النتائج 1 إلى 1 من 1

الموضوع: اقلام واراء عربي 680

العرض المتطور

  1. #1

    اقلام واراء عربي 680

    في هــــــــــــــــــــــذا الملف:

    افتتاحية الخليج . . وماذا بعد المفاوضات؟
    بقلم: أسرة التحرير عن الخليج الاماراتية
    نقد «التنظيرات السقوطيّة»: الدولة الواحدة؟ إذاً تلك شروطها
    بقلم: عادل سمارة عن الأخبار البيروتية
    عباس يؤكد «انتهاء وقته»
    بقلم: مازن حماد عن الوطن القطرية
    حوارات غزة وصلاحية اتفاقي القاهرة والدوحة؟!
    بقلم: عريب الرنتاوي عن الدستور الأردنية
    هل أصبحنا جاهزين لإتمام المصالحة؟
    بقلم: خالد حسين عن رأي اليوم
    اختبار جديد لجهود المصالحة
    بقلم: عبدالله الأيوبي عن الخليج البحرينية
    فلسطين: حاضرنا يغتصب ماضينا ويتحرش بمستقبلنا
    بقلم: محمد يحيى شامية عن العرب أون لاين
    الإسلاموية: السلطة والحداثة والنزعة العالمثالثية
    بقلم: حسام أبو حامد عن الحياة اللندنية
    الزمن يتطلب تطوير الأنظمة السياسية
    بقلم: مصطفى الصراف عن القبس الكويتية
    الجيش والسياسة
    بقلم: فهمي هويدي عن الشروق المصرية
















    افتتاحية الخليج . . وماذا بعد المفاوضات؟
    بقلم: أسرة التحرير عن الخليج الاماراتية
    أيام قليلة (29 الجاري) وتنتهي المهلة المحددة للمفاوضات الفلسطينية - "الإسرائيلية" برعاية أمريكية، من دون أن تحقق أي تقدم، ومن دون أن تؤدي الجهود التي بذلها وزير الخارجية الأمريكية جون كيري إلى إقناع "إسرائيل" طوال تسعة شهور من المفاوضات بتحديد القضايا الخلافية ووضع جدول زمني وآلية تنفيذها .
    وبعد تسعة شهور اتضح أن لا "إسرائيل" جادة في التوصل إلى أية تسوية، ولا الولايات المتحدة في وارد ممارسة أي ضغط على "إسرائيل" لإجبارها على الالتزام بالشروط التي من المفترض أن تنفذ وصولاً إلى قيام دولة فلسطينية ذات سيادة وعاصمتها القدس الشريف .
    كان واضحاً منذ انطلاق المفاوضات أن "إسرائيل" تضع شروطاً تعجيزية أمام المفاوض الفلسطيني الذي لا يستطيع قبولها لأنها تتعارض مع الثوابت الوطنية من جهة، ولأنها تلغي مفهوم الدولة .
    في حين أن الولايات المتحدة كانت تقوم بدور سلبي، فبدلاً من أن تضغط على المحتل الذي يغتصب الأرض ويمارس العدوان، ويوسع الاستيطان ويستعجل التهويد، كي يتوقف عن ممارساته التي تنتهك قرارات الشرعية الدولية، وتفشل المفاوضات، كانت تمارس الضغط على الجانب الفلسطيني كي يتخذ "قرارات صعبة" ويقدم المزيد من التنازلات لإقناع "إسرائيل" بالتسوية .
    تعرف الولايات المتحدة أن الجانب الفلسطيني لم يعد لديه ما يتنازل عنه . . لقد تنازل كثيراً، ولم يتبق لديه إلا بقايا أرض مقطّعة الأوصال ليقيم عليها "دولة" تريدها "إسرائيل" مجرد مستعمرة بلا سيادة أو قانون أو حقوق دولية .
    في الواقع، لقد تمادت السلطة الفلسطينية في ولوج سبيل مفاوضات تهدر بقية الحقوق الفلسطينية، وتمنح "إسرائيل" المزيد من الوقت لتكريس الأمر الواقع . . وتوفر للولايات المتحدة دوراً لا تستحقه لأنه يتماهى مع الدور "الإسرائيلي" ويوفر له الغطاء السياسي .
    آن الأوان للخروج من هذه المتاهة، وعلى السلطة الفلسطينية أن تمتلك الشجاعة ولو لمرة واحدة وتقول لا للمفاوضات . لأن الشعب الذي صمد وضحى وقاوم أكثر من ستة عقود لا تنقصه الإرادة والعزم على مواصلة طريق النضال .
    وعلى من اعتراه التعب، ووهنت إرادته، أو أضاع البوصلة، أو تخيل أن "إسرائيل" تريد السلام، أن يتنحى ويتخلى عن أوهامه .



    نقد «التنظيرات السقوطيّة»: الدولة الواحدة؟ إذاً تلك شروطها
    بقلم: عادل سمارة عن الأخبار البيروتية
    نشرت جريدة «الأخبار» البيروتية (رأي: العدد 2272 الثلاثاء 15 نيسان 2014) مقالة للسيد هشام نفاع بعنوان «التجمع» وعزمي بشارة و«حل الدولتين» يحاور فيها نفاع زميلاً له في حزب التجمع الوطني الديمقراطي المذكور حوار من يقفون على أرضية سياسية واحدة، إذ ان نفاع كما يبدو من الحزب الشيوعي الإسرائيلي أو من الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة. والأرضية الواحدة هي الاعتراف بالكيان الصهيوني وأي حل هو المطلوب وألّا فارق حقيقياً بين موقف الطرفين، وكل ذلك في محاولة مؤدبة من السيد نفاع أن يثبت لزميله بأن بشارة اختطف علانية أطروحة الحزب الشيوعي الإسرائيلي لا أكثر ولا اقل مهما حاول تلوينها أو إعادة إخراجها.
    وهذا يفتح على حديث كثيرين من مثقفي الطابور السادس الثقافي من الفلسطينيين وأخص منهم د. نديم روحانا (مدير عام مدى الكرمل - المركز العربي للدراسات الاجتماعية والتطبيقية في حيفا) ود. سليم تماري (جامعة بير زيت وموزع مجلة الدراسات الفلسطينية) اللذان يدخلان من باب المسألة الثقافية للوصول إلى حل الدولة الواحدة بما لا يبتعد سوى بحِرَفية تناسل الكلام من الكلام، لا يبتعدان عن أطروحة الحزب الشيوعي في دولة لكل مواطنيها، ولكن بأوسع من بشارة والشيوعي اي في كل فلسطين. وهذا بالطبع استدخال أعمق للهزيمة واشد وأعم.
    «... فإن المهمة الملقاة على عاتق النخب الفلسطينية... تصور مكاناً لليهودي الإسرائيلي للعيش بمساواة وكمجموعة متساوية الحقوق، وليس كمشروع كولونيالي في الوطن نفسه... وأن لا مخرج منه للفلسطيني من دون تقديم تصور إنساني لليهودي الإسرائيلي أيضاً» (نديم روحانا، الفاوضوات وأزمة المشروع الوطني، مجلة الدراسات الفلسطينية، العدد 96 خريف 2013، ص ص 8-13).
    جميل هذا العطف على اليهودي الإسرائيلي المسكين، هذا الاستقواء بالضعف، وأجمل منه توجههما إلى النخب الفلسطينية وليس إلى الطبقات الشعبية الفلسطينية!
    وإضافة إلى انطلاق السيد نفاع من الاعتراف بالكيان الصهيوني، فهو ـ وهذا طبيعي بناء على منطلقه ـ سمى الصراع «الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي» نافياً البعد العربي في هذا الصراع وكل العدوانات التي شنها الكيان ضد الوطن العربي سواء العسكرية أو الاستخباراتية أو الاقتصادية.
    ويبدو أنّ نقاش حل الدولة و/ أو الدولتين يسخن كثيراً في أوساط المثقفين الفلسطينيين والعرب وخصوصاً الطابور السادس الثقافي. ولا يصعب التقاط التوجه المتزايد بين مثقفين إلى حل الدولة الواحدة على أرض فلسطين وعلى حساب الشعب الفلسطيني. وهو لجوء يأخذ طابعاً احتجاجياً وطابع التحدي شكلانياً، ولكنه يصب جوهرياً في صالح الدولة اليهودية طالما يُطرح اليوم كمشروع وليس كرؤية.
    فالدولة الواحدة اليوم كمشروع، وهي تحظى الآن بتنظيرات سقوطية وطبعاً بتمويل هائل من مصادر لا يمكن عزلها عن الصهيونية. هذه الدولة الواحدة الآن تُظهر عيوب من كانوا من دعاة حل الدولتين، بمعنى أن يأسهم من قبول الكيان بحل الدولتين، أوصلهم إلى قرار الإلقاء بجثثهم، ولكن بالوطن كذلك، على حرابه تحت شعار الدولة الواحدة.
    فالدولة الواحدة قائمة الآن، وبلا مواربة منذ عام 1967. ولا يمكن إخفاء ذلك بوصفها دولة تمييز عنصري أو استعمار داخلي أو استعمار استيطاني اقتلاعي... إلخ وهي هذا جميعه. فما هو اتفاق أوسلو غير:
    • ان السلطة المركزية في تل ابيب حاكمة كل فلسطين قد أعطت ترخيصاً لحركة سياسية هي منظمة التحرير الفلسطينية لتقيم حكماً ذاتياً باسم «السلطة الفلسطينية» على إقليم من الأقاليم التي تسيطر عليها سلطة تل أبيب؟
    بينما الدولة الواحدة كرؤية، هي التمسك بالتحليل التالي:
    • هذا الصراع عربي – صهيوني وهو صراع عربي في مواجهة المركز الرأسمالي العالمي ايضاً.
    • تشترط رؤية الدولة الواحدة ان تكون فلسطين جزءاً من الوطن العربي ويكون اليهود فيها أقلية ثقافية.
    • يكون الدخول العملي إلى هذه الرؤية عبر رفض الاعتراف بأية دولة لليهود ورفض الاعتراف بأي كيان يسمي نفسه «إسرائيل» بما يسمى «هوية إسرائيلية» ورفض التطبيع معها ووجوب مقاطعتها كمقدمات لتحرير فلسطين ومن ثم العودة.
    • تتم العودة إذن وتتم معها: تصفية المؤسسة النووية الصهيونية وتفكيك الجيش العدواني الصهيوني وتأميم الصناعات المتقدمة، واستعادة أرض وممتلكات الفلسطينيين.
    • يتم هذا في إطار دولة عربية اشتراكية.
    نسمي هذه رؤية لأن أوانها ليس اليوم بلا شك، هذه الرؤية تتناقض وتدحض ذلك التسابق بين حزب التجمع/ بشارة والحزب الشيوعي على دولة أو دولتين. وتكشف الموقف المشين لكليهما مما يسمونه «حق تقرير المصير» لليهود في فلسطين على ارض غيرهم، وهذا «الحق» الممنوح بشكل دوني من هذين الطرفين، هو متناقض تماماً مع الأعراف الدولية بأن تقرير مصير أي تجمع بشري هو على أرضه. هذا ما قاله لينين بسخرية للبوند (يهود الحزب الاشتراكي الديمقراطي الروسي قبل تحوله إلى الحزب الشيوعي).
    إن هذا الاستقواء بالضعف والتكارم بما ليس من حق هؤلاء هو إعلان عن استدخال الهزيمة، ولكن بمكابرة بدل أحد الخيارين الأخلاقيين:
    • إما النضال المتواصل والجذري
    • أو الانزواء وفتح الطريق لمن هو أفضل.
    إذا ارتكزنا على المفهوم الدولي لحق تقرير المصير، المرتكز على الأرض، تصبح تزلُّفات هذين الحزبين لليهود (بأن للمجموع اليهودي ثقافة وهوية ولغة... إلخ) بلا معنى. وهي من فائض الاستسلام.
    أقتطف هنا من مقالة نفاع التالي:
    يوم الثلاثاء (31\ 12\ 2002) الساعة العاشرة صباحاً انعقدت لجنة الانتخابات المركزية. قال بشارة: «من يعرفني يعلم أني لم آت إلى هنا فجأة. أنا معروف من الجامعة منذ كنت طالباً وناضلت من أجل آرائي في السبعينيات والثمانينيات، وناضلت ضد قصة «من النهر الى البحر»، كنت التيار الذي مثله الطلاب العرب، وحتى منذ السبعينيات تخلصت من قصة من النهر الى البحر. مثلت الخط القائل بدولتين وناضلت لأجل هذا الخط». وهو يشير الى حركة «أبناء البلد» في هذا السياق بالقول: «الاشخاص الذين جاءوا الينا (الى التجمع)، أبناء البلد، تحرروا أيضاً من هذه الفكرة واندمجوا. لقد فكروا بأن هذه الفكرة فشلت ولم ولا يمكنها أن تتحقق، ويرون أن هناك غالبية يهودية يجب العيش معها في دولة خاصة بها، في دولتين».
    لتوضيح مسألة دولة جميع مواطنيها التي سئل عنها في جلسة لجنة الانتخابات المركزية أوضح بشارة: «نحن نقول إن دولة اسرائيل هي دولة ذات غالبية يهودية، تعبر عن حقها في تقرير المصير. أنا أقول هذا وأكتب هذا. نحن نقول إن دولة اسرائيل يجب أن تكون دولة جميع مواطنيها. ولا ندعو في برنامجنا الانتخابي لشيء آخر». ويتابع في مرافعته نفسها: «برنامجنا السياسي، أي مقترحنا، ما أقترحته في نشاطي البرلماني والسياسي وفي كل مكان، هو حل الدولتين». ثم يؤكد هذا مذكراً بأنه أرسل رسالة الى رئيس الكنيست والنواب الـ120 «وفيها أعترِف بحق تقرير المصير لليهود»، كما قال. (من يريد التوسّع، يمكنه مراجعة بروتوكولات لجنة الانتخابات المتوافرة على موقع الكنيست).
    لا حاجة لشرح هذا المقتطف الطويل، فالحزبان مع دويلة في الضفة والقطاع ومع دولة في المحتل 1948 لكل مواطنيها. لا فارق حقاً. ولست بصدد تشريح بأنها لا يمكن أن تكون لكل «مواطنيها» كدولة استيطانية عنصرية. بل يهمني الإشارة إلى أن الفارق بين حزب بشارة وحزب إميل حبيبي، أن بشارة امتطى القومية العربية كي يكسب الجمهور الفلسطيني وتمكن هو ومن لحق به من التلاعب باللغة كي يبدو مختلفاً عن الحزب الشيوعي.
    عزمي بشارة، «القومي العربي» يهزأ من شعار من النهر إلى البحر الذي تطرحه حركة ابناء البلد، ويفتخر بأنه غسل أدمغة عناصر ابناء البلد الذين التحقوا بحزبه، والمفارقة انهم التحقوا به كحزب «قومي»! ولا شك بأن هذا نجاح يسجل له! كما يسجل للكثير من اليسار الفلسطيني الذي زفَّ ابناء البلد لهذا الاغتصاب الوعيوي والانتمائي.
    على هذه الأرضية وعلى رحيله إلى قطر، وعلى الغزوات التي يقوم بها ضد شعار «من النهر إلى البحر» وضد القومية العربية، وآخرها غزوة إصدار جريدة «العربي الجديد» في لندن: نتبيّن من هو هذا العربي الجديد. إنه عربي صهيوني بلا مواربة.
    إن المضمون الحقيقي لمقالة نفاع هي: لماذا لا يتحد الحزبان في حزب واحد إذ لا اختلاف بينهما لا في مسألة دولة لكل مواطنيها ولا في مسألة دولة في الضفة والقطاع؟
    لو كان لي أن اضع عنواناً لمقالة السيد نفاع لقلت بأن المقالة تطالب بتحلُّل حزب بشارة إلى عوامله الأولية، أي أن يغادر الحزب إلى الجبهة الديمقرطية للسلام والمساواة/ الحزب الشيوعي كل من يقبل بدولة لكل مواطنيها وبدويلة في الضفة والقطاع، وأن يعودوا إلى وعيهم من فقدوا شعار: «من النهر إلى البحر» أي إلى أبناء البلد.
    شعرت باستغراب كيف تنشر جريدة «الأخبار» أطروحات لا قومية كهذه، تتخلى عن حق العودة وتؤكد «حق» اليهود في أرض شعب عربي، من دون أن تشير ولو بسطر واحد بأنها تنشر كل هذا فقط ليعرف القارئ العربي عن هذه الأطروحات، ولكنها، أي الجريدة ضد كل هذا. وأعتقد من جانبي أن من حق الجريدة نشر كل شيء، ولكن لا يكفي الزعم بأن كل ما يُكتب يعبّر عن رأي كاتبه، ذلك لأن الحق التاريخي لشعبنا في وطنه ليس وجهة نظر. يذكرني هذا التغاضي من «الأخبار» بما تفعله صحافة أوسلو-ستان، إذ تنشر صفحات لآراء صهاينة كما هي، أي توافر صفحات «محررة» للفكر الصهيوني!
    قد نتفهم أن العرب الشرفاء استقبلوا عزمي بشارة لسنوات إلى أن أعلن دوره الخائن لسوريا، وقد نقول بأنهم إما جهلوا به كما حصل للسيد محمد حسنين هيكل فقد أخذه إلى الرئيس حافظ الأسد، أو استخدموه. ولكن هل تحتاج «الأخبار» لوقت إضافي حتى تتنبه له؟

    عباس يؤكد «انتهاء وقته»
    بقلم: مازن حماد عن الوطن القطرية
    يؤكد الرئيس الفلسطيني محمود عباس هذه الأيام أن وقته شارف على الانتهاء، مضيفاً لصحيفة مصرية قوله إنه ختم تسعة وسبعين عاماً من عمره ودخل عامه الثمانين في إشارة إلى قرب انتهاء وقته السياسي على الأقل.
    وتحدث عباس بمرارة عن انعدام الخيارات مؤكداً أنه لا توجد بدائل كثيرة على ضوء التشدد الإسرائيلي في المفاوضات مع الفلسطينيين، ومكرراً القول إنه لن يدعو إلى أي انتفاضة مسلحة جديدة.
    وإذا كان عباس يعتقد أن الولايات المتحدة قادرة على ممارسة الضغوط على إسرائيل دون أن تقوم بأي جهد بهذا الخصوص، فهو يعلن في هذه اللحظات المصيرية أنه يختلف عن رئيسه الراحل ياسر عرفات الذي كان يتحدث عن بندقية في اليد وغصن أخضر في اليد الأخرى، وأنه ــ أي عباس ــ لا يحمل في يده إلا غصن الزيتون الذي لم تلتفت إسرائيل إليه بشكل جدي.
    وتقول الوقائع إن «أبو مازن» بذل جهوداً مطولة لتحقيق السلام مع إسرائيل دون حمل السلاح، لكن مساعيه أخفقت طوال السنوات الأخيرة في تحقيق أي نتائج إيجابية، كما فشل انحيازه القوي إلى «اللاعنف» في إقناع المجتمع الإسرائيلي بالتوجه نحو السلام.
    غير أن الجيل الفلسطيني الصاعد بات يشعر أن حل الدولتين «يهرب من أيدينا» ليتحول الوضع بالتدريج نحو حل الدولة ثنائية القومية التي تضم الإسرائيليين والفلسطينيين.
    وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة تضغط على الطرفين لتمديد المفاوضات التي تنتهي الأسبوع المقبل، فإن تهديد «أبو مازن» بحل السلطة الفلسطينية وتسليم المفاتيح إلى الأمم المتحدة، يقلق الأميركيين الذين يلوحون بوقف مساعداتهم الاقتصادية للشعب الفلسطيني.
    وفي هذه الحالة ستضطر أميركا إلى تسليم المفاتيح لإسرائيل التي ستصبح مسؤولة عن مليونين ونصف المليون فلسطيني تحت الاحتلال في الضفة الغربية، مما سيزيد من العزلة والغضب عدا عن تعقيد ملف القضية الفلسطينية.
    الحلول والتسويات بيد إسرائيل وليس أي أحد آخر، غير أن الإسرائيليين يطمعون في الاستيلاء على مزيد من أراضي الضفة، أما المضاعفات الخطيرة التي يتحدث عنها الأميركيون إذا ما تم حل السلطة الفلسطينية، فواشنطن قادرة على التخلص من تلك المضاعفات في حالة اتخاذها إجراءات عقابية جادة ضد الدولة العبرية.

    حوارات غزة وصلاحية اتفاقي القاهرة والدوحة؟!
    بقلم: عريب الرنتاوي عن الدستور الأردنية
    أسبوعٌ واحدٌ فقط، بات يفصلنا عن “خط النهاية” لمهمة الوزير الأمريكي جون كيري ... حتى الآن، لا يبدو أن الأفق محمّلٌ بكثير من الوعود والرهانات، مع أن فكرة “التمديد للمفاوضات” لم تُسحب بعد من التداول، وجهود “ربع الساعة” الأخير، لم تنقطع، ولن تنقطع حتى اللحظة الأخيرة، لتفادي الفشل والانهيار.
    خلال الأيام القليلة الفائتة، انتعش الجدل حول “الخيارات المطروحة” أمام السلطة الفلسطينية للتعامل مع مرحلة مع بعد فشل مهمة كيري، ولقد تردد بشكل خاص، خياري “حل السلطة” و”استقالة الرئيس”، تكراراً لما طُرح في مرات سابقة، من دون أن يثير كلا الخيارين، حالة من القلق في الأوساط الإسرائيلية، أو يرفع نسبة “الأدرينالين” في عروق الاحتلال والاستيطان.
    وبدل أن يكون انعقاد المجلس المركزي لمنظمة التحرير، مناسبة لرص الصفوف واجتراح الخيارات والبدائل، رأينا تراشقاً أكثر حدة في الاتهامات بين قطبي الساحة الفلسطينية: فتح وحماس، الأخيرة وصفت المجلس بالمنتهية صلاحيته وغير الممثل للشعب الفلسطيني، والأولى ردت بالتأكيد على صلاحية المجلس ووحدانية التمثيل وشرعيته في إطار منظمة التحرير ... والحقيقة أنه من غير المقبول أن تصر حماس على التشكيك بتمثيل المنظمة لشعبها فهذا أمرٌ يتخطى الخلاف الفصائلي، إلى المس بواحدة من أهم مكتسبات النضال الوطني الفلسطيني المعاصر.
    في المقابل، من غير المقبول، أن تستمر فتح في استمراء “بقاء القديم على قدمه”، فالمنظمة بحاجة “لثورة في الثورة”، وانخراط حماس والجهاد فيها، يعزز طابعها التمثيلي، والانتقال من التمثيل الفصائلي إلى تمثيل الفاعلين الجدد في المجتمع الفلسطيني، والجيل الثالث من أبناء النكبة، بات أمراً لا يحتمل التأجيل.
    وإذا كانت اجتماعات غزة الجارية حالياً من أجل استكمال المصالحة واستعادة الوحدة، لن تتطرق إلى هذه العناوين بالغة الأهمية، فإنها على أهميتها، ستكون “ليست ذات صلة” سيما في ظل تزايد القناعة بتضاؤل أهمية السلطة، لصالح الاعتراف العالمي بالدولة والمنظمة، وتنامي احتمالات حل السلطة أو إعادة تعريف دورها ومكانتها في “النظام السياسي” الفلسطيني، أو بالأحرى، في حركة التحرر الوطني الفلسطينية.
    ولا أدري ما حاجة الشعب الفلسطيني، واستتباعاً، الفصائل المجتمعة في غزة، للحديث عن “حكومة الوحدة” و”الانتخابات البرلمانية والتشريعية” المقبلة في ظل تسارع وتيرة الأحداث على المسار التفاوضي الفلسطيني – الإسرائيلي، وانسداد آفاق السلطة و “حل الدولتين”، الأمر الذي جعل ويجعل اتفاق الدوحة ومن قبله اتفاق القاهرة، “متقادمين” ... وطالما أن الرئيس شخصياً، وليس أي شخص آخر في القيادة الفلسطينية، هو من ألمح إلى إمكانية “تسليم مفاتيح السلطة للاحتلال”، فما قيمة الحكومة التي يبحثها عزام الأحمد مع إسماعيل هنية؟ ... وما قيمة الانتخابات التي يراد التوافق بشأن موعد إجرائها، رئاسية كانت أم تشريعية؟
    أحسب، وبصرف النظر عن مستقبل السلطة ومالاتها، أن المهمة الأولى على جدول أعمال المجلس المركزي، إنما تتجلى في إخراج مؤسسات “الدولة تحت الاحتلال” إلى حيز التنفيذ، كأن تكون المنظمة هي الجهاز التنفيذي للدولة الخاضعة للاحتلال، أو يصار إلى تشكيل حكومة الدولة، في المنفى أو على أرض الوطن، أو هنا وهناك، في حين تصبح مهمة السلطة، أو ما سيتبقى من أجهزتها ودوائرها، إدارة الشؤون الحياتية واليومية للشعب الفلسطيني، هذا إن توفرت القناعة بالحاجة للاحتفاظ ببقايا السلطة أو إعادة تعريف دورها ومكانتها.
    التطورات الأخيرة على الساحة الفلسطينية، تملي إعادة ترتيب الأولويات الوطنية الفلسطينية، فلا اتفاق القاهرة، ولا الدوحة من بعده، باتا صالحين لتعريف هذه الأولويات وتحديدها ... وأولى هذه الأولويات، إنما تتجلى في إعادة بعث وإحياء منظمة التحرير، واستكمال هياكل الدولة والاعتراف الأممي بها، ومتابعة عضويتها في مختلف الاتفاقات والمؤسسات الدولية، ومن ثم، وضع قواعد جديدة للاشتباك مع الاحتلال، على الأرض الفلسطينية وفي مختلف المحافل الدولية، وعلى مائدة المفاوضات، سواء بسواء.
    ينبغي إعلان الطلاق البائن بينونة كبرى، مع نهج المفاوضات السابق، والسعي لاعتماد مرجعية أممية، ووساطة أممية بديل عن الوسيط المنحاز، جنباً إلى جنب، مع الشروع فوراً ومن دون إبطاء، وبالضد من تهديدات نتنياهو، في إنجاز مشروع المصالحة، وحشد الطاقات من أجل رفع كلفة الاحتلال، وتغيير موازين القوى على الأرض ... فلا يمكن للشعب الفلسطيني، أن يظل يسلك الطريق ذاته، وينتظر الوصول إلى نتائج مختلفة ... مثل هذا العبث يجب أن يتوقف، وأن يتوقف مع نهاية الشهر الجاري على أبعد تقدير.

    هل أصبحنا جاهزين لإتمام المصالحة؟
    بقلم: خالد حسين عن رأي اليوم
    يدور في هذه الأيام الحديث عن قرب انجاز ملف المصالحة الفلسطينية ،وبدأ الحديث يتردد بقوة من طرفي الخصومة ، فحركة فتح تقول على لسان رئيس وفدها الذي من المقرر أن يزور غزة خلال الأيام المقبلة عزام الأحمد بان حركته مصممة على انجاز ملف المصالحة وإنهاء الانقسام الفلسطيني المرير إلى الأبد ، لدرجة انه ذهب إلى ابعد من ذلك ليقول انه سيطلب من الشعب الفلسطيني أن يقول كلمته في حال فشلت جهود المصالحة وان يفضح الطرف المتسبب في إفشالها .
    أما حركة حماس وكما جاء على لسان قيادتها السياسية وخاصة ما جاء في الكثير من تصريحات رئيس الوزراء في غزة اسماغيل هنية منذ مهرجان غزة الأخير وما تبعه من مناسبات عديدة بأن حركة حماس والحكومة جاهزة ومصممة أكثر من أي وقت مضى على إنجاح ملف المصالحة وإنهاء الانقسام ولم الشمل وتنفيذ كافة بنود الاتفاقات التي وقعت .
    إذا فكل الأطراف متفقين ومصممين على إتمام المصالحة وإنهاء الانقسام كما نصت عليه اتفاقية القاهرة عام 2011م واتفاقية الدوحة عام 2012م وهذه التصريحات لم تكن جديدة بل سمعناها من قبل في كل مناسبة يتم الحديث فيها عن المصالحة وقرب انجازها ، فإذا أين تكمن المشكلة مادام الطرفين جاهزين لإتمام المصالحة ..؟.
    لقد تصدعت رؤوسنا وأصبحنا نشعر بالغثيان كلما ذكرت كلمة المصالحة ، والتي أدرك أبناء الشعب الفلسطيني أن هذه المصالحة تتلاشى كالسراب كلما اقتربنا من تحقيقها والتي أصبحت لا تذكر إلا في وقت الأزمات وانسداد الأفق لتستخدم فقط كقارب للنجاة من هذه الأزمات .
    لاشك أن حركة فتح ومشروعها الوطني تمر هذه الأيام في مأزق خطير لما آلت إليه مسيرتها التفاوضية مع المحتل الصهيوني وفشل كل الجهود لتقريب وجهات النظر وتضييق الهوة بين طرفي التفاوض وخاصة جهود كيري الأخيرة التي لا تبشر بشيء منذ انطلاقها لأنها ولدت ميتة ، فضلا عن المشاكل الداخلية التي تمر بها حركة فتح والتي ازدادت في الاونه الأخيرة بعد التراشق الإعلامي الأخير بين الرئيس عباس ودحلان ، وتلويح الرئيس عباس بحل السلطة ، واعتزال العمل السياسي ، الذي نأمل أن يكون صادقا به هذه المرة .
    أما حركة حماس أيضا تمر في مأزق ليس بأقل خطورة عما تواجهه حركة فتح ، فمنذ الانقلاب العسكري في مصر فالحكومة الفلسطينية في غزة تمر بأزمة مالية لا تخفى على احد ، فضلا عن تدمير الأنفاق مع مصر التي تعتبر شريان الحياة لقطاع غزة واشتداد الحصار وأثره الكارثي على قطاعات كثيرة في قطاع غزة وتردي العلاقات مع مصر بسبب الانقلاب العسكري والهجمة المسعورة في الإعلام المصري على حركة حماس وحكومتها في غزة.
    إذا لابد من انجاز ملف المصالحة لأنه حاجة ماسة لكل طرف فضلا عن انه حاجة ماسة أيضا لأبناء الشعب الفلسطيني لتعزيز الوحدة الوطنية وعودة اللحمة بين الأخوة ، لذلك يجب على الجميع هذه المرة التحرر من الضغوط و العمل على إنجاح المصالحة من خلال عقد مؤتمر عام بمشاركة كافة الفصائل الفلسطينية وشخصيات مستقلة وبحضور شريحة كبيرة من المثقفين والإعلاميين ، ووضع كل ما اتفق عليه الطرفين في السابق أمام المشاركين في المؤتمر، ليتم تنفيذ ما اتفق عليه بكل شفافية ولضمان عدم التهرب واتهام كل طرف للأخر بعدم الجدية في تنفيذ الاتفاقات الموقعة ، وليكون الشعب الممثل من خلال هذا المؤتمر العام خير شاهد ليقول كلمته في النهاية.


    اختبار جديد لجهود المصالحة
    بقلم: عبدالله الأيوبي عن الخليج البحرينية
    رغم ما يعترض طريق المصالحة بين حركتي (فتح) و(حماس) من صعوبات وعراقيل ذاتية وموضوعية، ورغم كل الجهود التي بذلت من أجل رأب الصدع الذي لحق بالبيت الفلسطيني جراء الخلاف العميق والحاد الذي ضرب العلاقات بين أكبر فصيلين على الساحة الوطنية الفلسطينية الذي انفجر قبل ما يقارب سبع سنوات، وتحديدا بعد انقلاب حركة (حماس) على السلطة الوطنية الفلسطينية في قطاع غزة وتحويل القطاع إلى دويلة «إسلامية»، رغم كل هذه الصعوبات والعراقيل وانعدام الثقة بين الطرفين وأطراف فلسطينية أخرى لها دورها وتأثيرها في عملية المصالحة، فإن عوامل موضوعية وذاتية استجدت في الفترة الأخيرة قد تساعد الطرفين على تجاوز العقبات وتجميد الخلافات لصالح قضايا أكثر أهمية وحساسية، وفي مقدمتها الوضع الفلسطيني بشكل عام.
    بالنسبة إلى السلطة الوطنية الفلسطينية ممثلة في الرئيس محمود عباس فإن السياسة البراغماتية التي اتبعتها في علاقاتها مع الأطراف الوطنية الفلسطينية والعربية والدولية توفر لها هامشا أوسع للتحرك والحفاظ على خيوط من العلاقة مع عدة أطراف، ورغم ما تواجهه السلطة من تعنت وعناد وغطرسة من جانب الكيان الصهيوني فيما يتعلق بمفاوضات «السلام» بين الجانبين، فإن السلطة الوطنية الفلسطينية واجهت هذه السياسة الرعناء بالمزيد من الهدوء والثبات على الحقوق المشروعة من دون أن تتأثر علاقاتها مع تلك الأطراف، بل على العكس من ذلك، فهي تحظى باحترام لدى المجتمع الدولي، فيما تتعرض سياسة الكيان الصهيوني للمزيد من الانتقادات واللوم والإدانة أيضا.
    على الجانب الآخر من المعادلة الفلسطينية تقف حركة (حماس) التي تتعرض دويلتها «الإسلامية» لحصار إجرامي من قبل الكيان الصهيوني، وقد أدخلت الحركة نفسها في متاهات الخلافات العربية العربية من جهة، ومن جهة أخرى زجت بنفسها في معترك الصراعات الداخلية العربية سواء لوقوفها مع أطراف في «المعارضة» السورية متخلية عن أحد أهم حلفائها الإقليميين وهو الرئيس السوري بشار الأسد، أو انخراطها كطرف من أطراف الصراع في مصر واصطفافها إلى جانب جماعة الإخوان المسلمين خلال ذلك الصراع مما جلب على الحركة غضبا مصريا عارما، شعبيا ورسميا.
    من شأن هذه الأوضاع المستجدة أن تنعكس على جهود المصالحة الوطنية الفلسطينية، فالسلطة الوطنية الفلسطينية، وإن كان موقفها السياسي فيما يتعلق بمفاوضات «السلام» مع الجانب «الإسرائيلي» ليس ضعيفا طالما أنها، أي السلطة، متمسكة بحقوق مشروعة مدعومة من المجتمع الدولي، فإنها مطالبة بالعمل على إنجاز المصالحة لتعزيز هذا الموقف أكثر، أما حركة (حماس) فوضعها مختلف تماما، فهي أحوج إلى المصالحة في الوقت الحاضر أكثر من أي وقت مضى كي تفك جزءا من العزلة التي تسببت في فرضها على نفسها وعلى سكان القطاع، وبالتالي فإن الحركة قد تجد نفسها أمام حل واحد، وهو أنه لا خيار سوى الانخراط بجدية أكثر من أي وقت مضى في الجهود التي تبذل لإغلاق هذا الملف.
    وبغض النظر عن حجم المسئولية التي تتحملها حركة (حماس) جراء ما وصلت إليه الأوضاع الفلسطينية من تأزم وجمود داخلي أدى إلى تقوية الجانب الصهيوني في مفاوضاته مع السلطة الوطنية الفلسطينية، حيث مثل انقلاب (حماس) على السلطة الوطنية في قطاع غزة أكبر هدية يتلقاها العدو الصهيوني من دون مقابل، نقول رغم كل ذلك، فإن الأوضاع الفلسطينية لا تستحمل اجترار اللوم في الوقت الراهن لأن كل المؤشرات والدلائل تشير إلى أن الكيان الصهيوني هو المستفيد الأول من استمرار النزيف الفلسطيني ومن مصلحته عرقلة أية مصالحة وطنية بين أطراف العمل الوطني الفلسطيني.
    ولكن المصالحة لها استحقاقات قد يراها هذا الطرف أو ذاك ثقيلة على التنفيذ أو القبول، وفي مقدمة هذه الاستحقاقات التخلي عن نتائج الانقلاب على السلطة الوطنية الفلسطينية، فقد أثبتت السنوات السبع التي مضت من عمر «دويلة» غزة، أنها لم تجلب سوى المزيد من الشقاق والوهن في الجسم الفلسطيني وشجعت العدو على التمادي في العبث بالحقوق الوطنية المشروعة وساهمت أيضا في إضعاف المفاوض الفلسطيني في مواجهة الرعونة «الإسرائيلية» المدعومة من الجانب الأمريكي دعما مطلقا، فاستمرار حالة ما بعد الانقلاب أو التمسك بنتائجه يمثل العقبة الكأداء أمام مشروع المصالحة الوطنية وهو إفشال للجهود قبل أن تبدأ.
    فبعد الأخطاء الفادحة التي ارتكبتها حركة (حماس)، سواء في علاقاتها مع الداخل الفلسطيني أو علاقاتها العربية والإقليمية، فإن هامش حركتها وتحركها بات ضيقا جدا، والمكابرة والتمادي في التمسك بنتائج الأفعال الخاطئة لن يخدم الحركة ويضر بالمصلحة العليا للشعب الفلسطيني على المدى البعيد، فلا يمكن لهذه المصلحة أن تتحقق في ظل الشرخ القائم في الجسم الفلسطيني حاليا، وليس أمام حركة (حماس) سوى الاختيار بين استمرار النزيف الفلسطيني أو التخلي عن نتائج أفعالها الخاطئة، والتراجع عن هذه النتائج لا ينتقص من وزن الحركة طالما أنه يصب في المصلحة الوطنية الفلسطينية.

    فلسطين: حاضرنا يغتصب ماضينا ويتحرش بمستقبلنا
    بقلم: محمد يحيى شامية عن العرب أون لاين
    تعريف الكفاءة هي أنها حاصل قسمة المخرجات على المدخلات، وإذا ما قررنا أن نضع معادلة الكفاءة لقياس الأداء السياسي الفلسطيني، سنكتشف جملة من الحقائق نحتاج إلى الوقوف عندها، عسانا نتحسس طريق الصواب لقضيتنا التي راح على مذبحها آلاف الشهداء والأسرى والمشردين.
    فقد رسم هذا الصراع صفحات من نور، استحق فيها كل فلسطيني أن يرفع الهامات ويحدّث أحرار العالم عن بسالته وعدالة قضيته، وفي زحمة السياسة قدم فاتورة تضحياته ومعاناته لقيادته السياسية، لتلبي له أدنى مقومات الحرية وكرامة العيش، فهي التي طالما حدثته عن أن السياسة هي فن الممكن وأن الواقعية السياسية هي مقدمات تجييش العالم لنصرة القضية، فتساوق معها عامة الشعب في إطار “اتفاق أوسلو”، آملا بدولة على حدود الرابع من يونيو 1967.
    حينها خرج علينا فريق آخر يهتف “من المية للمية أعلناها فلسطين إسلامية… بدنا إياها” شعار أتى ليحاجج الفريق الأول ويتهمه بالتفريط، وحتى لا نطيل في تفسير المفسّر من ماض مشرق كان فيه الاختلاف على محدّدات المشروع الوطني وهو أمر مشروع ومحبذ، استوجبت اللحظة أن نقيّم حاضرنا بميزان كفاءة الإنجاز في سباق التنافس من أجل الوطن فأين نحن منه اليوم.
    ففريق الواقعيين محاصر بخياراته التفاوضية التي لم تفلح في ترجمة مساره السياسي إلى أمر منجز على الأرض، فعلى مدار عشرين عاما من المفاوضات عملت إسرائيل على فرض أمر واقع جديد، يصعب مهمة المفاوض ويقلل من فرص وموضوعية المسار. ومع مرور الزمن انحصرت خيارات هذا الفريق على سكة التفاوض، فهو الرافض للمقاومة المسلحة، وغير القادر على تفعيل المقاومة الشعبية، مع تجميل للمواقف من خلال طرق أبواب المجتمع الدولي ببعد قانوني يسير على استحياء وبما يحفظ ماء الوجه سياسيا وشعبيا.
    وفي المقابل عمد فريق المتشددين على تبني لغة المقاومة للتنظير الشكلي والشعبي، ولكن عمليا تم ترويض المقاومة وعقلنتها في إطار دولة على حدود 1967 ودخلت نادي السلطة الذي يستوجب الواقعية السياسية، فقوضت برنامج المقاومة لصالح البقاء في الحكم. وهكذا اختلفوا شكليا واتفقوا جوهريا مع احتفاظ الفريقين الواقعي والمتشدد بأسلوبه في تطوير خطاباته الشعبوية لتبرير ممارساته ومحاججة الشعب بأن خياراته هي الأكثر سدادا. وعليه لم تعد ميادين المنافسة عند نقاط الاحتكاك مع الاحتلال، بل أصبحت الجزيرة وشبيهاتها، ميادين للمزايدات والاغتسال من عار الحاضر!
    ولم يقف التنافس عند هذا الحد، بل ذهب إلى تبني التخوين والتشويه كتكتيك سياسي يهدف إلى تقليل خيارات الشعب ووضعه أمام مفارقات تتعلق بخيار أفضل الأسوأ إلى أن تزعزعت ثقة الشعب بنفسه، وساهم ذلك في زرع مناخ يغيّبُ العقل الجمعي الوطني لصالح العقل الفردي السلبي. ولكن الفريقين وأخيرا اتفقا على ضرورة إجهاض أي حراك شعبي لفرض المصالحة الوطنية، وذلك عبر لقاءات وصور فوتوغرافية تبيع الأمل الزائف في سوق التعطش الوطني للوحدة، وتكرر ذلك في القاهرة وقطر واليمن وقبلها في رحاب قبلة المسلمين. وعلى الأرض تهوّد القدس وتتوسع المستوطنات ويضيق حصار غزة، واللاجئون لن يعودوا ويمكن أن يموتوا جوعا كما في مخيم اليرموك. والموظفون رهائن للبنوك ومؤسسات الدولة تتهاوى ولا صوت يعلو فوق صوت الفقر واليأس.
    وعلى إثر ذلك تطورت خريطة تحالفات مشوهة، فالواقعيون لم يكلوا من استجداء أميركا التي لم تتوقف عن دعم إسرائيل والتفكير في تقسيم المقسم وزرع الفتن في المنطقة العربية، والمتشددون يتخبطون بين الحاضنة السورية والمال القطري والتجربة التركية والتسليح الإيراني “وركب يلي بتركب”. ولكن في الواقع القضية الفلسطينية هي من يدفع ثمن هذه المقايضات المتخبطة.
    لم يهدف هذا السرد إلى تعميق الألم ونبش الجرح وجلد الذات، بقدر ما هو محاولة لرمي حجر في مياه راكدة ومسعى لوقف النزيف. فنحن بتنا جميعا في أسوإ حال وننشد الحرية والطهارة في مراحيض حاضرنا البائس، وهجرنا ميادين البسالة والفداء لصالح السلطة والمال والحزب، ووجب أن نعود عن هذا الطريق الموحش تجنبا لما هو أخطر، وهذا ممكن من حيث التوقيت والظرف الموضوعي للطرفين.
    ولكي يكون لنا ذلك علينا أن نجعل من العفة في المناصب منهجية عمل لساستنا وأن نتنافس في ميدان واحد هو مقارعة الاحتلال، ونتعالى على جراح الماضي من أجل المستقبل وفق رؤية توافقية تعمل على تطبيق المصالحة الوطنية قولا وفعلا وفق ميثاق شرف وطني ومصالحة اجتماعية، مع وقف كل أشكال التحريض والتخوين أو تأجيلها لخوض معركة الرجل الواحد مع الاحتلال.
    وفي هذا السياق علينا أن نعمل على إعادة تفعيل دور الأطر والمؤسسات الوطنية، لتمثل الحاضنة للقرار الوطني الفلسطيني. مع ضرورة استكمال وتفعيل الحملة الدبلوماسية الدولية لمقاطعة إسرائيل، والمضي في ملف متابعة إسرائيل بموجب القانون الدولي، بتصنيف فلسطين دولة على حدود 1967، على أن تصنف كدولة تحت الاحتلال وليست أراضي متنازع عليها، وهذا سيضمن حقوقنا من التساقط بالتقادم أو من سياسة إسرائيل بخلق وقائع جديدة على الأرض. ورغم أهمية الخطوة إلا أن هذا التحرك سيبقى بمثابة تحديد الوديعة السياسية الفلسطينية دولياً، دون تطبيق عملي على الأرض. ولهذا نحن في حاجة إلى تنظيم ودعم المقاومة الشعبية كنهج عمل لكل الفصائل دون استثناء، وتعبئة الشارع بجدواها وتطوير أساليبها. وفي المقابل نحتاج إلى تطوير العمل الإعلامي عربيا ودوليا، لإعادة إنتاج الصورة لأننا نعيش زمن تقوى فيه الكاميرا وتحقق فيه انتصارات أمام أكثر الأسلحة وأقواها.

    الإسلاموية: السلطة والحداثة والنزعة العالمثالثية
    بقلم: حسام أبو حامد عن الحياة اللندنية
    منذ انطلاق الدعوة لإحياء الخلافة الإسلامية وحتى اليوم تفرعت الحركات الإسلاموية العربية وتعددت مجموعاتها الناشطة. لكنها بشكل عام لا تزال تدور في حيز الإطار المفهومي الذي وضعه حسن البنا (حركة الإخوان المسلمين)، أو ذاك المستمد من الصيغة الراديكالية التي صاغها الإخواني سيد قطب (حزب التحرير، الجهاد الإسلامي)، أو من تلك الصيغة العملية الانقلابية التي كرسها الفلسطيني صالح سرية (الفنية العسكرية).
    وعلى النقيض من الحالة الإيرانية لم تستطع الحركات الإسلاموية في الوطن العربي الوصول إلى السلطة عن طريق ثورة إسلامية فعلية، وإنما عبر صناديق الاقتراع، إذا شئنا طبعاً أن نستبعد مصطلح الديموقراطية الذي رفضه الإسلامويون مراراً بوصفه بضاعة غربية.
    كان وصول الإسلامويين إلى الحكم منذ مطلع التسعينات متوقعاً من وجهة نظر البحث الاجتماعي التاريخي. إذ اتسم تعامل النظم العربية الحاكمة معهم بالازدواجية والتناقض، ففي الوقت الذي جرى قمعهم على الصعيد السياسي كانت تتم عملية زرعهم أيديولوجيا واجتماعياً موفرة لهم كافة المنابر الممكنة وكان أخطرها المؤسسات التربوية التعليمية. إن التوظيف الاجتماعي لخطاب الطاعة المكرس إسلاموياً ومحاولة خلق حالة من التوازن في وجه حركات المعارضة ذات التوجهات اليسارية والعلمانية، استدعيا ذلك التواطؤ التاريخي غير المعلن مع الحركات الإسلاموية. وبدت تلك الحركات وقد استطاع استيعاب الحداثة السياسية إن لم يكن على الصعيد المفهومي فعبر الممارسة العملية، متقدمة من الانتخابات البلدية والمحلية إلى التشريعية إلى الرئاسية، مستندة إلى رصيدها الجماهيري المتنامي بفضل حالة التواطؤ المذكورة.
    صحيح أن الحركات الإسلاموية تشترك مع الحركات السلفية الأصولية في ذلك البعد الأصولي الذي يريد إقامة مجتمع تحت حكم الشريعة، لكن لا يمكن اعتبار ذلك تبشيراً بالعودة إلى ما كان سابقاً (القديم) مما يتعارض مع الحداثة. فبالإضافة إلى استيعاب الحداثة السياسية بحدود قليلة أو كثيرة، نجد استيعاباً واسعاً لدى الحركات الإسلاموية لتطبيقات العلم الحديث سواء في التظاهرات أو وسائل الاتصال والتواصل الاجتماعي أو في الأسلحة وحتى في التخطيط لحروبهم بكافة أشكالها. كما أن الإسلامويين الذين هم في غالبيتهم من الطبقات الوسطى في المدينة لم يتلقوا تعليماً في مدارس دينية ولم يكتفوا بحلقات المساجد، بل هم طلاب جامعات ومعاهد تعليم عال وغالبيتهم من الفروع العلمية وقلة منهم رجال دين. وحتى مناصروهم يعيشون في ظل القيم المدينية والمجتمع الاستهلاكي.
    وإذا كان هذا ما يبعدهم عن السلفية الأصولية فثمة ما يقربهم من الماركسية التي احتكّوا بها مبكراً في حرم الجامعات. وعلى رغم حالة العداء التقليدية، لا شك أن الإسلامويين تأثروا بهؤلاء الملتزمين الماركسيين من الناحية التنظيمية، حتى يبدو أن الأمير أو المرشد حل محل الأمين العام وأن مجلس الشورى لهذه الجماعات حل محل اللجنة المركزية. ولا يقتصر الأمر على مجرد الهيكلية التنظيمية لعمل الجماعة ونمط الزهد الاجتماعي المشترك نوعاً ما. فالانقلابية الماركسية تهدف للاستيلاء على السلطة من أجل إقامة سلطة البروليتاريا، ويهدف الإسلاميون إلى استرداد السلطة لأسلمة المجتمع. وفي كلا الحالين تنطوي الأهداف على رغبة عاطفية في رفع الظلم الاجتماعي عن المستضعفين. ويبدو أن مفهوم الثورة الماركسي أساساً استوعب إسلاموياً بمثابته تطويراً لمفاهيم الدعوة والتبشير.
    التقدميون الذين تجمهروا في الساحات في الخمسينات والستينات تحت الأعلام الوطنية أو القومية أو تلك الحمراء، أخلوا الساحات اليوم للإسلامويين. وما بين ماض وحاضر تبقى صلة وصل تتمثل في حالة العداء للغرب، الإمبريالي في الحالة الأولى والكافر في الحالة الثانية. لقد كانت تلك الحقبة من القرن الماضي هي حقبة طغيان وحدة الوجدان والنزعة العالمثالثية التي جعلت من هذا «المناضل التقدمي» عابراً للحدود العالمثالثية. واليوم وبعد أن استُنفدت الحركات التقدمية بوصولها إلى السلطة في عديد البلدان العربية، هل تخلي الساحة لنزعة عالمثالثية إسلاموية الطابع في ظل مناخات «الربيع العربي»، أم أن السلطة التي استَنفدت أولئك ستقوم بالدور ذاته في ما يخص هؤلاء؟

    الزمن يتطلب تطوير الأنظمة السياسية
    بقلم: مصطفى الصراف عن القبس الكويتية
    جميع شعوب العالم التي أرادت التطور اتجهت نحو إقامة دول دستورية، سواء ما كان منها ملكياً أو جمهورياً، إذ لم يعد مقبولاً في النظام العالمي الحديث المعاصر دول تدار من دون دساتير تحدد طبيعة نظامها وهيكليته وترسم طريقاً واضحاً لإدارته. لقد اتسعت الدول وصارت تضم خليطاً من البشر من مختلف القبائل والعشائر والاعراق، ولابد للدفاع عنها من جيش هو من ابناء ذلك الشعب الخليط الذي يعيش على ارض وطن واحد ويرتبط بمصير واحد.
    وأصبحت الدول تدار بواسطة مؤسسات وسلطات تسيرها نظم وقوانين تحدد مسارها وسلطات القائمين عليها. وهذا لا يتأتى الا بدستور يعبر عن ارادة الشعب في ما يريده لحياته.
    ان شعوب الخليج والجزيرة العربية قاطبة قد خطت خطوات حثيثة في كل ميادين الحياة، ولم تعد الامية هي سمتها الرئيسية كما كانت في الماضي، بل وخلال خمسين عاماً مضت اصبح المواطن في هذه الشعوب يسير كتفاً بكتف مع المواطن في ارقى شعوب العالم علماً وثقافة، ومواكبة لهذه النقلة للإنسان في هذه المنطقة، يجب ان يتطور نظامه السياسي بما يتوافق مع تطوره. ولذا فقد حق القول ان اي نظام سياسي في زمننا هذا لا يبادر الى تطوير نفسه بما يتلاءم وهذا التطور للإنسان، والأخذ بأحدث النظم السياسية مستفيداً من تجارب الامم، فإنه سيطويه الزمن ويتأخر عن الشعوب.
    وقد آن الاوان لكل الدول المتطلعة الى البقاء والاستقرار ان تأخذ عاجلاً بأسباب التقدم، وتتخطى الماضي على عجل، وبنفس سرعة تطور الشعوب، فلن يبقى نظام سياسي من دون دستور يختار الشعب نصوصه لنفسه، ويضمنه ارادته الحرة في رسم طبيعة النظام الذي يناسبه في هذا العصر، واذا تم ذلك فهذا افضل من ان تضطر الشعوب الى اللجوء الى العنف والقوة للحصول على مرادها.
    ان اعداء الامة العربية يتربصون بها ولا يريدون لها الخير، لذا فهم يدفعون جهلاء الشعوب الى اللجوء الى القوة لتعم الفوضى، فتتأخر مسيرة شعوب المنطقة بإشغالها في حروب فيما بينها لتتحقق رغبة قوى الشر الطامعة في خيرات المنطقة، فهم يعملون على إبقاء الانظمة القديمة بحجة حمايتها، في حين انهم يعملون على توريطها لتكون هدفاً لثورة شعوبها، ثم تمزيقها واضعافها بخلق كيانات هزيلة تقع تحت هيمنتها، علماً بأنه لا يمكن حماية اي نظام ما لم يرض عنه شعبه وابناء شعبه من افراد جيشه. ان التطور مع الزمان يبعدنا عن شرور العنف ويحافظ على الأوطان من مؤامرات الصهاينة والاميركان. ولنتذكر القول المأثور «إذا ما طاعك الزمان وإلا طيعه».

    الجيش والسياسة
    بقلم: فهمي هويدي عن الشروق المصرية
    عاد إلى الواجهة فى مصر ملف علاقة الجيش بالسياسة، متزامنا مع ترشح المشير عبدالفتاح السيسى لرئاسة الجمهورية. فقرأنا أن مصر باتت معرضة للانهيار وأن الجيش صار الضامن الوحيد للحيلولة دون ذلك، كما قرأنا تنظيرا لدور الجيوش وحملها بالمسئولية عن التقدم فى المجتمعات الإنسانية.
    وذهب البعض إلى أبعد حين رهنوا مستقبل مصر ودورها ووجودها وعلَّقوه على تولى المشير السيسى شخصيا لرئاسة الجمهورية وإدارة دفة البلاد. إلى غير ذلك من الأفكار التى يخلو بعضها من شطط فى حين يفتح البعض الآخر الأبواب للالتباس وسوء الفهم. لذلك أزعم بأنها بحاجة إلى مراجعة وضبط يميز بين المقبول منها والمرفوض أو المرذول.
    تحتاج المراجعة إلى مقدمة وتمهيد، لأننا اعتدنا ان نعتبر الكلام عن الجيش اقترابا من المحظور وخوضا فى حقل من الألغام والأشواك. ذلك ان الملف له حساسية خاصة، حيث يعتبره البعض من المقدسات التى ينبغى أن تحاط بأعلى درجات التبجيل والتوقير. وفى مواجهة المتعصبين للجيش فهناك المخاصمون لدوره الذين تستفزهم كلمة العسكر، ويعتبرونها رمزا لشرور كثيرة. إضافة إلى أن مجتمعاتنا التى غابت عنها الثقافة الديمقراطية طويلا باتت ترى تعارضا بين الاختلاف والاحترام، رغم ان كثيرين يرددون عبارة ان الاختلاف لا يفسد للود قضية. لأن العكس هو الصحيح على طول الخط فى الواقع العملى. حيث بات الاختلاف مصدرا لإفساد الود وإذكاء الخصومة، وفى ظروفنا الراهنة خلال السنوات الأخيرة عديدا من الشواهد الدالة على ذلك.
    إذ حين اختلف الناس مع بعضهم البعض فى الشأن السياسى، فإن ذلك لم يؤد فقط إلى القطيعة والخصومة بينهم حتى على مستوى الأسرة والبيت الواحد. ولكنه فتح الباب واسعا لكل صور استباحة الآخر والتنكيل به، وحذفه من التاريخ وربما من الجغرافيا أيضا، وتلك خلفية تسوغ لى ان أقرر بأن اختلافنا مع دور الجيش لا يقلل من احترامنا له أو حرصنا عليه، مذكرا بأن الاحترام غير التقديس، والأول يسمح لنا بأن نتحفظ وننتقد فى حين التقديس يعتبر أى انتقاد أو تحفظ من علامات المروق والخروج من الملة الوطنية فضلا عن المساس بالأمن القومى.
    إن القول بأن الجيش هو الضامن الوحيد لبقاء الدولة المصرية الذى يحول دون سقوطها يضعنا إزاء مغامرة خطرة. صحيح انه جرى التحذير من تحولها إلى فاشية عسكرية، وهو شرط مهم، ولكن الصياغة بهذه الصورة لا تخلو من تناقض. لأن انفراد الجيش بدور الضامن «الوحيد» يفتح الباب واسعا أمام الانزلاق باتجاه الفاشية العسكرية. ذلك أن وحدانيته تلك تعنى انه لا توجد فى المجتمع قوة أخرى تستطيع كبح جماحه ووضع حدود لممارساته وتطلعاته.
    لقد عاشت تركيا نحو سبعين عاما فى ظل درجات مختلفة من الفاشية العسكرية لأن الجيش اعتبر نفسه الضامن الوحيد لاستمرار النظام الجمهورى. ولم تستعد تركيا عافيتها إلا حينما أطاح المجتمع بتلك الأسطورة فى عام 2002، بحيث أصبح هو الضامن المسئول عن حماية الجمهورية، وظل الجيش محتفظا بدوره الحيوى فى حماية الحدود وأمن البلد. وأيا كان رأينا فى الممارسات الأخيرة التى شابت التجربة التركية، إلا أن التعامل معها ظل فى إطار آليات الخبرة الديمقراطية، بعيدا عن دور الجيش وتدخلاته التى عرضت البلاد لأربعة انقلابات عسكرية فى المرحلة السابقة.
    إن الضامن لبقاء الدولة المصرية هو مؤسسات أهلها التى يعد الجيش فى الصدارة منها، لكنه ليس الوحيد المعول عليه، وإذا أصيبت تلك المؤسسات بالضعف والهشاشة فإن الحل يكون بالعمل على استعادتها عافيتها وليس إلغاءها والمراهنة على الجيش وحده. إن دروس التاريخ منذ الإمبراطورية الرومانية حتى الاتحاد السوفييتى، تدل على ان التعويل على القوة العسكرية وحدها كان سببا فى السقوط وليس الاستمرار والنهوض. ذلك ان قوة الجيوش مهما تعاظمت فإنها لا تغنى ولا تعد بديلا لقوة المجتمعات بمختلف تكويناتها المؤسسية والسياسية والقضائية والعلمية.. وغيرها.
    حين كتب زميلنا الأستاذ جميل مطر مقالته «التقدم مسئولية الجيوش» ــ (جريدة «الشروق» 14/4/2014)، فإنه كان أكثر حذرا وصوابا، إذ ذكر «أن معظم التجارب التى كانت الجيوش تحكم بنفسها وتتولى مسئوليات سياسية عادية انتهت فى اسوأ الظروف بفشل أو كوارث. وانتهت فى أحسن الظروف بتعطيل النمو السياسى، بمعنى إعطاب قدرة الطبقات الوسطى على تشكيل أحزاب وحركات مدنية وبناء الوطن والمواطن.. ففى التجارب التى مارست فيها الجيوش الحكم بنفسها فإنها انشغلت بمشكلات الحكم والسياسة عن دورها الأساسى كقاطرة حضارة وتقدم».
    إن فى مصر شرائح تراهن دائما على دور السلطة التى لا ينكر أحد أهميتها. ولكن التحدى الكبير الذى نواجهه هو كيف يستدعى المجتمع وتستنفر طاقات العافية والإبداع فيه لكى يؤدى دوره فى تحقيق النهوض المنشود. فى هذا الصدد فلعلى لا أبالغ إذا قلت إن استدعاء دور الجيش يمثل الجهاد الأصغر، فى حين ان استحضار المجتمع وإحياء مؤسساته هو الجهاد الأكبر. والأول أمره ميسور، أما الثانى فهو التحدى الحقيقى الذى تختبر به الرغبة الحقيقية فى البناء والتقدم. اننا نريد لمحبة الوطن أن تقدم على محبة الجيش، وان تظل الأخيرة قربة للأولى.

    الملفات المرفقة الملفات المرفقة

المواضيع المتشابهه

  1. اقلام واراء عربي 567
    بواسطة Haneen في المنتدى أقلام وآراء عربي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2014-02-09, 11:51 AM
  2. اقلام واراء عربي 566
    بواسطة Haneen في المنتدى أقلام وآراء عربي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2014-02-09, 11:50 AM
  3. اقلام واراء عربي 565
    بواسطة Haneen في المنتدى أقلام وآراء عربي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2014-02-09, 11:49 AM
  4. اقلام واراء عربي 564
    بواسطة Haneen في المنتدى أقلام وآراء عربي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2014-02-09, 11:48 AM
  5. اقلام واراء عربي 290
    بواسطة Haneen في المنتدى أقلام وآراء عربي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2013-01-17, 11:54 AM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •