جنوب السودان 8
1/1/2014
معهد العربية للدراسات
بقلم : بدر حسن شافعي
شهدت جنوب السودان في الآونة الأخيرة تطورات دراماتيكية، بدأت وفق الرواية الحكومية، عندما حاولت مجموعة من قوات الحرس الجمهوري المعروفة باسم تايجر" السيطرة على مستودع للذخيرة تابع لقيادة الجيش فى العاصمة جوبا ، مما أدى إلى اندلاع اشتباكات بمحيط مقر وزارة الدفاع بين الحرس الجمهوري وقوات الجيش المتمركزة أمام مستودعات الذخيرة من ناحية، وبين تلك المجموعة من ناحية ثانية، وهو ما نتج عنه إعلان حظر التجول وانتشار قوات الجيش لضبط الأوضاع الأمنية فى البلاد.وقد أسفرت هذه المواجهات عن سقوط أعداد كبيرة من القتلى والجرحى بلغت قرابة 1500 شخص ، وقد اتهم سيلفا كير رئيس البلاد ورئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان الحاكمة ، مجموعة تابعة لنائبه السابق ، ونائب رئيس الحركة رياك مشار بالمسئولية عن هذه المحاولة الانقلابية ، والتي على إثرها تم اعتقال بعض القيادات الموالية لمشار مثل الأمين العام باجان أموم ، وريبكا جارانج زوجة رئيس البلاد الأسبق ورئيس الحركة جون جارانج.. وبالرغم من نفي مشار وقوفه وراء هذه المحاولة الانقلابية ، بل اتهم كير بتدبيرها للتخلص من خصومه ، إلا أنه أعلن سيطرة قواته على مناطق النفط في ولايتي الوحدة وأعالي النيل ، مشيرا إلى استعداده للتفاوض شريطة إطلاق سراح المعتقلين وذهابهم إلى اثيوبيا المجاورة من ناحية ، ورحيل كير من ناحية ثانية ..
هذه الأزمة، أو المحاولة الانقلابية آثارت العديد من التساؤلات بشأن الأسباب المختلفة وراء نشوبها من ناحية، ودلالة توقيتها من ناحية ثانية، وسيناريوهاتها المستقبلية، وخارطة الطريق اللازمة لخروج البلاد منها من ناحية ثالثة .
الأسباب الداخلية للأزمة
يمكن القول بوجود عدة أبعاد للصراع الحالي لعل أبرزها البعد الإثني/ العرقي من ناحية، والبعد السياسي من ناحية ثانية،. وأن تداخلهما يساهم في تعقيد الأزمة وتفاقمها:
1- البعد الإثني
يضم جنوب السودان ثلاث مجموعات إثنية رئيسة، هي: النيليون، والنيليون الحاميون، والمجموعة السودانية، ويأتي على رأس هذه الإثنيات من حيث العدد والنفوذ والقوة النيليون.
أولاً: النيليون:
وتشكل 65% من مجموع السكان ،وينتمي إليها ثلاث قبائل لها دور مهم في الجنوب السوداني، وهي الدينكا والنوير والشلك([1]).
1 - قبيلة الدينكا: وهي كبرى المجموعات الإثنية في السودان ، وتشكل 40% من إجمالي السكان ، وتضم اثني عشر بطناً من أبرزهم: (دينكا ملوال، أقار، بور، نقوك، ريك، توج، كيج).وينحدر منها السلطات الحاكمة في الحركة الشعبية منذ الحرب الأهلية عام 1983 مثل جون جارانج ، سيلفا كير ، دينق ألور وغيرهم
2 - قبيلة النوير: وهي ثاني أكبر قبيلة بعد الدينكا ، حيث تشكل 20% من مجموع السكان .ويسكن النوير في فضاء جغرافي يقع أساساً في ولايات أعالي النيل والوحدة " حيث مناطق النفط" ومنطقة جونجلي التي كان يفترض أن يتم فيها إنشاء قناة جونجلي لإمداد مصر والسودان بعدة مليارات من مياه نهر النيل ، وتنقسم قبيلة النوير بصفة عامة إلى مجموعتين: شرقية وغربية، ، وتتكون من خمسة بطون منها مجموعة مايوت بشرق أعالي النيل على الحدود الحبشية، ولهم امتداد داخل أراضي الحبشة" إثيوبيا" .. وينحدر من النوير عدد من القيادات الحاكمة أيضا ، وإن جاؤوا في مرتبة تالية للدينكا، ومن أبرزهم رياك مشار نائب رئيس البلاد السابق ، ونائب رئيس الحركة الشعبية ..ولعل طلب مشار إطلاق سراح المعتقلين وذهابهم على اثيوبيا يرجع لوجود امتدادات للنوير داخل إثيوبيا .
وهناك صراعات تاريخية بين النوير والدينكا على السلطة السياسية ..وربما يفسر هذا الصراع الأخير بين سيلفا كير"الدينكا" ، ورياك مشار"النوير"
3 - قبيلة الشيلك:وهي أقل المجموعات الثلاث تعداداً" 5% من حجم السكان"، وتعيش على الضفة الغربية للنيل الأبيض، ، وكذلك على الضفة الشرقية للنيل الأبيض إلى قرب من مدينة ملوط شمالاً، وإلى بحيرة «نو» جنوباً.وقبيلة الشيلك ذات نظام سياسي مركزي تحت قيادة ملك أو سلطان يُطلقون عليه لقب «الرث»، ويجمع «الرث» بين السلطة الزمنية والسلطة الروحية في صيغة مشابهة للتقاليد المصرية الفرعونية القديمة.ومن أبرز قيادات الشيلك الحاليين وزير الخارجية الأسبق لام أكول ، والأمين العام الحالي للحركة باجان أموم
ثانياً: النيليون الحاميون:
أُطلق عليها هذا الاسم نظراً لاشتراكها مع المجموعة النيلية في كثير من السمات السلالية واللغوية وفي نمط الحياة الاقتصادية (الاعتماد على تربية الماشية، وبخاصة البقر، والاعتزاز بها). إلا أن هنالك فرقاً بين المجموعتين وبخاصة لون بشرتهم الأقل سواداً من النيليين.ومن أهم قبائل النيليين الحاميين: الباري والمنداري والتوبوسا والتوركانا واللاتوكا واللانقا والديدنقا، وغيرهم.
ثالثاً: المجموعة السودانية وينتمي إليها قبائل الزاندي التي تُعد ثاني أكبر مجموعة قبلية بعد قبيلة الدينكا بجنوب السودان، والمورو والمادي والبون جو والكريش، ويغلب على طبيعة الحياة الإنتاجية لهذه السلالة الزراعة وليس تربية الماشية؛ بسبب انتشار ذبابة التسي تسي في أماكن وجودها.
ويلاحظ أن وجود القبيلة ترتب عليه عدة أمور سلبية لعل من أبرزها الولاء للقبيلة على حساب الدولة من ناحية ، فضلا عن حدوث حالة من عدم الاستقرار السياسي عندما يتم تسييس الخلافات القبلية . وإذا كان الخلاف الأساسي بين الدينكا والنوير ، إلا أن هذا لا يعني عدم وجود خلافات أخرى مثل خلافات النوير والمورلي العام الماضي بشأن ملكية الماشية ...وستظل المشكلة الاثنية من أخطر المشكلات التي تواجه قضية الاندماج القومي في هذه الدولة الوليدة
[IMG]file:///C:\DOCUME~1\admin\LOCALS~1\Tem p\msohtmlclip1\01\clip_image00 6.jpg[/IMG]
1- البعد السياسي
ويتمثل هذا البعد في الخلافات الشخصية والنزاع على السلطة والزعامة بين قيادات الحركة الشعبية الحاكمة حتى أثناء الحرب الأهلية مع الخرطوم .. هذه الخلافات ربما تتجاوز البعد الاثني الذي يمكن توظيفه-كما سبق القول- لخدمة الأهواء السياسية للقيادات الجنوبية ..
ويكفي للتدليل على ذلك أمران:
الأول : أن الشخصيات الثلاث البارزة على الساحة الآن "سيلفا كير،رياك مشار، لام أكول" بالرغم من اختلافها القبلي" الأول ينتمي للدينكا ، في حين الثاني ينتمي للنوير، بينما الثالث ينتمي للشيلك" ، إلا أن المواقف السياسية جعلتهم
يجتمعون في بعض الأحيان ويفترقون في أحيان أخرى .. فرياك مشار كان مختلفا مع جون جارانج خلال الحرب الأهلية بشأن الرغبة في تقرير مصير جنوب السودان ، والتركيز على الانفصال عن الخرطوم ، في حين كان يركز جارانج على فكرة السودان الجديد الموحد العلماني كخيار أول ، وفي حالة فشله يتم الحديث عن تقرير المصير والانفصال.. وكانت نتيجة هذا الخلاف انشقاق مشار عن الحركة الشعبية أوائل عام 1990 فيما عرف بانقلاب الناصر، وتشكيله حركة جديدة عرفت باسم حركة تحرير جنوب السودان، أغلبها من النوير، لكنها ضمت أيضا كلا من لام اكول ، (الشيلك ) وكاربينو كوانين أحد المؤسسين للحركة الشعبية مع جارانج، ، والرئيس الحالي سلفا كير"الدينكا"، وأعلنت الحركة أنها تسعى لانفصال جنوب السودان، كما عملت على سحب البساط من الحركة الشعبية بزعامة الدينكاوي جارانج وحليفه باجان أموم الذي ينتمي الى الشيلك، مما ترتب عليه الدخول في حرب أهلية جنوبية – جنوبية بين الحركتين ، والقبيلتين المواليتين لكل منهما " الدينكا التابعة لجارانج، النوير التابعة لمشار" مما ترتب عليها سقوط عدد من القتلي أكبر من هؤلاء الذين سقطوا خلال الحرب مع الخرطوم . بل وصل الأمر الى دخول مشار في اتفاق مع نظام الخرطوم " عدو الحركة" عام 1997 تم بموجبه تنصيبه مساعدا للبشير ومسؤولا عن إقليم جنوب السودان، على أن يجري الاستفتاء بعد أربع سنوات من تنفيذ الاتفاقية. وأصبحت أهمية مشار ومقاتليه بالنسبة للخرطوم تتعلق بتوفير الحماية لآبار النفط الموجودة في مناطق قبيلة مشار في ولاية الوحدة ومناطق غرب النيل.وهو ما اعتبره جارانج في حينها أكبر طعنة تلقتها الحركة والتي جاءت من أبناء الجنوب"
وهكذا يتضح وجود خلافات قبلية بين الدينكا والنوير والشيلك تتداخل مع الخلافات السياسية ، بحيث تجعل كل فصيل يحشد قبيلته في مواجهة الفصيل الأخر ، بل قد نجد انقساما في المواقف السياسية داخل القبيلة الواحدة مثل انقسام الشيلك بين أكول ، واموم ، وكذلك الدينكا بين جارانج ، وكير..
صحيح أنه تم احتواء هذه الخلافات أوائل عام 2002 ، بعد عودة مشار ومجموعته إلى الحركة الشعبية ، لكن هذا لم يزل الآثار النفسية ، والتصفية السياسية من قبل القيادات وبعضها البعض ، لدرجة أن بعض الشخصيات التي كانت في حركة مشار تم تصفيتها في ظروف غامضة .. وقد تبوء مشار منصب النائب الثاني لرئيس الحركة ، في حين تبوء كير منصب النائب الأول لأنه انضم إلى جارانج مبكرا ...
وبعد رحيل جارانج عام 2005 في حادث غامض ، تولى كير منصب رئاسة الحركة والنائب الأول للرئيس البشير بموجب اتفاقيات نيفاشا ، وكذلك منصب رئيس حكومة الحكومة ، حتى تم الاستقلال النهائي أوائل عام 2011.فتولى منصب رئاسة البلاد والحركة في آن واحد، في حين تولى مشار منصب نائب رئيس البلاد ونائب رئيس الحركة ، إلى أن قام كير بإقالته من منصب نائب رئيس البلاد في يوليو الماضي ، وإن ظل نائبا لرئاسة الحركة
الثاني : يرتبط بالخلافات الشخصية بين سيلفا كير ورياك مشار سواء من حيث المؤهلات العلمية والأكاديمية ، أو من حيث الأفكار والطباع ..فبالرغم من التاريخ المتقارب لدخول الاثنين المجال العسكري ، إلا أن ثمة فروق جوهرية بينهما ، فكير كان قائدا ميدانيا يقود العمليات العسكرية، بينما مشار تنقل من القيادة الميدانية إلى القيادة العليا مع جارانج باعتباره متعلما"حاصل على الدكتوراه في التخطيط الاستراتيجي من بريطانيا" ومنظرا وقائدا لا يشق له غبار في معارك التفاوض بين الحركة والحكومة السودانية بسبب شخصيته التي تجمع بين الحكمة والحنكة والهدوء الشديد الذي يصل إلى درجة البرود ، في حين أن كير رجل عسكري صارم قليل الصبر على معالجة الملفات، وفي الغالب يحسم مشاكله مع الآخرين بالقوة التي تصل إلى استخدام السلاح في بعض الأحيان ، لذا فإن منطق الأشياء وطبيعة البشر قد تجعل هناك صعوبة في الانسجام بين قيادي متعلم في أرقى الجامعات الوطنية والخارجية، وبدرجات رفيعة المستوى وصاحب خبرة في بناء العلاقات الداخلية والخارجية، ومن الطرف الآخر قيادي عسكري لم ينل من التعليم شيئا يذكر، فضلا عن الاختلاف القبلي بينهما، وهما من قبيلتين متنافستين في الحياة العامة..!.([2])
اذن المشكلة في جنوب السودان ليست وليدة اللحظة ، بل تتداخل فيها الاعتبارات القبلية مع الاعتبارات السياسية . ووجود حالة من الاستعلاء العرقي في رؤية القبائل الجنوبية لبعضها البعض لاسيما في نظرة الشيلك والنوير للدينكا الحاكمة , فضلاً عن وجود أسباب أخرى للصراع للاستحواذ على النفوذ أو الموارد من أجل البقاء. ولعل كل هذه الاعتبارات قد تساعدنا في فهم أسباب محاولة الانقلاب الأخيرة.
أسباب الانقلاب وتوقيته([3])
يمكن القول بأن هناك مجموعة من المؤشرات كانت تشير إلى حدوث حالة من عدم الاستقرار في الجنوب ، بل كانت تشير إلى احتمال حدوث إما انقلاب سياسي أبيض على رئيس الحركة والبلاد سيلفا كير ، أو حتى احتمال حدوث انقلاب عسكري.
فمنذ تولي كير الحكم ، برزت خلافات كبيرة بينه وبين نائبه رياك مشار فيما يتعلق بالهيمنة والنفوذ ، واحتكار السلطة من قبل كير ، فمشار يرى أنه الأجدر بالقيادة، لا سيما وأنه قاد حركة موازية للحركة الشعبية أوائل التسعينات ضمت الكثير من القيادات في حينها بما فيها كير ذاته.. لذا تم تبادل الاتهامات بين الطرفين ، حيث اتهمه بأنه يسعى لإفشاله ، في حين اتهمه مشار بأنه ديكتاتور.. ولقد كان أموم الأمين العام للجبهة في صف مشار..
وإزاء هذا الانقسام السياسي القبلي " دينكا في مواجهة النوير والشيلك" أعلن مشار عن نيته خوض الانتخابات الرئاسية القادمة عام 2015، مطالبا كير بالتنحي عن رئاسة الحركة ، وعدم الترشح في هذه الانتخابات .. فما كان من كير إلا أن قام بإقالته في يوليو الماضي ، ونفس الأمر بالنسبة للحكومة، كما قام بحل مؤسسات الحركة الشعبية بسبب تأخر عقد المؤتمر العام لها ، وهو ما اعتبره مشار بمثابة أمرا غير دستوري يخالف لائحة الحزب . وهنا عمل –أي مشار- على عقد التحالفات مع منافسين سابقين ضد كير. وكان من نتيجة ذلك إعلانه-أي مشار -عن تنظيم مظاهرات يوم الجمعة 14 ديسمبر – أي قبل الانقلاب بيومين-في كل أنحاء البلاد لتوضيح حقيقة ممارسات كير ، لكن تم تأجيلها إلى الجمعة 20 ديسمبر من أجل إعطاء الفرصة لمحاولة رأب الصدع خلال اجتماع مجلس التحرير القومي للحركة يوم الأحد 15
ديسمبر والذي يضم 161 عضوا بما فيهم أعضاء المكتب السياسي .. لكن خلال الاجتماع شن كير هجوما عنيفا على خصومه ،كما رفض مصافحة مشار ، وربيكا جارانج زوجة جون جارانج والمتحالفة مع مشار، و باجان أموم الذي كان من الواضح وجود نية لاقالته من منصب الأمين العام. كما لم يتم التركيز على رأب الصدع معهم ، وإنما تم التركيز على دستور الحركة ، وهو ما ساهم في تفاقم الأمور ..وقد ترتب على ذلك انسحاب مشار ، و126 عضوا بالمجلس منهم 14 عضوا بالمكتب السياسي.
وقد سبق هذا الاجتماع بأسبوع تصريحات لمشار حذر فيها من إمكانية انقلاب حزب الحركة الشعبية ضد رئيسها، رئيس البلاد "سلفاكير"، واتخاذ قرارات ضده حال عدم تراجع الأخير عن قراره بحل مؤسسات الحركة الشعبية. لكن من الواضح أن مشار كان يشير إلى انقلاب سياسي وليس عسكري، بدليل أنه سارع إلى نفي تورطه في محاولة الانقلاب العسكري الذي شهدته البلاد بعد أقل من أربع وعشرين ساعة من انتهاء اجتماع مجلس التحرير الوطني.
إذن نحن أمام احتمالين لتفسير الانقلاب:
الأول : أن مشار -استنادا لتصريحاته السابقة والتي تحتمل التأويل- هو المتسبب في هذه المحاولة الانقلابية –وفق رواية كير- بعدما فشل مجلس التحرير في تحقيق أهداف المصالحة بين الفرقاء...لذا قام بتحريض مجموعة من أتباعه على القيام بذلك . وبالرغم من نفي مشار قيامه بهذه المحاولة الانقلابية ، إلا أن إعلانه سيطرة قواته على مناطق النفط في ولايتي الوحدة وأعالي النيل يشير إلى تورطه المباشر-أو غير المباشر- في هذا الأمر
الثاني: أن كير هو مدبر هذه المحاولة الفاشلة للتخلص من خصومه ، بدليل ما تردد عن قيامه باعتقال مشار وباقي خصومه عقب هذه المحاولة.
المواقف الإقليمية والدولية من الأزمة
لقد كان واضحا وجود حالة من الاهتمام الإقليمي والدولي بالأزمة ، نظرا لتداعياتها السلبية على دول الجوار من ناحية ، فضلا عن الدور المحوري المنتظر لهذه الدولة الوليدة من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل من ناحية ثانية
وربما ولاعتبارات المساحة قد نقتصر على موقف السودان من هذه المحاولة الانقلابية وتأثيراتها المحتملة عليها
موقف الخرطوم من المحاولة الانقلابية
لم يقتصر اهتمام الخرطوم بتطورات الأوضاع في الجارة الجنوبية على الصعيد الرسمي فقط ، وإنما امتد إلى صعيد المعارضة أيضا . فقد أعلن تحالف المعارضة السودانية فى الشمال اعتزامه إرسال وفد إلى دولة الجنوب لتقديم مبادرة تهدف لنزع فتيل الأزمة في دولة الجنوب، وهو ما عبر عنه كمال عمر الأمين السياسي لحزب المؤتمر الشعبي "الذي يرأسه الترابي" ، حيث أكد على أن تدهور الأوضاع فى الجنوب سوف يلقى بظلاله على السودان، لا سيما فيما يخص قضية استمرار تدفق النفط، كما تردد أن الترابي قد يتدخل في عملية التسوية بناء على طلب كير في ظل العلاقة الوطيدة بين الجانبين.
أما بالنسبة للخرطوم ، فقد حاولت إظهار قدر من الدبلوماسية وعدم الانحياز لطرف على حساب طرف ، وقامت بارسال وزير خارجيتها علي كرتي مع نظرائه من دول الإيجاد"الهيئة الحكومية للتنمية في شرق أفريقيا" في محاولة لإيجاد سبل حل للأزمة . وقد يثور التساؤل لماذا لم تتدخل السودان عسكريا لدعم نظام جوبا ... وما هو تأثير الانقلاب على عوائد النفط لاسيما في ظل وقوع أبار النفط تحت سيطرة مشار ؟
في البداية لا بد أن نقرر أن أي قلاقل في الجنوب ربما تكون لها أثار إيجابية وسلبية على الخرطوم في آن واحد.
فهذه القلاقل ،وإن كانت تضعف من قدرات النظام الحاكم في جوبا ، وبالتالي التخلي المؤقت عن دعم القوى المعارضة للخرطوم ، فضلا عن كونه يساهم في تحسين الموقف التفاوضي للخرطوم في أية مفاوضات مع جوبا خاصة فيما يتعلق بالملفات الخلافية الحدودية وغيرها ، إلا أنه في المقابل قد يترتب عليه مجموعة من الآثار السلبية سواء على الصعيد الأمني ، أو الإنساني ، أو الاجتماعي . فأي حرب محتملة للجنوب قد يترتب عليها فرار آلاف اللاجئين عبر الحدود ، وما قد يصاحب ذلك من من مأساة إنسانية ، فضلا عن امكانية انتشار الجرائم عبر الحدود.
أما بالنسبة لقضية النفط .. فهي حساسة للغاية .. وبالتالي فإن ما يهم الخرطوم هي استمرار تدفقه عبر أراضيها للتصدير عبر ميناء بور سودان .. ومما يعقد من موقفها هو وجود علاقات جيدة بينها وبين كلا الطرفين المتصارعين . ولعل خبرة التسعينات ، وتوقيع اتفاق الخرطوم مع مشار واسناد مهمة الحفاظ على أبار النفط في الجنوب له ، تجعل الخرطوم غير راغبة في استعدائه هذه المرة .. ومن ثم تتبن موقف الوساطة والحياد حتى لا تغضب طرف على حساب طرف آخر ..وهو ما قد ينعكس سلبا على مصالحها
الموقف الدولي
لقد كان واضحا أن الدول الكبرى كانت حريصة بداية على إجلاء رعاياها ، حتى لا يصيبهم مكروه جراء أعمال العنف المرشحة للتصاعد .. لكن ليس معنى ذلك أنها ستترك هذه الدولة التي شجعتها –خاصة الولايات المتحدة-تنهار .. لأن الذي يهمهما هو بقاء جنوب السودان مستقرا نظرا لموقعه الاستيراتيجي بالنسبة لهما ، لاسيما في كونه فاصلا بين الدول العربية الأفريقية المسلمة في الشمال ، والدول الأفريقية المسيحية السوداء في الجنوب ، فضلا عن كونه خاصرة لدولة السودان .. ولقد سبق أن تدخلت الولايات المتحدة لمحاولة احتواء الخلافات السياسية بين فرقاء الجنوب.
ومن هنا يمكن فهم الاجتماع العاجل لمجلس الأمن مؤخرا والذي تبنى بالإجماع إعلانا غير ملزم يدعو كير ومشار ، الى "تحمل مسؤولياتهما، ووقف الأعمال الحربية والبدء الفوري في الحوار".
كما أدان المجلس أعمال العنف التي تستهدف المدنيين وبعض المجموعات الاثنية"، معربا عن دعمه لمهمة بعثة الأمم المتحدة في جنوب السودان، وتشجيعها على الاستمرار في تأدية مهمتها بشكل كامل وخصوصا في حماية المدنيين ،وكذلك زيادة عدد قوات حفظ السلام العاملة هناك . كما أرسلت واشنطن مبعوثا خاصا لها إلى جوبا هو دونالد بوث من أجل إجراء محادثات مع كل من كير ومشار ، ونفس الأمر بالنسبة للاتحاد الأفريقي الذي من المتوقع أن يرسل مبعوثا
من نيجيريا لاجراء محادثات مماثلة .كما أرسلت الإيجاد رئيسي وزراء اثيوبيا وكينيا للتباحث مع كير حول وقف اطلاق النار، ثم تلا ذلك اجتماع استثنائي لأعضاء الايجاد في نيروبي للتباحث حول وقف اطلاق النار، واطلاق كير سراح القيادات التابعة لمشار، مع رفضهم الإطاحة بالحكومة عبر القوة المسلحة.
سيناريوهات المستقبل وخارطة الطريق
يمكن القول بوجود سيناريوهين أساسيين لاحتواء الأزمة
الأول : التوصل إلى تسوية للصراع عبر الوساطات الدولية والإقليمية وفق خارطة طريق محددة قد تكون أهم ملامحها ما يلي :
1- الوقف الفوري للعنف
2- تشكيل حكومة انتقالية جديدة " حكومة وطنية تضم الفصيلين الأساسيين، فضلا عن الفصائل الأخرى ،ويمكن أن يرأسها رياك مشار في ظل عملية تقاسم سلطة power sharing على غرار ما حدث في كينيا وزيمبابوي في أعقاب انتخابات 2006 ، 2007 ، لا سيما وأن تشكيل تكون حكومة تكنوقراط قد يكون أمرا صعب في ظل بلد وليد . مدة هذه الحكومة تتراوح بين ستة أشهر-عام ، وتكون مهمتها المصالحة الوطنية من ناحية ، وتحسين الوضع الاقتصادي المتردي من ناحية ثانية ، وإجراء انتخابات حرة لرئاسة الدولة منتصف شهر يونيو القادم تحت إشراف الأمم المتحدة والإتحاد الإفريقي والإيجاد
3-إعلان العفو الرئاسي وإطلاق سراح القيادات المعتقلة لاسيما وأنه من الصعب تصور حدوث مفاوضات في ظل غياب هذه القيادات ، وربما هذا ما أفصح عنه صراحة رياك مشار، وهو ما أكد عليه قادة الايجاد في اجتماعهم الأخير بنيروبي ، حيث تم اطلاق سراح 8 قيادات من إجمالي 11 قيادة
الثاني : استمرار الصراع . وذلك في حالة فشل جهود التسوية ..
وربما يكون الاحتمال الأول هو الأقرب للتحقق ، بسبب ضعف الإمكانيات الذاتية الخاصة بكل فصيل ، لاسيما الإمكانيات العسكرية ، بل قد يدفع ذلك مجلس الأمن إلى إصدار قرار بشأن فرض حظر توريد السلاح للجنوب على غرار ما حدث في السودان ، ناهيك عن إمكانية قطع المساعدات الاقتصادية لاسيما الأمريكية.
لكن أيا ما يكن الأمر ، فمن الواضح أن دولة الجنوب ولدت في سياق ظروف غير طبيعية، وأن معاناتها سوف تستمر كثيرا، وستظل تعتمد على الخارج بشكل أكبر، أما إذا تخلى عنها الخارج فقد تنهار سريعا
المصادر
[1] - لمزيد من التفاصيل حول الوضع الاثني أنظر د. يوناس بول دي مانيال، المسلمون في جنوب السودان بعد الانفصال .. الواقع والمستقبل، مجلة قراءات أفريقية ، 24 ابريل 2013 على الرابط التالي : الرابط
[2] - لمزيد من التفاصيل أنظر ، خالد حسن سملتو هل دخلت دولة جنوب السودان الوليدة مرحلة الانقلابات،موقع سودانيز أون لاين على الرابط التالي : الرابط
[3] - حول هذه الجزئية أنظر د. بدر حسن شافعي ، ملاحظات حول انقلاب جنوب السودان ، وكالة الأناضول للأنباء، ديسمبر 2013


رد مع اقتباس