النتائج 1 إلى 1 من 1

الموضوع: اقلام واراء عربي 386

العرض المتطور

  1. #1

    اقلام واراء عربي 386

    اقلام واراء عربي 386
    30/4/2013

    في هذا الملــــف:
    المصالحةُ والمسلسلاتُ التّركيّة
    هاني المصري عن السفير اللبنانيه
    الوجه الآخر لحرية سامر العيساوي
    حسام عيتاني عن الحياة اللندنية
    معركة الأمعاء الخاوية
    محمد سويدان عن الغد الأردنية
    أسير رئيسا للحكومة الفلسطينية
    د.احمد جميا عزم عن الدستور الأردنية
    غداة القبض على باراك أوباما
    عيسى الشعيبي عن الغد الأردينة
    محطّات غير مرئيّة على الطريق السوريّ
    حازم صاغيّة عن الحياة اللندنية
    صراعات الطوائف والطائفية في المشرق العربي
    ماجد كيالي عن الشرق الأوسط


    المصالحةُ والمسلسلاتُ التّركيّة
    هاني المصري عن السفير اللبنانيه
    سألتني غيفارا البديري عن تقديري لرأي الشارع الفلسطينيّ باحتمال نجاح تشكيل حكومة الوفاق الوطني التي أعلن الرئيس «أبو مازن» أنه شرع في المشاورات من أجل تشكيلها، فأجبت: إنّ الشارعَ متشائمٌ من إمكانيّة تحقيق الوحدة بعد أن أصبحت من كثرة الاتفاقات والاجتماعات والجداول الزمنيّة المستمرّة منذ سنوات شأنها شأن المسلسلات التركيّة، طويلة جدًا ومملة، وإذا انقطعتَ عن مشاهدتها لعشرات الحلقات تعود لتجدها لا تزال تعيد نفسها.
    فجأةً، أعلن الرئيس ومن دون اجتماع بين «فتح» و«حماس» أو بينه وبين خالد مشعل، وحتى من دون اتصال هاتفي، ومن دون اجتماع لجنة تفعيل المنظمة، وبلا سابق إنذار، أنه شرع في المشاورات لتشكيل الحكومة. وجاءت ردة فعل «حماس» التي اتسمت بالارتباك بين اعتبار هذا الأمر انفراديًا، وبين من رحب بحذر مطالبًا بتطبيق جميع النقاط الواردة في اتفاق القاهرة رزمة واحدة بالتوازي، وليس الانتقاء منها، ليجعل الشارع الفلسطيني غير مصدق بأن الفرج الذي طال انتظاره بات قريبًا.
    إن الرئيس بخطوته التي جاءت بعد مضي الفترة القانونيّة التي يجب أن يكلف فيها الرئيس من يقوم بتشكيل الحكومة وجه عدة رسائل: الأولى، إلى الساعين للحصول على منصب رئيس الحكومة الشاغر منذ استقالة سلام فياض وقبول استقالته، فهناك بازار من التنافس على المنصب بين أعضاء من «فتح» داخل اللجنة المركزيّة وخارجها، حتى لا يستفيد رئيس الحكومة من الموقع للقفز منه إلى منصب الرئاسة، وبين مستقلين ترددت أسماء منهم، مثل محمد مصطفى، ورامي الحمد الله، وزياد أبو عمرو، ونبيل قسيس، ومنيب المصري.. وغيرهم، فضلاً عن احتمال إعادة تكليف فياض مرة أخرى.
    وبشروع الرئيس في المشاورات لتشكيل الحكومة، يقطع الطريق على احتمال رفض الإدارة الأميركيّة لرئيس الوزراء القادم، إذا لم يكن الرئيس نفسه، خصوصًا بعد أن تسربت أنباء حول ملاحظات على بعض الأسماء المتداولة، بحجة وجود ملاحظات على النزاهة أو الاعتراض على تولي شخصيّة فتحاويّة للمنصب خشية من عودة الفوضى الماليّة، إذ قال أوباما إنّ الإدارة الأميركيّة يمكن أن تتعامل مع رئيس وزراء جديد مناسب، لكن المشكلة تكمن في أنّ الكونغرس يثق بفيّاض، ومن المشكوك فيه أن يقبل التعامل مع رئيس حكومة آخر.
    الرسالة الثانية التي أرسلها الرئيس، وجهها إلى الإدارة الأميركيّة ووزير خارجيّتها جون كيري؛ مفادها أنّ الرئيس سيمضي في تشكيل حكومة الوفاق الوطني بالرغم من الاعتراض الأميركي عليها في حال وصلت جهود كيري إلى طريق مسدود، كما يظهر من خلال عدم إحرازه أي تقدم في الملف السياسي (تجميد الاستيطان، التزام إسرائيل بإقامة دولة فلسطينيّة على حدود 1967، إطلاق سراح الأسرى، خصوصًا المعتقلين منذ قبل اتفاق أوسلو)، وتركيزه على المسار الاقتصادي، لإظهار أنه لم يفشل، وبحجة أنه يساعد على إطلاق المسار السياسي وليس بديلاً منه.
    الرئيس يحاول أن يضغط على كيري حتى يضغط على إسرائيل، ولكن على من تقرأ مزاميرك يا داود، فليس هناك من يلبي النداء؟
    الرسالة الثالثة التي أرسلها الرئيس كانت إلى «حماس»، لأن إعلانه الشروع في المشاورات لتشكيل الحكومة عبر الإعلام يضعها أمام أمر واقع، إذا رفضته ستبدو وكأنها لا تريد المصالحة من خلال رفض تطبيق ما اتفق عليه، وإذا قبلته، فإنها ستقبله من دون حسم نقاط الخلاف المتبقيّة، مثل موعد إجراء الانتخابات الرئاسيّة والتشريعيّة، حيث تريد «حماس» تأجيلها إلى أبعد وقت ممكن حتى تتوفر الظروف لإجراء انتخابات حرة ونزيهة بإطلاق سراح المعتقلين ووقف الاعتقال السياسي، وحتى تضمن قدرتها على الحكم إذا فازت بالانتخابات، لأن الاحتلال لن يمكنها من الحكم في الضفة قبل أن تلتزم بشروط اللجنة الرباعيّة الظالمة والمجحفة.
    أشير هنا إلى بعض السيناريوهات المحتملة بعد بدء التشاور حول تشكيل الحكومة:
    السيناريو الأول، استمرار المشاورات لتشكيل الحكومة لفترة طويلة أطول من الفترة القانونيّة لحكومة تسيير الأعمال، وذلك انتظارًا لمعرفة مصير جهود كيري، ونتائج ما يجري في المنطقة، خصوصًا في سوريا ومصر، وعلى صعيد الملف الإيراني.
    السيناريو الثاني، فشل المشاورات لأي سبب كان، سواء بالخلاف حول الوزراء، بالرغم من أن هذه مسألة سهلة، لكن من يريد عدم الاتفاق يستطيع أن يتذرع بأي ذريعة، أو الخلاف حول موعد إجراء الانتخابات، بعد ثلاثة أشهر أو بعد عام على الأقل، أو الخلاف حول تزامن انتخابات المجلس الوطني مع انتخابات المجلس التشريعي. وهذا الاحتمال محتمل جدًا إذا حدث تقدم في جهود كيري لاستئناف المفاوضات ومستبعد في حالة استمرار فشله في حدوث أي اختراق على المسار السياسي.
    وفي حال تحقق هذا السيناريو سيعود البازار التنافسي حول رئيس الحكومة، فتحاوي، أو مستقل، أو إعادة تكليف فياض. وقد يشكل الرئيس حكومة تسمى وفاقيّة من دون موافقة «حماس»، ويحدد موعدًا لإجراء الانتخابات، ويدعوها إلى المشاركة فيها، وهي لن تشارك، ما يؤدي إلى تكريس الانقسام أو تشكيل حكومة جديدة لتحكم الضفة برئاسة الرئيس أو شخصيّة مستقلة أو فتحاويّة.
    السيناريو الثالث، نجاح الرئيس في تشكيل الحكومة، وإعلانه أنها حكومته وبرنامجها برنامجه ليسوقها أميركيًا وإسرائيليًا ودوليًا، وتمرر «حماس» ذلك على أساس أن الحكومة انتقاليّة، بما لا يمنع صدور تصريحات عن قادة في «حماس» مثل محمود الزهار بالاعتراض على ذلك، بالقول إن الحكومة بلا برنامج أو أن برنامجها وثيقة الوفاق الوطني. وإذا صمدت الحكومة بعد ذلك ستصطدم بعدة ملفات أبرزها:
    أولاً. كيفيّة توحيد الوزارات والمؤسسات والأجهزة المدنيّة والأمنيّة وتوفير الأعباء الماليّة المترتبة عن ضم عشرات الآلاف من الموظفين الذين وظفتهم حكومة «حماس»، وعن عودة الموظفين المفصولين، وهذه عقدة كبرى يمكن أن تنهار الحكومة على خلفيّة العجز عن حلها أو تتحول إلى حكومة طربوش إذا قررت تأجيلها، بحيث يبقى الوضع على حاله.
    ثانيًا، كيفيّة التعامل مع الملف السياسي، خصوصًا المفاوضات واستكمال أو عدم استكمال التوجه للأمم المتحدة، ومع المقاومة في ظل التحذيرات والاعتداءات الإسرائيليّة واحتمال قيام إسرائيل بعدوان عسكري جديد على غزة قد يكون أكبر من سابقَيه كما صرح رئيس أركان الحرب الإسرائيلي.
    هذا الموضوع يوضح خطورة تشكيل حكومة وفاق قبل الاتفاق على البرنامج السياسي الذي يجسد القواسم المشتركة، لأنها ستكون معرضة للانهيار أمام أي خلاف جدي حول القضايا العالقة أو حول كيفيّة التعامل مع مستجد جديد يتعلق بالمفاوضات أو بالمقاومة أو غيرهما.
    ما سبق يوضح مرة أخرى، أنه من دون مراجعة عميقة للتجارب السابقة والاستعداد لشق مسار جديد مختلف عن المسارات السابقة، واستعداد كل الأطراف لإجراء تغيير جوهري على برامجها وأدائها لصالح تغليب المصلحة العامة والبرنامج المشترك، لا يمكن أن تكون وحدة، وإذا جاءت ستكون هشة ومعرضة للانهيار في أي لحظة.
    الوجه الآخر لحرية سامر العيساوي
    حسام عيتاني عن الحياة اللندنية
    انتزع الأسير الفلسطيني سامر العيساوي حريته. سيخرج نهاية العام من سجن الاحتلال إلى بيته نهاية العام الحالي، بعد إضراب عن الطعام استمر شهوراً.
    إنجاز الشاب الفلسطيني المصمم على التحرر من قيود الاعتقال التعسفي الإسرائيلي يدعو إلى الإعجاب، لكنه يدعو أيضاً إلى التفكير في مصائر المعتقلين الآخرين الذين ما زالوا في قبضة السجان. ثمة 4900 أسير فلسطيني (بحسب أرقام «مؤسسة الضمير» لشهر نيسان/ أبريل)، ما زالوا في انتظار الحرية المعلقة.
    نجاح سامر العيساوي في الحصول على حريته ينبغي ألا يخفي الملابسات التي تحيط بملف الأسرى الفلسطينيين، وبمجمل القضية الفلسطينية، استطراداً. ما حققه سامر، يظل فردياً يجسد تصميماً وبطولة شخصيين سانده فيهما العائلة والمجتمع المحيط أكثر مما فعلت المؤسسات السياسية الفلسطينية. هذا بالضبط ما يحبط في قضية سامر والقضايا المشابهة التي يفلح فيها الأسرى بتحرير أنفسهم بجهودهم ونضالاتهم الفردية في وجه الاعتقال والاحتلال.
    أعلن عن الاتفاق على تحرير سامر في الوقت الذي كانت السلطة الفلسطينية تتخبط حول مسألة تشكيل حكومة جديدة بعد استقالة سلام فياض. هذه الاستقالة التي تسلط الضوء على الافتقار المتسارع إلى الشرعية في كل مؤسسات السلطة بعد انقضاء فترات تكليفها القانونية وفق الانتخابات.
    من جهة ثانية، لا يبدو في الأفق أي منحى لمصالحة بين حركتي «حماس» و «فتح». الانقسام متروك ليتكرس وليصبح عنصراً من عناصر المشهد السياسي الفلسطيني، مع كل ما يترتب عليه من إعاقة لأي مشروع وطني يرمي إلى إنهاء الاحتلال.
    المشكلة الأكبر تكمن في تفكك القضية الفلسطينية إلى مجموعة من المسائل الأصغر: اللاجئون. الأسرى. المستوطنات. تمويل السلطة. الحوار الوطني. حصار غزة...الخ. حتى ليبدو للناظر أن ليس من قضية واحدة يضمها إطار وطني فلسطيني واحد.
    وإذا أُخذت مشكلة اللاجئين مثلاً، لظهر أن ضمنها جملة من المشاكل التفصيلية. في لبنان، على سبيل المثال، تبرز في الشمال مسألة إعادة إعمار مخيم نهار البارد المدمر، والوضع الأمني الهش في مخيم عين الحلوة والحصار الذي تعاني منه مخيمات بيروت. لا مجال لعلاج أي من هذه الظواهر في غياب مرجعيتين سياسيتين لبنانية وفلسطينية قادرتين على إقامة حوار جدي بينهما. اللجان العليا والمشتركة واجتماعات التنسيق اللبنانية- الفلسطينية المستمرة منذ أعوام لم تسفر عن شيء. وفاقم سوء الوضع وصول أعداد من اللاجئين الفلسطينيين في سورية إلى لبنان من دون أن تبادر أي هيئة لبنانية أو دولية إلى الاهتمام بهم.
    عليه، تبدو النقاشات حول الحكومة الفلسطينية المقبلة كأنها أصداء قصة سوريالية حيث تدور حوارات حول اسم الشخص المناسب وقدرة رئيس السلطة محمود عباس على تولي المنصب وما شابه من معضلات فيما تنزلق القضية الفلسطينية كل يوم إلى درك جديد من تجاهل العالم لها وتبدد قواها وانفكاك أقرب أصدقائها عنها.
    بكلمات ثانية، القضية الفلسطينية لن تختفي كما يأمل الإسرائيليون الذين خططوا ونفذوا سياسة قضم واستئصال واعية لكل ما يجعل من فلسطين حاضرة في العالم، لكن ضخ الزخم اللازم إلى مفاصل الحياة السياسية الفلسطينية وإيجاد الأطر والأدوات الجديدة لا يمكن أن يقوما على بطولات فردية. بل الأقرب إلى الصواب أن أعمالاً مثل إضراب سامر العيساوي عن الطعام ما كانت لتحدث لولا اليأس من «العمل الوطني الفلسطيني» الغارق منذ أعوام في متاهات رام الله وغزة.
    معركة الأمعاء الخاوية

    محمد سويدان عن الغد الأردنية

    يخوض الأسرى والمعتقلون الأردنيون في السجون والمعتقلات الصهيونية يوم بعد غد الخميس، إضرابا مفتوحا عن الطعام، احتجاجا على أوضاعهم في هذه المعتقلات، وتعامل السجان الإسرائيلي معهم، ولتحقيق مطالب هدفها على الأقل تحسين ظروف اعتقالهم، وفق نصوص وأحكام تشريعات حقوق الإنسان الدولية التي لا تلتزم بها سلطات السجون الإسرائيلية، وحتى لا تلتفت إليها، وتخرقها كل يوم.الأسرى والمعتقلون الأردنيون الذين يقدر عددهم بـ25 أسيرا، يواجهون وحدهم السجان الإسرائيلي، وهم يعرفون أن معركة "الأمعاء الخاوية" هي معركة الإرادة، ولن تكون سهلة؛ فهي معركة حقيقية، قد يقع فيها شهداء، وسيصاب فيها كثيرون من الأسرى بمختلف أنواع الإصابات التي تختلف في شدتها من أسير إلى آخر؛ ولكنهم سيخوضونها حتى النهاية.لا بديل أمام الأسرى إلا مواجهة السجان والانتصار عليه، من خلال الإضراب عن الطعام. فالسجان الإسرائيلي الذي تعود التنكيل بالسجناء الفلسطينيين والأردنيين والعرب، لا يواجَه إلا بالإرادة، ولا يمكن الانتصار عليه إلا بالتوحد، والصلابة، والإصرار والعزيمة.ولكن، لا يجب أن يخوض الأسرى هذه المعركة القاسية والخطيرة وحدهم. يجب أن نكون جميعا معهم؛ حكومة، ومجلس أمة، ومؤسسات وهيئات ومنظمات مجتمع مدني، وكافة المواطنين. فالأسرى أبناؤنا وإخوتنا، ولا يجوز أن يُتركوا في معركتهم وحدهم. إنها معركتنا جميعا، فلنقف معهم بكل ما نستطيع، ولندعمهم، ولنعمل بكل الطرق لتسليط الضوء على قضيتهم، ولنتحرك من أجل الإفراج عنهم. فليكن يوم الخميس موعدا لبدء فعاليات عديدة متنوعة وواسعة، تضامنية مع الأسرى والمعتقلين. كما يقع على مجلس النواب الكثير على هذا الصعيد؛ فالمجلس مطالب بالضغط على الحكومة لتضع على رأس أولوياتها ملف الأسرى والمعتقلين الأردنيين في السجون الإسرائيلية. كما أن وزارة الخارجية مطالبة بالكثير في هذه المعركة، فهي مطالبة بزيارة الأسرى ومراقبة أوضاعهم؛ ومطالبة بالضغط على الحكومة الإسرائيلية لتحقيق مطالب الأسرى. ومطالبة أيضا، بتنظيم زيارة لذوي الأسرى للاطمئنان عليهم.كما أن منظمات المجتمع المدني، وخاصة النقابات المهنية المعنية التي تقف دائما مع الأسرى، مطالبة هي الأخرى بتنظيم عشرات الفعاليات التضامنية يوميا، حتى ينتصر الأسرى، ويحققوا أهدافهم، وينتصروا في معركة الأمعاء الخاوية.الأسرى يتمتعون بإرادة حديدية، وعزم، وقدرة كبيرة على الصبر؛ فسنوات الاعتقال علمتهم كيفية مواجهة السجان. وهم لديهم قدرة على تحمل الضغوط والجوع وسياسة السجان العنصرية والعدوانية. ولكنهم بحاجة إلى الحكومة؛ فهي قادرة على عمل الكثير في ملفهم، وهي المعنية الأولى، دستوريا، بقضيتهم. فلنحول أيام الإضراب إلى أيام تضامنية حافلة بالنشاطات والفعاليات التضامنية مع الأسرى والمعتقلين الأردنيين في السجون والمعتقلات الإسرائيلية.



    أسير رئيسا للحكومة الفلسطينية
    د.احمد جميا عزم عن الدستور الأردنية
    مؤخرا، طلبت وزارة شؤون الأسرى الفلسطينيين، ممثلة بالوزير عيسى قراقع، وقف فكرة الإضرابات الفردية للأسرى عن الطعام، وأكد أهمية "العمل الجماعي ليكون الإنجاز أكبر". إلى ذلك، أوصت الحملة الشعبية لإطلاق سراح النائب وعضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" مروان البرغوثي، بإطلاق حملة دولية لإطلاق مروان وجميع الأسرى في سجون الاحتلال.في واقع الأمر أنّ الأسرى ما كانوا ليتحركوا فرادى لو كانت آليات العمل الجماعي منتجة، وتحظى بقوة الدفع المطلوبة.على مر السنوات القليلة الماضية، نجحت أصوات فردية من الأسرى، من كل الفصائل، في قيادة قضايا فردية وتشكيل رأي عام حولها. ومن أبرز هؤلاء أحلام التميمي التي استطاعت تحريك المياه الراكدة برسائلها وكتاباتها من المعتقل، وأوجدت التفافا شعبيا فلسطينيا وعربيا إلى حد ما، حول قضية الأسرى. ثم جاء خضر عدنان الذي بدأ مسيرة إضرابات الطعام المنفردة، وحرك قضية الأسرى الإداريين دوليا وعربيا وفلسطينيا. ثم سامر العيساوي، الذي خاض أطول إضراب عن الطعام تاريخيا.أهم ميزات الإضراب الفردي عن الطعام، والتحركات الفردية عموماً، أنّها تمنح الحراك بعدا شخصيا ملموسا للتفاعل معه. بكلمات أخرى، فإنّ الرأي العام يتفاعل دائما مع قضايا محددة المعالم، فيها جوانب إنسانية وتفاصيل محددة ملموسة، أكثر مما يتعامل مع قضايا عامة. ويتحول الأسير في مقاومته إلى فدائي يضحي بنفسه ليقدم إنجازا، لن يخدمه هو نفسه فقط، بل غيره من الأسرى.لقد تفاعل العالم كثيرا مع نيلسون مانديلا الذي اعتقل بين العامين 1964 و1990، وأصبح رمزا للنضال في جنوب أفريقيا ضد الفصل العنصري. وفي إيرلندا الشمالية، حيث النضال القومي هناك ضد ما كان يعتبر احتلالا إنجليزيا، كان الإضراب عن الطعام العام 1981 سلوكا قام به عدد محدود من الأفراد، أبرزهم بوب ساندس الذي انتخب عضوا في البرلمان أثناء إضرابه عن الطعام، ما حوله إلى قضية عالمية، خصوصا بعد استشهاده أثناء الإضراب.ربما تكون بعض القرارات الفردية للأسرى في بدء إضراب، أو أثناء الإضراب، مربكة أحياناً. ومثلا، نوع الإضراب عن الطعام أمر ملتبس أحيانا؛ إذ أطال قيام سامر العيساوي بالحصول على ما يسمى "مدعّمات غذائية" أمد إضرابه عن الطعام إلى تسعة أشهر، ولكن ذلك لم يكن يعني سوى تقليل سرعة الاتجاه نحو الموت، وزيادة العذابات. وبحسب تقارير، وصل وزن سامر 45 كغم. ويخبرنا كل من خاض إضرابات الطعام حتى لفترات لا تزيد على عشرة أيام، أنّ التبعات الصحية للإضراب لازمتهم طوال حياتهم. ولكن حتى موضوع المدعمات أربك البعض، وجعل من الصعب فهم استمرار إنسان في الإضراب عن الطعام كل هذه الأشهر.عندما خاض الأسرى إضرابا جماعيا عن الطعام في مثل هذا الوقت من العام الماضي، استطاعوا حشد دعم عربي ودولي كبيرين، وانتشرت لجان للتضامن، وأضرب شبان داخل فلسطين وخارجها، وانطلقت مسيرات تضامن معهم في عواصم العالم، وأقيمت معارض فنية لمؤازرتهم، ولكن ذلك كله للأسف انتهى تقريبا بنهاية إضراب الأسرى، ولم يتحول إلى حركة منظمة.تحركت قضية الأسرى بفضل الإضرابات الفردية عن الطعام؛ خضر عدنان، وهناء الشلبي، وأيمن الشراونة، وسامر العيساوي، وغيرهم، وأصبحت هذه الإضرابات قضية الرأي العام الأولى في الشارع الفلسطيني، وأصبحت حركة الأسرى تفرض نفسها واحدة من حلقات إدامة الصراع وتصعيده مع الاحتلال، وتحول سجن عوفر قرب رام الله، مثلا، والاحتجاج قربه، إلى حاضنة ثورية للعديد من الشبان الذين بدأوا نضالهم هناك، بدون أن يعني هذا أن التحرك الشعبي بلغ زخما كافيا.إذا كانت مناقشة تجارب نضال الأسرى أمرا مشروعا، سعيا إلى تجاوز أي أخطاء، وبحثا عن مساندة أكثر فاعلية لهم، فإنّ طرح قضيتهم في مقدمة القضايا الوطنية، وقضايا الاشتباك اليومي مع الاحتلال، أمر مهم، خاصة مع تعثر التوصل إلى تسويات سريعة في أي من قضايا الصراع الأخرى. وهنا مثلا يمكن دراسة تعيين أسير رئيسا لحكومة ائتلاف وطني، أو تعيين أسير أو أكثر في الحكومة التي يفترض أن يشكلها الفصيلان "فتح" و"حماس"، وليكون ذلك جزءا من الحملة الضاغطة لإطلاق سراحهم وتسليط الضوء على قضيتهم.

    غداة القبض على باراك أوباما
    عيسى الشعيبي عن الغد الأردينة

    كان في استطاعة الرئيس الأميركي باراك أوباما، تجاهل التقارير الفرنسية حول شبهة تورط نظام بشار الأسد في استخدام أسلحة كيماوية؛ وكان بمقدوره أيضاً التغاضي عن معلومات مصادر الاستخبارات البريطانية التي أكدت أنها تمتلك "أدلة صلبة" على استخدام تلك الأسلحة المحرمة دولياً؛ بل وربما كان من الممكن للرئيس الحاصل على جائزة نوبل للسلام أن يتجادل مع الوكالات الأمنية الأميركية حول مدى تجاوز الأسد للخط الأحمر الذي وضعه أوباما بنفسه.غير أنه عندما دخلت إسرائيل على الخط، وأكدت أنها واثقة من خروج نظام الأسد على قواعد اللعبة، والتي تسمح له باستخدام كل الأسلحة المتاحة ضد شعبه عدا لجوئه إلى أسلحة الدمار الشامل، فإنه لم يعد في وسع سيد البيت الأبيض تجاهل الأمر على النحو الذي غض فيه البصر عن تقارير أهم حلفائه في اوروبا، ومن ثم التشكيك في صحة المصدر الاستخباري لحليفه الاستراتيجي الموثوق في هذه المنطقة.لقد ظل الرئيس الأميركي المتردد بطبعه، مبالغاً في حذره المفرط حيال كل ما قد يعيد السابقة العراقية إلى الذاكرة، ومتحسباً بشدة إزاء كل ما قد يشكل توريطاً للدولة العظمى الوحيدة في مستنقع الشرق الأوسط. وهو الأمر الذي فاقم من حدة الأزمة السورية، وظل ينقلها من طور عنيف إلى طور أكثر عنفاً، تحت سمع وبصر الزعامة الأميركية للعالم، التي تخلت طواعية عن دورها، ولم تعد تقيم وزناً لمُثلها العليا وقيمها الديمقراطية.وهكذا، فقد جاء دخول إسرائيل في حمأة السجال المحتدم حول ما إذا كان الأسد قد فعلها على نطاق محدود، لمرتين أو أكثر، بمثابة إحراج شديد للرئيس الذي دق بقبضته على الطاولة، وكرر تحذيراته العلنية مراراً من مغبة استعمال السلاح الكيماوي، حتى لا نقول إن هذا الدخول جاء اختباراً لصدقية أوباما في مسألة أخرى أكثر أهمية من الأزمة السورية التي لا تهدد اميركا وأسرائيل، ما دام أنها تدور داخل تلك الرقعة الجغرافية.لم يكن التحاق إسرائيل بجوقة الاستخبارات الغربية، وقولها إن الأسد استخدم سلاحاً كيماوياً قاتلاً، خدمة مجانية لعيون السوريين المذبوحين بكل أصناف الأسلحة التقليدية، وإنما لتحقيق غايات إسرائيلية محضة، يقع في القلب منها امتحان مدى جدية الالتزامات التي قطعها الرئيس أوباما لنتنياهو بمنع إيران من امتلاك قنبلة نووية، ناهيك عن قطع دابر هذا السلاح الذي يسمى بقنبلة الفقراء النووية، كمعادل للترسانة الذرية الإسرائيلية.على هذه الخلفية، تقدمت إسرائيل للإدلاء بدلوها في البئر، وبدت كمن يلقي القبض على الرئيس الأميركي بتهمة موصوفة، قائلة له بملء فمها: أنت من رسمت الخط الأحمر بنفسك، وحذرت الأسد مراراً من الخروج عن قواعد اللعبة، وها نحن نأتيك بالخبر اليقين، ولدينا الأدلة التي لا يرقى إليها الشك، فماذا أنت فاعل؟ وكيف سنتقبل دعوتك لنا بكبح جماح أنفسنا ضد إيران النووية، وننام على حرير تعهداتك الفارغة، إذا ما تغاضيت عن فعلة الأسد، وتجاهلت هذه السابقة التي ستأخذ منها الجمهورية الإسلامية كل العظات الثمينة؟وعليه، فإنه يمكن اعتبار الدخول الإسرائيلي على حلبة الجدال الاستخباري الخاص باستخدام الأسد لأسلحته الكيماوية، على أنه استدراج للولايات المتحدة للدخول، بدورها، على خط الأزمة السورية، بصورة عملية يمكن معها الوثوق بكلمة الرئيس الأميركي في كل ما يخص جدول الأعمال الإسرائيلي، وفي المقدمة منه التخلص من هواجس بناء إيران لقدرة نووية قد تشكل تهديداً وجودياً للدولة العبرية.ومع ذلك كله، فإن من غير الواقعي التنبؤ بحدوث تطور دراماتيكي سريع في الموقف الأميركي الراهن إزاء الأزمة السورية. إلا أن نقطة التحول الأولى قد حدثت، على نحو يشي بانتهاء فترة عامين من المراوحة الأميركية، لاسيما مع ازدياد ضغوطات الكونغرس على الرئيس، ومطالبات الإعلام له بالكف عن سياسة النأي بالنفس، وفوق ذلك كله دخول إسرائيل المباغت على خط الأزمة كضابط إيقاع لا يشق له غبار في قيادة أوركسترا الاستخبارات الغربية التي تعزف اليوم السيمفونية الكيماوية.



    محطّات غير مرئيّة على الطريق السوريّ
    حازم صاغيّة عن الحياة اللندنية
    في عموم الأنظمة الاستبداديّة يقول المعارض رأيه بالمواربة، أو يوصله همساً من وراء ظهر الحاكم المستبدّ. ويمكننا اليوم أن نقرأ ارتجاعيّاً مواقف سوريّة مناهضة للنظام حيال المسائل غير السوريّة التي كان رأي النظام منها معروفاً. بل يمكن القول إنّ تلك المواقف تقبل الربط بالعاطفة الأكثريّة التي اتّسمت بها الثورة السوريّة اللاحقة، تماماً كما ترتبط مواقف النظام في عمومها بالعاطفة الأقليّة.
    لكنْ إلى هذا، تقول تلك المواقف حيال جملة المحطّات غير المرئيّة كيف كانت أكثريّة السوريّين تنفصل تدريجاً عن ترسيمة النظام الإيديولوجيّة، أي عن التركيبة العسكريّة والرطانة الاشتراكيّة والصداقة مع الاتّحاد السوفياتيّ ووريثته روسيا.
    وربّما أمكن الاستدلال على هذا الافتراق في الموقف من حرب أفغانستان بين السوفيات تؤيّدهم الأنظمة العسكريّة البيروقراطيّة وبين «المجاهدين» المدعومين من دول الغرب والخليج وعموم المسلمين. وهو اصطفاف لا يمكن إلاّ أن يذكّر بالاصطفاف الراهن حيال الثورة السوريّة نفسها.
    وفي الحرب العراقيّة – الإيرانيّة على مدى الثمانينات، وقف النظام البعثيّ إلى جانب طهران الخمينيّة، مخالفاً عموم المواقف العربيّة، فيما كانت العواطف الشعبيّة تميل إلى بغداد الصدّاميّة، مثلها مثل عمّان وباقي عواصم العالم السنّي. والاصطفاف هذا من دون أن ينفع أيّاً من وجهتي النظر أخلاقيّاً وسياسيّاً، نمّ عن أسبقيّة عادت لتتكرّر اليوم مع وقوف «سوريّة الأسد» وحيدة في مقابل إجماع عربيّ عريض.
    وفي الحرب الأهليّة في الجزائر، أوائل التسعينات، لم يُخف النظام السوريّ تعاطفه مع شقيقه النظام العسكريّ و «التقدّميّ» الذي عطّل الانتخابات، حائلاً دون السيطرة «الهمجيّة» لـ «جبهة الإنقاذ» وباقي قوى الإسلام السياسيّ المسلّحة. وهنا أيضاً عناصر شبه لا تخطئها العين.
    ثمّ في حرب صربيا والبوسنة، في التسعينات، وقف النظام قريباً من صرب ميلوشيفيتش، وريث تيتو وحليف الروس، فيما تُرجم تأييد صربيا، في المشرق العربيّ، دفاعاً عن حقّ الأقليّات المسيحيّة الشرقيّة، وذلك في معزل عن حقّ البوسنيّين المسلمين وعن رغبتهم في الاستقلال عن بقايا الإمبراطوريّة اليوغوسلافيّة. وكانت الحجّة الجاهزة أنّ الغرب الأميركيّ والأوروبيّ، الامبرياليّ طبعاً، يدعم البوسنيّين. وهذه أيضاً مسائل تعود اليوم إلى صدارة السجال السوريّ بأسماء وعناوين مختلفة.
    أمّا في لبنان، فلم يكن مصادفاً أنّ عواطف الشعب السوريّ، في 1976، كانت مناهضة تماماً لتدخّل النظام يومذاك ضدّ المقاومة الفلسطينيّة، تماماً كما كانت مناهضة له في 2005، حين اغتيل رفيق الحريري واتُّهم القيّمون على أمور دمشق بذلك. وإذا ما استعنّا بقاموس التأويل تبعاً للأكثريّات والأقليّات، وهو قد بات اليوم قاموساً عامّاً وصريحاً، أمكننا أن نفكّ الكثير من ألغاز الموقفين والمعارضتين.
    صحيح أنّ معارضي النظام السوريّ لم يعبّروا، ولا كان ممكناً أن يعبّروا، عن عواطفهم، بالوضوح والصراحة اللذين اتّسم بهما تعبير النظام عن عواطفه، لكنْ ما من شيء يوحي أنّهم كانوا يقفون مع النظام في تلك المسائل البعيدة، وهذا قبل سنوات على صدامهم المباشر به في المسألة المباشرة. ففي أمكنة أخرى، وبأسماء مختلفة، جرى الصراع قبل أن يجري في درعا وحمص وحلب.
    صراعات الطوائف والطائفية في المشرق العربي
    ماجد كيالي عن الشرق الأوسط
    يظهر في المشرق العربي اليوم أن ثمة احتداماً لنوع من صراع طائفي، بين «السنة» و «الشيعة»، لعل ما يميزه أنه يجري بين طائفتين تنتميان إلى الديانة الإسلامية (والأمة العربية) ذاتها، بطوائفها المتعددة والواسعة، وليس بين أتباع هذه الديانة وطوائف تابعة لديانات (أو إثنيات) أخرى، هذه ناحية. الناحية الثانية، أن هذا الصراع لا يدور بسبب الاستقطاب أو الاختلاف في شأن اجتهادات دينية أو مذهبية أو فقهية، وإنما حول قضايا سياسية بحتة، تتعلق بالنفوذ والسلطة والنظام السياسي والدور الإقليمي، وكلها شؤون دنيوية، وليست دينية، وشؤون تخص البشر، ولا تخص السماء، ما يفضح مقاصد الطابع الطائفي لهذا الصراع، ويبين زيفه.
    نخلص من ذلك إلى نتيجتين مهمتين، أولاهما، أن ثمة قوى سياسية اختطفت، أو تحاول اختطاف، هاتين الطائفتين، إلى هذه الدرجة أو تلك، في سبيل تطويع كل منهما لمصالحها، وهي مصالح فئة من البشر، ليس بالضرورة أن تتماهى أو أن تعبر عن مصالح الطائفة ذاتها، أو غالبيتها. وثانيتهما، أن هذه القوى السياسية تسعى بشكل حثيث لتطويع الدين للسياسة، أي المقدس للمدنس، في إطار من التلاعب والتوظيف والتزييف، على عكس ادعاءاتها أنها تسعى إلى إعلاء شأن الدين.
    إذاً ثمة صراع طائفي، على ما يبدو، لكن التمعن في هذا الأمر يبين أن هذه النظرة تنم عن تعسف وسطحية وتسرع، إزاء طبيعة هذا الصراع ودلالاته واستهدافاته، لا سيما إزاء الشيــعة والسنــة، كطائفتيـــن تنطويان على تنويعات عدة، فيها المتدين العادي واللامتدين، والمعتدل والمتطرف، والمسيس واللامسيس، والمتــــصوف والجهادي، إضافـــة إلى العلماني والديموقراطي واليساري والليبرالي والقومي، وهي حال يصعب معها تصنيف كتل اجتماعية وفق تنميطات طائفية فقط، بمعزل عن المصالح السياسية والاقتصادية والخلفيات الثقافية، لجمهور كل واحدة من هاتين الطائفتين، أو غيرهما.
    فوق ذلك فإذا تفحصنا حال كل واحدة من الطائفتين المعنيتين، من داخلها، يمكننا بسهولة ملاحظة أن الطائفة الشيعية تبدو «مخطوفة»، في أكثر الأحوال، لمصلحة قوى سياسية معينة، وبالخصوص إلى تلك التي تتبع دولة إقليمية كبرى، هي إيران، والتي تصارع من أجل تعزيز مكانتها في إقليمها، أي في المنطقة العربية.
    هكذا، لم يعد خافياً على أحد الجهود المكثفة والدؤوبة والهائلة التي استخدمتها السلطة الإيرانية «الثيوقراطية»، والاستبـدادية، لتعزيز مكانتها في الشرق الأوسط، من العراق واليمن ودول الخليج وصولاً إلى لبنان مروراً بسورية، طوال العقود الثلاثة الماضية.
    في هذا السياق، بات واضحاً أن السلطة الإيرانية استطاعت الهيمنة على الطوائف الشيعية في عموم الإقليم، على الأغلب، وفرض وصايتها وهيمنتها عليها، مستثمرة في ذلك إمكانات إيران المالية الكبيرة، وقدراتها العسكرية، ومؤسستها الدينية، ونفوذها السياسي.
    هكذا بات، مثلاً، حزب الله في لبنان بمثابة دولة داخل الدولة، أو فوق الدولة، وهو ما كان له أن يحظى بهذه المكانة لولا الدعم الإيراني، وهذا ينطبق على القوى الطائفية الميليشياوية في العراق، والتي باتت تتحكم في هذا البلد، بفضل الحاضنة المتمثلة بقوة الاحتلال الأميركية أيضاً.
    ومعلوم أن هذه القوى، لا سيما في لبنان والعراق، استطاعت، إلى حد كبير، وبفضل شبكاتها المالية والعسكرية والخدماتية، احتكار تمثيل الطائفة الشيعية، والتحكم بإدارتها، إلى درجة فرض القبول بمبدأ «ولاية الفقيه»، الخاص بالمرجعية الدينية الإيرانية، عليها، وهو الأمر الذي لم يكن ضمن الاجتهادات الدينية للأئمة الشيعة العرب.
    ما تقدم ليس تفصيلاً عادياً، ففي مقابل ذلك، أي بالنسبة إلى السنة يمكننا ملاحظة أن هذه الطائفة لا تخضع إلى مركز ديني محدد، ولا إلى دولة معينة، ولا يوجد حزب ديني بعينه يسيطر عليها. ومثلاً، ففي مصر، التي بات فيها حزب «الإخوان المسلمين» في السلطة، ثمة أكثر من عشرة أحزاب إسلامية/سنية، والأهم من ذلك ملاحظة أن جمهور السنة، في مصر وتونس (وغيرهما)، ليس محسوباً على أحزاب إسلامية بعينها (ولا على أحزاب غير إسلامية)، إلى درجة أن المعارضة لهذين الحزبين الإسلاميين الحاكمين، كما بتنا نشهد، تتأتى من هذا الجمهور بالضبط، الذي يشكل الغالبية العظمى من مواطني هذين البلدين.
    ويمكن تفسير ذلك بواقع أن السنة تاريخياً لم يعرفوا أنفسهم كطائفة، وليس لهم حزب طائفي بعينه يسيطر أو يحوز وسائل القوة، وما احتاجوا إلى ذلك، فحتى «الإخوان» لا يمتلكون ولا يدعون هذا الأمر، كحزب الله في لبنان وغيره في العراق. الأهم أن جمهور السنة توزع تاريخياً على مختلف التيارات السياسية، القومية واليسارية والليبرالية والعلمانية والديموقراطية، وشكلوا حواضنها الاجتماعية، ونبذوا الطائفية باعتبارهم الشعب، أو «أم الولد»، بدليل رفعهم صور الخميني مع الثورة الإيرانية واعتبار نصرالله زعيماً من زعمائهم، قبل سنوات، وبدليل صبرهم على نظام الأسد أربعين عاماً.
    لكن هذا ليس وضعاً مسلماً به، فلا توجد حقائق مطلقة، والظواهر الاجتماعية تخضع في صيرورتها، ومع التحول في المعطيات السياسية والثقافية والديموغرافية إلى تغيرات.
    والقصد هنا أن الطوائف، وليس الأمم فقط، يجري اختراعها، أيضاً، حتى ولو كانت قديمة، في صراعات الهوية، التي تغطي أو تحجب صراعات وانحيازات الهيمنة والسلطة.
    المعنى، أن ثمة اليوم تحدياً يتمثل بتطييف الطائفة السنية، بدفع من عوامل رئيسة عدة تلعب في هذا الاتجاه لعل أهمها يتمثل، أولاً، بالسياسات الطائفية الاستفزازية التي تنتهجها إيران، والقوى التابعة لها، في البلدان العربية، وهو ما يجري في العراق ولبنان. وثـانـيـاً، بالصـراع الجـاري والضـاري في سوريـة والذي دأب نظام الأسـد على تحـويـله من صـراع على السلطة إلى مجرد صراع عـلى الوجـود والهوية، بخاصة مع انتهاجه استهداف مناطق بعينها بالقتل الجماعي والمجازر والتدمير، بالطائرات وصواريخ «سكود» وقذائف الدبابات والمدفعية، بحيث بات يبدو أن السنـة مستهدفـون بالقتـل والتهجيـر، بصفتـهم سنة، كأن ثمة طلباً على تحويلهم إلى الطائفية مثل غيرهم.
    وبديهي أن هذا الأمر تفاقم مع دخول إيران ونظام المالكي، ولا سيما حزب الله، على خط القتال في سورية، دفاعاً عن النظام الاستبدادي المغلق فيها، بعد أن كان المالكي يشكو نظام الأسد لمجلس الأمن، باعتباره يرسل الإرهابيين لتفجير السيارات في مدن العراق، وبعد أن كان «حزب الله» يدعي أن بندقية المقاومة لن تحيد عن إسرائيل!
    الخشية الآن، أن المجازر الطائفية التي يرتكبها النظام في سورية، ودخول حزب الله على الخط، لا تستهدف إشاعة الرعب واليأس والإحباط عند السوريين، فقط، وإنما هي تهدف، أيضاً، إلى رسم خرائط طائفية، والأهم دفع السنة دفعاً نحو مستنقع الطائفية، لإلغاء فرادتهم ورؤيتهم لذاتهم باعتبارهم بمثابـة الشعب، وبـاعتـبـارهم طائفة لا طائفيـة، وهـذا ما أثبتوه حتى الآن، على رغم كل الآلام والإثمان الباهظة.
    المفارقة هنا أن إسرائيل، خلال 65 عاماً من قيامها، لم تستطع إثارة الحساسيات أو الصراعات الطائفية في هذه المنطقة (باستثناء الحالة اللبنانية الخاصة)، بقدر ما شكلت عامل تحد وتوحيد للمجتمعات العربية، في حين أن إيران، بسياساتها، تمكنت من إثارة كل ذلك في العراق ولبنان وسورية، مع كل الأخطار المتعلقة بتفتيت هذه المجتمعات.
    تبقى مسألتان، ينبغي التنويه إليهما، في هذا السياق، أولاهما، عدم وجود تطابق بين الطوائف، بوصفها ظاهرة دينية، تاريخية واجتماعية وطبيعية، وبين الطائفية، أو العصبية الطائفية، كظاهرة مصطنعة تنتج من حيازة جماعة سياسية عناصر القوة والهيمنة، ما يسهل لها التحكم بمجالها المجتمعي، والوصاية على مرجعياتها الدينية، ما يوجب التمييز بين الشيعة، أو غيرها، كطائفة، وبين القوى السياسية المهيمنة عليها.
    وثانيتهما، أن الطوائف ظاهرة عادية، وقديمة، كونها انعكاساً طبيعياً للتعددية والحيوية الدينية والمذهبية، أما الطائفية فيجري «اختراعها»، كونها تتأتى من محاولات إضفاء بعد ديني/مذهبي على الصراعات السياسية، وفي مجال الصراع على الموارد والسلطة.
    على ذلك فإن الطوائف ستبقى، أما الطائفية فهي مرهونة بمآلات الصراعات السياسية، ولا سيما بالتحول، أو عدم ذلك، نحو الدولة الديموقراطية الدستورية، دولة المواطنين الأحرار والمتساوين.

    الملفات المرفقة الملفات المرفقة

المواضيع المتشابهه

  1. اقلام واراء عربي 371
    بواسطة Aburas في المنتدى أقلام وآراء عربي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2013-04-15, 10:46 AM
  2. اقلام واراء عربي 364
    بواسطة Aburas في المنتدى أقلام وآراء عربي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2013-04-08, 10:15 AM
  3. اقلام واراء عربي 363
    بواسطة Aburas في المنتدى أقلام وآراء عربي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2013-04-08, 10:14 AM
  4. اقلام واراء عربي 304
    بواسطة Haneen في المنتدى أقلام وآراء عربي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2013-01-23, 12:50 PM
  5. اقلام واراء عربي 303
    بواسطة Haneen في المنتدى أقلام وآراء عربي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2013-01-23, 12:50 PM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •