النتائج 1 إلى 1 من 1

الموضوع: اقلام واراء عربي 283

العرض المتطور

  1. #1

    اقلام واراء عربي 283

    اقلام واراء عربي

    من قوّض حل الدولتين، نتانياهو أم أوباما؟
    بقلم: هنري سيغمان(رئيس مشروع اميركا ـ الشرق الاوسط وأستاذ زائر في كلية الدراسات الشرقية والأفريقية في جامعة لندن) عن الحياة اللندنية
    من دون شكّ، يُعتبر قرار الرئيس الأميركي باراك أوباما، المتعلّق بالاعتراض على إقدام الأمم المتحدة على منح دولة فلسطين صفة دولة مراقبة غير عضو، تأكيداً على عدم تغير الموقف الذي اتخذه قبل الانتخابات، ومفاده أنه «ما من خلاف أو تباين بين إسرائيل والولايات المتحدة»، وأنه مهما انتهك السلوك الإسرائيلي بشدة الأعراف الدولية والاتفاقيات القائمة، سيبقى دعم الولايات المتحدة لإسرائيل «صلباً كالصخر». وسارعت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون للتأكيد على استمرار سياسة السلام التي تنتهجها الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. وشدّدت على أن الإدارة ستواصل دعمها لإسرائيل رغم إدانتها قرارها المضي قدماً في عمليات بناء جديدة في منطقة مشروع البناء الاستيطاني «إي1» في الضفة الغربية، الأمر الذي يقوّض حلّ الدولتين.
    ويؤكد هذا القرار أن أميركا لم تعد تستطيع إيجاد حل ممكن للصراع الإسرائيلي الفلسطيني فحسب، بل لم يعد لديها أي تأثير على تحديد الصورة السياسية الناشئة في المنطقة، والتي يتم تحديد شكلها وتوجّهها بشكل متزايد من قبل الرأي العام العربي، وليس من قبل الحكومات التي تعتمد على الولايات المتحدة لضمان بقائها.
    ومن هذا المنطلق، سيعتبر العالم أن الجهود التي وعد بها الرئيس أوباما لاستئناف المحادثات بين إسرائيل وفلسطين مجرّد كلام لا فائدة منه. ولكي تؤخذ الولايات المتحدة على محمل الجدّ، يجب أن تنطلق اي مبادرة سلام جديدة من الإصرار على أن تقبل حكومة إسرائيل اعتبار حدود ما قبل العام ١٩٦٧ كنقطة انطلاق لاستأنف المفاوضات. ومن دون مثل هذا الطلب الأميركي، المدعوم بضغوط ديبلوماسية فعالة، لا يحق للولايات المتحدة أن تطلب من الفلسطينيين العودة إلى مفاوضات لا شروط واضحة لها، وبالتالي، لا أمل منها في تحقيق أي نتيجة سوى توفير غطاء لسلوك إسرائيل الاستعماري المستمر في الضفة الغربية.
    ولا يحق للإدارة الأميركية أن تلوم الفلسطينيين وتدعوهم للتحلي بالشجاعة السياسية للعودة إلى المفاوضات مع حكومة أثبتت بوضوح، مراراً وتكراراً، أن نيّتها هي الحؤول دون قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة. على الإدارة التي رضخت منذ السنة الثالثة في ولايتها الأولى لمطالب مجموعات الضغط الإسرائيلية، فلم تعد تصر على ضرورة إنهاء مشروع المستوطنات الإسرائيلية غير الشرعية، ثم تراجعت عن طلبها باستئناف المفاوضات وفقاً لشروط منطقية، أن تمارس التحفّظ قبل إعطاء عظات للآخرين ودعوتهم إلى التحلي بالشجاعة السياسية.
    ولم يكن قرار نتانياهو بمواصلة عملية بناء مستوطنات جديدة مكثّفة في منطقة القدس، وأماكن أخرى من الأراضي المحتلة، ما قوّض حلّ الدولتين، فقد كان واضحاً باستمرار أن هذا ما ينوي ان يفعله. أما ما يقوّض حلّ الدولتين فعلاً فهو قرار أوباما إعطاء نتانياهو حق الاعتراض على إنشاء الدولة الفلسطينية، وهذا ما فعله تحديداً عندما أصر وممثليه في الأمم المتحدة على أن الطريق الوحيد لقيام الدولة الفلسطينية هو إجراء محادثات مع الحكومة التي يقودها نتانياهو وليبرمان.
    وعلى الصعيدين الرسمي والسياسي، إن موقف الولايات المتحدة خاطئ جداً. فعلى الصعيد الرسمي، يعتبر حق تقرير المصير من قبل غالبية الشعب في الأراضي المستعمرة سابقاً «قاعدة أساسية» في القانون الدولي. وتنص شرعة الأمم المتحدة بوضوح على أن تطبيق هذا الحق هو من الأهداف الرئيسة لتأسيس الأمم المتحدة، وقد أكدت المحاكم الدولية على أن هذا الحق يتخطّى جميع المعاهدات والاتفاقات التي تنصّ على عكس ذلك. والسبب الوحيد الكامن وراء فشل مجلس الأمن في تحمل مسؤوليته لضمان حق الفلسطينيين بتقرير مصيرهم، هو قيام الإدارة الأميركية باستعمال حق النقض.
    أما عملياً، فستواصل إسرائيل منع قيام دولة فلسطينية نظراً لقوتها العسكرية المهيمنة وللدعم غير المشروط الـــذي تتلقاه من الولايات المتحدة لممارسة هــذه القــوة. لكن هــذا الوضــع لا يجــب أن يكون سبباً كي يخضــع حــق الفلســطينيين في تقــرير مصــيرهم للفيتو الإسرائيلي. بل هو سبب لمطالبة الأمم المتحدة بأداء دورهــا وفقاً لشــرعتها. وستتوقف الخدعة الإسرائيلية التاريخية بالتزام التفاوض مع الفلسطينيين عندما تقتنع الحكومة الإسرائيلية أن سياسة العرقلة يمكن أن تدفع الولايات المتحدة إلى دعم لتدخل مجلس الأمن.
    ويصر الخبراء الأميركيون والمتخصصون بشؤون الشرق الأوسط (خاصة «صانعي السلام» السابقين الذين غادروا الحكومة للعمل في مجموعات بحث مختلفة) على أن فشل عملية السلام ناتج عن غياب الثقة بين الطرفين. ويشكل هذا التفسير طريقة مناسبة لتجنب الاعتراف بالحقائق الصعبة. فلو كان غياب الثقة هو سبب الفشل في الماضي، فلمَ لم ينتج عن المفاوضات اللامتناهية على مرّ السنين مزيد من الثقة بدل أن يقضي على تلك التي كانت موجودة في البداية؟ لقد خسرت السلطة الفلسطينية والرئيس محمود عباس مصداقيتهما أمام الشعب الفلسطيني لأنهما بالغا في الوثوق بنتانياهو وحكومته، لدرجة أنهما صدقا الخدعة التي نجحت إسرائيل في الترويج لها حين ادعت أنها تشرف على عملية انتقالية تمهد لتطبيق حل الدولتين.
    يعلــم الشعب الفلسطيني منذ البداية كم كان مخادعاً خطاب نتانيــاهو الــذي ألقاه في جامعة بار إيلان في ١٤ حزيران (يونيو) ٢٠٠٩، حين ادعى القبول بحلّ الدولتين. لم يكن هذا الاحتمال مستحيلاً فحسب، نظراً إلى الوقائع التي قدمها نتانياهو وحكومته على أرض الواقع، بل كان أعضاء حكومته مؤسسي وقادة تجمع «أرض إسرائيل الكاملة» في الكنيست، الذي أنشئ رسمياً لسبب واحد هو قيام دولة فلسطينية في أي منطقة من فلسطين. ولم يُؤدّ قيام هذا التجمع في أي وقت من الأوقات إلى احتجاج الولايات المتحدة أو اللجنة الرباعية. لنتخيل ردود فعل هذه الجهات -أو ردّ فعل الكونغرس الأميركي- لو أنشأ أعضاء حكومة الرئيس عباس تجمعاً يحمل اسم «أرض فلسطين الكاملة» ضمن السلطة الفلسطينية.
    وتعتمد مصداقية أي مبادرة أميركية جديدة تهدف إلى تطبيق حلّ الدولتين، على استعداد الرئيس أوباما للاعتراف بـ «الوقائع غير الشرعية ميدانياً»، التي أنشأتها إسرائيل من جانب واحد في الضفة الغربية والتي تشكل عائقاً أساسياً أمام حلّ الدولتين. ومما لا شكّ فيه أنه يصعب اليوم التوصّل إلى هذا الحلّ حتى في ظلّ أفضل الظروف، كما يستحيل هذا الأمر عندما تعتبر قوة الاحتلال أن تجنب هذا الحلّ هو هدفها الإستراتيجي الأول.
    وأفضل ما يمكن فعله لتغيير السياسة الأميركية في الشرق الأوسط هو إصدار إعلان أميركي واضح، يدعم بيان استنتاجات رئاسة المجلس الأوروبي في ٢٥ و٢٦ آذار (مارس) ٢٠٠٤، حين أجمع القادة الأوروبيون على أن الاتحاد الأوروبي لن يعترف بأي تغييرات تطاول حدود ما قبل العام ١٩٦٧ ما عدا تلك التي يتم التوصل إليها بتوافق الفريقين. ومن المفارقة أن الرئيس جورج بوش الابن قد أيّد هذا الموقف.
    للأسف، ما من شيء يؤكد أن إدارة أوباما ستقوم بالمثل إلا إذا وقعت أحداث إقليمية مأسوية تهدد المصالح الأميركية الحيوية وتحرم الرئيس من جميع الخيارات الأخرى. ولكن يبدو أن الأضرار الحاصلة حتى الآن لا يمكن إصلاحها، وهي لا تهدد المصالح الأمريكية فحسب، بل فرصة إسرائيل بالصمود كدولة يهودية وديموقراطية أيضاً.




    عيون وآذان (هل تفوز إسرائيل أو أميركا؟)
    بقلم: جهاد الخازن عن الحياة اللندنية
    إذا كان هناك من يزعم داخل الولايات المتحدة أو خارجها أن هناك في الولايات المتحدة لوبي أقوى من لوبي إسرائيل فما عليه سوى أن يراجع الحملة الإعلامية في الأيام الأخيرة على احتمال اختيار الرئيس باراك أوباما في إدارته الجديدة تشك هاغل، السناتور الجمهوري السابق من نبراسكا، وزيراً للدفاع.
    هاغل حصل على أوسمة خلال حرب فيتنام واسمه تردد ولم يطرح رسمياً فأعلن اللوبي حرباً على إدارة أوباما سلاحها الإرهاب، تماماً كإسرائيل التي يدافع عنها اللوبي.
    قاد الحملة وليام كريستول، رئيس تحرير ويكلي ستاندارد، ووريث زعامة المحافظين الجدد عن ابيه ارفنغ، أي تلك المجموعة التي سعت للحرب على العراق وقتل مليون عربي ومسلم. كريستول يعتبر ترشيح هاغل اختباراً لنوايا أوباما إزاء إسرائيل ولجديته في منع إيران من الحصول على سلاح نووي وللديموقراطيين المؤيدين لإسرائيل المعارضين لسلاح نووي إيراني. وهو يشكر الجمهوريين الذين عارضوا ترشيح سوزان رايس وزيرة للخارجية ويقول أن ترشيح هاغل أسوأ كثيراً.
    أسوأ كثيراً من كريستول إن كان هذا ممكناً بريت ستيفنز الذي يكفي من صفاته انه كان رئيس تحرير «جيروزاليم بوست» الليكودية الميول في فلسطين المحتلة ويكتب في صفحة الرأي في «وول ستريت جورنال» الآن، والصفحة هذه ليكودية خالصة تدافع عن عنصرية إسرائيل وجرائمها واحتلالها.
    ستيفنز يبدأ بالإشارة إلى قول هاغل يوماً «إن اللوبي يخيف كثيرين هنا»، أي في الكونغرس. أنا أقول هذا واتهم من ينكره بأنه جزء من لوبي إسرائيل أو اللوبي اليهودي، مع تفضيلي الاسم الأول لأن غالبية اليهود الأميركيين ليبراليون وسطيون، واللوبي يميني متطرف داعية احتلال وقتل.
    عندما يكون الموضوع الانتصار لجرائم إسرائيل لا يمكن تجاوز رابطة مكافحة التشهير (باليهود) ورئيسها ابراهام فوكسمان الذي رأى أن هاغل ليس الخيار الأول أو الثاني أو الثالث لليهود الأميركيين أصدقاء إسرائيل، وقال إن اختياره مقلق جداً. وقرأت لمن ذكرنا بأن فوكسمان هو اليهودي الأميركي الذي يقول إن من حق اليهود والمسيحيين بناء كنسٍ وكنائس حيث يريدون ولكن ليس من حق المسلمين بناء مسجد في نيويورك.
    أتوقف هنا لأسجل أن في ماضي هاغل ما يكفي لإثارة قلق أنصار إسرائيل، فهو يرفض أن يكون «ممسحة» على باب اللوبي، كما قال احد المدافعين عنه، وسجله يتضمن التالي:
    - قال سنة 2006 للمسؤول في عملية السلام ديفيد ارون ميلر، وهو يهودي معتدل: أنا سناتور أميركي. لست سناتور إسرائيلياً. أنا سناتور أميركي. أنا أؤيد إسرائيل إلا أن اهتمامي الأول هو أنني أقسمت يمين الولاء لدستور الولايات المتحدة، وليس لرئيس أو لحزب، وليس لإسرائيل. إذا خضت الانتخابات لمقعد سناتور في إسرائيل فسأفعل ذلك (يكون ولاؤه لها).
    ما سبق كنت سجلت بعضه قبل أيام وأعيد نشر النص كاملاً.
    هاغل خلال الانتفاضة الثانية دعا إسرائيل إلى إظهار التزامها بالسلام، والليكودي الميول بريت ستيفنز يتحدث عن قتل 457 إسرائيلياً سنة 2002 خلال الانتفاضة الثانية ولا يتحدث عن قتل إسرائيل 1500 ولد فلسطيني، أو أسرة بكاملها في غزة الشهر الماضي.
    وهاغل سنة 2006 قال عن حرب الصيف على لبنان إنها تدمير لبلد حليف هو لبنان لأرضه ولشعبه. ورفض سنة 2007 تصنيف الحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية.
    ونُقِل أخيراً عن ديفيد هاريس المدير التنفيذي للجنة اليهودية الأميركية أن السناتور هاغل رفض سنة 1999 المشاركة في إدانة اللاسامية في روسيا، ونشرت اللجنة إعلاناً من صفحة كاملة في «نيويورك تايمز» وقعه 99 عضواً في مجلس الشيوخ من مئة عضو وكان هاغل العضو المئة والوحيد الذي رفض التوقيع.
    أقول إننا نحن أمام مواطن أميركي يريد مصلحة بلاده وطابور خامس إسرائيلي سيضحي بالولايات المتحدة ومصالحها كل يوم خدمة لإسرائيل.
    والأسابيع القادمة ستظهر لنا هل تفوز إسرائيل ويلقى هاغل مصير سوزان رايس أو تفوز أميركا بمنصب وزير دفاع أميركا.

    العقل المفعم بالأمل والمحب للسلام
    بقلم: ياسوناري مورينيو (الوزير المفوض ونائب رئيس البعثة في سفارة اليابان بالمملكة السعوديةعن الشرق الاوسط)
    اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة مؤخرا قرارا يمنح فلسطين صفة دولة مراقب غير عضو في الأمم المتحدة بأغلبية واضحة. واليابان هي من بين الدول التي أيدت هذا القرار.
    لقد ألحق الصراع العربي الإسرائيلي معاناة لا توصف بشعوب المنطقة لمدة 65 عاما تقريبا، إن التوصل إلى تسوية شاملة ودائمة لهذا الصراع طال انتظارها. لا يمكن لمثل هذه التسوية أن تتحقق إلا من خلال المفاوضات، ولذا، تأمل اليابان بقوة أن تبني كل من فلسطين وإسرائيل بجدية علاقات الثقة المتبادلة، والامتناع عن القيام بأي عمل قد يضر بجهود استئناف مفاوضات السلام، والعودة فورا إلى طاولة المفاوضات.
    تؤمن اليابان بقوة بالجهود لبناء الثقة. وإلى جانب الدعم السياسي والاقتصادي المتواصل للفلسطينيين، فإن اليابان تواصل جهودها لبناء الثقة بين شعوب الصراع. تدعو اليابان سنويا الكثير من الفلسطينيين والإسرائيليين إلى اليابان وتمنحهم فرصا للمشاركة في الحوارات بشأن أي مسائل تهمهم. وهم يترددون، في معظم الحالات، من التحدث في البداية، إلا أنهم يدركون ميزة تبادل الأفكار في نهاية المطاف. إن اليابان مستمرة بهذه الجهود منذ عام 1997. وإن بناء الثقة يتطلب عقولا محبة للسلام ومفعمة بالأمل، ورؤى عادلة وواقعية. وإن مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز للحوار بين أتباع الأديان والثقافات هو رؤيا بارزة قدمها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز بعقله المفعم بالأمل والمحب للسلام.
    تدعم اليابان بقوة هذه المبادرة وترحب بافتتاح هذا المركز مؤخرا في فيينا بالنمسا على أساس فكرة أن الحوارات تبني الثقة. كانت اليابان وما زالت تبذل جهودا لتعميق فهمها عن الإسلام. لقد تم مؤخرا عقد مؤتمر حوار في طوكيو بعنوان «الحوار من أجل المستقبل بين اليابان والعالم الإسلامي»، بمشاركة الكثير من علماء بارزين من المملكة العربية السعودية ودول إسلامية أخرى وكذلك اليابان.
    هناك رؤية أخرى مهمة لتحقيق الأمن في الشرق الأوسط. إن اليابان بصفتها دولة ترغب بشدة في إزالة الأسلحة النووية، وتدعم مبادرة أن تكون منطقة الشرق الأوسط خالية من أسلحة الدمار الشامل، وتتوقع أن يأتي يوم في القريب العاجل تشارك فيه جميع الأطراف الإقليمية المعنية في مناقشات جادة حول هذه المبادرة.
    وفي رأيي، فإن وجود مثل هذه الأسلحة يزيد المخاطر الأمنية في هذه المنطقة، في حين أن إقامة منطقة شرق أوسطية خالية من أسلحة الدمار الشامل تزيد الأمل في أن تقلل مصادر عدم الثقة بشكل كبير وتحافظ بشكل أكبر على استقرار وسلام عقول الناس. وهناك رؤية أخرى بارزة وهي عادلة لجميع أطراف النزاع. لقد تبنت الجامعة العربية مبادرة السلام العربية منذ أكثر من عشر سنوات على أساس الاقتراح الذي تقدم به خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز. تدعم اليابان بكل إخلاص هذه الرؤية العادلة جدا التي من شأنها أن تسمح لإسرائيل ودولة فلسطين ليس فقط التعايش بسلام جنبا إلى جنب، بل أيضا بالتمتع بعلاقات اقتصادية ذات منفعة متبادلة، وأن تستمر بالتعاون دون كلل مع الأطراف المعنية لتحقيق هذه الرؤية.
    إنني أعتقد أن العقل المفعم بالأمل والمحب للسلام موجود بثبات في الطبيعة البشرية، كما يقول العرب «السلام عليكم» ويقول اليهود «شالوم» أولا وقبل كل شيء. إن جميع الصراعات تنشأ عن تحريف يجبر العقول البشرية أن تنسى معنى السلام والابتعاد عن بصيص الأمل. إن كل ما علينا فعله هو تصحيح هذا التحريف، والاستماع إلى ما تقوله طبيعتنا البشرية وأن نتصرف على هذا النحو.

