النتائج 1 إلى 1 من 1

الموضوع: اقلام واراء عربي 375

العرض المتطور

  1. #1

    اقلام واراء عربي 375

    [IMG]file:///C:\Users\ARCHIV~1\AppData\Loca l\Temp\msohtmlclip1\01\clip_im age001.gif[/IMG][IMG]file:///C:\Users\ARCHIV~1\AppData\Loca l\Temp\msohtmlclip1\01\clip_im age003.gif[/IMG]
    [IMG]file:///C:\Users\ARCHIV~1\AppData\Loca l\Temp\msohtmlclip1\01\clip_im age004.gif[/IMG]


    • في هذا الملــــف:
    • كونفيدرالية فلسطينية – فلسطينية
    • بقلم: ناجي صادق شراب عن الخليج الاماراتية
    • رسالة الى أبو جهاد
    • بقلم: لميس اندوني عن العرب اليوم الأردنية
    • أنقرا وتل أبيب و«الربيع العربي» بينهما
    • بقلم: صياح عزام عن الوطن السورية
    • ضعف الخيال وكره التنظير عند الإخوان المسلمين
    • بقلم: عمار علي حسن (كاتب مصري) عن الحياة اللندنية
    • مراجعات الربيع!
    • بقلم: عبد المنعم سعيد عن الشرق الأوسط
    • رأي القدس: تفجيرات بوسطن الارهابية ودلالاتها
    • بقلم: أسرة التحرير عن القدس العربي
    • من زايد إلى حمد: قطر تقرر للعرب في «غيابهم»!
    • بقلم: طلال سلمان عن الشروق المصرية
    • انفجار الربيع العربي
    • بقلم: نجيب نصير عن السفير البيروتية
    • رأي: العلمانية العربية
    • بقلم: غسان سليمان العتيبي عن القبس الكويتية
    • كونفيدرالية فلسطينية – فلسطينية
    • بقلم: ناجي صادق شراب عن الخليج الاماراتية



    على الرغم من كل المحاولات والجهود التي بذلت، وبالرغم من كل الاتفاقات الموقعة لتحقيق المصالحة، استمرت بنية الانقسام في التجذر والترسّخ إلى درجة أصبح لدينا بنية انقسام مركبة ومعقدة قد يصعب استبدالها بمجرد توقيع اتفاق، بل قد يحتاج الأمر إلى بنية مصالحة قوية قد تستغرق وقتاً طويلاً حتى تحل محل بينة الانقسام، وقد يحدث العكس بأن تبقى بنية الانقسام قائمة حتى مع المصالحة . ويتم البحث عن صيغ للمصالحة تحافظ على بنية الانقسام، وخصوصاً في البنية الأمنية في كل من الضفة وغزة . فلم يعد الانقسام الفلسطيني انقساماً بسيطاً، أو حتى مجرد صراع وتنازع على حكم وسلطة، بل هو صراع كامل وشامل على التمثيل نفسه، بمعنى من يملك حق التمثيل الكامل للشعب الفلسطيني . وصراع على أحقية أو جدوى المشروع السياسي لكل منهما، علماً أن ما تحقق الآن، بل إن بنية السلطة نفسها كانت نتيجة خيار التفاوض بالدرجة الأولى .
    وقد تحول هذا الانقسام وبفعل عوامل كثيرة فلسطينية و”إسرائيلية”، وعربية ودولية أيضاً، إلى هدف واضح هو أن هذا الانقسام له وظيفة سياسية مرتبطة بالتسوية السياسية الشاملة، ومرحلة تذويب القضية الفلسطينية وتسويتها إما في إطار كينونات إقليمية أكبر، وإما من خلال كينونة سياسية فلسطينية هشّة، وغير قادرة على البقاء الذاتي إلا من خلال ربطها بإطار إقليمي يراعي خصوصية الحالة في غزة وعلاقتها بمصر، وخصوصية الضفة وعلاقتها بالأردن . وقد يتم ربط كل هذا في إطار كونفيدرالية أوسع تشتمل على دولة فلسطينية اسمية مع الإطار الإقليمي الذي تسعى الولايات المتحدة و”إسرائيل” إلى تمريره . وفي سياق هذا التصور قد يكون للانقسام وظيفته السياسية . ويبدو أن الحالة الفلسطينية أمام خيارين رئيسين: سيناريو الانقسام بالمصالحة، والثاني سيناريو المصالحة بالانقسام .
    وفي إطارهما يمكن تصور احتمالات وخيارات متعددة . وتتأرجح الحالة الفلسطينية بين هذين الخيارين، وكل خيار أو سيناريو تحكمه محددات بيئية داخلية على المستوى الفلسطيني و”الإسرائيلي”، وعلى مستوى البيئة الإقليمية العربية والمجاورة، وأيضاً على مستوى البيئة الدولية . وكل هذه المحددات ومن دون الدخول في تفاصيلها، تدفع في اتجاه الحفاظ على بنية الانقسام، لأن المحدد الرئيس في كل هذه الخيارات هو تسوية القضية الفلسطينية في هذه الحقبة التي ترى الولايات المتحدة و”إسرائيل” أنها حقبة السلام “الإسرائيلي” . فالبيئة الفلسطينية ضعيفة وهشة وغير قادرة على التأثير، وتفقد القدرة على المبادرة، ودورها تابع أكثر منه مبادر، والبيئة “الإسرائيلية” تحكمها بنية سياسية حاكمة رافضة لأي تسوية سياسية بعيدة عن تصوراتها، وتنطلق من عدم القبول بالدولة الفلسطينية الكاملة وتفضل الخيارات الإقليمية البديلة، والبيئة العربية في حالة تحول وانكشاف، ومنشغلة بقضية تثبيت حكم الإسلاميين ولو جاء ذلك على حساب تسوية القضية الفلسطينية .
    وعلى المستوى الإقليمي فالدول المركزية مثل إيران لديها أولوية ملفها النووي والمحافظة عليه والحيلولة دون حرب، ولذلك قد تذهب مع خيار التسوية، وتركيا ورغم توجهاتها الرسمية يبقى التوجه الأوروبي حاكماً لسياساتها، وعلاقاتها مع “إسرائيل” قد تجعل لها دوراً في سيناريو المصالحة بالانقسام . وأما على المستوى الدولي فالقناعة الأمريكية وأولوياتها ليست مع القضية الفلسطينية ولكن مع أولويات أخرى، وزيارة الرئيس الأمريكي إلى “إسرائيل” أكدت بما لا يدع مجالاً للشك التزام أمريكا بأمن وبقاء الكيان مهما كان الثمن ولو كان عسكرياً، وهي مع كينونة فلسطينية لا تتعارض مع أمن “إسرائيل” .
    هذه البيئة السياسية الشاملة هي التي ستحكم أي الخيارات لها الأولوية بالنسبة إلى المصالحة والانقسام . وبإستقراء بنية الخيارات الفلسطينية واحتمالاتها نجدها أقرب إلى بنية الانقسام منها إلى بنية المصالحة . ولعل أول ما يجدر الإشارة إليه وما قد يؤكد فرضيتنا السابقة، أن سيطرة حماس على غزة، أو ما يحلو للبعض تسميتها بانقلابها حتى على نفسها باعتبارها كانت مكوناً رئيساً حاكماً للسلطة، لم يكن كما يعتقد أو تبدو أسبابه متعلقاً بالحكم أو الانفراد بالسلطة، بقدر ما كان هدف الانقسام هدفاً في حد ذاته . أي أن الانقسام كان هو الهدف من وراء التفرد بالسلطة بغزة .
    إن غزة بمساحتها ومحدداتها السكانية والجغرافية لا يمكن أن تكون هدفاً في حد ذاتها، ولا يمكن أن تمُنح حماس الشرعية والتمثيل الذي تريد . في هذا السياق قد تبرز خيارات المصالحة الوظيفية، بمعنى الحفاظ على بنية الانقسام مع توحيد البنية الإدارية والقانونية، مع درجة من التنسيق الأمني، وصولاً في مرحلة متقدمة إلى المصالحة السياسية . لكن أخطر السيناريوهات في إطار الانقسام بالمصالحة هو خيار الكونفيدرالية الفلسطينية، بمعنى تصور شكل من أشكال الكونفيدرالية بين الكينونة السياسية في الضفة والكينونة السياسية في غزة، مع التوافق على قيادة مشتركة تدير الشأن الفلسطيني، والتنسيق في المجالات الخدماتية مع الاحتفاظ بالبنية الأمنية والسياسية .
    ومع الاعتراف بأن هذا السيناريو أقرب إلى فكر الانقسام منه إلى فكر المصالحة، إلا أنه لا يمكن أن يتجاوز خيار المصالحة الذي تفرضه المعطيات والمحددات السابقة . ولعل أخطر خيارات الانقسام بالمصالحة، هو الدفع في اتجاه استقلال غزة بالكامل وربطها بمصر، واستقلال الضفة وربطها بالأردن . مع تصور قيام كونفيدرالية إقليمية أوسع .
    لكن الحقائق الميدانية تؤكد أنه من دون المصالحة الوطنية الفلسطينية، لن تتحقق أي من خيارات حماس أو فتح، وسيبقى الاحتلال قائماً، ولن ينتهي، وستذوب القضية الفلسطينية في كيانات سياسية أكبر، وأنه لا مقاومة ولا مفاوضات من دون مصالحة وطنية .

    رسالة الى أبو جهاد
    بقلم: لميس اندوني عن العرب اليوم الأردنية
    إلى أمير الشهداء خليل الوزير " أبو جهاد" لنيسان طعمُ المرارة في الحلق، فقد ارتبط الشهر الربيعي، برحيلك عنّا.
    سقطتَ واقفاً، فالمقاوم يقاتل حتى آخر لحظة ، وأنت لم تشأ أن تُفَوّت فرصة مواجهة عدوّك، هم أرادوها أن تكون النهاية، وأنت أردتها، بل جعلتها لحظة البداية ، واستمرار الفعل المقاوم.
    فيديركو غارسيا لوركا، صدح بشعر الحرية أمام فرقة الإعدام، واجه الموت بعشق الحياة ، لأن الثائر يأبى إلا أن يعيش وأن يموت ثائراً، لأنه يتحدى ظلمات الظلم بنور الحرية.
    أنت كنت تعرف تماماً أنك تخطو نحو الشهادة، لأن العدو فهم تماما ما أردت فعله، وما تفعله، لأنك رفضت أن تكون بيروت المحطة الأخيرة، وصممت أن تتحدى ديكتاتورية الجغرافيا، لأنك كنت تعي تماماً أنه محظور على الثورة إيجاد مأوى ، ونقطة انطلاق، من دون أن يدفع الفدائيون، و الشعب الشقيق، في دول المحيط الثمن غالياً وباهظاً.
    لأنك فهمت تماماً معنى حصار بيروت، وقتل المقاومة، فكرةً و ممارسة، لكنك قاومت الهزيمة بإصرارك على هزمها.
    كان القرار الفلسطيني، التركيز على العمل الشعبي في الأراضي المحتلة، فالثقل السياسي، انتقل إلى الداخل الفلسطيني بعد بيروت، وكنت أنت من أوائل من اجتهد عن قناعة راسخة باعداد البنية التحتية للصمود والمقاومة – تهيئة للحظة ينتفض فيها الشعب الفلسطيني في وجه جلاده.
    لكنك لم تقتنع أن عهد المقاومة المسلحة، قد ولى،كما بشر المهزومون، ولم تر في مبادرة الرئيس الأمريكي رونالد ريغان،وما كان يقال عن "عملية سلام" ، سوى محاولات لتحويل الخروج القسري للمقاومة من لبنان ، إلى نصر إسرائيلي نهائي ، و استسلام فلسطيني كامل متكامل.
    قبل ليالٍ قليلة كنت عند رفيق التخطيط للهجمات الفدائية الدكتور محمد حمزة في القاهرة، نستعيد ذكرياتنا معك، وأراني دفترا أزرق، فعرفت خطّك فورا، وقرأت تفاصيل التحضير لعملية وزارة الدفاع " الإسرائيلية" أو ما يعرف بعملية الشاطئ، ثم سمعت صوتك ، المشوب دائما بغصة الألم، وصلابة التصميم،أردت من العملية إيصال رسالة، بأن المقاومة مستمرة، وأن الفدائي قادر أن يصل إلى قلب التخطيط الاستعماري، نعم موازين القوى لم تكن تسمح بالانتصار القريب، لكن لا يمكن السماح للمحتل أن يستكين وان يرتاح، لأن الثورات تُعلّمنا كما كتب تشي غيفارا بأنه لا بد من إحداث الضجيج، حتى لا ينام العالم بكل ثقله على أجساد المظلومين.
    لم تكن تريد أن تحدث ضجيجاً فقط، بل أن تجعل المحتل يدفع ثمن احتلاله، كما كنت تقول لي دائماً.
    الشعب الفلسطيني، أثبت صدق حدسك، لأنه حدس المقاوم، وتفجرت انتفاضة الأمل لتصرخ لا مدوية في وجه كل مشروعات التصفية، فدعمتها وكنت أبرز قيادييها من الخارج، تنام وتصحو على الاتصالات مع الشباب الثائر.
    ثم فاجأت الإسرائيليين بعملية ديمونا، نعم استشهد الشباب قبل الوصول إلى الهدف، لكنهم اقتربوا كثيراً، وفهم العدو، وأقول العدو الذي يصر على أن يكون عدوا للحياة والحرية، خطر وجودك على قيد الحياة، لأنك تحيي الفكرة كلما أرادوا وأدها.
    في السنة الخامسة والعشرين بعد اغتيالك، يتفاخر الإسرائيليون بانجازه، وتنشر "روايات بطولية "جبانة لوصول القتلة إلى بيتك في سيدي بو سعيد في تونس، لأنه كان لا بد من إرداء النفس المقاوم.
    لكن الفكرة لا تموت بوجود شعب مقاوم... علمتني أن لا نكون أسرى المعوقات أو النكسات، إذ كنت تؤمن بالحركة الدائمة والفعل المقاوم.
    حتى اللحظة الأخيرة كان شغلك الشاغل أن تستمر الانتفاضة و التحضير لعملية قادمة، فلا سبيل إلا المقاومة، لأنك رفضت الاستسلام للأمر الواقع، بل آمنت دوماً بقدرة المقاومة على تطويع وتغيير الواقع..
    استفقت على خبر استشهادك، وهالني فقدانك ،وأحيانا لا أحس أنني استفقت من الصدمة، وكأن السنوات لا تزيد الجرح إلا إيلاماً وعمقاً.
    افتقدك، يا من كنت مرساتي، خاصة بعد فقداني لوالدي.
    علمتني أن لا افقد الأمل ، وإن كنت لا ادعي بأنني أحسن تلميذة، الأهم علمتني أن الفعل المقاوم هو سلاحنا ضد اليأس وعدم استقرار الظلم وهو الطريق الى تحرر الإنسان وتحرير الأرض.
    في ذكراك اقول :نعم لكل أشكال المقاومة.. وعليك السلام يا من رحل وفلسطين محفورة في قلبه، فلسطين كاملة غير مجتزأة أو منقوصة.

    أنقرا وتل أبيب و«الربيع العربي» بينهما
    بقلم: صياح عزام عن الوطن السورية
    يمكن القول إن ترطيب العلاقات بين تركيا وإسرائيل الذي تم بمساعٍ من الرئيس الأميركي أوباما مؤخراً، عندما حرص على أن يجري نتنياهو اتصالاً هاتفياً بحضوره مع أردوغان يعتذر فيه عن قتل تسعة مواطنين أتراك في حادثة أسطول الحرية 2010، ويتعهد بدفع تعويضات لذويهم سيؤدي إلى تغيير خريطة التوازنات الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط، حيث كما هو معروف تدهورت العلاقات بعد هذه الحادثة إلى درجة أضرت بالمصالح الأميركية في المنطقة والتي اعتمدت دائماً على التنسيق بين الطرفين (أي التركي والإسرائيلي). وسنحاول فيما يلي التحدث عن الإطار الناظم للعلاقات التركية الإسرائيلية، وتسليط الضوء على حسابات كل من أنقرا وتل أبيب بهذا الخصوص، وصولاً إلى بعض الملاحظات والاستنتاجات المفيدة:
    التوازنات الإقليمية
    ■ إن توازنات القوى الإقليمية تحكمت تاريخياً بالعلاقات التركية الإسرائيلية، فمنذ أن دشنت العلاقات بين الطرفين في عام 1949 عبرت عن انخراطهما في اصطفاف إقليمي دولي في مواجهة اصطفاف دولي أوسع، حيث اعترفت تركيا كأول دولة إسلامية بإسرائيل باعتبار ذلك من موجبات التحالف التركي الأميركي الهادف إلى مواجهة الاتحاد السوفييتي السابق الذي شكلت جغرافيته –حسب الاقتصاد التركي- تهديداً تاريخياً للأناضول على مدار عقود خلت.
    في الوقت نفسه كانت العلاقات مع تركيا ضماناً من ضمانات عدم عزلة إسرائيل إقليمياً، ولذلك تطورت العلاقات بينهما مع تطابق تصورات الطرفين لما وصفوه بـ«التهديد المشترك» لهما من طرف الدول العربية الأساسية آنذاك: مصر وسورية والعراق، إذ إن هذا التهديد المزعوم شكل مكوناً مشتركاً من مكونات الأمن القومي لتركيا وإسرائيل معاً.
    آنذاك إذاً قامت العلاقات التركية الإسرائيلية على أعمدة ثلاثة: الأول: الخطر المشترك القادم من الدول العربية المجاورة لهما. والثاني: توافق رؤية الطرفين لمستقبل المنطقة. والثالث: السقف الدولي المشترك.
    ■ مع سقوط الاتحاد السوفييتي تغيرت الديناميات التي تربط أنقرا بتل أبيب، حيث إن تراجع القوى العربية، وفقدان الغطاء الدولي لهما، فتح الأبواب أوسع أمام تنسيق أكبر بينهما لاحتواء ما سمياه «الأخطار»، وتعزز ذلك الافتراض بعد حرب الخليج الأولى 1990-1991 وما نتج عنهما من تزعزع النظام العربي على مستوى الإقليم كله.
    ■ مع احتلال العراق عام 2003 وخروج تركيا خاسرة منه لمصلحة إيران، وإخراج العراق من ميزان القوة العربية الشاملة بمعنى «لم يعد العراق يشكل عمقاً بشرياً وجغرافياً وعسكرياً لسورية»، تأثرت العلاقات الإسرائيلية التركية بهذا الزلزال.
    ■ ومع تبدل الموازين أكثر في المنطقة وصعود النفوذ الإيراني في فيها بعد الحرب على لبنان صيف عام 2006، وانفتاح سورية على تركيا، وتحسن العلاقات التركية الإيرانية، لم تعد تركيا محوطة بدول معادية كالسابق حسب تصورها؛ الأمر الذي أدى إلى انفتاح شهيتها على لعب دور أكبر على المستوى الإقليمي ساعتها انهار عمودان من أعمدة العلاقات التركية الإسرائيلية، وهما (الخطر المشترك) وتوافق رؤية البلدين لمستقبل الشرق الأوسط، فانفتح المجال أمام تصادم في الرؤى ثم تدهور العلاقات بين الطرفين.
    لقد تموضعت تركيا بين معسكري (الاعتدال) و(الممانعة) في السنوات العشر الأخيرة، واتسع هامش حركتها عندما أصبحت هي القادرة على الحديث إلى كل الأطراف، كما أن الدول العربية المجاورة لها لم تعد قادرة على الطموح للعب دور إقليمي؛ كل هذا، غيّر من نسق العلاقات التركية والإسرائيلية فتعاظم الطموح التركي للحصول على المرجعية الإقليمية، فكانت حروب الرأي العام التركية لكسب ود الجماهير العربية في (حادثة دافوس) مع /شمعون بيريز/، أو حادثة (أسطول الحرية).
    ■ بعد تغيرات ما يسمى «الربيع العربي»، واشتداد الهجمة على سورية اندفع الطرفان التركي والإسرائيلي للتفاهم مجدداً- وبإشراف أميركي- حول مستقبل التوازنات في سورية والمنطقة بأسرها.
    حسابات إسرائيل
    تعد العلاقات أكثر من مهمة مع تركيا لإسرائيل للخروج من عزلتها الجغرافية كما أشرنا آنفاً، ولهذا اعتبرت إسرائيل أن تركيا هي ركن أساسي من نظرية (دول المحيط) التي أسسها (بن غوريون) ورسم سياستها الإقليمية على أساسها في الخمسينيات من القرن الماضي، حيث ركزت إسرائيل جهودها على تمتين العلاقات مع دول ثلاث مجاورة للدول العربية هي /تركيا وإيران وإثيوبيا/، وذلك بهدف تشتيت انتباه الدول العربية وتطويقها بدول جوارها الجغرافي، ورفع مستوى التوتر على الحدود بين العرب والدول الثلاث المذكورة للتقليل من أخطار ومضار الحصار الجغرافي العربي على إسرائيل آنذاك.
    وبعد حلول ما يسمى (الربيع العربي) أصبح التقارب الإسرائيلي مع تركيا استثماراً في المستقبل من وجهة نظر إسرائيل في مجال إبرام تسوية شاملة لقضية فلسطين وفق رؤيتها، ومجابهة إمكانية تداعيات انفجار الأوضاع في عدة بلدان عربية ومخاطر ذلك على إسرائيل. ومن ثم، فإن تركيا تشكل أهم رافعة إسناد إقليمي لجماعة الإخوان المسلمين إلى جانب ذلك، فإن التنسيق بين أنقرا وتل أبيب من شأنه أن يضعف سورية أكثر فأكثر في ضوء أعمال المجموعات المسلحة فيها بدعم من تركيا وقطر وغيرهما إلى جانب الدعم الأميركي والغربي.
    حسابات تركيا
    والآن ما حسابات تركيا؟ لقد تبين لحكومة /أردوغان/ أن التأثير التركي الفاعل والميداني في سورية لم تظهر له نتائج عملية على الأرض منذ ما يقارب العامين من المساعي التركية بهذا الاتجاه، ولهذا، فإن أنقرا بدت محرجة أمام الشعب التركي الذي لا يريد هذا التورط في مخاصمة سورية، ومن ثم فإن التنسيق الفعال مع إسرائيل- بالتوازي مع التحالف القطري- الإخواني مع أنقرا يعدان ركني السياسة الإقليمية التركية القادمة في المنطقة لمواجهة إيران، هذه المواجهة المطلوبة أميركياً وإسرائيلياً في الوقت نفسه. كذلك يساعد هذا التنسيق للحكومة التركية على إبرام مصالحة مع الأكراد في الداخل التركي، وعلى فصم عرا التحالف الإسرائيلي اليوناني في بحر إيجه وشرق المتوسط عبر قبرص ويشكل إطلالة أفضل لتركيا عند التفاوض على حصص الغاز بين شطري جزيرة قبرص.
    ملاحظات واستنتاجات
    وهكذا يمكن على ضوء ما تقدم تسجيل الملاحظات والاستنتاجات الآتية:
    ■ إن صعود وهبوط العلاقات بين تركيا وإسرائيل يرتبط بشكل أساسي بالتفاعلات داخل الإطارين الدولي والإقليمي وخاصة الإقليمي، فمن المعروف تاريخياً أن العلاقات التركية الإسرائيلية تصعد في أوقات تقاطع المصالح بين الطرفين وعند مخاوفهما من خصوم مشتركين، وبالمقابل تنحدر، عندما تفترق حساب المصالح الخاصة لكل منهما، وتتباين حسابات الأمن القومي في كل من أنقرا وتل أبيب، ويختفي الخصوم المشتركون.
    ■ يتقارب تصور الطرفين التركي والإسرائيلي لصورة الأحداث في المنطقة وإن لم يتطابق، لذلك يمكن تفسير خطوة نتنياهو بالاعتذار إلى أردوغان باعتبارها مصلحة إسرائيلية قبل كل شيء، وليس إقراراً بالذنب، أو استجابة لضغوط أوباما فقط، وبالمثل، يفسر قبول أردوغان للاعتذار وسحب الشكاوى القضائية على قادة عسكريين وسياسيين إسرائيليين على أنه مصلحة تركية محضة، بمعنى أوضح، ربما كان أوباما داعماً للتقارب، ولكنه ليس باعثاً له، إذ تدرك واشنطن تراجع قدرات بلادها على التأثير في المنطقة نسبياً، ولهذا فإن هندسة التحالفات في المنطقة مجدداً تخدم مصالحها.
    ■ يبدو أن ما يسمى «الربيع العربي» والوضع في سورية شكلا المادة اللاصقة التي جمعت أنقرا وتل أبيب الآن، علاوةً على تقاطع تصور البلدين لمستقبل المنطقة.
    ■ إن مؤشر العلاقات التركية الإسرائيلية سيصعد من الآن وحتى إشعار آخر، هذا مع العلم بأن التعاون العسكري بين البلدين بقي كما هو، أي لم يتأثر بالخلافات التي ظهرت إلى السطح في السنوات القليلة الماضية بين تركيا وإسرائيل، ولم ينقطع حيث كان يتم سراً بين الجيشين الإسرائيلي والتركي.

    ضعف الخيال وكره التنظير عند الإخوان المسلمين
    بقلم: عمار علي حسن (كاتب مصري) عن الحياة اللندنية
    تبدو جماعة الإخوان فقيرة جداً في ملكة التخيل، ولذا لم تقدم للحياة على مدار تاريخها مفكراً بارعاً أو أديباً مبهراً، بل إنها دوماً كانت طاردة لأمثال هؤلاء، فهم إن التحقوا بها في شبابهم الغض معتقدين أنها لن تقف أمام طاقتهم الإبداعية وقدراتهم الفردية سرعان ما يهجرونها حين يجدون أنها جدار أصم يقف أمام خيالهم وإبداعهم ورغبتهم في أن يفكروا خارج القوالب الجاهزة والصناديق المغلقة التي كتب على جبهتها العليا: «السمع والطاعة». وهذا لا يعود إلى قصور عقلي بالقطع، إنما تقف خلفه جملة من الأسباب العلمية والفكرية والنفسية والتنظيمية، التي تراكمت بمرور الأيام، يمكن ذكرها على النحو التالي:
    1- لا تنظير: فالجماعة تكره المنظرين والفلاسفة ومنتجي الأفكار المجردة، وترى أنهم يشكلون خطراً داهماً على «التنظيم»، الذي يجب أن يكون على وحدة في القول والفعل. ولهذا تكره الجماعة «العلوم الإنسانية»، أو لا تحتفي بها بالقدر الذي تمثله في حياة الناس، ويشعر الإخوان أن ما لديـهم من مقـررات ديـنيـة وتـربـويـة كاف لفـهم كل شـيء وكل إنـسان، وبالتالي لا حاجة لهم لأي علم أو منهج خارج المقرر.
    وقد يفسر هذا أمران، الأول: هو أن أغلب النخبة الإخوانية من دارسي العلوم التطبيقية أو العملية من أطباء ومهندسين وتقنيين أدائيين وليسوا مخترعين، وهؤلاء تجذبهم الجماعة إلى حقل السياسة فيتناسون بمرور الزمن تخصصهم الرئيسي أو لا يطلعون على الجديد فيه، ولذا لا نجد من بين الإخوان حالياً طبيباً كبيراً ولا مهندساً بارعاً، على العكس مما كان عليه الحال في الثلاثينات والأربعينات. أما الثاني فخروج المنظرين سريعاً من صفوف الجماعة، وقد كنت شاهداً على تجربة بعض كبار الباحثين في العلوم السياسية من ذوي الميول الإخوانية وكيف ذهبوا إلى الجماعة عارضين عليها أفكارهم، وراغبين في تطوير أفكارها، فما كان من التنظيميين إلا أن لفظوهم، ولم يلتفتوا إلى إنتاجهم، وحذروا الأتباع منهم.
    2- لا تعددية: فعلى رغم تفاعل الإخوان، سلباً أو إيجاباً، مع الأفكار والتصورات الأخرى المتداولة في السوق الثقافية، فهم يتوهمون أن فكرتهم هي الأفضل والأرقى والأصوب، وأن من الأجدى أن تهضم فيها كل الأفكار، أو تستسلم لها، ليصير لدينا «طريق فكري واحد». وينسحب هذا في التعامل مع كل العلوم التي يجب أن تنضوي تحت مسار واحد باسم «إسلامية المعرفة»، والتي هي في النهاية محاولة إخضاع الآراء والإبداعات الإنسانية لرؤية فريق واحد، هي من رأسه هو ومن تأويله للنص الإسلامي أو تعاطيه معه، ثم يزعم أنها الإسلام، الذي يجب أن تصطبغ به كل العلوم، على رغم أن هذا يتناقض جملة وتفصيلاً مع ما يأمر به القرآن الكريم من تفكر في خلق السموات والأرض، وإطلاق العنان للعقل كي يفهم ويرتب ما ينتج عن هذا التفكير في اتجاهات لا حصر لها، حتى إذا آمن الإنسان يكون إيمانه عن اقتناع وإجلال.
    وهذه «الواحدية» الفكرية أو الثقافية لا تحفز على إعمال الخيال، إذ يكفي فقط أن يقوم من يتبنى هذا الاتجاه إما برفض أي فكرة تتناقض مع ما يعتقد في رسوخه أو وثوقيته، أو يخضع كل الأفكار المختلفة معه لقياس على ما في رأسه ظناً منه أنه القاعدة الصلبة أو الحقيقة الناصعة، أو يعيد صياغة كل ما يرد إليه كي يتهندس وفق هواه وتصوراته، حتى لو فقد هذا الوارد سماته وخصائصه الذاتية. وبالتالي يتحول هذا «الفكر الواحد» بمرور الزمن إلى «صندوق مغلق» تنحبس داخله الرؤوس ولا تستطيع أن تخترقه لتفكر في كل ما يقع خارجه.
    3- الانتصار الحتمي: يتوهم الإخوان أن انتصارهم حتمي لأن طريقهم رباني ومعركتهم مقدسة، اتكاء على اعتقادهم أنهم يمثلون ويصورون ويجسدون الإسلام في معناه ومبناه. وبالتالي يشعر أعضاء الجماعة وأتباعها بالاستغناء عن أي فكر أو رؤية وتصور ومنهج خارج ما تتبناه، وإن طالعوا المختلف معهم، فإنهم يفعلون ذلك بعين الناقض وليس الناقد أو الراغب في الاستفادة، المقبل على العلم بعقل متفتح، من يعرف «الرجال بالحق ولا يعرف الحق بالرجال. فالإخواني المطيع لا يجد حاجة ماسة أو ملحة لمطالعة من يختلف مع فكر الجماعة، ولا يتملكه ولع بالمعرفة أو شغف بها خارج الكتب والكتيبات والنشرات التي تبقيه مربوطاً في السلسلة الحديدية للتنظيم.
    وكل من خالف هذا هجره الإخوان أو خرج عنهم غير آسف عليهم. وليس معنى هذا أن العقل الإخواني فاقد تماماً القدرة على التخيل، لكن تخيله يظل محدوداً ليس فقط بكراهية التنظير والولاء للتنظيم فقط ورفض التعددية والإيمان بحتمية الانتصار إنما أيضاً بالوساوس القهرية والشك العميق في الآخرين والشعور الدائم بالاضطهاد والعيش في كنف المؤامرة والخوف من التغيير. كما أن الخيال الإخواني ذو نزعة تبريرية، إذ يعمل عقل الإخواني جيداً في تبرير سلوك الجماعة، ويمكنه أن يصنع الأكاذيب، وهي نوع من التخيل، بغية الدفاع عن الفكرة والموقف والاتجاه.

    مراجعات الربيع!
    بقلم: عبد المنعم سعيد عن الشرق الأوسط
    أخيرا تم إعلان وفاة «الربيع العربي» على يد نفس «الجوقة» التي صدحت بميلاده منذ عامين، وجاء ذلك على يد الكاتب الأميركي توماس فريدمان الذي غنى من قبل لما عرف مرة بالربيع، وما عرف مرة أخرى باليقظة، وما عرف بالثورة في كل الأوقات.
    كان الرجل محتفيا بما جرى في بلدان عربية؛ لأنه كان يؤكد على وجهات نظر طالما أذاعها عن «العولمة» وآثارها في نقل خبرات التغيير للشعوب والأمم، والتكنولوجيات الجديدة وقدرتها على التواصل والربط بين الدول من ناحية، وداخلها بين الشرائح الاجتماعية المختلفة من ناحية أخرى.
    كان الربيع العربي حالة مثالية ونقية للتغيرات الجارية في عالمنا والواجب حدوثها من ناحية أخرى، فلم يكن فريدمان مجرد كاتب يرصد ويحلل، ولكنه كان صاحب نظرية في التغير العالمي وانتقال الدنيا من حال إلى حال آخر.
    قال الرجل في مقال أخير في صحيفة الـ«نيويورك تايمز» إنه لم يكن صحيحا ما ذكره، وغيره، من قبل حول القدر من الزهور اليانعة في الربيع العربي، ولا كم اليقظة التي جاءت بعد سبات عميق. لم يكن «الربيع العربي» ربيعا آخر مثل ربيع براغ في عام 1968، أو ربيع شرق أوروبا في تسعينات القرن الماضي، ولا الربيع الذي جرى منفردا في دول كثيرة من دول العالم حينما جاء الشباب إلى السلطة ومعهم الديمقراطية في ناحية، والرأسمالية في ناحية أخرى. ولكن ما جرى في الدول العربية الثائرة كان أمرا آخر يشبه ما جرى في أوروبا في القرن السابع عشر عندما نشبت حرب الثلاثين عاما.
    باختصار كان العرب الجدد يتقدمون إلى الخلف، حيث صراع الأديان والطوائف، والانغلاق الفكري، واضطهاد المرأة والأقليات، والنظر بالريبة والشك لكل ما هو خارج المنظومة القائمة بمظهرها وجوهرها معا.
    إثبات المقولة الجديدة أو نفيها ربما يحتاج وقتا أكبر مما أتيح بالفعل حتى الآن، فالقصة لم تصل بعد إلى المنتصف، وكل ما لدينا هو سلسلة من التفاعلات التي ربما تكون أقرب إلى أوروبا في القرن التاسع عشر بعد عاصفة الثورة الفرنسية التي هي الأخرى لم ترتفع إلى المستوى التي نادت به مبادئها الأولى وشعاراتها التي ألهبت خيال أوروبا والعالم. ولكن سرعان ما ظهر أن الفوضى والانتقام قد غلبا كل المثاليات، و«الشعبوية» باتت بديلا للبناء والتقدم، وحتي الحريات العامة لم تلبث أن غرقت في الظاهرة «النابليونية»، وباختصار لم يعد في الأمر «مثال» يعتد به أو نموذج يقتدى.
    وفي الولايات المتحدة التي كانت قد مارست الثورة هي الأخرى قبل قليل، وبعد احتفاء بالثورة الفرنسية، لم يجد جورج واشنطن بدا من إصدار قانون «الفتنة والغرباء» الذي كان يعني سجن كل من يردد أفكار الثورة الفرنسية، وكل من يتسرب من فرنسا أو أوروبا من أفراد يحملون الأفكار الفوضوية أو المتعصبة للثورة في فرنسا. ولم يمض وقت طويل على أي حال حتى انهارت الثورة في فرنسا وهزم نابليون وضعفت الدولة إلى الدرجة التي جعلتها رجل أوروبا المريض، ربما حتى جاء شارل ديغول إلى السلطة عام 1958 لكي يستعيد لفرنسا بعضا من مكانتها.
    ولكن الثورة الفرنسية وأفكارها وشعاراتها خلقت رد فعل آخر على الساحة الأوروبية، ربما يكون له مثيل على الساحة العربية. فمن ناحية قسمت الثورة أوروبا حيث كانت هي على جانب، وتكون على جانب آخر ما عرف ساعتها باسم Concert of Europe الذي كان تعبيرا عن مؤتمر فيينا عام 1815 الذي ضم بريطانيا والنمسا وروسيا وبروسيا، والذي أقام نظاما أوروبيا استمر حتى عام 1914 عندما نشبت الحرب العالمية الأولى.
    ما ذاع عن هذا التجمع ارتبط دوما بتوازن القوى في أوروبا، والتحالفات والتحالفات المضادة، ولكن ربما كان أهم ما فيه هو أنه ضم تجمعا محافظا من ناحية، ولكنه من ناحية أخرى كان عازما على التغيير فيما تعلق بكل القضايا الجوهرية التي أثارتها الثورة الفرنسية؛ من حيث الحقوق والواجبات والمواطنة وحقوق الأقليات، والأعراف بالنتائج الاجتماعية للثورة الصناعية الأولى. لم يكن رفض الثورة وهمجيتها وخروجها عن القوانين والأعراف، سببا لرفض الإصلاح والتغييرات الواجبة بحكم العصر والتكنولوجيا والتغيرات الديموغرافية والاقتصادية السائدة.
    أمر من هذا يجري في العالم العربي الذي انقسم إلى دول الربيع أو اليقظة أو الثورة، وانتهى إلى ما نشاهده الآن أمنيا واقتصاديا وسياسيا وفكريا، وبالقياس إلى الشعارات الرومانسية للثورات، فإن واقعها يبعد عنها بعد السماء السابعة؛ وإلى دول أغلبها ملكية سارت في الطريق الآخر، حيث الإصلاح وإجراء التغيير وفق خطوات محسوبة، أو هكذا ظن القائمون عليه.
    اتجاهات التغيير أخذت أشكالا دستورية تقيد من سلطة رأس الدولة وتوسع من سلطات السلطة المنتخبة، وأشكالا في النظام السياسي سمح لقطاعات أوسع من الجماهير بالمشاركة، خاصة المرأة والأقليات، وتكفل الإصلاح الاقتصادي بما تبقي من تغييرات.
    وعلى أي الأحوال لم يكن ذلك كافيا، ولكن ما تحقق جعل المقارنة مع دول الربيع لصالح هذه الدول، بل إنه جعل مواطنيها يفقدون ذلك الإعجاب الذي جرى خلال عام 2011 عندما ذاع في الداخل والخارج أن الإقليم في طريقه إلى أن يدخل تاريخا آخر.
    وفي الحقيقة أنه لم يبق من «الربيع» شيء سوى ما يجري من ثورة في سوريا، وهناك بدا الخلاص من نظام بشار الأسد ممثلا لأعظم ما حققته الثورات العربية، وهي الخلاص من نظم فاشية وفاسدة، ولكن الثوار على الجانب الآخر ما لبثوا أن أفرزوا مبكرا كل ما أفرزته الثورات العربية السابقة، وهذه المرة قبل أن يتم النصر. فلم يعد مؤكدا أن الثورة السورية سوف تنتهي إلى دولة مدنية ديمقراطية تحترم حقوق الأقليات، ولم تعد المشكلة هي التعامل مع حركة الإخوان المسلمين، والتأكد من أنها سوف تحترم قواعد اللعبة الديمقراطية، وإنما المأساة الآن أن الربيع السوري أسفر عن وجه تنظيم القاعدة القبيح، وهو يربط بين العراق وسوريا مؤذنا بكارثة كبرى، ليس فقط على سوريا، وإنما على المشرق العربي كله.
    أن ينتهي حكم البعث والأسد فهذا حكم التاريخ على كل المستبدين، ولكن أن يأتي تنظيم القاعدة بديلا فذلك حكم الغفلة، ولا يوجد لها حل إلا عندما تتكون منظومة عربية Concert of Arabia لكي تتعامل مع هذه المعضلة التي تمس أمنها مباشرة. لا يوجد حل آخر!!


    رأي القدس: تفجيرات بوسطن الارهابية ودلالاتها
    بقلم: أسرة التحرير عن القدس العربي
    تفجيرات بوسطن التي استهدفت سباقا ماراثونيا، وادت الى مقتل ثلاثة اشخاص واصابة المئات، اثارت حالة من الذعر في مختلف انحاء الولايات المتحدة الامريكية وحلفائها الاوروبيين، وبريطانيا على وجه الخصوص، التي تستعد لتنظيم حدثين مهمين: الاول هو جنازة السيدة مارغريت ثاتشر التي ستنطلق صباح اليوم، والثاني ماراثون لندن يوم الاحد المقبل.
    الرئيس الامريكي باراك اوباما تابع الحدث عن كثب، واكد انه عمل ارهابي، وتوعد بملاحقة الجهة التي تقف خلفه وتقديم المتورطين الى العدالة لمواجهة القصاص الذي يستحقونه.
    اجهزة الاعلام العالمية التي غطت هذا الحدث بكثافة، لم توجه اصابع الاتهام الى تنظيم ‘القاعدة’ او اي منظمة او جماعة اسلامية، حتى لا تكرر خطأ مماثلا ارتكبته عندما وقعت تفجيرات اوكلاهوما في الوسط الامريكي، وتبين ان من يقف خلفه مواطن امريكي ينتمي الى جماعة يمينية متطرفة، ولكن بعض الاطباء لمحوا الى ان العبوات الناسفة تضمنت بعض المسامير والقطع الحديدية، في اشارة مقصودة الى جهة شرق اوسطية.
    من السابق لاوانه اطلاق العنان للتكهنات او تحديد اي جهة يمكن ان تكون متورطة، داخلية او خارجية، لكن الافراط الرسمي الامريكي في استخدام طائرات بدون طيار (درونز) في اكثر من بلد عربي واسلامي خلق اعداء كثيرين للولايات المتحدة، خاصة ان هذه الطائرات التي ازداد استخدامها بشكل مكثف، وتعتبر من اكبر انجازات ادارة الرئيس اوباما، قتلت حتى الآن في افغانستان وباكستان واليمن ما يقرب من الخمسمئة انسان، معظمهم من الاطفال والنساء.
    عودة الاعمال الارهابية الى الولايات المتحدة، وفي مثل هذا الظرف الحرج الناجم عن ازمة اقتصادية متفاقمة، نبأ مرعب بالنسبة الى العالم الغربي وساسته، لانها تعني، اي الاعمال الارهابية، ليس قتل الابرياء فقط، وانما تخصيص ميزانيات ضخمة لمواجهة الارهابيين، سواء كانوا امريكيين او اجانب.
    مكتب التحقيقات الفيدرالي الامريكي (اف. بي. آي) يتولى التحقيق وجمع الادلة لمعرفة الجهة التي تقف خلف هذين التفجيرين، ولكن تأكيد رئيس المكتب ‘بالذهاب الى آخر الارض لملاحقة مرتكبي الهجوم’ يوحي بالاشارة الى اصابع خارجية.
    لم تعلن اي جهة مسؤوليتها عن هذا الهجوم، وقد جرت العادة ان يتم الاعلان عن المسؤولية في غضون 36 ساعة او اكثر قليلا، وهوية هذه الجهة ستثير حالة من الارتياح في اوساط عربية واسلامية، اذا كانت امريكية، وقد تعيد اشعال الحرب على الارهاب مجددا اذا كانت اسلامية بشكل او بآخر في منطقة مضطربة اساسا، وتشهد تدخلا امريكيا عسكريا وسياسيا بصورة مباشرة او غير مباشرة.
    هذه التفجيرات وان كانت خسائرها البشرية والمادية متواضعة بالمقارنة مع تفجيرات مماثلة، فانها تعيد التأكيد بان الارهاب واعمال العنف ما زالا السلاح الاخطر في مواجهة العالم الغربي، وان آلاف المليارات التي جرى انفاقها، سواء في الحروب او في تشديد الاجراءات الامنية داخليا وخارجيا فشلت فشلا ذريعا في مواجهة هذا الخطر والقضاء عليه، الامر الذي يتطلب مراجعة جديدة ومعمقة لكل هذه الاجراءات.




    من زايد إلى حمد: قطر تقرر للعرب في «غيابهم»!
    بقلم: طلال سلمان عن الشروق المصرية
    لا شيء يبرر أن تتحوَّل جامعة الدول العربية إلى مكتب ملحق بوزارة الخارجية القطرية، أو دائرة تصديق على الأحلام الإمبراطورية لحاكم قطر، وهو الذي يتباهى بأنه قدّم أرض شبه جزيرته لأكبر قاعدة عسكرية أميركية، واستقبل مكتب تمثيل لدولة العدو الإسرائيلي
    لم يعد ممكناً التغاضي عن الاعتلال الخطير الذي أصاب العلاقة بين العرب الفقراء، وهم الأكثرية الساحقة من الأمة، والعرب الأغنياء، وهم الأقلية عددياً، وإن كانوا قد غدوا الأوسع نفوذاً وتأثيراً.
    خطورة هذا الانقسام انه يشطر الأمة بين أقلية متحكمة متجاوزة أهليتها للقيادة، وبين أكثرية تمنعها حاجتها من إعلان موقف، لذا فهي تعتصم بالصمت وتتلطى في غياهب اللا قرار، خوفاً من كلفة الاعتراض ومن ثم المواجهة التي ترى أنها لا تقدر عليها.
    ولقد قدمت القمة العربية الأخيرة في الدوحة نموذجاً خطيراً عن تحكم دولة صغيرة جداً في «القرار العربي»...
    اندفعت قطر في القمة، كما الصاروخ، نحو موقع القيادة المتحكمة بالقرار، مفيدة من غياب الدول المؤهلة - بالتكوين والتاريخ - في غياهب أزمات الثورات التي تفجرت في بعضها ثم عجزت عن صياغة النظام الجديد، أو في دهليز مخاوف الأنظمة الأخرى من ثورات في الطريق، بما يغيبها عن مركز القرار.
    وما حصل في القمة الأخيرة في الدوحة ليس إلا حفل التتويج لما كان تم الإعداد له مسبقاً، بحيث يمكن القول إن القمة قد انتهت مع اخذ الصورة التذكارية للافتتاح... لأن الإدارة القطرية كانت قد حضرت القرارات و«الأجواء الملائمة» بحيث لم يُسمع صوت رافض أو معترض، وإن كانت أقلية معدودة ربما لا تتجاوز الدولتين أو الثلاث، قد أظهرت شيئاً من التحفظ، ممتنعة عن الرفض حرصاً على صورة الإجماع... والمكافآت السنية.
    صارت قطر «دولة عظمى»، بحيث يمتنع شيخها عن استقبال الرؤساء وحتى الملوك الذين استدعاهم إلى قمته... فلا هو كان حاضراً في المطار عند وصول الرئيس المصري، ولا عند وصول ولي العهد السعودي، واضعاً نفسه في مرتبة أعلى من رئيس أكبر دولة عربية ومن «الدولة» العريقة والوحيدة في شبه الجزيرة العربية.
    وإذا كان «فقر» مصر قد أغرى بها الشـيخ حمد، فإن غنى المملكة السعودية كان يفترض أن يردعه، فبماذا تراه استقوى حتى غاب عن استقبال «الكبيرين»؟
    هل هو التفويض الأجنبي أم هو عجز الأطراف العربية الأخرى التي كانت كلمتها هي العليا في أي قرار يحمل أختام جامعة الدول العربية؟ ثم أين هي هذه الجامعة التي باتت أختامها مشاعاً، يصادرها صاحب الثروة فيمهر بها ما يناسب مصالحه من القرارات، ويهمل ما عداها بغير خوف من الحساب؟
    إن هذه الوقائع النافرة في دلالاتها تطرح، مجدداً، طبيعة العلاقة بين دول فقراء العرب، بعراقتها وجدارتها بالدور القيادي، ودول الأغنياء من الملوك والأمراء والشيوخ الذين يلعب بعضهم دوراً إمبراطورياً، لا يردعه عنه أحد، وقد ينافقه فيه كثيرون.
    يتصل بذلك أن التعابير المؤكدة للهوية العربية للدول والأحزاب والقوى السياسية والنخب الثقافية، التي كانت «العروبة» شعارها ومصدر الفخر بالانتماء إلى الأمة الواحدة، قد أخذت تختفي تدريجياً من اللغة السياسية ومن مواقف الدول المعنية، ما وسع في مساحة التخلي عن الهوية والمسؤولية القومية للدول الصغرى.
    وإذا كانت إمارات الخليج قد استغنت عن الهوية الجامعة مكتفية بالأسماء المذهبة لشيوخها، قافزة من فوق ماضيها حين كان أهلها البسطاء يجاهدون للتغلب على ظروف حياتهم القاسية، فإن «العالم» قد رحب بها اشد الترحيب وكلٌ منها تستقل عن الأخرى، والكل يستقلون عن «العرب» استقلالاً يكاد ينقلب إلى انفصال تام، بل انه اخذ يتحول إلى شيء من «العداء».
    ربما لم يعد مفيداً التذكير بالماضي... لكن الذين قدر لهم أن يعملوا في تلك الأقطار، في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات وحتى التسعينيات، يستذكرون أن أهل الخليج عموماً، وشيوخهم الذين كانوا يفاخرون، بعد، بتحمل آبائهم وأجدادهم ضنك العيش في صحراء قاحلة وبحر غدار، لم يخرجوا من عروبتهم وعليها بل كانوا يعتزون بانتمائهم ويهتمون بتوكيده عبر توطيد علاقاتهم بإخوتهم، مفترضين أن مكانتهم بين دول العالم تتأكد من خلال عروبتهم وليس بالتضاد معها أو التبرؤ منها.
    وعلى سبيل المثال، لا الحصر، فإن اسم الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، أول رئيس للدولة التي جمعت أشتات مشيخات «ساحل عمان» المتصالحة في دولة الإمارات العربية المتحدة، يطالعك حيثما تجولت في هذه الأرض العربية الواسعة، مشرقاً ومغرباً... فهو قد بنى مدناً، أو ساهم في بناء مدن أو مرافق حيوية في مختلف البلاد العربية، مشرقاً ومغرباً، ودعم المجهود الحربي للدول التي واجهت العدو الإسرائيلي، بصمت، ومن دون «عراضات» ومهرجانات نفاق وتزلف رخيصة.
    في مصر، كما في سوريا، في السودان كما في تونس، في المغرب كما في اليمن، ولا سيما في اليمن التي يعتز أهلها بأن قبيلة بني ياس التي يعود إليها أجداد الشيخ زايد هي يمنية بامتياز، تجد منشآت وإنجازات ومشاريع تنمية جدية تحمل دمغة «زايد الخير»، من دون تمنين ومباهاة قد تمس كرامة من تلقى العون.
    ولقد قدم الشيخ زايد، بإرادته وبعمق انتمائه العربي، وجوه دعم سخية للمجهود الحربي لكل من مصر وسوريا في حرب رمضان ـ تشرين 1973.
    ويذكر السوريون، على سبيل المثال، أن الشيخ زايد أوفد من اشترى مولدات كهربائية عملاقة وحملها إلى سوريا بالطائرات، بعدما دمر الطيران الحربي للعدو الإسرائيلي محطات توليد الكـهرباء في حمـص ومناطــق أخــرى. ولم يــترك شعـب سوريا، الذي قدم التضحيات الغوالي، يغرق في الظلام، انتظاراً لوفود تجيء مستعطية مساعداته... كذلك فإن دولة الإمارات اشترت مجموعة من طائرات الركاب الحديثة لحساب سوريا، تعويضاً عن طائراتها المدنية التي دمرها القصف الإسرائيلي.
    وفي اليمن يبرز سد مأرب، الذي أعيد بناؤه في موقعه التاريخي ذاته، بفضل المساعدات السخية التي قدمها «ابن اليمن البار» الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان.
    أما في مصر، فإن ثمة مدناً أنشئت بتمويل من دولة الإمارات، وبعضها يحمل اسم الشيخ زايد، الذي لم يطلب مثل هذا الامتياز، ولا حاول توظيف هذا العون الأخوي من أجل مصادرة قرار مصر، ولا هو منَّ على شعب مصر، أو أي من الشعوب الأخرى التي مد يد المساعدة اليها، خاصة في حال الشدة، كما في مواجهة العدوان الإسرائيلي، أو في مواجهة الفقر، أو نقص الموارد في تلبية متطلبات الشعوب العربية في مختلف الأقطار.
    كذلك فإن الكويت قد أسهمت في تنفيذ العديد من المشروعات الإنمائية الحيوية في أكثر من بلد عربي... فساعدت في بناء الجامعات والمدارس والمستشفيات والعديد من المرافق، كما أنها أسهمت في المجهود الحربي لكل من مصر وسوريا في مواجهة العدو الإسرائيلي...
    لم يطلب الشيخ زايد دور القيادة لنفسه أو لدولته الغنية على صغر حجمها، ولم ينصّب نفسه ولي أمر العرب في السلم والحرب... ولا هو فوض نفسه بأن ينوب عن الفلسطينيين في «مفاوضة» العدو الإسرائيلي، ولا هو تبرع بالاعتراف بالعدو وأقام مكتباً لتمثيل إسرائيل في الدوحة (غير بعيد عن موقع اجتماع القمة العربية التي يبدو أنها قد اتخذت من عاصمة قطر العظمى بديلاً من قاهرة المعز).
    بل إن المملكة العربية السعودية، وهي الدولة - القارة مساحة وذات المدخول الخرافي من نفطها، تحاذر في لعب دورها السياسي أن تتبدى «متحكمة» أو «متعنتة»، وتحاول تسويق ما ترغب في الوصول إليه من قرارات تمس القضية العربية المقدسة، فلسطين، أو تتصل بالشأن القومي، عموماً، عن طريق الإقناع والحجة... حتى لو كانت الحجة الاعتذار بضعف الموقف العربي في مواجهة العدو الإسرائيلي ومن يدعمه دولياً.
    لقد خسر العرب مكانتهم الدولية، لافتراق صفوفهم، كما لسيطرة أنظمة الطغيان على العديد من مواقع القرار في الدول العربية ذات الدور التاريخي والأهمية الإستراتيجية والقدرات الشعبية المعطلة أو المضيعة أو المقموعة.
    وها هي الانتفاضات تجتاح الأرض العربية مشرقاً ومغرباً، فتهدم بعض إمبراطوريات الطغيان، وتصدّع حكم الدكتاتوريات في أقطار أخرى...
    وبالتأكيد فإن قطر «ذات الحمدين» تفيد من هذه المرحلة الانتقالية وغياب الأصيل عن موقع القيادة والقرار، فتصادرهما معاً.
    على أن هذه الوقائع جميعاً لا تبرر أن تتحول جامعة الدول العربية إلى مكتب ملحق بوزارة خارجية الشيخ حمد، أو دائرة تصديق على الأحلام الإمبراطورية لحاكم هذه الدولة الصغيرة الذي يتباهى بأنه قدّم أرض شبه جزيرته لأكبر قاعدة عسكرية أميركية في المنطقة، كما استقبل مكتب تمثيل لدولة العدو الإسرائيلي.
    ... في انتظار أن تعود مصر إلى وعيها والى دورها، وكذلك سائر الدول العربية، فتعود كل دولة إلى حجمها الطبيعي.

    انفجار الربيع العربي
    بقلم: نجيب نصير عن السفير البيروتية
    لا تبدو الثقافات العربية متأثرة بانفجارات «ربيعها» المتوالي، حتى انها تبدو غير مبالية بها إلا من باب الرصد والتصنيف والتبويب ليس إلا، بحيث تبدو وكأنها خائفة على تأثر «منتجاتها» بلوثة السحر الغربي، الذي طالما أشهرت العداء له، بحجج واهية، بعيدة عن مقاييس الخطأ والصواب، مجترحة معارك وهمية، حول الهوية والتراث والعلمانية، والمضحك أنها لم تحقق أي انتصار حتى في هذه المعارك المخترعة من وهم الأصالة، والأحقية بسبب الأقدمية الزمنية لسلالة ثقافية، طالما حاول «المثقفون» إثبات وجودها، قبل التثبت من صلاحيتها، وجودتها النوعية، لتبدو ثقافات كهذه، وكأنها تعمل في إطار خيري، وفي سياق خارج عن الموضوعية، وهي تحاول الرد على الأسئلة الملحة للعصر، فرغم اعتمادها على التاريخ (وهذا جزء بسيط من اي حراك ثقافي شرط ان يكون حياً على الأقل) كسلالة ثقافية أو حتى تناسلية، إلا انها قسمته وشرذمته وقسرت الباقي منه على قول ما لا يحتمل قوله، قياساً الى العقل وإلى القراءات المتعددة له، حتى بدت هذه الثقافات كمصيبة «عربية» بامتياز، لم تنجز في محصلتها العملية إلا حفنة من الافتخارات التي تعبر عن الوجه الثاني لعملية جلد الذات. افتخارات قاتلة وكارثية، لإنها افترضت، بحكم توهمها نبل سلالتها الثقافية، أنها تستطيع أن تضع الأسئلة المناسبة والمقاييس المناسبة انطلاقاً من اكتمال معرفي موهوم، وتقدّر أيضاً، أختيار الإجابات المناسبة، متنصلة في الوقت ذاته من مسؤوليتها تجاه الثقافة العالمية، معتقدة أن شراكتها مع العالم تقتصر على استعارة بعض الأدوات منه، مقابل استخدام الفارابي وابن رشد وألف ليلة وليلة وغيرهم كدفعة في حساب هذه الشراكة، حتى يأتي أوان احتساب الحصص بعد الانتصار!
    لقد فجر «الربيع العربي» هذه الثقافات وبعثرها، بدلاً من أن يقودها في سياق اجتماعي يفضي الى توليد المجتمع المفتقد بمعناه التقني، والموجود بمعناه اللغوي الاصطلاحي بحكم الخطأ الشائع، بحيث يبدو واضحاً، الإنتاج المنتظر ونوعيته وصلاحيته للعصر. ولا يحتاج المرء الى الكثير من العلم أو المعرفة، كي يكتشف أن المقاييس والمعايير المستخدمة لتقييم جدوى هذا «الربيع» أو ذاك، هي ذاتها التي أودت به. على الرغم من استعارة بعض الأدوات من الثقافة العالمية، حيث بدت هذه الأدوات ذاتها، غير صالحة في وضع ثقافي، غير قادر على إنتاج مجتمعه، ومن ثم دولته التي عليها ان ترعى الثقافة بمعناها الحقوقي أولاً وحصراً، حتى يستطيع «المجتمع» مقاومة الفناء.
    ومع أن هذا الانفجار لم يكن سراً على أحد، إلا أن هذه الثقافات «العربية» تفاجأت به، حتى بدا هذا الانفجار كخروج عقائدي غير متوقع على الثقافات السائدة، فإعادة إنتاج الاستقرار العلمي المعرفي، لا تحتاج الى نوع كهذا من التغيير، فسارعت الى قمعه بشتى الأدوات، وأهمها توريطه بالمقاييس والمعايير التي اضحت مقدسة، (أفكاراً، وأشخاصاً، وحتى كلمات)، لتبدو الثقافة بمعناها المتداول (ثقف الرمح أي دببه وهذبه وجعله حاداً) العدو الأول لكافة أطراف «الربيع العربي» من حكام ومحكومين أو من «ثوار» و«موالين»، حتى ليبدو هذا الربيع كخروج على هذه الثقافة، ويجب تطويع أدواته وقسرها على ممارسة حتى محمولها العنفي إذا لزم الأمر، - وقد لزم وبشكل مبكر-، لتصبح هذه الثقافة نفسها ضد الثقافة، ووجب معاقبة خوارجها قبل ان تستفحل وتتحول الى «فتنة».
    ليست مشكلة «الربيع العربي» هي في استبدال استبداد ثقافي بآخر، بل المشكلة في المعرفة المسبقة بأن هذا الاستبدال هو بين استبدادين، والمصيبة الأكبر هي البحث في تبرير شرعية أحدهما، بالقياسات المعرفية المتداولة ذاتها التي انتجت كل هذا الخراب، ضمن وهم كارثي بالحداثة والعدالة والجودة والصلاحية، ينتج ثقة مضللة بالنفس على أسس من اكتمال معرفي، يتفاخر أصحابه بمعرفتهم المطلقة بالحق والباطل، متجاهلين، لا بل مسفهين، مقاييس الخطأ والصواب المتجددة، في نشوة انتصار حق على باطل، مستعيدين الفردوس المفقود. فردوس ثقافة مهترئة.
    لقد قفز «الربيع العربي» ثقافياً عن المطلوب، مرحلياً وإستراتيجياً، وهو توليد المجتمع المناسب والصالح لمقاومة الفناء على الأقل، لكن «المجتمع» في الثقافة العجوز هذه كان قد ولد من رحم اللغة، ولم يجرؤ على تجاوزها، مولداً (لغة فقط)، دولة وحكومة وأحزاباً ومؤسسات ومجتمعاً مدنياً وأهلياً وإلخ، لم تتجاوز في حضورها أو تأثيرها ألفاظ تعريفها اللغوية فحسب، مع ضمان إرجاعها الى اصلها اللغوي إطمئناناً على صحة لفظها واستخدامها في الكلام والكتابة، في تجاهل أصيل لمعناها التقني الذي يتجاوز كثيراً الآن معاني تنظيم السكنى الجماعية، والتسالم البدائي الذي تجاوزته البشرية، إلى الإنتاج وضمان تنافسيته وحمايته وحماية حسن توزيعه. وهنا تبدو الثقافات العربية في مأزقها العميق، نظراً لفقدانها البيئة الصالحة لطرح الأسئلة كمقدمة ضرورية لطرح الأسئلة الخطأ أو الوهمية. حيث نبدو أمام سببين مؤكدين لهذه السيرورة المتدهورة نحو إعادة إنتاج ثقافة غير صالحة للاستهلاك البشري.
    الأول يكمن في عدم وجود خبرات ثقافية قادرة على إيقاف تدهور القيم الثقافية وانتقالها من الاحترام الى التبجيل ومن ثم الى القداسة، عبر أداء ثقافي متبلد او مستكين، أو خاضع للترهيب والترغيب بحيث يتم تدجينه لينتج ما هو أسوأ وأخطر من منتجات التبلد والاستكانة.
    والثاني الهجوم على مولدات الثقافة التي تعتمد الخطأ والصواب بحجج الأكثرية والأغلبية التي تلتف على الديموقراطية تقنياً ومعرفياً، بحجج الحق والباطل التي تحتاج الى الكثير من المعرفة والتربية المدنية حتى يمكن إعادة اعتمادها من جديد.
    لذلك يبدو «الربيع العربي» مجرد فصل من فصول الثقافات العربية التي قد لا تتمايز فيها الفصول، عبر استمرارية اجترارية لمفاهيم مبجلة ومقدسة.
    الأداء الثقافي نفسه مستمر، منتجاً ملايين الأساتذة من التبسيطيين الجدد، الذين يفرضون مفاهيم مستعملة وبالية، على حراكات نحتاج مئات السنين كي نتخلص من آثارها، هذا في حال استطاعت هذه الثقافات توليد مجتمعاتها بمعناها التقني.




    رأي: العلمانية العربية
    بقلم: غسان سليمان العتيبي عن القبس الكويتية
    الأديان جميعها تدعو إلى التسامح والمحبة، فديننا الإسلامي يقول «ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ»، نعم أنا علماني ولكني أعشق الإسلام.
    استخدام الدين لأغراض سياسية أمر يضر بالدين، فهو أسمى وأعظم وأجلّ من ذلك. إبان الحرب العراقية الإيرانية رأينا الاثنين يرفعون راية «لا إله الا الله» لتعبئة الجيوش، وحضها على قتل بعضهم بعضاً، وباسم الدين تعيث الجماعات الإسلامية في الشعوب فساداً. والثابت إلى الآن أن العلمانية هي الأسلم. فالعلمانية تقول إن الدين علاقة روحانية بينك وبين ربك، وإن الوطن للجميع، فلا تخلط الدين بالسياسة، وإلا سيحدث ما حدث في مصر وتونس وأفغانستان واليمن وليبيا والسودان وإيران، ومن سار على هذا الدرب.
    لقد أثبت التاريخ الحديث أن المتأسلمين والمتخذين من الدين وسيلة وصول إلى السلطة والمصالح الشخصية إذا دخلوا قرية افسدوها وجعلوا أهلها شيعاً، فما من دولة وصل متأسلمون فيها إلى السلطة إلا ودب في أوصالها الضعف وانقسم أهلها على أنفسهم وتشعبوا إلى فرق وأحزاب، فبداية من طالبان التي تسببت في تدمير أفغانستان وضياعها، تلك الدولة التي كانت تنعم بالأمن والسلام، فغاب عنها الأمن وغاب عنها السلام، وعاش أهلها، ولا يزالون، أياماً عصيبة في فقر وقحط وخوف.
    ثم إيران التي ما إن حكمها المتأسلمون حتى تحولت إلى دولة راعية للإرهاب، خارجة على القانون، ولولا أنها محكومة بالقهر والطغيان لخرج الشعب على السلطة وأرداها منذ زمن بعيد. وليس السودان عنا ببعيد، بلاد النيل التي عاشت قروناً في أمن وسلام، انقسمت إلى دولتين، حين توغل المتأسلمون ونخروا جذورها، انقسمت بعدما كانت كياناً واحداً إلى دولة شمال السودان ودولة جنوب السودان، ويا له من خزي وعار. وكذلك الحال في مصر، وفي تونس وبعد سقوط زين العابدين، ووصول حزب النهضة الإسلامي إلى الحكم، وإدارته شؤون البلاد بجهل وعنترية، وقتل المعارض الأشد شكري بلعيد وإفلاس الدولة اقتصادياً وسياسياً. لم نعد بحاجة إلى دلائل إضافية تبرهن على فشلهم الذريع.
    ورغم كل هذا ما زال في مجتمعاتنا التي ما زالت تلهج بالجهل والفساد، من ينظرون إلى العلماني على أنه كافر أو ملحد. ولا يعلم هؤلاء أن العلماني يمكن أن يدين بالإسلام ويدين بالمسيحية ويدين باليهودية ويدين بالبوذية، وكلٌّ حسب قناعته، والدين الذي يهديه إليه عقله، والفارق ما بين العلماني وغيره أن العلماني واضح صريح قاطع يفصل ما بين الدين والدنيا، فهو يعلم أن «الدين لله، والأرض للجميع»، فيرفع من قيمة الدين ولا يزج به في مفاسد الدنيا ونفاقها وريائها.

    الملفات المرفقة الملفات المرفقة

المواضيع المتشابهه

  1. اقلام واراء عربي 359
    بواسطة Aburas في المنتدى أقلام وآراء عربي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2013-03-31, 09:17 AM
  2. اقلام واراء عربي 349
    بواسطة Aburas في المنتدى أقلام وآراء عربي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2013-03-20, 10:09 AM
  3. اقلام واراء عربي 348
    بواسطة Aburas في المنتدى أقلام وآراء عربي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2013-03-20, 10:08 AM
  4. اقلام واراء عربي 302
    بواسطة Haneen في المنتدى أقلام وآراء عربي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2013-01-17, 12:07 PM
  5. اقلام واراء عربي 301
    بواسطة Haneen في المنتدى أقلام وآراء عربي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2013-01-17, 12:07 PM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •