اقلام واراء عربي 454
20/7/2013
في هذا الملــــف:
لماذا يتفاءل كيري؟
د. فهد الفانك-الراي الأردنية
نتنياهو يريد . .
محمد عبيد-الخليج الاماراتية
تهويد النقب أولوية صهيونية
مأمون كيوان-الخليج الامارتية
إخوان مصر على خطى حماس!
طارق الحميد-الشرق الأوسط
الإخوان وتوريط أردوغان
عبدالرحمن الراشد-الشرق الاوسط
بين «غزوة بدر» و«غزوة مرسى»
صلاح عيسى-المصري اليوم
«السيسى» يتقاعد 2014!
محمد امين –المصري اليوم
انتهى «الربيع»... والديموقراطية والإسلام السياسي باقيان
جمال خاشقجي –الحياة
سورية: تزايد اعداد الضحايا وتراجع الامال
رأي القدس العربي
«الغرب»: إدارة الأزمة السورية وإطالتها
عريب الرنتاوي-الدستور الأردنية
أي سوريا ستذهب إلى جنيف؟
سميح صعب-النهار اللبنانية
لماذا يتفاءل كيري؟
د. فهد الفانك-الراي الأردنية
الانطباع السائد عربياً أن أميركا لا تقدم عرضاً للسلام بين إسرائيل والفلسطينيين إلا إذا وافقت عليه إسرائيل سلفاً ، وبالتالي فإن الوسيط الأميركي إنما يفاوض طرفاً واحداً هو الطرف الفلسطيني ليقبل بالعرض الأميركي المصنوع في إسرائيل. ومن هنا امتد اجتماع كيري – عباس في عمان لمدة خمس ساعات متواصلة.
كيري يحاول بكل لطف إقناع إسرائيل بقبول المبادرة العربية كأساس لأنها أعطت إسرائيل كل شيء شريطة الانسحاب من الاراضي المحتلة ولكن إسرائيل رفضتها قبل عشر سنوات. ويحاول إقناع الفلسطينيين عن طريق وعود بتقديم مليارات الدولارات لإنعاش الاقتصاد الفلسطيني وخلق حالة ازدهار تسهل تمرير الحلول المرة. هذا في جانب الجزرة ، أما العصا فلا تستعمل إلا مع الفلسطينيين ، حيث يمكن تهديدهم بوقف الدعم المالي الأميركي والانسحاب من العملية السلمية ، وأما إسرائيل فلا يمكن التعامل معها إلا بالمزيد من الجزر!.
وزير الخارجية الأميركي جون كيري متفائل بأنه سينجح في تحقيق المعجزة والحصول على جائزة نوبل للسلام ، ولكن هل بنى تفاؤله على حقائق أم تمنيات ، وهل استوعب أسباب فشل المحاولات السابقة. عندما يأتي الوزير الأميركي إلى الشرق الأوسط للمرة السادسة فلا بد أن يكون في جعبته شيء جديد يمكن أن يقبل به الطرفان ، وهي مهمة صعبة لسبب بسيط ومعروف وهو أن الجانب الفلسطيني لا يستطيع أن يقدم كل التنازلات التي تطلبها إسرائيل ، والجانب الإسرائيلي لا يرغب في تقديم (تنازلات) تكفي لتلبية الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية.
نطرياً يستطيع الوسيط الأميركي أن يحاول تقريب وجهات النظر بين الفريقين بحيث يمكن أن يلتقيا في منتصف المسافة بين الموقفين ، ولكن هذا ما حاوله الوسطاء عبثاً خلال 46 عامأً بضمنها 20 عامأً من عملية السلام.
كيري أعلن فعلاً أن الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني يقتربان ليس من الحل فهذا هدف بعيد المنال ، بل من استئناف التفاوض. أي أن الهدف هو التفاوض من أجل التفاوض. وكان على كيري أن يقـول أن إسرئيل أوقفت أو جمدت الاستيطان ، ولذا يمكن أن يبدأ التفاوض لترتيب العلاقات المستقبلية بين إسرائيل والدولة الفلسطينية. إسرائيل دولة محتلة في عصر لم يعد فيه احتلال ، وإذا ارادت أميركا حلاً فيجب أن تآمر إسرائيل بالانسحاب دون شروط. المشكلة أن إسرائيل هي التي تأمر أميركا وليس العكس.
نتنياهو يريد . .
محمد عبيد-الخليج الاماراتية
لا يلبث الحديث يبدأ، والتصريحات تصدر من الراعي الأمريكي، عمّا يراه “تضييق الهوة” في المواقف بين الجانبين الفلسطيني و”الإسرائيلي” في سبيل إعادة إحياء التسوية، حتى يخرج الكيان عن بكرة أبيه، وعلى رأسه رئيس وزرائه الأشد تطرفاً بنيامين نتنياهو، لإثبات أن حديث وزير الخارجية الأمريكي جون كيري الأخير لا يحصد إلا الريح .
نتنياهو لم يسمح لحديث كيري أن يتم يوماً من صدوره، ومفاده تضييق هوة الخلافات التي لا يعلم أحد هوية طرفيها، حتى كشف عن تبنيه وعمله على نشر الدعاية الصهيونية حول الهيكل المزعوم الذي تريده “إسرائيل” على أنقاض المسجد الأقصى المبارك، فأخذ يروّج ل”السياحة” في الحرم القدسي، والأنفاق التي حفرتها آليات كيانه العنصري تحت الأقصى التي تهدد المسجد بالانهيار . وليس أبعد عن ذلك، ما بدأت جهات صهيونية عدة ترويجه عبر شبكة الإنترنت، وفي أكثر من وسيلة وجهة، من مخططات وتصورات ثلاثية الأبعاد للهيكل المزعوم الذي يتخذ من المسجد الأقصى المبارك موقعاً، ويستغل تفاصيله وبنيته، ليلبسها ذاك الثوب المزعوم، في محاولة لسرقة الحق الإسلامي والعربي الفلسطيني في القدس المحتلة من جهة، وليزور التاريخ الطويل الذي يحظى به المسجد، وتاريخ الوجود الإسلامي والفلسطيني في هذه الأرض .
تناغم عزّ مثيله، بين كل المستويات في الكيان المحتل، فحكومته الأشد تطرفاً تسوّق لهذا المخطط الخطر، وتدعم غلاة المستوطنين بما يحتاجون إليه من جند وحماية للمضي في جرائم تدنيس الحرم القدسي، وتقدم لهم “الهدايا” من خلال إقرار المزيد من مخططات سلب الأرض الفلسطينية والتوسع الاستيطاني، ومعظمها يستهدف القدس أو المفاصل الجغرافية المهمة والأساسية في أراضي الضفة المحتلة، ويثبّت الوقائع على الأرض، ويضع الشروط لاستئناف التسوية من بوابة رفض الشروط المسبقة .
وبعد ذلك كله، وما خفي أعظم وأفظع، يأتي الوزير الأمريكي ليتحدث بكل غبطة عن “تضييق هوة الخلافات”، وكأنه إما يسخر من كل من يسمع، وإما أنه لم يحسن التنسيق مع غلاة ربيبة إدارته، ليخففوا اللهجة على أقل تقدير، حتى يقفل راجعاً من جولته السادسة خلال الأشهر القليلة الماضية التي تهدف إلى إعادة قطار التسوية إلى السكة، لكن ذلك ليس غريباً على الكيان وقادته وكبار مجرميه .
السؤال ذاته يتكرر عن جدوى هذه الجهود، والإجابة لا تتعدى الواقع الذي يفرضه الاحتلال بشكل يومي، والتصعيد الذي ينتهجه على كل المستويات ضد الفلسطينيين، وفي المحصلة النهائية، يبدو الجهد الأمريكي ذاهباً في أحد اتجاهين، فإما أن يكون مجرد “رفع عتب” من إدارة الرئيس باراك أوباما الذي أبدع في بيع الوعود منذ تسلم مهامه في فترته الأولى، وما زال على ذلك منذ بداية فترته الثانية، وإما أن يكون مجرد كسب للوقت، واستغلال لما تمور به دول المنطقة من تطورات، لمصلحة “إسرائيل” ومخططاتها .
في كلتا الحالتين، تبدو الأمور متجهة في الاتجاه ذاته، فالعودة إلى التسوية أمر مستبعد، والمؤشرات المذكورة تثبت هذه الحقيقة .
تهويد النقب أولوية صهيونية
مأمون كيوان-الخليج الامارتية
تجسيداً لمكانة النقب في المخططات الصهيونية، جعلت الحكومات “الإسرائيلية” المتعاقبة من استيطان النقب بنداً ثابتاً، وكرّست لأجل ذلك البحوث والبرامج والأموال، وترافق ذلك مع إعطاء الصلاحية للجيش والشرطة باستخدام الإرغام والقمع والتنكيل والهدم والمصادرة والتشريد إزاء المواطنين الفلسطينيين سكان النقب . ومن الجدير بالذكر، أن بعض الزعماء الصهاينة (أمثال دافيد بن غوريون، أرئيل شارون، وغيرهما . . .) اختاروا أرض النقب مكاناً لسكناهم أو لمزارعهم، تشجيعاً وتحفيزاً للاستيطان وتقديم “قوة المثال” للمستوطنين الصهاينة .
يقع النقب جنوبي فلسطين، ويشكل نحو نصف فلسطين التاريخية من حيث مساحتها، حيث تصل مساحة النقب إلى نحو 6 .12 مليون دونم، تشكِّل نحو 47% من المساحة الكلية لفلسطين التاريخية البالغة مساحتها نحو 27 مليون دونم . له شكل مثلث هندسي رأسه في الجنوب على خليج العقبة وقاعدته في الشمال، يبلغ طولها نحو 125 كم تصل بين نقطتين إحداهما على البحر الميت في الشرق والأخرى جنوب غزة في الغرب، أما ضلعاه الآخران فهما الحدود الفلسطينية المصرية في الغرب والحدود الفلسطينية الأردنية المحاذية لطول وادي عربة في الشرق .
تعود تسمية النقب بهذا الاسم إلى أمرين: الأول أنها مشتقة من الكلمة الكنعانية (نجب) أي “الأرض الجافة”، ويتلاءم هذا المصطلح مع البيئة الصحراوية المعروفة بقلة هطول الأمطار فيها، والمعنى الثاني لكلمة النقب هو “الطريق بين الجبلين” والمنقبة هي “الطريق بين الدارين”، وتدل هذه التسمية على أهمية النقب من الناحية الجغرافية الاستراتيجية، فالإقليم عبارة عن منطقة عبور، كما أن النقب يُعرف بأنه بوابة بلاد الشام إلى البحر الأحمر وشرقي إفريقيا . وتعد مدينة بئر السبع أكبر المدن وأهمها في النقب، إلى درجة أن النقب سمي بقضاء بئر السبع .
وتنحدر معظم العشائر البدوية في منطقة النقب من أصل حجازي . والبدو كلهم من العرب المسلمين السنة، وتصنيفهم هنا هو مجرد تصنيف اجتماعي وليس تصنيفاً دينياً أو طائفياً . وقد حظي البدو في “إسرائيل”، الذين يشكلون أقلية داخل الأقلية العربية، باهتمام متزايد خلال السنوات الماضية، من قِبل وسائل الإعلام والمؤسسات الحكومية “الإسرائيلية” على حدٍّ سواء . وتجري محاولات حثيثة لدمج البدو في صفوف المجتمع “الإسرائيلي” على مستويين: المستوى الرسمي، أي من خلال سياسة الحكومة؛ والمستوى غير الرسمي، أي من خلال التغييرات على نمط العلاقة مع المجتمع “الإسرائيلي” بشكل عام والمجتمع اليهودي بوجه خاص . ويبلغ عدد البدو في “إسرائيل” حالياً نحو 200 ألف نسمة، حسب التوزيع الجغرافي التالي: في النقب نحو 140 ألف نسمة، وفي أواسط “إسرائيل” يوجد نحو 10 آلاف نسمة، وفي شمال “إسرائيل” يوجد نحو 50 ألف نسمة . ومنذ قيام “إسرائيل” سنة 1948 ازداد عدد السكان البدو بنحو عشرة أضعاف، بسبب النسبة العالية للنمو السكاني لدى البدو التي تبلغ قرابة 5%، وهي نسبة منقطعة النظير في أي مكان آخر في منطقة الشرق الأوسط . وتعود نسبة السكان العالية إلى القيم الاجتماعية التقليدية الخاصة بحجم العائلات و/ أو العشائر البدوية التي تعد العائلات الكبرى ذخراً يجلب المنفعة على الصعيد السياسي .
ومن الجدير ذكره أنه حتى سنة 1948 لم يكن هناك أي سكان بدو في أواسط “إسرائيل” . ويعود سبب وجود زهاء عشرة آلاف من السكان البدو حالياً في أواسط البلاد إلى الهجرة من النقب التي نجمت عن سببين رئيسين هما:
1- الهجرة بحثاً عن المراعي، ففي سنة 1957 تعرضت منطقة النقب لفترة من الجفاف استمرت ستّ سنوات .
2- الهجرة من أجل إيجاد العمل: كانت من قِبل أفراد العائلات التي لم تكن لديها أراضٍ ولا مواشٍ . وأدت هذه الهجرة التي تمت في الفترة ما بين سنتي 1954 و،1970 إلى تكوّن مركزين بدويين في مدينتي الرملة واللد وفي قريتي الطيبة وكفر قاسم .
بقي النقب في العقل الصهيوني رمزاً لتطبيق معادلة تفريغ الأرض الفلسطينية من سكانها الأصليين، وإحلال اليهود من شتى أنحاء العالم مكانهم، وهذا تجسيد لأحد المبادئ الأساسية للصهيونية، وهو مبدأ الهجرة اليهودية الذي يستتبعه ويرتبط به مبدأ الاستيطان .
ووضعت في شهر إبريل/ نيسان سنة ،2005 “خطة لتطوير النقب” خلال السنوات العشر (2006-2015) . ووصف شمعون بيريز، عندما كان نائباً لرئيس الحكومة الأسبق أرئيل شارون، خطة “تطوير النقب”، بأنها تعد نسخة ثانية وعصرية من مشروع إقامة “إسرائيل” . ومن أهداف الخطة، زيادة عدد السكان في النقب ليصبح 1 .1 مليون نسمة بعد عشر سنوات، وذلك بإشراف مكتب رئيس الحكومة شارون، ومكتب نائبه شمعون بيريز الذي أشرف على “خطة تطوير النقب” ويرأس “اللجنة الوزارية لتطوير النقب والجليل” .
ويشمل البرنامج الزمني والتنظيمي ل “خطة تطوير النقب”:
أ- خطة استراتيجية (2006-2015): تشرف على التخطيط لها مؤسسة دروما عيدان هنيغب .
ب- مشاريع قومية (2005-2008): مثل سكك الحديد وغيرها .
وتشرف مؤسسة دروما عيدان هنيغب على وضع أسس “خطة تطوير النقب” بشكل عام، وهناك ستة طواقم عمل تشرف على ستة مجالات متعددة . وخطة ل “معالجة الوسط البدوي في النقب” تُعرف باسم “خطة شارون” . رصد لهذه الخطة ميزانية 175 .1 مليار شيكل (نحو 258 مليون دولار) لفترة خمس سنوات . وعلى الرغم من الإعلان بأن الخطة ترمي إلى “تغيير وتحسين وضع السكان البدو”، فإن الغرض الحقيقي منها هو السيطرة على أراضي العرب في النقب، وتهجير السكان وتجميعهم في سبع بلدات، وتصفية القرى غير المعترف بها .
ويعدّ مخطط “برافر بيغن” من بين أخطر المخططات التهويدية، ويهدف إلى السيطرة على 850 ألف دونم من أرض النقب، وتهجير أكثر من 80 ألفاً من أهلها، وتدمير نحو 40 قرية بدوية . أما الحجة “الإسرائيلية” فهي تنظيم وضع القرى العربية غير المعترف بها في النقب، من خلال حصر أهل القرى في تجمّعات سكنية تختلف تماماً عن واقعهم البدوي .
في الأسبوع الأخير من شهر يونيو/ حزيران الماضي، أقرت الكنيست القراءة الأولى لمشروع قانون “برافر بيغن” بأغلبية 43 عضواً، مقابل اعتراض 40 عضواً . ومن المفترض أن تمر القراءة الثانية للمشروع في الأيام القليلة المقبلة .
وهنالك موجة استئصالية “إسرائيلية” مُوجهة ضدّ عرب النقب، تتجلى بوضوح في إبادة مزارع البدو، وهدم المزيد من البيوت بحجة عدم الترخيص وغيرها . فالحجج هي غطاء لمشروع استعماري عنصري يهدف إلى اجتثاث عرب النقب جغرافياً وتاريخياً وديموغرافياً من أرض يعيشون عليها منذ قرون، وقبل قيام المدن والمستوطنات اليهودية في النقب بعقود طويلة . والهدف الاستراتيجي “الإسرائيلي” هو محو معالم الإنسان والأرض والتاريخ العربي في النقب، وتعليب عرب النقب داخل محميات صغيرة، تعيش داخل محيط ذي أكثرية يهودية تملك أكثرية الأرض والمصادر الاقتصادية في النقب . وتعتمد “إسرائيل” في سياستها نحو عرب النقب على استراتيجية تتضمن اجتثاث أكبر عدد ممكن من عرب النقب من أراضيهم وديارهم الأصلية والاستيلاء على أكثرية الأراضي العربية في النقب من جهة، وتعليب وحصر أكبر عدد ممكن من العرب على أصغر مســــاحة جغرافية في النقب من جهة ثانية .
إخوان مصر على خطى حماس!
طارق الحميد-الشرق الأوسط
مثلما قسمت حماس الفلسطينيين ثم لجأت للخارج، سواء إيران أو قطر أو تركيا، ها هي جماعة الإخوان المسلمين تسير على خطى حماس وتطلب من الاتحاد الأوروبي الآن الوساطة في مصر! وبحسب ما نقلته «بي بي سي»، ووكالة «رويترز»، فإن جماعة الإخوان اقترحت من خلال وسيط من الاتحاد الأوروبي إطار عمل لمحادثات ترمي لحل الأزمة السياسية بمصر.
وكالعادة سارع الإخوان لنفي الخبر، وهم، أي الإخوان، الذين يفعلون المستحيل من أجل التدخل الغربي، إلا أن المؤشرات تقول إنه لا غرابة بخبر التوسط الأوروبي، خصوصا بعد تصريحات وزير الخارجية الأميركي التي أظهر فيها تفهما واضحا لعملية خلع محمد مرسي، حيث قال كيري: «كان هناك موقف غير عادي في مصر، مسألة حياة أو موت، مسألة احتمال اندلاع حرب أهلية وعنف هائل، والآن هناك عملية دستورية تتقدم للأمام بسرعة كبيرة».
ويبدو أن جماعة الإخوان فهمت التصريح الأميركي جيدا، وخصوصا أن الجماعة، ومعها أصحاب الإسلام السياسي بمصر والمنطقة، كانوا يأملون بتدخل غربي لاستعادة حكمهم الذي سقط بخروج الحشود المصرية غير المسبوقة ضد مرسي والإخوان.
ولذا، فإن توسيط الإخوان للاتحاد الأوروبي بمصر، وهو الأمر الذي ما لبث أن نفوه، يؤكد على أن الإخوان كانوا يعولون على الغرب أكثر من تعويلهم على اللحمة الوطنية المصرية، وهذا ما لخصه الفريق عبد الفتاح السيسي بكل وضوح حين قال أمام جموع من الضباط المصريين الأسبوع الماضي: «إذا لم تجد صيغة كحاكم لتحيد القوى المضادة لك فاترك الحكم»، وهذه لغة لا يفهمها بالطبع من لا يؤمنون بالأوطان، وكل همهم السلطة فقط! ومن شأن توسيط الإخوان للأوروبيين، سواء طلب الإخوان أو لم يطلبوا، فمجرد التدخل الخارجي يجعل الإخوان يسيرون على خطى حماس التي قسمت الفلسطينيين واستعانت بالخارج لتعزيز سلطتها في غزة، وها نحن نجد المتحدثين باسم الإخوان، مثل جهاد الحداد، لا يتحدثون إلا للإعلام الأجنبي، مثلهم مثل أحمد يوسف مستشار إسماعيل هنية الذي كانت جل تصريحاته للغرب، وكتب في 2007 مقالا في صحيفة «واشنطن بوست» يطالب فيه واشنطن بالتواصل مع حماس، التي دائما ما تنفي سعيها للتواصل مع الأميركيين!
والأمر أسوأ بالطبع للإخوان والإسلاميين الذين يتهمون البرادعي، وغيره، بالعمالة للخارج، بينما يستجدون الغرب للتدخل بالشؤون المصرية الداخلية، وهذا أسوأ أصلا من الوساطة التي ينفونها! والحقيقة أن الإخوان لم يسقطوا سياسيا فحسب، بل سقطت شعاراتهم الفارغة طوال عقود من انتقاد خصومهم بالتبعية للغرب، والاستقواء بالخارج، حيث بات الإخوان المسلمون اليوم مثلهم مثل المالكي، وحماس، حيث لا يعولون على دعم داخلي بقدر تعويلهم على الخارج، وهو ما فعله الإخوان أيضا طوال العام الماضي بالارتماء في أحضان إيران، والغزل الفاضح مع الأميركان، والآن مع الاتحاد الأوروبي، وخلافه، بحثا عن الحكم الذي أضاعوه بأنفسهم يوم استعدوا كل المصريين!
الإخوان وتوريط أردوغان
عبدالرحمن الراشد-الشرق الاوسط
الطيب رجب أردوغان، شخصية دخلت بيوت معظم العرب، وقلوبهم، لأنهم شاهدوا فيه شخصية صادقة، وناجحة، ومتعاطفة معهم وقضاياهم. لكن الحب منذ النظرة الأولى لم يستمر كما هو، حيث خسر أردوغان الكثير من حماس العرب له، لأسباب عديدة، أبرزها كثرة وعوده بمواجهة مجازر نظام الأسد ولم يفعل، وتهديداته لإسرائيل بأنها ستدفع الثمن الغالي لقتلها المتظاهرين السلميين، وفي النهاية قبل الدية للقتلى فقط، وموقفه المنحاز للقذافي في الثورة الليبية، والقذافي شخصية يوجد شبه إجماع عربي على كراهيتها، ثم وصفه المتعجل لما حدث في البحرين بأنه «كربلاء ثانية» مؤيدا المتظاهرين المتطرفين. ورغم هذه «الهنات» لا يزال الكثير من العرب حقا ينظرون إليه باحترام، وبعضهم لا يلومه، مدركا أن الوضع في سوريا أصعب من قدرة أردوغان وتركيا.
الآن، دخل معركة بين المصريين. تبنى موقفا منحازا وعنيفا لصالح جماعة الإخوان المسلمين في مصر، ويكاد يكون الوحيد في العالم الذي يتبنى هذا الموقف. ولن نناقشه في إصراره على أنه مع «الشرعية» في مصر، وهي الرئيس المعزول محمد مرسي، لأنه جدل بيزنطي. فالمصريون يقولون أزحناه لسوء أدائه، وهيمنة جماعة الإخوان على كل الدولة، وعدم احترامه للديمقراطية التي جاءت به للحكم.
أردوغان عندما يساند بهذا التطرف مرسي والإخوان، عمليا يعادي معظم القوى المصرية والعربية التي لا تشاركه رأيه. وإذا كان أردوغان يعتقد أن مرسي قد ظلم، وهذا حقه، فإن خير وظيفة يمكن أن يقوم بها أن يكون وسيطا لا طرفا. أولا، يعرف أنه لن يستطيع أن يغير شيئا في مصر، ولا يملك الوسائل لفرض عودة مرسي، بدليل أن تركيا كدولة كبرى إقليميا عجزت عن إسقاط الأسد المحاصر، وسوريا هي ربع حجم مصر، فما بالنا بمصر الدولة الأكبر؟ ثانيا، الإخوان يستخدمون تركيا ويريدون توريط أردوغان ليلعب دورا سلبيا، وسيكتشف أردوغان لاحقا أن الإخوان سيفاوضون العسكر تحت الطاولة لحماية بعض مكتسباتهم. وهم أنفسهم يعرفون جيدا أن مرسي لن يعود للرئاسة، ولن تقبل القوى السياسية تسليمهم الحكومة، ومن المستبعد أن يفوزوا شعبيا بالرئاسة بعد عام فاشل من الحكم.
أردوغان بتورطه في الخلافات المحلية يقترض من رصيده الشعبي العربي الذي لم يتبق فيه الكثير، في وقت بإمكانه أن يلعب دورا إيجابيا لصالح المصريين عموما، لا الإخوان وحدهم. وكما قال الرئيس التركي عبد الله غل، مصر وتركيا مثل شقي التفاحة، ومن مصلحة تركيا في هذا الوضع الإقليمي المتلاطم أن تبقي مصر دولة حليفة لها، بعدم التدخل السلبي في شؤونها. التدخل المحمود أن يتوسط أردوغان بين الطرفين بما يسمح به الطرفان، وليس أن يأخذ موقفا متعنتا منحازا، كما يبدو عليه اليوم. كان يمكن أن يكون أعظم عمل يفعله أن يعطي أصدقاءه الإخوان المسلمين في مصر درسا في الحكم، النموذج التركي المتسامح الذي نجح به أردوغان سياسة واقتصادا.
أما ما فعله مرسي في سنة، فلا علاقة له بالديمقراطية التي جاءت به. وكلنا نعرف أن الأمور كانت ستثور في مصر ضده، حيث لم يبق له حليف واحد، بما في ذلك السلفيون الذين تخلوا عنه قبل خلعه.
بين «غزوة بدر» و«غزوة مرسى»
صلاح عيسى-المصري اليوم
لا أعرف ما الذى ينتظره المحتشدون فى ميدانى رابعة العدوية ونهضة مصر، من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، وأعضاء الفصائل المتحالفة معها من تيار الإسلام السياسى، ولا كيف صدقوا وهم أنهم يستطيعون بهذا الاحتشاد، أن يعيدوا الرئيس السابق «محمد مرسى» إلى موقعه فى رئاسة الجمهورية، طبقاً لخطة عسكرية ساذجة وضعها طوبجى أعمى، هو فى الغالب الفيلد مارشال «محمد البلتاجى» القائد الميدانى لجيش رابعة العدوية!
وهى خطة تقوم على اتخاذ ميدان رابعة العدوية كثكنة عسكرية للجيش الأول الميدانى، وميدان نهضة مصر كثكنة للجيش الثانى الميدانى بحيث تنطلق من كل واحد منهما، كل يوم أو يومين سرية - أو سريتان - تقوم باحتلال شارع أو أكثر من شوارع العاصمة أو جسورها أو الاحتشاد أمام أحد المبانى العامة، بهدف إحداث أكبر قدر من الارتباك فى المرور، وفى أجهزة الشرطة الأخرى، وفى ظنهم، أن كل سرية من هذه السرايا سوف تتحول إلى جيش كامل، فى مسيرتها من الثكنات إلى الهدف الذى تسعى إليه، بانضمام حشود المواطنين الساخطين على ما يسمونه «الانقلاب العسكرى»، بحكم أن هؤلاء المواطنين لا ينامون الليل من فرط حنينهم إلى فردوس الديمقراطية المفقود، وإلى بلهنية العيش الذى كانوا يتمتعون به فى ظل حكم أمير المؤمنين الرئيس محمد مرسى، لكن الرياح تأتى عادة بما لا تشتهى السفن، فلا ينضم أحد من هؤلاء المواطنين إلى السرية الإخوانية، بل ينضمون إلى قوات الشرطة، التى جاءت لتفض مسيرتها، ويساعدونها على فض الحشد الإخوانى قبل أن يبنى ثكنة إخوانية جديدة فى ميدان ثالث، ويضطرون جيش سيف الله المسلول محمد البلتاجى إلى الانسحاب إلى ثكناتهم.
وبعودة فلول الجيش المنسحب إلى ثكناتها تنضم إلى المقيمين فى أحد الميدانين، لتستمع إلى نفس الخطاب الذى يتكرر منذ ما يقرب من ثلاثة أسابيع، والذى يسوق إليهم أكاذيب تحاول أن توهمهم بأن الشعب يقف إلى جوارهم، وأن الأعداء سيتراجعون، وأن يوم الحسم - كما قال سيف الله البلتاجى فى أول رمضان - قد اقترب، وأن الليلة الكبيرة التى سيتحقق فيها النصر هى ليلة 17 و18 رمضان، وهى ذكرى غزوة بدر، التى لن تمر إلا وقد فتح الله عليهم بالنصر على الكفار الذين هم كل أهل مصر المحروسة، باستثناء الفرقة الناجية التى اعتصمت فى ميدانى رابعة العدوية ونهضة مصر، والتى رأى أحد خطباء رابعة سيدنا «جبريل» ذات نفسه، وهو يقف بين حشود المعتصمين فى الميدان، وبعودة الرئيس مرسى إلى قصر الاتحادية، فى هذا التاريخ المبارك، يجمع الاحتفال بــ17 رمضان من كل عام، بين مناسبتين سعيدتين، هما «غزوة بدر» و«غزوة مرسى» وتتحقق بشرى الرؤية الصالحة التى رواها من فوق المنصة أستاذ جامعى، قال إنه رأى النبى صلى الله عليه وسلم، وسط حشد من الناس بينهم الرئيس محمد مرسى، فلما نودى لصلاة العصر، قدموا النبى ليصلى بهم، ولكنه أشار إلى الرئيس مرسى، وقدمه ليصلى بالناس وهو - صلوات الله عليه وسلامه - من بينهم.
وفيما عدا تكرار الإشارة إلى عبارات مثل الانقلاب على الشرعية، وانتهاك الدستور، فإن أحداً ممن يخطبون فى ميدان رابعة العدوية، وذيله فى ميدان نهضة مصر، لا يشير إلى مبرر سياسى واحد للمطالبة بعودة الرئيس مرسى إلى منصبه ولا يتحدث عن إنجاز واحد من إنجازاته يذكر له فيشكر، ولا يتوجه بالخطاب إلى عموم المصريين ليعتذر لهم عن الأخطاء التى وقع فيها خلال فترة حكمه القصيرة، ولا يقدم لهم برنامجاً يتعهد الرئيس بتنفيذه إذا ما عاد إلى موقعه، ولا يعنى حتى بشرح المبادرة التى قدمها الرئيس فى الخطاب الأخير الذى بثه بعد عزله على شبكة الإنترنت وانفردت قناة «الجزيرة» بنقله عنها، لعل ذلك يدعو فريقاً من المصريين إلى الانضمام إلى الفرقة الإخوانية الناجية التى تطالب بعودته إلى منصبه.
وعلى العكس من ذلك، فإن أنصار الرئيس السابق وأقطاب حزبه وجماعته والمتحالفين معه، لا يكفون عن ترديد القول بأنه فور عودته ظافراً منصوراً بإذن الله، سيستدرك ما فاته، ليس بالاعتراف بأخطائه والتعهد بالعدول عنها، كما قد يتصور البعض، ولكن باقتلاع الفساد من جذوره، وهو مصطلح استغله الرئيس من قبل كذريعة لمحاولة ضرب وتصفية المعارضين.
ما يفوت على قيادات الفرقة الإخوانية الناجية وحلفائها، هو أن خطابها السياسى يتوجه إلى كوادرها وأعضائها فقط، ولا يتوجه إلى عموم المصريين، بدليل أن سراياها تعود إلى قواعدها وقد فشلت فى العثور على جماهير تتعاطف معها، أو تنضم إلى مطلبها الوحيد بعودة الرئيس المعزول، ليس فقط لأنها تعرف أن عموم المصريين هم الذين طالبوا بعزله، ولكن - كذلك - لأن الهدف من هذا الخطاب، هو إلهاء هذه الكوادر عن التفكير فى سبب النكسة التى حاقت بالجماعة، ودفعت أكثر من 33 مليون مواطن للخروج فى مظاهرات تطالب برحيل الرئيس المنتمى إليها، بعد عام واحد من توليه الرئاسة.
وتلك هى الحقيقة المرة، التى يتوجب على قادة جماعة الإخوان المسلمين أن يعوها، وأن يتدبروا فى أمرها، قبل أن يفيق دراويش رابعة العدوية ونهضة مصر من غيبوبتهم، ويرسلوا سرايا تقبض عليهم، لكى تسلمهم إلى النيابة العامة التى تبحث عنهم لكى تحقق معهم فى جرائم لا تبدأ بالهروب من السجن ولا تنتهى بالتحريض على العنف.
«السيسى» يتقاعد 2014!
محمد امين –المصري اليوم
لو انت متغاظ من «السيسى» هنغيظك أكتر.. سيسى بشر.. سيسى برانى.. سيسى جابر.. يا سلام على مصر.. لم تفقد قدرتها على الإبداع رغم المحن.. والآن لو إنت متغاظ لأن «السيسى» القائد العام للقوات المسلحة، هنغيظك أكتر.. «السيسى» سيكون رئيساً للجمهورية.. سيكون القائد الأعلى.. التجربة أثبتت أن الفريق «السيسى» مؤتَمَن.. أثبتت أن مصر فى قلبه حقاً، غير الذين خانوا الوطن!
حدد موقفك الآن.. لو ترشح «السيسى» للرئاسة، ما موقفك؟.. ما مدى ترحيبك بقرار الترشح؟.. هل ترى أن من حقه الترشح للرئاسة، إذا تقاعد نهاية العام؟.. هل تتحدث عن عودة الحكم العسكرى للبلاد؟.. هل ترى أن الخلفية العسكرية ليست مانعاً من الترشح؟.. هل ترى أن الخلفية العسكرية هى والحكم العسكرى سواء؟.. هل مصر تحتاج إلى شخصية قوية كما عبر عنها الفريق «السيسى»؟!
مصر فى حاجة إلى رئيس دكر.. مصر لا تحتاج إلى رئيس خِرِع.. شخصية مرسى عادت بمصر مائة عام.. صحيح نحن لا نحارب ولا نسعى للحرب، وإنما نحتاج إلى أن نبنى الوطن.. من المهم أن تكون لدى الرئيس رؤية.. الأمن القومى يتطلب شخصية محترمة، تتميز بالحسم والحزم.. تدرك متى تتخذ القرار؟.. «السيسى» عبر عن ذلك دون إجراءات استثنائية، أو طوارئ، أو أحكام عرفية!
لو ترشح «السيسى» ستُحسم المعركة فوراً.. سيختل الميزان كما حدث عندما ترشح عمر سليمان.. سينزل الملايين أكثر مما نزلوا فى 30 يونيو.. الناخب المصرى لا يصبر على فقدان الأمن.. قد يصبر على الجوع.. المرشح الذى يحقق الأمن سوف ينجح.. دعكم من الكلام عن حكم العسكر.. دعكم من الكلام عن البيادة.. الذين يتحدثون عن البيادة الآن كانوا يقولون: يا مشير وليناك الأمير!
الكلام عن حكم الجنرالات كذب صريح.. عندك رئيس مدنى مؤقت، وعندك رئيس وزراء مدنى.. أنت أمام حكم مدنى برعاية الجيش وإشرافه.. بيان «السيسى» الأول قال: سنقدم خارطة طريق للمستقبل، تحت رعاية الجيش وإشرافه.. حدث ما وعد به.. لم يَخُنْ شعبه، ولم يَخُنْ وطنه.. لم يتخذ إجراء استثنائياً.. مع أن أى واحد مكانه لم يكن يتردد فى فرض حظر التجول والطوارئ والاعتقالات!
الجيش عبر مرتين.. مرة فى ساحة الحرب، ومرة فى ساحة السلم.. قدّم نفسه للعالم، كجيش وطنى عظيم.. اليوم نحتفل بالعبور الثانى.. الإخوان وحلفاؤهم يهددون بتحقيق عبور ثان.. ما لهم هم والعبور؟.. إما كانوا فى المعتقلات، وإما كانوا مرفوضين لدواع أمنية.. كسر رقبة من يهدد جيش مصر.. قطع لسان كل من يهدد الجيش فى عيد عبوره.. بالتأكيد سوف نعاملهم بما يستحقون!
المؤسسة العسكرية لا تمارس السياسة.. من يمارس السياسة هم السياسيون.. من يمارس السياسة هو الرئيس ورئيس الوزراء.. حالة واحدة يمكن فيها لـ«السيسى» أن يمارس السياسة، من خلال اجتماعات مجلس الوزراء، كنائب أول لرئيس الوزراء، وزير الدفاع.. حالة أخرى يمكن أن يمارس فيها السياسة بكل حرية، إذا تقاعد وخلع بدلته العسكرية.. احتمال وارد أن يتقاعد أوائل العام!
تقاعد «السيسى»، أوائل 2014، ليس رغبة شخصية.. رغبة شعبية أولاً.. تنبؤات أشارت بأنه الرئيس القادم، بينما كان مرسى يحكم.. يفهم «أمن قومى»، ويفهم سياسة، ويتميز بالحكمة فى إدارة البلاد.. من حقه أن يتقاعد ومن حقه الترشح للرئاسة طبعاً.. هذه رسالة مسجلة.. حتى هذا الحين هو «جندى» فى القوات المسلحة!
انتهى «الربيع»... والديموقراطية والإسلام السياسي باقيان
جمال خاشقجي –الحياة
استعجل كثرٌ فقالوا بنهاية الربيع العربي والإسلام السياسي، فهم يرون أول رئيس منتخب وصل بقوة الربيع العربي يسقط، ليس بيد الجيش ودباباته فقط، وإنما بغضبة جموع شعبية، وتصادف أن هذا الرئيس المنتخب «إسلامي» فجمع القوم الحقيقتين، فقالوا انتهى الإسلام السياسي والربيع العربي.
ولكن ذلك تحليل خاطئ ومتسرع. الإسلام السياسي ليس شرطاً من شروط الربيع العربي، ويمكن الربيع العربي أن يمضي من دونه، ولكن الديموقراطية هي شرط أساس في الربيع ولم تسقط، فبغض النظر عن الجدل الجاري: هل ما جرى في مصر انقلاب أم لا، ومن هو صاحب الكلمة الأخيرة في قصر الاتحادية، فإن «العسكري» استخدم حتى الآن حلولاً دستورية مدنية للمرحلة الانتقالية، التي ستنتهي بشرط الربيع العربي الضروري وهو الانتخابات والاحتكام إلى الصندوق، وطالما أن هذا الشرط قائم، فإن الإسلام السياسي باقٍ معه، فالديموقراطية والإسلام السياسي صنوان لا يفترقان.
أحدهم سيصرخ الآن، كيف؟ والإسلام السياسي في حقيقته متصادم مع الديموقراطية. هذا تحليل خاطئ آخر، ورجع أمنيات، فبعض القوى الكارهة للإسلام السياسي تفضّل النسخ المعادية للديموقراطية عنه، وتريده أن يبقى في ذلك المربع الضيق الذي يحرّم الديموقراطية، ويراها تغريباً وابتداعاً، وبالتالي تسعى جاهدة لتحريك أضلاعه بعيداً لتشمل كل الإسلام السياسي، ومهما أعلنت أحزاب الإسلام السياسي التزامها بمبادئ الديموقراطية سيظل هناك من يتهمها بالتقية، وأنها تستغل الدين في السياسة، وبناءً على ذلك تسعى إلى مصادرة حق الإسلام السياسي في المشاركة السياسية. إنه منطق ما قبل الربيع العربي، ونظرية سياسية عاش عليها تحديداً نظاما حسني مبارك وزين العابدين بن علي، وكل الاجتهادات الإقصائية المتداولة تغرف من ذلك المعين المشبوه المنتج في زمن ما قبل الربيع.
رد الفعل المتطرف هذا من القوى الليبرالية في مصر وتونس، التي تجد تأييداً من بعض النخب المثقفة في العالم العربي، والتي يفترض أن تكون أكثر ديموقراطية، سيضعف ولا شك روح الربيع العربي. ربما حان الوقت أن نتوقف عن استخدام هذا المصطلح «الرومانسي» بعدما تخلى عنه أصحابه المفترضون (بينما يتمسك به الإسلاميون)، والأفضل أن نتواضع ونسميه الصحوة العربية المتطلعة إلى الحرية والديموقراطية والكرامة، ولكن بتردد هذه المرة بعدما فقد الربيع جذوته، ولكنها ستبقى ممثلة لضمير الشباب «المستقل» الذي خرج في 2011، والذين تواروا إلى الخلف بعدما فشل «الإخوان» في تمثيلهم خلال عام من حكمهم والتعبير عن طموحاتهم. إنهم غير مستعدين للعودة إلى الوراء، ولا بتعديل مطالب الربيع على يد المنتصرين وهم خليط بين العسكر والنظام القديم و «ثوريين» يريدون ربيعاً عربياً لهم يسعهم وحدهم من دون القوى الإسلامية.
ثمة ثلاثة تعديلات في مطالب الربيع العربي الأصلية، أولها إقصاء الإسلاميين. شادي الغزالي حرب، وهو من شباب ثورة 25 يناير وقيادي الآن في حزب الدستور وجبهة الإنقاذ، يرى أن من أهم مطالب «ثورة» 30 يونيو «منع توظيف الدين في السياسة». الترجمة الوحيدة لهذه العبارة التي تبدو بريئة هي حل أحزاب الإسلام السياسي والمضي نحو انتخابات من دونهم، وهو ما يتنافى مع روح الربيع العربي الذي يقوم على التعددية وإطلاق الحريات العامة.
التعديل الثاني «التسامح مع النظام القديم»، فالثوار الجدد باتوا يستهجنون استخدام مصطلح «الفلول» الشهير. عبّر عنها بوضوح الثوري العتيق المهندس ممدوح حمزة في تصريح تلفزيوني: «ليس كل أعضاء الحزب الوطني فاسدين»، وقال آخرون عبارة مماثلة، مثل نائب الرئيس الحالي محمد البرادعي وعمرو موسى، بينما في ليبيا، حيث حصلت ثورة كاملة، أصدر مجلسها التشريعي قانوناً يحرم حتى أبطال وزعماء الثورة ضد العقيد القذافي لمجرد أنهم خدموا يوماً في أروقة النظام، ولم يستثنِ ذلك الزعيمين التاريخيين للثورة، مصطفى عبدالجليل ومحمود جبريل.
التعديل الثالث هو التخلي عن مطلب «الكرامة والحرية» طالما أن التجاوزات تجري في حق التيار الإسلامي، بينما الأصل وفق قواعد الربيع العربي الأولى أنها لا تتجزأ ويجب أن تشمل كل مواطن، ولكن «الثوريين الجدد» في مصر يستعيدون من دون وعي قاعدة مؤسس النظام العسكري الحاكم جمال عبدالناصر «لا حرية لأعداء الحرية».
ولكن على رغم كل التشوّهات السابقة الذكر، فإن أسس الربيع العربي لا تزال قائمة نظرياً، فخريطة الطريق التي وضعها الجيش أساسها مطلب الربيع العربي الأول «الانتخابات» بمن حضر، والحاضرون من التيار الإسلامي كثر، فـ «الإخوان» في الغالب عائدون إليه، ومعهم بقية تيارات الإسلام السياسي بما في ذلك حزب «النور» الشريك الصامت في الحكم الجديد، والذين سيكون لهم موقع من المبكر تقدير حجمه في البرلمان القادم، ومشاركة في الحكم... إلا إذا عاد النظام إلى استخدام ما يجيده (القوة والتزوير) وصنع «حال ديموقراطية» على مقاسه، ثم قبل الشعب بذلك. حينها يمكن نعي الربيع العربي، أما الإسلام السياسي، فيعرف حينها طريقه... تحت الأرض.
سورية: تزايد اعداد الضحايا وتراجع الامال
رأي القدس العربي
مشاهدة الصور التي تبث عن سورية كل يوم مخيفة، فمناظر النساء والاطفال والشيوخ وهم يفرون من القصف مرعبة، ومشاهدة المنازل وهي تقصف وتُهدم على رؤوس ساكنيها فظيعة، ولكن ما يثير الفزع اكثر هو ما تحدثنا عنه الارقام والاحصائيات. فحسب مفوض الامم المتحدة للاجئين انطونيو غوتيريس، ازمة سورية هي الاسوأ منذ حرب الابادة في رواندا في تسعينيات القرن الماضي، فعدد الفارين من الحرب في سورية الى الدول المجاورة وصل الى 1.8مليون لاجئ، بمعدل ستة آلاف لاجئ يوميا، وعدد النازحين من ديارهم في سورية وصل الى 4.25 مليون سوري.
وتشير الاحصاءات الى اكثر من مئة الف قتيل (بمعدل خمسة الاف يقتلون شهريا) كما قتل 6500 طفل، وفقد 350 ألف طفل والديهم.
الشيء الوحيد الذي تراجع في سورية هو الامال والوعود ودعم المانحين وحجم المساعدات، فحسب مؤسسة الاغاثة الانسانية المسؤولة عن نقل المساعدات والتي يتم جمعها من الخارج في تركيا، تم خفض المساعدات الى حوالي العشر، فقبل اشهر كان يتم ارسال 50 ـ 60 شاحنة مساعدات، بينما اليوم لا يذهب سوى 5 ـ 10 شاحنات يوميا.
يقول بولنت يلدريم رئيس مؤسسة الاغاثة حول هذا الوضع ‘اننا نذهب في عطلات صيفية بينما اراقة الدماء تتواصل’. من المؤسف ان الازمة طالت اكثر بكثير مما كان متوقعا، والمؤسف اكثر، هو توقعات استمرار الازمة لسنين عديدة مقبلة، خاصة بعد تدخل حزب الله في الحرب، وهو ما يغير ميزان القوة لصالح نظام الرئيس بشار الاسد، وتردد الغرب في التعامل مع المذابح في سورية وغياب اي استراتيجية لانهاء الصراع، مما يعني ان هذه الازمة ستفوق في احصائياتها حرب الابادة في رواندا.
التقييم الغربي للازمة في سورية تغيّر، فلندن وباريس على سبيل المثال، مارستا ضغوطا كبيرة للحصول على قرار اوروبي في نهاية ايار/مايو الماضي برفع الحظر المفروض على شحنات الاسلحة المعارضة، الا ان لا باريس ولا لندن قدمتا ولا يبدو انهما تعتزمان تقديم اي اسلحة، واكتفتا حتى الان بتقديم تجهيزات عسكرية غير قتالية، ومساعدات تقنية تتعلق بتقديم المشورة والتدريب لمقاتلي المعارضة.
وفي الولايات المتحدة تعثرت الجهود الامريكية لتسليح المعارضة في الكونغرس، وكما اعترف الجنرال مارتن ديمبسي رئيس هيئة الاركان المشتركة الامريكية، فان الوقت اليوم يسير لصالح الرئيس الاسد، وان كان من خيار امريكي عسكري فيبدو انه اليوم هو التدخل ضد الناشطين ‘الجهاديين’ في سورية. واشارت تقارير صحافية امريكية الى امكانية استخدام الطائرات بدون طيار لملاحقة وقتل ‘الجهاديين’ في سورية. المرشحة لمنصب سفير الولايات المتحدة لدى الامم المتحدة سامنثا باور اعتبرت ان رد فعل مجلس الامن الدولي على الحرب في سورية مخز، وان التاريخ سيحكم على هذا الفشل بقسوة، هذا الخطاب مشجع، ولكن ما هو مخز اكثر من موقف مجلس الامن انعدام الرد والاهتمام الامريكي بالازمة في سورية منذ البداية.
طبعا لا نتوقع من السيدة باور تغيير الموقف الامريكي بعد استلامها منصبها الجديد، بل نتوقع ان تغير هي افكارها، فأثناء تغطيتها لحرب البوسنة، سجلت السيدة باور اخفاق الولايات المتحدة في وقف القتل الجماعي في كتابها ‘مشكلة من الجحيم: امريكا وعصر الابادة الجماعية’، ولكنها اليوم ستغير رأيها ولن تربط كلمة اخفاق بالسياسة الامريكية. والرسالة الى الغرب هي ان لا تأملوا الشعب وتواصلوا بث الوعود اكثر من قدرتكم، فاذا لم تكونوا قادرين على التدخل، كان يجب البحث عن حل سياسي في وقت مبكر، وتوفير عشرات الالاف من الضحايا.
«الغرب»: إدارة الأزمة السورية وإطالتها
عريب الرنتاوي-الدستور الأردنية
ما الذي يريده “الغرب” في سوريا ومنها؟ ... سؤال يقفز للأذهان ونحن نتتبع “حيرة” الغرب في التعامل مع الأزمة السورية.
وحين نقول الغرب، فإننا نقصد تحديداً كلا من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا ... هذه الدول “المركزية” الثلاث، لا تريد تدخلاً عسكرياً في سوريا يعيد انتاج السيناريو الليبي ... واثنتان منهما (لندن وباريس) اللتان كانتا الأكثر حماسةً لتسليح المعارضة، تعود عن مواقفها وتؤكد على أرفع مستويات صنع السياسة والقرار فيها، أنها ليست في وارد تسليح المعارضة، أما الولايات المتحدة، فهي منذ البدء، انتهجت سياسة مترددة حيال هذه المسألة، وما تزال.
إذن، لا تدخل ولا تسليح، فهل هذا يعني تغليب خيار الحل السياسي / التفاوضي؟ ... كافة المؤشرات تقول إن “الغرب”، ليس متحمساً لـ “جنيف 2”، وهو من قبل أحبط العديد من المساعي لجمع مختلف أفرقاء الأزمة السورية حول مائدة واحدة، وهو يعارض اليوم، تمثيل قوى سورية (من خارج الائتلاف)، وإقليمية (إيران) في المؤتمر الذي بات واضحاً أنه لن يعقد في أيلول القادم، بل وربما لن يعقد هذه السنة على الإطلاق.
من حيث الشكل، تبدو سياسات “الغرب” ومواقفه حيال الأزمة السورية، وقد اتسمت بـ “الحيرة” و”التردد” ... لكأن دوائر صنع القرار في تلك العواصم الثلاث، وما يردفها ويساندها من مؤسسات بحث وتفكير استراتيجي، قد عجزت عن اشتقاق “خريطة للطرق” يتعين على هذه الدول الحليفة أن تسلكها للتعامل مع “الملف السوري” ... ولكن السؤال الذي يداهمنا هنا هو: ماذا إذا كانت “الحيرة” و”اللاموقف”، هي الموقف والسياسة والاستراتيجية، من دون زيادة أو نقصان؟
في معرض متابعتنا لتطورات الأزمة السورية، قلنا أكثر من مرة، أن بقاء الحال السوري على حاله، وإطالة أمد الأزمة ونزيف الدم والاحتراب الأهلي والتورط الإقليمي والدولي، ربما يوفر أفضل خدمة لمصالح هذا “الغرب”، ومن خلفه بالطبع، مصالح إسرائيل، التي تحظى بمكانة الأولوية بالنسبة للعواصم الثلاث.
القاتل والقتيل في “حرب الأخوة الأعداء”، يزيح عن كاهل هذه الأطراف عناصر مصنفة في خانة “الأعداء” ... إضعاف الجيش السوري وإفقاره، مصلحة غربية – إسرائيلية، فهو جيش “دولة مارقة”، وركن ركين في “محور الشر” ... تَورط حزب الله، وخسارته لمظلته وشعبيته وعناصره وانضباطه، هو مصلحة غربية – إسرائيلية بامتياز، فهذا الحزب يتصدر قائمة “قوى الشر والإرهاب”، وهو التهديد الأبرز منذ حرب تموز 2006 للأمن الإسرائيلي، وهو ذراع إيران ومحور هلالها الضارب.
الولايات المتحدة، وبقدر أقل، بريطانيا وفرنسا وإسرائيل، تنفق مليارات الدولارات، وتقامر بإزهاق حيوات المئات من جنودها وضباطها، وقوداً في الحرب الكونية ضد “الإرهاب” ... الإرهابيون الذين يطاردونهم في أفغانستان والباكستان واليمن والعراق وأفريقيا، يتمركزون الآن في “قبلتهم الجديدة”، وهم يُقتّلون يومياً على أيدي الجيش السوري، من دون أن ينفق الغرب قرشاً واحداً أو يقامر بقطرة دم واحدة.
القاتل والقتيل في سوريا، يندرجان في خانة “المكاسب الصافية” التي يحققها الغرب جراء استمرار الأزمة السورية وتفاقمها، فلماذا الاستعجال في “الحسم” و”التدخل” أو في البحث عن “حل سياسي”؟ ... لماذا الاستثمار في “جنيف 2”، فيما العشرات من نشطاء وعناصر هذه القوى “المعادية جميعها”، يسقطون يومياً بـ”نيرانهم الصديقة”؟
أبعد من ذلك، فإن استمرار الأزمة السورية وفقاً لإيقاعاتها الحالية، من شأنه أن يشكل “حرب استنزاف” مفتوحة لإيران وضدها ... الداعم الإقليمي الرئيس لنظام الأسد، الخاضع بدوره لمنظومة عقوبات صارمة، مضطر لتقديم مليارات الدولارات سنوياً، لتوفير شبكة أمان لنظام الأسد وحزب الله ... والحرب في سوريا وعليها، ضربت اطواقاً من العزلة “الشعبية” بعد العزلة “الرسمية” على إيران وحلفائها، وساهمت في تفتيت صفوف ما كان يعرف يوماً بـ”معسكر المقاومة والممانعة”.
وروسيا، القطب الدولي الصاعد من سبات “البيريسترويكا” ونظام القطب الواحد، تجد نفسها يومياً، أمام “مأزق” التزاماتها حيال النظام السوري، وهي وإن كانت لا تنفق بنفس درجة “السخاء الإيراني” لاستمرار حليفها السوري، إلا أن الأزمة السورية، تضع موسكو في مواجهة مشكلات كبرى في علاقاتها مع “الغرب” في ملفات أخرى عديدة، من دون أن تمتلك اليقين بأن نهاية التزامها بدعم الأسد، ستكون مفعمة بالمكاسب، أو أن السحر لن ينقلب على الساحر.
الخلاصة، إن إدارة الأزمة السورية وليس حلها، هو العنصر المحرك لسياسات “الغرب” ومواقفه، أقله حتى إشعار آخر ... وطالما أن “الغرب” والمجتمع الدولي، قادر حتى الآن، على احتواء التداعيات الإقليمية للأزمة السورية، فليس مستبعداً أن يظل حال سوريا على حاله لعام قادم على أقل تقدير ... ولعل الشعار المشترك الذي تبنته عواصم “الغرب” الثلاث حيال سوريا: استعادة التوازن بين النظام والمعارضة، قبل “جنيف 2” ومن أجل الوصول إلى “جنيف 2”، هو الذي يشرح ويفضح مواقف كل من باريس ولندن وواشنطن. وعلى الذين ما زالت لديهم بقية انتماء لوطنهم وشعبهم من السوريين، ان يدركوا هذه الحقيقة ... لقد كان يتعين عليهم أن يدركوها من قبل ... ولكن لا بأس، طالما ظل في الوقت متسع لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من بلادهم ودولتهم ومجتمعهم ... أما استمرار اللهاث والجريان خلف استخبارات عواصم المنطقة، والجماعات المتطرفة والعواصم الغربية، فلن يترتب عليه، سوى المزيد من الدماء والدمار والخراب.
أي سوريا ستذهب إلى جنيف؟
سميح صعب-النهار اللبنانية
من الآن والى حين انعقاد المؤتمر الدولي حول سوريا في جنيف الخريف المقبل، سيكون التصعيد سمة المرحلة. القوات السورية النظامية تتابع تحصن مناطق سيطرتها وتحاول استعادة أخرى ضمن معادلة ان من يمسك بالميدان يكسب في السياسة. والمعارضة بدورها تنتظر السلاح النوعي من الغرب لتعيد الامساك بمساحة اكبر من الارض او على الاقل الحفاظ على مناطق سيطرتها الحالية ومنع الجيش السوري من استعادتها.
لكن مشكلة المعارضة لا في السلاح، بل تكمن في الصراع المتنامي على النفوذ بين “الجيش السوري الحر” والتنظيمات الجهادية التي تستعد لاعلان دولة اسلامية في شمال سوريا مستفيدة من عامل التفوق العسكري الذي تتمتع به هذه التنظيمات في مواجهة الفصائل المنضوية تحت لواء “الجيش السوري الحر”.
وفي الوقت عينه يرى اكراد سوريا ان هذه فرصتهم من اجل الالتحاق باكراد العراق والذهاب الى جنيف - 2 مزودين سيطرة ميدانية تشكل رافعة لهم للمطالبة بحكم ذاتي موسع شبيه بذلك الذي يتمتع به اكراد شمال العراق. وكما استفاد اكراد العراق من تضعضع الحكم المركزي في بغداد ايام صدام حسين للحصول على الحكم الذاتي، يحاول اكراد سوريا التقاط اللحظة السياسية الراهنة للفوز باكبر قدر من الاستقلالية عن الحكم المركزي. وبما ان الجهاديين هم العائق امام تحقيق اماني الاكراد، كان من الطبيعي ان يحصل الصدام بين الجهتين.
هذا الوضع السوري الميداني المعقد املى على الغرب تمهلاً في خطط التسليح لـ”الجيش السوري الحر” لأن الواقع على الارض في مناطق سيطرة المعارضة يميل لمصلحة “القاعدة”، فضلاً عن ان هناك مبالغة في بعض الدوائر الغربية التي ترى ان في استطاعة “الجيش السوري الحر” اذا حصل على السلاح ان يسقط “القاعدة” والنظام معاً. وتكفي التفاتة الى التجربة العراقية لتدل على ان “القاعدة” نمت وتعززت وبلغت ذروة قوتها في ظل الاحتلال العسكري الاميركي للعراق.
لذلك ليست “القاعدة” بخطر هامشي يمكن وضع حد له بمجرد تدفق السلاح على “الجيش السوري الحر”. مثل هذا الاستنتاج غاية في التبسيط ومناف للواقع. وسيمثل اعلان دولة اسلامية في شمال سوريا تطوراً خطيراً في الصراع السوري لن يكون في امكان كيانات المعارضة السورية احتواؤه بسهولة. وعندما يلوح رئيس اركان الجيش البريطاني الجنرال ديفيد ريتشاردز بالحرب لاحتواء خطر الارهاب في سوريا، فإن التجربة تدحض الزعم ان التدخل العسكري الاجنبي يمكن ان يكبح جماح الجهاديين. وابرز دليل على ذلك تجدد الهجمات في العراق بوتيرة تحاكي احداث العنف الطائفي بين عامي 2007 و2009.
واذا كان الغرب يستمهل روسيا في عقد جنيف - 2 ريثما يتحسن وضع المعارضة السورية، فإن المؤتمر قد لا ينعقد.


رد مع اقتباس