- معادلة المفاوضات والمصالحة
المركز الفلسطيني للإعلام ،،، نقولا ناصر
- الغارة الصهيونية على سوريا الأسباب والتداعيات
المركز الفلسطيني للإعلام ،،، ياسين عز الدين
- ونحن نعيش ذكرى فتح القدس..
المركز الفلسطيني للإعلام ،،، سري سمّور
المركز الفلسطيني للإعلام ،،، مصطفى الصواف
فلسطين الآن ،،، نور رياض عيد
- لا ناقة لحماس ولا بعير في أحداث مصر
فلسطين الآن ،،، أيمن أبو ناهية
- معادلة المفاوضات والمصالحة
فلسطين الآن ،،، نقولا ناصر
|
معادلة المفاوضات والمصالحة
المركز الفلسطيني للإعلام ،،، نقولا ناصر
يلفت النظر أنه كلما ازدادت الحركة الدبلوماسية التي تستهدف "تحريك" الاتصالات أو المحادثات المباشرة أو غير المباشرة بين دولة الاحتلال الإسرائيلي ومنظمة التحرير الفلسطينية من أجل "استئناف" المفاوضات المباشرة بينهما في نهاية المطاف تراجعت فرص تنفيذ اتفاق المصالحة الفلسطينية، وبالعكس، وهو ما يعيد الجدل الوطني الفلسطيني إلى المربع الأول.
فالمفاوضات ومرجعياتها وعقمها طوال عقدين من الزمن تقريباً كانت من الأسباب الرئيسية للانقسام الوطني، وكان وصولها إلى طريق مسدود هو الذي فتح الباب على مصراعيه أمام التوافق الوطني على إنهاء هذا الانقسام، ويتضح اليوم أن الجهود العربية والدولية الجارية حالياً لتحريك محادثات تقود إلى استئناف المفاوضات إنما تضع العصي في عجلات المصالحة التي اتفق على آلياتها التنفيذية باتفاق القاهرة الأخير، ليتأكد مجدداً أن منح الأولوية في المصالحة للانتخابات وتأليف حكومة وطنية جديدة قبل التوافق الوطني على المسائل الاستراتيجية سوف يظل وضعا "لـلعربة أمام الحصان" في المفاوضات والمصالحة على حد سواء.
لقد تأجل اجتماع الفصائل الفلسطينية الذي كان مقررا لتنفيذ المصالحة يوم الأربعاء الماضي إلى أجل غير مسمى، ولم يعد اجتماع الاطار القيادي المؤقت المقرر في الثامن من هذا الشهر بالقاهرة موعدا مؤكدا، ولا مواعيد اطلاق أعمال لجان المصالحة الخمس، وأعلن الناطق باسم حركة حماس سامي أبو زهري أنه "سيتم التواصل لتحديد موعد" لقاء القاهرة حول تأليف حكومة التوافق، ضمن مؤشرات أخرى إلى النتائج السلبية لـ"هجوم دبلوماسي" يسعى حاليا إلى استئناف المفاوضات على جهود تنفيذ المصالحة الوطنية، وهي نتائج سلبية لا تكفي لتبديد أثرها الأجواء المتفائلة الايجابية التي تحيط بجهود المصالحة، فالتوافق الوطني على الاستراتيجية الوطنية في المرحلة المقبلة يظل شرطا مسبقا لإنهاء التناقض الراهن في معادلة المفاوضات والمصالحة.
ويبدو مفاوض منظمة التحرير العاطل عن العمل منذ تولى بنيامين نتنياهو رئاسة الحكومة في دولة الاحتلال قبل أربع سنوات محكوما عليه بتمديد بطالته لمدة أربع سنوات أخرى بعد أن تمخضت الانتخابات الأخيرة عن تفويض نتنياهو بولاية ثالثة، لكن هذا المفاوض كما تشير كل الدلائل ما زال يراهن على نتائج ما يمكن وصفه الآن ب"هجوم دبلوماسي" كانت الاستعدادات تجري له لينطلق بعد إجراء الانتخابات العامة في الولايات المتحدة وفي دولة الاحتلال.
وفي سياق "الهجوم الدبلوماسي" عاد في الأسبوع الماضي ممثل الولايات والأمم المتحدة والاتحادان الأوروبي والروسي في اللجنة الرباعية الدولية، توني بلير، لاستئناف مهامه، فاجتمع مع قيادة منظمة التحرير ومع نتنياهو، و"نجح" في "إقناع" نتنياهو بالإفراج عن حصيلة شهر واحد فقط من أموال المقاصة والضرائب الفلسطينية التي تحتجزها حكومته منذ تشرين الثاني الماضي، لكنه فشل في انتزاع موافقته على "تعهد بمواصلة التحويلات في ما بعد"، كما نقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن المتحدث باسمه مارك ريجيف.
لقد مضت أكثر من خمس سنوات على بلير في مهمته الفاشلة كممثل "للرباعية"، و"إذا حكمنا بالنتائج، فإنها تحت الصفر" كما قال المعلق الاسرائيلي عكيفا الدار لمراسل "التلغراف" البريطانية، بيتر أوبورن، في السادس عشر من الشهر الماضي. ووجه كثير من مفاوضي المنظمة انتقادات علنية لبلير وطالب بعضهم علنا باستبداله، لعدم جديته، وتواطئه مع دولة الاحتلال، وانشغاله بزيادة ثروته الشخصية التي قدر أوبورن بأنه يزيدها بمعدل عشرين مليون دولار أميركي سنويا، وهو انشغال بالكاد يتيح له زيارة القدس مرة واحدة في الشهر لمدة يومين أو ثلاثة بالمقارنة مع سلفه جيمس وولفنسون الذي كان مقيما "دائما تقريبا" في المنطقة، بحيث أصبح استبدال بلير معيارا لجدية "الرباعية" في جهودها، وأصبح قبول المنظمة باستمراره في مهمته إصرارا على تجربة المجرب يهدد بالتضحية بالمصالحة الوطنية لصالح المراهنة على استئناف مفاوضات محكوم عليها بالفشل.
وفي سياق "الهجوم الدبلوماسي" أيضا أعلن السفير الأميركي في دولة الاحتلال، دان شابيرو، يوم الجمعة قبل الماضي أن وزير الخارجية الأميركي الجديد جون كيري سوف يزور المنطقة "قريبا"، خلال شباط الجاري حسب تقارير إخبارية، ليلتقي عباس ونتنياهو "ليحاول بدء عملية السلام الاسرائيلية الفلسطينية من جديد"، ومن المتوقع أن تستقبله الرئاسة الفلسطينية كممثل للرئيس الأميركي باراك أوباما في ولايته الثانية، متجاهلة عدم دعوة ممثلها في واشنطن معن رشيد عريقات لحفل التنصيب الرسمي لأوباما، يحدوها أمل غير واقعي في ان تتكيف الإدارة الأميركية الجديدة مع اعتراف الأمم المتحدة بدولة فلسطين.
لكن معيار التكيف الأميركي مع الاعتراف الأممي بدولة فلسطين الذي يؤهل الولايات المتحدة للاستمرار في القيام بدور الوسيط والراعي لأي عملية سلام مجدية بين "دولة فلسطين" و دولة الاحتلال هو إعلان أميركي صريح بسحب التعهدات التي التزم بها سلف أوباما، جورج بوش الابن، في رسالته التي بعثها إلى رئيس وزراء الاحتلال الأسبق آرييل شارون في الشهر الرابع من عام 2004، وهي تعهدات تجحف تماما بحدود أي دولة فلسطينية بحدود ما قبل الاحتلال الاسرائيلي عام 1967، ومن دون سحب هذه التعهدات الأميركية فإن أي قبول فلسطيني باستمرار الوساطة والرعاية الأميركية سوف يعني فقط موافقة على الاجحاف بحدود الدولة المأمولة، وبما أن اي "تكيف" أميركي كهذا ليس متوقعا في أي مدى منظور فإن استئناف مفاوضات تتوسط فيها وترعاها الولايات المتحدة هي مفاوضات محكوم عليها بالفشل كذلك وليست جديرة بالتضحية بالمصالحة الوطنية من أجلها.
وضمن "الهجوم الدبلوماسي" كذلك زيارة سوف يقوم بها وفد يضم الأردن وبعض الدول العربية وبريطانيا وفرنسا وألمانيا لواشنطن خلال الشهر الحالي أو المقبل ليقولوا للرئيس الأميركي: "السيد الرئيس، لقد حان الوقت للانخراط فعلا في العملية الاسرائيلية الفلسطينية" كما قال عاهل الأردن الملك عبد الله الثاني على ذمة وكالة الصحافة الفرنسية. لكن إذا لم تكن المطالبة بسحب هذه التعهدات الأميركية، وكذلك المطالبة باستبدال توني بلير كدليل على جدية أية مساع جديدة للجنة الرباعية الدولية، هما الهدف من الزيارة، فإنه لا جدوى من التضحية بالمصالحة الوطنية من آجل آمال كالسراب مبنية على نتائجها المتوقعة.
ولا تقتصر المساهمة الأوروبية في هذا "الهجوم الدبلوماسي" على هذه الزيارة المرتقبة، فقد التقى مبعوث الاتحاد الأوروبي أندريس رينيك الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي يوم الثلاثاء الماضي لتجنيد الجامعة من أجل "إطلاق مفاوضات سلام بناءة" خلال العام الحالي، وسط أنباء راجت عن "مبادرة" مماثلة فرنسية بريطانية مشتركة نفى كبير مفاوضي منظمة التحرير صائب عريقات أي وجود مادي لها.
الغارة الصهيونية على سوريا الأسباب والتداعيات
المركز الفلسطيني للإعلام ،،، ياسين عز الدين
بعد مرور أقل من يومين على تهديد الكيان الصهيوني بضرب سوريا في حال وقع السلاح الكيماوي السوري بيد الثوار أو حزب الله نفذ طيران الاحتلال غارة على هدف قرب الحدود مع لبنان، قالت الصحافة الصهيونية والأمريكية أنه استهدف قافلة كانت تنقل سلاحًا متطورًا مضادًا للطيران من سوريا إلى لبنان فيما قالت الحكومة السورية أنه استهدف مركز أبحاث.
وأيًا ما كان الهدف فهذا يؤكد على أن الكيان الصهيوني بدأ باستغلال الوضع في سوريا من أجل ضرب مراكز عسكرية استراتيجية تهدد أمنه، ويتساءل المرء عن هدف الصهاينة من التدخل في سوريا؟ هل يريدون دعم الثوار أم يريدون دعم النظام؟ أم لهم أهداف أخرى؟ وإلى أين ممكن أن يسير الصهاينة في مشروعهم؟
للأسف أغلب التحليلات والكلام الذي يتناقله الإعلام حول موقف الصهاينة من سوريا هو مبني على أحكام مسبقة ومواقف أيديولوجية تحاول تجيير عداء الكيان لصالح هذا الطرف أو ذاك في الصراع بين الثوار والنظام الأسدي.
فمن ناحية يصر مؤيدو النظام على تصوير الثورة على أنها بأكملها مؤامرة على الممانعة والمقاومة ودعم النظام للمقاومة ضد المحتل الصهيوني، وفي المقابل هنالك تقليد لهذا الأسلوب عند بعض مؤيدي الثورة من خلال الإصرار على أن المحتل الصهيوني يفضل النظام السوري ويدعمه، وأنهما حلفاء بالسر بل حتى يذهب البعض للقول أن هنالك مؤامرة سرية بين الجانبين.
طبعًا الصهاينة لا يفضلون انتصار النظام لأنه سيء بالنسبة لهم، ولا يريدون انتصار الثورة لأنه خيار أكثر سوءا لهم، فالنظام وإن كان يعادي الكيان ويدعم المقاومة فهو قد أورث سوريا تخلفًا سياسيًا وماليًا واجتماعيًا وهذا أورثها ضعفًا في مواجهة الاحتلال، فبزوال النظام ومجيء نظام يسعى لمصلحة الشعب السوري وتطويره، فهذا سيقوي سوريا، وبما أن موقف الثوار مثل موقف جميع السوريين هو العداء للكيان الصهيوني فهذا سيء للصهاينة وخاصة على المدى المتوسط والبعيد.
إذن ما الذي يريده الصهاينة من سوريا؟ هنالك خياران يفضلهما الكيان: الأول هو تقسيم سوريا إلى دويلات طائفية تتحارب فيما بينها وتضعف قوة سوريا في مواجهة الكيان الصهيوني، والثاني تفتت سوريا وانهيار الدولة بأكملها، وهذا خيار أقل تفضيلًا لأنه سيقود لعدم استقرار على الحدود مع الجولان وحدوث عمليات للمقاومة السورية والفلسطينية ضد المحتل الصهيوني، لكنه سيبقى تهديدًا محدودًا وقصير المدى لأن الحرب الأهلية ستدمر كل مقومات المقاومة في سوريا.
وهنا يجب أن ندرك حقيقة أن الصهاينة ينظرون لنا كلنا على أننا عدو: سواء كان الثوار أو الأسد أو حماس أو عباس أو الفلسطينيين أو الباكستانيين، كلنا في النهاية عرب ومسلمون عدو لهم، ولا يفرقون بيننا كثيرًا، إلا في تكتيكاتهم ولعبهم على انقساماتنا.
أكثر ما يخيف الصهاينة هو السلاح الكيماوي السوري والأسلحة المتطورة التي يمتلكها النظام، لأنها تشكل تهديدا استراتيجيا على الكيان، ولا شك أن استمرار الوضع الحالي في سوريا بشكل أطول واستخدام النظام لهذا السلاح ضد الشعب السوري يريح بال الصهاينة، لكن ماذا بالنسبة للسلاح الذي لن يستخدم؟ سيبقى رصيدًا للشعب السوري بعد رحيل النظام أو سيتم تهريبه لحزب الله (كما يخشى الصهاينة)، وفي كلتا الحالتين سيبقى تهديدًا طويل الأمد للكيان الصهيوني، وهذا ما لا يريدونه.
طبعا في ظل تخاذل العالم كله (وبالأخص الغرب) بنصرة الشعب السوري، فإن أحدًا لن يستطيع الإملاء على الثوار السوريين أي شيء بخصوص هذا السلاح المتطور بعد انتهاء الثورة، وسيدير الثوار ظهرهم لأمريكا وأوروبا الذين وقفوا يتفرجون على المجزرة التي تحصل هذه الأيام في سوريا.
ومن المؤكد أن أحد أهم أسباب تخاذل الأمريكان والغرب عن دعم الثورة السورية هو بحثهم عن ضمانات لأمن الكيان الصهيوني يأخذونها من الثوار، ولحد الآن لم يأخذوا شيئًا يريح بالهم فيلجأون للخيار الآخر وهو ترك سوريا تغرق في حرب تحرق الأخضر واليابس، وعندما تنتهي الثورة فستحتاج لسنوات طويلة حتى تعيد بناء نفسها، وبذلك يشترون أمنًا للكيان الصهيوني.
في ظل هذه المعادلات يريد الصهاينة استغلال الوضع من أجل ضرب مواقع السلاح الكيماوي والأسلحة المتطورة (مثل مضادات الطيران المتطورة) وتدمير أكبر قدر منها، حتى لا تبقى على الأرض لأن النظام زائل وزواله قريب، وإن زال النظام وهذه الأسلحة موجودة فسيكون الصهاينة قد ضيعوا فرصة ذهبية لا تعوض (كما يؤمنون ويعتقدون).
قد يقول قائل إن هذه الضربات تقوي الثوار على حساب النظام، ونرد بالقول إن الصهاينة لا يستهدفون سوى السلاح الاستراتيجي الذي يهدد الكيان وتأثير ضرباتهم معدوم على الميدان في سوريا، لأنّ هذه أسلحة لا مجال لاستخدامها ضد الثوار (فالصواريخ المضادة للطيران لن تستخدم لأنه لا طائرات لدى الثوار، ومركز الأبحاث لا دور له في الحرب ضد الثوار)، ولأن فجوة التسلح تبقى كبيرة بين النظام والثوار، وقوة الثوار تكمن في الانشقاقات داخل الجيش وتآكله من الداخل وهذا يعني سقوط كل هذه الأسلحة بيد الثوار بنهاية المطاف، وهذا ما يقلق الكيان ولهذا يجب أن نتوقع المزيد من الضربات المماثلة كلما اقتربت لحظة سقوط النظام.
ونحن نعيش ذكرى فتح القدس..
المركز الفلسطيني للإعلام ،،، سري سمّور
نعيش هذه الأيام ذكرى فتح بيت المقدس على يد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب-رضي الله عنه- في 20 ربيع الأول سنة 15 هجرية(636 ميلادية)، أي بعد انتقال سيدنا محمد-صلى الله عليه وسلم- إلى الرفيق الأعلى بخمس سنوات، وبعد حوالي 16 سنة من الإسراء والمعراج، ذلك أن الإسراء والمعراج قبل الهجرة بسنة واحدة، وللإسراء والمعراج دلالته ذلك أن السورة التي أولى آياتها {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} مكيّة، ومعروف أن السور المكيّة كانت تركّز على العقائد وتثبيتها في نـفوس المؤمنين، وكأن الإيحاء هو أن المسجد الأقصى جزء أساس من عقيدة المؤمنين المسلمين؛ وكيف لا وهو أولى القبلتين، وثالث المسجدين؟ ومع أن الصلاة في المسجد الأقصى تعدل 500 صلاة، فقد ترك الصحابة المسجد الحرام والمسجد النبوي حيث أن الصلاة في كل منهما بمئة ألف صلاة، وألف صلاة على التوالي، وجاءوا بالآلاف إلى فلسطين وبيت المقدس، بل إن بلال بن رباح –رضي الله عنه- لم يؤذن بصوته الشجيّ منذ وفاة سيدنا محمد-صلى الله عليه وسلم- سوى في بيت المقدس...لقد كان أولئك الرجال هم الأكثر فقها في الدين وأحكام الشرع، فأدركوا أهمية المكان وقدسيته، وضرورة الرباط فيه، فقطعوا القفار والسهول والجبال والوديان واستقروا فيه، ولا عجب أن نجد في فلسطين والأردن قبورا لآلاف الصحابة.
وللذكرى هذه الأيام ظروف خاصة؛ فهي تأتي تزامنا مع الفيلم الذي أعدته وزارة الخارجية الصهيونية وشارك فيه نائب وزير خارجية الكيان، وتظهر فيه قبة الصخرة المشرفة وهي تنهار أو تتلاشى ليقام الهيكل مكانها، والمعروف أن اليهود لهم اهتمام كبير بالرموز التاريخية، وعليه لا يمكن النظر إلى هذا الفيلم في هذا التوقيت بالذات على أنه صدفة!
ولا يقتصر الأمر على الفيلم؛ بل هناك حملة تهويد شاملة شرسة للمدينة المقدسة تتناقل أخبارها وسائل الإعلام يوميا دون أن يرف لمليار ونصف المليار مسلم جفن، اللهم إلا بالشجب والاستنكار والبكاء والعويل...ومن روائع الشعر والخطب العربية تلك التي تتغنى بالأندلس وترثي سقوطها، فهل سيستمر التعاطي العربي والإسلامي بل حتى الفلسطيني مع القدس كما كان مع الأندلس؟!
وتأتي الذكرى في وقت يشتد أوار المناكفات الطائفية والمذهبية، فنتذكر أنه حينما دخل الصليبيون إلى القدس وقتلوا عشرات الألوف، ذهبت الوفود إلى الفاطميين(الشيعة) وإلى العباسيين(السنة) تبكي الحال وتستحث من يفترض أنهم قادة الأمة لإنـقاذ مسجدهم وحضائرهم من الغزاة، فما وجدوا غير التجاهل...فليعلم كل من يدخل أو يريد الدخول في نزاع مذهبي كلامي أو غيره أنه لا يخدم القدس في شيء، وليأخذ من تلك الحقبة العبرة!
نستذكر العهدة العمرية الشهيرة، حيث أن أهل القدس (إيليا في ذلك الوقت) قد أخذوا عهدا من أمير المؤمنين ألا يسكنها معهم أحد من اليهود، وكل الدلائل تـقول بأن وجود اليهود في المدينة كان عابرا ومؤقتا، ومحكوم بأنهم أهل التوحيد والكتاب دون سواهم من الأمم تلك الفترة، بل ذهب الباحث كمال الصليبي إلى أنه لم يكن لهم في القدس وفلسطين تاريخ أبدا...على كل هم أخذوها بمنطق القوة لا بقوة المنطق، ولن تعود القدس إلا بالقوة بمعناها الحسّي القاسي المادي، فإذا كان خروجهم من الشريط المحتل جنوب لبنان وإخلاؤهم لمستوطنات قطاع غزة، استلزم كل تلك المعارك، فكيف سيكون خروجهم من القدس؟ ولا ننسى أن قبول صفرونيوس لتسليم القدس جاء بعد انتصارات جيوش المسلمين في اليرموك وأجنادين وغيرها...أما تحريرها على يد الناصر صلاح الدين الأيوبي-رضي الله عنه- فقد كان بعد نصره المؤزر في حطين.
وفي هذه الذكرى العزيزة على قلوبنا، أود الحديث عن مسألة تـقسيم فلسطين فأقول بعد التوكل على الله:إن الأمر مرتبط بالقوة وشريعة الغاب التي تحكم هذا العالم الظالم، فالعصابات الصهيونية ابتلعت أكثر مما يمنحها قرار التقسيم سنة 1947م بقوة السلاح والإرهاب المنظم، بل إن إسرائيل بعد سنة من قيامها أخذت وفق اتـفاقات رودوس سنة 1949م أراض أخرى مثل أم الفحم والمثلث، فالأمر بالقوة والسلاح لا بالحوار والحجة، ومن ناحية أخرى فإنه لا توجد أي جهة أو منظمة فلسطينية إلا وتؤمن بأن القدس الشرقية يجب أن تكون عاصمة للدولة الفلسطينية العتيدة، فالقدس محل إجماع كل القوى والفصائل الفلسطينية، وإن اختلفت الوسائل، واختلفت النظرة إلى الأراضي الأخرى المحتلة، وشرقي القدس جوهرته الحرم القدسي الشريف، أي ما يعتبر جبل الهيكل في الفكر السياسي العقائدي لدى كل الصهاينة، فهل سيقبلون أن يسلموا المدينة على طبق من ذهب وسلما لنا؟ وما هي أوراق القوة التي نملكها لتحقيق غايتنا؟ أتحدث عن القوة وليس عن شرعية عالم لا يؤمن بك إلا حين يرى الأحذية العسكرية لجيشك تدب في أرض ما...حتى تدويل المدينة مرفوض من يمينهم ويسارهم ووسطهم، لدرجة أن بن غوريون يقول: لا قيمة لإسرائيل بدون القدس ولا قيمة للقدس بدون الهيكل، بل إن القدس الكبرى تمتد من رام الله إلى بيت لحم وهي المنطقة المركزية للاستيطان الصهيوني، فإذا كنا نجمع أن القدس الشرقية يجب أن تعود، فإنهم يصرّون أنها عاصمتهم وأن هيكلهم لا بد أن يقام يوما بدل أقصانا، فهل يمكن تلاقي الخطين المتوازيين، وعلى أي أساس؟ لا مجال للتلاقي، وأيضا لا يمكن استعادة القدس إلا بالقوة!
هناك رقابة إلهية .. احذر
المركز الفلسطيني للإعلام ،،، مصطفى الصواف
الرقابة وسيلة من وسائل حماية المجتمع من أجل متابعة العمل وتقويمه ومعالجة عثراته أولاً بأول، وعندما تحصل قضية ما أو تقصير أو سوء إدارة سرعان ما يتبادر السؤال التالي لو كان هناك رقابة لما حدث هذا الأمر.
صحيح أن للرقابة دورا كبيرا جدا في متابعة العمل والتدقيق فيه الأمر الذي يؤدي إلى سرعة اكتشاف الخلل والعمل على إصلاحه، ووجود الرقابة تجعل جهات العمل على أكمل وجه لأنها تدرك بأن هناك من سيأتي ويفتش ويفحص ويراقب ويشيد أو ينتقد، يعدل وينصح ويشجع ويحاسب بعد منح الفرص، فالرقابة في المفهوم الصحيح ليست للتجريح أو التصيد ولكنها من أجل التقويم والتعديل وحسن الأداء وحتى يكون هناك شفافية ونزاهة.
الحديث عن الرقابة يدفعنا إلى تبيان أن هناك ثلاثة أنواع من الرقابة أولها الرقابة الذاتية، فأنا وأنت مؤتمنون على عملنا وعلينا أن نقوم به على أكمل وجه، ولكن قد نخطئ خلال العمل بغير قصد وهذا الخطأ ناتج عن الاجتهاد في اختيار البدائل لتحقيق الهدف الأمثل، وهذا في ظني مقدر ومعفو عنه من قبل المسئولين, ودور الرقابة هنا هو دور الكشاف الذي يوضح الأمور ويجليها وبين مواطن الخلل ويعمل على معالجتها وسيدرك المراقب المهني أن الخطأ غير مقصود وهو نوع من الاجتهاد وبالتأكيد سيعمل على التشجيع مع تبيان كيفية الاختيار بين البدائل لتكون النتائج سليمة ولصالح العمل.
ولكن الشيء غير المقبول هو تعمد الخطأ عن سبق إصرار وتعمد ولأسباب كثيرة قد تكون ذاتية أو لخلاف من الرئيس في العمل أو للانتقام، أو لجهل بأصول العمل الموكل إلى الموظف أو صاحب الشأن، وهذا يحتاج أولا إلى دراسة أسباب الخطأ ووضع الحلول المناسبة من قبل الرقابة وإعطاء الموظف فرصة جديدة بعد توضيح الأمر كاملا من قبل الرقابة أو الجهات المسئولة وذات الاختصاص.
وهناك الرقابة الحكومية المسئولة التي تتولاها هيئة الرقابة العامة والتي أولتها الحكومة وتوليها كل الحكومات اهتماماً خاصاً لأنها الميزان الذي يمكن أن يقاس به أو توزن عليه الأعمال الحكومية برمتها وهذه الرقابة بحاجة إلى شفافية وموضوعية ومهنية عالية وأن تعي أن الهدف من الرقابة هو التقويم والنصح والإرشاد وليس لإيقاع العقاب من أجل العقاب، لأن المطلوب هو الارتقاء بالعمل والارتقاء بالخدمة المقدمة وكل ذلك لن يتم إلا إذا ارتقينا بالموظف القائم على تقديم الخدمات للمواطنين وفق المعايير المهنية السليمة.
رقابة الحكومة مهمة من خلال المتابعة الميدانية للعمل الحكومي وعدم الاكتفاء بما يرفع من قبل الجهات المختلفة داخل كل وزارة، وإن هذه الرقابة يجب ألا تُقتصر على الموظف على مختلف درجاته ومسمياته الوظيفية بل لابد أن تشمل رأس الهرم في الوزارة والمتمثل بالوزير المسئول والذي يجب أن يشعر أنه مراقب وانه خاضع لهيئة الرقابة العامة ومحاسب عن التقصير أو التبذير أو التفريط، وعلى هيئة الرقابة أن تتولى كل هذا الأمر بعيدا عن الحساسية أو الاعتبارات الشخصية أو الجهوية.
وهناك رقابة فوق كل هذه الرقابة التي ذكرناها والتي تمثلت الأولى بالرقابة الذاتية، والثانية بالرقابة الحكومية، ورقابتنا الثالثة التي يجب على الكل أن يدركها هو الرقابة الإلهية، هذه الرقابة التي لا يستطيع أي منا أن يفلت منها، فقد يتمكن الموظف من أن يخدع الجهات المسئولة ويزين عمله بكل الوسائل والحيل القانونية أو غيرها، وقد تعمل الرقابة الحكومية بشكل بعيد عن المهنية وتمارس عملها الانتقامي من الموظف أو تراعي المعرفة والدرجات الوظيفية والخواطر الجهوية أو العائلية أو الشخصية وقد تنجح في تصوير الأمور على غير حقيقتها، وهذا قد يحدث؛ ولكن لو وضع الجميع نصب عينه أن هناك رقابة من قبل الله في كل أعمالنا قليلها وصغيرها وأننا محاسبون أمام الله على التقصير عندها سيكون عملنا أفضل ومراقبتنا الأولى والثانية على خير ما يرام سينصلح شأن العمل وتكون الخدمة بشكل مرضٍ للجميع.
الابن الشرعي للمثقف!!
فلسطين الآن ،،، نور رياض عيد
أكثر الفئات التي نسمع صوتها يدوي عاليًا أثناء الحروب الأهلية والأزمات الداخلية هي فئة المثقفين على اختلاف أنواع ثقافاتهم، سواء كانوا من السياسيين أو الاجتماعيين أو الأكاديميين أو الشرعيين، ودائمًا يكون تحميل مسئولية النكبات للشباب غير الواعي وللبسطاء من الناس، وبالتالي يظهر المثقف وكأنه ملاك رحمة ويظهر الضحايا في صورة وحوش.
ولو أردنا المصارحة في هذا الموضوع لقلنا: إن المثقف في بلادنا هو مسعر الحرب، نعم.. هو من يشعل الحرب ويسكب عليها البنزين، وبعد أن تشتعل قد يحاول إطفاءها فلا يستطيع.
إن الصراعات التي تجعل الدماء في العالم العربي تسيل كالشلالات هي نتيجة طبيعية لتلك الثقافة التي نتغذى عليها، فهي كائنات نتنة قبيحة تسبح في ذلك البحر المناسب لها، هذه الثقافة هي عبارة عن جرعات من إلغاء الآخر والحقد عليه يحقننا بها المثقفون.
فالسياسيون أو العسكريون الذين هم وقود صراعاتنا الداخلية هم تلاميذ للمثقف، هم أبناء وأحفاد المثقف، فإن رحم العنف هو الفكر، وأداته التنفيذية هم السياسيون، ولكن السياسي مستباح الدم لكونه في الواجهة، والمثقف مختبئ لا ينتبه لدوره أحد حسب تعبير الدكتور خالص جلبي.
لا تتوقع أيها المثقف أنك إن غرست في عقل الجمهور فكرة تخوين الآخر أو تكفيره أو التشكيك في نواياه أن هذا الأمر سينتهي عند هذه النقطة، فأنت كمن صعد على قمة جبل وحرك صخرة وحاول أن يمسك بها، لكن هل سيتمكن من السيطرة عليها من السقوط؟ بالتأكيد لا، وكذلك الثقافات التي تغرس في الأجيال، تبدأ بأفكار.. وتنتهي بالخراب والدمار، فالمسلح الذي يقتل أخاه هو الابن أو الحفيد الشرعي للمثقف.
قد يظن البعض أن هذا الكلام خاص بالإسلاميين، وليس سرًا أن بعض الإسلاميين هم جزء من هذه المشكلة، لكن غيرهم لا يقل عنهم، فكم استخدمت الأنظمة والأحزاب غير الإسلامية هذا الأسلوب في فض الجموع عن الإسلاميين!! فتارة يُتهم الإسلاميون بالخيانة، أو التعامل مع المحتل، أو التخطيط للانقلاب، أو الحرص على السيطرة على الكرسي، كل هذه الاتهامات تربي الحقد في نفوس أبناء الأحزاب غير الإسلامية، ونفس البذور يغرسها الإسلاميون في نفوس أنصارهم، وبذلك نبقى ندور في دائرة الحقد والحقد المضاد، والحقد هو الخطوة الأولى للقتل وسفك الدماء.
خلاصة القول: إن المثقفين وللأسف لهم دور في صناعة الفتن، وإشعال الحروب الأهلية، فعليهم أن يحسنوا من أدائهم وأن يمارسوا دورهم الراقي المناط بهم، وهو بناء ثقافة السِّلم.
لا ناقة لحماس ولا بعير في أحداث مصر
فلسطين الآن ،،، أيمن أبو ناهية
إن الأشد خطراً على الثورة المصرية، بل إن جاز التعبير على الجمهورية وشعبها، هو نفاق وأكاذيب إعلامها، لخدمة الثورة المضادة، وأن كل ما يبثه ويشيعه عن وجود يد فلسطينية حمساوية وغير حمساوية في أحداث مصر الداخلية ليس بصحيح، لأن الفلسطينيين بصفة عامة وحركة حماس بصفة خاصة يدركون جيدا أنه ليس من مصلحتهم التدخل في الشؤون المصرية الداخلية، لذا ليس لهم يد لا من قريب ولا من بعيد في العبث بأمن وأمان الشعب المصري الشقيق، بل على العكس فإننا كشعب فلسطيني ,وحركة حماس بالذات ,ندرك أن استقرار أمن وسلامة جمهورية مصر العربية وشعبها العظيم هو من أمننا وسلامتنا، وأن دماء شعبها الطاهرة ليست أرخص من دمائنا التي دائما تتوحد في التصدي للاحتلال، لارتباطنا الوثيق بها في جميع المجالات، ومهما كانت الأسباب والمبررات ,لا يمكن الفصل بين وحدتنا الجغرافية والدينية والقومية واللغة والعرق والدم والنسب بين الشعبين فقد لا تخلو عائلة فلسطينية أو مصرية من الاختلاط.
فالشعب الفلسطيني قد تعلم من درس صدام بالوقوف معه وتأييده ضد الكويت كما يدرك جيداً أن أي موقف له سيؤثر سلباً على قضيته الأساسية، ثم هل نسي الفلسطينيون تحرير بلادهم من الاحتلال, لكي يذهبوا للقتال في مصر ؟! خاصة وأن الشعب الفلسطيني مهموم بالانقسام الداخلي ! لذا أستهجن ما يبثه الإعلام المصري من أكاذيب على الشعب الفلسطيني ,وخاصة قطاع غزة وبالذات على حركة حماس، باتهام الحركة بضلوعها المباشر في أحداث مصر الداخلية، وكأن الشعب الفلسطيني ليس لديه هموم ومشاكل , ليتدخل في الشؤون المصرية وغير المصرية، إذ إن ما لديه من هموم ومشاكل كفيلة بجعله لا ينظر خارج نطاق دائرة الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي بما يخص اللاجئين وما يحاك ضدهم في البلاد العربية من مؤامرات، وقضية تهويد القدس والأقصى، والأسرى في سجون الاحتلال، والاعتقالات والحصار الدمار التي أحدثته الحروب الإسرائيلية في قطاع غزة، ناهيك عن مشاكله الداخلية من انقسام وتبعاته وفقر وبطالة، ويضيق بنا المقام في ذكرها فقائمة الهموم طويلة.
فقد تم اتهام الفلسطينيين قبل ذلك بتهم عديدة، أذكر منها الاعتداء على الكنيسة، وأحداث سيناء، والمشاركة في الثورة المصرية ضد النظام السابق ...الخ وكانت كلها أكاذيب ملفقة من وزير الداخلية الأسبق (حبيب العادلي) ولا ننسى الإعلام الموالي للنظام، وقد تم التأكد من عدم صحتها لضرب الشعبين الشقيقين. أعتقد أن نشر الفوضى وإثارة القلاقل في مصر ما هي إلا من صناعة النظام السابق الذي لازال متغلغلا في الأماكن الحساسة في الدولة، ويوجه بآلة ريبورت خارجية، تهدف إلى تدمير الثورة بل الجمهورية، إلى أبد الآبدين، حتى لا تقوم لها قائمة، ولا تستطيع السير إلى الأمام، وهم يدركون بأن مصر هي قلب العرب النابض وقوتهم، وتدميرها يعني تدمير الأمة العربية بأكملها. وأن إثارة الفوضى في مصر ما هي إلا فتح طريق آخر لأمريكا و(إسرائيل) للتدخل في شؤونها الداخلية وضرب الثورات العربية في العمق بقربها من قطاع غزة وليبيا وتونس والسودان وبالتالي سيطرتها على الممرات المائية والبرية وبذلك تقع المنطقة برمتها في أيديهم ليستولوا على خيراتها ومواردها وبترولها.
فمن السذاجة إنكار الأهمية الاستراتيجية لبلد عربي كبير مثل مصر بالنسبة (لإسرائيل)، وإذا كنا نحن العرب شعوبا بلا ذاكرة فلن ينسى الغرب و(إسرائيل) ما سببه إغلاق قناة السويس أثناء حرب أكتوبر عام 1973م، لأنها في الحقيقة أهم منفذ بحري في منطقة الشرق الأوسط، بتحكمها في الملاحة البحرية بين الجنوب والشمال مرورا بالبحر الأحمر ووصولا للبحر الأبيض المتوسط.
فلا تستغرب من القول إن يد الولايات المتحدة و(إسرائيل) ممدودة في العمق العربي, وهنا ثمة مجموعة من الحقائق تجعلنا نتوقف قليلاً عندها: أن كلاهما أبداً لن يرضى بدور المتفرج في المنطقة، خاصة عندما تصبح اتفاقية السلام "كامب ديفيد" مهمشة بل مجمدة والعلاقات بمصر منقطعة تماما، وأن عدم الاستقرار لمصر وبقاء الوضع على حالة الترهل يصب في مصلحتيهما، كي يكون لهما موضع قدم وبسط نفوذهما هناك وسيظل مثال التدخل في الصومال وجنوب السودان ودارفور حاضراً في العقلية الأمريكية الإسرائيلية.
معادلة المفاوضات والمصالحة
فلسطين الآن ،،، نقولا ناصر
يلفت النظر أنه كلما ازدادت الحركة الدبلوماسية التي تستهدف "تحريك" الاتصالات أو المحادثات المباشرة أو غير المباشرة بين دولة الاحتلال الإسرائيلي ومنظمة التحرير الفلسطينية من أجل "استئناف" المفاوضات المباشرة بينهما في نهاية المطاف تراجعت فرص تنفيذ اتفاق المصالحة الفلسطينية، وبالعكس، وهو ما يعيد الجدل الوطني الفلسطيني إلى المربع الأول.
فالمفاوضات ومرجعياتها وعقمها طوال عقدين من الزمن تقريباً كانت من الأسباب الرئيسية للانقسام الوطني، وكان وصولها إلى طريق مسدود هو الذي فتح الباب على مصراعيه أمام التوافق الوطني على إنهاء هذا الانقسام، ويتضح اليوم أن الجهود العربية والدولية الجارية حالياً لتحريك محادثات تقود إلى استئناف المفاوضات إنما تضع العصي في عجلات المصالحة التي اتفق على آلياتها التنفيذية باتفاق القاهرة الأخير، ليتأكد مجدداً أن منح الأولوية في المصالحة للانتخابات وتأليف حكومة وطنية جديدة قبل التوافق الوطني على المسائل الاستراتيجية سوف يظل وضعا "لـلعربة أمام الحصان" في المفاوضات والمصالحة على حد سواء.
لقد تأجل اجتماع الفصائل الفلسطينية الذي كان مقررا لتنفيذ المصالحة يوم الأربعاء الماضي إلى أجل غير مسمى، ولم يعد اجتماع الاطار القيادي المؤقت المقرر في الثامن من هذا الشهر بالقاهرة موعدا مؤكدا، ولا مواعيد اطلاق أعمال لجان المصالحة الخمس، وأعلن الناطق باسم حركة حماس سامي أبو زهري أنه "سيتم التواصل لتحديد موعد" لقاء القاهرة حول تأليف حكومة التوافق، ضمن مؤشرات أخرى إلى النتائج السلبية لـ"هجوم دبلوماسي" يسعى حاليا إلى استئناف المفاوضات على جهود تنفيذ المصالحة الوطنية، وهي نتائج سلبية لا تكفي لتبديد أثرها الأجواء المتفائلة الايجابية التي تحيط بجهود المصالحة، فالتوافق الوطني على الاستراتيجية الوطنية في المرحلة المقبلة يظل شرطا مسبقا لإنهاء التناقض الراهن في معادلة المفاوضات والمصالحة.
ويبدو مفاوض منظمة التحرير العاطل عن العمل منذ تولى بنيامين نتنياهو رئاسة الحكومة في دولة الاحتلال قبل أربع سنوات محكوما عليه بتمديد بطالته لمدة أربع سنوات أخرى بعد أن تمخضت الانتخابات الأخيرة عن تفويض نتنياهو بولاية ثالثة، لكن هذا المفاوض كما تشير كل الدلائل ما زال يراهن على نتائج ما يمكن وصفه الآن ب"هجوم دبلوماسي" كانت الاستعدادات تجري له لينطلق بعد إجراء الانتخابات العامة في الولايات المتحدة وفي دولة الاحتلال.
وفي سياق "الهجوم الدبلوماسي" عاد في الأسبوع الماضي ممثل الولايات والأمم المتحدة والاتحادان الأوروبي والروسي في اللجنة الرباعية الدولية، توني بلير، لاستئناف مهامه، فاجتمع مع قيادة منظمة التحرير ومع نتنياهو، و"نجح" في "إقناع" نتنياهو بالإفراج عن حصيلة شهر واحد فقط من أموال المقاصة والضرائب الفلسطينية التي تحتجزها حكومته منذ تشرين الثاني الماضي، لكنه فشل في انتزاع موافقته على "تعهد بمواصلة التحويلات في ما بعد"، كما نقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن المتحدث باسمه مارك ريجيف.
لقد مضت أكثر من خمس سنوات على بلير في مهمته الفاشلة كممثل "للرباعية"، و"إذا حكمنا بالنتائج، فإنها تحت الصفر" كما قال المعلق الاسرائيلي عكيفا الدار لمراسل "التلغراف" البريطانية، بيتر أوبورن، في السادس عشر من الشهر الماضي. ووجه كثير من مفاوضي المنظمة انتقادات علنية لبلير وطالب بعضهم علنا باستبداله، لعدم جديته، وتواطئه مع دولة الاحتلال، وانشغاله بزيادة ثروته الشخصية التي قدر أوبورن بأنه يزيدها بمعدل عشرين مليون دولار أميركي سنويا، وهو انشغال بالكاد يتيح له زيارة القدس مرة واحدة في الشهر لمدة يومين أو ثلاثة بالمقارنة مع سلفه جيمس وولفنسون الذي كان مقيما "دائما تقريبا" في المنطقة، بحيث أصبح استبدال بلير معيارا لجدية "الرباعية" في جهودها، وأصبح قبول المنظمة باستمراره في مهمته إصرارا على تجربة المجرب يهدد بالتضحية بالمصالحة الوطنية لصالح المراهنة على استئناف مفاوضات محكوم عليها بالفشل.
وفي سياق "الهجوم الدبلوماسي" أيضا أعلن السفير الأميركي في دولة الاحتلال، دان شابيرو، يوم الجمعة قبل الماضي أن وزير الخارجية الأميركي الجديد جون كيري سوف يزور المنطقة "قريبا"، خلال شباط الجاري حسب تقارير إخبارية، ليلتقي عباس ونتنياهو "ليحاول بدء عملية السلام الاسرائيلية الفلسطينية من جديد"، ومن المتوقع أن تستقبله الرئاسة الفلسطينية كممثل للرئيس الأميركي باراك أوباما في ولايته الثانية، متجاهلة عدم دعوة ممثلها في واشنطن معن رشيد عريقات لحفل التنصيب الرسمي لأوباما، يحدوها أمل غير واقعي في ان تتكيف الإدارة الأميركية الجديدة مع اعتراف الأمم المتحدة بدولة فلسطين.
لكن معيار التكيف الأميركي مع الاعتراف الأممي بدولة فلسطين الذي يؤهل الولايات المتحدة للاستمرار في القيام بدور الوسيط والراعي لأي عملية سلام مجدية بين "دولة فلسطين" و دولة الاحتلال هو إعلان أميركي صريح بسحب التعهدات التي التزم بها سلف أوباما، جورج بوش الابن، في رسالته التي بعثها إلى رئيس وزراء الاحتلال الأسبق آرييل شارون في الشهر الرابع من عام 2004، وهي تعهدات تجحف تماما بحدود أي دولة فلسطينية بحدود ما قبل الاحتلال الاسرائيلي عام 1967، ومن دون سحب هذه التعهدات الأميركية فإن أي قبول فلسطيني باستمرار الوساطة والرعاية الأميركية سوف يعني فقط موافقة على الاجحاف بحدود الدولة المأمولة، وبما أن اي "تكيف" أميركي كهذا ليس متوقعا في أي مدى منظور فإن استئناف مفاوضات تتوسط فيها وترعاها الولايات المتحدة هي مفاوضات محكوم عليها بالفشل كذلك وليست جديرة بالتضحية بالمصالحة الوطنية من أجلها.
وضمن "الهجوم الدبلوماسي" كذلك زيارة سوف يقوم بها وفد يضم الأردن وبعض الدول العربية وبريطانيا وفرنسا وألمانيا لواشنطن خلال الشهر الحالي أو المقبل ليقولوا للرئيس الأميركي: "السيد الرئيس، لقد حان الوقت للانخراط فعلا في العملية الاسرائيلية الفلسطينية" كما قال عاهل الأردن الملك عبد الله الثاني على ذمة وكالة الصحافة الفرنسية. لكن إذا لم تكن المطالبة بسحب هذه التعهدات الأميركية، وكذلك المطالبة باستبدال توني بلير كدليل على جدية أية مساع جديدة للجنة الرباعية الدولية، هما الهدف من الزيارة، فإنه لا جدوى من التضحية بالمصالحة الوطنية من آجل آمال كالسراب مبنية على نتائجها المتوقعة.
ولا تقتصر المساهمة الأوروبية في هذا "الهجوم الدبلوماسي" على هذه الزيارة المرتقبة، فقد التقى مبعوث الاتحاد الأوروبي أندريس رينيك الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي يوم الثلاثاء الماضي لتجنيد الجامعة من أجل "إطلاق مفاوضات سلام بناءة" خلال العام الحالي، وسط أنباء راجت عن "مبادرة" مماثلة فرنسية بريطانية مشتركة نفى كبير مفاوضي منظمة التحرير صائب عريقات أي وجود مادي لها.