في هذا الملـــــف:
معازل نتنياهو وبينيت !!
بقلم: حديث القدس – القدس
مدرسة "راهبات الوردية" ...بين التمسك بالقوانين .. ومراعاة مشاعر الآخر!
بقلم: عزام توفيق ابو السعود – القدس
عن استئناف عملية المصالحة في فلسطين
بقلم: ماجد عزّام – القدس
بالجرم المشهود
بقلم: حسن البطل – الايام
الفلسطينيون بين خطابين: إذا أردتم تثبيت الناس لا تنظروا إلى نصف الكأس الفارغ فقط
بقلم: حسين حجازي – الايام
إلى قمة "الإيفرست"
بقلم: رامي مهداوي – الايام
تغريدة الصباح - شكوى لله "الصمد"
بقلم: عدلي صادق – الحياة
درب الحرير ودرب الحمير
بقلم: د.ناصر اللحام – معا
معازل نتنياهو وبينيت !!
بقلم: حديث القدس – القدس
مرة أخرى يثبت رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو أنه يتخبط سياسيا ولا يمتلك أية رؤية لإيجاد حل عادل ودائم وان ما يهمه هو تكريس احتلال أجزاء واسعة من الضفة الغربية وحشر الفلسطينيين في معازل وكانتونات محاصرة برا وجوا وبحرا وتابعة اقتصاديا للاحتلال الاسرائيلي، في محاولة لتخليص اسرائيل من الأعباء التي يفرضها القانون الدولي على دولة الاحتلال معتقدا أو واهما ان السلطة الوطنية والشعب الفلسطيني يمكن ان يقبلا بمثل هذه الاجراءات التي أعلن في اسرائيل امس أنه يدرسها بهدف التخلص من المناطق المكتظة بالفلسطينيين وبحيث تتحمل السلطة الوطنية المسؤولية عن الوضع في مثل هذه المناطق.
إن أقل ما يمكن ان يقال بهذا الشأن ان نتنياهو يذكرنا بذلك بنظام التمييز العنصري الأبارتهايد - في جنوب افريقيا والمعازل التي حشر فيها ذلك النظام العنصري البائد السود وألحق بهم ظلما تاريخيا على مدى عقود مع الفوارق طبعا بين الجاليتين، كما يذكرنا بالكثير من الاحتلالات وما مارسته من تمييز وقمع وظلم.
ولا يختلف حال نتنياهو عن حال أحد أقطاب حكومته وزير الاقتصاد المتشدد بينيت الذي دعا الى ضم المناطق "ج" الى اسرائيل ولا عن حاخامات ومتطرفي ومستوطني نتنياهو الذين يدعون لتوسيع الاستيطان وتكريس الاحتلال وتهويد القدس، في أبشع ما يمكن للنفس البشرية ان تتخيله من ممارسات لا أنسانية وانتهاكات فظة واستلاب لحقوق شعب بأكمله.
ان ما يجب ان يقال لنتنياهو وبينيت وكل المتطرفين في اسرائيل انهم يخطئون خطأ جسيما اذا ما توهموا أو اعتقدوا ان فلسطين التي اعترف بها المجتمع الدولي قابلة للقسمة والضم والتنازل أو اذا ما تهيأ لهم ان من حقهم الاعتداء بهذا الشكل السافر على حقوق شعب فلسطين وأراضي دولة فلسطين التي تشمل حسب قرارات الشرعية الدولية كامل الأراضي المحتلة من العام 1967 وفي مقدمتها القدس العربية.
ولتذكير بينيت ونتنياهو ، فإن كل قرارات المصادرة والضم والاستيطان تعتبر باطلة وغير مشروعة في نظر القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية ولن تغطي وقاحة من يريد التصرف بحقوق وممتلكات شعب آخر على حقيقة هذا البطلان ولا على حقيقة تمسك شعبنا بكامل حقوقه المشروعة وسيواصل مسيرته الشاقة والطويلة حتى ينتزع حقه في الحرية والاستقلال.
والأغرب ان يحاول نتنياهو وبينيت تسويق مخططاتهما الاستعمارية هذه تحت ذريعة فشل مفاوضات السلام ومحاولتهما تحميل الجانب الفلسطيني المسؤولية، فالذي يسعى لتحقيق السلام لا يلجأ الى الاستيطان والضم والمصادرات وحرمان شعب بأكمله من حقوقه ولا إلى مثل هذه الانتهاكات الفظة للقانون الدولي ولقرارات الشرعية الدولية.
ويجب على نتنياهو وبينيت وأمثالهما ان يدركا ان ليس من حقهما التصرف في حقوق وممتلكات شعب آخر ودولة أخرى وأن من الأجدر بهما أن يدركا ان عزلة اسرائيل دوليا وتنامي دعوات المقاطعة ضدها ورفض العالم العربي والإسلامي لإقامة علاقات طبيعية معها إنما سببه مثل هذه السياسة التي تهدد الأمن والاستقرار وتعبر عن عهود احتلال عفا عليها الزمن ولم يعد العالم يقبل بها، وعليهما ان يتذكرا ان الشعب الفلسطيني سيرفض أية مخططات أو حلول لا تلبي حقوقه الثابتة والمشروعة.
مدرسة "راهبات الوردية" ...بين التمسك بالقوانين .. ومراعاة مشاعر الآخر!
بقلم: عزام توفيق ابو السعود – القدس
أتردد كثيرا كل عام ، وعند حلول موعد حفل التخرج السنوي لمدرسة راهبات الوردية، في الكتابة حول موضوع مقاطعة او حرمان من تصر من خريجات هذه المدرسة، من المشاركة في حفل التخرج اذا اصرت على ارتداء الحجاب الشرعي الإسلامي!
واليوم اريد مناقشة هذا الموضوع، رغم حساسيته، بطريقة عقلانية آمل من كل من ادارة المدرسة وأهالي الطالبات أن يفتحوا صدورهم وقلوبهم لهذا النقاش برحابة صدر وعقلانية، نحن بحاجة اليها دوما في تعايشنا الاسلامي المسيحي النموذجي عبر العصور، وعبر الف وأربعمائة عام مضت في هذه المدينة المقدسة، وعلى هذه الأرض المقدسة!
أولا : مدارس الراهبات في بلادنا لها تقاليدها واساليبها وطرقها ومعاييرها وزيها الخاص التي تريد أن تتمسك بها، وهذا حق طبيعي لها لا يختلف عليه اثنان، ومن يرسل ابنته الى احدى مدارس الراهبات يجب أن يعرف مقدما أن عليه أن يلتزم بتقاليدها، فإن كانت هذه المعايير وهذا الزي لا يعجب بعض أولياء أمور الطالبات فليجد لإبنته مدرسة أخرى يعلمها بها ...
ثانيا : منذ بدء إنشاء مدارس الراهبات، او المدارس التابعة للأديرة والطوائف المسيحية المختلفة في القدس وفلسطين، وبعضها تجاوز وجودة أكثر من قرن أو على الأقل عدة عشرات من السنين في القدس خاصة، وفي فلسطين عامة، وأكثر طالباتها من الفتيات المسلمات، اللواتي يستطيع أهلهن دفع اقساط التعليم المرتفعة لها، باعتبار أنها مدارس خاصة ، وذات جودة تعليمية أو اجتماعية متميزة، فهي وإن كانت قد أنشأت أصلا كمدارس ارساليات دينية، الا أن تركيبة المجتمع المقدسي، او الفلسطيني الديمغرافية، جعلتها تقبل الفتيات المسلمات، لأن الطوائف المسيحية شكلت في اعلى نسبة لها عام 1920 ما نسبته 20% من اجمالي السكان، وتتراجع هذه النسبة مع الأسف عاما بعد عام، حتى وصلت الآن الى اقل من 2% من اجمالي السكان العرب في القدس! ولهذا لن تستطيع هذه المدارس الاستمرار دون قبول الطالبات المسلمات اللواتي يشكلن الآن معظم طالبات هذه المدارس!
ثالثا : مدارس الراهبات في بلادنا تلتزم بالقوانين التعليمية المعمول بها في البلاد ولذلك فهي تدرس مادة التربية الاسلامية للطالبات المسلمات، كما تعطي دروسا في الدين المسيحي للطالبات المسيحيات...
رابعا : تطورت الملابس التقليدية في القدس عبر السنين، فقد كنا نرى المرأة المسيحية والمسلمة في القدس على حد سواء، يلبسن " الملاية الزم" في بداية القرن، ويغطين وجوههن بالمنديل او الغربال وهن في الطريق، ومع بدء حركات تحرر المرأة من الحجاب في نهاية العشرينات من القرن المنصرم، على يد رواد ورائدات تحرر المرأة في مصر وفلسطين ولبنان، بدأت النساء المسيحيات والمسلمات يتجهن الى الخروج من بيوتهن سافرات، وبات" الايشارب" مثلا ملازما لكبيرات السن، او الباحثات عن الموضة، التي يشكل الايشارب الخفيف عنصرا مكملا لها.. لكن المجتمع الإسلامي تغير في السنوات الخمس عشرة السابقة، فباتت نسبة النساء اللواتي يرتدين الحجاب في تزايد مستمر، فبعد أن كانت معظم الفتيات المسلمات سافرات باتت الأن معظمهن محجبات .. وبات الحجاب ظاهرة اجتماعية أكثر منه ظاهرة دينية ، واصبح الحجاب مظهرا للبيئة المجتمعية لكثير من الأسر المسلمة التي تبغي ملبسا أكثر احتشاما!
خامسا : لباس الراهبات أيضا هو لباس يوحي بالإحتشام والاحترام ، والراهبات يميزن أنفسهن بهذا اللباس، أو المسوح الديني الذي يتضمن غطاء للرأس والشعر، هو أكثر حشمة وصرامة من الحجاب الإسلامي ... خاصة أن كثيرا من الفتيات المسلمات يلبسن الملابس العصرية ويغطين رؤوسهن بحجاب، وفي هذا تناقض أكبر بين الموضة والتحرر والتدين والتحجب!
سادسا : فتيات مدرسة الراهبات المحجبات اللواتي يعرفن ويلتزمن بقانون المدرسة، يقمن بنزع حجابهن عند دخولهن الى المدرسة ، وتلبسنه عند خروجهن منها الى الشارع، اما داخلها فيلتزمن باللباس المدرسي بدون غطاء رأس رغم وجود بعض الاساتذة او الحراس من الذكور، أو زيارات بعض الموجهين التربويين لصفوفهن!
سابعا: نظرا للنقص الحاد في عدد المدارس في القدس، فقد توجه االبنك الاسلامي للتنمية للمساعدة في حل هذه المشكلة ، وقدم دعما سخيا للمداس الخاصة ، ومنها مدارس راهبات او مدارس تابعة لكنائس مسيحية، مما مكنها من االتوسع وتقديم خدمات تعليمية أفضل لنا نحن المقدسيين بغض النظر عن انتمائنا الديني سواء كان مسلما أو مسيحيا، فالمهم كان هو خدمة الطالب العربي او الطالبة العربية في القدس! ولم يشترط البنك الاسلامي أو يلزم أية مدرسة راهبات بالسماح للفتيات المسلمات بلبس الحجاب كشرط للمنحة!
ثامنا : أسفت جدا لما حدث من تصعيد لهذا الموضوع في الأسبوع المنصرم، والى مظاهرة للطالبات وأولياء أمورهن وبعض الشخصيات، وأسفت أكثر لما كتب عبر وسائل التواصل الاجتماعي ، وخاصة "الفيس بوك"، مما كتبته فتيات مسيحيات او مسلمات في تبادل كلمات توحي بعنصرية بغيضة، ليست موجودة في مجتمعنا، ولا نريد لها أن توجد، ويجب أن توئد في عقر دارها، فهذا بالضبط ما يريده الاسرائيليون منا، أن نتصارع طائفيا ومجتمعيا، في ظل مجتمع نفتخر دوما بنموذج القدس للتعايش بين الأديان، ونتباهى بهذا النموذج الفريد، ولا نريد أن تنقلب الصورة لندخل في تفسيخ مجتمع متماسك ، يريد ذلك التفسيخ أعدائنا ليدخلونا في متاهة ما سموه بالربيع العربي، الذي بات تحطيما للشعوب العربية، نريد مجتمعا لا يلتفت الى صراعات طائفية لا منطق فيها ولا مصلحة لنا بها.
تاسعا وأخيرا : نحن بحاجة الى تقبل الآخر، والى حرية الملبس والتعايش مع التطورات الاجتماعية التي جعلت الحجاب غالبا على نساء المجتمع الفلسطيني، بحيث بات الجميع يتقبلونه كظاهرة اجتماعية قبل ان تكون ظاهرة دينية، وخاصة أنني سمعت أن هناك
حكما قضائيا أردنيا قد صدر يوجب احدى المدارس المسيحية في الأردن بقبول المحجبات دون أن ينزعن غطاء رؤوسهن، وخاصة وانا أعرف أن مدرسة كاثوليكية في كندا مثلا لديها عددا من الطالبات المحجبات، والأنظمة والقوانين تتغير دوما بحيث لا تتعارض أو تتواءم مع الاعراف والتقاليد المجتمعية.
وانا هنا أناشد مديرة المدرسة المبجلة ، وغبطة البطريرك جليل الإحترام ، أن يعالجوا هذا الموضوع بالحكمة التي نعرفها ونعهدها بهما، خاصة في هذه الأيام المباركة التي يزورنا فيها قداسة الحبر الأعظم ، الذي جاء لنشر رسالة التعايش والتسامح والسلام على هذه الأرض المقدسة، وفي كل مكان في العالم.
الله أسأل أن يحفظ مدينتنا المقدسة من كل سوء!!
عن استئناف عملية المصالحة في فلسطين
بقلم: ماجد عزّام – القدس
على نحو ليس مفاجئاً تماماً، استؤنفت عملية المصالحة بين حركتي فتح وحماس في فلسطين. المفاجأة جاءت نسبية وجزئية قياساً إلى المستجدات والتطورات المتلاحقة في الفترة الممتدة من نهاية آذار إلى نهاية نيسان والتي شهدت تفجر المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية وانضمام دولة فلسطين إلى 15 مؤسسة ومنظمة دولية تابعة للأمم المتحدة، أما استخدام مصطلح «العملية» في ما يخص المصالحة فيعود إلى كونها مستمرة بشكلها الحالي منذ عشر سنوات على الأقل، حتى أن الوثيقة التي سيتم على أساسها إصلاح وتطوير منظمة التحرير صيغت في القاهرة في آذار 2005، فضلاً عن أنها مثلت البديل أو المسار الموازي لعملية التسوية المستمرة أيضاً. ولكن منذ عقدين...
استنتج الرئيس محمود عباس نهاية آذار الماضي أنه لا يملك شريكاً للسلام في إسرائيل وأن حكومة نتانياهو ليست في وارد التفـاعل مـعها والقـــبول بشرطه المنطقي لتمديـد المفــاوضات (الإفراج عن الأسرى، تجميد الاستيطان، مناقشة ملف الحدود أولاً) على رغم التنازلات غير المسبوقة التي قدمها والتي لا ولن يجرؤ أي زعيم عربي على تقديمها، كما قال مسؤول أميركي رفيع لـ«يديعوت أحرونوت» (الجمعة 2 أيار).
عباس المستنزف والمتعب، كما وصفه المصدر نفسه، قرر التخلي عن العملية برمَّتها واتباع مسارات أو خيـارات بـديـلة تضمنـت الانـضمام إلى المنظمات الدولية وإرسال وفد قيــادي من منظمة التحرير إلى غـــزة للتحاور مع حماس من أجل تنفيذ تفاهمات المصالحة التي تم التــوصل إليها في القاهرة في أيار 2001 والدوحــة في 2012، والتي نصت على تشكيل حكومــة توافق وطني من كفاءات مستقلة وإجراء انتخــابــات عامة رئاسية وتشريعيــة وللمجلس الوطني، برلمان المنفى، خلال ستة شهور من تشكيل الحكومة.
الخطوة التكتيكية البارعة للرئيس عباس لم تربط فقط بين المصالحة ورفض المفاوضات، وإنما أحرجت حماس في سياق آخر عبر وضعها في مواجهة منظمة التحرير والفصائل المنضوية في إطارها (كما شخصيات وطنية أخرى)، وليس في مواجهة فتح فقط، وبتعبير آخر: وضع أبو مازن حماس أمام خيار المصالحة ضمن سياق سياسي لا مكان للمفاوضات فيه أو الرفض، وبالتالي فهي تواجه ليس فقط النقمة الشعبية وإنما الاتهامات بالتماهي مع الضغوط الإسرائيلية لإضعاف الرئيس وإدامة أمد الانقسام.
مقابل العصا، قدَّم الرئيس عباس جزرة لحماس عبر إنقاذها من المأزق غير المسبوق الذي تواجهه سياسياً واقتصادياً في غزة بعد الانقلاب على الرئيس مرسي في مصر وإغلاق السلطات للأنفاق التي كانت بمثابة شريان الحياة للحركة وحكومتها، بموافقته على دمج رواتب موظفيها ضمن الموازنة الفلسطينية العامة، والأهم تأجيل الملف الأمني واحتفاظها بسيطرتها على الأرض في غزة إلى حين إجراء الانتخابات التشريعة والرئاسية، والتي قد لا تجرى ضمن السقف الزمني المحدد بستة شهور من تشكيل حكومة الكفاءات المستقلة.
إضــافة إلى ذلك قدَّم الرئيــس وعـــوداً وحتــى ضمانات أيضاً بفتح معبر رفح بشكل كامل بمجـــرد تشكيل حكومة التوافق الوطني التي ستكون حكومته على الأغلب، وستشرف على المعابر كافة، ما يكفل رفع أو تخفيف الحصار بشكل جدي وملموس، وفي السياق طبعاً تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية البائسة في غزة.
حركة المقاومة الإسلامية من جهتها بحثت دائماً عن مصالحة تضمن لها رفع الحصار، وفتح معبر رفح، وإعادة إعمار غزة أو على الأقل تحسين بناها التحتية المنهارة، من دون أن تتنازل سياسياً تجاه إسرائيل أو تتخلى عن سيطرتها الأمنية في القطاع. ومع الوضع الاقتصادي الصعب الذي تواجهه وعجزها عن دفع رواتب موظفيها (دفعت نصف راتب فقط في الشهور الأربعة الأخيرة) وافقت على عرض المصالحة الجدي هذه المرة، كما أقر عزام الأحمد، ويمكن القول إنها قدَّمت تنازلات تنظيمية تكتيكية تتعلق بالوضع الفلسطيني الداخلي، وليست سياسية وجذرية، خصوصاً في ما يتعلق بالعلاقة أو الموقف من إسرائيل.
غير أن إحدى أهم دلالات ما جرى أن حماس فضَّلت المصالحة وحتى التنازل للرئيس عباس على العودة إلى ما يوصف بمحور الممانعة أو محور دمشق طهران وضاحية بيروت الجنوبية، وعلى عكس ما يشاع فإن رئيس المكتب السياسي للحركة خالد مشعل هو من رفض ويرفض الذهاب إلى طهران المستميتة لاستقباله، علماً أن هذه الأخيرة اعتبرت الزيارة شرطاً لاستئناف مساعداتها المالية الضخمة للحركة ظناً منها أن صورة «أبو الوليد» مع مرشدها في طهران كفيلة بالتغطية على مساندتها للنظام السوري في جرائمه بحق شعبه، كما تبييض صفحتها ولو جزئياً أمام الشارع العربي والمسلم.
ثمة دلالة أخرى مهمة لاستئناف عملية المصالحة تتمثل بالعودة إلى معادلة «السلطة مقابل المنظمة» بعدما تم تفضيل الأولى على الثانية في اتفاق مكة في شباط 2007 الذي أعطى الأولوية للشراكة في إدارة السلطة وتأجيل ملف المنظمة إلى مرحلة لاحقة، وأعتقد أن ما نحن بصدده الآن هو العودة بالسلطة إلى وظيفتها الأساس بحسب اتفاق أوسلو، كإدارة ذاتية للشعب الفلسطيني في الداخل على أن تتولى منظمة التحرير أو الإطار القيادي الأعلى، الذي سيضم حماس أيضاً، الملفات السياسية بشكل عام، ولكن من دون النيل من صلاحيات اللجنة التنفيذية الحالية كما نصت وثيقة القاهرة في 2011 التي ستتولى إدارة المعركة أو الصراع مع إسرائيل ببعده السياسي والديبلوماسي، أقله إلى نهاية المرحلة الانتقالية.
في كل الأحوال ومن الناحية الاستراتيجية، يمثل استئناف عملية المصالحة، ولو بشكل مرحلي، إعلاناً سياسيــاً جديـاً، ولو أنــه غير نهائي وحاسم، عن موت عمليـــة التسوية بشكلها الذي عرفناه من عقدين تقريباً، أي منذ أوسلو حتى الآن، وهي لن تطوي صفحة الانقسام بشكل فوري، وإنما بشكل تدريجي بطيء ولكن متواصل. وأعتقد أن الفترة الانتقالية ستطول، وقــد لا تجرى الانتخابات في موعدها المحدد، ولكن المرحلة برمتها ستكون مناسبة لترتيب أكثر جـــديــة للبيت الفلسطيني وإعادة الاعتبار لمنظمة التحرير والسعي لبلورة برنامج أو استراتيجية وطنية بديلة لإدارة الصراع مع إسرائيل تـقطع ليست فقط مع المفاوضات وإنما أيــضاً مــع فــكرة خوض حرب تقليديــة عنيفــة ومــدمـــرة مع إسرائيل، كما جرى مرتين في الأعوام الخمسة الأخيرة.
فـ»أن يأتي الشيء متأخراً أفضل من ألا يأتي على الإطلاق»، وإذا كانت عملية المصالحة تناسبت عكسياً طوال العقد الماضي مع عملية التسوية، فإنها لن تتأثر هذه المرة بالعلاقة مع تل أبيب التي لم تعد عاملاً مؤثراً ومركزياً فيها كونها تبحث عن إدامة الوضع الراهن حيث لا سلم ولا حرب بأية حال من الأحوال، وإنما ستتناسب طردياً مع المتغيرات الهائلة التي تعصف بالمنطقة العربية وتحديداً مع آليات التغيير وإقامة الدولة العربية الديموقراطية العادلة لكل مواطنيها، ومن هنا ستكون رحلة المصالحة بطيئة مرهقة مضنية، ولكن عربتها ستظل دائماً على السكة انتظاراً لمآلات الأمور في المنطقة خاصة في القاهرة ودمشق.
بالجرم المشهود
بقلم: حسن البطل – الايام
في المسافة بين المدى المجدي للرصاصة، والمدى المجدي للحجر، تكشفت جريمة قتل مقصودة ليافعين فلسطينيين. فيما سبق من جرائم القتل كانت هناك حجة الالتباس لدى الجنود، أو ذريعة تهديد مدى الحجر المجدي لحياة حامل بندقية المدى المجدي للرصاصة؟
الصورة لا تكذب، والفيلم عن مقتل يافعين اثنين بالتوالي برهان مؤكد.
في إطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين، يتلقى الجنود أمر فتح النار من ضابط مسؤول، لا بدّ أنه رأى كيف سقط الشهيد الأول فوراً برصاصة قنص، دون أدنى حراك، فرصاصة القتل كانت في الجزء الأعلى من الجسم .. فلماذا لم يأمر الضابط بوقف إطلاق الرصاص الحي، الذي أصاب اليافع الفلسطيني الثاني في مقتل، بعد حركة تشنج قصيرة!
تصادف القتل الجديد (بعد 27 قتل في السنة الفائتة، منهم 17 فتى لاجئا، وسبعة آخرون في السنة الحالية منهم 7 لاجئين) مع سنوية النكبة، لكنه تصادف أيضاً مع استئناف عائلة النشيطة الاميركية راشيل كوري (23 عاماً) ضد تبرئة الجيش من نية وقصد القتل، بذريعة أن سائق الجرافة لم ير ضحيته التي كانت ترتدي سترة برتقالية. والدا راشيل يواظبان منذ 11 سنة على خوض معترك قانوني - قضائي، علماً أن والدها كان جندياً أميركياً.
حصلت جريمة القتل العمد أمام سجن عوفر، وهو أقرب سجن إسرائيلي للمناطق الفلسطينية السيادية، ولذا صار موقعاً للصدام في كل مناسبة، وبخاصة للتضامن مع الأسرى، الذين يخوضون نضالاً ضد الاعتقال الإداري، ولا بد أن المعتقلين يسمعون صدى هتافات التضامن معهم، فتقوى معنوياتهم على الصمود ومواصلة إضراب الجوع.
يكفي، في العادة، وابل من قنابل الغاز لتفريق أي تظاهرة، او يكفي رصاص مطاطي ليوقع جرحى وتنفض التظاهرة، علماً أن الجنود لا يسمحون للمتظاهرين بتجاوز مسافة رمية الحجر، ضد جنود يعتمرون الخوذ وصداريّ مضادة للرصاص!
يبدو أن تكرار التظاهر أمام سجن عوفر دفع الجنود للانتقال من مرحلة فض التظاهر او استخدام الترويع الى مرحلة اطلاق رصاص قاتل مرتين على التتابع، لخلق حالة ردع عن تكرار التظاهر أمام السجن.
في حوادث القتل السابقة كانت إسرائيل تحاجج ضد البراهين (بالصور الثابتة) بالذرائع، أما في حادثة القتل المزدوجة فإن شريط فيلم "الفيديو" برهان دامغ، أثار أصداء احتجاج دولية وحتى إسرائيلية (منظمة بتسيلم).
كثيراً ما تبجحت إسرائيل بأن عشرات الضحايا العرب يسقطون يومياً، لكن هذا في حروب أهلية، أو أن الضحايا المدنيين هم خسائر هامشية لصراع مسلح، لكن ضحايا إسرائيل من الفلسطينيين يسقطون بسبب احتجاج سلمي، في إطار صراع وطني بين شعب وبين سلطة احتلال عسكرية. فرق كبير بين ضحايا حروب أهلية وقتلى صراع وطني .. وفي الحالتين هذه "جرائم حرب".
واضح أن اسرائيل، المعجوقة سياسياً بعد فشل المفاوضات ومن تحميلها حتى من الجانب الأميركي المسؤولية الأساس عن الفشل، تريد جرّ الجانب الفلسطيني إلى اضطراب شامل، وخوض انتفاضة مسلحة ثالثة، لأن الحرب أسهل على إسرائيل من الصراع السياسي .. السلمي بخاصة.
في زمن ولّى، كان المفتش كولومبو، في أفلام السينما، يوقع بالمشتبه بالقتل العمد الغامض عن طريق قرائن مربوطة بقرينة دامغة.
في زمننا الحالي صار الدور على أوكامبو في محكمة الجنايات الدولية لجرائم الحرب .. وتستحق جريمة القتل المزدوج أمام سجن "عوفر" أن تكون دليلاً دامغاً، قد لا يستطيع الجيش نقضه حتى أمام محاكم إسرائيلية دأبت على محاباة الجيش.
آخر بدع الادعاءات الإسرائيلية أن الشريط "مفبرك" .. كما في شريط الطفل محمد الدرة بداية الانتفاضة؟!
اللا-سامية واللا-فلسطينية
في العام 2012 لم يسقط قتيل إسرائيلي واحد بأيد فلسطينية، لكن اسرائيل عادت للضرب على وتر "اللاسامية" واتهمت الفلسطينيين بأعلى نسبة في "اللاسامية" ومعاداة اليهود!
إحصائية إسرائيلية أُخرى، أظهرت أن شبان "شارة ثمن" يمارسون اعتداءات على الفلسطينيين وأملاكهم تفوق، نسبة لعدد السكان، ممارسات "كراهية اليهود" في أية دولة، او في فرنسا بالذات.
كم قتيلا يهوديا يسقط في العالم كل عام (أو في حوادث السير)؟ وكم قتيلا فلسطينيا يسقط في فلسطين وفي دول الشتات العربي، المبلية بهذا الربيع الوخيم؟
إن كراهية الفلسطينيين أشد انتشاراً من أي كراهية لليهود باسم "اللاسامية" بغض النظر عن احتكار إسرائيل للاسامية.
إذا تعرض اليهود في العالم للخوف من الاضطهاد والتمييز، تفتح إسرائيل ذراعيها لهم .. لكن الحال مختلف جداً عندما يتعرض الفلسطينيون إلى ما هو اكثر من اضطهاد وكراهية.
الفلسطينيون بين خطابين: إذا أردتم تثبيت الناس لا تنظروا إلى نصف الكأس الفارغ فقط
بقلم: حسين حجازي – الايام
الى جانب تأملاتهم الفلسفية العميقة في الوجود والحياة، والتي لا سابقة لها في ثرائها الفكري بين الحضارات القديمة، وشكلت بمجموعها مجمل الأسئلة والأجوبة التي لا يزال يطرحها العقل البشري علي نفسه، فإن أولئك الحكماء الإغريق الأوائل وجدوا وقتاً كافياً في خضم هذا العصف الفكري الأكثر أهمية في التاريخ للاعتناء بالخطابة في عصرهم.
وقد خلف لنا أرسطو أول كتاب من نوعه يتحدث عن أشكال الخطابة ويقدم النصيحة للخطيب كيف يصوغ خطابه، وهو كتاب شيق وممتع لا يقل عبقرية عن كتابه الآخر والأكثر شهرة عن السياسة. كما ترك لنا أفلاطون تلميذ سقراط كتاباً آخر جرياً على عادته في أسلوب المحاورات، الذي انفرد انتهاجه في معظم كتبه بين سقراط وتلاميذه بعنوان الخطيب.
وفيما بعد سوف تخلد كتب التاريخ أشهر الخطباء في عصر الامبراطورية الرومانية بعد براكليس الإغريقي، وهذا الخطيب الذي عمت شهرته الآفاق بقوة حجته وبلاغته وحتى وازت شهرته شهرة شاعر اليونان هوميروس، ليس سوى شيشرون السناتور في مجلس الشيوخ الروماني الذي كان الأباطرة الرومان يحسبون كل الحساب لقوة لسانه، تماماً كما كانت الأمبراطورية البريطانية في وقت لاحق تخشى من لسان أديبها العظيم برنارد شو، الذي قال هو عن نفسه مرة ان لسانه أقوى من أساطيلها البحرية، ذاك الذي لا تزال بعض عباراته الساخرة تتردد في أروقة اعرق برلمانيات أوروبا.
وهل كنا لنمضي في هذا السرد عن الخطابة دون ذكر الرسول محمد والخلفاء الراشدين، ابو بكر على وجه الخصوص؟ وفيما بعد خطباء الثورة الفرنسية ولينين زمن الثورة الروسية، وصولا الي زمن القوميات الفاشية في أوروبا هتلر وموسوليني ؟ الذين كانوا جميعاً خطباء ترتج لوقع كلماتهم الجموع الحاشدة في الساحات، وهي الخطابة التي ستجد في زمن متأخر صدى لها، يحاكي حماستها التمثيلية كما عنفوانها في عقد الخمسينات والستينات، لدى زعماء حركات الاستقلال في دول الجنوب إجمالا إبان سنوات الكفاح الوطني ضد الاستعمار، عبد العزيز الثعالبي والقوميين العرب في المشرق.
هكذا كأن الخطابة ولدت من رحم الصراعات والتحولات السياسية الفكرية والأيدلوجية الكبرى في التاريخ، وكأنها التعبير عن هذه الأزمات السياسية حينما صعد في كل مرة منابر قادة ومُخَلّصون، رجال كاريزميون وأنبياء قديسون، وحتى أقوياء وأفّاقون ومحتالون، ولكنهم يملكون هذه القدرة السحرية على التأثير في حشود كبيرة من الناس، لبث روح العزيمة والقوة في أفئدتهم وجعلهم يقاتلون وراء فكرة محددة، تنطوي على جاذبية الوعد بتغيير وضعهم البائس، وإنه بهذا المعنى فان الخطابة كانت جزءاً من روح القيادة بل ومن صناعة هذه القيادة وسحرها وقوتها.
فهل يمكننا الآن ان نتصور قدرة تشرشل القيادية في الحرب العالمية الثانية، حينما كانت ألمانيا تمشط بالقصف الليلي كل مدينة لندن من دون هذه القوى الشعبوية، التي كان يمتلكها تشرشل في خطاباته؟ كما زعامة ديغول التاريخية من دون نداءاته المؤثرة عبر البحار للفرنسيين، بينما كانت فرنسا محتلة بقضها وقضيضها بيد الألمان؟ بل وفي تاريخ أكثر قرباً هل يمكننا تصور كاريزما جمال عبد الناصر من دون خطاباته عبر إذاعة صوت العرب الموجهة الى العالم العربي؟ او فيديل كاسترو بالنسبة للكوبيين؟ وحتى أيامنا هذه رجب طيب أردوغان من دون هذه الخطابية التي تبدو للمستمع مثل هدير الأمواج العالية في ارتطامها على الصخر؟ او حتى ياسر عرفات من دون خطاباته الارتجالية او العفوية ولكن الشعبوية بامتياز، والتي تقتصر غالبا على بضع رسائل موجزة وجمل ذات دلالات محددة يكررها بين الحين والآخر، وكل ذلك في سياق تعبوي شعبي مؤثر في تناغم وانسجام مع إيماءات لغة الجسد التي تضفي على الخطاب قوته التعبوية الساحرة والمؤثرة. وكذا الأمر هل كان يمكن تصور كاريزما الحبيب بورقيبة من دون هذه الخاصية الخطابية في مخاطبة مشاعر التونسيين زمن الكفاح التحرري من أجل الاستقلال؟
إن الخطابة هي روح القيادة وهي تزدهر في الأزمات التي تكون فيها الشعوب بأمس الحاجة الى من يستطيع ان يخاطب فيها اجمل وافضل ما فيها، وما تنطوي عليه الذات الجماعية لا وعيها الباطني من قوة وعنفوان وسمو "وأنها تستطيع ". واليوم لعله ما كان بمقدور باراك أوباما التفوق او تحقيق هذا الاختراق من دون قدرته الواضحة على الخطابة، ولكن اليوم لماذا نسلط الضوء على الحديث الذي قد يبدو ترفا او زائدا، عن الخطابة وسط همومنا وانشغالاتنا الكثيرة ؟ فهل لأننا نشعر بالحنين إلى زمن الخطباء ولا يوجد في الساحة الفلسطينية اليوم خطيب؟ والجواب كلا، فالساحة الفلسطينية تزدحم بالخطباء والمساجد كذلك، ولكني أصارح القارئ بأنه في الأصل كنت أنوي ان أخصص هذه المقالة عن الخطابة في المساجد، وحيث الإسلام العبقري هو الذي ينفرد من بين الأديان بإيلاء هذه الأهمية الحاسمة، الاحتفالية إن شئتم في هذا الاجتماع الأسبوعي للخطابة، والتي كانت بمثابة أول تعبير ممأسس يسبق اختراع الصحيفة ووسائل الإعلام الأخرى كما وسائل الاتصال الجماهيري الحديثة، عن أهمية هذا الاتصال الجماهيري الذي ينطوي على وظيفة حاسمة في تحقيق الأمن الاجتماعي للامة او الجماعة الوطنية ككل. وربما هذا هو المعنى الذي قصده كارل ماركس حينما أشار إلى أن الدين قد يشكل أفيوناً للشعوب او رافعةً تاريخية للتقدم.
سوف أعود لمناقشة هذه القضية التي لا يتسع لها المجال في هذه العجالة، ولكنني أتوقف هنا عند الضرورة الملحة التي يفرضها او يمليها واجب الوقت لأعرض بإيجاز إلى خطابين استمعت إليهما يوم الثلاثاء الماضي، احدهما للأخ خالد مشعل القي في الدوحة عاصمة قطر، والثاني لخطيب آخر من فصيل آخر القي هنا في غزة. والفارق بين الخطابين هو ما دعانا للتوقف عند هذه الدلالة التي تمثلها الخطابة في العمل السياسي.
واستطيع القول هنا ان خطاب مشعل الأخير في قطر لعله من اهم الخطابات التي ألقاها الرجل، وبذا يمكن وصفه بالتاريخي. فهذا خطاب على إيجازه ودقة عباراته وتناغم نبرة الصوت مع الدلالة والمعنى، هو خطاب لا يقول كلمته ويمشي بل يقول خطته وعرض قضيته ورؤيته وبرنامجه وموقف حركته، ليؤسس الى اتفاق ومشاركة حقيقية بتحمل المسؤولية عن اقتران الفعل بالقول. هذا خطاب نادر يصدر عن ممثل للإسلام السياسي، ولكنه في كل كلمة يقولها يظهر كقائد اقرب إلى محترف ومحرض ثوري من الطراز اللينيني الذي لا يرى في المقام الأول وهو مدرك للحرب على محور الزمن والوعي والجانب المعنوي، الى النصف الفارغ من الكوب وإنما إلى النصف المملوء. أي إلى الابداعية الفلسطينية والإنجازات على كل المستويات بما فيها إنجازات خصمه المفترض اي "فتح" على المستوى السياسي والدبلوماسي.
انه خطاب لا يثبط من عزيمة الشعب في ذكرى النكبة وإنما يرفع من عزيمته، ولا يدع الشك يتسلل الى اليقين بالنصر عند هذه اللحظة، وللذين ينتظرون من الانتهازيين والمنافقين من قناصي الفرص للصيد في الماء العكر، فهذه هي الجملة او الموقف التاريخي عن الفارق بين التنازلات الحميدة للأخ، ولمصلحة الجماعة الوطنية وعن التنازلات غير المحمودة والمرفوضة التي يمكن ان تقدم للعدو، وهذا هو فصل الخطاب كما يقال.
أما الخطاب الثاني فهو خطاب يتوشح بالمقاومة وكأنما المقاومة فعل مجرد خارج الاستراتيجية، ولكن من تحت هذه العباءة التي تتحول الى نوع من المزايدة، وقد جردت أو فصلت عن الواقع، يجري هنا التشكيك فكيف إذن يمكن بعد ذلك أن يستقيم التحريض على المقاومة، ونحن هنا ننكأ الجراح بدل ان نعض عليها ؟ والغمز من قناة المصالحة تحت ستار الخشية ان تكون جزءا من خدمة التسوية بدلا من ان تكون جزءاً من خدمة المشروع الوطني، وهل يوجد هنا مشروع وطني في ظل الانقسام؟ وما هي الدلالة التي يوحي بها هذا القول من أن عسكريا إسرائيليا يستطيع ان يتحكم بحركة اكبر زعيم فلسطيني؟ طيب ما الذي يهدف إليه هذا القول ان لا يتحرك قادة الشعب وزعماؤه ويجلسوا في بيوتهم يحضرون حفلات استحضار الجن ليخلصهم من هذا الوضع ؟ او انه عبثا كل تحركاتنا على الصعيد السياسي وغيره ما دام هذا العسكري الواحد هو الذي يتحكم بكل حركاتنا وسكناتنا.
لقد دعا أفلاطون الى حذف كل المشاهد في ملاحم الإغريق التي تظهر لحظات ضعف أبطالهم، لئلا تهتز صورة أبطالهم زعمائهم أمامهم. وفي هذه اللحظات المصيرية من صراعنا ما الذي يخدمه كل ذلك من تعميم القول بأن لا شيء سوى النكبات من حولنا؟ والغمز من قناة المصالحة طوال الوقت بالحديث عن الطامحين في المناصب والمجالس؟
وكان عرفات في وقت سابق يسمي هذا الخطاب بقوله " ثمة في الساحة الفلسطينية من يقول كلمته ويمشي". لأنه بين هذا الخطاب والنقد الموضوعي ثمة بون شاسع، لأن هذا النقد لا يمكنه ان يقوم او يمارس خارج سياق التفاعل الإيجابي مع الوقائع، بهدف ترشيد الفعالية الاستراتيجية، انطلاقاً من الظروف والمعطيات التي يطرحها الواقع، وكل ذلك في إطار من الحفاظ على الروح المعنوية للرتل والشعب، أما النقد المجرد فليس سوى محاولة لإفساد الوعي.
إلى قمة "الإيفرست"
بقلم: رامي مهداوي – الايام
قصة نجاح أخرى أضعها عزيزي القارئ أمام عينيك... فقصص البطولات كثيرة في فلسطين وأحلام الشباب تحديداً ما إلها حدود... أكتب لكم هذه الكلمات وأنا سعيد بها، لأنه بطل مقالي هو شاب تعرفت عليه أثناء تدريبي لمجموعة شبابية حول الإعلام وبعد ذلك أصبحنا أصدقاء، يقول بطل المقال الشاب محمد القاضي (24 سنة)، "على قدر حلمك تتسعّ الأرض"، محمد ابن سيلة الظهر في جنين، فلاح بسيط وطموح ويسعى لتحقيق أحلامه وأهمها تسلّق قمّة "افرست" ورفع علم فلسطين أعلاها.
محمد يدرس حالياً فن الطبخ "الفرنسي" في فرنسا، وبعد حديثي معاه فمن الواضح ان تواجده خارج البلد شحنه بمسؤولية كبيرة ليوصل رسالة الشعب الفلسطيني للأوروبيين مثل ما بقول، وحكايته مع إيفرستْ بدأت من لما بدأ بمبادرة شخصية لرفع العلم الفلسطيني في كل مكان بوصله في العالم، لأن القاضي بسافر مرتين شهرياً في نهاية الأسبوع. في المؤتمرات الدولية، المباريات، جبل الألب .. في كل هذه الأماكن قدر محمد أنه يرفع علم فلسطين فيها.
علاقة الطموح وتحقيق الأهداف علاقة جدلية، فربما تموت هذه العلاقة مع ولادة معرفة ما هو الهدف!!، فينكسر .. يموت الطموح بمعرفة كم المسافة بعيدة؟ كم من الطاقة لدينا؟ كم من العوائق سيتم مصادفتها؟، هناك من يقتله طموحه أيضاً!!، وهناك من تجعل منه الظروف مبدع وريادي وخلاّق في أمور عجز عنها الكثير الكثير لمجرد التفكير بها.
عندما وصل محمد القاضي لجزء من الطموح زادت عزيمته وقرّر أن يبحث عن حلمه الأول وهو تسلق قمة "ايفرست"، وهي القمة التي حدثه عنها والده قبل 14 عام من الآن (أي وعمره 10 سنوات)، وأخبره يومها بأن قمة ايفرست هي من القمم العظيمة والقليل استطاع تسلقها أو الوصول إليها، ومنذ ذلك التاريخ ظلّ محمد يفكر بهذا الحلم ولسان حاله يقول، "سيأتي اليوم الذي أحقق فيه حلمي".
أكثر شيء بحاجة له الطموح هو الإرادة، ولكل منا طموح دون إرادة وربما العكس هناك الكثير ممن لديه إرادة في فعل شيء ما لكن هذا الشيء مبعثر.. نجهله.. غير واضح.. نخاف من خوف لم نخضه ولم نواجهه بعد، فتموت الإرادة والطموح معاً كأنهما توأم لم يكتشفا بعد معنى الحياة بسبب الإجهاض الذاتي للجسد والعقل!!.
قبل فترة انضم القاضي لنادي هواة متسلقين وبدأ بالتدريب عشان يوصل حلمه فعلاً وتسلّق وقتها قمة "الألب" ورفع علم فلسطين، وعن هالتجربة بقول محمد، انه "شعر بقمة الفرحة، وانها بداية لتحقيق حلم أكبر"، ويومها كمان وصّل القاضي كثير رسائل من أعلى القمة ومنها الوحدة الوطنية في يوم الأرض، وأن علم فلسطين واحد ويجب احترامه واحترام من استشهد لأجله. يومها لم يكن القاضي وحده سعيد، كنت أنا وغيرنا من الأصدقاء والكثييييييييييير من الفلسطينيين انتصرنا بانتصاره.
العوائق التي تواجه الطموح قد تقتلنا إذا ما تم التفكير بها والعيش بداخلها دونما التمرد عليها كأنها جزء من رحلة الوصول الى الهدف، قد يكون الباب مغلق ونؤمن بأنه لم ولن يفتح من أجل الوصول الى ما بعد الباب، فتفكيرنا بأن الباب يفتح فقط بالمفتاح الذي لا نمتلكه يجعلنا نقف أمامه ساكنين كالأموات، وهنا يأتي الإبداع في كيفية فتح هذا الباب... .
الآن وبعد مغامرة الألب بيفكّر محمد القاضي بتسلق قمة "الايفرست" وبعد معاناته بسبب الإهمال بعد مطالبته بالمساعدة لتمويل رحلته التي تكلف 50 ألف دولار، نشر تغريدة على التويتر ومن خلالها تواصل معه رجل أعمال قطري وتبرع بهذا المبلغ وطلب عدم الكشف عن اسمه. إذن القاضي سيبدأ بالصعود الى قمة إيفرست مع بداية نيسان 2015 وتستمر لمدة شهرين... بالتوفيق يا صديقي.
محمد يجيب على الناس الي بتتساءل "لماذا ايفرست؟ وماذا سنستفيد من هذه الخطوة؟"، حيث يقول، انه كشاب فلسطيني يرى أنه مطالب بإيصال رسالة شعبه بأي طريقة يراها مناسبة ويكون قادر على فعلها، ويؤكد على أن ريع التسلق سيذهب لصالح اللاجئين الفلسطينيين، كمان انه رح يشرف شخصياً على حملة التبرعات لصالح اللاجئين الفلسطينيين.
هدف محمد كما غيره من الشباب أن يثبت أن أبناء الشعب الفلسطيني "باقون هنا، قاعدون هنا، وهنا سنكون"، وتبدو عزيمته أقوى بكثير من كل من يحاول طمس هوية الشعب الفلسطيني، فإرادة الشباب بإمكانها ان تنتصر على كل شيء، ورسالته اليوم وغداً للشباب أن عليهم ألا يستسلموا ويستمروا بالمحاولة حتى النجاح... والصعود إلى ما بعد الإيفرست.
الكادر المؤهل!
تغريدة الصباح - شكوى لله "الصمد"
بقلم: عدلي صادق – الحياة
لن ينتقل البث، في هذا اليوم، الى غزة، لأن ما سوف أسجله وأسمعه هناك، معلوم سلفا. لكن ما يقلقنا بشكل عام، أن لقضايا الوجع في كل مكان من بلادنا، تعليلات مؤلمة، ربما من أكثرها مرارة، أن هذه المنطقة أو تلك، مستهدفة في أرزاق أبنائها. إن هذا، في الرؤية الموضوعية، هو التعليل الذي يتكئ اليه الشاكون في كل مكان. بالمقابل، تلجأ زمرة الظالمين المحابين لمناطقهم بالقول همسا، إنهم ينصفون مظلوميها. هنا تنتقل الكاميرا الى المشهد العام للاجتماع السياسي، الذي لا يقوم ولن يأخذ مفاعيله الإيجابية، على صعيد الصراع مع الاحتلال، بغير منظومة إدارية رصينة ومحايدة وشفافة، ذات مرجعيات وطنية، في الثقافة وفي السياسة، لا تتجاهل أصلا ولا فرعا لأية مشكلة، وأقل ما تؤمن وتعمل به، هو مبدأ أن الناس متساوون، وأن كل أسرة فلسطينية أينما كانت، عاشت سنوات حياتها احتمال مشروع للتضحية بأحد الأبناء أو أكثر، وبالدار أو أكثر، وبسعادتها العائلية أو أكثر!
كلام كثير نرغب في قوله، حول ما تعرض له موظفو السلطة في غزة الذين توقف زمنهم الوظيفي عن النمو، بقرار يتوخى تشغيل الزمن السياسي في وضعية الخصومة، بينما ظلت أكلاف الحياة ترتفع، وزمننا على صعيد السياسة الداخلية يتلعثم. بمعنى إن كلفة المعيشة تتضخم والرواتب تنحت. وحيال بعض الإجراءات، وكلما ضاقت السبل الأرضية وعز تفسير الألغاز، كانت السماء هي الملجأ الوحيد للحيارى والمكلومين. ربما تكون سورة "الإخلاص" في القرآن الكريم، هي أكثر السور ترددا على الألسنة لقصرها: "قل هو الله أحد، الله الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد".
تلك سورة تختصر مطولات الإيمان والصبر. إن صفة "الصمد" فيها، تمنحك أعز عناوين الشكوى عندما تنشأ الحاجة ويتوغل الألم، لأن "الصمد" هو المقصود الذي نتوجه اليه. فالشكوى، في غيبة العدل، هي أولا وأخيرا، لله الصمد. وإن كان العدل، أساس الملك، فهو ليس كلمة تقال. وإنما هو نبع أخلاق وقناعات، ونظام تشريع يحترم، ومنظومة عيون غيورة تراقب، ونظام قضاء يردع، وموقع سياسي يحسم. وعندما تحل الفوضى وتطغى العشوائية والمزاحمة، وتنعقد المقارنات، وتشرق الظنون وتغرب، يجري السباق كسباقات الجري التي تبدأ بخمسن ألفا وتنتهي بعشرة أو عشرين فائزا. كل يفتش عن خلاصه الفردي، ويستعين بالأحلام.
تلقيت أمس، من أحد أبنائنا في الضفة، رسالة طريفة. الشاب، واسمه الكامل موجود لمن يرغب في الاستزادة، غلبته نزعة طاغية الى الدكترة بالتحصيل وبالجدارة. طلب ابتعاثا فلم يحصل عليه. طلب إجازة من دون راتب، فلم يحصل عليها. استقال على أمل أن يعود بـ "الجوكر" فينفتح له الطريق الى استعادة ما خسر، وهذا حقه على أية حال. في الحقيقة استشارني هو عبر مراسلات متواصلة، وقلت له إن الدراسة العليا تفصيلية وغالبا ما تكون للمستريح ماديا ولمن يكون على رأس عمله. لكن رغبته التي حسمت. ذهب الى الدراسة وعاد باللقب المفخم!
استأنف التواصل معي، وهذه المرة لكي يحصل على وظيفة في إحدى الجامعات، وانتهت محاولاته ومحاولاتنا معه، بوعد أن يصار الى تعيينه في شهر أيلول من هذه السنة. لكنه أمس أرسل يقول، وهو يخاطبني بشيء من اللهجة المصرية (ولا أدري هل ذلك بسبب انطباع لدى بعضنا في الضفة أن أهل غزة يتخاطبون بالمصرية، أم لأنه هو درس في القاهرة وعاد بمصريته الخاصة):
"إزاي حضرتك عمي أبو شعبان؟ اخبارك إيه؟ آمل أن تكون بخير وصحة جيدة. عذرا عمي أبو شعبان: والله الليلة شفتك بالمنام وكنت حضرتك جالس أمامي ومسترخي ومبتسم وشاعر بالسعادة، وقلت لي: إذا أمورك بالجامعة ما مشيت بشهر 9 راح أجيبك عندي على السفارة!
آسف بس طول اليوم وأنا بفكر بهذا الحلم. لا قدر الله لو ما مشيت أموري بالجامعة، ممكن الحلم يتحقق؟. والله كله مؤامرات والشاطر اللي بده ياكل التاني. حسبنا الله ونعم الوكيل. حبيبي عمي أبو شعبان وخالص احترامي..."
ذهب الشاب، لتحصيل الأعمق في دراسات السياسة، التي هي فيزياء إدارة حياة الأمم والأوطان، ولما وجد المشهد ممتلئا بخزعبلات المزاحمة والتمرير، غط في النوم وأنتج حلمه الجميل أو حيلته الظريفة. هنا، نبدأ المسعى، مع ابتسام واسترخاء - حسب المرسل - بإحالة شكواه وشكواي، الى "الصمد" الذي لا يرجى سواه، مع التذكير بأن السلك الدبلوماسي يزدحم بالموظفين، لكنه يحتاج الى الكادر المؤهل!
درب الحرير ودرب الحمير
بقلم: د.ناصر اللحام – معا
في قمة "سيكا" في شنجهاي وبحضور 26 دولة اسيوية دعا الرئيس الصيني تشين يونغ الى اعادة الهيبة لقارة اسيا باعتبارها اكبر قارات الارض مساحة وتمثل 67% من سكان العالم و37% من انتاج البشرية.
جميع الدول وافقت على الفور على اقتراح اعادة طريق الحرير وإنشاء طريق حرير بحري الى جانب مشاريع عملاقة ستغير وجه الحضارة مثل سكك حديد وتعاون وثقة وحق امتلاك النووي السلمي لغايات التصنيع والطاقة.
وقد لفت انتباهي ان الهند لوحدها تربح من تصنيع شرائح الكمبيوتر اكثر مما تربحه كل الدول العربية من البترول.
وقد عقدت روسيا والصين صفقة غاز قد تبلغ قيمتها 130 مليار دولار تقوم روسيا بموجبها بتزويد الصين بالغاز.
حين جلست الصين وروسيا وإيران وكازاخستان وماليزيا والباكستان وكوريا واليابان والهند على رأس الطاولة لم يكن هناك اي زعيم عربي، ولولا مشاركة فلسطين والأردن بحضور وزيري الخارجية وعدد من سفراء وأمراء الخليج لكان العرب غائبون وإسرائيل فقط حاضرة.
ولفت انتباهي ان الدول الكبرى في اسيا كانت تتحدث عن صفقات ضخمة لإعادة تشكيل الحضارة الاسيوية والطاقة وسكك الحديد وأساطيل السفن وتشغيل مئات ملايين العمال والعقول والمرأة والمهندسين. كان العرب يفكرون باستيراد الخادمات والكافيار والجبنه السويسرية وساعات فرنسية تؤذن وهم لا يصنعونها.
وخلاصة القول ان المال لوحده لا يجعل لنا قيمة بين الدول العظيمة. وان العرب من دون مصر والشام والعراق وفلسطين لن تقوم لهم قائمة. ونحن نتذكر الان عشرات آلاف العلماء العرب الذين ذبحوا او قتلوا او سجنوا او هربوا في السنوات العشر الاخيرة.
وان العلماء هم ذخرنا بين الامم وليس الخلعاء والبلغاء والدهماء.
ونحن من اهم مكونات ومساهمات الحضارة الاسيوية قبل كوريا واليابان والى جانب الصين وحضارة فارس والهند. فماذا دهانا نولي امرنا لجهلائنا ودكتاتورياتنا !!!!!


رد مع اقتباس