    يهود وصقور في أميركا ضد أوباما
    بقلم: جميل مطر عن الشروق المصرية
    هبت على واشنطن عاصفة من النقد اللاذع وتشويه السمعة تتهم السيناتور شاك هاغيل، بأنه معاد للسامية وكاره للمثليين ومتعاطف مع خصوم أميركا في الخارج. بدأت العاصفة عند اللحظة التي أعلن فيها أن باراك أوباما يفكر في تعيين هاغيل وزيرا للدفاع خلفا للوزير بانيتا الذي أعلن عن نيته في الاستقالة من منصبه.
    يأخذ المعلقون الموالون لإسرائيل على السيناتور المرشح لوزارة الدفاع انه كثيرا ما استخدم في خطاباته وتصريحاته عبارة «اللوبي اليهودي». يستخدمها، حسب رأيهم، لأن هدفه ترهيب النخبة السياسية في واشنطن، وبخاصة أعضاء الكونغرس ورجال الإعلام. قاد الحملة ضد هاغيل، أو كان بين قياداتها، الكاتب في صحيفة وول ستريت جورنال، بيرت ستيفنس، وهو الذي قال إن التحذيرات التي يصدرها هاغيل عن قوة اللوبي الصهيوني في أميركا ترتبط ارتباطا وثيقا بتوجهاته السياسية وتكشف عن شخصيته ومواقفه. هاغيل مثلا يقول دائما: «أنا سيناتور أميركي ولست «سيناتورا» إسرائيليا».
    يقصد بذلك انه ليس مسؤولا عن الدفاع عن سياسات إسرائيل، ولكنه بصفته مشرعا أميركيا مسؤول أولا وأخيرا عن مصالح الولايات المتحدة. ويستشهد الكاتب، وهو معروف بميوله المتطرفة المؤيدة لإسرائيل، بحديث أدلى به شاك هاغيل للدبلوماسي آرون دافيد ميللر ذي النفوذ القوي في دوائر صنع القرار، ونشره في كتابه الصادر العام 2008. جاء في الكتاب نقلا عن هاغيل قوله: «أنا أؤيد إسرائيل ولكن أول اهتماماتي الوفاء للقسم الذي أقسمته للدستور الأميركي، لا لرئيس أو لحزب ولا لإسرائيل».
    يركز أنصار الحملة المنظمة ضد هاغيل على وصفه لحرب إسرائيل ضد حزب الله في 2006 بأنها كانت نموذجا للتدمير الممنهج لدولة صديقة لأميركا، ويقصد لبنان. يذكرون أيضا انه رفض التوقيع على نداء صادر من الكونغرس الأميركي موجه إلى الاتحاد الأوروبي يدعو فيه المفوضية الأوروبية إلى «إدراج حزب الله على قائمة المنظمات الإرهابية». يأخذون عليه أيضا خطابا ألقاه في مجلس الشيوخ قال فيه إنه ليس من مصلحة أميركا وإسرائيل على الأمد الطويل أن يسمحا لنفسيهما بأن يصبحا معزولين في الشرق الأوسط وفي العالم.
    ليس جديدا على الإعلاميين الناطقين باسم حركات الضغط اليهودي في أميركا السخرية من السياسيين الأميركيين الذين «يستخدمون الولاء لأميركا أولا غطاء أو مبررا لانتقاد سياسات إسرائيلية». يتهمونهم باستخدام حكاية الولاء للدستور الأميركي وحبهم لأميركا للتلميح بأن بعض اليهود الأميركيين ربما كانوا ناقصي الولاء لأميركا. وبتعبير آخر، يردده مسؤولون أميركيون وإن بصوت خفيض، هذا البعض من اليهود الأميركيين يعتقدون أن ولاءهم لإسرائيل يجب أن يكون سابقا على ولائهم لأميركا بل هو شرط ضروري ولا غنى عنه لولائهم للولايات المتحدة.
    الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، إذ يطالب بعض قادة اليهود السياسيين الأميركيين بأن يؤكدوا بمواقفهم أن دعمهم لإسرائيل جزء لا يتجزأ من ولائهم لأميركا. لذلك، فإن هذا الفريق يعتبر أن أي سياسي أميركي يصر على الإعلان، بمناسبة وبدون مناسبة، عن ولائه لأميركا أولا وأخيرا هو في الواقع يوجه رسالة تشكك في ولاء غيره . هكذا يجرى اتهام شاك هاغيل الذي يصر على ترديد ولائه لأميركا بأنه يريد أن يشكك في ولاء الآخرين. وقد تمادى معلقون من أنصار إسرائيل فوجهوا تهديدا إلى الرئيس أوباما بأنه إذا استخدم العناد مع يهود أميركا وأصر على تعيين هاغيل لوزارة الدفاع، فإنه يعرض نفسه لأخطر ما يمكن أن يواجهه رئيس أميركي، وهو أن إسرائيل لن تعتبره صديقا لها.
    الأمر في حقيقته لا يتعلق فقط باختيار شاك هاغيل وحده بل أيضا بتعيين رفيق دربه السيناتور الديموقراطي جون كيري وزيرا للخارجية خلفا للسيدة هيلاري كلينتون. الاثنان هاغيل السيناتور الجمهوري وكيري السناتور الديموقراطي يتفقان على أسبقية مبدأ الحوار في تحقيق أهداف أميركا الخارجية، ويؤمنان بأن المفاوضات يمكن أن تحرز النجاح حيث يصعب إحرازه بالمواجهة. يقول المؤيدون لهذا التوجه في السياسة الأميركية إنه بالمفاوضات نجحت أميركا في دفع سُنّة العراق إلى التخلي عن دعمهم تنظيم القاعدة بل والانقلاب عليهم، وفي دفع القذافي للتنازل عن مساعي امتلاك القنبلة النووية، وفي دفع العرب جميعا إلى ممارسة هدنة ممتدة مع إسرائيل، وفي دفع الفلسطينيين إلى التوقيع على اتفاقية أوسلو وسلوك طريق القبول بالأمر الواقع والسكوت سنوات طويلة على سياسات الاستيطان، وفي دفع «مصر الإسلامية» إلى القبول بالأمر الواقع الأميركي ـ الإسرائيلي في سيناء، وها هي أميركا تنجح أيضا في دفع حكام بورما العسكريين إلى تخفيض قبضتهم على السلطة في البلاد وإدخال إصلاحات سياسية.
    هذه التوجهات يؤمن بها بشكل عام كلا المرشحين لوزارتي الخارجية والدفاع في ولاية أوباما الثانية، وبالتالي فإن وجودهما معا في إدارة واحدة قد يعني أنه ستسود خلال السنوات الأربع القادمة سياسة مجابهة أهداف إسرائيل وقادة اليهود في أميركا نحو تصعيد الصراع مع إيران، وفي ازدياد الضغط على إسرائيل في قضية التوسع في بناء المستوطنات في القدس وإقامة الدولتين.
    من ناحية أخرى، لا يمكن إنكار أن لشاك هاغيل أهمية رمزية أكبر من أهمية جون كيري، حيث أن وجود سيناتور جمهوري من هذا الوزن الثقيل في حكومة أوباما قد يؤدي حسب توقعات محللين أميركيين إلى تهدئة أجواء التوتر بين الحزبين الديموقراطى والجمهوري اللذين يوشكان على الدخول في مواجهة شديدة على موضوع الهاوية المالية والعجز في الميزانية وإصلاح نظام الضرائب.
    لا يغيب عن البال أن هناك في واشنطن من لا يريد أن يرى هذا التقارب في موقف الحزبين في الشؤون الداخلية خشية امتداده إلى مواقف الحزبين في الشؤون الخارجية. هؤلاء لا يريدون أن تمتد يد أميركا لتهدئة مع إيران وفنزويلا وحماس وسوريا.
    رضخ أوباما لضغوط الجمهوريين في الكونغرس فسحب ترشيح سوزان رايس التي رشحها وزيرة للخارجية قبل أن يرشح جون كيري. أعتقد ، ولا أظن انني أبالغ في اعتقادي، أن سوزان كانت كبش فداء في قضية كان الهدف فيها إخضاع هيلاري كلينتون للتحقيق في حادث مصرع السفير الأميركي في بنغازي.
    أعتقد أيضا أن أوباما لم ينزعج بشدة لفشله في تعيين سوزان محل هيلاري لأنه في ما أتصور كان يفضل فريقا متجانسا وقويا للسياسة الخارجية، يحقق له مجموعة أهداف في السياسة الخارجية للفترة الثانية، وهي الأهداف التي أظن أنها تتوافق مع أهداف المؤسسة العسكرية للمرحلة ذاتها. يأتي في صدارة هذه الأهداف تغليب القوة الناعمة على القوة الخشنة أو الصلبة.
    مطلوب للمؤسستين، العسكرية والرئاسة، فى هذه المرحلة القصيرة نسبيا التوصل إلى اتفاق تفاوضي مع الطالبان يضمن انسحابا مشرفا للقوات الأميركية من أفغانستان، واتفاق تفاوضي أيضا مع إيران وكوريا الشمالية، وترتيبات عظمى مع الصين تضمن الانتقال السلمي لأميركا من دور رئيس في قيادة عالم الأطلسي وأوروبا إلى دور مشارك في قيادة عالم الباسيفيكي وشرق آسيا.


    تهجير المسيح من بيت لحم ؟!
    بقلم: راجح الخوري عن النهار البيروتية
    غداة عيد الميلاد تبدو كنيسة المهد ومدينة بيت لحم في حصار اسرائيلي يضيق الى درجة ترفع منسوب الخوف من ان يتم تهويد المدينة التي باتت مطوّقة بالمستوطنات وجدار الفصل العنصري من كل الجهات .
    صحيح ان لعيد الميلاد طعماً مميزاً عند الفلسطينيين هذه السنة لأنه يأتي عيداً بعيدين، اي ولادة السيد المسيح وولادة الدولة الفلسطينية بصفة مراقب في الامم المتحدة لها الحق في امتلاك المكاتب السياحية التي تنظم السياحة الدينية الى هذه المدينة، لكن من الواضح ان بيت لحم تشكل هدفاً تخطط اسرائيل للاستيلاء عليه وتهويده . الدليل على ذلك ليس انها باتت محاصرة بـ22 مستوطنة تزحف في اتجاهها وان اسرائيل اقرّت بناء 2600 وحدة سكنية جديدة على تخومها، ولا ان جدار الفصل العنصري يكاد يخنقها من كل جهاتها تقريباً فحسب، بل ان العدو يجهد لينكر عليها تاريخها ويحاصر حتى المسيح فيها ساعياً الى طرده منها والعرب والعالم المسيحي عليهما السلام طبعاً ... ويا للعار !
    ذلك ان العدو يروّج في الصحافة الغربية رواية عالم الآثار الاسرائيلي افيرام اوشري التي تقول ان الذين يتقاطرون الى بيت لحم من كل ارجاء العالم للاحتفال بعيد الميلاد "إنما يأتون الى المكان الخطأ لأن بيت لحم التي ولد فيها المسيح هي قرية صغيرة في منطقة الجليل" قرب الحدود اللبنانية، وان بيت لحم المعروفة قرب القدس كانت مجرد ارض خلاء في القرن الميلادي الاول، وكلمة "ارض خلاء" تشكل ورقة الطابو التي ستستعملها للاستيلاء على بيت لحم!
    لا ادري ما اذا كان العرب الذين طالما نسوا فلسطين رغم استعمالهم لها طبلاً لادعاء "وعيهم القومي" يتنبهون للخطر المحدق ببيت لحم والخطة الاسرائيلية لتهجير المسيح منها، ولا ادري ما اذا كان العالم المسيحي من قمته الفاتيكانية الى قيادته الاميركية والاوروبية يتنبه لهذا، لكنني اعرف ان السلطة الفلسطينية اعدّت خطة متكاملة لتطوير مدينة بيت لحم والمساحات بكنيسة المهد ومحيطها تليق بها كموئل روحي وقبلة للمسيحيين في العالم .
    واعرف ان تنفيذ هذه الخطة يكلف اكثر من خمسين مليون دولار، في حين تعجز السلطة في ظل تقاعس الدول العربية عن الوفاء بالتزاماتها عن دفع رواتب موظفيها، كما عرفت مصادفة ان السيد سعيد الخوري رئيس شركة اتحاد المقاولين العالمية قد دعم الخطة جهداً ومساهمة وتطوّع للإشراف على عملية تنفيذها، وإذا كان "ابو مازن" يأمل في أن تشهد الخطة تسابقاً دولياً على تمويلها، يفترض ان تتخلله مزاحمة عربية واسلامية خليجية قوية بالضرورة، فان حماية بيت لحم ومنع تهجير المسيح من أهم واجبات العالمين المسيحي والاسلامي.

    رأي الدستور نتنياهو يتجاوز كل الخطوط والحدود
    بقلم: أسرة التحرير عن الدستور الاردنية
    تجاوز رئيس وزراء العدو الصهيوني بنيامين نتنياهو كافة الحدود والخطوط، معلنا وبكل وقاحة وفي تجمع حاشد لحزبه “الليكود” ان الاستيطان في القدس المحتلة سيستمر خلال رئاسته القادمة، اذا ما فاز في الانتخابات، ولن يتوقف، فالقدس -على حد زعمه- هي عاصمة اسرائيل الموحدة الابدية.
    اعلان نتنياهو هذا هو اعلان حرب على الشعب الفلسطيني والامة كلها، وتحد سافر للمجتمع الدولي، ولكافة الدول التي نددت مؤخرا بالاستيطان، وطلبت من اسرائيل وقف هذه الممارسات العدوانية كونها تشكل انتهاكا فاضحا للقانون الدولي، ومن شأنها اذا ما نفذت ان تلغي فكرة حل الدولتين التي يتبناها المجتمع الدولي، باعتبارها الحل المعقول للصراع الفلسطيني- الاسرائيلي.
    هذا الاستهتار سببه الرئيس ليست قوة اسرائيل، وانما دعم الولايات المتحدة الامريكية، والذي تجلى بابشع صوره مؤخرا في رفضها ادانة الاستيطان ورفضها اتخاذ الاجراءات الكفيلة بلجم هذا العدوان الذي يشكل خطرا على السلم العالمي، ومن شأنه ان يدفع بالمنطقة كلها الى انفجار خطير وحرب تلد حروبا، لا احد يعرف متى تنتهي.
    ان الهجمة الاستيطانية التي اعلنها العدو والتي تتضمن بناء اكثر من “8” الاف وحدة سكنية جديدة في القدس المحتلة وكافة المستعمرات المقامة في الضفة الغربية المحتلة، واعلان نتنياهو عن استمرار الاستيطان للسنوات القادمة يؤشر الى الاخطار والمخاطر الفظيعة التي تتعرض لها القضية الفلسطينية، على يد العدو وعصابات اليمين الفاشي الحاكم، الذي يرفض الاعراف بالدولة الفلسطينية، ويصر على نفي الشعب الفلسطيني من وطنه واعتباره اقلية سقفها الحكم الذاتي، ما يحتم على القيادة الفلسطينية والمجموعة العربية الخروج من دائرة التنديد والشجب والاستنكار، واتخاذ اجراءات فاعلة للجم هذا العدوان، والذي تحول الى هستيريا تنذر باشعال الحريق في المنطقة كلها.
    ان هذه الاخطار المحدقة بالقضية الفلسطينية تستدعي فتح ملف الصراع العربي- الاسرائيلي، واعادة قراءته بامعان واتخاذ قرارات حاسمة تعيد الصراع الى المربع الاول، بعد ان استغل العدو المفاوضات والمعاهدات وحولها الى حصان طروادة لتكريس الامر الواقع، فتضاعف عدد المستعمرات، وعدد المستوطنين الرعاع، حتى تجاوز نصف مليون مستوطن حاقد.
    لقد التزمت المجموعة العربية بشروط واشتراطات السلام، وقدمت مبادرة السلام العربية، واعلنت نهاية الحروب على العدو، ورغم ذلك، رفض هذا الفاشي القادم من ظلام العصور والخرافات، ان يصافح اليد العربية الممدودة للسلام والانسحاب من شبر واحد من الارض المحتلة بل اصر على تنفيذ مخططاته التوسعية؛ فها هو يعمل ليلا ونهارا على تهويد القدس والاقصى، وتحويل المدينة كما اعلن الارهابي نتنياهو في برنامجه الانتخابي الى عاصمة اسرائيل اليهودية.
    مجمل القول: ان اعلان الارهابي نتنياهو عزمه استمرار الاستيطان في القدس المحتلة، اذا ما فاز في الانتخابات الاسرائيلية القادمة لن يفاجئنا؛ فالاستيطان لم يتوقف يوما واحدا خلال رئاسته للحكومة بل اعلن بكل وقاحة وغرور رفع وتيرته بعد قبول فلسطين عضوا مراقبا في الامم المتحدة، ما يشكل تحديا للعالم كله يستدعي اتخاذ اجراءات فاعلة للجم هذا العدوان، الذي يستبيح فلسطين: ارضها ومقدساتها، ولا سبيل الى ذلك الا باعلان المقاومة الشعبية، ومقاطعة العدو كسبيل وحيد للجم هذا الجنون الصهيوني الذي يشكل خطرا على الجميع.

    الميلاد الجديد لحماس
    بقلم: جمال إمام عن جريدة عُمان
    لا أتفق مع حماس، في المبالغة، في احتفالاتها، ليس بسبب، اليوبيل الفضي لتأسيسها، (فهي مناسبة تاريخية)، بقدر ما أتحفظ، على حالة خلط الأوراق، بين احتفالية التأسيس، والحديث بلغة التضخيم، عن انتصار على إسرائيل..
    نعم من حق حماس، والعالم العربي، أن يفرح، لوقف العدوان على أهلنا في غزة، لكن لابد أن نكون واقعيين، في التعامل، مع جولة من جولات الصراع، مع إسرائيل..
    دون أن نقلل أبدا، من حجم الانجاز، في إدارة جانب من هذا الصراع، وهو الصراع السياسي..
    ودون أن نقلل أيضا، من نجاح المقاومة، في فرض أسلوبها، على القرار الإسرائيلي، الذي قبل بوقف إطلاق النار، والتهدئة، تحت ضغط قصف الصواريخ الفلسطينية المحلية، على المستوطنات الإسرائيلية، (البلدات الفلسطينية المحتلة).
    فقط المبالغة في الخطاب السياسي والإعلامي لحماس، لا يخدمها، إلا إذا كان عينها، على الناخب الفلسطيني، في الضفة الغربية، من ناحية، أو أن يكون ذلك ضمن حساباتها السياسية القادمة.
    فحماس موقعة وملتزمة, على اتفاق التهدئة، وزيارة خالد مشعل للقطاع، جزء من هذا الاتفاق، وبالتالي لا أفهم كمراقب، الخطاب الحماسي لمشعل، والتحضيرات التي جرت، في أجواء احتفالية.
    إلا في إطار وضمن، تأسيس حماس، لمرحلة جديدة، كلاعب بارز، في المشهد الفلسطيني، ربما مع اقتراب أبو مازن من التقاعد، حتى وإن حقق انجاز تاريخيا أيضاً، بحصول فلسطين على عضوية دولة مراقب، في الأمم المتحدة.
    يعزز هذه الرؤية، مؤشرات كثيرة، بدت وكأنها جزء، من مراسم تدشين هذه المرحلة الجديدة أو الميلاد الجديد لحماس، في مقدمتها.
    الدور الذي تقوم به القاهرة، لإنهاء الحصار البغيض، عن غزة، والذي تم تتويجه بنجاح، بوقف الحرب الإسرائيلية على غزة، والتي كانت مرشحة لاجتياح القطاع، وترتيب اتفاق تهدئة مع حماس، يسمح بفتح المعابر، ودخول مواد البناء اللازمة لإعادة الأعمار، وهذا البند، يمثل أقوى إشارة، على تقويض الحصار، يعززه أيضاً، عودة المجال البحري الإقليمي لغزة، وهو ما يعني عودة الصيادين في القطاع للصيد في بحر غزة، بعد سنوات من إحكام الحصار البحري عليه.
    الأمر الذي يهيأ المناخ لقيام حماس، وتحركها باتجاه دور سياسي، في الملف الفلسطيني، يسمح بحلول توافقية مع السلطة الفلسطينية، بشأن المصالحة، التي لا يمكن إغفال نتائجها، بشأن المفاوضات المستقبلية مع إسرائيل، خاصة وأن مصر تدعم الحل العادل للقضية الفلسطينية.
    المؤشر الثاني يرتبط، بظهور خالد مشعل نفسه، في قطاع غزة، وهو أمر كان بالنسبة له ولإسرائيل، من سابع المستحيلات، وهو الذي تعرض لمحاولة فاشلة لاغتياله قبل سنوات.
    والواقع أن الإشارات الكثيرة، التي حملها ظهور مشعل، في غزة من دون أن يخشى الاغتيال من قِبَل إسرائيل، بدا ذلك تأكيداً، لدوره القادم كزعامة وطنية، ليس فقط رئيساً لـ«حماس» أو صانع قرار في غزة.
    وهو ما يعني أن حماس، تمضي في خط تصاعدي، مستفيدة من النجاحات التي حققتها، من الصمود، إلى الردع، (صواريخها وصلت إلى تل أبيب)، حتى ولو دمر بعضها، نظام القبة الحديدية ، إدارة الأزمة، إلى حصد النتائج، وأهمها فتح المعابر بشكل نهائي. هل يمكن أن نعقد مقارنة، بين عودة الرئيس التاريخي عرفات، وخالد مشعل.
    نعم يمكن أن تكون هناك صلات شبه، على الجانبين.
    فعرفات عاد منتصراً، بعد أن أجبر إسرائيل، على التفاوض، مع من كانت تعتبره إرهابياً، فإذا به شريكاً سياسياً، في البحث عن الحل للمشكلة الفلسطينية.
    كذلك عاد مشعل، من المنفى أيضا، بعد أن أدار مفاوضات ناجحة، في أوج القوة الإسرائيلية، التي أحكمت حصارها على غزة، وخاضت مرتين حربا شرسة ضدها، فإذا بها توافق على المفاوضات، مع حماس، ( الإرهابية )، وهو نفس ما حدث مع الرئيس عرفات.
    لكن الفارق أن عرفات، قبل تحقيق الانسحاب الإسرائيلي الشامل، عبر المفاوضات فقط، أما خالد مشعل فقد استفاد كثير، من تجربة إدارة الصراع مع إسرائيل، ومن نتائج نحو عقدين من الفشل الذريع، لهذه المفاوضات، منذ توقيع اتفاق «غزة - أريحا» مع إسرائيل، التي سلمت الفلسطينيين، لمزيد من التنازلات، حتى انتهت هذه المفاوضات، إلى لا شيء..
    خطاب مشعل، لم يرفض الانسحاب الشامل، (مطالب عرفات)، لكنه ربط ذلك بالتحرير أولا، « الدولة الحقيقية ثمرة التحرير لا ثمرة المفاوضات».
    واعتقد أن الرهان على المدى البعيد سينجح، لأن إسرائيل، لا يمكن أن تتحمل الضغوط والرفض الدولي لسياساتها، في بناء المستوطنات، وحصار الشعب الفلسطيني، والنتائج بدأت تتحقق، بالتصويت الدولي، في الجمعية العامة للأمم المتحدة، لصالح عضوية فلسطين في المنظمة الدولية.
    الفارق واضح أيضا، في إدراج حماس، لمصطلح جديد، في الدبلوماسية الفلسطينية، هو «مَن يريد التحرّك في السياسة، عليه أن ينطلق مع الصاروخ» ، وهو ما يعني قبوله للحراك السياسي، وقبوله للمفاوضات، وهو تحرك باتجاه مختلف عن السياسات المتشددة السابقة لحماس، ولكن ربط ذلك بالمقاومة، بعد أن تم تهميشها، في القاموس الفلسطيني، (تبع عرفات، ومن بعده أبو مازن). !!
    نذكر تماما، عبارة عرفات الشهيرة في خطابه، أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة في نوفمبر 1994، «جئت اليوم أحمل غصن الزيتون وبندقية المقاتل من أجل الحرية، فلا تدعوا غصن الزيتون يسقط من يدي»..
    أما خالد مشعل فقال في العام 2012 «جرّبناكم 64 عاماً ولم تفعلوا شيئاً، فإذا ذهبنا إلى المقاومة، فلا تلومونا. فلو وجدنا طريقاً غير الحرب لسلكناه»..
    إذًا لا خلاف، على أن هناك مرحلة جديدة، ليس فقط بالنسبة لحماس، بل في المشهد الفلسطيني، على العموم، وهي قد استفادت تماما، وبدرجة كبيرة، من أجواء الربيع العربي، ليس فقط لإنهاء عزلتها، وفك الحصار عن قطاع غزة، بل في الانطلاق، للعب دور جديد، في تصوري، قد يحل محل، حركة فتح، على المدى المتوسط، خاصة أن تبنت عبر خطاب مشعل، باستراتيجية دبلوماسية، تستطيع من خلالها، مختلف الدول أن تدعمها لدى الأسرة الدولية..
    والواقع أن الخطوة القادمة لحماس، بعد أن ضمنت استقرارا، سياسيا وعسكريا، وأيضا اقتصادية، بفتح المعابر، ورفع القيود عن البحر، وضخ الاستثمارات، (بموجب تفاهمات الهدنة)، هو التحرك باتجاه، المصالحة الفلسطينية، وفق قواعدها، وليس وفق شروط فتح وأبو مازن.
    خاصة وأن المناخ قد تغير، بدعم الفلسطينيين، في الضفة الغربية، لحماس، وخروج مسيرات التأييد لها، بعد أن حقق لها إدارة الأزمة، مع إسرائيل، نتائج جيدة على الأرض، عكس ما يحدث من مفاوضات عقيمة تقوم بها السلطة الفلسطينية. وإذا تحقق ذلك لها، فإن ميلادا جديدا لحماس، كقوة سياسية، مؤهلة، لمفاوضات المرحلة القادمة، سيحدث الفارق. وكل المؤشرات تدعم هذا المسار.


    « التغريبة الفلسطينية الجديدة .. لاجئ ويُعيد
    بقلم: علي بدوان عن الوطن القطرية
    أعاد المشهد المأساوي لخروج جموع اللاجئين الفلسطينيين من مخيم اليرموك يومي الاثنين والثلاثاء الموافقين للسابع والثامن عشر من ديسمبر 2012 الجاري، صورة النكبة الفلسطينية التي قذفت بأكثر من 67 % من أبناء فلسطين للخروج القسري إلى دياسبورا المنافي والشتات، والتحول إلى لاجئين في البلدان العربية المحيطة بفلسطين والمعروفة بدول الطوق (سوريا، لبنان، الأردن)، فضلاً عن لجوء نسبة عالية منهم إلى مناطق فلسطينية لم تقع تحت الاحتلال في القدس والضفة الغربية وقطاع غزة.
    كان المشهد مروعاً وبالغاً في قسوته، لشعب أُنهِك حتى الثمالة، وقد نالت منه السنون الطويلة وعثراتها التي تلت ليل النكبة في امتحان تلو الامتحان، حتى باتت الأزمات تتساقط عليه كل عقد من الزمن. هذا ماحصل مع فلسطينيي العراق قبل عشرة أعوام تقريباً في مأساة مازالت تجرجر ذيولها معهم حتى الآن بالرغم من أن أعدادهم لم تكن لتتجاوز 40 ألف نسمة في بلد كبير وواسع كالعراق، وقد دُفعت غالبيتهم لترك البلد والبحث عن ملاذ آمن في أصقاع المعمورة المتباعدة من أستراليا الى ماليزيا إلى الهند وبعض دول أوروبا الغربية وصولاً إلى البرازيل بعد أن ضاقت بهم أرض العرب على اتساعها.
    لقد كان كاتب هذه السطور من بين أولئك الفلسطينيين من أبناء مخيم اليرموك من الذين حملوا مع عائلاتهم بعض الأمتعة المتواضعة في شتاء دمشق القارس باحثاً عن مأوى جديد خارج منطقة مخيم اليرموك على أمل العودة السريعة للمخيم، الذي بات بمثابة المنزل والمأوى والوطن المعنوي لكل فلسطينيي الشتات ومنهم فلسطينيو سوريا.
    وبالطبع، فإن الكلمات وحدها تعجز عن نقل الصورة الحية لمشاهد الآلوف المؤلفة من نازحي المخيم، الذين غادروا منازلهم في المخيم اتقاء شرور الاقتتال في الأزمة الوطنية الداخلية التي تعتمل على مرجل الغليان في سوريا، وهم الذين «لاناقة ولاجمل لهم» بدواخل الأزمة وليسوا عنصراً من عناصرها. فقد اشتقوا لأنفسهم موقف الحياد الإيجابي، وحوّلوا مخيمهم، مخيم اليرموك، إلى مأوى عام لكل لإخوتهم وأشقائهم من أبناء الشعب السوري، الذين توافدوا إليه من مناطق التوتر والاشتباكات المحيطة بمخيم اليرموك.
    النزوح الفلسطيني الجديد من مخيم اليرموك إلى مناطق مختلفة في دمشق بما في ذلك إلى لبنان، تغريبة فلسطينية جديدة، نال فيها اللاجئ الفلسطيني في سوريا عنواناً جديداً «لاجئ ويُعيد»، بعد أن كان فلسطينيو سوريا يُحسدون على وضعهم المستقر في البلاد منذ قدومهم القسري والمؤقت عام 1948 ولم يكن لهذا الاستقرار إلا أن ساعد على بروز دورهم الوطني في مسار الثوة الفلسطينية المعاصرة منذ فجر العام 1965، حيث لعب فلسطينيو سوريا دور الخزان البشري الذي رفد عموم الفصائل الفلسطينية بقوافل المناضلين والشهداء. ومع هذا فإن يد الإنصاف ابتعدت عنهم وابتعدت عن أجندة عموم القوى والفصائل والجهات الرسمية الفلسطينية التي لم تتعاطى حتى الآن بالاهتمام المطلوب تجاه هذا الجزء من الشعب الفلسطيني.
    وعليه، من المؤسف، أن فلسطينيي سوريا، باتوا عملياً (نقول عملياً) دون مرجعية وطنية فلسطينية مسؤولة عنهم بالرغم من وجود وعمل 15 فصيلا تعمل وتوجد في التجمعات الفلسطينية في سوريا (مخيمات ومناطق) وقد تحللت معظم القوى والفصائل عن واجباتها المطلوبة، وحوّلت اجتماعاتها التي تواترت خلال الأشهر التي إنقضت من عمر الأزمة السوريا إلى مجالس «ثرثرات» و«كلامولوجيا» لا يمكن تحويله إلى «فعل لوجيا»، ودون أن تقوم بعمل ملموس تجاه مجتمع اللاجئين الفلسطينيين في مسار الأزمة السورية سوى قيام بعض اللجان التابعة لثلاثة فصائل فلسطينية بتقديم المساعدات للمحتاجين من الناس، إضافة لخدمات الإغاثة الصحية، وهو أمر جيد على كل حال.
    وللأسف، من المفارقات العجيبة أن وكالة هيئة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى والمسماة بـ (وكالة الأونروا) تفوقت على دور القوى الفلسطينية من خلال برامج العمل التي بادرت إليها في الوسط الفلسطيني في سوريا، وقد زار المفوض العم للوكالة (فيليبو براندي) ممثلاً للأمين العام للأمم المتحدة مخيم اليرموك أوائل الشهر الجاري لتفقد أوضاع الناس، وقد زار بعض منشآت عمل الوكالة في مخيم اليرموك كمركز إشراك الشباب التابع للأونروا، وقام بجولة في مدارس الوكالة، كما زار مبنى مدرسة الفالوجة التابعة للأونروا والتي تعمل كمأوى مؤقت للسوريين والفلسطينيين الذين تركوا منازلهم بحثا عن الأمان. والتقى عائلات بعض الشهداء ومنهم عائلات خمسة من بين موظفي الأونروا الخمسة من الذين سقطوا في مخيم اليرموك.
    إن تلك اللفتة من قبل المفوض العام لوكالة الأونروا، تحمل معاني ودلالات صارخة، كان على القوى الفلسطينية أن تبادر لصنع الأفضل منها من خلال انغراسها وسط الناس في هذه المحنة التي يعيشها فلسطينيو سوريا، فلماذا لايقتدي بعض أعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية بالمفوض العام للأونروا ويقومون بزيارة مخيمات سوريا وتفقد أحوال الناس والشهداء، وهي المخيمات التي تعمشقوا ووصلوا إلى مواقعهم على تضحيات أبنائها وأبناء عموم الشتات الفلسطيني...؟
    إن فلسطينيي سوريا، وانطلاقاً من دورهم الوطني التاريخي، يستحقون التحية والتبجيل والاحترام من قبل قياداتهم الوطنية الموجود في الداخل الفلسطيني وفي عموم الشتات، كما يستحقون منها الاهتمام بحالهم وأحوالهم في ظل الأزمة التي يعيشونها الآن، فهم رواد الثورة والمقاومة، وطلائع المناضلين الذين شقوا الدروب الصعبة والقاسية في مسار الحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة منذ بواكير الثورة.
    في الانتفاضتين الأولى والثانية ... مخيم اليرموك لم ينم ووصل ليله بنهاره أشعل شوارعه بالمسيرات ليل نهار. وعلى مدى خمسة وستين عاماً، قدم مخيم اليرموك الآلاف المؤلفة من الشهداء دفاعاً عن الثورة الفلسطينية، وفي حرب العراق قدم زهرة شبابه دفاعاً عن أرض العرق وشعبها، وفي حرب المخيمات في لبنان هب شباب مخيم اليرموك لنجدتها وقدموا أولادهم فداء للمخيمات الفلسطينية في لبنان. والعام الماضي قدموا عشرات الشهداء على ارض الجولان الحبيب .... لكن، وعندما يقصف المخيم يموت أبناؤه وحدهم .. . فمخيم اليرموك تعود على الاستشهاد وحده كما كتب البعض من أبناء مخيم اليرموك على جدران مداخل المخيم أثناء الخروج الأخير في التغريبة الثانية لفلسطينيي سوريا.


    إسرائيل والعبور إلى «غولدستون- 2» من بوابة الاستيطان!
    بقلم: مأمون الحسيني عن الوطن السورية
    ينسجم استهتار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالأمم المتحدة وبالمواقف الدولية المنددة بالهجمة الاستيطانية الأخيرة، وبالأخص مشروع البناء في منطقة «آي 1» الواقعة بين القدس وأريحا، والتي تفصل شمال الضفة الغربية عن جنوبها، وفي مستوطنة «جيفات هاماتوس»، ومستوطنتي «جيلو» و«رامات شلومو» اللتين تتجاوزان ما يسمى «الخط الأخضر» الذي يفصل أراضي 1948 عن الضفة الغربية المحتلة، فضلا عن بناء نحو 10 آلاف وحدة استيطانية جديدة في الضفة الغربية ينسجم هذا الاستهتار تمام الانسجام مع نسق الخطاب والسلوك الإسرائيليين المعتمدين منذ إقامة الكيان العبري قبل نحو ستة عقود ونصف العقد، واللذين دشنا مسيرتهما الخارجة عن كل الشرائع والأعراف والقوانين الدولية والإنسانية، باغتيال الوسيط الدولي الكونت السويدي الجنسية فولك برنادوت في 17 أيلول 1948 بعد إعداده تقريرا أدان فيه عصابات الإرهاب الصهيونية.
    وعلى رغم ذلك، وتحت وطأة المتغيرات الوازنة التي تشهدها المنطقة والعالم، ولاسيما خلال العامين الأخيرين، ثمة خشية إسرائيلية متنامية من إمكانية خروج ردود الفعل الدولية الرافضة للهجوم الاستيطاني الأخير عن سكتها المعتادة التي كانت تتجه، على الدوام، نحو الاكتفاء بالاستنكار والتنديد، وخاصة في ظل إدانة وشجب 14 عضواً من أصل 15 في مجلس الأمن الدولي، بما فيها ألمانيا وبريطانيا وفرنسا والبرتغال، قرارات البناء في القدس وفي الأراضي المحتلة، وظهور العديد من المؤشرات على احتمال صدور «تقرير غولدستون - 2» عن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة الذي قطعت دولة الاحتلال علاقاتها به بعد أن قرر في آذار 2011 تشكيل لجنة تحقيق دولية في آثار البناء الإسرائيلي في المستوطنات على حقوق الفلسطينيين في المناطق المحتلة بما في ذلك في شرقي القدس، والتي لم تسمح لها سلطات الاحتلال بدخول الأراضي المحتلة.
    ووفق المعطيات وما يدب على الأرض، فإن مصدر الخشية الإسرائيلية، التي يسلَط عليها ضوء دبلوماسي وإعلامي، لا يتعلق فقط بتأثير المتغيرات الإقليمية والدولية على المواقف الغربية فقط، وإنما كذلك بانعكاسات عمليات الاستيطان المزمع الشروع بها على الخريطة الجغرافية والديمغرافية والسياسية في الأراضي المحتلة عام 1967، ولاسيما مشروع بناء 3000 وحدة سكنية وعدة فنادق في منطقة «آي 1»، والذي ستؤدي ترجمته على أرض الواقع إلى فصل شمال الضفة عن جنوبها بشكل كامل، أي منع إقامة دولة فلسطينية متواصلة جغرافيا، وإخراج القدس الشرقية من دائرة التداول بعد تهويدها بشكل شبه كامل، وإقامة ما يسمى «القدس الكبرى» التي ستقتطع ما نسبته 10% من أراضي الضفة الغربية، وتصبح في قلب الكيان العبري بعد أن كانت على تخومه، فضلا عن تهيئة الظروف لتشييد ممرات برية بعرض 15 كيلومتراً وعمق نحو 35 كيلومتراً تصل ما بين البحر المتوسط وغور الأردن الذي يرتفع منسوب تهويده باطراد.
    ولعل من المهم، في هذا السياق، الإشارة إلى أن «البعد الانتخابي» في هذه الموجة الاستيطانية التي تعتبر الأكبر في السنوات الأخيرة، لا يشكل الأساس الذي يحرك نتنياهو وحكومته، وذلك على رغم أن أكثر الجمهور الإسرائيلي، ووفق ما يشير إسرائيل هرئيل في «هآرتس»، يريد القدس كاملة غير مقسّمة. ومن أجل سد كل باب لتقسيمها هناك حاجة إلى بناء كثيف في الأحياء الجديدة، وأنه «لا مناص من استنتاج أن الهدف الرئيس لـ«حملة القدس الدعائية» ذات الضجيج هو منع انتقال مصوَتي «الليكود» إلى اليمين»، ذلك أن الاستيطان يعتبر الإستراتيجية الإسرائيلية التي تشكل جوهر الصهيونية ومشروعها، وبالتالي فإن الهدف الإسرائيلي من الهجوم الاستيطاني الجديد هو السيطرة على الحد الأقصى من الأرض مع الحد الأدنى من الفلسطينيين، والادعاء أن الفلسطينيين يمكنهم أن يقيموا دولة مستقلة على باقي الأراضي التي تسيطر إسرائيل على مداخلها ومخارجها، وعلى اقتصادها ومياهها، وكذلك على غور الأردن، وعلى البحر الميت، وعلى المجال الإلكترومغناطيسي، وعلى «القدس الكبرى»، وعلى الحدود مع الأردن.
    على أرضية ما سبق، واستباقا لإمكانية إعادة إنتاج تقرير جديد على شاكلة تقرير غولدستون الأول الصادر عن لجنة التحقيق الدولية المنبثقة عن مجلس حقوق الإنسان في أيلول 2009 الذي أكد، في أكثر من خمسمئة صفحة، تورط الجيش الإسرائيلي في ارتكاب جرائم حرب وجرائم بحق الإنسانية خلال عدوانه قبل الأخير على قطاع غزة، تستعد وزارة الخارجية الإسرائيلية لمواجهة آثار هذا التقرير المتوقع صدوره في آذار المقبل من قبل لجنة خاصة شكلها المجلس ذاته «لفحص البناء الاستيطاني في الأراضي الفلسطينية» الذي يعتبره القانون الدولي «جريمة حرب». ومن بين الاحتمالات التي تم تداولها إمكانية تبني مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة للتقرير، والطلب من المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي إصدار موقف عن التوسع الاستيطاني، فضلا عن إجراءات عقابية ضد إسرائيل أو تشكيل أجهزة متابعة ورقابة على البناء في المناطق المحتلة.
    وبعيداً من الحجج التي تعدها حكومة نتنياهو لمواجهة التقرير المتوقع، بما في ذلك الزعم أن التقدم في مخططات البناء منوط بالسلوك الفلسطيني بعد قرار منح فلسطين صفة دولة غير عضو في الأمم المتحدة، واحتمال طلبهم الانضمام إلى وكالات دولية أخرى، من بينها المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، والادعاء كذلك أن البناء في «آي 1» لا يمس التواصل الإقليمي للدولة الفلسطينية المستقبلية الذي يمكن أن يكون فوق الأرض (جسوراً) أو تحتها (أنفاقاً)، فإن من واجب الفلسطينيين والعرب وجميع الدول الرافضة للاستيطان، تكثيف تحركهم السياسي والدبلوماسي والإعلامي، وممارسة الضغوط المختلفة، لتحويل التقرير المتوقع إلى وثيقة إدانة للمسؤولين السياسيين والعسكريين الإسرائيليين، وعدم تفويت الفرصة المتاحة لمحاسبتهم عن الجرائم المرتكبة في حق الشعب الفلسطيني وأرضه المحتلة، وعدم السماح بإضافة «غولدستون- 2» المرتجى إلى سوابقه في أرشيف مكتبة الأمم المتحدة.


    العدوان والدفاع الشرعي من منظور القانون الدولي والممارسة الاسرائيلية والأمريكية
    بقلم: علي الهرّابي عن الشروق التونسية
    العدوان هو كل عمل عسكري برّي جوي أو بحري ينتهك السيادة الاقليمية للدولة أو استقلالها السياسي يؤدي الى مسؤولية دولية للدولة المعتدية ويتكفل بردعه مجلس الأمن الدولي عملا بأحكام الفصل السابع من الميثاق وتحديدا المواد 39 الى 42 منه ويفتح المجال للتقاضي أمام المحكمة الجنائية الدولية ضد القادة السياسيين والعسكريين للدولة المعتدية وذلك من أجل جريمة العدوان التي أقرها ميثاق روما للمحكمة الجنائية الدولية وفي المقابل يفتح العدوان المجال أمام الدولة المعتدى عليها لممارسة حقها في الدفاع الشرعي بشرط أن يكون العدوان قد وقع وأن يكون الرد متزامنا معه وان يتناسب الرد على العدوان مع العدوان ويتناسب الدفاع مع الهجوم حتى لا يتحوّل الرد على العدوان الى عدوان في حد ذاته على أن يقع اعلام مجلس الأمن بجميع تلك الاجراءات حتى يتحمل مسؤولياته لاحقا في ردع العدوان والحفاظ على السلم والأمن الدوليين.
    لكن تلك مقولات قانونية أضحت مهجورة في واقع العلاقات الدولية المحكوم بالقوة أين أعطيت مفاهيم مغايرة للعدوان وحق الدفاع الشرعي الى درجة شرعية العدوان بتعلة ممارسة حق الدفاع الشرعي لمنع عدوان وارهاب محتمل وامتلاك محتمل لأسلحة الدمار الشامل وكل هذا يتنزل في اطار الحروب الوقائية والضربات العسكرية الاستباقية التي طالما برّرتها اسرائيل وأمريكا فلاقت الانتقاد تارة والاستحسان تارة أخرى الى أن وقع تكريسها فعليا بعد هجمات 11 سبتمبر.
    فإذا كان من منظور القانون الدولي أن قصف مركز البحوث النووي العراقي تموز سنة 1984 وقصف مقر القيادة الفلسطينية في حمام الشط في تونس سنة 1985 واغتيال أبو جهاد سنة 1988 وقصف مصنع الاسلحة بالخرطوم سنة 2012 والاعتداء الحالي على غزة من قبيل الاعمال العسكرية العدوانية فإن اسرائيل تعتبره دفاع شرعي لمنع عدوان أو ارهاب محتمل وامتلاك محتمل لأسلحة الدمار الشامل وقد تدعم هذا المفهوم كذلك أمريكا خاصة بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر إذ تم احتلال افغانستان سنة 2001 الى الآن بتعلة الدفاع الشرعي ومقاومة الارهاب ليقع احتلال العراق لاحقا سنة 2003 بتهمة احتمال امتلاكه لأسلحة الدمار الشامل التي ثبتت عدم صدقيتها وقد سقط في فخ هذا المفهوم مجلس الأمن وخاصة العرب والمسلمين فالمجلس أعطى صكا على بياض للقوى العظمى لشن الحروب عملا بقراراته 1368 و1973 لسنة 2001 المتعلقة بافغانستان إذ أعطى القرار 1973 الحق لأي دولة في اعلان الحرب متى تشاء وضد من تشاء إذا اشتبهت أو تأكدت بأن الطرف الآخر يمارس أو يحضّر للارهاب وأن ما سيقوم به هو عمل ارهابي وذلك دون اعتماد أية مرجعية أخرى مثل مجلس الأمن أما العرب والمسلمين ففيهم من ساند وفيهم من صمت حيال احتلال العراق بتعلة امتلاكه للاسلحة المحظورة ودون إذن من مجلس في تجاوز واضح وتأويل منصف للقرار 1441 لسنة 2002 الذي يشترط صدور قرار جديد يبيح التدخل العسكري في العراق خاصة وان القرار 678 لسنة 1991 تحدث في فقرته ح13 عن شرق أوسط خالي من أسلحة النمار الشامل ولكن لا أحد طالب بضرورة إلتزام اسرائيل به.
    وحيال هذا الصمت ثم الشرعنة للمفاهيم الجديدة للعدوان والدفاع الشرعي المسوّقة أمريكيا واسرائيليا عادت ما يسمّى بالحروب الوقائية والضربات المباغتة والاستباقية الى مسرح الأحداث في العلاقات الدولية حيث أن من أهم قواعد تلك الحروب الوقائية هي اعتمادها على الضربات المباغتة دون انتظار انكشاف الأدلة العدوانية للطرف الآخر المقصود وهو ما أوضحه وزير الدفاع الأمريكي الأسبق رامسفيلد في اجتماع لوزراء دفاع الحلف الأطلسي ببروكسال بتاريخ 6 جوان 2002 حيث قال ان الحلف الأطلسي لا يمكن أن ينتظر الدليل الدامغ حتى يتحرّك ضد المجموعات الارهابية أو يهدد الدول التي تملك الأسلحة الكيمياوية والبيولوجية والنووية الأمر الذي يهدد السلم والأمن الدوليين ويعرضهما الى الخطر ويجعل الاستقرار العالمي رهين بالإرادة الأمريكية المنفردة غير الملتزمة بأي سلطة دولية أخرى غير السلطة الأمريكية.
    ومن هذا المنظور يعتبر الآن أوباما أن العدوان الاسرائيلي هو عمل شرعي وردّ على الصواريخ المنطلقة من غزة متناسيا أن الصواريخ انطلقت بعد خرق اسرائيل للتهدئة باغتيالها لأحد القادة الميدانيين لـ«حماس» ومن هذا المنظور سيقع التعامل مع طهران في أقصى الأحوال الربيع القادم خاصة بعد سقوط دمشق وتنامي الاتجاه المخالف للقانون الدولي والمصمم على تسليح ثوار سوريا وما العدوان على غزة إلا مقدمة وجسّ نبض لموقف دول الربيع العربي وخاصة مصر ولكن في كل الأحوال الواقع العربي غير قادر على تعبئة تحالف عسكري ضد اسرائيل ولا حتى ضغط دبلوماسي داخل مجلس الزمن لفرض حظر جوي فوق غزة وإدانة العدوان وذلك بفعل الفيتو الأمريكي أما مستقبل الأيام فسيكشف أن الخليج والشرق الأوسط على أبواب حروب وقائية وضربات استباقية وأن الحسم العسكري بات وشيكا وربيع 2013 نقطة الصفر فاليوم غزة وغدا دمشق وما بعد غد طهران بدءا من ولاية أخيرة لأوباما التي ستجعله في حل من كل التزام وملامح ذلك بدأت منذ الأسبوع الأول من انتخابه حيث وقع اشتباك جوي بين طائرة أمريكية ومقاتلات إيرانية فوق مياه الخليج مع وعيد بالردّ القاسي من طرف الإدارة الأمريكية تلاه التزام واضح برفض التوجّه الفلسطيني للأمم المتحدة للمطالبة بعضوية غير قارة وصولا الى تبرير العدوان الحالي على غزة.
    في انتظار ما ستفرزه الانتخابات الاسرائيلية المزمع إجراؤها في 22 جانفي 2013 وما سيحصده تحالف ـ الليكود بيتنا ـ من نتائج وهو تحالف بين حزبين يمينيين متطرفين الليكود بزعامة نتنياهو وإسرائيل بيتنا بزعامة ليبرمان وما العدوان على غزة إلا حملة انتخابية مسبقة للتأثير على الناخب الاسرائيلي واستميال الأحزاب الدينية وهكذا تذهب دوما الدماء العربية وقودا للانتخابات الأمريكية والاسرائيلية ليقع تكريس مفهوم أمريكي وإسرائيلي مغلوط للعدوان والدفاع الشرعي في إطار زيف واضح للشرعية الدولية.

    ماذا بقي من الربيع العربي؟
    بقلم: عادل الجبوري عن الزمان العراقية
    من الطبيعي انه بعد عامين على اندلاع شرارة الربيع العربي ان تطرح وتثار مثل تلك التساؤلات، سواء بين اوساط النخب السياسية والفكرية والثقافية، او في الشارع العربي على وجه العموم.
    والتساؤلات في مؤداها ومجملها يمكن ان تعكس قدرا غير قليل من خيبة الامل والاحباط اكثر مما هي تعبر عن رضى وارتياح وقبول بما تحقق حتى الان. فثورات الربيع العربي التي اشعل شرارتها الاولى المواطن التونسي محمد البوعزيزي في التاسع عشر من شهر كانون الاول»ديسمبر من عام 2010، حينما اضرم النار في جسده احتجاجا على الواقع الحياتي السيء الذي كان يرزح تحت وطأته هو والالاف ــ وربما الملايين ــ من ابناء جلدته في تونس وغيرها، اصطدمت بواقع ينطوي على ازمات واشكاليات وعقد كبيرة وكثيرة، سياسية واجتماعية وقيمية.
    صحيح ان ما فعله ذلك الشاب التونسي اليائس قلب الموازين في العالم العربي رأسا على عقب لانه حطم كل حواجز الخوف والتردد النفسية لدى ملايين الناس في شرق العالم العربي ومغربه، بحيث ان الجماهير الغاضبة والتي تراكم لديها الرفض والاستياء على امتداد عقود من الزمن نجحت في الاطاحة بأنظمة ديكتاتورية استبدادية ربما لم يكن في خلد الكثيرين ان سقوطها ممكنا ومتاحا على المدى المنظور ووفق الحسابات المادية الملموسة والمحسوسة، بيد ان ذلك لم يكن نهاية مسيرة الاستبداد والتسلط والطغيان، وبداية عهد الحرية والعدالة والديمقراطية والازدهار.
    وبعد سقوط النظام التونسي جاء الدور على النظام المصري، ثم النظام الليبي، واهتزاز النظام اليمني، وانظمة اخرى. لتنفتح الابواب مشرعة على عهد جديد يختلف عن العهد السابق، او هكذا يفترض و هكذا ينبغي ان يكون.
    وبدلا من الديكتاتورية والاستبداد والتسلط والطغيان والاحكام البوليسية ومصادرة الحريات وحكم الحزب الواحد، لاحت افاق الحرية والديمقراطية والتعددية والانتخابات والتداول السلمي للسلطة، كما حصل في العراق قبل مايقارب العشرة اعوام.
    وطبيعي ان كل ذلك لايمكن له ان يتحقق بيسر وبسرعة وسهولة، وانما هناك استحقاقات كبيرة لابد من تحملها، فعملية البناء والتصحيح قد تكون اصعب واعقد بكثير من عملية الهدم والتفكيك.
    واذا كانت ثورات الربيع العربي قد افلحت في اسقاط انظمة ديكتاتورية استبدادية، وستفلح في اسقاط انظمة اخرى مستقبلا، فأنها في هذه المرحلة وفي المراحل اللاحقة ستكون امام تحديات كبيرة وخطيرة، تتمثل في كيفية المحافظة على المنجزات المهمة التي تحققت، من خلال تجنب الصراعات والحروب الداخلية الاهلية، وترسيخ اسس ومفاهيم وركائز الحرية والديمقراطية وصيانة حقوق الاقليات وتكريس مظاهر التعايش السلمي وعدم الانجرار وراء الاجندات والمشاريع الخارجية، والعمل الجاد والمخلص لازالة كل مخلفات الانظمة السابقة، والحرص على عدم تكرار الاخطاء التي ارتكبتها والسلبيات والكوارث التي خلفتها.
    ولان تركة الانظمة الديكتاتورية الشمولية كبيرة وامتدت لعقود من الزمن، ولان الاجندات والمؤثرات الخارجية حاضرة على طول الخط، ولان مقومات النهوض والتطور والاصلاح مازالت غير مكتملة ولامتكاملة، ولان القوى الجديدة لم تستوعب بعد كل حقائق العصر ومتطلباته ومقتضياته، فأنه من الطبيعي جدا ان تغيب مظاهر الاستقرار والازدهار، وتتعثر مشاريع التغيير والاصلاح هذا اذا كانت فعلا هناك مشاريع من هذا القبيل وتطل الصراعات والحروب الاهلية برأسها، وتعود منهجيات التهميش والاقصاء ومعها التكفير والتخوين لتحدد مسارات ومضامين الثقافة السياسية لبعض ــ او معظم ــ القوى الجديدة.
    ما نشهده اليوم في مصر وتونس وليبيا واليمن، وكذلك في بلدان لم تتكلل حركات الرفض والثورة فيها حتى الان عن نتائج نهائية كما هو الحال في البحرين وسوريا والاردن، يبعث على الكثير من القلق، لانه لايعني سوى اعادة انتاج ثقافة النظم الاستبدادية، واعادة تفريخ الازمات والمشاكل الاجتماعية والسياسية والثقافية تحت عناوين ومسميات اخرى، وفي ظل بيئة قد لاتختلف عن البيئة السابقة في الكثير من ابعادها وجوانبها، ولايعني سوى دوران في ذات الحلقة المفرغة.
    ليس بالضرورة ان ينجح ضحية الامس في اصلاح الواقع وتصحيح مساراته، فضحية الامس ربما يتحول الى جلاد اليوم، ومؤشرات ذلك راحت تلوح في الافق السياسي وتتبلور وتتجلى مصاديقها يوما بعد اخر.
    قلنا في وقت سابق وكنا نستعرض بعض اشكاليات التجربة المصرية الجديدة في مقال تحت عنوان نزعات التطرف في الواقع العربي.. مصر نموذجا ان نزعات التطرف، ستولد صدامات وتقاطعات مزمنة على مستوى الطبقة السياسية العليا، تخلف لا استقرار سياسي، تستتبعه اضطرابات امنية، واختلالات اجتماعية عناوينها ومضامينها دينية ومذهبية وايديولوجية وتدخلات خارجية. هذه هي الحقائق الماثلة .. انها حقائق مؤلمة وصادمة، ولكن لابد من مواجهتها عاجلا ام اجلا .
    وبالفعل فأن الحراك الجماهيري في الشارع المصري وغيره يؤكد تلك الرؤية، لاسيما وان مستوى العنف فيه خطير للغاية، مضافا اليه اتساع الهوة بين اتجاهات سياسية وفكرية وثقافية واجتماعية يفترض انها تتوافق فيما بينها وتبحث عن نقاط الالتقاء وتقر بحقيقة ان ادارة شؤون الدولة والمجتمع لايمكن ان تتحقق عبر اتجاه واحد يلغي الاتجاهات الاخرى ويقصيها.
    لعل من بين ابرز واهم الحقائق التي اثبتتها ثورات الربيع العربي هي ان الحاكم المستبد يمثل جزءا من المشكلة وليس كل المشكلة، ورحيله خطوة واحدة في الطريق الصحيح، ولن يكون لها جدوى مالم تتحقق الخطوات اللاحقة.



    مصر في حكم الإخوان
    بقلم: محمد بن عبد اللطيف ال الشيخ عن الجزيرة السعودية
    في اليوم الثاني لسقوط برلين وانتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية كان المارك الألماني بلا قيمة تماماً؛ حتى يقال إن لصاً وجد كومة من الماركات مملوءة في سلة بلاستيكية، فأفرغها من الماركات وسرق السلة!.. وفي تقديري أن مصر سيأخذ بها الإخوان اقتصادياً إلى المآل ذاته إذا لم يتم تدارك الأمر على وجه السرعة؛ ولعل استقالة محافظ البنك المركزي الذي أعلن عنها في التلفزيون الرسمي تكشف أن ثمة اختناقا ماليا يعيشه الاقتصاد المصري، وارتباكا وعدم انسجام بين أقطاب البيروقراطية المصرية التي تضطلع بتسيير الدولة.
    صحيفة «الديلي تلغراف» نشرت تقريراً عن وضع مصر الاقتصادي تحت عنوان: (مصر بحاجة إلى 12 مليار دولار قرض إنقاذ لتفادي الإفلاس) جاء فيه كما نشرته البي بي سي: (إن الاقتصاد المصري على وشك ألا يجد النقد الكافي لتلبية الاحتياجات الأساسية للمواطنين بحلول الصيف. ويشير إلى مفاوضات بعيدا عن الضوء بين المسؤولين المصريين ومسؤولين من صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي. ويتفاوض الأوروبيون والصندوق مع ممثلين عن الحكومة المدعومة من العسكر وممثلين عن حزب الحرية والعدالة، الواجهة السياسية للإخوان المسلمين، للاتفاق على تفاصيل قرض الإنقاذ المالي). ويبدو أن هذه المفاوضات تعثرت بعد أزمة الدستور، والتجاذبات التي رافقت إقراره والتصويت عليه. كما أن الإخوان، رغم وضع مصر الاقتصادي الخطير في شغل عنه بمناوئيهم السياسيين، الذين يتربصون بهم -كما يقولون- ويخلقون لهم العقبات تلو العقبات، مستغلين نقص خبرتهم في إدارة الدولة وتخبطهم باتخاذهم القرارات ومن ثم الرجوع عنها.
    ورغم أن الولايات المتحدة تدعم مصر الإخوانية بكل ما أوتيت من قوة، حتى قيل إنها هي التي أتت بهم إلى السلطة، إلا أن تعقيدات الأوضاع في الداخل المصري، واتساع حجم المعارضة ضد كثير من القرارات التي اتخذتها القيادة الجديدة، خاصة ما يتعلق بالدستور (المفبرك)، وفرضه دون أن يتم التوافق عليه، جعل الولايات المتحدة تتريث في الذهاب بعيداً في الرهان عليهم؛ فكل المؤشرات تقول إن جماعة الإخوان لا يملكون المؤهلات لقيادة السفينة المصرية إلى بر الأمان؛ وأن التّرِكة التي ورثوها من حكم مبارك، خاصة الاقتصادية منها، تركة ثقيلة، من الصعب لتنظيم سياسي لا يملك تجربة وخبرة سياسية، ويواجه في الوقت ذاته عداوات أيديولوجية متنوعة، أن يستطيع التعامل معها.
    ويبدو أن فرض مصر الإخوانية دستوراً غير توافقي على الواقع المصري (بالقوة) أدى إلى نشوء حالة من التجاذبات بين مكونات المجتمع المصري، وخاصة التجاذب الطائفي الحاد بين الأقباط وتيارات الإسلام السياسي وعلى رأسهم جماعة الإخوان، وهذه سابقة غير معروفة في التاريخ المصري الحديث؛ وهو ما تنبه إليه معهد «جات ستون» الأمريكي للأبحاث السياسية في تقرير جاء فيه: (أوضاع الأقباط في مصر في الوقت الحالي مُقلقة، وسبب مخاوفهم أن القوى الإسلامية تحاول جاهدة أن تحوّل مصر إلى دولة دينية تشبه نموذج طالبان في أفغانستان، في حين أن التيارات المدنية تحاول أن تحافظ على وسطية الإسلام في البلاد، وقد وجد الأقباط أنفسهم في هذا الصراع؛ ولأنهم يريدون العيش في دولة مدنية، فقد أصبحوا متهمين ومستهدفين من جانب التيارات الإسلامية المتشددة ).
    وعلى أية حال، فإن كل المؤشرات تقول إن الإخوان سيفشلون في البقاء لفترة ثانية في الحكم، هذا - طبعاً - إذا لم يبقوا بقوة السلاح كما فعلت حماس في غزة.. وهناك كثيرون -أيضاً- بدؤوا يتحدثون عن ثورة جياع ثانية ستتفجر إذا ما استمرت الأوضاع الاقتصادية على حالها، يضطر بعدها الجيش للتدخل ويحسم الأمر.

    المُبالغة والمؤامرة" والعقل الشرق أوسطي
    بقلم: خالد عايد الجنفاوي عن السياسة الكويتية
    "إن الإنسان ولد حراً, وحيثما وُجد هو مقيد بالسلاسل" (جان جاك روسو).
    أعتقد أنه إذا كانت ثمة أزمة تفكيرية في أجزاء معينة من إقليمنا الشرق أوسطي فهي تتمثل غالب الوقت في رواج المبالغة والتأكيد المفرط على وجود مؤامرة ضد الفرد أو ضد المجتمع داخل الحياة اليومية وخارجها! وبالطبع, هذه المبالغة والافراط وغلو الآراء وخصوصا عند اتخاذ المواقف الشخصية والثقافية يؤدي إلى انفصال شبه تام عن الواقع الحياتي الفعلي. بل سيؤدي هذا النوع من التفكير الافراطي-إذا أردتم- إلى مجافاة الحقائق ورفض تصديق البراهين والأدلة والاستنتاجات البديهية: فأي نوع من الحياة اليومية ترسخها المبالغة والتفكير التآمري المفبرك, ما لم يكن نوع من الوجود الإنساني لا يلتزم المنطق ويرفض التفكير العقلاني.
    عالمنا المعاصر يميل تدريجياً نحو تكريس أساليب حياتية فاعلة وديناميكية وواقعيةوسلمية: فالمبالغة في تصوير ما يحدث في عالم اليوم, والاستمرار في امتطاء الغلو والتطرف في الآراء والاصرار على التأكيد اللامنطقي بأن العالم بأسره يتآمر على مجموعة عرقية أو دينية بذاتها يجافي الحقائق والأدلة والبراهين العلمية وواقع عالمنا الإنساني.
    فالإنسان المعاصر لن يتمكن من ربط آماله وتطلعاته المشروعة مع تمكنه من تحقيق حياة بناءة وهادفة ما لم يتخذ من التفكير المنطقي والنهج الحياتي العملي نبراساً ذهنياً يقوده نحو تحقيق النجاحات التي يستحقها. بمعنى آخر, عالم اليوم لم يعد يحتمل الغلو بكل أنواعه وأشكاله بل يرفض اقحام طرق التفكير الماضوية أو منحها دوراً رئيساً في تحديد مصير العائلة الانسانية والتي ملت من الأزمات والحروب وملت من تعنت المواقف وتطرف التوجهات. وملت بالخصوص من التطرف الثقافي والفكري.
    كفى بعض الشرق أوسطيين قبول المبالغة والتأكيدات المفرطة واللاواقعية في حياتهم اليومية: فإذا أرادوا فعلاً مواكبة التطورات العالمية في الاقتصاد وفي الثقافة وفي تحقيق الانجازات الحضارية البناءة, فحري بهم تكريس طرق تفكير عملية وإدراك أننا كشرق أوسطيين لا نزال جزءًا لا يتجزأ من عالمنا المعاصر: وهذا الأخير, أي عالم اليوم لم يعد عالماً غربياً بحتاً ولا شرقياً بحتاً, بل أصبح عالمنا المعاصر عالماً متوحداً في توجهاته الحضارية وقرية إنسانية صغيرة يتعايش أعضاؤها مع بعضهم عن طريق التعاون البناء فيما بينهم الإنسان الحر قولاً وفعلاً هو من يتخلص طوعاً وبإرادته الشخصية من كل أنواع السلاسل والقيود خصوصا تلك التي تمنعه من التواصل البناء مع أخيه الإنسان المختلف عنه فلعل وعسى وربما.

    القمة الخليجية.. بماذا خرجت؟!
    بقلم: فيصل الشيخ عن الوطن البحرينية
    شخصياً؛ أجزم أن كثيرين يتفقون معي أن أهم نتيجة خرجت بها قمة مجلس التعاون التي أقيمت في المنامة هي إنشاء قيادة عسكرية موحدة.
    تعزيز المنظومة الأمنية المشتركة لدول مجلس التعاون تأتي اليوم على رأس الأولويات، خاصة في ظل التهديدات الواضحة التي تتعرض لها المنطقة، والتي لا يحاول التغاضي عنها أو غض الطرف عنها إلا فئات تريد استباحة أمن المنطقة وإشاعة أجواء الفوضى فيها لتمهد بذلك أرضية مناسبة لمن لديه أطماع في هذه الدول ليقوم بخطوة أخرى في اتجاه زعزعة استقرار المنطقة الخليجية.
    منذ بدء ثورات الربيع العربي وهناك من حاول جاهداً إقحام دول الخليج فيها قسراً رغم الاختلاف البين والشاسع بين البلدان التي حصلت فيها هذه الثورات وبين دولنا الخليجية. إزاء ذلك كانت الوحدة الخليجية ومنظومات التعاون المشترك بالأخص في الجانب العسكري هي الرادع أمام كل من حاول إشعال نار الفتن وإشاعة أجواء الفوضى بذريعة ربطها بالربيع العربي.
    رأينا كيف كان تأثير انتقال قوات درع الجزيرة المشتركة إلى البحرين في توقيت كانت القوى الطامعة فينا تستنهض طوابيرها الخامسة في بلدنا وبعض دول الخليج، رأينا كيف تسبب دور قوات درع الجزيرة في إسقاط كثير من الأقنعة ودفع الانقلابيين للبوح بمكنوناتهم، وفي دفع هذه القوى وعناصرها وأتباعها ومواليها للصراخ على قدر ألمهم بشأن المنظومة العسكرية الخليجية.
    قد يقول قائل بأن اجتماعات دول مجلس التعاون امتدت لأكثر من ثلاثة عقود وأن عديداً من ملفاتها المعنية بتوحيد العملة والسوق الخليجية وغيرها مازالت تبحث عن اتفاق نهائي وتطبيق فعلي على الأرض، في محاولة لتصوير حراك المجلس بأنه «بطيء» أو»غير فعال»، في حين أن الرد على ذلك يأتي ببيان المنجزات على صعيد التفاهمات واتفاقيات التعاون الخليجية في المجال الدفاعي والعسكري وآخرها ما تمخضت عنه قمة المنامة هي ما نعتبرها اليوم على رأس الأولويات، هي أهم بند أو ملف يناقش ويتفق عليه، أهم حتى من السوق الخليجية ومن توحيد العملة وغيرها من ملفات يمكن أن تتحقق على المدى الزمني البعيد.
    نقول ذلك لأن أساس كل شيء مبني وقائم على أمن واستقرار المنطقة الخليجية، والتي إن لم تتحقق فلا فائدة من كل مناقشات أخرى معنية بملفات أقل أهمية من تلك المعنية بالحفاظ على كيانات هذه الدول وأمن شعوبها.
    منذ محاولة اختطاف البحرين، وما صاحبها من فوضى مفتعلة في بعض مناطق المملكة العربية السعودية، يضاف إليها الاختراقات وتحركات الطابور الخامس في الكويت، كان لتلاحم دول مجلس التعاون خاصة في الجانب الأمني والعسكري الدور الأكبر في تأمين دول المجلس ودفع الطامعين بنا للتفكير ألف مرة إزاء أي خطوة تستهدف هذه الدول، ولذا نرى بأن التحركات تمثلت عبر تحريك الطوابير الخامسة داخل دول مجلس الخليج، والتي لن تنجح في زعزعة استقرار هذه الدول كمنظومة خاصة في ظل التلاحم المشترك وفي ظل هبة الشعوب الخليجية ووقفتها مع أنظمتها العربية. طالبنا كثيراً طوال الأشهر الماضية بتوحيد الصفوف الخليجية، وأن يتمثل ذلك بتوحيد الجيوش الخليجية وتطوير منظومة درع الجزيرة، واليوم نرى هذا يتمثل بإنشاء قيادة عسكرية خليجية موحدة وجودها سيدفع من يطمع بنا للتفكير ألف مرة قبل أن يحاول فعل أي شيء.
    طبعاً اتحاد دول الخليج وشعوبها العربية مسألة تثير جنون من يكره رؤية دول مجلس التعاون متحدة، مسألة تبعث القلق في نفوس من يريد بعثرة توافق دول الخليج، هذه الدول التي لن تتبعثر بإذن الله لا عبر محاولات القوى الطامعة بها ولا عبر طوابيرها الخامسة.


    الملفات المرفقة الملفات المرفقة

المواضيع المتشابهه

  1. اقلام واراء عربي 285
    بواسطة Haneen في المنتدى أقلام وآراء عربي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2013-01-07, 01:28 PM
  2. اقلام واراء عربي 282
    بواسطة Haneen في المنتدى أقلام وآراء عربي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2013-01-07, 01:25 PM
  3. اقلام واراء عربي 281
    بواسطة Haneen في المنتدى أقلام وآراء عربي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2013-01-07, 01:24 PM
  4. اقلام واراء عربي 280
    بواسطة Haneen في المنتدى أقلام وآراء عربي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2013-01-07, 01:22 PM
  5. اقلام واراء عربي 278
    بواسطة Haneen في المنتدى أقلام وآراء عربي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2013-01-07, 01:15 PM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •