للاعلام
يعاني الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال كل أشكال وألوان المعاناة التي تتخذ صوراً مختلفة ومتعددة من الهمجية والسادية المفرطة، حيث يتلذذ هذا الاحتلال وهو يمارس ساديته وهمجيته وإجرامه ويُمعن بالتضييق عليهم، ويتفنن في إبتكار سياسات وأساليب غاية في العنصرية والإجرام تجاههم، حيث يقوم الاحتلال بتصنيف الأسرى وفق معاييره الإجرامية القائمة على الحقد والكراهية، فيصف على سبيل المثال أصحاب المحكوميات العالية الذين مارسوا حقهم بالمقاومة بأنهم " أصحاب الأيدي الملطخة بالدماء " بينما يصفهم الفلسطينيون بأنهم " أصحاب الأيدي المتوضئة " ، وعلى كل الأحوال فإن هذا الاحتلال ينفث سموم حقده من خلال إجراءات وممارسات تحول حياة الأسير إلى جحيم لا يطاق حيث يهدف إلاحتلال إلى معاقبة الأسرى والإنتقام منهم على حرِّ إنتمائهم والتميُّز بعطائهم وتضحياتهم من أجل شعبهم الفلسطيني وحقوقه المشروعة.
ومن الإجراءات والممارسات التي تعتمدها سلطات الاحتلال وذراعها مصلحة السجون ووفق سياسة ممنهجة ومعتمدة في أروقة القرار الإسرائيلي، الإهمال الطبي المتعمد، حيث يتلخص ذلك بالمماطلة في تقديم العلاجات اللازمة للأسرى بشكل عام، كما أن ذلك يتجسد في عدم التشخيص المبكر للمرض، ومن ثمَّ عدم تقديم العلاج المناسب في الوقت المناسب مما يفاقم من الحالة المرضية وبحيث يمضي الوقت مما يؤدي إلى تدهور الحالة الصحية للأسير وتصبح العلاجات عندها للتخدير وليس للإستشفاء من المرض، وقد أستشهد العشرات من الأسرى والأسرى المحررين كنتيجة حتمية لهذه السياسة التي تتنكر وتضرب بعرض الحائط كل المواثيق والأعراف الدولية التي تنص وتؤكد على أن يتلقى الأسير العلاجات اللازمة وأن تقدم الخدمة الطبية في أفضل صورها، ولكن هيهات، هيهات فهذا المحتل الغاشم ما يريد لأسرانا وأبطالنا إلا لمزيد من المعاناة، فهؤلاء الأسود الرابضة والقابعون خلف القضبان يعانون الأمرين، وتزداد المعاناة أكثر عندما يكون الأسير مريضاً وتكون المعاناة في أوجها عندما يكون الأسير الفلسطيني يعاني مرضاً عضالاً أو إعاقة جسدية، وكل ذلك يجعل حياة الأسرى جحيماً لا يُطاق.
إن حالة معتصم رداد تشكل اليوم عنوان الإهمال الطبي، لقد عشت لمدة سبعة شهور في قسم جمعني مع هذا الأسير الشامخ والصامد والصابر في سجن هدريم، تعرفت على معاناته وما يواجهه من إجراءات احتلالية تُفاقم من خطورة وضعه الصحي، وحالته المرضية تعتبر أخطر الحالات المرضية في سجون الاحتلال كونه مصاب بالسرطان الأمعاء ويعاني من أمراض أخرى عدة منها إضطرابات في وظائف القلب، وضعف البصر، وإنتفاخات في الوجه ... فحالة معتصم رداد هي نموذج من المعاناة للحركة الأسيرة بشكل عام .. ومرضى سجن الرملة على وجه الخصوص.
اليوم ومع بداية الحملة الإليكترونية للتضامن مع الأسير المريض معتصم رداد، أوجز لكم معاناة هذا الفارس، فقد ولد معتصم طالب داوود رداد في بلدة صيدا شمال طولكرم بتاريخ 11/11/1982، من نشطاء حركة الجهاد الإسلامي وذراعها المسلح " سرايا القدس "، اعتقل يوم 12/1/2006، بعد فترة مطاردة طويلة، وعلى أثر عملية اشتباك مسلح خاضها مع رفاقه في ضاحية صباح الخير بمدينة جنين حيث استشهد خلالها رفاقه معتز أبو خليل وعلي أبو خزنه، وأصيب يومها معتصم بشظايا عديدة في كافة أنحاء جسمه، وحكم عليه بالسجن لمدة عشرين عاماً بتهمة الانتماء والعضوية في سرايا القدس الذراع العسكري لحركة الجهاد الإسلامي ومقاومة الاحتلال الصهيوني.
ومنذ اليوم الأول لاعتقاله بدأ الأسير معتصم رحلة طويلة صعبة وشاقة من المرض والمعاناة، وهو الأسير المصاب بشظايا كثيرة في مختلف أنحاء جسمه، تعاملت معها مصلحة سجون الاحتلال بكثير من الإهمال واللامبالاة، وقد تلكأت في تقديم العلاج المناسب والفعال وفي إجراء فحوصات ضرورية ولازمة تساعد في التشخيص المبكر لحالته، فمع بداية اعتقاله عاني من أوجاع كبيرة ومتواصلة في بطنه التي رافقته لأشهر طويلة، وكان يُعتقد أنها نتيجة الشظايا المنتشرة في أنحاء جسده، وكلما خرج لعيادة السجن في سجني جلبوع وريمون واشتكى للطبيب، كان الرد بأنها عوارض بسيطة، وكانت العيادة تقدم له المسكنات التي مع الوقت لم تُجدِّ نفعاً، وكل ذلك قبل أن يكون هناك تشخيص أولي بأن معتصم يعاني من التهاب بسيط في الأمعاء، ومع مرور الوقت ولعدم تقديم العلاجات الفعالة والناجعة لهذه الإلتهابات، تضاعف المرض مع معتصم وتحول إلى التهاب حاد وتفاقم الأمر أكثر وأكثر مع حصول نزيف داخلي بكميات كبيرة، ومع مرور عامين كان وضعه الصحي قد تدهور كثيراً وخسر أكثر من خمسة عشر كيلوا من وزنه، كما ووصلت نسبة الدم إلى حوالي 5 فقط، يومها ومتأخراً جداً، إعترفت مصلحة السجون بخطورة مرضه ونقلته إلى مستشفى سيروكا في بئر السبع، ومن ثمَّ إلى عيادة سجن الرملة وكان ذلك في العام 2010 .
خلال تلك الفترة بذلت العائلة كل جهودها من خلال المؤسسات الحقوقية والإنسانية وأطباء بلا حدود لتمكينها من إدخال طبيب أخصائي للكشف على معتصم وتحديد مرضه ووصف العلاج اللازم له، إلا أن إدارة المعتقل كانت على الدوام ترفض هذا الطلب الذي لم يتوقف على العائلة والأسير معتصم فقط، بل تدخلت أيضاً مختلف المؤسسات الحقوقية والقانونية والطبية الفلسطينية وبعض المؤسسات الإسرائيلية التي تُعنى بمثل هذه القضايا، وأكثر من ذلك فقد تدخل بعض النواب العرب في الكنيست الإسرائيلي، إلا أن كافة الطلبات والمحاولات كانت تواجه بالرفض، وقد فشلت كل الجهود أمام صلف وتعنت الموقف الإسرائيلي، وحتى عندما حاولت العائلة استخراج ملفه الطبي لعرضه على لجنة من الأطباء ذوي الإختصاص من خارج السجن فقد ماطلت مصلحة السجون إلا أنها رضخت وقامت بتسليم الملف الذي لم يتضمن سوى وضعه من العام 2008 وحتى العام 2010، دون أيه تفصيلات والاكتفاء بأن حالته هي إلتهابات شديدة في الأمعاء، ونظراً لتفاقم وخطورة حالة معتصم ولكثرة الأدوية التي تمَّ وصفها وتقديمها لمعتصم والتي لم تكن الدواء الفعال والناجع فقد بدأت أعرض أمراض أخرى بالظهور وقد زادت معاناة معتصم نتيجة الآثار السلبية لهذه العلاجات، وبالفعل فقد نتج عن هذه الأدوية بأن ظهر عليه أعراض أمراض أخرى منها عدم إنتظام دقات القلب، وحيث كانت ترتفع الى أعلى درجاتها وتهبط فجأة، كما وظهرت أعراض انتفاخ في جسمه،
وعندما ساءت حالته الصحية وأمام التدهور الخطير بعد رحلة طويلة مع المرض، وبعد إجراء فحوصات متقدمة جاءت متأخرة أكثر من خمسة سنوات، إعترفت مصلحة السجون بأن معتصم يعاني من سرطان متقدم في الأمعاء، حيث تقرر إعطائه العلاج الكيماوي، وبعد فترة ولعدم تجاوب جسمه للعلاج الكيماوي، الذي كان يخضع له مؤخرا، قررت إدارة عيادة سجن الرملة تحديد عملية جراحية له لاستئصال جزء من أمعائه وكان ذلك قبل نهاية عام 2011 وقد جاء تحديد موعد العملية متأخراً أيضاً حيث تقرر الموعد النهائي بعد عام كامل من إتخاذ القرار، وعلى الرغم من خطورة العملية و نسبة نجاحها الضيئلة، وافق الأسير المعتصم عليها ليضع آملاً أن يضع حدا لسنوات طويلة من المعاناة، وكانت أمله الأخير، إلا أن إدارة عيادة السجن أبلغته بتأجيلها لأجل غير مسمى وذلك قبل أقل من ساعة فقط من موعد إجرائها، وبعد أن خضع لإجراءات تحضيره الكامل للعملية.
وأمام معاناته الدائمة من الأوجاع ليل نهار والنزيف المستمر بات العلاج الكيماوي الذي ضاعفته إدارة المستشفى له مؤخراً لا يقدم ولا يؤخر، حيث لم يكن على درجة من الفاعلية من وقف إنتشار السرطان، وقد بدأت إدارة المستشفى بإعطائه الكورتزون للتخفيف من الآم المرض، هذا ويعاني اليوم أيضاً من إرتفاع مستمر لدرجة حرارة جسمه.
من جهة أخرى لم تقتصر معاناة معتصم على ما يعانيه من مرض السرطان وإضطرابات في القلب وإرتفاع لدرجة حرارة جسمه، وإنما تتضاعف معاناته عند نقله لتلقي العلاج في عيادة سجن الرملة حيث النقل من خلال البوسطة وليس من خلال سيارة نقل المرضى ( الإسعاف) أو من خلال سيارة مريحة ، فهو يخرج في ساعات الصباح الباكر ويمضي عدة ساعات في غرفة الإنتظار في عيادة سجن الرملة قبل أن تبدأ رحلة عذاب إعطائه جرعة الكيماوي. وفي المدة الأخيرة انتظر من الرابعة صباحاً وحتى الثانية عشره ظهراً حتى جاء موعد الإبرة وبعد الإنتهاء من عملية أخذ الأبرة انتظر في القفص الحديدي " البوسطة " إلى أن وصل في ساعات متأخرة إلى السجن مع العلم أنه بإمكان مصلحة السجون اعطائه الإبرة في مستشفى مئير الذي لا يبعد عن سجن هداريم سوى دقائق معدودة.
والشيء بالشيء يُذكر ففي عام 2012 قامت مصلحة السجون بنقل معتصم إلى عيادة سجن الرملة وبسبب ضيق المكان وعدم ملائمته لإقامة الأسرى المرضى وكافة الأسرى فيه يعانون أمراضاً مختلفة ومنهم على الكراسي المتحركة، وعدم وجود أسرى حولهم طالب معتصم مغادرة هذه العيادة ونقله إلى سجن قريب، ولم تستجب مصلحة السجون لذلك فاضطر إلى إعلان الإضراب عن الطعام وعندما لم ترضخ مصلحة السجون لطلبه هدد بوقف تناول الدواء، فتمَّ نقله إلى سجن هداريم، ولكن بقيت معاناة البوسطة حيث يخرج في الساعة الثانية صباحاً ويعود بعد الساعة العاشرة ليلاً، يخضع خلالها لأخذ جرعة الكيماوي المضاعفة جداً والتي تستغرق لحوالي ثمان ساعات بتعرض خلالها للإرهاق والإعياء والتعب، وعندما يعود إلى سجن هداريم يبقى طريح الفراش يعاني عذاب البوسطة التي يُنقل من خلالها إلى الرملة، فطالب بضرورة توفير سيارة إسعاف عند نقله لأخذ جرعة الكيماوي والتي تُعطى له شهرياً، فرفضت مصلحة السجون هذا الطلب فهدد بإعلان الإضراب عن الطعام، وبعد أخذ ورد وافقت مصلحة السجون على نقله بسيارة خاصة وليس سيارة إسعاف على أن يصل قبل موعد أخذ جرعة الكيماوي بدقائق وأن يعود إلى السجن مباشرة بعد الإنتهاء، وكان موعد الجرعة يوم 5/6 وذلك قبل الإفراج عني بيوم، وقد تنكرت الإدارة للاتفاق ومضى اليوم دون إحضار السيارة الخاصة وتأجلت جرعة الكيماوي، وثاني يوم 6/6 أفرج عني في تمام الساعة الثانية بعد الظهر ولم يتم إحضار السيارة، حيث تدخلت الفصائل ووعدوا قبل العصر إحضار السيارة، وخرجت من السجن بعد أن ودعت رفاق قيدي ومنهم الأسير معتصم رداد، الذي حملّنيَ وصية إلى كل أبناء الشعب الفلسطيني والمؤسسات الرسمية والشعبية بأن يضغط الجميع على هذا الاحتلال للإفراج عنه وعن كل الأسرى المرضى فأمنية معتصم الوحيدة اليوم هو أن ينتقل إلى الرفيق الأعلى ويلقى الله سبحانه وتعالى وهو بين أحضان أمه وبين إخوانه، فهو لا يريد أن يصيبه ما أصاب الشهيد ميسرة أبو حمدية " أبو طارق " الذي أستشهد وهو على سرير المرض مكبلاً بالأصفاد بعيداً عن الزوجة، بعيداً عن الأبناء وبعيداً عن الأهل، فحالة الشهيد ميسرة أصبحت شبحاً يُطارد كل أسير مريض وكل الحركة الأسيرة، فهل تتحقق أمنية الأسير معتصم ؟ هذا السؤال مطروح اليوم برسم الضمير الديني، وبرسم الضمير الوطني، وبرسم الضمير الإنساني والأخلاقي، إلى كل الفصائل الفلسطينية، وإلى السلطة الفلسطينية وإلى المؤسسات المحلية والدولية ومنها مؤسسات المجتمع الإنساني.
وقبل أن نختم قصة معتصم رداد المختصرة لا بد من الإشارة إلى أنه ولإنقاذ حياته حاولت عائلة الأسير معتصم ومن خلال المحامين والمؤسسات تقديم طلب للمحكمة للإفراج عنه لظروف إنسانية حتى يتمكن للسفر الى خارج الآراضي الفلسطينية للعلاج إلا أن المحكمة رفضت هذا الطلب أيضا وأصرت على اعتقاله في ظروف غاية بالسوء .
إن حالة الأسير معتصم رداد هي من أكثر الحالات المرضية خطورة بين الأسرى المرضى في السجون وأن سلطات الاحتلال التي ترفض الإفراج عنه تتحمل المسؤولية الكاملة عن حياته، وأن حالته هي مؤشر على مدى معاناة الأسرى المرضى في سجون الاحتلال وهي تعبير مكثف عن سياسة الإهمال الطبي التي تنتهجها إدارة مصلحة السجون وأطبائها بحق الأسرى، فعليه فإن عنوان المعركة القادمة يجب أن تكون للأسرى ويجب رفض سياسة الإهمال الطبي بكل تجلياتها وتفاصيلها ويجب توحيد الجهود وتكثيف وحشد الطاقات والإمكانات من أجل إطلاق سراح الأسرى وفي مقدمتهم إطلاق سراح الأسرى المرضى.
وأمام ما تقدم فإنه لا يخفى على الجميع أهمية قضية الأسرى، فهي الجرح النازف في خاصرة الشعب الفلسطيني، والسؤال المطروح اليوم ... ماذا قدمنا لهؤلاء الأسرى .. الذين وهبونا زهرات أعمارهم من أجل كرامتنا وعزتنا ؟؟؟ فكم هو مؤسف أن تحشد الفصائل مئات الآلاف من أنصارها عندما يتعلق الأمر في ذكرى إنطلاقة هذا الفصيل أو ذاك .. أو للإحتفال بنصر وهمي .. أو إستقبال قائد هنا أو قائد هناك ... بينما لا نرى هذه الحشود ولا واحد بالمائة ولا حتى واحد بالألف في وقفات تضامنية مع الأسرى . الهذه الدرجة هانت علينا قضية الأسرى .. ألهذه الدرجة بخلنا على الأسرى المرضى بما معدله ساعة أسبوعياً ... لقد خذلنا الأسرى ... ماذا يقول الأسير الذي طحنت رحى سجون الاحتلال سنوات شبابه وزهرة عمره من أجل الوطن .. تجاوزت الثلاثة عقود كما هو حال كريم يونس ... بينما ضننا عليهم بساعة أسبوعياً .. وهو ما يعادل 48 ساعة في السنة .. وهذا يعادل فقط يومين .. وااااااااااسفاه .. ماذا يقول الأسير وهو يتابع العشرات من الاف لحضور حفلة موسيقية ... بينما لا يرى العشرات تتضامن معه ... لقد خرج إلينا الشهيد ميسرة أبو حمدية في كيس أسود ، محمولاً على الأكتاف .. كما خرج قبله الشهيد عرفات جرادات ... واليوم فإن الدور على معتصم رداد الذي حملني الأمانة بأن أنقلها لكل أبناء الشعب الفلسطيني ومؤسساته وفصائله ... يريد فقط أن يلقى الله وهو في حضن أمه وبين إخوانه وأفراد عائلته وأبناء شعبه .. معتصم لا يريد أن يكون مصيره كما كان مصير الشهيد ميسرة .. كم حزنت وقد شاركت بثلاث فعاليات من أجل معتصم رداد على المشاركة الضعيفة .. لقد خجلت من نفسي وأنا أرى الأعداد القليلة تشارك في مسيرة سلمية من أجل معتصم .. وللإسهام في تحقيق أمنية معتصم ... معتصم الذي بعث بوصيته وأعطى نفسه الشهيد الحي رقم 208 .. معتصم الذي يرسف بقيوده في سجن هداريم ينتظر عرس إستشهاده في كل لحظة .. يقدم حياته لكي يحيا الشعب من بعده أعزاء وكرماء ... وبالرغم من تقصيرنا الفاضح بحق قضية الأسرى ... وقضية معتصم فإنه وبإبتسامة الشهيد يبعث لكل أبناء وطنه السلام ويخص بالذكر والدته وأقاربه ... ويقول لنا بأن دمه فداء لنا .. ويقول لنا بمنطق وكلام الواثق والمُخلِص بأنه يحرسنا بأضلعه وجفونه ودعائه ... وهو ينتظرنا على باب سجن هداريم لكي ينقل نعشه إلى أقرب معبر لنحمله إلأى مثواه الأخير ... ويُذكرنا معتصم بأننا أهله وناسه .. ويوصينا أن ندفنه في مقابر الشهداء .. وإن أمكن أن نصلي عليه في باحات المسجد الأقصى .. والملتقى عند عزيز مقتدر ... ويوقع معتصم وصيته .. إبنكم الشهيد الحي الأسير المريض معتصم رداد ... سجن هداريم
لله درك يا معتصم .. ما أعظمك .. وأنت تُعلمنا دروس التضحية والفداء ... دروس التسامح والعطاء .. دروس حب الوطن والإنتماء .. وستبقى حياً فينا يا معتصم.
المشهد المصري وانتكاسة الربيع العربي
بقلم إياد القرا عن فلسطين اون لاين
مصر زهرة الربيع العربي بامتياز، لما لها من ثقل سياسي وتاريخي وجغرافي، وتأثيرها على الساحات العربية والإقليمية والدولية، وفوز الرئيس المصري محمد مرسي مثل تحولاً حقيقياً في نظام الحكم في مصر، بانتخابه بشكل مباشر من الشعب المصري بخلاف النظام الانتخابي المصري السابق وهو ثمرة الثورة المصرية.
حكم الإخوان المسلمين في مصر على مدار العام المنصرم كان موضع متابعة واهتمام وظهر ارتباك دولي في التعامل معه لأسباب ترتبط بوجود رئيس إسلامي وهو أمر لم يعتدْ عليه الغرب، سوى تجربة رئيس الوزراء التركي، وواجه مرسي عداءً شديداً من قبل أنصار النظام السابق والحركات الاشتراكية والليبرالية المدعومة من بعض الدول العربية التي لها عداء تاريخي مع جماعة الإخوان المسلمين.
التحالف الذي تم لإسقاط الرئيس المصري، هو توافق آني بين عدة أطراف داخلية وخارجية للتخلص من حكم الإخوان، وكل طرف منهم يسعى لتحقيق أهداف وتصفية حساباتهم مع الجماعة ولو كانت مصر هي التي تدفع هذا الثمن.
داخلياً.. توافقت عدة اعتبارات على التخلص من حكم الإخوان بينها أنصار الرئيس المخلوع مبارك، وبعض المتضررين داخلياً من تغيرات الحكم، وكذلك بعض رجال الأعمال الذين تضرروا بشكل كبير من النظام الجديد، وتحالف القوى اليسارية والاشتراكية والليبرالية وجزء مهم من الأقباط بهدف التخلص من حكم إسلامي يمثل عامل غموض وخشية لديهم.
وتوافق ذلك أيضًا مع معاناة المواطن المصري البسيط من حكم الإخوان بقصد أو بدون قصد من معاناة لم يعشها سابقًا على صعيد توفير الوقود والغاز والكهرباء وسط تحريض إعلامي واضح من الإعلام المصري، والذي عمل على تعبئة الشعب المصري ضد الإخوان المسلمين مما ترك تأثيرا لا يمكن تجاهله.
كل ذلك أضيف لعامل لا يمكن تجاهله مرتبط ببعض الأخطاء التي وقع بها حكم الإخوان في التعامل بشدة في بعض الملفات وبينها الأمن والإعلام وهي ذات تأثير مهم على حياة المواطن، ومثل مطلباً للشارع المصري، وكذلك بعض الأخطاء المرتبطة بصياغة علاقة خاصة مع القضاء وأقباط مصر الذين ثبت أن موقفهم معادٍ للإخوان المسلمين، دون مبرر مقنع ولا يقارن مع معاناتهم من النظام المصري السابق.
خارجياً.. عمل كثير من الأطراف لإفشال الإخوان واتخاذ موقف العداء الواضح في مقدمتهم بعض دول الخليج العربي لاعتبارات تاريخية يغلب عليها روح الانتقام من حكم الإخوان خشية أن تمتد إليهم وتهدد حكمهم، وكذلك الموقف الإيراني والسوري والروسي وأدواتهم للانتقام من الرئيس محمد مرسي شخصياً على موقفه الأخير من النظام السوري، وإغلاق السفارة السورية وقطع آخر شعرة مع نظام الأسد، وكذلك العداء الإيراني للإخوان المسلمين باعتبارهم الغريم الأساسي لفكرة تصدير الثورة في الدول العربية.
الولايات المتحدة الأمريكية هي الدولة الوحيدة التي تتعاطى وفق مصالحها الخاصة ومراعاة العلاقة مع (إسرائيل) ويتنازعها موقفان الأول ما هو بديل حكم الإخوان الذي يمثل تهديداً للمنطقة إذا ما اتجهت نحو العنف والفوضى، وهنا ليس من باب الحرص على مصر، بل أكثر منه يتعلق بأمن الكيان الصهيوني وتهديد المصالح الأمريكية في المنطقة، وانتشار الفوضى في منطقة سيناء وتهديد محيط قناة السويس البوابة المهمة في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك تهديد الكيان الصهيوني من قبل الجماعات الجهادية التي استطاع الرئيس المصري كبح جماحها العام الماضي، لصالح فرض الاستقرار في مصر.
الموقف الثاني هو تبنيها بشكل واضح للانقلاب على الرئيس المصري مرسي، وهو أمر لا يمثل لها اطمئناناً لضعف المعارضة المصرية وتفرقها وتشتتها وضعفها ميدانياً في مقابل ميدان سيطر عليه الإخوان المسلمين ومؤيدي الرئيس المصري، والذي قد يؤدي بالنهاية لعودة الرئيس المصري مرسي للرئاسة وحينها سيكون له موقف أكثر عداءً للولايات المتحدة وخاصة تجاه التصرف غير اللائق من السفيرة الأمريكية بالقاهرة مع الرئيس المصري ومساومته بين البقاء بالحكم عبر حكومة كاملة الصلاحيات أو دعم الانقلاب وهو مخالف للأعراف الدبلوماسية.
الغريب بين الأطراف الخارجية أنها مختلفة حول الموقف من النظام السوري، وتوافقها الآن يظهر ازدواجية المعايير وتداخل المصالح والعداءات التاريخية بين الطرفين.
من الواضح أن ما يحدث في مصر فيه كثير من التعقيدات والتدخلات لأطراف داخلية وخارجية، سيحسمها مستوى الصمود لمؤيدي الرئيس مرسي في الميادين، والحفاظ على سلمية ثورتهم واستعادة الشرعية، ومدى قدرة المعارضة على استمرار تحالفها المصلحي وهو أمر أصبح مشكوك في استمراره والأيام القادمة كفيلة بكشف اللثام عن الكثير من المواقف.
ما حدث من انقلاب هو انتكاسة حقيقية للربيع العربي وخاصة إذا ما تعلق بمصر، وهناك حاجة ضرورية أن تعيد القوى الثورية صفوفها للتمسك بالشرعية المنتخبة التي أفرزتها الثورات وضمان عدم تكرار التجربة المؤسفة التي وقعت في مصر.
مصر بين مشهد الديمقراطية.. ومشهد الوطن
بقلم عمر قاروط عن فلسطين اون لاين
طوال الأحداث التي شهدتها مصر فضلت أن أكون مراقبًا، وأتجنب الكتابة عما يجري في أرض الكنانة سواء بالإيجاب أو السلب، وبالمحصلة لم أكن أقبل أن أكون مؤيدا أو معارضًا، باعتبار أن المشهد فيه من التعقيد والتشابك والملابسات ما يجعل من أي مراقب عاجزا عن الإحاطة بحقيقة ما يجري، ومصير ومستقبل ما يجري. لكني بعد التطورات الدراماتيكية التي شهدتها الساحة المصرية وجدت المشهد يستفزني للإدلاء برأي فيما يجري من قراءة فلسطينية بعيدة عن التجاذبات الحزبية والعواطف الوطنية والميول الخفية لهنا أو هناك.
في قراءتي الأولية لما جرى ويجري الآن في مصر خلصت إلى أن ذلك ما هو إلا استكمال لمرحلة المخاض التي مرت بها مصر منذ ثورة 25 يناير وحتى الآن، وأن ما يجري ما هو إلا مرحلة جديدة من هذا المخاض بغض النظر عمن يبدو في الواجهة ومن يبدو في الخلفية، وأن هذا المخاض برسم ليس كما يقول البعض ثلاثة عقود من الاستبداد من حكم مبارك كما يطلق على ذلك الساسة والمثقفون، وإنما هي برسم خمسة عقود مرت فيها مصر شهدت خلالها الكثير من التقلبات السياسية ومحاولات إعادة بناء الدولة المصرية الحديثة على أسس ديمقراطية ووطنية وحرية. وبالتالي فإن الدولة المصرية الآن تبحث لنفسها عن هوية ومسار جديد لإعادة بنائها بصورة تتيح لها تلبية تطلعات أبنائها وتخلصها من الحرمان والتهميش والرشوة والمحسوبية والتسلط والاحتكار سواء كان للسلطة أو الموارد والمقدرات أو التنمية والتحديث.
أما القراءة الثانية لما يجري، هي أن عقلية الشارع المصري لا تزال أسيرة العقد التاريخية والحياة البوليسية التي عاشتها الدولة في فترات سابقة، وأن هذه العقد تسيطر على القيادات السياسية والأمنية والعسكرية، وتدفعها إلى اتخاذ مواقف ربما لا تتناسب مع ظروف المرحلة الجديدة ومتطلباتها. ويكفي هنا أن نشير إلى أن ذلك يبدو واضحًا في محاولات الساسة ورجال الأحزاب والإعلام والنشطاء استعادة الأحداث التاريخية التي شهدتها الدولة المصرية الحديثة منذ الأربعينيات أو ربما قبل ذلك، وهي مليئة بذكريات العنف والعنف المضاد، والاتهامات المتراكمة بين التخوين والتصارع على الهوية، والتنافس والصراع السياسي على الدور والشراكة في الدولة والسلطة والنظام، وظلت هذه الأحداث التاريخية تفعل فعلها إلى أن تمكنت الدولة من الهيمنة البوليسية على الحياة السياسية والمدنية باسم أحد الأحزاب التي جمعت بين العمل الحزبي والسلطة في آن واحد، مستفيدة من ذلك في تصفية منافسيها السياسيين ورجالات الحركة الوطنية المصرية. وهنا كانت العقدة التاريخية بين الدولة والسلطة والنظام من جهة، والأحزاب والمثقفين والوطنيين الأحرار على اختلاف انتماءاتهم السياسية، حيث مارست الدولة والنظام والحزب الحاكم كل ما لديها من سلطة أمنية وبوليسية للتفرد بالسلطة والهيمنة على الحياة العامة واحتكار الدولة تحت شعارات كثيرة.
وفي القراءة الثالثة لما يجري هو أزمة الشخصية المصرية التي عانت طوال عقود طويلة من الذل والانكسار والخوف من أجل أن تعيش، وتستطيع أن تواجه متطلبات حايتها اليومية. هذه الشخصية في مواجهة ذلك غرقت في المحسوبية، والابتزاز، والرشوة، واللامبالاة. صحيح أن ذلك ليس على إطلاقه لكنه ساد بصورة عامة شخصية المواطن المصري العادي التي ترجمتها الأمثال والنكات المصرية بصورة جلية وجعلت منها ميراثاً ثقافياً تتناقله الأجيال، وتنمو عليه الأطفال. هذه الشخصية المصرية وإن كانت ليست أصيلة في المجتمع والتاريخ المصري لكنها تسللت عبر مراحل متتالية إلى شخصية وعقلية المواطن المصري وجعلته يبتعد عن مواجهة تسلط الدولة والنظام، والقهر البوليسي وهو ما شجع تطور الدولة والنظام على إبعاد المواطن المصري العادي عن المشاركة في الدولة والحياة العامة، وتفرد شريحة قليلة من المسيسين بالدولة ومواردها ومصيرها.
أما في القراءة الرابعة فهي تتمثل في خلاصة كل ما سبق هو أنه لم تنشأ في الدولة المصرية حياة سياسية سوية بالمفهوم الديمقراطي والمدني، وأنتجت أحزابا وقوى سياسية مفككة، ومتباعدة، وعاجزة عن العمل المشترك في إطار الدولة، وبموازاة السلطة والحزب الحاكم، وهو ما أدى إلى أن الحياة السياسية المصرية العامة تظل ضعيفة وفاقدة للبرامج والقدرة على التأثير على الحياة العامة، والسلطة الحاكمة. هذه الحالة تمثل لب الصراع الدائر الآن على الساحة المصرية بين الأحزاب والقوى السياسية من جهة والدولة المصرية من جهة أخرى.
فالأحزاب غير ناضجة بالقدر الكافي لإدارة الدولة، كما أنها تفتقر إلى التجربة في ممارسة السياسة والسلطة وإدارة الشأن العام، ولذلك فإن هذه الأحزاب والقوى تخوض الآن تجربة القدرة على الشراكة السياسية وقيادة الدولة والمشاركة في إدارة الشأن العام، وهو ما يعني ببساطة أن مرحلة المخاض ما زال أمامها الكثير من الوقت قبل أن تكتسب التجربة والخبرة، وبالتالي تقود الدولة من جديد نحو الأمان، وتعمل على تلبية حاجاتها وتطلعات مواطنيها باقتدار.
سلوك إسرائيل إزاء أحداث مصر
بقلم عدنان أبو عامر عن فلسطين اون لاين
لا يمكن الاستخفاف بالأهمية الفائقة للتطورات المصرية على "إسرائيل"، فقد تواصلت متابعاتها الحثيثة لتطورات الموقف الميداني فيها، على مختلف الأصعدة السياسية والأمنية والعسكرية، وطغى المشهد المصري، على مجمل التحركات الإسرائيلية الداخلية والخارجية، حتى لو لم يتم الإعلان عنها في الصحافة والإعلام، ولم يبد ما يحصل في شوارع القاهرة والإسكندرية وأسيوط والفيوم شأناً مصرياً داخلياً، وإنما إسرائيلياً بامتياز!
وهو ما يطرح جملة من الأسئلة على الواحد منا، ومن أهمها: هل توقعت الأجهزة الأمنية والاستخبارية الإسرائيلية التطورات المصرية وصولاً إلى حدث الانقلاب؟ وكيف نظرت "إسرائيل" إليه، ومدى تأثيره على الواقع الإسرائيلي؟ وإلى أي حد تدخلت "إسرائيل" في بعض أحداثه، لتجييره خدمة لمصالحها الإستراتيجية؟
مع العلم أن ما سبق الانقلاب في مصر من أحداث وتطورات طوال السنة الماضية، شهد طرح تخوفات من فرضية انسحاب مصر، ولو نسبياً، من محور "الاعتدال العربي"، وتحولها إلى محور مواجهة، ما يُشكّل خطراً أمنياً وجغرافياً وسياسياً كبيراً على "إسرائيل"، لأنها ستعيش في منطقة غير مستقرة، وستحاول الجهات المعادية استغلال الوضع الناشئ لزيادة نفوذها، ومن شأن هذه الخطوات والتطورات أن تعزّز صحة ما يقال أن حاجاتها الأمنية ستزداد، مما يقتضي زيادة ميزانيتها.
وقد أدركت "إسرائيل" جيداً أن مصر تبقى عنوان التغيير الإقليمي والدولي، نظراً لوزنها في التاريخ والجغرافيا والديمغرافيا، وهو ما من شأنه أن يفاقم العزلة والحصار الدولي اللذين تعزّزا ضد "إسرائيل"، ويعكس التحول الذي بدأ يظهر في توازن القوى الإقليمية عقب سقوط نظام مبارك، خصوصاً وأنها قد ترسل إشارات فحواها أنها لم تعد ملتزمة بالحلف الإستراتيجي معها كما كان في عهده، وأنها أصبحت مستعدة للتعاون مع دول معادية لها كتركيا على سبيل المثال.
ولذلك جاء الترحيب الإسرائيلي الخفي بالانقلاب واضحاً جلياً، في ضوء ما لفتت إليه الأوساط الدبلوماسية الإسرائيلية إلى أنه منذ فوز الرئيس محمد مرسي، ونجاح الإخوان المسلمين في الانتخابات البرلمانية، ازدادت "برودة السلام البارد أصلاً" مع القاهرة، ويمكن ملاحظة المؤشرات الدالة على ذلك من خلال توقفها عن تزويد تل أبيب بالغاز الطبيعي، وعودة الشيخ يوسف القرضاوي إليها بعد نفي دام عشرات الأعوام.
وكل ذلك زاد في كفة ما اعتبرته تل أبيب دوراً مصرياً واضحاً في كونها تعيش فترة من انعدام الاستقرار في المنطقة، في ضوء الزلزال الذي يضرب العالم العربي في الوقت الحالي، ولا تعرف كيف ستنتهي الأمور.
ولعل ما جعل الأحداث في مصر، خلال العام الأول فقط من حكم مرسي، تشعل المزيد من الأضواء الحمراء لدى صناع القرار في تل أبيب، أنها أظهرت بما لا يدع مجالاً للشك أن سلامها كان مع شخص مبارك ومنظومته الحاكمة، وليس مع الشعب المصري، وبدأت تتحسس الآثار المحتملة على تسارع تدهور العلاقات المصرية الإسرائيلية، واحتمالات تراجعها، وأي علاقة معها ستكون محفوفة بالمخاطر في المدى الزمني المنظور.
وهنا تبرز إشكالية الفكر الاستراتيجي الإسرائيلي، لأن آلة دعايته قامت على فرضية أن مشكلة "إسرائيل" مع الدول العربية في طبيعة نظمها الديكتاتورية، والوضع في مصر أكبر شاهد على ذلك، لكن الثورات المتلاحقة جعلتها أكثر قلقاً من احتمالات تحرر العرب منها، وتبين أن أنسب الأوضاع لـ"إسرائيل" تكمن في استمرارها.
ولذلك يبدو ساذجاً عدم قراءة ما جرى من اتصالات مكثفة بين "إسرائيل" والولايات المتحدة والدول الغربية بشأن ما حدث في مصر بعد الثورة، وفوز مرسي، وأوفدت وزارة الخارجية عدداً من دبلوماسييها لبعض العواصم الغربية لعقد سلسلة من اللقاءات العاجلة مع مسئوليها، للإعراب عن تشاؤمهم بتحقق بعض السيناريوهات السلبية الموضوعة بشأن تطورات الأحداث في مصر، ويشير أحدها إلى أن حالة تمدد الإسلاميين فيها، ستتيح لهم السيطرة على مفاصل السلطة، وهو ما من شأنه أن يلحق ضرراً كبيراً باتفاقية "كامب ديفيد" على المدى البعيد.
ورغم أن (إسرائيل) استبعدت قيام النظام المصري الجديد "الإخواني" بإلغاء اتفاق السلام، لكنه في المقابل سيتوقف عن لعب "دور النجاة" لها في محاولاتها للخروج من العزلة الدولية المفروضة عليها، وسيقوم بتحسين علاقاته مع الفلسطينيين عموماً، بمن فيهم أعداء "إسرائيل".
بصورة أكثر تفصيلاً، تفترض "إسرائيل" أنّ القوى المعادية، خاصة الإخوان المسلمين، سيسيطرون على مقاليد الحكم، وبعد مرور فترة زمنية سيمتدون للجيش، ليشكل تهديداً لجيشها، وهنا تكمن مشكلتها الكبيرة، لأن ذلك سيعني بصورة أو بأخرى تحديدها في العقود القادمة القريبة للأجندة السياسية في المنطقة.
أخيراً..ورغم أن (إسرائيل) لم تصدر موقفاً رسمياً معلناً تجاه انقلاب مصر، لكنها وصفت سابقاً ما حدث في العواصم العربية عموماً، والقاهرة خصوصاً، من تزايد نفوذ الإسلاميين بأنها "مأساة" ستحل بها، وهنا يمكن القول إن تم الانقلاب على "المأساة"، فماذا حل إذن؟
وأظهرت الساعات الأخيرة أنه لا يمكن وصف سعادة "إسرائيل" على إقصاء أعداء لِدادٌ لها عن الحكم في مصر، ويمكن الجزم بأنها أكبر مستفيد من الانقلاب عليهم، ورغم أنها تتشدق بالديمقراطية، إلا أنها تخاف منها، ومن نتائجها العكسية بين الشعوب العربية، التي لو أدت إلى انتخابات حقيقية على موقف سياسي، ستكون فيه بالتأكيد أول الخاسرين، وهو ما أثبتته الثورات العربية في العام الأخير.
توظيف الشرع ضد الشرعية
بقلم عصام شاور عن فلسطين اون لاين
طالما اتهمت الأحزاب اللادينية (اليسارية، والعلمانية، و"الوطنجية") جماعة الإخوان بـ"التجارة بالدين"، واستغلاله لمصالح الجماعة، ولكن دون أدلة على اتهاماتهم ومقاصدهم غير الصحيحة. لا ننكر أن جماعة الإخوان بدعوتها تتاجر مع الله ولله، ولكن ليس من أجل أغراض دنيوية، كما هي الشواهد على من يتاجرون بالدين من أجل الدنيا ومصالح أحزابهم وأشخاصهم.
حركة تمرد وجبهة الإنقاذ والانقلابيون على الشرعية في مصر استعملوا الدين الإسلامي والمسيحي من أجل تحقيق انقلابهم، فحزب النور السلفي انضم إلى الانقلابيين، ومنح الانقلاب "الواجهة الإسلامية" لأنه أكبر من تمرد ومن جبهة الإنقاذ؛ طمعاً في سبع وزارات كان قد وعد بها، وقد لجأ إلى الدين حتى يبرر فعلته النكراء وخروجه عن الشرعية، وادعى كذلك أن وجوده في التحالف منع الانقضاض على الدستور ومجلس الشورى، وأجهض محاولات تعيين د.محمد البرادعي في منصب رئيس الوزراء، ولكن الدستور الذي اختاره الشعب عُطل، أما مجلس الشورى فقد حُل، ولم يبق سوى تعيين البرادعي رجل أمريكا في مصر والشرق الأوسط لرئاسة الوزراء، وحزب النور "غض بصره" عن الأولى والثانية، وهو الآن في مواجهة مع حركة تمرد في الثالثة؛ من أجل تقسيم "الكعكة العفنة" أو "العظمة" التي ذكرتها في مقال قبل يومين.
"رئيس" الأزهر الذي أفتى بجواز الخروج على الحاكم الشرعي د.محمد مرسي استحضر الأحاديث والآيات، ووظفها لحماية الانقلاب، وقد ناشد المصريين المحافظة على طهارة أيديهم من التلوث أو الهدم أو التخريب، الشخص نفسه منذ تسلمه موقعه في الأزهر الشريف عدّ الحديث عن الأقصى واستنكار وشجب ما يرتكبه المحتل من جرائم بحقه مضيعة للوقت لا تجوز، ولذلك إن أقوال رئيس الأزهر لا تجد تجاوباً في الشارع المصري، بعد أن لوث مقامه ومقعده، وأعان على هدم الشرعية وتخريب مصر من أجل دنيا فانية.
وأخيرًا إننا نسأل الله لنا الثبات على الحق ولهم الهداية والعودة إليه، فالفرصة مازالت سانحة، وخاصة أمام حزب النور الذي غرته الدنيا والمناصب والمراتب وفارق الجماعة، أما الشرعية في مصر فستعود؛ لأن الشعب المصري شعب مؤمن، ويستحق كل خير، ويستحق رئيسًا مؤمنًا وحريصًا على مصر وأهلها.
وأخيرًا سقط الطاغية
بقلم أغر ناهض الريس عن فلسطين اون لاين
وأخيرًا تحققت إرادة الشعب المصري العظيم، وأسقط الرئيس المجرم الذي تجرأ وسكن شقة بالاستئجار بدلًا من القصر الرئاسي، وعانى ابنه من البطالة بدل أن يسيطر على مقدّرات البلاد، وماتت أخته في مستشفى الزقازيق في أثناء مدة رئاسته القصيرة بدل أن تعالج في مستشفيات أمريكا وأوروبا. أخيرًا سقط الطاغية الذي لم يكمم الأفواه، كما يفعل القادة الحقيقيون أصحاب (الكاريزما) الذين يضربون من تسول له نفسه أن ينتقدهم بيد من حديد، سقط وهو يدعو إلى حماية المتظاهرين ضده محرّمًا الدم المصري، أيًّا كان انتماء صاحبه، بدل أن يأمر بقمع معارضيه وقتلهم.
سقوطه _ولاشك_ مثار فخر المصريين الذين وأدوا ديمقراطيتهم بأيديهم، تلك الديمقراطية التي حلموا بها عقودًا وبذلوا لأجلها الدماء رخيصة، ثم نزلوا الشوارع يهللون ويرقصون، فالإخوان وأتباعهم تجار دين يقولون ما لا يفعلون، وكيف لا؟! وقد عبّأ إعلام مبارك عقولهم بكراهيتهم عقودًا من الزمان، وليس هناك قوة على الأرض يمكنها تغيير هذه الرؤية، فاستئثار الإخوان بالسلطة أكبر دليل على نواياهم الحاقدة، وما الدعوات التي قدمها الرئيس مرارًا وتكرارًا لمشاركة السلطة، ورفضتها الشخصيات الوطنية الحقيقية غير الطامعة بها، أمثال: البرادعي وصبّاحي وموسى ونور، من دون حتى إعطاء فرصة للحوار؛ إلا دليلًا على ذلك الاستئثار.
جملة من الأخطاء السياسية ارتكبتها جماعة الإخوان خلال المدة السابقة كانت _بلا شك_ أحد أهم العوامل التي مكّنت أعداءهم من حشد الملايين، إلا أن الجميع يعلم أن قرار إفشال تجربة الرئيس المدني الأول المنتخب ديمقراطيًّا قد اتخذته منذ اللحظات الأولى لتوليه الرئاسة أحزاب الرجل الواحد وفلول مبارك وجهات خارجية لا تريد لمصر خيرًا، ولهؤلاء الذين سئموا نظرية المؤامرة أقدم لهم تصريح (السناتور) الأمريكي الصهيوني مارك كيرك (http://t.co/NAmaiuJyoa) بعيد حصول الإخوان على الأغلبية البرلمانية، الذي بين فيه أنهم في نقاش مع الليبراليين المصريين بشأن إسقاط حكم الإسلاميين الذي يشكل خطرًا على الكيان العبري ومصالح أمريكا في المنطقة، وهذا مجرد غيض من فيض الدلائل على النية المبيتة لإفشال التجربة الديمقراطية، وآخرها أزمة الوقود والكهرباء المفتعلة التي حلت ليلة سقطت الشرعية بقدرة قادر.
لنتكلم بصراحة ومن دون تهكم، وأنا لا أخاطب هنا الفلول أو المتآمرين، بل الشرفاء من أهل مصر المضلّلين الذين ابتهجوا بسقوط الشرعية ليس لأسباب حقيقية سوى كرههم العميق للإخوان: لا يمكن لأحد أن يملي عليكم إرادتكم، ولكنكم طالما حلمتم بالديمقراطية، فلما أتت أردتم أن تغيروا شروطها، إذ لم تأت على هواكم، لستم أول أمة تنقسم فيها توجهات أبنائها إلى نصفين؛ فالأمم المتحضرة تحترم قراراتها وتكمل مسيرتها الديمقراطية حتى الانتخابات القادمة لتستخدم الصندوق للتعبير عن رضاها أو سخطها، هذه هي الديمقراطية التي أردتموها ولم تفهموها، بل سمحتم للعسكر الذي حكم مصر خمسين سنة بلعب دور القائم على البلاد مجددًا، وهللتم له غير مدركين أنكم بذلك تقصون أكثر من نصف الشعب الذي صوت للرئيس المخلوع، وتقضون على أي فرصة لنجاح الديمقراطية في مصر في المستقبل، إذ لم تعد هناك ضمانات لاحترام رغبة أغلبية الشعب، ليس هذا فحسب بل إنكم بذلك أثبتم أن الإسلاميين المتطرفين كانوا على حق عندما انتقدوا لجوء الإخوان إلى العملية الديمقراطية، وهم الذين دعوا للعنف وسيلة وحيدة للحصول على السلطة، والأخطر من ذلك كله أنكم ذكّيتم نار الفتنة بين أبناء الشعب الواحد التي يمكن أن تأكل البلاد بأخضرها ويابسها، فلا تبقي ولا تذر إخوانيًّا أو ليبراليًّا.
أما الجيش _ولا نشكك بنواياه الوطنية_ فإنه لم يحسن التصرف بعزله رئيس الشرعية ومجلسها، واعتقاله الشخصيات السياسية، واتّباعه سياسة تكميم الأفواه، شأنه بذلك شأن نظام مبارك البائد. وكان الأجدر به أن يقف مع الشرعية جاعلًا التعدي عليها خطًّا أحمر، مع إجبار الفرقاء السياسيين على أن يضعوا خلافاتهم جانبًا، ويتفقوا على ما فيه مصلحة الوطن؛ حتى يعبر بالبلاد إلى شط الأمان، ويفوت على المتآمرين الفرصة للنيل من مصر ووحدة شعبها.
حماك الله _يا مصر_ من مستقبل لن يقل قتامة عن مستقبل العراق وليبيا وسوريا، إذا لم يبدد الاستقطاب الشعبي سريعًا، قبل أن تسيل دماء أبناء الشعب الواحد، ويصبح اتفاقهم مستحيلًا.
الانقلاب مرتبك والحل بدون دم ممكن
بقلم يوسف رزقة عن فلسطين اون لاين
ارتباك المشهد الإعلامي هو علامة على ارتباك الموقف السياسي، لأن الثاني أصل، والأول فرع. فحين تذهب المصادر الإعلامية كوكالة الشرق الأوسط وغيرها إضافة إلى (تمرد) إلى القول بتعيين محمد البرادعي رئيسًا للوزراء، وأن مؤتمرًا صحفيًا رسميًا سيعقد بعد قليل لإعلان ذلك، ثم يأتي المؤتمر الصحفي بنفي التعيين الذي أكدته المصادر، فهو علامة على ارتباك كبير في الموقف السياسي حيث تمخض عنه الشيء ونقيضه في ساعة واحدة.
المشهد الإعلامي كشف عن حالة فشل في إدارة الموقف السياسي المختطف، فقد قيل إن فاروق العقدة محافظ البنك المركزي، وكمال الجنزوري رئيس الوزراء الأسبق وغيرهما قد رفضوا تولي منصب رئيس وزراء مؤقت في ظل الانقلاب وهذا رفض متوقع، وهو خيار كل شخصية كبيرة تحترم عقلها وتحترم الشعب، ولأن (البرادعي) شخصية محيرة تبعث على القلق فهو لا يصلح لهذا المنصب العام ، والضرورة لا تبرر وجوده ، لأن من يتولاه يحمل حملا ثقيلا.
المشهد المرتبك الذي تكشف عنه التعيين ونفيه بعد تأكيده لا علاقة له بموقف حزب النور السلفي على الأرجح، لأن دور حزب النور انتهى في لعبة الانقلاب بعد تصديقه على مرسوم الجيش بعزل محمد مرسي، ولا أعتقد أنه يملك الآن ورقة مؤثرة في المشهد وقد تفلتت منه قواعده وذهبت منه مصداقيته الإسلامية والديمقراطية أيضًا. فهو أول الخاسرين.
لا يملك أحد أن يصف المشهد المصري بالاستقرار وهو يرى الميادين تمتلئ بالمتظاهرين المنددة بالانقلاب وتحيط بها دبابات الجيش ومصفحات الأمن والشرطة، فالمشهد بعيد عن الاستقرار ،وهو أكثر من مرتبك حتى عند الواشنطن بوست التي قالت بأن محمد مرسي سيعود إلى منصبه، وهو كذلك في الإعلام العبري الذي يقول إن المشهد في مصر متحرك ولم ينته إلى صالح الانقلاب، مع سعادة بعض قادتهم بالانقلاب وحذر الآخرين. يقولون إن ارتباك المشهد الناتج عن حسابات خاطئة عند قادة الانقلاب قد أدخل الندم في قطاعات من الجيش بعد فشل توقعاتهم لردود الأفعال الشعبية للخارجين في مظاهرات الجمعة لاسترداد الشرعية، حيث قدرتهم BBC بثلاثين مليون متظاهر، وهو رقم خيالي. أضف إلى ذلك تحول مشهد الاحتجاجات من المستوى السياسي المطالب بالشرعية واحترام إرادة الشعب والناخبين إلى مستوى عقائدي بتحول الصراع إلى إسلامية وعلمانية، وهو تحول خطير لا ينته عادة إذا بقي الظلم يطارد الطرف الإسلامي، لذا فإن العدول عن الانقلاب أنفع لجميع الأطراف.
تحولات المشهد في نظر المتابعين زلزالية ولاسيما بعد تزايد الأعداد الرافضة للانقلاب بانضمام ليبراليين ويساريين يؤمنون بالمسار الديمقراطي إلى المحتجين، الأمر الذي يزيد في عزلة الجيش واتهامه بسرقة الثورة، ومن ثمة رفض القواعد العسكرية للمسألة برمتها من حيث المبدأ، وهو رفض يتسع بكثرة أعداد القتلى والجرحى حتمًا، لذا فإن فرصة تدارك الزلزال ما زالت قائمة بالعودة إلى المسار الديمقراطي، وبحلول وسط لما حدث والذهاب بالجميع وبالمجتمع إلى انتخابات برلمانية في أسرع وقت، وبرعاية الشرعية، وتعدد الشرعيات مكابرة مرفوضة في النظم اليمقراطية ومحرم في الإسلام.


رد مع اقتباس