النتائج 1 إلى 1 من 1

الموضوع: اقلام واراء عربي 385

العرض المتطور

  1. #1

    اقلام واراء عربي 385

    اقلام واراء عربي 385
    29/4/2013

    في هذا الملــــف:
    مروان البرغوتي أحد عشر عاماً من.. الحرية
    بقلم: نصري الصايغ عن صحيفة السفير اللبنانية
    حكاية «البيضة والدجاجة»..فلسطينياً
    بقلم: عريب الرنتاوي عن صحيفة الدستور الأردنية
    لم نسمع صوت «حماس»!
    بقلم: حسين الرواشدة عن صحيفة الدستور الأردنية
    عدوى تفتيت الدولة العربية
    بقلم: مأمون فندي عن صحيفة الشرق الأوسط
    عيون وآذان (الوجه الآخر لقطر)
    بقلم: جهاد الخازن عن صحيفة الحياة اللندنية
    الموقف الروسي نحو سوريا
    بقلم: حمادة فراعنة عن صحيفة الرأي الأردنية
    خريطة جديدة للعراق أم معركة استرداده من طهران؟
    بقلم: جورج سمعان عن صحيفة الحياة اللندنية
    العراق على حافة بركان
    بقلم: مصطفى اللباد عن صحيفة السفير اللبنانية
    مروان البرغوتي أحد عشر عاماً من.. الحرية
    بقلم: نصري الصايغ عن صحيفة السفير اللبنانية
    أحد عشر عاماً في الأسر، من أصل خمسة أحكام بالمؤبد، وحكم إضافي بأربعين سنة، بتهمة قيادة الانتفاضة الفلسطينية الثانية، ولا يزال مروان البرغوتي مشروعاً فلسطينيا للغد...
    رجل ضد النسيان وقائد بدوام الحضور.
    خمسة وستون عاماً في الأسر، ترافقت مع أحكام عسكرية حربية، وغارات قتل، وعمليات ملاحقة، واستيطان اقتلاعي، وصمت دولي وتواطؤ عربي وتجاهل أممي، ولا تزال فلسطين مشروعاً للغد.. ليس بوسع أحد أن يدفنها، ولو قتلت أو اعتقلت أو أجهضت أو يُئِّسَت... هذه أرض منذورة للقيامة مراراً.
    سنوات باهظة جداً، مقاومات بطولية جداً، مفاوضات جديدة جداً، صبر طويل جداً، أسر متعرج جداً، ولم تحذف فلسطين من خريطة الوعي الفلسطيني.
    سنوات من الخسائر: حرب «النكبة»، «حرب حزيران» واحتلال كامل فلسطين، «أيلول الأسود»، «الحرب اللبنانية»، الخروج الفلسطيني إلى التيه العربي، الانتفاضة الأولى، الانتفاضة الثانية، تدمير شارون للسلطة، اغتيالات، معارك، تصفيات، طرق التفافية، إذلال، إفقار، اعتقال، ومع ذلك، لم يبلغ الفلسطيني حافة اليأس، وإن كان قد دَلَف إلى مربع الضعف.
    يشعر الفلسطيني انه أسير العالم كله، باستثناء قلة تحتفظ لفلسطين بموقع الصدارة في العقل والقلب والفعل والزناد. هنا الفلسطيني لا يكف عن الأمل، و«هناك شيء عظيم جدير بالحياة».
    يشعر الفلسطيني أنه أسير دولي: العرب يطالبونه بالصمت، يدعمون عجزه، يطلبون طاعته، يمنعون عنه الهواء... العالم يمنع عنه الأمم المتحدة ومنظماتها، يقبلون به موجوداً بصيغة «الإقامة الجبرية». موجود في الأمم المتحدة ولكن بصيغة مراقب. سلطته قيد الإقامة فيها. الاستقالة ممنوعة، الحركة ممنوعة، الاعتراض على الاستيطان مسموح ولكن غير مسموع. ويتعامل هذا العالم مع السلطة الفلسطينية «كآمر سجن» بديل من الاسرائيلي.
    ومع ذلك، فلا تزال فلسطين مشروعاً برسم الحياة على الدوام.
    ربما أصيبت قيادات بالترهل، ومنظمات بالتهلْهُل، ومؤسسات بالفساد وسلطة بالتوكل، ومشاريع بالتوقف والانتظار... ربما نجحت خطة «أسر الفلسطيني في «فردوس» اقتصاد ريعي يقوم على المساعدات، وربطه بالسماحات الاسرائيلية لحصص مالية محقة، تتوسلها السلطة كي لا يجوع الجائعون. ربما جنح البعض في فلسطين إلى قبول ما ليس مقبولاً البتة. ربما بات الفلسطيني، بعدما لَعَنَ عروبته والعرب، يلعن نفسه، بمرارة الانتماء اللامفر منه لفلسطين. ربما لعن الانقسام ما بين غزة والضفة. ربما لم يعد قادراً على أن يحلم بغير يومه... ومع ذلك، فإن هذه القضية، ستبقى تقض مضجعه وتدعوه: حيَّ إلى... ولو «بما ملكت يداك». والأيادي تملك الكثير. فهذه قضية لا تموت. وبإمكانها أن تبقي من معها ومن منها على قيد الأمل.
    ... ولا يزال مروان البرغوتي وعداً.
    لم يستقل من النضال يوما. صورته إبان محاكمته، تظهر أن الرجل أقوى من سجانيه، وأكثر صلابة من قيوده. في جبهته إطلالة وإشراقة، في قبضتيه المكبلتين المرفوعتين، إشارة إلى وفرة الحرية في تصميمه. وقفته بين «حراسه» من الجنود الإسرائيليين، تبرهن على عدم شعوره بهم، كأنهم غير موجودين. صوته الذي صدح بفلسطين وانتفاضتها، أقوى من حكم جلاديه بالمؤبدات الخمسة والأربعين المضافة. غريب: كان غاضبا ومبتسماً. تلك معجزة الأمل المر.
    كان قائداً... لم نشعر أن هفوة ضعف قد انتابته. فهو على خطى فلسطينيي الأسر، و«الأمعاء الخاوية»، يرى الأسر ممراً إلزامياً إلى فلسطين الغد. وليس مبالغة القول إن في فلسطين، «لكل بيت أسير ولكل عائلة شهيد».
    غير أن هذا الرجل تميز بغير البطولة والصبر والشدّة والترفع. ظل يشغل الميدان الفلسطيني وهو خلف القضبان. لم يستقل من مهماته النضالية. ولا عرف الأبواب المغلقة. كان دائم الإطلالة على الهموم الفلسطينية الصعبة والمستعصية. ظل فتحاوياً مختلفا. يصوّب كلامه باتجاه العمل الفلسطيني المشترك. «وثيقة الأسرى» التي كان البرغوتي أحد موثقيها صنعت الوحدة الفلسطينية الوطنية وأنهت الانقسام، فشكّلت أساساً لحكومة الوحدة الوطنية...
    يُذكر أنه عمل، من أسره، على مصالحة حقيقية بين «فتح» و«حماس». فحضَّهُما على تشكيل حكومة تعمل على إجراء انتخابات.
    يعمل من خلف القضبان، ولا يتطلع إلى منصب، وهو الذي كان مؤهلاً لأن يرث أبو عمار، ذات زمن فات، والمؤهل المرتجى لأن يرث محمود عباس. يتصدّر استطلاعات الرأي العام كرئيس محتمل للشعب الفلسطيني. فتحاويته، لا تزال على نقائها الأصيل، لم يلوثها فساد وإثرة وتسلط وشهوة حكم. ألف مرة الميادين، ولا مرة الكراسي. الميادين، هو ما تحتاجه فلسطين، والسلطة هي آخر ما يتمناه مروان.
    ولأنه كذلك، تخطّى حدود «فتح» ليصبح قبلة آمال أكثرية فلسطينية. فهو الشخصية الوحيدة التي تحصل على شبه إجماع لقيادة «فتح» والفوز في الانتخابات المقبلة، إذا حصلت.
    أسير ومرشح؟
    لمَ لا. في هذه الزاوية كتب الزميل هاني المصري، بأن ترشيحه وانتخابه قد يكونان الطريق إلى حريته، لأن العالم لا يستطيع أن يحتمل رئيساً فلسطينياً منتخباً في الأسر، هذا أمر يحرج إسرائيل كثيراً، وتخشى عواقبه، خاصة أن البرغوتي قد قلب آية التعامل مع إسرائيل بقوله: «ليس في إسرائيل شريك». والبديل واضح.
    ليس غريباً أن يظل البرغوتي المعتقل على إيمانه. كأنه أحد الطوباويين الحالمين، من دون أن يفقد الطاقة على ابتكار الأفكار العملية والبراغماتية... حالم هو: «أنا على ثقة بأن شعبنا المعذب على مدى عقود طويلة سيظفر بالنصر والحرية..» برغم تصاعد وتيرة الاحتلال والاستيطان والعدوان ونهب الأرض والموارد والمياه وتهويد مدينة القدس التي تتعرض لأبشع أنواع التطهير والتمييز العنصري.. «حكومة إسرائيل معادية للسلام وتتمتع بدعم أميركي لا محدود شجّعها على مواصلة الاحتلال والاستيطان والاضطهاد».
    مروان برغوتي ليس في الأسر إذاً. يُشبّه لإسرائيل أنه كذلك. كما يُشبّه لمن احتل فلسطين بأنها ستكون إسرائيل.

    حكاية «البيضة والدجاجة»..فلسطينياً
    بقلم: عريب الرنتاوي عن صحيفة الدستور الأردنية
    كنا سئمنا الجدل الفلسطيني العقيم حول أيهما أسبق: تشكيل حكومة الوحدة الوطنية أم تحديث جداول الناخبين في قطاع غزة؟..لكن يبدو أن سنعيش مع فصول جديدة من هذه الحكاية “السمجة” حتى يقضي الله أمراً كان مفعولا.
    منذ التوقيع على اتفاق الدوحة المبرم بين الرئيس محمود عباس والأخ خالد مشعل في السادس من شباط / فبراير عام 2012 وحتى الانتهاء من تحديث سجل الناخبين في قطاع غزة في العشرين من شباط / فبراير عام 2013، رفضت فتح تشكيل الحكومة طوال هذه الفترة بحجة عدم إتمام عملية التسجيل، فيما أبدت حماس في غير موقف ومناسبة، رغبتها في الشروع بتشكيل الحكومة، ومن ثم استئناف عملية التسجيل وتحديث قوائم الناخبين..أما النتيجة التي ترتبت على “حكاية أيهما أولاً”، فكانت تعطيل المصالحة والوحدة والانتخابات، واستمرار الانقسام السياسي والجغرافي والوطني لسنة إضافية مكلفة.
    ها هي عملية التسجيل تنتهي منذ شهرين، ويقرر الرئيس عباس الشروع في مشاورات تشكيل حكومة وفاق وطني (لا أدري لماذا وفاق وطني وليس وحدة وطنية)، لملء فراغ استقالة (إقالة) حكومة الدكتور سلام فيّاض..بيد أن المواقف تبدلت الآن، حماس تعتبر خطوة عباس منفردة ولا تعكس روح المصالحة، التي أصبحت فجأة “رزمة واحدة متكاملة”، وفتح تنظر لقرار الرئيس (رئيسها كذلك)، على أنه بداية التجسيد للاتفاقات المبرمة في القاهرة والدوحة.
    في مناخات التأزم و”انعدام الثقة” السائدة، تختفي الأصوات الأكثر عقلانية ومسؤوليةً على جانبي معادلة الانقسام، لتحل محلها أصوات التوتير والتأزيم والاتهامات المتبادلة..أكثر من ناطق باسم حماس، من المدرسة الأكثر تشدداً إياها، حمل على الخطوة، ونظر إليها بوصفها “مؤامرة” جديدة ينخرط فيها عباس بالتواطؤ مع الأمريكان..في المقابل، تتصاعد أصوات ناطقين كثر باسم فتح، يحملون على حماس، وينعتونها بما فيها وما ليس فيها دون هوادة..والأرجح أننا مقبلون على فصلٍ آخر من لعبة “الدجاجة والبيضة”..الأرجح أننا مقبلون على إتمام سنة إضافية في مسلسل الانقسام المخجل والمؤسف.
    في التحليل الأبعد والأعمق لما جرى خلال اليومين الفائتين، نجزم بأنه ليس للخلاف علاقة -من قريب أو بعيد- بحكاية “التوقيتات” ولعبة “أيهما أولاً”، فهذه مسألة شكلية ليس من العسير الوصول إلى حلول وتوافقات بشأنها..نجزم بأن الخلاف يعكس عدم جاهزية الطرفين للمصالحة، والأهم غياب الاستعداد (وربما المصلحة) في الوفاء باستحقاقاتها ومندرجاتها..نجزم أن أوهام التفاوض والمعجزات التفاوضية من جهة، والرهانات على ما تبقى من رياح “الربيع العربي” من جهة ثانية، ما زالت تعطل مسار المصالحة، وحتى إشعار آخر.
    قبل الشروع في مشاورات تشكيل الحكومة، كان يتعين على الأخ أبو مازن، أن يبادر إلى دعوة الإطار القيادي المؤقت لمنظمة التحرير الفلسطينية، أولاً لوضع الجميع في صورة الحراك السياسي الكثيف على مسار “أوباما – كيري”، وثانياً للتباحث في مرحلة ما بعد استقالة حكومة فيّاض، وثالثاً لإطلاق عملية المصالحة وفقاً للأجندات و”الرزنامات” المعلقة من أشهر وسنوات..أما أن تتبلغ حماس والفصائل ببدء المشاورات من وسائل الإعلام (إن صحت هذه المعلومة)، فهذه ليست بداية طيبة أبداً، لا للمصالحة ولا لمشروع إعادة بناء وتفعيل مؤسسات السلطة والمنظمة.
    في المقابل، كان يتعين على حماس، أن تتخذ من استقالة (إقالة) حكومة فيّاض، فرصة تاريخية لتأكيد استعدادها لإقالة حكومة الأخ اسماعيل هنية، ونقول إبداء الاستعداد لأنني لا أعرف حقيقة، لم يتعين على رئيس الحكومة في غزة أن يتقدم باستقالته أو يرفعها إليه، الرئيس لا يعترف بالحكومة والمجلس التشريعي معطل بالكامل، والمؤكد أن مكتب حماس السياسي لا يمكن ان يكون مرجعية قانونية أو دستورية لحكومة في غزة، هو كذلك بحكم الأمر الواقع، ولكنه ليس كذلك بالمعنى الدستوري والقانوني للكلمة..أما الهدف من وضع استقالة الحكومة تحت التصرف، فهو إفساح المجال لتشكيل حكومة وحدة/توافق وطنيين..ولكم كاناً مضحكاً حد البكاء، إعلان حماس بأن استقالة فيّاض شأن داخلي لا علاقة لها به، ولا أدري أهو شأن داخلي لفتح، للسلطة والمنظمة أم للشعب الفلسطيني الشقيق في الضفة الغربية..إنها المأساة وقد ارتدت لبوس الملهاة.
    لم يفت الوقت لتدارك ما يمكن تداركه، بيد أنني شديد التشاؤم حيال فرص انتهاء المشاورات إلى تشكيل حكومة “توافق وطني”..اللهم إلا إذا اعتبرنا أن إعادة انتاج الائتلاف الذي شكل حكومات فياض المتعاقبة هو التجسيد لمقولة “التوافق الوطني”..هذا ليس توافقاً، والمؤكد أنه ليس “وطنياً”، وأقول وطنياً هنا بمعنى التمثيل الوطني الأوسع والأشمل، سياسياً واجتماعياً وجغرافياً.

    لم نسمع صوت «حماس»!
    بقلم: حسين الرواشدة عن صحيفة الدستور الأردنية
    اللافت في ما يجري من احداث، سواء على صعيد “التسوية” وما يطرح على هامشها من تصورات، أو على صعيد “المحاور” التي تتشكل في المنطقة استناداً للتعامل مع الملف “السوري”، هو غياب صوت حماس.
    حين ندقق في المشهد السياسي نكتشف أن “الفاعلين” في منطقتنا يتحركون باتجاهات مختلفة، فقد حسمت منظمة التحرير الفلسطينية موقفها من “القدس” والمقدسات واختارت ان تضعها في عهدة الاردن من خلال توقيع اتفاقية الوصاية، فيما آثرت حماس الصمت، كما ان “ملف” التسوية تحرك باتجاه البحث عن حلول بعد زيارة اوباما اخيراً للمنطقة، لكن حماس “علقت” بخجل والتزمت “الحياد”.
    تجاه “الحدث” السوري المفزع -ايضا- اتضحت خريطة “التخالفات”، لكن حماس التي كانت محسوبة على خط “طهران- دمشق- حزب الله” خرجت من المنطقة التي اصبحت “محظورة”، واللافت انها لم تعلن “انضمامها” بشكل واضح الى أي من المحاور الاخرى.
    ورقة “حماس” -ايضا- تم استخدامها في مصر للضغط على “الاخوان” وتشويه علاقتهم معها، لكن حماس لم تبالغ في “تعليقها” على الحدث، وحاولت ان تنأى بنفسها بعد ان اكتشفت بأن “الواقع” المصري الجديد لا يحتمل مزيداً من التدخل او حتى تقديم النصائح.
    قبل نحو شهر، تم التجديد لخالد مشغل في رئاسة الحركة، وجرى تغيير بعض المواقع في المكتب السياسي، لكن “القيادة” المتجددة اختارت ان تتوارى عن التصريحات الاعلامية، واعتقد اننا لم نرَ منذ ذلك الوقت مشعل في وسائل الاعلام بعكس ما عتاد عليه الرجل.
    بعض التسريبات تشير الى زيارة قريبة لـ”مشعل” الى عمان، ولدى الرجل -بحسب مقربين- ملفات يريد ان يبحثها مع المسؤولين الاردنيين، لكن المرجح ان علاقة حماس مع عمان لم تنقطع -اصلا- فقنوات الاتصال منذ زيارة مشعل الاولى -وربما قبل ذلك- ظلت مفتوحة.
    ليس سراً -بالطبع- ان العلاقة بين حماس وعمان عادت الى طبيعتها، وان لقاء مشعل الاخير مع كبار المسؤولين الاردنيين افضى الى “تفاهمات” غير مسبوقة حول التسوية، وقد سمعت من مسؤولين في حماس ان الحركة “وضعت” اوراقاً سياسية مهمة لدى الاردن، وبما يشبه “التفويض” لتحديد مسار العملية السياسية المرجح انطلاقها بدعم من واشنطن.
    يبقى ان انحياز حماس في هذا “التوقيت” للصمت يمكن تفسيره وفهمه استناداً الى اعتبارين: احدهما ان حماس الآن تبحث عن “تموضع” سياسي جديد بعد ان خرجت من “طوق” الممناعة، لكنها في ظل تقاطع التحالفات واختلاط “الاوراق” السياسية لم تفلح بعد في حسم خياراتها، اما الاعتبار الثاني فهو ان حماس لا تريد ان تحسب على اي “محور” لان انحيازها ستترتب عليها خسارات لا تستطيع ان تتحملها، وبالتالي فهي تقف في “الوسط” وربما تسعى الى ايجاد “مشتركات” ما بين حلفاء تعتقد ان المصالحة بينهم سيصب في مصلحتها.. ومصلحتهم ايضاً.
    لا ادري -بالطبع- اذا كان لدى عمان ما يدفع “حماس” الى الخروج من دائرة “الحيرة”، لكن ما اعرفه ان المرحلة القادمة ستحتاج الى “اوراق” سياسية بعضها بيد “حماس”، وبالتالي فان حضورها في الايام القادمة سيشير الى تحولات ربما تكون كبيرة وخاصة في ملف “التسوية” الذي توارى مؤقتا بسبب طبول الحرب التي بدأت “تدق” في منطقتنا تحت لافتة “انهاء” الصراع في سوريا.

    عدوى تفتيت الدولة العربية
    بقلم: مأمون فندي عن صحيفة الشرق الأوسط
    «احذروا انتشار العدوى اللبنانية». هذا كان عنوان مقالي في «الفايننشيال تايمز» البريطانية في التاسع من أغسطس (آب) عام 2006، أي في عز حرب إسرائيل وحزب الله. وكانت المقولة الأساسية في ذلك المقال والتي تعيش معنا حتى الآن، هي أن الشرق الأوسط جزء من حالة عالمية تتجه إلى حالة من الانشطار وتشظي الدولة إلى مكوناتها الدنيا (state disintegration)، انهيار الدولة الحديثة لمصلحة الولاءات الدنيا من الدولة التي تقدم الحماية والرعاية القريبة والموثوق بها، مثل القبيلة والطائفة، أو حتى المنطقة، أو الجهة (الصعيد، جنوب لبنان، شيعة، سنة، علويين.. إلخ).
    الحالة العالمية ما بعد الحداثية التي تجلت فيها حالة الانشطار هذه، كانت بوضوح في أوروبا هي حالة يوغوسلافيا، حيث تفككت دولة الجنرال تيتو لمصلحة جماعات إثنية أقل من الدولة اليوغوسلافية، مثل الكروات والصرب والبوشناق المسلمين والكوسوفار.. وغيرهم. بعضهم أصبح دولا مستقلة، والباقي ينتظر، كما في حالة الكوسوفار.
    في عالمنا العربي، لبنان هو المثال الصارخ، حيث تكون الدولة مجرد غطاء لولاءات، تكون الدولة شيئا أشبه بصاج السيارة (قطعة الصفيح التي تصنع الغطاء الخارجي). ولكن على عكس السيارة التي تعمل بمحرك واحد، لبنان دولة تعمل بمحركات طائفية (سنة وشيعة ودروز ومسيحيين بطوائفهم المختلفة وولاءاتهم الصغرى.. إلخ)، أضعفها محرك الدولة.
    ظن العرب ولفترات أنه يمكن احتواء الطاعون اللبناني الضارب في عصب الدولة، وظنوا أنه مرض غير معد، حتى تفاقمت عندهم أعراض المرض، وظهرت جماعات فاعلة غير الدولة، مثل حركة الإخوان المسلمين في مصر، حركات عابرة للحدود استطاعت بعد الثورات أن تتملك جزءا كبيرا من الدولة. والحركات العابرة للحدود التي بدأت مع منظمة التحرير الفلسطينية عرقلت من نمو الدولة الوطنية في الشرق الأوسط، وأضعفت من مناعتها. بعدها ظهرت حركات مثل حماس، قوضت الحركة الكبرى، كما نرى الآن كيف أن جبهة النصرة في سوريا قوضت قدرات جماعة الإخوان، وكما أن السلفيين والجهاديين في مصر نزعوا الشرعية والهيبة عن جماعة الإخوان.
    وفي ذلك المقال القديم أيضا في عام 2006 قلت إن أول من سيعاني من عدوى المرض اللبناني بطائفيته وتمزق أوصاله هي سوريا، ويومها ذهبت بعيدا وقلت إن الطائفية قد تبكر من فكرة إقامة دولة علوية في الساحل وتجعلها ليست بعيدة عن التخيل، وقد يؤدي هذا إلى تمدد الفضاء الشيعي بشكل أوسع، مما يعضد من تطييف النظام الإقليمي برمته، ويهدد فكرة الدولة الوطنية، وندخل في علاقات بين تجمعات عرقية وطائفية، وليس علاقات دولية بين دول.
    جزء من هذا التنبؤ كان حقيقيا في تمدد الفضاء الشيعي، فقبل سقوط صدام كان هذا الفضاء يشمل جنوب لبنان وإيران، وتحالفا سوريا - إيرانيا، واليوم تمدد هذا الفضاء ليشمل العراق كدولة كبيرة في المنطقة، مضافا جنوب لبنان وسوريا، هذا إلى جانب التوتر الطائفي في البحرين وأحياء شيعية في مناطق أخرى من العالم العربي.
    النقطة هنا هي أننا أمام ما يمكن تسميته بتطييف العلاقات الدولية في المنطقة، وأن المواجهة المصطنعة بين فضاء سني وآخر شيعي باتت قريبة من الحقيقة.
    هذا التوصيف المزعوم منذ عام 2006 لم يكن ضربا بالودع، ولكن المنطقة كانت تعاني من دولة حديثة هشة، لم تنجح النخب الوطنية فيها في الانتقال من حالة الطوائف والقبائل إلى حالة الانصهار في كيان وطني.
    كانت الدولة ولا تزال حتى في الدول القديمة مثل مصر، هي دولة مدينة، أي أن القاهرة هي صرة الحكم، ومركزية الدولة شيء أشبه بالحالة المغربية المقسومة بين المخزن وبلاد السبا. المخزن مركز الحكم، وبلاد السبا هي نوع من الخلاء.
    فشلت الدولة في التغلغل في المجتمع، كما أنه لم تكن هناك شرعية وطنية جامعة غير فكرة الوطنية ومواجهة عدو خارجي، وكلها مع الزمن فقدت الزخم وتراجعت لصالح شرعيات محلية تمثلها القبيلة والجهة والطائفة. والناظر إلى منطقة قناة السويس في مصر، أو إلى الصعيد، يرى بوضوح غياب الدولة المركزية وظهور نعرات جهوية محلية.
    ليس هذا هو المدهش في الأمر، الدهشة مصدرها في حالة تقسيم دولة عربية انشطرت إلى دولتين، ولم يتوقف أحد عند المشهد أو يستغرب، وربما أنت، عزيزي القارئ، لا تستطيع تخمينها قبل أن أكتب اسمها في نهاية الجملة، وهي دولة السودان. لم يحس أحد بانشطارها، ولم يحزن أحد، ولا حتى أهالي السودان أنفسهم. أصبح شيئا عاديا أن تنقسم دولة أمام أعيننا ولا نذرف دمعة واحدة. وكما أننا لم نتأثر بتقسيم السودان، يؤسفني القول بأننا لن نتأثر بتقسيم سوريا أو تقسيم العراق.
    العراق وسوريا هما أقرب الحالات إلى تلك العدوى اللبنانية التي وصلت ذروتها في تقسيم السودان، وظني أن احتمال ظهور دولة كردية في العراق اليوم هو احتمال أقرب من ظهور دولة فلسطينية. الولاءات الأولية هي المحرك الجديد في سياسات العالم العربي اليوم، داخليا وخارجيا. وما علينا إلا أن ننظر لحالة الجيوش الموازية حتى نفهم هذه النقطة، من جيش حزب الله في لبنان، إلى الجيش الحر في سوريا، إلى جيش الأنبار الجديد في مواجهة جيش المالكي، إلى البيشمركة الكردية التي تحاصر كركوك، إلى حالة مصر وظهور البلاك بلوك وميليشيات الإخوان والجيوش الجهادية في سيناء.. كلها وصفات تفتيت الدولة.
    دول الخليج قد تكون الاستثناء، إما لصغر حجم بعضها، مما يجعلها غير قابلة للانقسام أصغر من هذا، أو لأن وجود العائلات الحاكمة في بعضها يشكل ضرورة وطنية وبهذا تصبح الأسر الحاكمة ضرورة وطنية.
    ومع ذلك حتى بعض الدول العربية ليست بعيدة عن هذا الطاعون المعدي، وذلك لسببين؛ الأول هو أن حالة الولاءات الدنيا بدأت تصبح حالة عالمية؛ من تفسخ الاتحاد السوفياتي، إلى تقسيم يوغوسلافيا، إلى الهوتو والتوتسي في رواندا، أو القبائل والأقاليم المتنازعة في ليبيا، والأمثلة كثيرة. أما السبب الثاني فهو رغم التيارات الرومانسية في العالم العربي؛ من قومية عربية، إلى إسلام سياسي، فشل العرب في العبور بالدولة من حالة تجمعات عشائرية وطائفية مرصوصة جنبا إلى جنب، إلى حالة الدولة الوطنية المبنية على أساس المواطنة.
    وإذا أضفت إلى فكرة الطائفية رؤية الإسلاميين الجدد المتمثلة في فكرة الفرقة الناجية، تكون في هذا وصفة حرب قال عنها توماس هوبز في كتابه العظيم التنين أو لفايثون؟؟؟؟ بأنها حرب الجميع ضد الجميع.
    هل هناك من وسائل أو تطعيم ضد هذه العدوى المنتشرة كالطاعون أم أن الوقت قد مضى؟ وهل الثورات العربية هي محرك جديد لمواجهة هذا التفسخ أم أنها عرض لهذا المرض؟
    سؤال يحتاج إلى ورشات عمل طويلة للوصول إلى إجابة.

    عيون وآذان (الوجه الآخر لقطر)
    بقلم: جهاد الخازن عن صحيفة الحياة اللندنية
    عادت قريبتي من زيارة والدتها المسنّة في القدس، وقالت لي إنها زارت بيت لحم وبيرزيت ورأت بعض الاصدقاء والصديقات من أيام الجامعة في بيروت. قالت إن أمها لا تترك شقتها القريبة من كنيسة القيامة وجامع عمر بن الخطاب، خشية أن يحتلها مستوطنون، وأن هؤلاء يعتدون على اهالي القدس الفلسطينيين كل يوم، ويشتمون ويخربون، وأضافت أن قطر هي البلد العربي الوحيد الذي سمعت من الاهل والاصدقاء انه يساعد الفلسطينيين على مواجهة الاحتلال، في القدس وعبر المدارس والجامعات والى درجة ان وكيل البطريركية بلغها ان القطريين ساعدوا على ترميم كنيسة بيرزيت، وهم يمولون اعادة بناء مسجد ومشاريع اسلامية اخرى هناك.
    هذا جميل جداً ولعله الجزء من نشاط قطر الذي ينال أقل قسط من الدعاية مع انه اهم من الأخبار الأخرى من نوع سجن شاعر مغمور على قصيدة سيئة او مسيئة، او استثمار في واغادوغو.
    إضافة الى ما اقرأ بالعربية اقرأ الصحف الاميركية والبريطانية كل يوم، وأرشيف «الحياة» يزودني بأهم أخبار الصحف الفرنسية، واحياناً الالمانية والروسية وغيرها. وقد وجدت في السنوات الاخيرة ان القاسم المشترك بين اخبار العالم ان هناك كل يوم «خبر قطر»، او ما يشبه «طبق اليوم».
    بما انني اجمع قصاصات عن المواضيع المهمة، فقد عدت بعدما سمعت من قريبتي عن نشاط قطر في الاراضي الفلسطينية، الى ملف قطر في مكتبي ووجدت مادة كثيرة أتجاوز منها موقف قطر من النظام في مصر او الثورة السورية لمعرفة القارئ العربي به، وأختار الأخبار الاخرى مثل ملحق عنوانه «دولة قطر» والمانشيت فيه يقول «قطر تقلع» بمعنى ترتفع كأنها طائرة. الملحق في 12 صفحة وصادر عن «وورلد بزنس تايمز» و «الديلي تلغراف»، والمادة المنشورة ايجابية جداً الى درجة انني اعتقدت ان الملحق دعائي، الا انه لا يحمل كلمة «دعاية» التي تحرص الصحف الغربية على اضافتها اذا كانت المادة منشورة مقابل أجر.
    بين المواد الاخرى، غير العربية، من «خبر اليوم» القطري اختار التالي من دون ذكر المصدر المحفوظ عندي لمن يهمه الامر:
    - قطر تخطط لصندوق استثمار في بريطانيا بقيمة عشرة بلايين جنيه، وقد جرت مفاوضات شارك فيها رئيس الوزراء ديفيد كاميرون، والاستثمارات تشمل مشاريع في البنية التحتية والطاقة والنقل.
    - القطريون يخططون لشراء شركة متاجر ماركس اند سبنسر مقابل ثمانية بلايين جنيه.
    - قطر تستفيد من الايام السيئة التي يمر بها بنك باركليز.
    - علاقة قطر ببنك باركليز تزيد من مشاكله.
    - هنا وهناك وفي كل مكان... استثمارات قطر ودعمها الثورات العربية جزء من محاولة لكسب النفوذ المالي والسياسي.
    - نهاية الطفرة تعصر ثقة قطر (بالاستثمارات الخارجية).
    - تلفزيون كارانت (حيث فشل آل غور) تشتريه الجزيرة.
    - القطريون يؤجلون تنفيذ خطة (إعادة تعمير) ثكنات تشيلسي التي تدخل الامير تشارلز في وضعها.
    - أمير قطر يشتري عدداً من الجزر اليونانية (في خبر آخر انها ست جزر) بسبعة ملايين جنيه.
    - قطر تستولي على اوروبا (هذا من موقع ليكودي اميركي نجس).
    اتوقف هنا فلا يزال امامي بضعة عشر خبراً عن نشاطات قطر، وهناك مادة مساوية لما سبق عن كأس العالم في كرة القدم سنة 2022، وعن لعب ديفيد بيكام مع فريق فرنسي يملكه القطريون، وعن مباريات دولية في كرة المضرب والغولف وغيرها في قطر.
    بل ان الاخبار تضم تفاصيل قضية طلاق في المحاكم ومشاكل شيخ في المزادات الفنية البريطانية.
    اذا كان لي ان أصف السياسة القطرية بعبارة لبنانية فهي انها «كتيرة غلبة»، وأقول لأهل الحكم في قطر ان ينبسطوا بحياتهم ويكفوا عن محاولات اصلاح الأمة والعالم لأنها ولأنه لن يصطلحا. ثم ازيد ان نشاطهم الفلسطيني، مع الناس لا حماس، أفضل وأبقى من اي نشاط سياسي او اقتصادي او كروي.

    الموقف الروسي نحو سوريا
    بقلم: حمادة فراعنة عن صحيفة الرأي الأردنية
    الانحياز الروسي لسوريا ، لا يعود فقط لسبب إستراتيجي له علاقة بالصراع الدولي بين المعسكرين : الروسي الصيني من جهة والأميركي الأوروبي من جهة أخرى ، والحفاظ على موقع روسيا في موانئ المياه الدافئة على شواطئ المتوسط ، وهذا سبب جوهري يكمن في دوافع سياسات روسيا وأولوياتها الدولية ، ولكنه ليس العامل الحاسم الذي يدفع روسيا ، كي تضع رهانها ، للحفاظ على نظام حزب البعث ورئيسهورفض تقويضه ومنع سقوطه، بل ثمة عوامل قويةلا تقل أهمية بل تزيد عن هذا العامل ، تدفع روسيا نحو مواجهة الدعم الأميركي الأوروبي للمعارضة السورية المسلحة وإفشاله ، ويقف في طليعة هذه العوامل :
    أولاً :الحفاظ على أمن روسيا في الشيشان ، فالأدوات المقاتلة في سوريا ، تشكل إمداداً عقائدياً وتنطيمياً وحزبياً ، لأدوات المعارضة الشيشانية التي تقاتل في روسيا ، وبالتالي فإن إنتصار المعارضة المسلحة السورية ، يشكل رافعة فيما لو حققت الانتصار للمعارضة المسلحة الشيشانية ضد روسيا .
    وثانياً : ثمة مشروع قطري لمد أنبوب غاز من الدوحة نحو أوروبا ، يشكل أداةبديلة لأنبوب الغاز الروسي الممتد نحو أوروبا ، ووسيلة تعتمد عليه أوروبا للتدفئة وإحتياجات قطاعواسع من الصناعة ، ولهذا سيكون أنبوب الغاز القطري ، أنبوباً منافساً ، مالياً وإقتصادياً للأنبوب الروسي ، وسيترك أثره السياسي في إضعاف النفوذ الروسي على أوروبا . ومن هنا يمكن تلخيص حصيلة العاملين ، بعاملي الأمن الداخلي الروسي في الشيشان ، وأنبوب الغاز ، هما العنوانان الأساسيان اللذين ستنعكس أثارهما على العامل الثالث ، وهوإضعاف النفوذ الروسي وتقليصه دولياً.
    تقول موسكو لأصدقائها، لقد خطفت واشنطن كلا من العراق وليبيا في غفلة من اليقظة الروسية وهذا لن يتكرر ، لا في سوريا ولا في غيرها ، وسيبقى التوازن والتفاهم والشراكة هي أساس العلاقات الدولية ، وهذا ما حصل بشأن سوريا في بيان جنيف ، والذي شكل أساساً صالحاً للحل ، وسيكون عنواناً للحل ، ولن يبقى الرهان على الحل العسكري بين الطرفين المتصارعين في سوريا وعلى أرضها هو العنوان .
    ولذلك يمكن الحديث عن ثلاثة عوامل ، إذا وقع أحدها سيؤدي إلى تغيير السجال القائم على الأرض بين النظام والمعارضة المسلحة :
    الأول : إنشقاقات كبيرة ملموسة في بنية المؤسسة العسكرية ، تجعل الجيش فاقداً للمبادرة التي يملكها حالياً . والثاني هو : وحدة قوى المعارضة بشكل يؤدي إلى تماسكها وإمتلاك قدرتها على إتخاذ زمام المبادرة وهي ما تفتقده حالياً . والثالث يتمثل بتغيير الموقف الروسي ، بمايسمح للولايات المتحدة ويوفر لها الغطاء للتدخل العسكري كما حصل في العراق وليبيا ، وفي غياب هذه العوامل أو أحدها ، سيبقى الصراع سجالاً بدون تغيير إستراتيجي لصالح أحد الطرفين .

    خريطة جديدة للعراق أم معركة استرداده من طهران؟
    بقلم: جورج سمعان عن صحيفة الحياة اللندنية
    يقترب العراقيون بخطى حثيثة من نقطة اللاعودة. لم تنفع كل الدعوات إلى الحوار لحل أزماتهم الداخلية من أجل تحصينهم، على الأقل، من عدوى ما يجري خلف حدودهم الغربية. مبعوث الأمم المتحدة إلى بغداد مارتن كوبلر اختصر ما يجري بقوله «إن العراق يتجه نحو المجهول». والعشائر شكلت «جيشها» لأن قوات الحكومة التي وصفها بعضهم قبل أيام بأنها «الجيش الصفوي» باتت برأيهم «قوة احتلال». ونادى خطباء في يوم الجمعة برفع «راية الجهاد» لإخراج هذه القوة من المحافظات السنية! وحذرت المرجعية الشيعية من صحن الإمام الحسين في كربلاء من «جر البلاد الى مزالق خطيرة». وانتشرت قوات من «البشمركة» الكردية في محيط مدينة كركوك المتنازع عليها بهدف «ملء الفراغ الامني» و»حماية المواطنين»، كما علل الأمين العام لوزارة البشمركة جبار ياور. وهو ما اعتبرته الحكومة المركزية تطوراً خطيراً.
    بات من الصعب في ظل هذه التعقيدات التي آل إليها الوضع في العراق الدعوة إلى تسوية شاملة أو حل جذري للأزمة السياسية المستفحلة منذ نحو سنتين. لو كان مثل هذا الحل ممكناً، أو لو كان الأطراف المتصارعون جاهزين لتقديم تنازلات متبادلة لما وصلوا إلى شفير الهاوية. الملح الآن والعاجل هو وقف التدهور الأمني بدل تبادل الاتهامات والتراشق. الجميع مسؤولون ولا يمكن إلقاء اللوم كله على الحكومة وإداراتها. لكنها بالتأكيد تتحمل القسط الأكبر كونها المسؤول الأول والأخير. الجميع مسؤولون لأنهم رفعوا سقوف مطالبهم. صعد كل طرف إلى شجرته وبات ينتظر من يساعده على النزول عنها. غياب الحوار طوال كل هذه المدة فاقم الهوة. المعتصمون حصدوا إجماعاً على شرعية مطالبهم الـ14. لكن رئيس الحكومة نوري المالكي ووزراءه لا يجافون الحقيقة عندما يردون بأن بعض هذه المطالب لا يملكون مفاتيح حله. جزء منها يخالف الدستور، وجزء آخر يتعلق بقوانين تحتاج إلى قرارات من مجلس النواب. لكن خصوم «دولة القانون» لا يجافون الحقيقة أيضاً عندما يعبرون عن عجزهم عن التفاهم مع رئيس الوزراء الذي لم يفعل سوى التخبط في تجزئة الحلول بدل التجاوب مع دعوات القوى السياسية ونصائح رجال الدين، والتوجه إلى حوار يخرج بتسوية شاملة لأزمة راحت تتعمق اندلاع قضية نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي نهاية العام 2001.
    قبل أحداث الحويجة وما تلاها في كركوك والموصل وسليمان بك وغيرها، اقتصر الصراع على صورته السياسية بين الحكومة ومكون رئيس من مكونات العراق. ويخشى اليوم أن يتحول الصراع بين هذا المكون، أي المحافظات السنية، والشيعة عموماً. علماً أن مشكلة نوري المالكي ليست مع هذه المحافظات وحدها. ولا حاجة إلى الحديث عن مشكلته مع إقليم كردستان التي يستقبل اليوم وفداً منه. لديه مشكلة عميقة قديمة جديدة مع شركائه في الائتلاف الشيعي، خصوصاً التيار الصدري وحتى تيار عمار الحكيم. ولا يخفى أن الانتقادات التي وجهها مقتدى الصدر وقوى شيعية أخرى إليه وإعلان هؤلاء تضامنهم مع المعتصمين خففت من حدة الاحتقان المذهبي. وقد لاقاهم في هذا الموقف معظم الزعماء الدينيين والسياسيين في الجبهة المعارضة. لذلك قد تكون من مسؤولية الجميع، خصوصاً أهل ساحات الاعتصام الذين رفضوا الدعوة إلى «إقليم سني» ورفضوا عسكرة تحركهم، ألا يحولوا أسلحتهم إلى شركائهم في الوطن، لئلا تتحول وجهة الصراع من ساحة الحكومة إلى ساحة البلاد ومجتمعها المتكاتف بمعظمه مع هؤلاء المعترضين. وما شهدته بغداد وبعض المدن الأخرى أخيراً من هجمات على مواقع سنية وشيعية ينذر ببعث شبح حرب مذهبية مدمرة.
    نجح نوري المالكي، منذ اندلاع الأزمة السياسية، في دفع خصومه إلى حلف معارض واسع من كردستان إلى النجف مروراً بكتلة «العراقية» والمحافظات السنية. وهو ما سهل ويسهل على هذا الحلف اتهامه بأنه يريد الاحتفاظ بالسلطة وتكريس موقعه الدائم فيها مهما كلف الأمر، حتى وإن وصل إلى حد المجازفة بتجديد الحرب المذهبية. لو لم تستفحل الأزمة وتقترب من شفير الحرب الأهلية، ولو لم تكن الساحة العراقية تعيش على وقع ما يجري في سورية والمواجهة المفتوحة في الإقليم بين إيران وخصومها، ولو لم تكن هناك اعتراضات على طريقة بناء المؤسسات العسكرية والأمنية... كان شعارعدم المساس بهيبة هذه المؤسسات حاز إجماعاً لم يعد متوافراً اليوم. ولكن في ظل هذا الاصطفاف المذهبي يعني أن زج الجيش أو الشرطة لا يخلو من المجازفة بإلقائهما في أتون هذا الاصطفاف وتعريضهما للتفكك... أو في أحسن الأحوال تعزيز الدعوات إلى قيام جيوش أخرى على غرار «جيش العشائر»!
    لم يسمع المالكي وبعض أركان حكومته دعوة المرجع الشيعي الأعلى السيستاني الذي تمنى سحب الجيش من مناطق الاحتجاجات والاكتفاء بالشرطة المحلية، وتلبية مطالب المتظاهرين والمعتصمين المشروعة. ولا أحد يدري هل فات الأوان لإخراج قوى الجيش والشرطة الاتحادية من مناطق التوتر، لحماية هاتين المؤسستين من التفكك والتشظي المذهبيين، ولوقف الانزلاق إلى مواجهات أوسع. ألم تكن هناك وسيلة أخرى لمعالجة التوتر بين ساحات الاعتصام وأفراد القوات المسلحة. ما الذي دفع المالكي إلى الزج بالجيش في مواجهة المعتصمين، بينما كان يقول لإحدى الصحف الأميركية أن غالبية العراقيين تريد التعبير عن مطالبها بالطرق الديموقراطية «على رغم استخدام بعض العناصر الطائفية للعنف»؟ ورأى أن العراقيين «سيتمكنون، عبر الانتخابات المحلية هذا الشهر والانتخابات النيابية العام المقبل، من حل خلافاتهم عبر التصويت لا عبر الرصاص»؟ هل لأن نتائج انتخابات المجالس المحلية لم تحقق لحزبه ما حققته سابقتها في العام 2009؟ وهل لأن نسبة المشاركة كانت ضعيفة؟ كان المالكي يأمل من هذا الاستحقاق أن يثبت له سلطته في المحافظات ويمهد لتحقيق نتائج في الانتخابات البرلمانية السنة المقبلة تسمح له بالبقاء في رئاسة الحكومة، وإلا لماذا لجأ إلى رفع التحدي... حتى وإن كانت هناك عناصر حملت السلاح في وسط المعتصمين والمتظاهرين؟ ألا يتذكر أن انتفاضة الأنبار وطرد «صحواتها» لعناصر «القاعدة» عززا العملية السياسية ووفرا دعماً للحكومة المركزية وأعادا الاستقرار والأمن إلى معظم أنحاء البلاد؟
    كانت خطيئة الاحتلال الأميركي غداة غزو العراق حل الجيش وكل المؤسسات الأمنية، فهل يعقل أن تعيد الحكومة تكرار التجربة وإن من دون قصد؟ ألم يكن حرياً بها أن تبعث برجال الشرطة المحلية، أو على الأقل التفاهم مع قادة المعتصمين الذين كانوا رفضوا الدعوات إلى حمل السلاح وحتى الدعوات إلى إقامة مناطق حكم ذاتي على غرار كردستان؟ اليوم بات الطرفان أمام مأزق خطير. المحافظات السنية التي تشكل جيشها تتحول واقعياً إلى إقليم. وهذا ما يعزز مخاوف الخائفين على وحدة العراق. ذلك أن الصراع المتصاعد يرسم خطوط هذا التقسيم على الأرض وإن لم يعلنه هذا الطرف أو ذاك، ولا فائدة من توجيه اللوم إلى قوى في الداخل أو في الخارج القريب أو البعيد.
    كان حرياً أن يلتزم العراقيون، وعلى رأسهم «دولة القانون»، مبدأ تداول السلطة. يصيب خصوم المالكي السياسيون حين يحملونه مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع. وقبلهم لم تهدأ أصوات المواطنين العاديين الذين كانوا ولا يزالون يشكون من غياب الحد الأدنى من الخدمات بعد مضي عشر سنوات على رحيل نظام البعث، بخلاف ما عليه وضع كردستان مثلاً من توفير الخدمات والتنمية والمشاريع والاستثمارات... حتى لا نشير إلى الوضع الأمني الذي لم تستطع «دولة المالكي» من ترسيخه. بل ضيعت فرصاً كثيرة للبناء على ما تحقق منذ أن طردت «صحوات» العشائر مقاتلي «القاعدة» وأخواتها، مما أدى إلى انخراط السنة في العملية السياسية. أليس خطأ فادحاً إعادة دفع السنة مجدداً خارج العملية السياسية وخارج مؤسسات الدولة؟ وفي المقابل هل هناك أخطر من أن تصف قوى ومكونات المؤسسة العسكرية بأنها «جيش صفوي» أو «جيش احتلال»، حتى وإن كانت لهذه مآخذ على الحكومة في طريقة بنائها الجيش؟
    أصاب نوري المالكي عندما قال قبل يومين إن «الطائفية شر ورياح الطائفية لا تحتاج إلى إجازة عبور من هذا البلد الى آخر ...وما عودتها الى العراق إلا لأنها اشتعلت في منطقة أخرى في الاقليم». لكنه هل نسي أن الأزمة السياسية التي لم يحسن إدارتها عمقت إحساس السنة بالغبن؟ وهل نسي مواقفه المعلنة في ذم المعارضة السورية؟ يعرف زعيم «دولة القانون» أن سنة العراق يتشاركون مع أخوانهم سنة سورية وسنة لبنان أيضاً في الإحساس بالغبن وبوطأة اليد الإيرانية من بغداد إلى بيروت مروراً بدمشق. أي أنه يدرك أن الإقليم كله يقف على فوهة بركان وسط صراع محموم بين طهران وخصومها في المنطقة وخارجها. يتهمه خصومه بأنه رفع وتيرة التوتر انسجاماً مع سياسة إيران التي يعتقد كثيرون بأنها مستعدة لدفع المنطقة كلها، خصوصاً جيران سورية، إلى الفوضى الكاملة وحدود التقسيم من أجل الحفاظ على النظام في دمشق وقوسها الممتد من حدود أفغانستان حتى المتوسط. لكن السؤال هنا أليس من مصلحة الجمهورية الاسلامية أن تستقر الأوضاع في العراق ولبنان حتى تنصرف إلى ترتيب تموضعها في سورية، واسطة العقد في حلف الممانعة أو المقاومة؟ أم أن خصومها يرون أن معركة استرداد العراق من قبضتها قد أزفت ساعتها؟
    أياً كان الجواب، فإن الأزمة العراقية كما الأزمة في لبنان، لم تعد محصورة باللاعبين المحليين. صارت جزءاً من مشهد النار السورية التي بدأت وقائعها على الأرض تنذر بتصعيد المواجهة مع إيران، مثلما تنذر برسم خرائط جديدة للإقليم لا تحتاج إلى من يمهرها بخاتمه، بدءاً من العراق وسورية و...



    العراق على حافة بركان
    بقلم: مصطفى اللباد عن صحيفة السفير اللبنانية
    تتدحرج كرة النار الممتدة في المشرق العربي إلى العراق، حيث يتحول النزاع الممتد بين العرب السنّة في العراق والحكومة المركزية في بغداد إلى صراع مفتوح عابر لحدود العراق السياسية، وبحيث يمكن ربط الأحداث المتصاعدة في سوريا ولبنان بالصراع المستعر في بلاد الرافدين في كتلة جغرافية لم تتوحد في كيان سياسي ناجز من قبل. تنتج التوليفة الجهوية - الطائفية - الإقليمية المتبلورة على الأرض راهناً في المشرق العربي مشهداً سياسياً جديداً، يرتكز على ثنائية استقطاب رئيسة هي السنية - الشيعية، فيما تظهر كيانات وهويات محلية وعابرة للحدود على رسمها وقيافتها. قضي الأمر وتحول صراع المنطقة الأساس إلى صراع مذهبي خالص، يتوارى خلفه الصراع العربي - الإسرائيلي وتختفي وراءه التمايزات السياسية بين اليمين واليسار، لتصب كامل الدينامية الإقليمية في مصرف الطائفتين المتناحرتين. كيف تبدو حسابات القوى الإقليمية الأساسية (السعودية وإيران) حيال ما يجري في العراق؟ هذا ما ستحاول السطور المقبلة تسليط الضوء عليه.

    "مظلومية الشيعة" في مقابل "مظلومية السنّة"
    قتل الأسبوع الماضي أكثر من خمسين عراقياً وجرح أكثر من مئة في الحويجة التابعة لمدينة كركوك عندما داهمت قوات الأمن العراقية المتظاهرين هناك، وهو ما يفتح الباب أمام أعمال ثأرية من جانب المتظاهرين ضد قوات الأمن، التي سترد بعنف أكبر. وهكذا يدخل العراق في دوامة جديدة من العنف صعدت وهبطت في العقد الأخير على إيقاع إقليمي، ولكنها لم تنته منذ غزو هذا البلد العربي الكبير عام 2003. ربما بهذا المعنى تعيد الأحداث المؤسفة في العراق الاعتبار إلى الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش، الذي أعلن انتصاره في العراق قبل عشر سنوات قبل أن ينكفئ على حقائق الواقع التي اضطرت خلفه إلى الانسحاب من بلاد الرافدين. ما نجح بوش ومحافظوه الجدد في فعله كان إطلاق المارد الطائفي من قمقمه، فانقلبت وضعية العراق من قوة إقليمية وازنة إلى ساحة تتناهبها القوى الإقليمية عبر وكالاتها المحلية. ومع ذلك لا تبدو الأحداث في العراق مثل تمرد مناطقي، فالموضوع أعمق من ذلك بكثير، إذ يعبر عن إحساس العرب السنّة بالحيف من تمثيلهم في النظام السياسي العراقي الجديد. وهكذا تحولت "مظلومية الشيعة" في العقود الماضية إلى "مظلومية السنّة" في السنوات العشر الأخيرة، بحيث يشعر العراقيون السنّة أن هناك محوراً يبدأ من إيران ماراً ببغداد وصولاً إلى النظام في سوريا و"حزب الله" في لبنان لتهميش الحضور السني في المنطقة، وبالتالي يتكرّس الصراع في العراق بأبعاد طائفية - إقليمية؛ وليس فقط للغبن الذي يشعر به السنّة تجاه تمثيلهم السيء في النظام السياسي العراقي.
    العراق على حافة بركان
    انخرطت أحزاب وتيارات وشخصيات عراقية سنية في الحراك الجاري منذ نهاية العام 2012 رغبة في مسايرة الشارع المنتفض، وصولاً إلى قطف ثمار الضغط السياسي المتزايد على رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي. حتى الآن كانت أطراف الحراك العراقي واعية بالتكلفة الفادحة لنشوب موجة جديدة من الصراع الأهلي، ولكن التطورات في سوريا رمت بثقلها في اتجاه تسعير الوضع العراقي. قبل الحويجة، أقدمت قوات الأمن العراقية قبل شهور قليلة على مداهمة تظاهرتين فقط، أسفرتا أيضاً عن سقوط قتلى (سبعة في المداهمة الأولى وواحد في المداهمة الثانية). وقتها ناورت حكومة المالكي بالإفراج عن بعض المعتقلين وضمنت معاشات تقاعد لبعض موظفي الحكومة السابقين. واستنفرت الحكومة العراقية قاعدتها المذهبية عبر تصوير الحراك العراقي باعتباره مصمماً ومهندساً في تركيا وبعض دول الخليج، ومنفذاً من "عناصر إرهابية وفلول النظام السابق"، ما خلق استنفاراً واسعاً في صفوف العراقيين الشيعة باعتبار أن ما يجري تهديد وجودي لسلطتهم. ويشي تمدد واتساع القوات الأمنية العراقية بأن حكومة المالكي ربما تفكر بأن التعامل الأمني والعسكري مع المتظاهرين سيعفيها من البحث عن مخارج سياسية لما يجري، وما عملية الحويجة إلا مؤشر على ذلك، كما تعتقد "مجموعة الأزمات الدولية". ومرد التقدير أن عدد القتلى والجرحى يقول إن حكومة بغداد ترمي إلى ردع المتظاهرين أمنياً وعسكرياً، وليس التعامل معهم سياسياً. ويعزز من هذه الفرضية توقيع رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي صفقة سلاح مع روسيا يشتري العراق بمقتضاها سلاحاً روسياً بقيمة تزيد عن أربعة مليارات دولار، فيما لا يملك العراق جيشاً موحداً قادراً على حماية حدوده. سيشجع الإخفاق في إدارة المخاوف والتمثيل المشروع للعرب السنّة في العراق، بعض الأطراف العراقية السنية على الانخراط في الحراك السوري، وهو ما سيدفع حكومة بغداد إلى الانخراط أكثر فأكثر مع الطرف المقابل.
    الحسابات السعودية
    يبدو كبح التطورات في العراق خارج قدرة حكومة المالكي وحدها، فما يجري في العراق هو في وجه من الوجوه صراع إقليمي على الأرض العراقية بين السعودية وإيران. تتخوف السعودية من تمدد النفوذ الإيراني في المنطقة في أعقاب عام 2003، بحيث أصبحت إيران تمد نفوذها السياسي من حدودها الغربية وحتى شواطئ المتوسط، في الوقت الذي تعاني فيه السعودية من فتور نسبي في علاقاتها مع واشنطن وتواجه تحديات جيو - سياسية كبيرة في أعقاب "الربيع العربي". يبدو أن تقييم الرياض لدورها في المنطقة يمتد حتماً إلى محاولة إعادة النفوذ الإيراني إلى ما وراء جبال البرز في إيران، وهو أمر لن يتأتى إلا بمواجهة إيران في مناطق نفوذها التي انتزعتها منذ غزو العراق عام 2003. كما أن تحويل الصراع في المنطقة إلى صراع طائفي يخدم أغراض الرياض مثلما يخدم، للمفارقة، أغراض طهران، لأن الفرز على القاعدة الاجتماعية أو القومية لا يؤاتي أياً منهما. هكذا تستفيد الرياض من الغبن السياسي الذي يتعرض له السنّة في النظام العراقي الجديد، وتدمجه مع الحراك السوري الذي استحال حرباً أهلية بين الطوائف. أما من حيث التكلفة السياسية لهذا الانخراط، فتبدو ضئيلة، خصوصاً مع تعرض المحور الذي تقوده إيران لضغوطات على كل المحاور ابتداء من الملف النووي مروراً بالحراك العراقي الناهض والانتفاضة الشعبية السورية المتحولة إلى حرب أهلية، ومسألة سلاح "حزب الله" في لبنان. لذلك ستستمر السعودية في دعم الأطراف المحلية في العراق وسوريا ولبنان وهدفها الأساسي تقليم النفوذ الإيراني في المنطقة، وهي تعلم أن معركة بهذا التعقيد وتعدد المستويات لا يمكن ربحها بالفوائض المالية وحدها، وهنا مأزق السعودية الأساس.
    الحسابات الإيرانية
    تتعرض إيران لأكبر تحد إقليمي منذ سنوات، فنفوذها الذي نسجته في العراق من وراء الستار منذ عشر سنوات يهتز، صحيح أن موازين القوى لا تميل حتى الآن لمصلحة الأطراف المحلية التي تخاصمها في العراق، إلا أن الجوار الجغرافي الذي يصل بين وسط العراق والرقة السورية (على شفير الانفصال) يسبب لها أرقاً دائماً. لا تستطيع إيران إلا الاصطفاف وراء نوري المالكي، إذ ان إعادة توزيع السلطة في بغداد، لو حدثت، ستخصم من رصيد إيران السياسي. تبدو خيارات إيران صعبة كلها في العراق مثلما في سوريا، وتتفاقم الأزمة بفعل الضغوط الاقتصادية الطاحنة بسبب العقوبات المفروضة عليها. لم تستطع الرياض أن تجاري طهران في شعاري "الممانعة" و"المقاومة" اللذين رفعتهما طهران وأسست تحتهما منطقة نفوذ إقليمي غير مسبوقة في تاريخها الحديث، ولكن طهران لا تملك الفوائض المالية التي يمكنها بها أن تجاري انخراط الرياض في حراكات المشرق العربي الراهن، كما أن ازدياد مساحات الهوامش التركية في فضاءات المنطقة على خلفية صراع نفوذ مع إيران يخصم من رصيد إيران الإقليمي، وهنا تبدو الأزمة الإيرانية في أكثر تجلياتها وضوحاً. تحول الصراع من أيديولوجيا مغلقة: ممانعة في مواجهة اعتدال إلى صراع مفتوح سني - شيعي لا يبدو مواتياً لمصلحة طهران في الوقت الراهن. إذ ان الصراع السني - الشيعي يسهل لإيران قيادة المسلمين الشيعة، ولكنه يكرّس في الوقت نفسه عداء المسلمين السنّة لها، كما أن تحوّل المظلوميات من شيعية سابقاً إلى سنية راهناً يرسّخ تلك الخسارة. لذلك ستضطر إيران إلى المضي في الصراع الدائر، على الرغم من أن قواعد اللعبة لم تعد في مصلحتها كما كانت قبل عشر سنوات، ولكن دون أن يعني ذلك أنها بصدد فقدان كامل نفوذها الإقليمي في الفترة القليلة المقبلة.
    كارثة بوش تتحق الآن بعد عشر سنوات من احتلال العراق، ولكن المثير للدهشة في خضم الصراع الطائفي - الإقليمي الدائر في ساحات المشرق العربي راهناً، أن الطرفين الأساسيين للصراع الإقليمي (السعودية وإيران) يبدوان على السطح حرّين في خياراتهما الإقليمية، ولكنهما، في الواقع، ليسا حرّين في بنية خياراتهما الصراعية!
    insert
    حتى الآن كانت أطراف الحراك العراقي واعية بالتكلفة الفادحة لنشوب موجة جديدة من الصراع الأهلي، ولكن التطورات في سوريا رمت بثقلها في اتجاه تسعير الوضع العراقي. يبدو كبح التطورات خارج قدرة حكومة المالكي وحدها، فما يجري هو في وجه من الوجوه صراع إقليمي على الأرض العراقية بين السعودية وإيران.

    الملفات المرفقة الملفات المرفقة

المواضيع المتشابهه

  1. اقلام واراء عربي 369
    بواسطة Aburas في المنتدى أقلام وآراء عربي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2013-04-15, 10:44 AM
  2. اقلام واراء عربي 339
    بواسطة Aburas في المنتدى أقلام وآراء عربي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2013-03-12, 10:34 AM
  3. اقلام واراء عربي 305
    بواسطة Haneen في المنتدى أقلام وآراء عربي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2013-01-23, 12:51 PM
  4. اقلام واراء عربي 304
    بواسطة Haneen في المنتدى أقلام وآراء عربي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2013-01-23, 12:50 PM
  5. اقلام واراء عربي 303
    بواسطة Haneen في المنتدى أقلام وآراء عربي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2013-01-23, 12:50 PM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •