أقــلام وآراء إسرائيلي السبــــت 9/08/2014 م
في هــــــذا الملف
هزيمة حماس تعزز ابو مازن كشريك جدي وكضوء في نهاية النفق
بقلم: يوئيل ماركوس،عن هآرتس
ماذا حصل في «يوم الجمعة الأسود» لرفح؟
بقلم:عاموس هرئيل وغيلي كوهين،عن هآرتس
بين غزة والقاهرة
بقلم:ناحوم برنياع،عن يديعوت
اسرائيل ستدفع ثمن الاضرار التي أصابت اسرائيل على إثر العملية في غزة ولا سيما العلاقة المتوترة بالادارة الامريكية
بقلم: ناحوم برنياع،عن يديعوت
هزيمة حماس تعزز ابو مازن كشريك جدي وكضوء في نهاية النفق
بقلم: يوئيل ماركوس،عن هآرتس
اعتراف صغير: لا يروق لي حقا أن أبكي على مشاهد المعاناة التي أوقعها قادة حماس على أبناء شعبهم. فهذه المشاهد، للبيوت المدمرة، لمئات والاف المشردين الذين ينبشون بعيون دامعة خرائب بيوتهم على أمل ان يجدوا أغراضا شخصية، هي قاسية حقا. يحتمل أن يكون هؤلاء السكان وضعوا تحت تصرف حماس شققهم، سواء مقابل المال أم بسبب ضغط جسدي معتدل، لغرض بناء فتحات الدخول لواحد من مئات الانفاق التي تستهدف القيام بعمليات كبرى بين السكان المدنيين في اسرائيل، او يكونوا فعلوا ذلك ببساطة خوفا من زعران حماس.
كل هذا لا يهم. فالعالم يرى هذه المشاهد وينصدم. ولكن الخراب الجماعي هذا ما كان ليحصل لو لم تشرع حماس بالهجوم الارهابي لقاذفات الهاون والمقذوفات الصاروخية على بلدات في اسرائيل، وبالتوازي أعدت شبكة انفاق تستهدف القيام بعملية كبرى في قلب التجمعات السكانية (لا تسألوا – عرفنا أم لم نعرف) في اسرائيل مزحوا في أنهم لو عرفوا بانهم هناك في غزة أكفاء في الانفاق، لكان بوسعهم أن يوازنوا ميزانياتهم من خلال بناء القطار التحتي لتل أبيب.
حظنا أننا عطلنا هذه العملية الكبرى، من خلال حملة “الجرف الصامد” التي هي من أكثر الحملات التي قمنا بها نجاحا في ظروف مشابهة. “من أكثر حروب اسرائيل عدالة”، على حد قول أريك شارون عن حرب لبنان. بفارق واحد، أن هذه المرة ردنا كان أيضا عادلا وناجعا في نفس الوقت، سواء من ناحية الدفاع عن السكان من خلال العجب المسمى “القبة الحديدية” أم من ناحية الغارات الجوية والبحرية على غزة. نحن لسنا سيئين في “الابتكارات” للدفاع، بما فيها ايضا “سترة الريح” التي تمنع الاصابة المباشرة للدبابة. فالعقل اليهودي، لغرض التغيير أثبت هذه المرة بان ليست قوتنا وحدها تنجح.
كانت هذه المرة حربا بكل معنى الكلمة. 82 الف رجل احتياط جندوا، زائد الجيش النظامي بمراتبه. وقد بدوا مبنيون من نوع جديد، متمسكين بالهدف، متطوعين للمهام الصعبة. الكثيرين منهم، ولا سيما الشباب بينهم، بدوا كأنهم يجسدون صورة “الرجل الرجل” (من قاموس اللغة العبرية لموفاز). من اعتقد بان التهديد الاساس على اسرائيل هو قنبلة نووية لايران وانه لن تكون حروب تقليدية، اكتشف مرة اخرى بان في هذا الجيل نحن لا نزال نقاتل باساليب المواجهة وجها لوجه على مجرد حقنا في البقاء جسديا. في نوع الحروب التي نعيشها لا يوجد حسم تام، إذ في الطرف الثاني مستعدون للمعاناة. يخيل أنه يمكنهم أن يصلوا الى عشرات الاف القتلى دون أن يرف لهم جفن. نحن لا يمكننا أن ندفع أثمانا كهذه. والاستنتاج هو أن لا مفر غير البحث عن حسم سياسي.
قد تكون هذه الحرب فتحت خيارات جديدة بشأن المسيرة السلمية. اذا كان زعماء حماس شرعوا في الحرب كي يراكموا قوة عظمى في فلسطين المستقبلية، فانهم خسروا. فقد خرجوا منها اكثر ضعفا. مصر السيسي تمقتهم. وكان السيسي اول من شعر بتهديد الانفاق وأغلقها في رفح فور صعوده الى الحكم. وبثت حماس روح حياة في اتفاق السلام المجمد بين مصر واسرائيل. فلكلتيهما مصلحة في منع تعاظم الاسلام المتطرف في حدودنا وفي داخلنا. وللدولتين ارادة لفرض حكم فتح على قطاع غزة ايضا.
منذ لحظة اختطاف الفتيان الثلاثة وقتلهم يبدو ابو مازن كمن يكثر من تناول السبانخ ويتطلع لان يكون ممثلا لكل فلسطين، بما فيها غزة. اما بيبي، كما ينبغي الاعتراف، فقد أدار المعركة بحكمة. فليس بسيطا إدارة معركة حياة أو موت مع نماذج مثل ليبرمان وبينيت، الذين يشتكون في المقابلات التلفزيونية من تردده. ولكن هذا لن يجديهما نفعا. فهزيمة حماس تعزز ابو مازن كشريك جدي وكضوء في نهاية النفق.
ان الساعين لمصلحتك سيوصونك بتتويج هذا الانتاج باستئناف المفاوضات السياسية مع ابو مازن. خذ بهذا يا بيبي.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــ
ماذا حصل في «يوم الجمعة الأسود» لرفح؟
بقلم:عاموس هرئيل وغيلي كوهين،عن هآرتس
أحداث الأول من آب/أغسطس في رفح، والتي حظيت منذ الان بلقب «يوم الجمعة الاسود» ستقبع في مركز الاهتمام الدولي وفي قلب أحد التحقيقات المركزية للجيش الإسرائيلي عن الحرب في قطاع غزة. فقضية اختطاف ضابط جفعاتي الملازم هدار غولدن والجهد الحثيث للجيش لاحباط عملية حماس تتعلق بعدة جوانب: السؤال من خرق وقف النار الانساني بين الطرفين والذي اعلن في ذاك الصباح وانهار في أعقاب الحادثة في رفح، العدد الكبير للقتلى الفلسطينيين (التقديرات تتراوح بين 130 – 150 قتيلا، معظمهم مدنيون)، شجاعة الضباط والمقاتلين تحت النار – والى جانبهم الجدال الداخلي للجيش الاسرائيلي حول استخدام نظام «هنيبال»، الذي يسمح بالمخاطرة بحياة المخطوف بهدف احباط الاختطاف نفسه.
المعلومات التي لدى «هآرتس» عن المجريات جزئية، وتستند في هذا التقرير الى مصادر من الجانب الاسرائيلي فقط. الجيش الاسرائيلي، الذي يشخص منذ الان اهتماما متزايدا في الساحة الدولية لما جرى في رفح وعلى علم بامكانية أن تكون هنا ثغرة لاجراءات قضائية، لا يسارع الى التبرع بالمعلومات الكاملة على الاحداث هناك. فالتحقيق العملياتي للاحداث بالكاد بدأ. ومن يتحدثون حاليا عن الحادثة، بالغالب بشكل عمومي فقط، هم ضباط كبار وكذا عدة ضباط خدموا في القيادات في الجبهة. كما أن هذه الاحاديث جرت لغير الاقتباس. فالضباط والجنود الذين كانوا مشاركين في المعركة لم يتحدثوا حتى الان في وسائل الاعلام، باستثناء المقابلات التي نشرت امس مع الملازم ايتان، الضابط الذي أدار المطاردة في النفق في إثر الخاطفين.
كان يفترض بالهدنة الانسانية بين الطرفين، وهي محاولة اخرى لتحقيق الهدوء في القطاع من خلال الامم المتحدة والولايات المتحدة، ان تدخل حيز التنفيذ في الساعة 8:00 من يوم الجمعة. وقد فسرت اسرائيل التفاهمات كإذن لمواصلة العمل ضد الانفاق داخل المنطقة التي سيطرت عليها، حتى تحقيق وقف نار أوسع في إطاره تخلي المنطقة (مثلما حصل أخيرا في يوم الثلاثاء، 5 آب، بعد تقلبات كثيرة). قبل ليلة من ذلك تبين أنه لا يزال يتبقى نفق هجومي لم يعالج في أطراف شمال شرق رفح. قوة من دورية جفعاتي، بقيادة قائد سرية الدورية الرائد بنيا شرال، تلقت الاذن بالتقدم الى مسافة بضع مئات الامتار في محاولة للعثور على فتحة النفق. وعلى حد قول ضابط كبير، فقد أنهت القوة اعادة انتشارها «في آخر الظلام»، أي حوالي 5:00 فجرا، قبل ثلاث ساعات من وقف النار.
شرع الجنود بتمشيطات في المنطقة، التي هي زراعية في أساسها بما في ذلك البيوت والدفيئات. بعد الساعة 8:00 لاحظ الرائد شرال حركة مشبوهة في أحد المباني في المنطقة. وشك شرال على ما يبدو بان هذا رجل حماس يجري مراقبة للقوات. فتشاور في جهاز الاتصال مع قادته وحسب احدى الروايات، التي لم تحصل على تأكيد رسمي، سمح له بفحص المبنى، ولكن الاذن حصر باستخدام النار قبل الدخول بسبب وقف النار. في الايام السابقة، على خلفية حوادث عديدة فتحت فيها النار على جنود من داخل المنازل، استخدم الجيش الاسرائيلي نظام دخول اكثر هجومية الى اهداف مشبوهة – تضمنت نار مدفعية أو قذائف دبابات قبل التمشيطات.
توجه شرال لفحص المكان على رأس خلية صغيرة – هو، قائد الطاقم الملازم هدار غولدن ورجل الاتصال الشخصي لقائد السرية العريف أول ليئال جدعوني. باقي القوة، بقيادة نائب قائد السرية الملازم ايتان، بقيت على مسافة بضع عشرات الامتار من هناك، من خلف مبنى في زاوية الشارع. خلية رأس الحربة اصيبت بنار رجال حماس الذين كمنوا لها وشرال، غولدن وجدعوني قتلوا في المكان. في المعركة قتل ايضا احد المسلحين الفلسطينيين، الذي كان يرتدي بزة (حسب احدى الروايات، بزة الجيش الاسرائيلي.)
بسبب النار، مر وقت الى أن وصل الجنود والقادة من الخلف الى ساحة الحادثة ووجدوا فيها ثلاثة قتلى، ومرت دقائق اخرى قبل أن يتبين بان احدهم هو رجل حماس وان باقي رجال الخلية جروا معهم الملازم غولدن. في ذاك الوقت لم يكن واضحا اذا كان غولدن اختطف وهو جريح أم قتيل. الجنود في المكان لاحظوا أيضا فتحة النفق التي عبرها اختطف غولدن.
في مقابلة مع «يديعوت احرونوت» نشرت خلاصتها أمس، روى الملازم ايتان بانه قرر النزول الى فتحة النفق كي يعثر على رفيقه غولدن، ولكن في البداية لم يتلقَ الاذن من قادته. من اقر الدخول كان قائد لواء جفعاتي العقيد عوفر فنتر ، الذي قال لايتان ان يلقي بقنبلة يدوية قبل أن يدخل الى الفتحة. وحسب ايتان، قراره – خلافا للانظمة العملياتية التي تبلورت في الجيش الاسرائيلي على خلفية الخوف من التفخيخات في الانفاق – لم يكن نتيجة تهور. «اتخذت قرارا عاقلا. عرفت أن النفق هو أمر لا يتم الدخول اليه، عرفت ما هو الخطر وفهمته – ولكني قررت العمل».
ايتان، يرافقه مقاتلان آخران، نزلوا الى النفق ومشطوه في ظلام شبه تام على طول مئات الامتار. وفي ختام التمشيط، تبين بان هذا التفرع للنفق، الذي جزء منه حفر حتى الحدود مع اسرائيل، ينتهي في مسجد. لن يعثر على الملازم غولدن، ولكن ايتان وجد في النفق عنصرا عسكريا يخصه ساعد في وقت لاحق في الاعلان عن المفقود كشهيد، لانه يمكن التعرف منه على شدة اصابته.
لاحقا، دخلت الى النفق قوة اخرى، ضمت ضباط ومقاتلين من وحدة «سييرت متكال» الخاصة. هذه القوة هي التي عثرت في النفق على عنصر آخر، ادى لاحقا الى استكمال الصورة والقرار النهائي بان غولدن قتل وانه يمكن دفنه استنادا الى ما جمع.
حسب تقارير الجيش الاسرائيلي، فان النار على قوة الرائد شرال وقعت في الساعة 9:16 صباحا، اي نحو ساعة وربع بعد دخول وقف النار حيز التنفيذ. بداية بلغ الجيش بان القوة تعرضت للهجوم من خلية لحماس ضمت مخربا انتحاريا. بعد يومين تراجع، وبعد فحص الادلة أعلن بان هذا كان حادثة نار. وطرح صحفيون امريكيون ادعاء وكأن اسرائيل تكذب بالنسبة لساعة الحادثة وان هذه وقعت نحو نصف ساعة قبل وقف النار. وقد اعتمدوا على تغريدات من حسابات التويتر المتماثلة مع حماس ممن بلغوا في ذاك الوقت عن هجوم للمنظمة على قوة للجيش الاسرائيلي شرقي رفح.
وحسب فحصنا، مع بعض الجهات المختلفة، فان رواية الجيش الاسرائيلي عن ساعة الحادثة مصداقة. والتقرير يظهر في المنظومات العملياتية المحوسبة والتقطت في الزمن الحقيقي في عدد كثير من غرف العمليات.
استنادا الى تجربة الماضي، من الصعب تزييف توقيت مثل هذه الحادثة – وان كان بسبب تواجد رجال احتياط كثيرين في الغرف الحربية. في مثل هذه الظروف، من الصعب جدا التصديق بان احدا كان سيخاطر بتضليل على هذا القدر بالنسبة للساعة، دون أن ينكشف الامر في الاعلام. والجدال على التوقيت هام لان الهجوم والاختطاف خرقا وقف النار الانساني وادى الى انهياره في غضون ساعات، في كل ارجاء القطاع. ووقفت الولايات المتحدة الى جانب اسرائيل، بل ان الناطق بلسان البيت الابيض شجب حماس على «الخرق البربري» لوقف النار.
عرض الناطقون بلسان حماس في الساعات الاولى بعد الحادثة روايات متضاربة. في البداية تباهى الذراع السياسي باختطاف جندي، ولكن في وقت لاحق تنكر له، على خلفية الخوف من الضرر السياسي الذي سيلحق بالمنظمة. وفي سياق اليوم اعلن مسؤولو حماس بانهم لا يعرفون ما الذي حصل بالضبط في رفح وقدروا بان الخلية والمخطوف قتلوا في القصف الاسرائيلي. في نظرة الى الوراء يقدرون في الجيش الاسرائيلي بان عملية الخطف كانت مبادرة محلية، للواء رفح في حماس او لقيادة عملياتية اكثر تدنيا في المنظمة. فعندما لوحظ دخول الخلية المتقدمة بقيادة الرائد شرال الى المكان، فتح المسلحون نحوها النار وبعد ذلك فروا مع جثة غولدن، مثلما حاولت المنظمة عمله مرات عديدة في حوادث اخرى على طول القتال.
الى جانب التفتيشات في النفق، والتي لم تؤدي الى العثور على غولدن، تم بالتوازي استخدام «نظام هنيبال» للعثور على المخطوف. وقد اتخذ القرار في الميدان، في قيادة لواء جفعاتي التي عملت على مقربة من رفح، ولكنها حصلت في الزمن الحقيقي على الاذن من فرقة غزة ومن قيادة المنطقة الجنوبية. وقالت مصادر عسكرية لـ «هآرتس» ان هذا كان «نظام هنيبال» الاكثر عدوانية الذثي يمارسه الجيش الاسرائيلي على الاطلاق. فالى جانب الوحدات الخاصة وتمشيطات قوات جفعاتي، دخل طابور من كتيبة المدرعات الى عمق نحو كيلو متر في الارض المبنية في رفح، في حركة سريعة. ومشط المسجد الملاصق للنفق واستخدام ملاصق لحماس واستخدمت النار لمنع اخراج الضابط الاسير من المنطقة.
يسمح نظام هنيبال باتخاذ سلسلة من الوسائل لاحباط الاختطاف. كما أنه يسمح بتعريض حياة المخطوف للخطر لمنع الاختطاف، ولكن هذه مخاطرة محسوبة. وأوضح ضباط كبار في هيئة الاركان هذا الاسبوع بان النظام لا يسمح بالقتل المتعمد للمخطوف بهدف منع الاختطاف. ولكن يوجد فارق بين النظام المكتوب والعقيدة الشفوية كما يفهمها بعض من القيادات في المستويات الصغرى والجنود. في نظر بعضهم، فان قتل المخطوف أفضل من نجاح الاختطاف.
الهدف الاول لاستخدام النظام هو عزل المنطقة التي وقع فيها الاختطاف ومنع خروج الخاطفين منها. وفي هذا الاطار تستخدم نار مكثفة. غير انه في معظم المناطق في القطاع قاتل الجيش الاسرائيلي بعد أن دعا السكان الفلسطينيين الى مغادرة الاحياء. معظمهم استجابوا – والمعارك دارت مع خلايا حماس التي كمنت في أماكن اختباء، دون تواجد مدنيين تقريبا.
أما في رفح فحصل شيء آخر: فقد تقدمت القوات الى المنطقة التي لم يتم منها اخلاء المدنيين وعندها استخدمت نار ثقيلة لعزل المكان. كما أنها اضطرت الى مساعدة جوية كثيفة اكثر من المعتاد، لانها عملت في منطقة مهددة لم تمشط مسبقا وتصدت لعدو انتشر في مسافات قصيرة. وعلق المدنيون في الوسط بينهما. ويبدو أن هذا هو احد الاسباب لمعدل المصابين العالي – بين 130 – 150 قتيلا فلسطينيا ومئات الجرحى، حسب مصادر في رفح. والان ايضا، ليس واضحا كم من القتلى والجرحى كانوا نشطاء من حماس.
في اطار النار استخدمت طائرات كثيرة من سلاح الجو، نار مدفعية وقذائف دبابات. الهجمات الجوية واستخدام الجرافت دمرت عشرات المنازل في المنطقة. وبلغت مصادر فلسطينية بان كل سيارة خرجت من المنطقة تعرضت للهجوم وانه قصفت ايضا سيارات اقتربت من المستشفى في المدينة. ومع ذلك، فان الطواقم التلفزيونية التي كانت في المستشقى نفت تقريرا آخر وكأن اسرائيل أطلقت النار على سيارات الاسعاف والطواقم الطبية في المكان.
في الجيش الاسرائيلي اعترفوا بانه ستكون حاجة الى التحقيق التفصيلي للاحداث في رفح، في الساعات الطويلة ما بعد الاختطاف. يخيل أن جذر الامر – الذي أدى على ما يبدو الى الاستخدام المتطرف لـ «هنيبال» والاصابة الشديدة للمدنيين – هو في الموقف الذي تبلور في اسرائيل في العقد الاخير من قضايا اختطاف الجنود. فعلى خلفية الهزة الجماهيرية الشديدة بعد اختطاف الجنود وفي ضوء صفقات الاسرى الكثيرة التي تحرر فيها مئات المخربين، في ظل تنازلات كبيرة – مخطوفي هار دوف، جنديي الاحتياط غولدفاسر وريغف وبالاساس قضية جلعاد شاليط – نشأ احساس ان اختطاف جندي اخطر من قتل جندي وانه يجب منع الاختطاف بكل ثمن تقريبا. في الحروب السابقة، كان السقوط في الاسر جزءاً من ثمن الحرب، في ظل العلم انه في موعد لاحق يجري تبادل للاسرى. ولكن في المواجهات مع حماس وحزب الله، فان التكتيكي (الاختطاف) يصبح استراتيجيا ويملي النهج الاكثر هجومية للجيش لاحباط الاختطاف.
حتى ساعات ما بعد الظهر من يوم الجمعة استمرت العملية في رفح، دون أن تؤدي الى العثور على الملازم غولدن. في هذه الاثناء، نقل بلاغ الى عائلته بان ابنها اختطف وحالته غير واضحة. واستمرت الدراسا الى داخل السبت. حتى ساعات ما بعد الظهر المتقدمة في السبت توصل الجيش الاسرائيلي الى الاستنتاج، استنادا الى العناصر التي جمعت في النفق، وان غولدن قتل في الحادثة. وبعد التشاور مع اطباء، حاخامين وخبراء في التشخيص الجنائي، قرر الحاخام العسكري الرئيس العميد رافي بيرتس الاعلان عن الضابط من جفعاتي كشهيد.
عائلة غولدن تحافظ على السبت. وفور خروج السبت، نزل كل ابناء العائلة من تحت بيتهم في كفار سابا للحديث مع الصحفيين. وقد بثت الاقوال بالبث الحي والمباشر في كل شبكات التلفزيون. الابوان والاخوان قالوا انهم مقتنعون بان غولدن على قيد الحياة وانه محظور على الجيش الاسرائيلي الخروج من القطاع قبل العثور على ابنهم وتخليصه من هناك. وذكروا مساهمتهم للجيش وللمجتمع الاسرائيلي وطالبوا بانقاذ ابنهم باسم قيم الجيش.
واضيف الى الامر بغير قصد معنى سياسي. في تلك الساعات ترددوا في القيادة السياسية والعسكرية العليا اذا كانوا سيستكملون الانسحاب من القطاع والخروج منه حتى دون الملازم غولدن. ولكن في الوقت الذي عرف فيه الجيش بانه قتيل، لم يعرف ابناء العائلة هذه المعلومات بكاملها وخرجوا من نقطة انطلاق ان ابنهم على قيد الحياة. وأصبحت المأساة الشخصية للعائلة جزءا من الجدال السياسي. فقد أصدر الوزير اوري ارئيل بيانا يدعو الى نقل النقاش عن استمرار العملية الى الحكومة بدلا من المجلس الوزاري ووقف خروج القوات.
بسبب تصريحات العائلة، اضطر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الى تأجيل المؤتمر الصحفي الذي خطط له لنصف ساعة. وعندما خرج أخيرا الى وسائل الاعلام أعرب عن تفهمه لالم العائلة ولكنه شرح ايضا بان «حياة كل جندي وجندي عزيزة عليه». وقد فهم الامر كتلميح بان في نيته الانسحاب من القطاع رغم احتجاج العائلة.
من ساعد في تهدئة الخواطر كان وزير الدفاع موشيه بوغي يعلون الذي هو قريب من عائلة الاب سمحا غولدن، وعرف هدار منذ ولد. في منتهى السبت، بعد منتصف الليل، جاء يعلون الى منزل العائلة مع الحاخام الرئيس ووفد من كبار الضابط وعرض على الابوبة والاخوة كل الادلة التي جمعت في رفح. وفي ختام الحديث اخذت العائلة بموقف الجيش واعلن عن غولدن شهيدا. في يوم الاحد بعد الظهر شيع الى مثواه الاخير في المقبرة العسكرية في كفار سابا. بعد اقل من يومين أنهت قوات الجيش انسحابها من القطاع.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــ
بين غزة والقاهرة
بقلم:ناحوم برنياع،عن يديعوت
في يوم ما سينظر الاسرائيليون في الاسابيع الثمانية التي مرت عليهم بين 12 حزيران، ليلة اختطاف الفتيان الثلاثة و4 آب ليلة وقف اطلاق النار ويسألون: ماذا حدث لنا، وكيف تحولنا من الاكتئاب الى النشوة ومن النشوة الى الاكتئاب، وكيف زُعزعت حكومتنا. وستقلقهم الصور القاسية؛ وتحرجهم الصور البطولية وتتسلل حمرة خجل خفيفة الى خدودهم، وبعد ذلك يغفرون لأنفسهم: فهم يعرفون أن يغفروا لأنفسهم.
هذا الاسبوع هو اسبوع النشوة. فالجميع يريدون الاصلاح: المواطنون الذين علقوا شهرين في بيوتهم، والوزراء الذين أجروا مباحثات لا نهاية لها في المجلس الوزاري المصغر ليتبين لهم فقط أن تأثيرهم فيما يحدث على الارض صفر، والجيش الذي تم إذلاله في الصراع على الميزانية، واليسار الذي انطوى على نفسه، واليمين الذي أراد أن يرى أعلاما بيضاء على أسطح غزة واضطر الى أن يكتفي ببيوت مدمرة.
قال يغئال ألون ذات مرة – ولست أذكر كلماته الدقيقة – إن اسرائيل تنتصر في الحروب وتخسر في التسويات التي تُقرر بعدها. وقد تغير الكثير منذ ذلك الحين فلم تعد الحروب حروبا، ولم تعد الانتصارات انتصارات؛ لكن التسويات في اليوم التالي هي التسويات نفسها.
وصل وفد مشترك من كبار قادة السلطة الفلسطينية وكبار قادة حماس هذا الاسبوع الى القاهرة، نصفه من رام الله ونصفه من قطر. وقدم الوفد مطالبه الى جنرالات الاستخبارات المصرية. وكانت قائمة المطالب واحدة لكن قامت من ورائها مصالح مختلفة: فحماس محتاجة الى انجاز يسوغ الثمن الذي دفعه المواطنون في غزة؛ وأرادت السلطة أن تثبت مكانتها بصفتها الممثلة الوحيدة للمصلحة الفلسطينية؛ وأراد المصريون أن يبرهنوا لعدوهم الحقيقي – الاخوان المسلمين وفرعهم الغزي – من هو رب البيت. وراقب اربعة اسرائيليين كبار – رئيس شعبة التخطيط نمرود شيفر، ومنسق العمليات في المناطق بولي مردخاي، ورئيس «الشباك» يورام كوهين ورئيس القسم السياسي الامني في وزارة الدفاع عاموس جلعاد – راقبوا المحادثات متنحين جانبا. وتنقل بين المعسكرات مثل فراشة تطير من زهرة الى زهرة، مبعوث الامم المتحدة روبرت سيري.
لم يكن الغزيون هناك – لا قرب الطاولة ولا في القلوب. فالمصريون يرفضون الحديث الى رجال حماس. وهم يتحدثون فقط مع عزام الاحمد، رئيس الوفد، وهو من رجال فتح من الجيل الثاني. ويتحدث الاسرائيليون الى المصريين والى رجال السلطة لكنهم ممنوعون من الحديث الى ممثلي حماس. وقد تمت أمس مباحثات محمومة في جهاز الامن في محاولة لاعطاء المتباحثين في القاهرة اسبابا تقنع حماس بألا تجدد اطلاق النار اليوم في الساعة الثامنة صباحا، ويدركون في اسرائيل ايضا أن حماس يجب أن تحرز انجازا على هيئة رفع محدود للحصار عن غزة. وقد كسبت حماس ذلك بفضل دماء الغزيين وبيوتهم.
على حسب الارقام الاخيرة من غزة التي نشرتها وكالة اوروبية لحقوق الانسان، يوجد بين 1875 قتيلا فلسطينيا 426 ولدا و255 امرأة. ولا يعني ذلك أن كل الآخرين من رجال حماس، فهم يمكن أن يكونوا عاملين في الامم المتحدة وصحفيين وفلاحين ومارة أبرياء ايضا. وبين 9563 جريحا يوجد 2877 ولدا و1927 امرأة. وإن عشرات آلاف البيوت في قطاع غزة تحتاج بحسب التقدير الى أن تبنى مجددا.
يوجد إجماع
قبل اسبوعين اقترحت تسيبي لفني على نتنياهو أن يبدأ فورا بعد احراز الهدنة اجراءا دوليا مبادرا اليه، وأن يعتمد الاجراء على اربع أرجل يوجد عليها كلها الآن إجماع عالمي: الاولى المعارضة العامة لحماس حتى في دول المنطقة؛ والثانية نزع سلاح القطاع؛ والثالثة اعادة السلطة الفلسطينية لتحكم غزة؛ والرابعة تجديد التفاوض بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية.
وقالت لفني إن مصر الفريق السيسي يفرحها الانضمام الى هذا الاجراء، فهو يلائم برنامج عملها. وتفرح بذلك ايضا المنظمات الدولية. وقد اصبحت الامم المتحدة صاغت خطة للرقابة على دخول مواد البناء الى غزة في المستقبل: فالسلطة الفلسطينية يفترض أن تراقب، ويراقب جهاز من الامم المتحدة المراقبين. وقد لا يكون نزع سلاح حماس عمليا الآن لكن المأمول في المستقبل متفق عليه وهو أن توجد سلطة واحدة وقانون واحد وبلا سلاح. ومن المتفق عليه ايضا أن تدخل قوات السلطة الى القطاع على طول الحدود مع مصر أولا والى المنطقة كلها بالتدريج.
إن احدى المزايا التي تنطوي عليها الخطة تتعلق بالوضع السياسي والقانوني الصعب الذي دُفعت اليه اسرائيل على إثر العملية. فقد اثبتت تجربة الماضي أن العملية السياسية تذيب النقد وتصد اجراءات في محاكم في العالم. وهي تغطي الدولة ومندوبيها بغطاء حصانة دقيق.
واقترحت لفني أن تطرح اسرائيل خطتها في مجلس الامن وفي مباحثات الرباعية. ولم يقل نتنياهو لا نعم ولا لا، بل نقل الخطة الى محاميه اسحق مولخو ولم يُعرف لها أثر منذ ذلك الحين.
يدرك نتنياهو مزايا الخطة، وهو يدرك ايضا عيوبها، فهي ستكلفه ثمنا سياسيا داخليا لأن اليمين في حزبه الذي لم يكد يسلم بنتائج العملية المحدودة سينقض عليه اذا بدأ يراود أبو مازن.
ما تراه لفني فرصة يراه آخرون مشكلة. وقد تركت العملية كل اللاعبين مُجرحين: فنتنياهو مدين بتفسيرات لاولئك الذين صدقوا خطبه منذ فترة المعارضة التي وعدت بأن يفني كل ذكر لحماس؛ وقوي أبو مازن في العالم وربما في نظر الاسرائيليين ايضا لكنه يعتبر خائنا في الضفة وغزة. وضاءلت العملية فقط مجال مهادنتهما.
إن وزير الخارجية الامريكي جون كيري يفرحه أن تُجدد مبادرته على إثر العملية. وقد زادته الاهانات التي نالها من اسرائيل والسلطة الفلسطينية ومصر حافزا فقط.
لكنه لا يوجد الآن من يُتحدث عليه وما يُتحدث فيه. وحينما جددت الاتصالات لوقف اطلاق النار في نهاية الاسبوع الماضي، فرض صحفيون في واشنطن أن كيري فعل ذلك مرة اخرى لكنهم اخطأوا لأن كيري تخلى عن ذلك، فقد أدرك أن نشاطه الزائد لا يساعد على الدفع بالهدنة قدما، بل يُحدث بالعكس توقعات تطيل أمد القتال. ويكون أكثر شيء ايجابيا يستطيع أن يفعله وزير خارجية امريكي احيانا هو ألا يفعل شيئا.
إعتاد توماس فريدمان، صاحب العمود الصحفي في صحيفة «نيويورك تايمز» أن يقول إنه يوجد في الشرق الاوسط اليوم التالي واليوم الذي يلي اليوم التالي، واليوم التالي تغطيه سحابة من الغبار: ما يحدث تحتها لا يقدم ولا يؤخر. وهي تحدد صورة اليوم التالي. وحرب لبنان الثانية في 2006 مثال جيد على ذلك، فحينما انتهت اعتبرت اخفاقا اسرائيليا فظيعا لا يُغتفر. وهي تُرى اليوم بعد ثماني سنوات هدوءا نموذجيا يحتذى به.
على حسب هذا التحليل سيُحسم سؤال ما الذي أورثته العملية وماذا أُحرز وماذا ضُيع بعد أشهر أو بعد سنوات فقط. وهذا ما يعتقده أيضا وزراء في حكومة اسرائيل وجنرالات في الجيش الاسرائيلي. إن متحدث الجيش الاسرائيلي العميد موتي ألموز هو ابن عائلة فلاحين في القرية الزراعية المجدل. وهو يقوم على زراعة الزيتون. وقد عرض المثال التالي على جنرال صعب عليه أن يُبين انجازات العملية فقال له: تأتي الى المعصرة ببرميلي زيتون سوري. فتفرغهما في الداخل فترى مهروسا مُرا غير صالح للاكل، وجفتا وماءا. ويمر شهران تُفصل فيهما المواد بعضها عن بعض فتحصل على زيت زيتون صافٍ.
إن الغريزة الاساسية بعد شهرين مرهقين كهذين هي الخروج لاستراحة. وليس للقيادة الوطنية هذا الامتياز، فاذا لم تفعل الحكومة شيئا فسيبدو اليوم الذي يلي اليوم التالي كاليوم الذي كان قبله بالضبط: مهددا ومقلقا وقاتلا.
مجلس البوريكس الوزاري المصغر
كان من الصحيح الى أول أمس أن جنود حماس وقادتهم ورؤساء الذراع السياسية للمنظمة لم يخرجوا من الملاجيء تحت الارض التي بنوها لأنفسهم في غزة، فهم لم يشعروا بالأمن. ويعيش بعضهم مثل محمد ضيف مثلا على هذا النحو سنين في العمل السري. وقد ظلوا أحياءا لكن بيوتهم دمرها القصف. ويسمي الجيش الاسرائيلي بيوت قادة حماس – شقق قيادة، وهذا اسم مؤثر لكن الحديث آخر الامر عن بيوت يسكنها عدد من العائلات مشاركة وغير مشاركة في الحرب.
إن بيوت القادة هي جزء من الـ 5379 المنشأة الامنية التي قصفت في اثناء العملية. وبينها مخارط ومخازن اسلحة ومناطق اطلاق صواريخ وقواعد عسكرية ومقرات قيادة ومكاتب. وبحسب المصطلح الاستخباري يوجد هنا عدد ضخم من الاهداف، وهو عدد مكّن الجيش الاسرائيلي من الاستمرار على ادارة القتال دون أن يشذ عن الاهداف التي حددت له. وتدل صور جوية على دمار تام مقداره مخيف لكنه انتقائي مع ذلك. فقد زودت الاستخبارات القوات بعناوين دقيقة.
رأيت القليل من منتوجات الاستخبارات حينما انضممت الى قوات المظليين في خانيونس. وقد تمتعت القوات بمقادير من المعلومات لو كانت عند سلاح من جيل آخر أو من قرن آخر لما استطاع أن يتصورها. وعرفت ما الذي يفترض أن يكون في كل بيت مريب بأدق التفاصيل. وعرفت عن كل بئر عمل وكل نفق. ونشك في أن تكون قوة عسكرية ما حتى القوات الامريكية في العراق وافغانستان قد خرجت في عملية مزودة بمعلومات واسعة بهذا القدر عن ميدان القتال – ودقيقة جدا (حينما كان رئيس «أمان» أفيف كوخافي قائد لواء المظليين احتل قصبة نابلس مجددا وأراد جنرال امريكي زار البلاد أن يعلم كيف فعل ذلك ففصل كوخافي سير المعركة وصمت الجنرال، وسأله كوخافي لو كنتم أنتم فماذا كنتم تفعلون، فأجاب الجنرال كنا قبل شيء سنسوي المنطقة كلها بالارض).
إلتقى أول أمس قادة الالوية الذين قاتلوا في غزة، مع رئيس هيئة الاركان. وكان الثناء الذي أغدقوه على الاستخبارات مبالغا فيه. فقد تحدثوا عن «حفل» استخبارات وعن «إغراق بالمعلومات».
إنحصر الاختلاف في الاستخبارات في صعيد آخر، في عمله مُقدرا وطنيا. ويسأل وزراء واعضاء في المجلس الوزاري المصغر: لماذا لم توقفونا على خطر تهديد الانفاق. ولماذا كنتم تقدرون كل يوم أن حماس تريد الهدنة في حين استمرت حماس على اطلاق الصواريخ في واقع الامر.
إن جواب الدعوى الاولى بسيط وهو أن تهديد الانفاق عرض على الوزراء مرة بعد اخرى خطيا وشفهيا، وعرض على الجمهور ايضا بمحاضرات ألقيت في معهد بحوث أمنية في تل ابيب وفي مؤتمر هرتسليا.
إن وزراء المجلس الوزاري المصغر يشبهون اعضاء مجلس مديرين: فهم يجلسون في جلسات تستمر ساعات، ويشاهدون ألواح عرض، ويتبادلون بينهم رسائل نصية ولا يتذكرون أي شيء. وقد سمعوا بالتهديد الايراني وبتهديد القذائف الصاروخية من لبنان، وبتهديد منظمات ارهاب متطرفة مثل داعش وجبهة النصرة وغيرهما، وأنهوا ذلك بتناول البوريكس. ولو طُلب اليهم أن يقلصوا من ميزانياتهم من اجل الانفاق فلربما استيقظوا، لكن لا أحد طلب منهم ذلك.
يأتي الفهم فقط حينما تثبت واقعة تقع على الارض للوزراء عظم التهديد. أما في حالة داعش فكان احتلال مدينة الموصل؛ وأما في حالة الانفاق فكان خروج 13 مخربا من حماس من نفق قرب كيبوتس صوفا. ويصرخ الوزراء: لماذا لم تقولوا لنا ولماذا أخفيتم ذلك علينا. وهم يمضون مع ذلك الصراخ الى الصحافة. اذا كانت توجد دعوى، ولست على يقين من وجودها، فالعنوان الصحيح هو رئيس الوزراء ووزير الدفاع لأنهما علما. وقد انشأ نتنياهو لذلك الشأن ما يسمى «فريق عميدرور»، وأجرى نقاشات واهتم. ونتج القليل جدا عن ذلك. وكان عند الجيش الاسرائيلي قبيل العملية معلومة استخبارية عن نية الهجوم من الانفاق جنوب القطاع. وأدخل اللواء الجنوبي من فرقة غزة سرية الى كل كيبوتس، وعزز الاستخبارات، وغير قواعد السلوك في المحور الحدودي ووضع وحدات دبابات في منطقة العمليات. وبفضل يقظة الاستخبارات لم تقع كارثة لا في كيرم شالوم ولا في صوفا. لكن المشكلة كلها لم تُعالج الى أن كان الدخول البري.
والدعوى الثانية على التقديرات الاستخبارية اكثر تعقيدا. اجتمعت عند «أمان» في اثناء العملية مواد يوثق بها أشارت الى ازمة في حماس غزة وفي حماس قطر ايضا. فقد تمنى قادة كبار من المنظمة الهدنة. وقدر اشخاص آخرون في الجيش الاسرائيلي غير ذلك وهو أن حماس مستعدة لهدنة اذا قُبلت شروطها فقط.
وقدروا في «أمان» أن ما يجعل حماس تستمر على اطلاق الصواريخ هو عدم وجود جهاز مناسب لصوغ الهدنة. فمصر السيسي عرضت عليهم شروطا قاسية مُذلة فرفضوا (تعتقد الادارة المصرية في حماس ما تعتقده اسرائيل أو اسوأ من ذلك. والمفارقة الساخرة هي أن حكومة اسرائيل التي ارادت هدنة احتاجت في ذلك الوقت الى مصري مثل مرسي مؤيد لحماس لا لمصري يكره حماس مثل السيسي.)
وقدّر آخرون أن الجهاز نصف المشكلة فقط، فحماس لها مطالب وستستمر على اطلاق الصواريخ الى أن تستجاب.
وقدّرت «أمان» أن محمد ضيف، الرجل البارز في الذراع العسكرية هو في آخر المطاف جندي يطيع الذراع السياسية. فاذا أُمر بوقف اطلاق النار فسيوقف اطلاق النار. ولم يمر هذا التقدير ايضا دون اختلاف. ففي نهاية المطاف أوفى ضيف بما وعد به في خطبته المسجلة، فقد أوقفت حماس اطلاق الصواريخ حينما غادر آخر جندي اسرائيل أرض غزة.
أصبنا أكثر مما ينبغي
دفعت اسرائيل أثمانا عن العملية أولها الثمن من المقاتلين والمدنيين؛ والثاني من المال: فقد كلفت العملية الجيش الاسرائيلي بضعة مليارات وكلفت الجهاز الاقتصادي أكثر من ذلك؛ والثالث التوتر الداخلي، فقد جعلت الاحداث اليهود والعرب يواجه بعضهم بعضا، وفتحت جرحا لن يكون شفاؤه سريعا؛ والرابع من قوى النفس: فقد استنفد المجتمع الاسرائيلي في هذين الشهرين الكثير من الخوف والكثير من الحب للجيش الاسرائيلي والدولة والناس والاماكن التي كانت في مواجهة اطلاق النار.وكان هناك ثمن متوقع من مكانة اسرائيل في اوروبا. فقد فعلت الصور الفظيعة من غزة فعلها وشعر اليهود في بعض الدول بكراهية الشارع على جلودهم، لكن الشيء الذي يجب أن يخيف بقدر لا يقل عن ذلك هو الجمود الذي نشأ في النظرة الى اسرائيل. فقد قال وزير في دولة كبيرة: «انتهى أمركم في اوروبا وليس لكم أمل في أن تعيدوا بناء صورتكم».
يمكن أن نتناول ذلك بابتسامة. حسن، قال أحد الضباط بابتسامة مُرة. لن أسافر بعد الآن الى بلجيكا، وحينما كفت شركات الطيران الاجنبية عن الطيران الى مطار بن غوريون قال أحد الوزراء لرفاقه: «هل أنتم قلقون؟ مهما يكن فاننا لن نستطيع بعد هذه العملية أن نسافر الى خارج البلاد».
والحقيقة أن ذلك ليس مضحكا جدا. صحيح أن اوروبا مصابة بالنفاق؛ وصحيح أنه يوجد في النفاق هناك أسس معادية للسامية؛ لكن الرخص التي أعطاها الجيش الاسرائيلي لنفسه بعد الازمة التي دُفعت اليها قوة جولاني في الشجاعية بولغ فيها كثيرا، وبرغم أننا لم نرد أن نصيب المدنيين أصبنا الكثير جدا. ويجب أن يضايقنا ذلك بصفتنا بشرا وهو يضر بنا بصفتنا اسرائيليين.
والمواجهة مع الادارة الامريكية ايضا أمر جدي: فقد كف الامريكيون عن اخفائها، وحدث التحول بسبب أمر غامض جدا اساسه الضوء الاخضر الذي أعطاه نتنياهو لكيري كي يدفع قدما بهدنة بمساعدة قطر، وقد فكر نتنياهو في هدنة لكنه لم يفكر في الضرر المصاحب. ووضع وزير خارجية امريكي بين منظمة ارهابية وحليفة وبحث عن مصالحة بينهما. وبدل أن يضطر قطر أن تفرض ارادتها على خالد مشعل مكّن قطر من أن تفرض ارادة مشعل عليها.
لكن ردود الوزراء التي تسربت في اسرائيل كانت مهينة وشعر اوباما بالاهانة باسم كيري، وكانت تلك القشة التي قصمت ظهر اوباما بعد سلسلة اخطاء اخرى من قبل نتنياهو بعد أن دافع اوباما وادارته عن اسرائيل في الساحة الدولية بلا شك.
وبعد ذلك جاءت مهاتفة نتنياهو سفير الولايات المتحدة دان شبيرو، وقال نتنياهو فيها موبخا: «ينبغي ألا تشكوا مرة اخرى بسياسة اسرائيل نحو حماس». ورد عليه شبيرو بأدب.
كان ذلك في اليوم الذي هوجم فيه الفريق من جفعاتي في رفح. وظن نتنياهو في ذلك الوقت أن هدار غولدن اختطف وهو موجود عند حماس فخانته اعصابه وبحث عن شيء يصب غضبه عليه فوجد سفير الولايات المتحدة خاصة.
ولم يتأخر مجيء الرد، فقد جاء اعلان تنديد شديد جدا على إثر اصابة مدرسة لوكالة الغوث في رفح، وهو اعلان صيغ الى أسفل متجها الى أعلى. وأسهمت وزارة الدفاع الامريكية بوخزة من قبلها. وتابعت امريكا دعم اسرائيل لكنها فعلت ذلك وهي تحرق الأنياب. وأصبحت اسرائيل تُرى في واشنطن مثل ولد مدلل: ولد له أعداء حقيقيون لكن التدليل والغرور أضرا بتفكيره. وقد حان الوقت لتأديب الولد. إن الغضب على نتنياهو لكن الثمن ستدفعه اسرائيل.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــ
اسرائيل ستدفع ثمن الاضرار التي أصابت اسرائيل على إثر العملية في غزة ولا سيما العلاقة المتوترة بالادارة الامريكية
بقلم: ناحوم برنياع،عن يديعوت
في يوم ما سينظر الاسرائيليون في الاسابيع الثمانية التي مرت عليهم بين 12 حزيران، ليلة اختطاف الفتيان الثلاثة و4 آب ليلة وقف اطلاق النار ويسألون: ماذا حدث لنا، وكيف تحولنا من الاكتئاب الى النشوة ومن النشوة الى الاكتئاب، وكيف زُعزعت حكومتنا. وستقلقهم الصور القاسية؛ وتحرجهم الصور البطولية وتتسلل حمرة خجل خفيفة الى خدودهم، وبعد ذلك يغفرون لأنفسهم: فهم يعرفون أن يغفروا لأنفسهم.
هذا الاسبوع هو اسبوع النشوة. فالجميع يريدون الاصلاح: المواطنون الذين علقوا شهرين في بيوتهم، والوزراء الذين أجروا مباحثات لا نهاية لها في المجلس الوزاري المصغر ليتبين لهم فقط أن تأثيرهم فيما يحدث على الارض صفر، والجيش الذي تم إذلاله في الصراع على الميزانية، واليسار الذي انطوى على نفسه، واليمين الذي أراد أن يرى أعلاما بيضاء على أسطح غزة واضطر الى أن يكتفي ببيوت مدمرة.
قال يغئال ألون ذات مرة – ولست أذكر كلماته الدقيقة – إن اسرائيل تنتصر في الحروب وتخسر في التسويات التي تُقرر بعدها. وقد تغير الكثير منذ ذلك الحين فلم تعد الحروب حروبا، ولم تعد الانتصارات انتصارات؛ لكن التسويات في اليوم التالي هي التسويات نفسها.
وصل وفد مشترك من كبار قادة السلطة الفلسطينية وكبار قادة حماس هذا الاسبوع الى القاهرة، نصفه من رام الله ونصفه من قطر. وقدم الوفد مطالبه الى جنرالات الاستخبارات المصرية. وكانت قائمة المطالب واحدة لكن قامت من ورائها مصالح مختلفة: فحماس محتاجة الى انجاز يسوغ الثمن الذي دفعه المواطنون في غزة؛ وأرادت السلطة أن تثبت مكانتها بصفتها الممثلة الوحيدة للمصلحة الفلسطينية؛ وأراد المصريون أن يبرهنوا لعدوهم الحقيقي – الاخوان المسلمين وفرعهم الغزي – من هو رب البيت. وراقب اربعة اسرائيليين كبار – رئيس شعبة التخطيط نمرود شيفر، ومنسق العمليات في المناطق بولي مردخاي، ورئيس “الشباك” يورام كوهين ورئيس القسم السياسي الامني في وزارة الدفاع عاموس جلعاد – راقبوا المحادثات متنحين جانبا. وتنقل بين المعسكرات مثل فراشة تطير من زهرة الى زهرة، مبعوث الامم المتحدة روبرت سيري.
لم يكن الغزيون هناك – لا قرب الطاولة ولا في القلوب. فالمصريون يرفضون الحديث الى رجال حماس. وهم يتحدثون فقط مع عزام الاحمد، رئيس الوفد، وهو من رجال فتح من الجيل الثاني. ويتحدث الاسرائيليون الى المصريين والى رجال السلطة لكنهم ممنوعون من الحديث الى ممثلي حماس. وقد تمت أمس مباحثات محمومة في جهاز الامن في محاولة لاعطاء المتباحثين في القاهرة اسبابا تقنع حماس بألا تجدد اطلاق النار اليوم في الساعة الثامنة صباحا، ويدركون في اسرائيل ايضا أن حماس يجب أن تحرز انجازا على هيئة رفع محدود للحصار عن غزة. وقد كسبت حماس ذلك بفضل دماء الغزيين وبيوتهم.
على حسب الارقام الاخيرة من غزة التي نشرتها وكالة اوروبية لحقوق الانسان، يوجد بين 1875 قتيلا فلسطينيا 426 ولدا و255 امرأة. ولا يعني ذلك أن كل الآخرين من رجال حماس، فهم يمكن أن يكونوا عاملين في الامم المتحدة وصحفيين وفلاحين ومارة أبرياء ايضا. وبين 9563 جريحا يوجد 2877 ولدا و1927 امرأة. وإن عشرات آلاف البيوت في قطاع غزة تحتاج بحسب التقدير الى أن تبنى مجددا.
يوجد إجماع
قبل اسبوعين اقترحت تسيبي لفني على نتنياهو أن يبدأ فورا بعد احراز الهدنة اجراءا دوليا مبادرا اليه، وأن يعتمد الاجراء على اربع أرجل يوجد عليها كلها الآن إجماع عالمي: الاولى المعارضة العامة لحماس حتى في دول المنطقة؛ والثانية نزع سلاح القطاع؛ والثالثة اعادة السلطة الفلسطينية لتحكم غزة؛ والرابعة تجديد التفاوض بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية.
وقالت لفني إن مصر الفريق السيسي يفرحها الانضمام الى هذا الاجراء، فهو يلائم برنامج عملها. وتفرح بذلك ايضا المنظمات الدولية. وقد اصبحت الامم المتحدة صاغت خطة للرقابة على دخول مواد البناء الى غزة في المستقبل: فالسلطة الفلسطينية يفترض أن تراقب، ويراقب جهاز من الامم المتحدة المراقبين. وقد لا يكون نزع سلاح حماس عمليا الآن لكن المأمول في المستقبل متفق عليه وهو أن توجد سلطة واحدة وقانون واحد وبلا سلاح. ومن المتفق عليه ايضا أن تدخل قوات السلطة الى القطاع على طول الحدود مع مصر أولا والى المنطقة كلها بالتدريج.
إن احدى المزايا التي تنطوي عليها الخطة تتعلق بالوضع السياسي والقانوني الصعب الذي دُفعت اليه اسرائيل على إثر العملية. فقد اثبتت تجربة الماضي أن العملية السياسية تذيب النقد وتصد اجراءات في محاكم في العالم. وهي تغطي الدولة ومندوبيها بغطاء حصانة دقيق.
واقترحت لفني أن تطرح اسرائيل خطتها في مجلس الامن وفي مباحثات الرباعية. ولم يقل نتنياهو لا نعم ولا لا، بل نقل الخطة الى محاميه اسحق مولخو ولم يُعرف لها أثر منذ ذلك الحين.
يدرك نتنياهو مزايا الخطة، وهو يدرك ايضا عيوبها، فهي ستكلفه ثمنا سياسيا داخليا لأن اليمين في حزبه الذي لم يكد يسلم بنتائج العملية المحدودة سينقض عليه اذا بدأ يراود أبو مازن.
ما تراه لفني فرصة يراه آخرون مشكلة. وقد تركت العملية كل اللاعبين مُجرحين: فنتنياهو مدين بتفسيرات لاولئك الذين صدقوا خطبه منذ فترة المعارضة التي وعدت بأن يفني كل ذكر لحماس؛ وقوي أبو مازن في العالم وربما في نظر الاسرائيليين ايضا لكنه يعتبر خائنا في الضفة وغزة. وضاءلت العملية فقط مجال مهادنتهما.
إن وزير الخارجية الامريكي جون كيري يفرحه أن تُجدد مبادرته على إثر العملية. وقد زادته الاهانات التي نالها من اسرائيل والسلطة الفلسطينية ومصر حافزا فقط.
لكنه لا يوجد الآن من يُتحدث عليه وما يُتحدث فيه. وحينما جددت الاتصالات لوقف اطلاق النار في نهاية الاسبوع الماضي، فرض صحفيون في واشنطن أن كيري فعل ذلك مرة اخرى لكنهم اخطأوا لأن كيري تخلى عن ذلك، فقد أدرك أن نشاطه الزائد لا يساعد على الدفع بالهدنة قدما، بل يُحدث بالعكس توقعات تطيل أمد القتال. ويكون أكثر شيء ايجابيا يستطيع أن يفعله وزير خارجية امريكي احيانا هو ألا يفعل شيئا.
إعتاد توماس فريدمان، صاحب العمود الصحفي في صحيفة “نيويورك تايمز″ أن يقول إنه يوجد في الشرق الاوسط اليوم التالي واليوم الذي يلي اليوم التالي، واليوم التالي تغطيه سحابة من الغبار: ما يحدث تحتها لا يقدم ولا يؤخر. وهي تحدد صورة اليوم التالي. وحرب لبنان الثانية في 2006 مثال جيد على ذلك، فحينما انتهت اعتبرت اخفاقا اسرائيليا فظيعا لا يُغتفر. وهي تُرى اليوم بعد ثماني سنوات هدوء نموذجا يحتذى به.
على حسب هذا التحليل سيُحسم سؤال ما الذي أورثته العملية وماذا أُحرز وماذا ضُيع بعد أشهر أو بعد سنوات فقط. وهذا ما يعتقده أيضا وزراء في حكومة اسرائيل وجنرالات في الجيش الاسرائيلي. إن متحدث الجيش الاسرائيلي العميد موتي ألموز هو ابن عائلة فلاحين في القرية الزراعية المجدل. وهو يقوم على زراعة الزيتون. وقد عرض المثال التالي على جنرال صعب عليه أن يُبين انجازات العملية فقال له: تأتي الى المعصرة ببرميلي زيتون سوري. فتفرغهما في الداخل فترى مهروسا مُرا غير صالح للاكل، وجفتا وماءا. ويمر شهران تُفصل فيهما المواد بعضها عن بعض فتحصل على زيت زيتون صافٍ.
إن الغريزة الاساسية بعد شهرين مرهقين كهذين هي الخروج لاستراحة. وليس للقيادة الوطنية هذا الامتياز، فاذا لم تفعل الحكومة شيئا فسيبدو اليوم الذي يلي اليوم التالي كاليوم الذي كان قبل بالضبط: مهددا ومقلقا وقاتلا.
مجلس البوريكس الوزاري المصغر
كان من الصحيح الى أول أمس أن جنود حماس وقادتهم ورؤساء الذراع السياسية للمنظمة لم يخرجوا من الملاجيء تحت الارض التي بنوها لأنفسهم في غزة، فهم لم يشعروا بالأمن. ويعيش بعضهم مثل محمد ضيف مثلا على هذا النحو سنين في العمل السري. وقد ظلوا أحياءا لكن بيوتهم دمرها القصف. ويسمي الجيش الاسرائيلي بيوت قادة حماس – شقق قيادة، وهذا اسم مؤثر لكن الحديث آخر الامر عن بيوت يسكنها عدد من العائلات مشاركة وغير مشاركة في الحرب.
إن بيوت القادة هي جزء من الـ 5379 المنشأة الامنية التي قصفت في اثناء العملية. وبينها مخارط ومخازن اسلحة ومناطق اطلاق صواريخ وقواعد عسكرية ومقرات قيادة ومكاتب. وبحسب المصطلح الاستخباري يوجد هنا عدد ضخم من الاهداف، وهو عدد مكّن الجيش الاسرائيلي من الاستمرار على ادارة القتال دون أن يشذ عن الاهداف التي حددت له. وتدل صور جوية على دمار تام مقداره مخيف لكنه انتقائي مع ذلك. فقد زودت الاستخبارات القوات بعناوين دقيقة.
رأيت القليل من منتوجات الاستخبارات حينما انضممت الى قوات المظليين في خانيونس. وقد تمتعت القوات بمقادير من المعلومات لو كانت عند سلاح من جيل آخر أو من قرن آخر لما استطاع أن يتصورها. وعرفت ما الذي يفترض أن يكون في كل بيت مريب بأدق التفاصيل. وعرفت عن كل بئر عمل وكل نفق. ونشك في أن تكون قوة عسكرية ما حتى القوات الامريكية في العراق وافغانستان قد خرجت في عملية مزودة بمعلومات واسعة بهذا القدر عن ميدان القتال – ودقيقة جدا (حينما كان رئيس “أمان” أفيف كوخافي قائد لواء المظليين احتل قصبة نابلس مجددا وأراد جنرال امريكي زار البلاد أن يعلم كيف فعل ذلك ففصل كوخافي سير المعركة وصمت الجنرال، وسأله كوخافي لو كنتم أنتم فماذا كنتم تفعلون، فأجاب الجنرال كنا قبل شيء سنسوي المنطقة كلها بالارض).
إلتقى أول أمس قادة الالوية الذين قاتلوا في غزة، مع رئيس هيئة الاركان. وكان الثناء الذي أغدقوه على الاستخبارات مبالغا فيه. فقد تحدثوا عن “حفل” استخبارات وعن “إغراق بالمعلومات”.
إنحصر الاختلاف في الاستخبارات في صعيد آخر، في عمله مُقدرا وطنيا. ويسأل وزراء واعضاء في المجلس الوزاري المصغر: لماذا لم توقفونا على خطر تهديد الانفاق. ولماذا كنتم تقدرون كل يوم أن حماس تريد الهدنة في حين استمرت حماس على اطلاق الصواريخ في واقع الامر.
إن جواب الدعوى الاولى بسيط وهو أن تهديد الانفاق عرض على الوزراء مرة بعد اخرى خطيا وشفهيا، وعرض على الجمهور ايضا بمحاضرات ألقيت في معهد بحوث أمنية في تل ابيب وفي مؤتمر هرتسليا.
إن وزراء المجلس الوزاري المصغر يشبهون اعضاء مجلس مديرين: فهم يجلسون في جلسات تستمر ساعات، ويشاهدون ألواح عرض، ويتبادلون بينهم رسائل نصية ولا يتذكرون أي شيء. وقد سمعوا بالتهديد الايراني وبتهديد القذائف الصاروخية من لبنان، وبتهديد منظمات ارهاب متطرفة مثل داعش وجبهة النصرة وغيرهما، وأنهوا ذلك بتناول البوريكس. ولو طُلب اليهم أن يقلصوا من ميزانياتهم من اجل الانفاق فلربما استيقظوا، لكن لا أحد طلب منهم ذلك.
يأتي الفهم فقط حينما تثبت واقعة تقع على الارض للوزراء عظم التهديد. أما في حالة داعش فكان احتلال مدينة الموصل؛ وأما في حالة الانفاق فكان خروج 13 مخربا من حماس من نفق قرب كيبوتس صوفا. ويصرخ الوزراء: لماذا لم تقولوا لنا ولماذا أخفيتم ذلك علينا. وهم يمضون مع ذلك الصراخ الى الصحافة. اذا كانت توجد دعوى، ولست على يقين من وجودها، فالعنوان الصحيح هو رئيس الوزراء ووزير الدفاع لأنهما علما. وقد انشأ نتنياهو لذلك الشأن ما يسمى “فريق عميدرور”، وأجرى نقاشات واهتم. ونتج القليل جدا عن ذلك. وكان عند الجيش الاسرائيلي قبيل العملية معلومة استخبارية عن نية الهجوم من الانفاق جنوب القطاع. وأدخل اللواء الجنوبي من فرقة غزة سرية الى كل كيبوتس، وعزز الاستخبارات، وغير قواعد السلوك في المحور الحدودي ووضع وحدات دبابات في منطقة العمليات. وبفضل يقظة الاستخبارات لم تقع كارثة لا في كيرم شالوم ولا في صوفا. لكن المشكلة كلها لم تُعالج الى أن كان الدخول البري.
والدعوى الثانية على التقديرات الاستخبارية اكثر تعقيدا. اجتمعت عند “أمان” في اثناء العملية مواد يوثق بها أشارت الى ازمة في حماس غزة وفي حماس قطر ايضا. فقد تمنى قادة كبار من المنظمة الهدنة. وقدر اشخاص آخرون في الجيش الاسرائيلي غير ذلك وهو أن حماس مستعدة لهدنة اذا قُبلت شروطها فقط.
وقدروا في “أمان” أن ما يجعل حماس تستمر على اطلاق الصواريخ هو عدم وجود جهاز مناسب لصوغ الهدنة. فمصر السيسي عرضت عليهم شروطا قاسية مُذلة فرفضوا (تعتقد الادارة المصرية في حماس ما تعتقده اسرائيل أو اسوأ من ذلك. والمفارقة الساخرة هي أن حكومة اسرائيل التي ارادت هدنة احتاجت في ذلك الوقت الى مصري مثل مرسي مؤيد لحماس لا لمصري يكره حماس مثل السيسي).
وقدّر آخرون أن الجهاز نصف المشكلة فقط، فحماس لها مطالب وستستمر على اطلاق الصواريخ الى أن تستجاب.
وقدّرت “أمان” أن محمد ضيف، الرجل البارز في الذراع العسكرية هو في آخر المطاف جندي يطيع الذراع السياسية. فاذا أُمر بوقف اطلاق النار فسيوقف اطلاق النار. ولم يمر هذا التقدير ايضا دون اختلاف. ففي نهاية المطاف أوفى ضيف بما وعد به في خطبته المسجلة، فقد أوقفت حماس اطلاق الصواريخ حينما غادر آخر جندي اسرائيل أرض غزة.
أصبنا أكثر مما ينبغي
دفعت اسرائيل أثمانا عن العملية أولها الثمن من المقاتلين والمدنيين؛ والثاني من المال: فقد كلفت العملية الجيش الاسرائيلي بضعة مليارات وكلفت الجهاز الاقتصادي أكثر من ذلك؛ والثالث التوتر الداخلي، فقد جعلت الاحداث اليهود والعرب يواجه بعضهم بعضا، وفتحت جرحا لن يكون شفاؤه سريعا؛ والرابع من قوى النفس: فقد استنفد المجتمع الاسرائيلي في هذين الشهرين الكثير من الخوف والكثير من الحب للجيش الاسرائيلي والدولة والناس والاماكن التي كانت في مواجهة اطلاق النار.
وكان هناك ثمن متوقع من مكانة اسرائيل في اوروبا. فقد فعلت الصور الفظيعة من غزة فعلها وشعر اليهود في بعض الدول بكراهية الشارع على جلودهم، لكن الشيء الذي يجب أن يخيف بقدر لا يقل عن ذلك هو الجمود الذي نشأ في النظرة الى اسرائيل. فقد قال وزير في دولة كبيرة: “انتهى أمركم في اوروبا وليس لكم أمل في أن تعيدوا بناء صورتكم”.
يمكن أن نتناول ذلك بابتسامة. حسن، قال أحد الضباط بابتسامة مُرة. لن أسافر بعد الآن الى بلجيكا، وحينما كفت شركات الطيران الاجنبية عن الطيران الى مطار بن غوريون قال أحد الوزراء لرفاقه: “هل أنتم قلقون؟ مهما يكن فاننا لن نستطيع بعد هذه العملية أن نسافر الى خارج البلاد”.
والحقيقة أن ذلك ليس مضحكا جدا. صحيح أن اوروبا مصابة بالنفاق؛ وصحيح أنه يوجد في النفاق هناك أسس معادية للسامية؛ لكن الرخص التي أعطاها الجيش الاسرائيلي لنفسه بعد الازمة التي دُفعت اليها قوة جولاني في الشجاعية بولغ فيها كثيرا، وبرغم أننا لم نرد أن نصيب المدنيين أصبنا الكثير جدا. ويجب أن يضايقنا ذلك بصفتنا بشرا وهو يضر بنا بصفتنا اسرائيليين.
والمواجهة مع الادارة الامريكية ايضا أمر جدي: فقد كف الامريكيون عن اخفائها، وحدث التحول بسبب أمر غامض جدا اساسه الضوء الاخضر الذي أعطاه نتنياهو لكيري كي يدفع قدما بهدنة بمساعدة قطر، وقد فكر نتنياهو في هدنة لكنه لم يفكر في الضرر المصاحب. ووضع وزير خارجية امريكي بين منظمة ارهابية وحليفة وبحث عن مصالحة بينهما. وبدل أن يضطر قطر أن تفرض ارادتها على خالد مشعل مكّن قطر من أن تفرض ارادة مشعل عليها.
لكن ردود الوزراء التي تسربت في اسرائيل كانت مهينة وشعر اوباما بالاهانة باسم كيري، وكانت تلك القشة التي قصمت ظهر اوباما بعد سلسلة اخطاء اخرى من قبل نتنياهو بعد أن دافع اوباما وادارته عن اسرائيل في الساحة الدولية بلا شك.
وبعد ذلك جاءت مهاتفة نتنياهو سفير الولايات المتحدة دان شبيرو، وقال نتنياهو فيها موبخا: “ينبغي ألا تشكوا مرة اخرى بسياسة اسرائيل نحو حماس″. ورد عليه شبيرو بأدب.
كان ذلك في اليوم الذي هوجم فيه الفريق من جفعاتي في رفح. وظن نتنياهو في ذلك الوقت أن هدار غولدن اختطف وهو موجود عند حماس فخانته اعصابه وبحث عن شيء يصب غضبه عليه فوجد سفير الولايات المتحدة خاصة.
ولم يتأخر مجيء الرد، فقد جاء اعلان تنديد شديد جدا على إثر اصابة مدرسة لوكالة الغوث في رفح، وهو اعلان صيغ الى أسفل متجها الى أعلى. وأسهمت وزارة الدفاع الامريكية بوخزة من قبلها. وتابعت امريكا دعم اسرائيل لكنها فعلت ذلك وهي تحرق الأنياب. وأصبحت اسرائيل تُرى في واشنطن مثل ولد مدلل: ولد له أعداء حقيقيون لكن التدليل والغرور أضرا بتفكيره. وقد حان الوقت لتأديب الولد. إن الغضب على نتنياهو لكن الثمن ستدفعه اسرائيل.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ


رد مع اقتباس