[IMG]file:///C:\Users\ARCHIV~1\AppData\Loca l\Temp\msohtmlclip1\01\clip_im age001.gif[/IMG][IMG]file:///C:\Users\ARCHIV~1\AppData\Loca l\Temp\msohtmlclip1\01\clip_im age003.gif[/IMG]
[IMG]file:///C:\Users\ARCHIV~1\AppData\Loca l\Temp\msohtmlclip1\01\clip_im age004.gif[/IMG]
- في هذا الملــــف:
- الجانب الآخر المظلم للربيع العربي
- بقلم: جمال خاشقجي - الحياة
- «عدم الاكتمال» الأميركي والإسرائيلي: مسألة سيكولوجية؟
- بقلم: إبراهيم غرايبة – الحياة اللندنية
- مصـــر الصامتـــة
- بقلم: صباح حمامو - الاهرام
- المشروع الإسلامي
- بقلم: د.عبد الغفار رشدى - الاهرام
- ما هكذا التربية.. ولا التعليم
- بقلم: عبد الناصر سلامة - الاهرام
- أمة تكره تراثها
- بقلم: يوسف الكويليت - الرياض
- الخذلان الدولي سبب تفاقم الأزمة السورية
- بقلم: رأي الدستور
- من السلام البارد إلى شهر العسل!
- بقلم: حلمي الأسمر - الدستور
- مكالمة لم تعد سرية مع الدقامسة
- بقلم: ماهر ابو طير - الدستور
- هل أنت مع الحراك؟
- بقلم: حسين الرواشدة - الدستور
- الازمة السورية لن تنتهي برحيل الاسد
- بقلم: ابراهيم درويشة - 'القدس العربي'
- جبهة الجولان تستعد للتسخين
- رأي القدس العربي
- الفتنة.. ومرسي.. وحديث الأصابع!
- بقلم: سليم عزوز – القدس العربي
الجانب الآخر المظلم للربيع العربي
بقلم: جمال خاشقجي - الحياة
في واحد من أشهر وأوثق الأحاديث النبوية يروي الصحابي حذيفة بن اليمان حواراً بينه وبين رسول الله - عليه الصلاة والسلام - «كان الناس يسألون رسول الله عن الخير، وكنتُ أسأله عن الشر، مخافةَ أن يدركني، فقلت: يا رسول الله، إنا كنا في جاهليةٍ وشر، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: (نعم)، قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: (نعم، وفيه دخن)، قلت: وما دخنه؟ قال: (قوم يهدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر)، قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: (نعم، دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها)، قلت: يا رسول الله، صفْهم لنا قال: (هم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا)، قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: (تَلزم جماعة المسلمين، وإمامهم)، قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: (فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك)».
إذ نقتدي بفعل ذلك الصحابي الجليل، ونبحث، هل من شر في هذا الربيع العربي؟ كتبت كثيراً متفائلاً، أن هذا الربيع هو قوة التاريخ، وأنه نهضة العرب الثانية أو الثالثة التي لا بد من أن تنجح، متبعةً سنن الأمم التي تتحرك مع التاريخ نحو نهايته، أي الديموقراطية والمشاركة الشعبية والحريات السياسية والاقتصادية، لست المتفائل الوحيد على رغم كل «الدخن» المحيط بالربيع العربي، بل إن ثلاثة أرباع الشباب العربي الذين شاركوا في استفتاء واسع أجرته (ASDAA Burson-Marsteller) قالوا إنهم مؤمنون بأن أيامهم الأفضل هي المقبلة، ويمكن الاطلاع على تفاصيل أوسع في موقع جهة البحث، الذي أعلنت نتائجه الأسبوع الماضي.
ليس من الخطأ أن يكون هناك من «يسأل عن الشر» مثلما فعل الصحابي الجليل، مخافةَ أن يدركه، بل ربما علينا جميعاً أن نسأل عن الشر حتى لا يدركنا ويحبط هذه الفرصة الأخيرة لنهضة عربية حقيقية.
الصديق والباحث السعودي في جامعة هارفارد، نواف عبيد سأل عن الشر والدخن والفتن المحيطة بدول الربيع، وقدمها في دراسة مطولة نشرها «بيلفر سنتر للعلوم والعلاقات الدولية»، اختار نواف 9 دول، هي: دول الربيع العربي (مصر وتونس واليمن وسورية وليبيا)، ثم أضاف إليها البحرين والسودان والأردن والعراق، ثم عرض أحوال هذه الدول على مقياس وضعه أستاذ ومرجع أكاديمي مهم في الدراسات القومية أو الوطنية التي بها تتشكل الدول، وهو الأستاذ في كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية البروفيسور أنتوني د. سميث.
يتكون المقياس من ست بدهيات منطقية لتشكل الدولة الوطنية المستقلة والناجحة، إذ يرى البروفيسور سميث أن الدولة لها الحق في أن تطلق على نفسها مسمى «وطن» إذا ما تحققت لها هذه البدهيات وهي: تأمين الأخوّة والمساواة بين المواطنين لتحقيق التجانس اللازم بينهم. إعلاء قيمة الدولة القومية لتضم حتى أتباعاً غير منتمين إليها أصلاً (كالمهاجرين والأقليات). تعميق الثقافة الفردية باحترام التعددية داخل الوطن. السعي الجاد لتوفير الاكتفاء الذاتي والاقتصادي. تعزيز قيمة الدولة في المجتمع الدولي. التجديد المستمر للنسيج الثقافي والاجتماعي للوطن من خلال تغييرات مؤسساتية تحفظ التكافؤ الدولي لنجاح الدولة القومية واستقلالها.
بالطبع، فإن عرض الدول التسع التي حددها الباحث، بل حتى الدول التي لم تعصف بها أو تتأثر برياح الربيع العربي على هذه المبادئ الستة كفيل بأن يخرج باستنتاجه «أن حالها أسوأ بكثير مما كانت عليه قبل الاضطرابات الاجتماعية» التي نتجت مما يسمى الربيع العربي، فهكذا يطلق السيد عبيد على الربيع العربي، بل إنه سمى ورقته «صيف العرب الساخن الطويل» بعيداً من ذلك الاسم الرومانسي الذي نستخدمه «الربيع»
يمهد لدراسته المتشائمة بالقول: «أثار ما يسمى الربيع العربي الكثير من الأمل بأن دولاً عربية في طريقها إلى مجتمع يستجيب لمتطلبات شعوبه، واقتصاد مزدهر، وتحقيق الظروف الأساسية للتقدم السياسي. ولكن للأسف، ففي الدول التسع التي يتم تحليلها هنا (تونس، مصر، ليبيا، البحرين، اليمن، سورية، السودان، الأردن، والعراق) يبدو أن الحال ليست كذلك. بالطبع يمكن المرء أن يقول إن بعض هذه الدول أو كلها هي في حال أسوأ بكثير مما كانت عليه قبل الاضطرابات الاجتماعية».
وبينما لا أختلف مع السيد عبيد في أسباب تشاؤمه، ولا سيما مع الوضع المتردي والخطير في الكثير من دول الربيع، وتلك التي على تخومها وتحديداً مصر وسورية والعراق واليمن، وربما ليبيا، فإنني لا أعتقد أن هذا الفشل «حتمي» سيؤدي بها إلى حال «الدول الفاشلة» مثلما يتخوف الباحث، إنما هو مخاض لولادة جديدة لهذه الدول بعدما توقف بها التاريخ في حال من الفشل، بدت للبعيد أنها استقرار، ولكنه استقرار قبور وتآكل من الداخل.
إن أسباب الفشل وتوقعه قوية، ولكن يجب أن نقتنع بألا عودة إلى الوراء، نظام بشار - مثلاً - سيسقط لا محالة، ولكننا لا نعرف كيف ستكون سورية من بعده، وكم من الزمن «والفتن» تحتاج لتعود إلى طبيعتها كدولة، الرئيس مرسي يمكن أن يسقط، والجيش المصري يمكن أن يتدخل لو استشعر أن الدولة ستنهار، ولكن تدخله سيكون موقتاً، مجرد «وقف ثم إعادة تشغيل» للنظام، فلا عودة عن حكم الشعب، انتهى زمن حكم العسكر والزعيم الأوحد.
في الجزء الثاني من المقالة سأنقل آراء الباحث نواف عبيد المتشائمة حيال الدول التسع التي دعته إلى القول إنه صيف عربي ساخن وليس ربيعاً زاهراً.
«عدم الاكتمال» الأميركي والإسرائيلي: مسألة سيكولوجية؟
بقلم: إبراهيم غرايبة – الحياة اللندنية
لماذا أوقف الأميركيون الحرب عام 1991 على العراق ولم يسقطوا النظام السياسي هناك، ولم يساعدوا الثورة التي اندلعت في جنوب العراق؟ لماذا احتلت الولايات المتحدة العراق بعد 12 سنة ثم قدمتها الى ايران على طبق من الفضة؟ لماذا لا تسقط النظام السياسي في إيران ولا تتركه في حاله؟ لماذا دعمت مشاريع الديموقراطية والتنمية ثم توقفت؟ لماذا احتلت أفغانستان ثم تركتها في فوضى كما كانت؟ لماذا دخلت الى الصومال ثم انسحبت منها بسرعة؟ لماذا رحبت بالإخوان ثم تخلت عنهم؟ لماذا التزمت بقيام الدولة الفلسطينية ثم نسيت الموضوع؟
يردّ بعض المحللين الظاهرة إلى الواقعية الأميركية والإيمان الفلسفي العميق للقادة والمفكرين الأميركيين بالفوضى الخلاقة، وهذا صحيح، ولكن ربما يُردّ ذلك إلى تكوين نفسي عميق لدى الأميركيين، ومثله أيضاً التكوين النفسي اليهودي والإسرائيلي.
فلم تكن الولايات المتحدة دولة امبريالية احتلالية، وليست بلداً استعمارياً بالمعنى الذي مارسته تركيا العثمانية وبريطانيا وفرنسا ودول أوروبية أخرى، وحتى عندما احتلت دولاً أخرى فهي تنظر إليها والى شعبها باعتبارها دولة وشعباً مستقلين، أصدقاء او أعداء. ومقولة من ليس معنا فهو ضدنا تفيد أيضاً في جوانبها هذا المعنى، الشعور باستقلالية الآخر، كراهيته أو احترامه حتى وهو عدو مقاتل.
الاحتلال والاستعمار لا ينظر الى الآخر عدواً او صديقاً، ولكن باعتباره تابعاً، يتحمل المستعمر تجاهه مسؤولية وإن كان يؤذيه! الولايات المتحدة تريد دولة صديقة وحليفة أو عدوة تحاربها وترى الشعوب أصدقاء أو أعداء، لا تتحمل احتلال شعب آخر، وروايتها تقوم على الشعب الذي ثار وضحى لأجل الاستقلال، وعندما وجدت نفسها قائدة للعالم بعد الحرب العالمية الثانية، بعد عزلة طويلة ومن دون تجربة استعمارية سابقة سلكت وفق ذاكرتها وتجربتها التاريخية والنفسية من دون ايمان بالتجربة الاستعمارية الأوروبية أو التركية العريقة والراسخة لمئات السنين، رأت أوروبا عجوزاً غير مفيدة ولا تعرف شيئاً... ويروى على سبيل النكتة أن مجلس الوزراء اليمني في أيام الإمام ناقش بحيرة ويأس مسائل الفقر والتخلف في البلاد، فاقترح ابن الإمام أن تعلن اليمن الحرب على بريطانيا فتحتلها، وتوفر لليمنيين التحديث والمدارس والطرق والمؤسسات كما فعلت في الدول التي احتلتها! يمكن أن تنتهي النكتة هنا، ولكن الإمام فكر قليلاً، ثم ردّ قائلاً: افرض يا بني أننا انتصرنا على بريطانيا، فماذا نفعل؟!
وربما ينطبق هذا على اليهود ودولتهم إسرائيل التي لن تستطيع مواصلة احتلالها لفلسطين، كما لم تحتمل مواصلة احتلال جزء من لبنان، ولن يتحمل اليهود بقاءهم شعباً يحكم شعباً آخر، وفي النهاية سوف تؤول الحال إلى دولة واحدة. فاليهود لم يحكموا من قبل شعباً آخر، وظلوا غالباً جزءاً من دول وأمم يعانون من الاضطهاد والكراهية أو يشكلون نخبة شريكة مع الحكام والقادة السياسيين والاقتصادين، ينتمون إلى حضارتهم وثقافتهم.
عندما قامت السلطة الوطنية الفلسطينية كنت أتوقع أن تنشأ دولة أو سلطة فلسطينية برعاية إسرائيلية، وأنها ستكون تابعة لإسرائيل، كما حدث ويحدث عادة في السياق الاستعماري، لماذا لم تعمل إسرائيل لأجل ذلك؟ لماذا لم تعمل على تكوين نخبة وقواعد اجتماعية فلسطينية متحالفة معها وترتبط مصالحها بها؟ لماذا تركت السلطة الفلسطينية تواجه مصيرها بنفسها؟ لماذا ظلت تتعامل مع الفلسطينيين سواء السلطة و «فتح» وحلفائها أو المقاومة على أنهم جميعاً أعداء. المقولة الإسرائيلية المتكررة عن غياب الشريك الفلسطيني تؤشر ربما على العقل الباطن الإسرائيلي الذي لا يرى الآخر سوى عدو يجب محاربته او صديق مستقل قادر بنفسه من دون مساعدة على التحالف والعمل المشترك.
الولايات المتحدة قتلت بن لادن باحترام وعاملته كعدو محترم، وإسرائيل احترمت يحيى عياش وقتلته كفارس محترم وعدو ذكي... يستحق القتال! وأظن أن الإسرائيليين أحبوا الملك حسين وخرجوا لاستقباله في حشود هائلة إعجاباً بشخصيته الكاريزمية وليس لأنه حليف سياسي أو لأنهم يشعرون بالامتنان نحوه، فلو كان الأمر كذلك لأظهروا الحفاوة نفسها للقادة السياسيين الحلفاء والداعمين لإسرائيل من الأميركيين والبريطانيين!
مصـــر الصامتـــة
بقلم: صباح حمامو - الاهرام
1
خلافات سياسية, انفلات أمني, وتراجع اقتصادي, مشهد سياسي مرتبك, هذه هي مصر التي تحدثنا عنها الأخبار, ولكن ماذا عن مصر الصامتة؟ مصر التي لا تتحدث عن نفسها, مصر غير المرئية في الإعلام ؟
مشهد يجعلنا نرجع لنسأل أنفسنا بهدوء: هل كان أملنا هو انتخابات غير مزورة ؟ رئيس ننتخبه وحرية إنشاء أحزاب وحديث حر في الإعلام ــ إن وجد ــ؟ هل هذا هو غاية ما تأمله الشعوب ؟ لا أظن, كل السابق مجرد سبل لغاية أعظم, وهي الوصول للأهداف العظمي المنشودة: توفير الخبز, الحرية, الحياة السعيدة والكريمة للناس, وهي بالأساس إرادة الله سبحانه من خلقنا ولقد كرمنا بني آدم وربما يكون التكريم الأكبر هو أن يحصل الإنسان علي الفرصة ليمنح العالم ما يعتمل في قلبه و يؤرق روحه, سواء كان فكرة, حلما أو عملا مجيدا. يقول الزعيم البوسني علي عزت بيجوفيتش البطولة ليست في إنزال طاغية عن عرشه فقط, بل البطولة الأكبر أن تحقق نهضة في البلد بأياد خبيرة مخلصة وتنصر الفقراء
السؤال هو: من ينبري علي الساحة السياسية الآن في مصر لهذه البطولة الأكبر؟
... بعيدا عن هذا, هناك مصر أخري, مصر الصامتة مصر التي لا تتحدث عن نفسها... وهي عشرات المبادرات ودوائر العمل الفعالة والنشطة التي يقودها شباب, يعمل في إخلاص ودأب وعزيمة لا تكل, هل أدلك علي بعضها ؟ في مجال نشر المعرفة هناك مبادرات معرفة يقظة فكر شيخ العمود صالون قرطبة مغامير, في مجال العمل التنموي والخيري رسالة صناع الحياة علشانك يا بلدي نبني مشوار نماء خيرنا مشروع حياة في مجال التعليم البديل أوتار وألوان علمني مبادرة تطوير المدارس الحكومية, الورشة مساحة نهضة المحروسة, مبادرات ليست خيرية لحل مشكلات المجتمع: بيقولك وزارة إسكان الظل محليات, مبادرات حقوقية: هنلاقيهم لا للمحاكمات العسكرية, مبادرات تكنولوجية التقنيون العرب صعيدي جيكس, مبادرات إعلامية وثقافية: بيت الحوار أنا حرة كتابنا أضف مصرين المندرة مباشر سيناء ولاد البلد وعشرات المبادرات الأخري.
الأكثر أثارة للدهشة حقا هو المبادرات الفردية التي يقوم بها أفراد كل منهم وكأن كل منهم مؤسسة تسير علي قدمين, وقودها الإخلاص وحب الوطن, أذكر منها مبادرة الزميل محمد الجارحي في الخدمات الصحية في البدرشين تاكسي الخير, عمل الطالب والناشط عبد المنعم عبد الحميد الذي يعمل في المناطق النائية حلايب وشلاتين تحديدا لبناء مساجد وتوصيل مياه صالحة للشرب ويعمل أيضا بدأب علي ملف الأسر السورية, عمل الزميل المصور الصحفي أحمد هايمن في توصيل مياه الشرب للقري الفقيرة عن طريق التصوير الفوتوغرافي, عمل الكاتبة غادة عبد العال التي تقود مبادرة ثقافية في المحلة الكبريTEDx المحلة, عمل سناء يوسف الناشطة المهتمة بملف الحقوق والحريات, وعمل الزميل الإعلامي والمخرج عماد الدين السيد صاحب مبادرة كتابنا التي أعدها البذرة الأولي لثورة فكرية منتظرة, وربما يكون مسك الختام هو الدكتور أحمد عبد الحميد عالم التكنولوجيا والكاتب والمبادر الذي أحب أن أطلق عليه الهمة التي يمكن أن تحيي الأمة كما قال الكواكبي.
لكن السؤال الأهم: هل تستطيع هذه المبادرات رعاية مشروع التغيير المأمول في مصر ؟ هل لها التأثير الذي يأمله الشعب ؟ والذي كفت يدها عنه القوي السياسية ؟ وإلي أين تسير هذه المبادرات ؟
العمل المجتمعي بجميع أنماطه ليس جديدا علي مصر, هناك عشرات النماذج الناجحة وربما أبرزها هو عمل المجموعات الإسلامية وأيضا بالطبع العمل الخدمي والمجتمعي المرتبط بالكنسية, لكن ما يحدث في مصر الآن مختلف عن كل ما سبق, يرتبط بصورة واضحة بتحول أساليب التواصل, يقال في إحدي دراسات الاتصال إن أي ثورة في أدوات الاتصال ينتج عنها ثورة في المجتمع وهذه التيارات غير المرئية والمفعمة بالحركة والعمل تصنع الآن في صمت ثورة من نوع آخر, ثورة فكر وثقافة ومجتمع, سواء أبرزها الإعلام أو لم يبرزها.
المشروع الإسلامي
بقلم: د.عبد الغفار رشدى - الاهرام
نعيش في مصر الآن وكأننا في منطقة شاسعة من الرمال المتحركة, ما نكاد نضع خطواتنا في مكان إلا وتأخذنا هوة سحيقة ليتساقط القتلي والمصابين, ومن يحاول إنقاذ نفسه بالصعود إلي قمم الجبال كالمقطم مثلا يجد علي رأسه سيلا من الحمم النارية وكأنه فوق قمة بركان.
فالكوارث تتواصل من الخصوص إلي الكتدرائية ومن مدينة الإنتاج الإعلامي إلي دار القضاء العالي ومن بور سعيد إلي المحلة وكأن مصائد الموت تحاصرنا ولا نجاة منها لأحد. والمؤسف أنه عندما يتصاعد الصراع بين التيارات الدينية والليبرالية في مصر, تخرج أصوات من التيار السلفي وحزب الحرية والعدالة وائتلاف القوي الإسلامية, لتتهم التيارات الليبرالية والأحزاب والإعلام والقضاء بأن هناك خططا ومحاولات تستهدف إسقاط المشروع الإسلامي, فالصراع القائم في مصر الآن من وجهة نظرهم هو صراع لإسقاط المشروع الإسلامي. ولكن دعونا نسأل أين هذا المشروع الإسلامي؟ ذلك لأننا نحتاج إليه فعليا, ونعلق عليه أمالا عريضة في وضع الضوابط والقوانين والتعاليم التي يمكن أن تنقذ الوطن, ولكننا لا نراه مطلقا علي الساحة السياسية. فالملاحظ أن هذا المشروع الإسلامي لا وجود له عمليا بالشارع المصري, بينما الصواب أن يكون مطروحا للجماهير, حتي يكتسب التأييد اللازم له, مما سيقلل حجم الاحتقان والمعارضة, فكان الأجدر بالقوي الإسلامية أن تعمل علي ترسيخ مشروعها الإسلامي وتنفيذه أولا ونقله للواقع, قبل أن يتهموا معارضيهم بمحاربة هذا المشروع. فالاتهامات المتواصلة بوجود أعداء للمشروع الإسلامي في ظل غياب هذا المشروع عمل غير مفهوم وغير مبرر. والدليل القاطع علي أن مصر ليس بها مشروع إسلامي الآن, يتمثل في الأوضاع المختلة التي نعيشها في حياتنا العامة, والتي وصلت إلي التهديد بحرب أهلية علي الأبواب, مما يؤكد أننا لا نحيا في ظل أي مشروع سواء إسلامي أو غير إسلامي!!
ولا ننسي أن انتخاب الدكتور مرسي رئيسا للجمهورية, كان من أسبابه التطلع لهذا المشروع الإسلامي, فحزب الحرية والعدالة الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين التي ظلت تعمل تنظيميا وسياسيا ودينيا علي مدي ما يزيد علي ثمانين عاما, فكان التوقع العام في مصر أن الإخوان بجماعتهم وحزبهم ورئيسهم سيكونون أفضل من يحمل لنا المشروع الإسلامي, والذي ظهر بداية مع حملتهم الانتخابية فيما أطلقوا عليه مشروع النهضة ولكن بعد وصول الرئيس للسلطة خرج علينا المهندس خيرت الشاطر نائب المرشد العام, ليؤكد خطأ ما تردد عن أن مشروع النهضة برنامج واضح ومحدد ونهائي.. وإنما هو مشروع مبدئي مقترح سيطرح للحوار بين القوي السياسية, وعلي ذلك فنحن نعيش حاليا بلا مشروع, ولا نتمني أن نظل هكذا كثيرا. حيث ننتظر وصول المشروع الإسلامي القائم علي القرآن الكريم بسماحته والسنة النبوية الصحيحة, ليكون بمثابة عصا موسي التي تبتلع جميع الأخطار التي تهددنا, وتربط أبناء الوطن.
فعلينا استثمار المشروع الإسلامي كمشروع حضاري, ونكف عن استخدامه لتشويه الخصوم والمعارضين, خاصة وأن التجربة أظهرت علي مدي التاريخ نجاحا واضحا لهذا الدين الحنيف, والمشروع الإسلامي تحديدا يدور حول مقاصد الشريعة الإسلامية, وهي خمسة مقاصد تتمثل في حفظ الدم, ويعني حفظ حياة الإنسان أيا كان, وحفظ الدين ويعني التصدي لكل ما يهدم الدين, وحفظ العقل, وحفظ المال بتأمين الحياة الاقتصادية العامة والخاصة, وكذلك حفظ الأعراض لجميع من يعيشون تحت مظلة المشروع الإسلامي. فهذا المشروع يحمي الوحدة الوطنية بين عنصري الأمة, لأن الإسلام بحق يحفظ للأخوة المسيحيين أرواحهم ويصون ممتلكاتهم, وليس أدل علي ذلك من خروج شركاء الوطن من المسيحيين رافعين رايات الدفاع عن الأزهر الشريف وإمامه الأكبر د. أحمد الطيب, وهكذا فالمشروع الإسلامي هو قارب النجاة وسفينة نوح التي تنجدنا من أمواج الرمال المتحركة لتجعلها أرضا ثابتة متماسكة تحت أقدامنا, والحمم البركانية القاتلة تصبح بردا وسلاما علي رءوسنا.
ما هكذا التربية.. ولا التعليم
بقلم: عبد الناصر سلامة - الاهرام
الطريقة التي تري وزارة التعليم العالي أنها عالجت بها أزمة جامعة مصر الدولية, وأعلنتها أمس, لا ترقي أبدا إلي أي مستوي في التربية, ولا في التعليم, ولا في الأخلاق.
والطريقة التي تشكلت بها اللجنة التي ناقشت الأزمة, لا ترقي أبدا إلي أي مستوي قانوني, أو إداري, وما حدث هو تأكيد أننا نعيش في بلاد, الواق واق, التي لا أعرف موقعها, ولا أريد أن أعرف, إذا كانت.
فلنا أن نتخيل أن وزارة بحجم التعليم العالي تبنت في هذه الأزمة, ترسيخ قيم الانفلات والغوغاء, وسط مزايدات سياسية, كان يجب ألا تجد طريقها أبدا إلي المشهد الجامعي, حيث قررت اللجنة التي شكلتها الوزارة إجبار الجامعة علي سحب كل البلاغات المقدمة ضد الطلبة الذين دمروا وخربوا المعامل والأبنية, بحيث لا يضار طالب مارس' البلطجة' علي فعلته, وكان الأجدر هنا أن تقرر النيابة ما تراه مناسبا تجاه كل الأطراف, أما أن تهدر الوزارة كل القيم والتقاليد الجامعية, من خلال لجنة ضمت طلابا فعلوا ذلك, وأولياء أمورهم, فهو أمر مؤسف!
ورغم أن القانون 375 يمنع الاعتصام داخل العمل, فقد أقرت اللجنة رسميا استمرار الطلاب في الاعتصام داخل الجامعة حتي ليلة بدء الدراسة, السبت المقبل!, ربما إرضاء لزعماء القوي السياسية الذين يترددون علي الطلاب العشرة المعتصمين داخل المبني الإداري للجامعة, التي يجب عليها الآن القيام بإصلاح التلفيات خلال أسبوع, تحت حصار الاعتصام!.
والسؤال هو.. هل يمكن أن يقبل مجلس الجامعة, وأعضاء هيئة التدريس بها, مثل هذه القرارات المخجلة؟!, وكيف يمكن أن تتعامل هيئة التدريس مع طلاب من مثل هذه النوعية مستقبلا؟!, وما الذي يمنع هؤلاء من إعادة الكرة مرة أخري, احتجاجا علي وضع ما؟!, وكيف يمكن التوفيق بين الطلاب المتمردين الذين يعدون علي أصابع اليد, وبين أقرانهم من آلاف الطلاب المتضررين من تعطل الدراسة, وقد حدثت بين الجانبين مشادات من قبل؟!
نحن بالفعل أمام أزمة أخلاقية بالدرجة الأولي أسهمت للأسف الوزارة المسئولة في تأصيلها, بهذا الشكل المخزي, ونحن أمام كارثة سوف يكتوي بنارها المشهد التعليمي ككل مستقبلا, جراء مثل هذه الحلول التي قد تكون مؤقتة, وهي في حقيقة الأمر, تخريب للعملية التعليمية في المستقبل القريب والبعيد علي السواء, بعد أن أصبحت هذه الجامعة الآن, بمثابة مقهي يستقبل فيه المعتصمون أقرانهم من المشاغبين في كل مكان, دون أي حق لإدارة الجامعة في منع هذا أو ذاك.
وبهذه المناسبة, أجدني أرفع القبعة, وكل آيات الإجلال والاحترام, لمجلس جامعة المنصورة, الذي قرر الملاحقة الجنائية والإدارية, لكل من قاموا بأعمال شغب وتخريب هناك, إلا أنني أخشي أن تدخل وزارة التعليم العالي طرفا في الأزمة علي طريقتها- وإن كنت أدرك أن مجلس جامعة المنصورة يتميز بقوة الإرادة التي تجعله لا يسمح بذلك.
أمة تكره تراثها
بقلم: يوسف الكويليت - الرياض
كل عصر يحاكم ما قبله من منظور واقعه الراهن، وتعاملنا مع تراثنا العربي تحول إلى إشكال لم ولن نخلص منه، طالما الفقهاء، والعلماء، والاجتماعيون والفلاسفة لا تزال تدور حولهم الشكوك بالرفض، ومخالفة قواعد الإسلام، أو الكفر والزندقة، مع أنهم ولدوا وعاشوا وفكروا في غير عصرنا، ولذلك لم يرحم حتى من ذهبوا ضحايا سلطة الحكام أو فتاوى القتل والتعزير والمصادرة..
الأمم الأخرى عرفت كيف تكتب تاريخها على ضوء مصادر تراثها بروح المؤرخ والناقد المحايد، ومع سطوة الكنيسة، في حرق العلماء باعتبارهم هراطقة، وكذلك الفلاسفة، إلا أن هذه السطوة انتهت بعد فصل الكنيسة عن السلطة الزمنية، لكن إذا كنا نقرأ أن لكل زمن أحكامه وتطوره التاريخي والثقافي في سياق اجتماعي خاص، فنحن الآن في زمن التطور الجديد الذي فاق كل العصور، ولذلك لا يجب الاستمرار في محنة الفكر العربي أن يفسر كل التراث من رؤية أحادية الجانب ترفض وتقبل وفق منظور ديني أو تاريخي، بل الأخذ بمعايير من سبقونا بتقويم تراثهم على ضوء التحليل الشامل العلمي والتاريخي..
فنحن بناة حضارة وانتشار ديني وفكري، ولغوي فاق ما قبله من عصور، وقدمنا لغيرنا تراث النهضة الغربية ويكفي ما عد ثورة في علوم الرياضيات باكتشاف العرب للصفر، ولذلك لم يكن تراثنا خالياً من العباقرة في كل المجالات، لكن نظرة الريبة لازمتنا من كل نتاجنا، وحتى المستشرقين ممن درسوه وضعوه في ميزان المكتسبات العظمى في النهضة العالمية، بل ولعل فكر الماضي كان أكثر إشراقاً من حاضرنا اليوم، حتى أن دارساً لابن خلدون، قال لو وجد في زمن الزعامات العربية الراهنة لحورب سياسياً وحكم عليه بالإعدام، فما بالك بالمفكرين والفلاسفة والشعراء وحتى الفقهاء من اختلفنا حولهم وناهضناهم..
ويكفي نظرة بسيطة لرؤية المدن التاريخية، بغداد، ودمشق والقاهرة، والأندلس، كيف صاغت تلك المدن أسلوب حياتها حتى أن بيت الحكمة في بغداد ما زال إشعاعه قائماً حتى اليوم، لكن في الغرب وليس لدينا، وكيف أن احتواء القبيلة بتناقضاتها وتحولها إلى مجتمع حضاري يندرج ضمن قوانين وشرائع تلك الحكومات بما فيها دمج المذهبية والطائفية، وجلب العلماء وتوظيفهم كان جزءاً من شخصية تلك الحضارة الكبرى، والغريب أن ذلك المجتمع الذي فتح الأبواب لجميع العباقرة وجعلهم علماء يبتكرون ويؤلفون ويدرسون، صرنا نعيش بالاتجاه المضاد، أي تصدير كفاءاتنا، والمهمة غير سهلة، فرغم المجامع العلمية والتراثية والهيئات التي تريد إثراء اللغة العربية، إلا أنه لا يوجد في وطننا العربي من يريد رفع غطاء المنع عن تراثنا الكبير، حتى أن ما يوجد في متاحف ومكتبات العالم الخارجي من مقتنيات ومخطوطات، تفوق ما يوجد في الوطن والعالم الإسلامي، وكل ما جرى من تحقيق للكتب بمختلف اختصاصاتها، كان جهداً فردياً، وهذا جزء من تقصير تلام عليه الحكومات وجامعاتها، وعلماؤها، لأن تخصيص ولو جزء من الفوائض المالية لهذا الغرض الحيوي والضروري، كان بامكانه حفظ هذا التراث ودراسته على ضوء الحاضر بانفجاره العلمي والحضاري.
الخذلان الدولي سبب تفاقم الأزمة السورية
بقلم: رأي الدستور
وصول الازمة السورية الى مرحلة الاستعصاء، أو بالاحرى الى مرحلة فقدان السيطرة، وتحول الساحة السورية الى جماعات متقاتلة متناحرة، سببه الرئيس هو التخاذل الدولي، وعدم سعي الدول المعنية سعياً جدياً لحل الأزمة حلاً سياسياً، خاصة وقد تحولت الساحة السورية الى ميدان للحرب الباردة، وساحة لتصفية حسابات الدول الاقليمية والدولية المتناحرة.
إن اختلاف الدول المعنية بالازمة حول أفضل السبل لحلها أدى الى اختلاط الاوراق، واستعصاء الحل، وطغيان نغمة التشاؤم على احاديث جميع الفرقاء المعنيين والتي عبر عنها بوضوح وزير خارجية بريطانيا في اجتماع دول الثماني الأخير، ما يعني ويؤكد ان الازمة ستطول اكثر مما يجب، وان تداعياتها الخطيرة ستصيب دول الجوار بضرر بالغ في ظل تزايد اعداد اللاجئين وخاصة الى الاردن، وامكانية وصول العدد الى مليون لاجىء قبل نهاية العام الحالي، قدرت كلفة ايوائهم بحوالي مليار دولار، وهو ما يفوق قدرة الاردن وطاقته المالية، ما دفع رئيس الوزراء د. عبدالله النسور الى حث المجتمع الدولي، وخاصة الدول الكبرى والدول الشقيقة الغنية، والمنظمات الدولية ذات الاختصاص الى ضرورة الاسراع في تقديم المعونات المالية للاردن، وبأسرع وقت ممكن، ليتمكن من تحمل الأعباء الباهظة التي تثقل كاهله، في ظل اوضاعه الاقتصادية الصعبة التي يمر بها.
وفي هذا السياق فلا بد من الاشارة الى مسؤولية الدول العربية عما حدث ويحدث، ما يحتم العودة الى الحل السياسي الذي طرحه جلالة الملك عبدالله الثاني اكثر من مرة، واكد عليه في القمة العربية بالدوحة، وثبت انه الخيار الوحيد الممكن لانقاذ القطر الشقيق: شعباً وأرضاً من المأساة التي تحيق به، وادت الى مقتل اكثر من سبعين الف انسان، وتدمير البنية التحتية للدولة السورية، وتهجير اكثر من أربعة ملايين يعانون سواء داخل سوريا أو في مخيمات اللجوء من اوضاع معيشية صعبة، في ظل تخاذل المجتمع الدولي عن تقديم المساعدات اللازمة.
مجمل القول: تخاذل المجتمع الدولي هو سبب تفاقم الازمة السورية، ما يفرض على النظام والمعارضة ان يعيدا النظر في مواقفهم، بعد أن ثبت بأن الشعب السوري الشقيق هو المتضرر، وان الدولة السورية هي المهددة بالانهيار، وذلك بالانحياز الى الحل السياسي، بعد فشل الطرفين في تحقيق الحسم العسكري، والاعلان عن وقف اطلاق النار وتشكيل حكومة انتقالية تنال موافقة الطرفين، تتولى ادارة المرحلة الانتقالية، واجراء انتخابات رئاسية ونيابية، وصولاً الى اقامة سوريا الحديثة القائمة على الديمقراطية والانتخابات النزيهة وتداول السلطة احتكاماً لصناديق الاقتراع.
من السلام البارد إلى شهر العسل!
بقلم: حلمي الأسمر - الدستور
ندرك أنه لا لقاء أيديولوجيا بين مصر وإسرائيل الآن، ولكم كان تخوف الأخيرة كثيرا حينما تسلم مرسي الإخواني زمام السلطة في مصر، بل اجتهد الرئيس المصري وحاشيته أن ينأوا بأنفسهم عن لقاء اي مسؤول إسرائيلي، وتجنب الرئيس ما وسعه الأمر حتى ذكر اسم إسرائيل!
الحقائق على الأرض تعكس واقعا آخر، بخاصة منذ رعت مصر/مرسي توقيع اتفاقية التهدئة بين العدو الصهيوني وحماس، في الجانب السياسي العلاقة بين مصر وإسرائيل في حدها الأدنى، لكن في الجانب الأخطر والأهم، وهو الجانب الأمني، يصف مسؤولون إسرائيليون العلاقة بأنها «شهر عسل» وهي مفارقة هائلة، حين يستدعي المرء طبيعة العلاقة التي كانت سائدة ايام مبارك، التي كانت توصف بأنها مرحلة «السلام البارد» رغم الدور الكبير الذي لعبه مبارك في كونه اكثر حلفاء إسرائيل العرب فاعلية وتأثيرا وقربا منها، اليوم مرسي بعيد عن إسرائيل سياسيا، ولكنه قريب إلى حد إثارة النقمة، من هذا الكيان في الجانب العملياتي الأمني، وتلك مفارقة لافتة، ربما تعود إلى عدم إحكام قبضته على مفاصل ومؤسسات الدولة، ومنها المؤسسة الأخطر والأقوى: الجيش القوى الأمنية، ولا نريد أن نقول أكثر!
موقع «واللا» الإخباري العبري ينقل صباح أمس الجمعة عن مسؤولين كبار في المنظومة الأمنية الإسرائيلية أن العلاقات الدبلوماسية بين الجانبين الإسرائيلي والمصري بدأت تنعكس بالإيجابية بخاصة بعد انتهاء العدوان الأخير قطاع غزة، والعملية التي أودت بحياة 16 جندياً مصريا في أغسطس آب الماضي، مظاهر «تحسن» العلاقات وفق هؤلاء تصب لصالح الجانب الإسرائيلي من خلال منع الجيش المصري تهريب السلاح إلى قطاع غزة، ويقولون انه منذ الانتهاء من العملية التي يسمونها «عامود السحاب» لم يدخل إلى قطاع غزة أي صورايخ بعيدة المدى، كما أن عمليات إدخال السلاح قد انخفضت بشكل ملحوظ خلال تلك الفترة، و»الفضل!» في ذلك يعود إلى إشراف وزير الدفاع المصري عبد الفتاح السيسي بنفسه على هذا الموضوع. ويعيدون هذا الأمر إلى العملية التي أدت إلى مقتل 16 جندياً من الجيش المصري، حيث أصبح كل من الجيش المصري والمنظومة الأمنية بكاملها يدركان أهمية التعاون المشترك مع إسرائيل، حسب قول مسؤول أمني إسرائيلي، ووفقاً لهذا المسؤول فإن الجيش المصري والأجهزة الأمنية في مصر قد أبدت استعدادها للتعاون الكبير والمشترك مع الإسرائيليين، بل أن الفترة الماضية شهدت تحسناً كبيراً في العلاقات بين الجيشين المصري والإسرائيلي من ناحية التنسيق الأمني، واصفاً تلك العلاقات بــ»شهر العسل»!
الصورة التي يرسمها المسؤولون الإسرائيليون لعلاقتهم مع نظام مرسي الآن، تصيبنا بكثير من الانفصام، والدهشة، وربما بما هو أكثر من ذلك، رغم الظروف «الاستثنائية» التي تمر بها مصر إجمالا وحالة عدم الاستقرار التي تلقي بظلالها على كل شيء!
من كان يصدق أن يكون ثمة «شهر عسل» بين نظام إخواني وكيان العدو الصهيوني الغاصب الإمبريالي!
مكالمة لم تعد سرية مع الدقامسة
بقلم: ماهر ابو طير - الدستور
كانت الساعة تشير يومها الى الخامسة عصراً،عام سبعة وتسعين،واذ خرجت من مطار هيثرو في العاصمة البريطانية،متوجهاً الى حيث اسكن،اذ كنت اعمل آنذاك في لندن،واذ بسائق التاكسي الاسود يسألني من اين جئت،فأجبته انني قادم من الاردن؟!.
لحظتها ناولني طبعة مسائية من صحيفة تابلويد بريطانية،لااذكر اسمها،قائلا هل سمعت عن حادثة قتل الاسرائيليات،على يد عسكري اردني،وغلاف الصحيفة،كان قد حمل العناوين الاساسية للقصة بالاضافة الى صورة ملونة؟!.
كانت تلك اول معرفة لي بقصة الجندي احمد الدقامسة،ومابين تلك القصة قبل ستة عشر عاماً،ومطالبة مائة واحد عشر نائباً لرئيس مجلس النواب بالتدخل لاصدار عفو خاص عن الدقامسة،تاريخ طويل من قصة الجندي السجين،وهو تاريخ حفل بتفاصيل كثيرة.
خلال عام الفين وسبعة،اتصل بي احمد الدقامسة،من رقم محجوب،من داخل سجنه،ليشكو اوضاعه الصحية والنفسية وبعده عن اهله،طالبا فقط تحسين ظروف حياته،ولم يتطرق يومها في المكالمة الى مطلب الافراج عنه،اذ ان سقفه كان تحسين سجنه فقط.
بسبب سوء الحظ،او حسن النية،اتصلت بمسؤول مهم جداً،قائلا له ان الدقامسة بحاجة الى تحسين ظروفه،وانه اتصل بي،مطالباً ببضعة مطالب،والمسؤول بدلا من ان يشعر قليلا بحال السجين،ولو من باب حقوق الانسان،جن جنونه،حول كيفية تسرب هاتف خلوي الى الدقامسة،وبدلا من تحسين ظروف حياته،ارسل من يفتش سجنه،ويصادر هاتفه المهرب،وبقيت ظروفه كما هي.
تسببت تلك الحادثة بعقدة كبيرة في داخلي،لان القصد كان تحسين ظرفه،لا الوشاية عليه آنذاك،ومن هذه الزاوية فإن بعض المسؤولين لايفرقون حتى الان بين الحكم القانوني،وحقوق السجين التي يستحقها،وذاك المبدأ المستحدث الذي يقول ان اهانة السجين عقوبة فوق عقوبة الحبس،وهذا هامش مفتوح للمجتهدين في هذه الفنون.
هذه الايام تعود قضية الدقامسة الى السطح،والدقامسة الذي يعاني من الامراض،شبع سجناً،ولابد من ان مطالبة مائة واحد عشر نائباً بإطلاق سراحة،مطالبة مهمة،ولايمكن القفز عنها،ولاتجاوزها،ولاطمس حبر اخبارها،لان عدد الموقعين كبير.
رئيس وزراء سابق وقبل سنوات وفي تصريح له قال ان البعض يتعاطف مع الدقامسة،ويعتبره بطلا،فيما يرى ذات الرئيس ان الدقامسة قتل طفلات اسرائيليات،وتجاوزالتعليمات العسكرية،معتبراً ان اطلاق سراحه غير وارد،لانه مسّ الشرف العسكري!!.
لابد من اطلاق سراح الرجل،اذ يكفيه السجن كل هذه السنين،وبضعة سنين اخرى،ضمن مدة حكمه،لن تغير من الواقع شيئاً،خصوصاً،اننا امام مطالبة نيابية كبيرة بعفو خاص،وقد سبق ان شمل ذات العفو الخاص تجار مخدرات وقتلة وغيرهم من محكومين.
في كل الحالات،لامفر امام الجميع من التجاوب مع مذكرة النواب،اياً كان تكييفها القانوني،ولم يبق من حكم الرجل الا بضعة سنين،والاولى رده من غربته الى اهله وعائلته،وسنبقى نسأل عن مصير المذكرة النيابية،حتى لاتختفي فجأة في الادراج؟!.
الافراج عن الدقامسة لن يزلزل الدنيا،ولن يضر البلد،وفي اطلاق سراحه،ارتداد داخلي ايجابي على كل المستويات الشعبية والسياسية والاجتماعية.
القصة بحاجة الى ارادة وجرأة فقط.
هل أنت مع الحراك؟
بقلم: حسين الرواشدة - الدستور
قيل أن أحد الاطفال في الزرقاء سأل رئيس الوزراء خلال زيارته للمدينة: هل أنت مع الحراك؟ فأجابه الرئيس: نعم مع الحراك وحراكي أيضاً.
لا أدري - بالطبع - اذا كان الدكتور النسور قد توقف امام هذا السؤال “الطفولي” كما توقف امام الشباب الذين ناشدوه ان يضع “نموذج” وصفي التل امام عينيه لكي يشعروا بالاطمئنان.. لكن ما يهمني - هنا - هو هذا “الوعي” الجديد الذي دفع “الطفل” الى التركيز على “الحراك” ومحاولة معرفة موقف الرئيس منه، فيما كان - يفترض - ان لديه عشرات الاسئلة حول قضايا تهم “اطفال” المنطقة هناك ابتداء من “احوال” المدرسة الى العنف الى الفقر والبطالة..الخ.
ما شهدناه في اربد، امس، ربما يجيب على “سر” تغلغل “وعي” الحراكات في ذاكرة الناس، حتى الاطفال منهم، فبعد اكثر من عامين على الاحتجاجات في الشارع، نكتشف بأننا امام “مجتمع” قد تغير حقاً، ومهما حاول البعض ان “ينكر” ما حدث، فان أعين “الناس” اصبحت مفتوحة على “حدث” جديد، عنوانه: الاحتجاج والمطالبة وعدم السكوت على الخطأ والاصرار على “التغيير”، وبالتالي فنحن امام “جيل” مختلف، ووعي لم يسبق لنا ان عرفناه، وهذا ما يستدعي “الانتباه” الى حركة الشارع، وحالة “التمدد” والتصاعد في شعاراته ومواقفه، ولنا ان نسأل أنفسنا هنا: لماذا لم “يطوِ” الناس الصفحة بعدما قدم لهم من “وصفات” اصلاحية، ولماذا لا يزالون يخرجون للشارع؟
قبل نحو أسبوعين، ذكر لي أحد الناشطين في اربد، ان الحراكات تستعد لمسيرة ضخمة يوم الجمعة (امس بالطبع)، سألته عن الاسباب التي جعلت حراكات المدينة مختلفة عن غيرها، فقدم لي أسبابا عديدة لذلك، قال: ثمة انسجام واضح في “خارطة” الحراك في اربد، فالجميع يشاركون فيه من مختلف الاتجاهات الفكرية والسياسية، وثمة “روح” جديدة دبت في المدينة بعد وصول “اللاجئين” السوريين اليها، وثمة غياب واضح “للوسائط” الاجتماعية التي يمكن ان تتدخل لمنع الشباب من الخروج في الاحتجاجات، وثمة احساس لدى كثير من الشباب بأن التغيير تأخر، وبأن احوالهم تسوء.
الصورة في الطفيلة ومعان امس، كانت ايضا مشابهة نسبياً، فاحتجاجات المدينتين حافظت على “ايقاعها” المعتاد، وحالة “الناس” التي عبروا عنها تشير الى الاحساس ذاته، والمخاوف ذاتها، ومهما قيل ان “المسيرات” اصبحت مسألة اعتيادية، ومفهومة في سياقات السياسة ومناخاتها الداخلية وفي ظروف الاقليم وتحولاته، فان هذه “الاعتيادية” بعد عامين واكثر لا تكفي لفهم ما يحدث، ولا “لتقدير” الموقف الذي اصبحنا فيه، مما يضطرنا مرة اخرى للتنبيه بأننا نحتاج الى منطق آخر للتعامل مع “مطالب الناس” منطق يقوم على ضرورة “تغيير الصورة” ودفع استحقاقات الاصلاح، والتوقف عن المراهنة على “تراجع” اصوات الناس، وعلى “ضعف” الحراكات وانحسارها.
افضل اجابة يمكن ان نبدأ فيها للرد على “الحراكات” هي العبارة التي قالها الدكتور النسور بعد زيارته للزرقاء: “لا يوجد رأس فساد عصيّ على الكسر”، لكن هذا الكلام الجريء - بالطبع - يحتاج الى تفعيل لكي يراه الناس على الارض، أو ان يلمسوه بحضور تلك الرؤوس امام “منصة” العدالة، وأكاد اجزم ان أمام الدكتور فرصة لكي يفعل ذلك، على الاقل، ليرد على سؤال “الطفل” الذي التقاه في الزرقاء، أو لكي يستعيد جزءاً من ذاكرتنا التي ما تزال تحتفظ لوصفي التل بالتقدير والاحترام.
الازمة السورية لن تنتهي برحيل الاسد
بقلم: ابراهيم درويشة - 'القدس العربي'
حذر مسؤولون امريكيون من ان الحرب في سورية ستستمر حتى في حالة انتصار المعارضة المسلحة ونجاحها بالاطاحة بالرئيس بشار الاسد. ووصف جيمس كلابر، مدير الامن القومي الحرب بانها ستكون طائفية، فيما اشار السفير الامريكي في دمشق، روبرت فورد إلى ان الحكومة السورية التي 'تخشى من الموت ستقاتل حتى الموت'، ويمثل ما قدمه المسؤولان الامريكيان، اضافة لشهادة وزير الدفاع امام الكونغرس تقييما قاتما.
وجاءت التقييمات الامريكية في الوقت الذي فشلت فيه بريطانيا باقناع مجموعة الدول الثماني برفع الحظر عن تسليح المعارضة السورية، حيث نسب وزير الخارجية البريطاني ويليام هيج الامر الى الخلافات داخل المجموعة وعرقلة امكانية حل الازمة السورية التي دخلت عامها الثالث، وقال هيج عقب الاجتماع الذي استضافته لندن ان 'الانقسام لا يزال مستمرا، هل قمنا بحله، لا، ولا اتوقع ذلك، ولكن العالم فشل في تحمل مسؤولياته ولا يزال'. ولم يجد ممثلو المعارضة السورية الذين حضروا على هامش المؤتمر الا ان يطلبوا مزيدا من الدعم الانساني. وقالت اليزابيث جونز ـ القائمة باعمال المسؤول المساعد لشؤون الشرق الادنى في الخارجية الامريكية التي حضرت الى جانب فورد امام لجنة الشؤون الخارجية ان الوضع في سورية ليس جيدا. وتوقعت ان يتضاعف عدد اللاجئين السوريين، الحالي 1.3، الى ضعفين او ثلاثة اضعاف بنهاية العام الحالي.
المتطرفون في صعود
وفي تقييمهم للوضع الميداني قال المسؤولون الامريكيون ان المقاتلين حققوا تقدما وان كان بطيئا ضد قوات الاسد وسيطروا على مناطق واسعة، وفي الوقت نفسه حذروا من المخاطر النابعة من صعود المتطرفين التي قال فورد ان قوتهم تعززت بتأثير ايراني 'خبيث'.
وحذر فورد قائلا ان هناك 'تنافسا يتشكل بين الفصائل المتشددة والمتطرفة في سورية. وكان فورد قد التقى قادة المعارضة في لندن حيث قال: 'يجب ان نضع ثقلنا نيابة عمن يدعون للحرية والتسامح'. وقال فورد ان الولايات المتحدة تقوم بحث المعارضة على مد اليد للجماعات والاقليات في سورية بمن فيهم المسيحيون والعلويون قائلا: 'هناك حاجة الى التفاوض على حل سياسي لانه بدون تسوية، فاننا نعتقد ان الموالين للنظام الذي يخشون الموت سيقاتلون حتى الموت'.
فصائلية
وفي نفس السياق قال كلابر، امام لجنة الشؤون الامنية في الكونغرس ان ما ستنجلي عنه الاوضاع هي سورية مقسمة بناء على الخطوط الجغرافية والطائفية واستخدم في هذا السياق كلمة 'فصائلية'، حيث سيتواصل القتال بين الميليشيات لسنة او سنة ونصف السنة بعد خروج الاسد من السلطة. وقال ان هناك 'المئات من هذه الميليشيات التي تقاتل في شمال وشرق البلاد'، مضيفا انها تقوم 'بتحقيق سيطرة على مناطق جديدة'، قائلا انها حاضرة في 13ـ 14 محافظة في سورية. واعترف كلابر ان الاستخبارات الامريكية لا تقوم بالتفكير او التكهن حول مصير الاسد، متى سيرحل والى اين سيرحل، خاصة ان الرئيس السوري لا يزال يؤمن بقدرته على القضاء على الثورة.
وعلق كلابر قائلا ان 'الاسد يعتقد ان لديه اليد العليا وانه ينتصر'، مشيرا الى ما قاله الاسد انه ولد في سورية وسيموت فيها. وعن الخطر الكيماوي السوري وتأمين المخازن من امريكا وحلفائها في المنطقة اجاب انه غير متأكد من الكيفية لكن الامر سيكون مرهونا بالوضع. وفي سياق اخر اخبر وزير الدفاع تشاك هاجل لجنة الدفاع في الكونغرس ان الادارة لم تلاحظ اي استخدام للسلاح الكيماوي 'وبالتأكيد فان تم تجاوز هذا الخط فسيكون امامنا وضع مختلف، وعندها سندخل في اتجاهات اخرى، خاصة ان وقعت الاسلحة في الايدي الخطأ'.
سترة واقية لا تحارب سكود
وفي الوقت الذي اكد فيه الرئيس باراك اوباما اهمية الدعم الانساني ووقع على مساعدات جديدة، اضافة الى تدريب سري لجماعات المعارضة في الاردن الا ان المسؤولين في الجلسة كرروا رفض الادارة تسليح المعارضة، وهو القرار التي يقول نقاد الادارة انه عرض المقاتلين لاسلحة النظام الثقيلة وسمح له كما اشار تقرير منظمة 'هيومان رايتس ووتش' باستهداف التجمعات المدنية خاصة في حلب. وانتقد جون ماكين، النائب الجمهوري عن ولاية اريزونا والداعي لتسليح المقاتلين الموقف حيث علق في الجلسة انه 'يتفهم لماذا لا يشعر المقاتل السوري بالراحة لكونه يحصل على سترة واقية من الرصاص خاصة عندما يتم دكه بصواريخ سكود وقصف جوي'. وقال ماكين 'لقد قابلت القيادة العسكرية للمعارضة، وزرت المخيمات، لا يشعرون بالامتنان لنا بل بالمرارة والغضب'. وكان الرئيس باراك اوباما قد ناقش الوضع في سورية مع الامين العام للامم المتحدة بان كي مون الذي دعا الرئيس اوباما لاظهار قيادة قوية في الازمة. وفي الوقت الذي اعترف فيه اوباما بحراجة الوضع الا انه اكد اهمية 'التوصل الى عملية نقل سياسي فاعلة تحترم حقوق كل السوريين'. وعلى المدى القريب اكد اوباما اهمية ' التخلص من جزء من المذبحة'.
يجب ان نكون واقعيين
وفي تعليق على الوضع السوري قالت صحيفة 'اندبندنت' ان عدم الاهتمام الاعلامي والدولي بالازمة السورية في الاونة الاخيرة لا يعني ان الوضع اقل دموية واكثر تفاؤلا ولكن لان عددا قليلا من الاشخاص قادرون على الدخول لسورية وتوثيق ما يحدث هناك، مشيرة الى زيارة مراسلها روبرت فيسك الذي وصف الحياة في العاصمة السورية بانها شبه طبيعية وسط سقوط القذائف، وقال ان الحرب وان وصلت دمشق الا انها لم تتحول بعد الى محور حرب.
وتقرير فيسك يقدم صورة قاتمة لانه وبعد عامين من الحرب واكثر من 70 الف قتيل وملايين المهجرين فالاسد لا يزال مصمما والعنف مستمرا، فيما توجد ادلة على استخدام القنابل العنقودية والاتهامات متبادلة بين الطرفين حول استخدام السلاح الكيماوي.
واضافت الصحيفة ان الرد الطبيعي على الفظائع هو الرغبة بوقفها، مشيرة الى ما قاله هيج الذي وصف سورية بأنها تتحول الى كارثة القرن الحادي والعشرين الانسانية. وقالت ان المشاعر العاطفية هذه مفيدة ولكن لو لم توقف روسيا عمليات حل الازمة في الايام الاولى فان حلولا عملية كان يمكن التوصل اليها، فالوضع على الارض غامض، وهناك مخاطر من تفكك البلاد على اسس طائفية، يضاف الى ذلك الخلافات التي تطبع المعارضة وتعدد الولاءات فيها.
وفي النهاية قالت ان ما يمكن للمجتمع الدولي عمله هو فرض العقوبات وحظر تصدير السلاح على سورية واللجوء الى محكمة جرائم الحرب الدولية، اضافة لزيادة الدعم الانساني، اما فيما يتعلق بالدعم العسكري مباشرا كان ام غير مباشر فهو متأخر.
في دمشق
وتساءل فيسك في بداية مقاله ان كانت دمشق محاصرة واجاب بنعم، وان كانت في حالة حرب والاجابة 'لست متأكدا'. لكن هناك شيئا غير عادي يحدث هو القصف المستمر والقنابل التي تنهمر من جبل قاسيون الى داريا وفوق قصر العظم وقبر صلاح الدين والمسجد الاموي وو.. غيرها من المعالم التاريخية الضاربة في القدم. ويقول ان الحياة تبدو عادية على الاقل مع ان الارض تهتز من القذائف، ففي فندقه كل شيء طازج، وحوله كل الشائعات عن الحرب، فقد اخبره شخص موثوق بان ضريح السيدة زينب دمرته قنابل هاون اطلقها سلفيون عليه. وعندما يزور المكان يرى ان ضررا بسيطا حصل على رخامه ولكن المكان لا يزال كما هو. ويرصد الكاتب وضع السوريين في دمشق والكيفية التي تتضاءل فيها امال الطبقة المتوسطة حيث تركت الحرب اثارها عليهم، ففي محطات الباصات التي كانت تعلن عن رحلاتها باللوحات الالكترونية الان اصبحت تكتب باليد. كما لم يصل الى محطة قطارات دمشق الكبيرة اي قطار منذ ستة اشهر. ويتساءل الكاتب عن طبيعة من هم تحت الحصار، هل هم اصحاب المحلات والطبقة المتوسطة في المزة 'الموالون' للرئيس ام سكان داريا الذين تركوا للعيش في الاقبية وبين بيوتهم المدمرة حيث تم محو مجتمع باكمله كما قال له احد الصحافيين في دمشق. وينقل فيسك التناقض في داخل الروايات عن الحرب في سورية، واحياء ذكرى بداية الثورة التي قال ان اول هجوم على القوات السورية بدأ في صيف عام 2011 عندما تعرضت مفرزة للجيش وقتل منها 12 جنديا على جسر بانياس.
ومع ذلك فالرواية التي تقول ان الحكومة السورية التي تريد بناء نظام ديمقراطي لحماية البلاد يتم نقضها كل ساعة بالهجمات التي تقوم بها على من تقول انهم 'ارهابيون'. ويرى الكاتب ان هناك عاملا من الانتقام يدفع الحرب حيث ينقل عن احد جنود القوات الخاصة الذي تعرضت فرقته لكمين قرب حماة كيف ذهب رفاق من قتلوا في الكمين لقتل من نصبوه. وبنفس السياق نقل عن صحافي اضطر للهرب من بلدته في الشمال عبر لبنان بعد ان قتل الثوار قريبا له فيما اعتبره رسالة موجهة اليه، والاعتداء على شخصية تلفزيونية معروفة اتهم المقاتلين بمحاولة قتله حيث قال انهم كانوا يعرفون مكان سكناه.
وقال انه طلب من جنود الحاجز توفير الحماية له لكن الجنود اخبروه ان واجبهم حماية مركز الاستخبارات في المنطقة. وعلى ذكر المخابرات يبدو ان الجميع يلومونهم على الازمة الحالية في سورية فردهم المجنون على الشعارات التي كتبت على جدران درعا ادت الى اندلاع العنف، وحتى الجنود يلومون المخابرات وغطرستهم على ما يحدث الان. ويكشف فيسك عن الحالة المعقدة لسورية حيث ينقل عن احدهم قوله 'حقيقة، روبرت، هذا البلد كان معقدا لكن من الصعب فهمه الان'.
خذ مثلا ما قيل عن قائد لقوات المعارضة عرض جائزة 750 الف ليرة سورية للمقاتل الذي يغنم 25 دبابة، مع ان الدبابة وحدها تصل قيمتها الى مليون دولار او اكثر. ويصف زيارته لضريح السيدة زينب ولقائه مع احد العراقيين من النجف وهو لاجئ هرب من الحرب الطائفية هناك ليجد نفسه في وسط حرب اخرى. ويختم فيسك مقاله بالقول ان دمشق ليست لينين غراد في عام 1941 ولا ستالين غراد او تروي او بيروت عام 1982 على الاقل في الوقت الحالي، والوصف الذي سمعه من صديق ان دمشق ذاهبة ولكن ليس بعد.
مأساة اللاجئين العراقيين
ومادام الحديث عن اللاجئين العراقيين، فصحيفة 'واشنطن بوست' تحدثت عن مأساة اللاجئ العراقي في سورية. وقالت ان حوالي 480 الف لاجئ عراقي لا يزالون في سوريةـ وامامهم الان خياران احلاهما مر، العودة الى عراق غير مستقر او البقاء في سورية على امل ان تتحسن الاوضاع. وقد اختار البعض العودة، فيما يحاول اخرون البحث عن موطن جديد، وتقول احصائيات الامم المتحدة ان حوالي 70 الف عراقي عادوا للعراق منذ صيف العام الماضي، وبنفس الفترة دخل اكثر من 41 الف عراقي الاراضي السورية. وتظهر حركة المهاجرين وضعا وجد فيه السكان انفسهم وسط حرب طائفية انتشرت على حدود البلدين.
ونقلت عن مسؤولة في مفوضية اللاجئين التابعة للامم المتحدة ان الهاربين من العراقيين يتشاركون بنفس المشاكل التي يواجهها السوريون، لان هؤلاء يحصلون على دعم من عائلات ممتدة او العشيرة. ومع ان العراقيين يهاجرون لسورية منذ عقود الا ان معدلاتهم ارتفعت في الفترة ما بين 2006-2009 هربا من الحرب الطائفية، ونسبة 60 بالمئة منهم من السنة، وهناك شيعة استقروا قرب ضريح السيدة زينب فيما استقر السنة في المدن خاصة دمشق، وحسب احصائيات الامم المتحدة فلديها 63 الفا مسجلين لديها، وتقول ان احصائيات الحكومة السورية مبالغ فيها ومدفوعة بدافع الحصول على دعم دولي.
وفي الوقت الذي سمح الوضع في سورية للعراقيين بالعيش نظرا لتكلفة المعيشة الرخيصة، والسماح لهم بادخال ابنائهم للمدارس الا ان الحكومة لم تسمح لهم بالعمل مما جعلهم يعتمدون على الدعم الانساني او العمل في الاعمال اليدوية فيما دفع بالكثير من العراقيات للعمل في الدعارة. وعندما اندلعت الحرب في سورية وجدوا انفسهم عالقين في وضع لا يمكنهم مغادرته بسبب عدم توفر كلفة السفر واضطر البعض منهم الى العيش في مناطق تحولت الى محاور حرب. ونقلت عن لاجئ عراقي هرب بعد ان اعتقلته القوات الامريكية وسجنته 4 اعوام، حيث انتقل الى سورية وعاش في دمشق مع عائلته قوله انه هرب من بؤس ليواجه بؤسا اخر. وقال ان واحدة من بناته اصيبت عام 2011 بحروق جراء انفجار في مدرسة، فيما قتل قناص امرأة تعيش في نفس البناية عندما فتحت شباك شقتها. ويتعرض الحي الذي يعيش فيه لقصف مستمر لان الحكومة تعتبره مركزا لنشاطات المعارضة. ويقول اللاجئ ان الحرب في سورية الان تتخذ نفس الطابع الطائفي الذي عايشه في العراق، ولهذا قرر ارسال ولديه الى بيلاروس للدراسة والبنات الى العراق للعيش مع اقاربه. ومع تدهور الوضع قرر السفر الى تركيا بحثا عن عمل مخلفا وراءه زوجته واطفاله الصغار. ويقول 'الحياة صعبة، ولكنني صابر'. ونفس الوضع واجهه رعد يوسف، مسيحي عراقي، حيث غادر العراق تاركا وراءه بيته ومحل تصليح السيارات الذي يملكه، وسكن في الحي المسيحي في دمشق حيث يقول ان 'نفس المأساة التي واجهناها في العراق تتكرر في سورية'، نفس 'القتل العشوائي، الخارجين عن القانون وقتل الابرياء'، وفي الصيف قرر مغادرة سورية وتساءل ان كان بلده العراق آمنا ولكنه قرر الرحيل الى لبنان حيث يعيش هناك الان ويعيش على مساعدات الكنائس والمنظمات غير الحكومية ويأمل بالهجرة الى امريكا ونجاح طلبه الذي تقدم به للسفارة الامريكية 'وسينهي معاناتنا الطويلة والعيش في خوف'.
جبهة الجولان تستعد للتسخين
رأي القدس العربي
اطلق الجيش الاسرائيلي نيران المدفعية على الاراضي السورية مساء الجمعة بعد تعرض جنوده في هضبة الجولان المحتلة لطلقات نارية وقذائف على طول السياج الامني الحدودي.
الحادث ليس جديدا، فقد جرى تبادل لاطلاق النار في الاشهر القليلة الماضية، ولكن الجديد هو ان القذائف التي يجري اطلاقها من مدافع هاون ليست من قبل الجيش النظامي السوري، وانما من قبل جماعات جهادية اسلامية في اغلب الاحيان.
النظام السوري سحب فرقتين كانتا ترابطان بالقرب من الشريط الحدودي، يزيد تعداد جنودهما عن عشرين الف جندي، واعاد تموضعهما حول وداخل العاصمة دمشق، استعدادا للمعركة الحاسمة التي يتوقعها العديد من المراقبين في غضون شهرين.
اسرائيل تعيش حالة من الارتباك غير مسبوقة، تعبر عنها تارة بضغوط على الادارة الامريكية بعدم تقديم اي امدادات عسكرية متطورة للمعارضة السورية المسلحة خشية ان تقع في ايدي الجماعات الجهادية المتشددة، وتارة اخرى بالبدء في بناء سور عازل على غرار ما فعلت في اماكن اخرى، خاصة في الضفة الغربية المحتلة.
انسحاب الجيش السوري من منطقة الجولان اوجد فراغا امنيا من الطبيعي ان تملأه الجماعات الجهادية، وجبهة النصرة على وجه الخصوص التي اعلنت مبايعتها للدكتور ايمن الظواهري زعيم تنظيم 'القاعدة'، وهذا الوجود ربما يتطور الى ما هو اكثر من اطلاق قذائف هاون او طلقات نارية باسلحة خفيفة على القوات الاسرائيلية.
الاسوار العازلة يمكن ان تمنع تسلل بعض المقاتلين، وتقلص من اعداد العمليات الاستشهادية، مثلما هو الحال في الضفة الغربية، ولكنها لا تستطيع صد الصواريخ وقذائف المدفعية الثقيلة مثلما حدث في جنوب لبنان، ومثلما يحدث في قطاع غزة حاليا.
وربما يفيد التذكير بان صواريخ المقاومة القادمة من قطاع غزة لم تصل الى قلب تل ابيب فقط، وانما الى غلاف القدس المحتلة الاستيطاني في الضفة الغربية، مما الغى عمليا التنسيق الامني الفلسطيني (السلطة) الاسرائيلي، ودور الجدار العنصري.
سورية تتحول بشكل تدريجي الى دولة شبه فاشلة، بسبب عجز السلطة المركزية عن السيطرة على حدودها، وبعض المناطق الاخرى في الريف والاطراف، وهذا الوضع سيساعد تدريجيا على فتح جبهة مقاومة في جبهة الجولان ان عاجلا او آجلا. فليس صدفة ان زعيم تنظيم النصرة اسمه ابو محمد الجولاني، الذي قاتل الامريكان في العراق تحت لواء دولة العراق الاسلامية، ولن يكون مستغربا اذا قاتل الاسرائيليين الذين يحتلون الجولان وفلسطين ايضا.
الحدود السورية مع فلسطين المحتلة قد تسخن قريبا، تماما مثلما جرى تسخين جبهة سيناء، ومن قبلهما الحدود اللبنانية، والاسوار التي تقيمها اسرائيل لن تحميها قطعا مما هو قادم من عمليات وتطورات عسكرية، فالاسرائيليون اضاعوا فرصة ذهبية امتدت لاكثر من عشرين عاما لاقامة السلام، وقد يدفعون ثمنا باهظا مقابل هذه الغلطة التاريخية.
الاعتدال يتراجع في الوطن العربي والتشدد الاسلامي يتقدم.
الفتنة.. ومرسي.. وحديث الأصابع!
بقلم: سليم عزوز – القدس العربي
في الصعيد يقال تعبيراً عن حرية الموقف والتصرف: 'إصبعي ليس تحت ضرس أحد'..
أنا قلت 'إصبع'؟!..ياللهول، فحديث الأصبع صار نكتة الموسم بعد حديث الدكتور محمد مرسي رئيس الجمهورية عن الأصابع الثلاثة، الذي قال إنها تعبث في مصر، وفي رواية أخرى أربعة، وتحول الأمر إلى مادة للسخرية من الرئيس، خدمت كثيراً باسم يوسف في برنامجه 'البرنامج' على قناة 'سي بي سي'، لاسيما أن الرئيس تحدث بعامية، والفصحى كانت ستخفف من حجم الفكاهة في الموضوع، لأن الأمر كان سيمثل اشتقاقاً من عبارة 'الأصابع الخفية'، وان كان أحد لم يعد يتقبل التحذير بالإصبع، وقد انتقل باللواء محسن الفنجري، عضو المجلس العسكري الحاكم فيما مضى من أعلى عليين إلى أسفل سافلين.
الفنجري كان في ليلة تنحي حسني مبارك قد ألقى بيان المجلس، ثم حيا شهداء الثورة تحية عسكرية، أدخلته التاريخ، وتم تعليق صوره في ميدان التحرير وغيره من ميادين النضال، حتى كاد يتحول إلى أيقونة للثورة، لكنه كما دخل التاريخ خرج منه عندما أسفر عن سبابته محذراً فيما بعد.
الخبثاء، ولست منهم فأنا رجل طيب كالرئيس محمد مرسي، قالوا إن الدفع بمحسن الفنجري في بيان تحذيري استخدم فيه إصبعه، كان مقصوداً من زملاء له في المجلس العسكري، ليقضوا على شعبيته غير المبررة بين صفوف الثوار، مع أنه لم يفعل أكثر من إلقاء بيان تلفزيوني متفق عليه، بما في ذلك التحية العسكرية للشهداء، فنال هو الشرف، وكانوا هم بدونه من الذين هتفت ضدهم الجماهير باعتبارهم يمثلون حكم العسكر، فكان القرار بإحراقه سياسياً، ومن خلال التحذير بالإصبع، ولم يكن الرجل هنا وهناك سوي مؤد لمهمة تم تكليفه بها.
الرئيس مرسي ربما نسي أن إصبعا مشهراً قضى على شعبية اللواء الفنجري، فجاء يكرر الخطأ ليصبح مادة خصبة للجالسين له على 'الساقطة واللاقطة'، وليصول باسم يوسف ويجول، ومرسي بحكم طبيعة شخصيته ليس من الذين يهددون فيعمل الناس حساباً لتهديداتهم، لكنه واقع تحت ضغوط أنصاره، الذين ضجوا بصبره على من يهددون حكمه، وبعض شباب الإخوان يوشك أن ينفجر من صبر مرسي الذي يشبه صبر أيوب، لكن الرئيس عندما جاء يكحلها أعماها، وفجر براكين الكوميديا من شعب تعد السخرية جزءاً من أسلحته في الأيام القحط كالتي نعيشها الآن، بشكل جعلني لأول مرة أندم لأنني لم أهاجر في شبابي ولو إلى النمسا، ولو حدث لكان زماني أحمل الجنسية النمساوية، ورامي لكح قال في برنامج تلفزيوني إن الدكتور محمد البرادعي نمساوي قديم.. وبالمناسبة ما هي القيمة الدفترية للجنسية النمساوية لكي يحصل عليها البرادعي؟!
السمع والطاعة
ما علينا، فإصبعي، ولا مؤاخذة يا قراء، ليس تحت ضرس أحد، وليس في يد الإخوان من دنيا أريدها، وما في أيديهم لست مؤهلاً للحصول عليه، فعطاء الحكم الإخواني لا يكون إلا لبشر بعينهم، مؤهلين لأن يسمعوا ويطيعوا، وأنا أريد أن أُسمع وأن أًطاع، وان سر الإخواني مني شيئاً ساءته أشياء، ولا يوجد نظام حكم يتحمل كاتبا حرا، جواز سفره ليس مرهوناً لدى الكفيل، ولو كان خادم الحرمين الشريفين.
ولقد فوجئت بحملة الفضائيات ضد أهل الحكم في مصر، بعد أحداث الفتنة الطائفية في قرية 'الخصوص'، وكانت السهام كلها موجه للرئاسة، وبشكل يوحي كما لو كانت الفتنة هي نتاج مشكلة ضد المسيحيين تسبب فيها الرئيس محمد مرسي شخصياً، وقد تجاوزت الفضائيات سبب الأزمة، وقامت بإشعال الموقف، لعلها تنجح في مهمتها في إسقاط النظام، تنفيذاً لرغبات مكبوتة للكفيل السعودي، الذي ينصب مناحة على عهد مبارك!
الفضائيات نفسها نصبت 'مناحة عظمى' لأن الحكم الإخواني يشعل الفتنة الطائفية، وإذا بالإعلام الغربي يسير في نفس الطريق، على نحو جعلني أتشكك في سلامة قواي العقلية، وظننت أن ما اعتقدته من أسباب للازمة، قد ألقى به الشيطان في رأسي، واعتقدت أنني أصبت بما أصيب به شخص تعرفت عليه مؤخراً، حيث أخبرني أن ذاكرته مسحت، فلم يعد يتذكر إلا الأحداث القريبة وانه خضع للعلاج فعاد إليه ما مُسح، عندها صرخت فيه: لماذا؟.. ماذا في ماضيك يسرك أن تتذكره؟!
بالسؤال تبين أن الأمر بدأ كما هي العادة من مستصغر الشرر، صبي مسيحي رسم صلباناً على معهد أزهري، فقامت القيامة، وكعادة ما يحدث في السنوات الأخيرة دعا المسيحيون إلى مظاهرات أمام المقر البابوي، وقيل إن المتظاهرين تعرضوا للاعتداء في حضور الشرطة، إذن فلتعلق الفضائيات التهمة في رقبة مرسي، وبعض مقدمي البرامج في هذه الفضائيات، إذا أطيح بكعب حذاء أحدهم لكان السبب هو الرئيس الفاشل، وعليه ينبغي الدعوة إلى انتخابات رئاسية مبكرة فربما ينجح الفريق احمد شفيق، فيعودون إلى زمن حماية مباحث امن الدولة من جديد، وبعضهم صنيعة أجهزة الأمن في العهد البائد وفي الأيام الخوالي، ويا حبذا لو جرى انقلاب عسكري انتصاراً لكعب الحذاء الطائر.
المضحك في الأمر أن الفضائيات نجحت في أن تمحو ذاكرة بعض المتظاهرين الذين قالوا إنهم سيتحركون في اتجاه وزارة الدفاع للدعوة بعودة المجلس العسكري للحكم، ولا أدري ما الذي منع مسيرة الخير من أن تصل إلى مبتغاها؟، والغريب أن القوم سبق لهم أن اتهموا المجلس العسكري بالمسؤولية عن أحداث ماسبيرو، وسحق المتظاهرين المسيحيين!
الإخوان ليست لديهم أزمة مع المسيحيين، أزمتهم في الواقع معنا نحن، ولماذا نسينا الثورة المضادة التي تعمل بهمة ونشاط في الأيام الأخيرة من أن تكون وراء الاعتداء على المتظاهرين؟!.. أما موقف الشرطة فمنذ قيام الثورة وهي تستهويها لعبة المتفرج، ولماذا تم الصمت على موقفها أمام قصر الاتحادية في مواجهة من سعوا لاقتحامه، وفي أحداث المقطم عندما جرى القتل على الهوية، ويجري تحميل النظام تهمة تقاعسها عن الإمساك بالجناة في أحداث الكاتدرائية؟!
من سحل الإخوان في المقطم هو من اعتدى على المتظاهرين أمام المقر البابوي، ومن يضبطني متلبسا بعطية اخوانية: علبة سمن، أو زجاجة زيت، أو كيلو سكر، أو باكو شاي، أو رئاسة مجلس مدينة أرمنت، فليحاسبني.
الفقي والمخلوع
الدكتور مصطفى الفقي، المدير السابق لمكتب الرئيس المخلوع للمعلومات، ليس حكاءً، لكن لأنه يتحدث عن جانب ليس معروفاً لنا من حياة المخلوع على قناة 'النهار'، فقد كنت أشد الرحال إليه، كلما سنحت الفرصة، لعلي أجد على النار هديا!
في الأسبوع الماضي، شاهدته مع مذيعة 'النهار' القادمة من 'النيل للأخبار' دعاء جاد الحق، إذ كانت في الدقائق الأخيرة من حوارها معه، يبدو أنها متعهدة حوارات، مع جماعة 'الحكي' في القناة، وهي مهنة جديدة في الفضائيات المصرية. ودعاء تحاور عادل حمودة، وحياة الدرديري تحاور صاحب 'الفراعين'، الذي يصر على أن ملكية القناة ليست له ولكن للست الوالدة.
ربما سعى الفقي لتقليد محمد حسنين هيكل، وبعد حزمة من الحلقات في برنامجه 'تجربة حياة'، كان يخضع لحوار، ينتقل به من الماضي الذي يتحدث فيه، إلى الحاضر الذي يبدو أنه يهرب منه، وقد كتبت مرة أنه عندما يصل إلى مرحلة حسني سيكون عهده هو العهد البائد، فقامت الثورة، ولم يغادر عهد عبد الناصر، وتوقف البرنامج.
الجاذبية في برنامج مصطفى الفقي ترجع للمعلومات التي يذكرها، وليس لطريقته في الحكي، وان جاءت مع موسيقي جنائزية، تصاحبه طوال الحلقة، وهو يفسد معلوماته بحرصه، فهو في وضع لا يحسد عليه، فلا يريد أن يبدو كما لو كان قد انقلب على مبارك بعد إسقاط حكمه، كما أنه يحرص على التأكيد على أن مبارك كان في المرحلة التي عمل معه فيها عظيماً، وكأنه بمجرد أن غادر الفقي القصر الرئاسي معزولاً، غادرت معه صفة العظمة، وبدا مبارك على النحو الذي عرفناه.
وهناك مشكلة أخرى ترجع إلى طبيعة شخصية الفقي، فهو مثال للموظف المطيع، لدرجة أنه خرج من القصر، وظل حتى النزع الأخير حريصاً على أن يكون قريباً من أهل الحكم، امتثالاً للحكمة الشهيرة: 'إذا فاتك الميري تمرغ في ترابه'، ولهذا وافق على أن يدخل البرلمان بالتعيين، وأن يكون مجرد 'وكيل للجنة' فيه، للدقة واحد من وكيلين، الآخر هو رامي لكح، وذلك قبل تمثيل أصحاب القرار به عندما ادخلوه الانتخابات في دائرة الإخواني جمال حشمت، ليدخل البرلمان يحيط به التزوير من كل جانب، ولدرجة أن من أمنوا بأنه مفكر كانوا في دهشة من أمره، إذ كيف يقبل عضوية مجلس الشعب بهذه الطريقة المهينة؟.. ولا بأس فقد أذل الحرص أعناق الرجال!.
لا يفسد المعلومات التي يرويها مصطفى الفقي سوى تحليله لها، بشكل يخرجها عن سياقها الطبيعي، فالمحلل لا ينسى أنه كان موظفاً في البلاط، ولهذا فهو يعيد إنتاج مبارك لنا من جديد ليقدم للمشاهد مبررات عمله معه، مع أني اعتقد أنه لم يكن سيغادر 'الميري' ولو كان القابع في القصر الجمهوري هو أبرهة الأشرم، وكل ميسر لما خلق له.
روى 'حكاء' فضائية 'النهار' كيف تدخل لدى المخلوع لزيادة رواتب القضاة، وأرجع سرعة الاستجابة لذلك إلى الاحترام الذي يكنه لهم، وباعتبار أن والده كان يعمل موظفاً بسيطاً في القضاء. ولست معه في ذلك، لأن احترام مبارك لوالده نفسه ليس مؤكداً لدينا، وما فعله كان ضمن خطة لتطويع القضاء لخدمة عرشه، والانتقام من خصومه، وتصفية من يسعون للانقلاب على حكمه، وتأميم النقابات بعد أن فاز فيها الإخوان، ورأينا كيف كان يستغل أحكام التصفية والانتقام في تعامله مع الغرب، فعندما كان يحتج عليه لتنكيله بأيمن نور، وسعد الدين إبراهيم، كان رده هذه أحكام القضاء 'المستقل والشامخ'!
وكانت الحلقة التي أرهق الفقي فيها نفسه وأرهقنا معشر المشاهدين، هي الخاصة بتعامل مبارك مع قادة دول الخليج، فهو يقول عن السادات انه عاملهم بتعال، في حين أن مبارك كان يحترمهم، وعاملهم بندية. وحرص الفقي غلب عليه فهو لا يريد أن يقول لفظاً قد يغضب أصحاب الفخامة، والضخامة، والسمو، وبالتالي لم يكيف الأمر التكييف السليم، فـ (ندية) يكون لائقاً إذا كان في وصف علاقته بسكان البيت الأبيض مثلاً، وباعتبار أن الطرف الآخر هو الأعلى مقاماً، لكن الفقي خشي أن يقول انه عاملهم بتواضع، فيمثل هذا انتقاصاً من حجم أصحاب الضخامة!
لقد رهن مبارك القرار المصري لدي الرياض، وجعل السعودية الشقيقة الكبرى، وخاض معارك بالنيابة عنها، وذلك لسبب بسيط هو أن مبارك كان شخصاً يمكن تأجيره كل الوقت أو بعض الوقت بمقابل. هذا هو كل الموضوع!.
لا بأس، فلا أنكر أن حواديت مصطفى الفقي مسلية لشخص مثلي يأخذ المعلومة ولا يحتاج إلى تحليل صاحبها، الذي ثبت أنه 'محلل' متواضع الموهبة، ومحاط بالغرض الذي هو مرض!


رد مع اقتباس