النتائج 1 إلى 1 من 1

الموضوع: اقلام واراء محلي 546

العرض المتطور

  1. #1

    اقلام واراء محلي 546

    اقلام محلي 546
    12/11/2013


    في هذا الملـــــف:

    من المخجل ان يستمر الانقسام وسط زحمة الاستيطان والتهويد
    بقلم: حديث القدس – القدس
    دولة تعيش في دبابة
    بقلم: عبد الرحمن ابوعرفة – القدس
    استشهاد عرفات.. السبب لم يبطل العجب
    بقلم: خيري منصور – القدس
    المسكوت عنه في اغتيال ياسر عرفات
    بقلم: هاني المصري – الايام
    عرفات: بوابة الذكريات !
    بقلم: رجب ابو سرية – الايام
    عرفات الرمز واللغز
    بقلم: مهند عبد الحميد – الايام
    تغريدة الصباح - اولاد الختيار
    بقلم: احمد دحبور – الحياة
    الأوكسجين لا يأتي من تل أبيب؟
    بقلم: د. صبري صيدم – الحياة
    روح عرفات بين الطيراوي و«كلايتن» !!
    بقلم: موفق مطر – الحياة
    أين المرأة الفلسطينية من الفكر السياسي؟!
    بقلم: محمود الفطافطة - معا


    من المخجل ان يستمر الانقسام وسط زحمة الاستيطان والتهويد
    بقلم: حديث القدس – القدس
    كان شعبنا الفلسطيني يأمل ان تشكل الاوضاع الراهنة ومناسبة ذكرى استشهاد القائد الرمز ياسر عرفات، سبباً للالتقاء وتخفيف حدة الانقسام والتوتر وصولاً الى المصالحة وتحقيق الوحدة الوطنية. لقد منعوا في غزة اية احتفالات لاحياء الذكرى التاسعة لرحيل القائد الوطني الذي كان مثالاً للوحدة ومتحالفاً مع الشيخ احمد ياسين في سبيل القضية الوطنية الاساسية، وبذلك ازدادت حملة تبادل الاتهامات وتعميق الانقسام.
    ويعاني قطاع غزة، كما تعاني الضفة الى حد كبير، من ازمة اقتصادية صعبة للغاية وانقطاع للتيار الكهربائي ونقصاً في الوقود، مما يجعل حياة المواطنين معاناة يومية مستمرة، ويحتم البحث عن سبل للالتقاء للتخفيف من هذه الاوضاع، الا ان ما يحدث هو العكس تماماً تقريباً.
    وفوق هذا وذلك لا تتوقف حملات الاستيطان والتهويد في مختلف انحاء الضفة والقدس بصورة خاصة، وعناوين الاخبار بالامس كافية لتقدم صورة قاتمة عما يجري وعما يخططون له: وزارة الاسكان الاسرائيلية تطرح عطاءات بناء آلاف الوحدات الاستيطانية، وفي سلوان في المنطقة الملاصقة لسور المسجد الاقصى المبارك من الجنوب يمهدون لاقامة مشروع «مبنى سياحي» مسطحه نحو 16 الف متر مربع، وقد ابلغوا السكان في المنطقة بمخطط هذا المشروع وامهلوهم 60 يوماً للاعتراض، ولن يجدي اي اعتراض كهذا نفعاً لان الموضوع صار امراً منتهياً تقريباً. وفي القدس ايضاً دعت منظمة «نساء من اجل الهيكل» الى اقتحامات متكررة للمسجد الاقصى استكمالاً لما يقوم به الآخرون من النواب ورؤساء المنظمات والاحزاب وكبار الحاخامات من اقتحامات مماثلة صارت شبة يومية تقريباً.
    واوامر أو أعمال الهدم لا تتوقف وقد وزعوا اوامر هدم لعدة منازل في بلدة العيسوية بالقدس، كما هدموا منازل عديدة اخرى، وبذلك تكتمل الصورة بين الاستيطان والتهويد من جهة واعمال الهدم والتهجير من الجهة الاخرى.
    والذي مضى كبير والقادم أكبر في هذه الممارسات، ورغم مشاهدة كل ذلك ودفع الثمن غالياً ورغم ما يهدد الارض والمستقبل والوطن والتاريخ والحاضر من اخطار، نجد ان من يعنيهم الامر يستمرون في الانقسام ولا يتقدمون خطوة واحدة حقيقية نحو تحقيق المصالحة، في الوقت الذي تعلو فيه نبرة الخطابات والبيانات والمظاهر الفارغة من اي مضمون حول الوحدة والوطن والقضية.
    ان احداً لن يحترمنا، لا عربياً ولا اسلامياً ولا دولياً، ان لم نحترم انفسنا ونحترم قضيتنا فعلاً وعملاً وليس بالقول فقط، واول الاحترام هو تحقيق المصالحة لكي نقف معاً ويداً واحدة من اجل القضية المصيرية الواحدة وان نتخلى عن المصالح الفئوية الضيقة من اجل المصلحة الوطنية العليا.
    لقد تكررت هذه النداءات كثيراً دون ان تلقى تجاوباً وازدادت حمى الاستيطان والتهويد بكل مخاطرها، ولم يتعظ احد، واليوم مع كل ما نراه من تطورات عربية واقليمية حولنا، يبدو ان احداً لا يريد ان يستوعب ما يجري أو يغير من مواقفه. ونكرر القول هنا مرة اخرى، ان الحل لا يكون في الغرق بالتفاصيل والجزئيات وانما المعبر الوحد للمصالحة هو الاحتكام للشعب من خلال صناديق الانتخابات ليقرر الشعب قيادته ومصيره بنفسه. فهل من يستمع وهل من يستجيب؟!

    دولة تعيش في دبابة
    بقلم: عبد الرحمن ابوعرفة – القدس
    احتَفل مؤخراً الناشط اليساري الاسرائيلي "اوري افنيري" بعيد ميلاده التسعين، وكان احتفاله على طريقته.
    دعا اصدقاءه وعددا من المؤرخين والضيوف الى ندوة عنوانها "هل ستكون دولة اسرائيل موجودة بعد تسعين عاما"، وفي تلخيصه للنقاش في مقاله الاسبوعي، ذكر افنيري ان اسرائيل ستكون موجودة كدولة، ولكن ذلك يعتمد على أي دولة، وما هو شكل الدولة ومواصفاتها.
    اثارني العنوان، وفكرت بالخلاصة، وندمت لانني لم احضر الندوة بسبب عطل مفاجىء في السيارة.
    بغض النظر عما دار في النقاش، سرحت في التفكير... وتساءلت كم سيكون عليه عدد اليهود بعد 90 عاما، وكم سيكون عدد العرب، وهل ستستجيب الجغرافيا لطموحات الديموغرافيا؟
    وتخيلت كيف سيكون عليه شكل العلاقة بين اليهود والعرب في هذه الدولة، وكيف سيكون عليه شكل العلاقة مع الجيران العرب، كيف ستكون نظرتهم الى هذه الدولة، فكرت في مخيمات اللاجئين في الاردن ولبنان وسوريا، هل ستكون المخيمات موجودة، وهل ما يزال اللاجئون يحلمون بالعودة الى قيسارية والمجدل والشجرة، وهل ما زالوا يحنون الى الاواني والملاعق التي تركها اجدادهم على طاولات السفرة وهل ما زالوا يحملون المفاتيح؟.
    فكرت في حدود الدولة وهل ما زالت تتأرجح كحبل يلعب به الاطفال؟ فكرت في سلسلة القوانين وهل صيغت على شكل دستور اخيراً. فكرت في اميركا وهل ما تزال دولة عظمى، وهل ان اسرائيل اصبحت رسميا ولاية جديدة بها، أم انها اختارت ان تكون عضواً في الاتحاد الاوروبي مثل فريق كرة السلة الاسرائيلي؟ فكرت في المستوطنات، اذا كانت اسرائيل انشأت أكثر من 400 مستوطنة في 60 عاما، كم ستنشىء يا ترى في التسعين سنة التالية. فكرت في المساحة المحدودة وفي مصادر المياه القليلة، فكرت في عدد السكان اليهود والعرب، اذا وصل العدد الى 8 ملايين في نحو 60 عاما؟ هل سيصل العدد الى 25 مليونا في 90 عاما اخرى؟ ماذا سيكون عليه عدد الرؤوس النووية التي أُنتجت في ديمونا، هل ستكون ما زالت صالحة، ام ان جيلا جديدا يكون قد تم انتاجه.
    جربت ان احسب عدد الحروب والانتفاضات التي ستحدث، وصلت الى متاهة وتوقفت عن الحساب واكتفيت باحتساب عدد سنوات الاحتلال وكم من المليارات من الضرائب ستجمع من الفلسطينيين وكم منها سيخصص لبناء مزيد من المستوطنات. خَمنت كم سيكون عدد الاشخاص الذين قد اغتالتهم "الزنانة" التي بدون طيار كما يُسميها سكان غزة؟ وكم الفاً يكون قد سكن في المعتقلات الاسرائيلية، وكم من المنازل تم هدمها في القدس.
    فكرت في القادة التاريخيين مثل "شمعون بيريس" التسعيني الذي يفترض انه قد تقاعد من عقود وما زال يرأس الدولة، وكذلك في القادة الحاليين مثل "بنيامين نتنياهو" الذي لا يجد الاسرائيليين بديلا عنه لرئاسة حكومتهم، سيكون احفادهم في سن التقاعد، وسيتعلم اطفال الاحفاد تاريخ دولتهم وكيف نشأت منذ قرن ونصف.
    وبينما ما زلت مُستغرقاً في هذا السَرحان، أوردَت الاخبار ان نتنياهو قرر اقامة جدار اضافي آخر في منطقة الغور، الجدران والاسيجة تجاوزت في اطوالها سور الصين العظيم، الامر الذي حداني بمعاودة التفكير.
    هذه المرة في دبابة "المركباه"، وتساءلت كم المزيد من الدروع الواقية اُضيفت لها، وكم اصبح وزنها، ما هو شكل مدفعها وكم سيكون مدى القذيفة وقوة انفجارها، هل استبدلت جنازيرها بحيث تكون اكثر ليونة بحيث لا تتلف شوارع تل ابيب عند سيرها. فكرت في طاقمها، مهاراته و حوافزه ، وكم وفرت وزارة الدفاع من وسائل الراحة له داخل الدبابة، وكم من المرافق رُكبت بها وكم من التجهيزات المتطورة والمعدات الالكترونية تم تجهيزها بها.
    هل اصبحت الجدران الخشنة مبطنة بخشب الزان المصبوغ، وهل يختار الطاقم لون الطلاء المرغوب. فكرت في النوم، هل اضيف أسرَة مريحة بدلا من المصاطب الحديدية البغيضة، وبدلاً من وسائل التكييف المجهدة للتنفس، هل سيتم الاعتماد على الهواء الطبيعي اكثر. هذا يعني نوافذ، ماذا سيكون عليه شكل الستائر، وهل سيختلف افراد الطاقم على نوعية الستائر ولونها، فكرت في الحمامات التي تتلاءم مع هذه المواصفات بدلا من دورة المياه المحشورة، وفكرت بالجاكوزي الذي ستكون اضافته نتيجة منطقية.
    الاهم من ذلك كله، تساءلت هل سيفيد كل ذلك في التخفيف من القلق الذي يعيشه الجنود من قذيفة قد يطلقها فلسطيني او لبناني؟
    تذكرت كل ذلك، وفجأة صحوت الى الواقع والتاريخ... كل هذه الامور حدثت في اسرائيل منذ عام 1948، كل شيء تطور واصبح اكثر حداثة واغراء، الانفاق والجسور تنتشر من الشمال الى الجنوب، في يوم الغفران تغلق شوارع القدس الشرقية بالحواجز الحديدية الزرقاء بدلا من اكوام الاتربة التي تزيلها الجرافات في اليوم التالي، اصحاب البيوت غير المرخصة في القدس يهدمون بيوتهم بايديهم تخفيفا على جرافات البلدية، اعضاء البلدية اليهود يفخرون بتمثيلهم ليس لليهود فقط بل للعرب كذلك، الناظر الى منحدرات الحدائق الخضراء بجانب الطريق السريع الموازي لمدينة طولكرم لا يدرك ان ذلك ما هو الا تجميل لجدار الفصل الذي بقي جانبه الآخر على بشاعته الرمادية الباردة. اعاد ذلك الى مخيلتي ستارة الدبابة.
    كل ذلك يحدث، لكن الدولة ما زالت تعيش في الدبابة.
    قفز الى ذهني فجأة تعليق في ندوة تلفزيونية أُذيعت قبل عدة سنوات بمشاركة الصحفي "يوسف لبيد"، والد وزير المالية الحالي"يئير لبيد" عندما تساءل في وصفه للمجتمع الاسرائيلي، لماذا المجتمع قَلق مع انه يعيش في دولة حديثة وفي مستويات اقتصادية عالية ويتمتع بمرافق ترفيهية مميزة ووسائل مواصلات وطرق مريحة، ويتكفل التأمين الوطني بسد الفجوات التي يعاني منها المحتاج. لماذا القلق اذن؟ لم يُجب" لبيد" الاب على السؤال، تُرى هل تتوفر الاجابة لدى " لبيد" الإبن وابناء جيله؟.

    استشهاد عرفات.. السبب لم يبطل العجب
    بقلم: خيري منصور – القدس
    أخيراً حُسِم الأمر، وأنهت مختبرات جنيف أعواماً من ضرب الأخماس بالأسداس في الأوساط الفلسطينية والعربية حول النهاية الغامضة والتراجيدية لياسر عرفات، فالرجل مات مسموماً بسم إشعاعي مصدره الوحيد مفاعل نووي يعرف العرب والعالم أين يقع وفي أية جغرافيا مستباحة من هذا الكوكب الذي يعاني احتلالاً واختلالاً معاً .
    تزامن الإعلان عن موت عرفات مسموماً مع تعثر جديد للمفاوضات، ذلك لأن السموم أنواع، وليست فقط إشعاعية، فثمة تسميم سياسي واقتصادي وحتى وطني يطال ملايين البشر، وليس فرداً واحداً حتى لو كان زعيماً أو رمزاً .
    قبل الإعلان عن موت عرفات مسموماً تعرضت آبار شُرْب للتسميم في أنحاء متفرقة في فلسطين، وتشاء المصادفة أن تثار في مصر عاصفة حول الخضار المسرطنة والمسممة المستوردة من إسرائيل في اليوم ذاته الذي نشر فيه التقرير الأخير عن سبب رحيل عرفات .
    وإذا كانت بعض السموم تفتك برجل واحد فإن بعضها الآخر وهو الأشد خطورة يتسرب من خلال أفكار ومفاهيم وثقافة مضادة للتاريخ والإنسان، وهذا ما يحدث الآن بوضوح رغم أنه كان يحدث دائماً لكن بدرجة من التكتم، لكن اللحظة الراهنة بكل ما يشحنها من براغماتية وهجران لكل القيم تتيح لمن يريد أن يفعل ما يشاء، لأن ما غاب ليس الحياء فقط بل كل الكوابح التي طالما جعلت الحياة ممكنة على هذا الكوكب .
    المرحلة الثانية بعد هذا التقرير الذي حسم الشك باليقين وقال الخبراء الذين أعدوه أن السم كان نووياً، وبالتالي فهو عبري بامتياز هي ساعي البريد، أو الغُراب الزاجل الذي عُلّق في عنقه كيس السم، فعرفات الذي كان محاصراً لا بد من وسيط نقل إليه السم، وهو بالتأكيد ليس شبحاً أو شيطاناً لا يُرى، إنه كائن بشري، وله أيضاً صفة وطنية أتاحت له الاقتراب من عرفات، فقد يكون ممن قاسموه الزّاد والسهر، لكنهم لم يقاسموه السم الذي أنهى حياته في لحظة فارقة وحرجة من تاريخ القضية الفلسطينية .
    انتهى التحقيق المخبري في السم، فهل يبدأ التحقيق الآخر حول حامله ومن نفذ الأمر الذي كان شارون قد أصدره؟ عندما قيل له إن الرجل في السبعينات من عمره ولن يعيش ألف عام، عندئذ قال شارون عبارته الشهيرة وهي أن القدر أحياناً بحاجة إلى مساعدة من البشر .
    إن التأكد من سبب رحيل عرفات هو مبتدأ الجملة السياسية الصعبة في الكتاب الفلسطيني، أما الخبر فهو ليس لدى جُهينة أو سواها، إنه مُرّتَهن بتحقيق جدي لا يقبل المساومة لمعرفة وسيط الموت في عقر دار عرفات وليس في مكان آخر.

    المسكوت عنه في اغتيال ياسر عرفات
    بقلم: هاني المصري – الايام
    في الذكرى التاسعة لاغتياله، أبى ياسر عرفات أن يغيب عن المشهد، وكان حاضرًا وكأنه لم يغب. لقد لاحق أبو عمار قاتليه مرة أخرى من خلال نتائج التحقيقات السويسريّة التي أثبتت أنه مات بالسم عن طريق استخدام مادة "البولونيم" النوويّة. هذه المادة لا تمتلكها سوى عدة بلدان من ضمنها إسرائيل صاحبة المصلحة في اغتياله، لاسيما وأن حكومتها قررت في أيلول 2004 إزالته، أي قبل شهرين من وفاته.
    إذا عدنا إلى سيرة حياة عرفات سنجد أنه كان هدفًا دائمًا للحكومات الإسرائيليّة المتعاقبة، فقد جرت عدة محاولات فاشلة لاغتياله أثناء تواجده في بيروت، وقصفت الطائرات الإسرائيليّة مقرّه في "حمام الشط" بتونس في محاولة جديدة فاشلة لاغتياله، وحاصرت قوات الاحتلال منذ العام 2002 مقره في رام الله ودمرت أجزاء منه، وتحكمت بزوّاره وطعامه وشرابه، وشنت الحكومة الإسرائيليّة حملة تحريضيّة ضده، وأعلنت أنه زعيم "إرهابي"، وهددت بقتله علنًا، وكشف أوري دان، الصحافي الإسرائيلي المقرب من شارون في كتابه حول حياة شارون، المكالمة التي جرت بين الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن وبين شارون "حين طلب الأول ترك أمر التخلص من عرفات للعناية الإلهيّة، فأجابه الآخر: ولكن العناية الإلهيّة بحاجة إلى مساعدة بشريّة، فصمت بوش، فيما اعتبره شارون ضوءًا أخضر لاغتيال عرفات".
    لم نكن بحاجة إلى دلائل جديدة لإثبات أن ياسر عرفات مات مسمومًا، فهذه المسألة محسومة منذ وقت مبكر، عندما تعرض عرفات لمرض مفاجئ أدى إلى وفاته خلال شهر واحد، وهو لم يكن يعاني من أي أمراض جديّة، ولكنا كنا منذ البداية ولا نزال بحاجة إلى موقف سياسي بمستوى الحدث وقادر على ملاحقة الجناة، موقف يجرؤ على اتهام حكومة شارون - موفاز رسميًا بارتكاب هذه الجريمة النكراء بحق رجل هو بكل المقاييس زعيم تاريخي، ومؤسس الهويّة الوطنيّة الفلسطينيّة، والحاصل على جائزة "نوبل" للسلام، رغم أنه ذهب بعيدًا من أجل السلام على يد حكومة إسرائيل التي من المفترض أن تصنع السلام معه، وذلك عقابًا له لرفضه العرض الذي سمّي "سخيًّا"، والمقدم من أيهود باراك في قمة "كامب ديفيد" وما هو بعرض سلام ولا سخي، وإنما عرض "تصفوي" للقضيّة الفلسطينيّة من مختلف جوانبها، لذلك من الطبيعي أن يرفضه عرفات وأن يعود إلى المقاومة التي أوقفها بعد "اتفاق أوسلو" لاعتقاده أن المفاوضات يمكن أن تؤدي إلى إقامة الدولة الفلسطينيّة وتحقيق حلم حياته الذي قضى شهيدًا من أجله.
    السؤال المحوري الذي يطرح نفسه بقوة أكبر في الذكرى التاسعة لاغتياله: لماذا لم تُتخذ الخطوات الواجبة لملاحقة القتلة الإسرائيليين والسعي الجدي لمعرفة فيما إذا استخدموا عميلًا أو أكثر من الفلسطينيين لتنفيذ الجريمة؟
    وينبثق عن ذلك السؤال أسئلة فرعيّة، مثل:
    لماذا يأتي التحرك الفلسطيني دائمًا متأخرًا وكردة فعل على اكتشافات جديدة، أو على تحقيق "الجزيرة" التي أتاح لها هذا التصرف الفلسطيني أن تبدو صاحبة الملف والمكلفة بتحقيق العدالة، وهي تفعل ذلك لغاية في نفس يعقوب؟
    لماذا لا تلجأ القيادة الفلسطينيّة إلى الأمم المتحدة وتطالب بتشكيل لجنة تحقيق دوليّة، أسوة بما حصل بعد اغتيال رفيق الحريري، لملاحقة الجناة ومعاقبتهم، أو على الأقل حتى تكون الملاحقة الجديّة والدائمة سيفًا مسلّطًا على رؤوسهم بما يجعل جريمتهم حاضرة وتلاحقهم باستمرار؟
    أقول ما سبق مع إدراكي أن تشكيل "محكمة خاصة" للتحقيق في اغتيال ياسر عرفات يحتاج إلى قرار من مجلس الأمن، وهذا القرار ممنوع من الصدور جرّاء الفيتو الأميركي الذي يقف له بالمرصاد، لكن لا مفر من البدء بالعمليّة بنقل ملف التحقيق إلى الجمعيّة العامة للأمم المتحدة، كما طالب ناصر القدوة في كلمته بمناسبة مرور الذكرى التاسعة.
    لماذا لا يتم اللجوء إلى "محكمة الجنايات الدوليّة" والاكتفاء بمطالبة الجامعة العربيّة بتفعيل قرارها السابق بتشكيل "لجنة تحقيق دوليّة"؟. إن مجرد المطالبة لا تكفي. فعلى الفلسطينيين أن يقوموا بما عليهم كاملًا، خاصة بإجراء تحقيق يسعى لكشف من ساعد الجناة قبل مطالبة الآخرين بالقيام بواجبهم.
    من أجل الإجابة عن هذه الأسئلة وغيرها لا بد من العودة إلى مستشفى "بيرسي" الفرنسي بُعيد إعلان وفاة ياسر عرفات وصدور تقرير طبي يشير إلى "إمكانيّة أن تكون وفاة ياسر عرفات غير طبيعيّة وأن يكون السم المستخدم غير معروف لدينا"، أي لدى الأطباء الفرنسيين الذين أشرفوا على إعداد التقرير عن سبب الوفاة.
    إن اكتشاف وجود مادة "البولونيم" بعد أكثر من ثماني سنوات يعني أن هذه المادة كانت موجودة بشكل أكبر بكثير عند الوفاة وقبل دفن الجثمان، ما كان يغني عن كل التحقيقات التالية، ولكن فرنسا آثرت لسبب ما أن تخفي معالم الجريمة، ولعل هذا السبب نفسه هو الذي أدى إلى عدم تعاونها حاليًّا مع لجنة التحقيق الفلسطينيّة، كما أعلن عضو اللجنة علي مهنّا في المؤتمر الصحافي المخصص للإعلان عن نتائج الفحصين السويسري والروسي.
    إن المسكوت عنه في مسألة التحقيق في اغتيال ياسر عرفات أن هناك توجهًا فرنسيًا دوليًا عربيًا إسرائيلي- وعلى ما يبدو أن القيادة الفلسطينيّة خضعت له - يقضي بدفن مسألة التحقيق باغتيال "أبو عمار"، لأن كشف ملابساتها من شأنه عمل زلزال في المشهد السياسي كله. فبعد اتهام إسرائيل بالجريمة رسميًا وتحميلها المسؤوليّة السياسيّة والجنائيّة وملاحقتها لمحاسبة المسؤولين عن ارتكابها، لا يصح بعدها أن يبقى الأمر على ما هو عليه الآن، فلا يكون اللقاء الفلسطيني - الإسرائيلي بعدها ممكنًا على طاولة المفاوضات واستمرار الالتزامات الفلسطينيّة المترتبة على الاتفاقيات، وخصوصًا التنسيق الأمني، في وقت لم تلتزم فيه إسرائيل بما عليها؛ وإنما يكون اللقاء في ساحات المواجهة في المدن والقرى والمخيمات وقاعات المحاكم، وعلى كل المستويات والأصعدة المحليّة والعربيّة والإقليميّة والدوليّة.
    لو تحقق ذلك، لكان من غير الممكن استئناف المفاوضات حتى من دون مرجعيّة ولا وقف للاستيطان ولا إحياء أكذوبة ما يسمى "عمليّة السلام"، وما هي كذلك، وإنما هي عمليّة من دون سلام تستهدف فرض السلام الإسرائيلي على الفلسطينيين.
    لقد بدأت القصة بنصيحة فرنسيّة للفلسطينيين بعدم إثارة مسألة اغتيال ياسر عرفات فور اغتياله، لأن الأمر الحاسم عندها، الذي له الأولويّة على ما سواه قبل اندلاع الفوضى هو تأمين الانتقال السلس للسلطة وانتخاب خليفة عرفات، وإثبات أن الفلسطينيين جديرون باحترام المجتمع الدولي لهم، وبالحصول على دولة من خلال حرصهم على توفير الأمن والاستقرار في المنطقة اللذين سيتضررا أشد الضرر من إثارة مسألة اغتيال ياسر عرفات وعواقبها التي لن تحمد عقباها.
    وكرّت السبحة بعد ذلك ولم ينل الفلسطينيون دولة مقابل إثبات جدارتهم وبناء المؤسسات، بل تعرضوا لضغوط جديدة استجابوا لها لوقف توجههم للأمم المتحدة، وجمّدوا طلبهم بالانضمام للوكالات الدوليّة، وخصوصًا "محكمة الجنايات الدوليّة"، ولم يوقّعوا على الاتفاقيات الدوليّة رغم أن هذا الانضمام وذلك التوقيع يوفر للفلسطينيين مزايا سياسيّة وقانونيّة وأخلاقيّة من شأنها تقوية موقفهم وتدعيم نضالهم لتحقيق أهدافهم الوطنيّة.

    عرفات: بوابة الذكريات !
    بقلم: رجب ابو سرية – الايام
    قبل تسعة أعوام، وفي مثل يوم أمس (الإثنين) ورغم ان الفلسطينيين في كل مكان كانوا على علم بالحالة الصحية الصعبة لزعيمهم التاريخي، ياسر عرفات، ورغم أنهم كانوا يتابعون أخباره لحظة بلحظة، إلا أن خبر وفاته وقع عليهم كالصاعقة، لدرجة ان أهل غزة، حيث كنت أقيم، انزووا في بيتوهم وكأن على رؤوسهم الطير، كمن يتعرض لصدمة قاسية تفقده النطق والحركة، الحزن تام، والغضب يغلي في العروق، ثم كانت بعد ذلك الرايات السوداء تغطي سطوح المنازل والبيوت، إلى أن كان التشييع بعد ذلك.
    يشبه اليوم البارحة تماما، وكأن الرجل قد رحل لتوه، وأشد ما يحزن شعبه أن حلمه برفع علم فلسطين فوق مآذن وكنائس القدس ما زال بعيدا، فيما القلوب ترتجف خوفا على وحدة كان طوال عقود صمام أمانها ومفتاحها، الذي سرعان ما ضاع في قاع البحر، بحر غزة، بعد أن رحل.
    كان يمكن لقيادات الفلسطينيين أن تبقي على الحلم، بإحياء المناسبة، خاصة في غزة، لكن ولأكثر من سبب، لم يحدث هذا، فقد شهدت الأيام التي سبقت يوم الذكرى _ ورغم الإعلان الرسمي الصادر عن اللجنة الطبية التي بحثت في أسباب الوفاة، وأكدت انها لم تكن طبيعية، بل بفعل قاتل _ عودة التوتر بين فتح وحماس، وقد يكون السبب هو ما أعلنه بعض غامض من خارج حدود فلسطين، وتحديدا من خارج حدود غزة، عن تمرد فلسطيني على طريقة تمرد المصريين، ما دفع حكم حماس في غزة، لمحاولة احتواء هذا الاحتمال، أي احتمال ان يجعل هؤلاء من الذكرى مناسبة للاحتجاج او "الثورة " على حكم "حماس"، وذلك بشن حملة اعتقالات في صفوف كوادر فتح، في مشهد يعيد حالة التوتر بين الفصيلين الى المربع الأول!
    بيانات تمرد غزة، ما زالت تصدر تباعا وبشكل افتراضي، وكأنها تروي فصولا لمسرحية، تعرض على شبكات "الفيسبوك"، لتعلن عن برنامج خلال الأيام التالية، الأمر الذي لا يتوقع كثيرون حدوثه، ولكن يبقى فن الممكن في السياسة هو الممكن وما غيره مستحيلا، والممكن كان يفترض أن تؤخذ الأمور بالعقل، اي أن تتم إعادة قيمة الوحدة لاسم الراحل الفلسطيني العظيم، كان يمكن، بل كان لا بد من ان يجتمع الفلسطينيون في كل مكان لإحياء الذكرى موحدين ومتراصين، ومطالبين بملاحقة القتلة الإسرائيليين في كل محاكم الدنيا.
    في المناسبة لا بد من لحظ أن غياب عرفات عن قيادة الواقع والحالة السياسية الفلسطينية، ربما كان أحد الأسباب البعيدة للانقسام الواقع، وكل الخشية من أن يظن الإسرائيليون أن غيابه قد طوى ملف الكفاح الوطني تماما، وان تحقيق حلم الدولة والعودة وتحرير القدس قد بات دربا من دروب المستحيل.
    وحيث ان الذكرى لا تزال طازجة وغالية، وأن استحضارها امر مهم وضروري وأحيانا يكون حاسما في صنع الحاضر والمستقبل، لكنه وحده لا يكفي، ولا بد لنا هنا من أن نستذكر أن كل الأحلام العربية والإسلامية في إعادة أمجاد مضت، والعيش على ذكرى الماضي، دون التفكير الجدي بواقعية وعقل وتعقل بمعالجة مشكلات الحاضر والتخطيط للمستقبل، لم تكن كافية لتغيير الواقع قيد أنملة.
    من الواضح أن الفلسطينيين الحالمين بإنهاء الانقسام، خاصة من أهل وشباب غزة، فكروا في أن تكون ذكرى الراحل عرفات فرصة او مناسبة لإزالة عبء الانقسام عن كاهلهم، وذلك لأنهم يظنون ان لاسم الراحل وقع سحري، لكن لا بد من القول بأن النوايا لا تكفي، كما ان الرغبات لا تكفي لتحقيق ما يريده المرء، كما ان الزج بأحد أهم الملفات الداخلية في اتون "صراعات أو حتى خلافات" إقليمية، لا يحقق المنشود، وان الفلسطينيين، الذين عاشوا أتون المعارك والحروب الطويلة على مدار سنوات طويلة مضت، تعلموا درسا مريرا، وهو انه لا يحك جلدك مثل ظفرك!
    لقد انتظر الفلسطينيون عقدين من السنين بعد نكبة 48 الجيوش العربية أن تحرر لهم فلسطين، حتى أطلقوا ثورتهم العام 65، ثم انتظروا عقدين آخرين ان يجيء فارسهم الفلسطيني على الحصان الأبيض، من الخارج، ليحررهم من الاحتلال، قبل أن يطلقوا انتفاضتهم المجيدة العام 87، وهم ما زالوا يجوبون العواصم العربية، خاصة القاهرة، لتعيد لهم تصويب أوضاعهم، إن كانت تلك على الصعيد الداخلي او على الصعيد التفاوضي، وما من دخان أبيض في الأفق، لذا لا بد من القول بأن "حراكا " غير مرئي، وغليانا يمور تحت سطح مياه السياسة الراكدة، سيعلن في لحظة ما عن وجوده وعن قلب الطاولة على الجميع، دون إعلان مسبق ودون صخب أو ضجيج، تماما، كما حدث في عامي 65، 87، هذا ما على الجميع ان يدركه، حيث يمكن لأي أحد ان يتصدى لأي مشاكس أو مناكف او حتى عدو في الخارج، لكن لا أحد يمكنه أن يقهر إرادة الشعب في الداخل، والثورات لا تتم لا بريموت كنترول ولا بتخطيط مسبق ولا حتى بإرادة ذاتية لفرد أو جماعة، العقلاء فقط هم من يعالجون أسباب الثورات، قبل ان تحدث، بالرضوخ لإرادة الناس، ولما يرغب به الشعب، وإن كان ما زال هناك من عاقل في "صفي القيادة الفلسطينية" فعليه أن يشرع فورا في إنهاء الانقسام قبل ان يعلن شبل فلسطيني او زهرة فلسطينية، رفع راية الوحدة والثورة ليس ضد الاحتلال الإسرائيلي فقط، بل ضد الجميع!

    عرفات الرمز واللغز
    بقلم: مهند عبد الحميد – الايام
    بعد السنة التاسعة من رحيلة ما تزال قراءة عرفات غنية بالرمزية والانفعال والتساؤل، فهذه الشخصية التاريخية لا تختزل بتقييم انفعالي عابر ايجابا أوسلبا. قد يبدو الزعيم معروفا بأهميته لدى خصومه وأصدقائه أكثر، وغير معروف الاهمية عند القريبين والمقربين. ذلك هو اللغز العصي على الاتفاق، وتلك ميزة يكاد ينفرد بها عرفات اكثر من قادة آخرين.
    موته معروف وغير معروف والمتهمون مكشوفون ومتسترون في آن. الذين يعرفون يدّعون انهم لا يعرفون، لكن معظم شعبه يعرف المتهم الوحيد بقتله منذ اللحظة الاولى وحتى اليوم الاول من السنة التاسعة لرحيله. ثمة التباس بين محبيه وغير محبيه والذين ركبوا موجة حبه لدواع خصوصية.
    كان المطلوب من عرفات التوقيع على حل "الابارتهايد" الفصل العنصري في منتجع كامب ديفيد عام 2000 لتكون خاتمة دوره التاريخي بالمعنى السلبي. وعندما رفض، أصبح "غير ذي صلة" وشطب من المعادلة. كان ذلك بمثابة قتل سياسي معلن. أُتبع بقتل جسدي غير معلن. الذي صادق على القتل السياسي لا شك انه شريك في القتل الجسدي. استدراج عرفات الى شرك كامب ديفيد كان الفصل الثاني من حرب تصفية القضية ورموزها.
    الفصل الاول كان اتفاق أوسلو الذي غامرعرفات به معتقدا انه سائر الى الدولة. اعتقد عرفات انه لاعب يستطيع تغيير قواعد اللعبة متى شاء ولكن سرعان ما اسقط بيده مرة تلو الاخرى. فعلى هذه الارض قواعد اللعبة لا تتغير بالبساطة التي تغيرت فيها في لبنان والاردن وسورية.

    ادوارد سعيد المفكر الذي ابدع في تفكيك سياسة وثقافة الغرب الاستعماري عارض عرفات وحاول ثنيه ولم يفلح. والنخبة المحيطة بعرفات لم تتعرف على فكر سعيد واسهاماته التي تركت بصماتها في كل مكان ما عدا بلد المنشأ لافكاره، فلم تحاول النخبة فرملة عرفات بل شجعته على المضي في المغامرة دون حساب او تدقيق.
    يندر ان يتم التعامل مع حل صراع مزمن ومعقد عمره قرن ونيف من الزمان بالطريقة التي تم التعامل بها مع حل الصراع الفلسطيني- الاسرائيلي في كامب ديفيد 2000. فقد حشر عرفات في المنتجع لمدة زمنية مقطوعة - 3 اسابيع - وطولب بتأييد مشروع "الابارتهايد" أو تحميله مسؤولية الفشل النهائي. تبع ذلك القول "بعدم وجود شريك فلسطيني" وتلك كانت كلمة السر التي تبعها صعود شارون وحلفه اليميني المتشدد الى سدة الحكم. ويندر ان يتم منح الرئيس عرفات جائزة نوبل للسلام وبعد سنوات تقرر حكومة شارون "إن عرفات عقبة مطلقة في طريق المصالحة بين إسرائيل والفلسطينيين، وان الحكومة الاسرائيلية ستتحرك لإزالة هذه العقبة بالشكل والتوقيت وبالطرق التي سيتم اتخاذ القرارات بشأنها بشكل منفصل". وتحركت حكومة شارون فعلا فقامت بحصاره ثلاث سنوات، وحولت مقره أطلالاً، وفرضت عليه اشد انواع الحصار والعزلة.المفارقة هنا، هي التأييد الاميركي وبمستوى اقل التأييد الاوروبي "لازالة العقبة المطلقة التي جسدها عرفات" والتصديق المعلن على حصاره وعزله. هكذا تحول عرفات من "إرهابي" إلى رجل سلام يتحصل على جائزة نوبل للسلام ثم يتحول مرة أخرى إلى "إرهابي" يعاقب بالقتل دون محاكمة. حدث كل ذلك دون أن يرف جفن أو يحركوا ساكنا للذين منحوه الجائزة وللذي تقاسم معه الجائزة.
    إن الموقف الاسرائيلي والاميركي والاوروبي من عرفات يلخص موقفهم الفعلي من حل القضية الفلسطينية وهو حل "الابارتهايد" الذي صممته إسرائيل وسعت الى فرضه. واكبر دليل على ذلك هو تعميق الاحتلال والاستيطان والابتعاد بالطول والعرض عن الحل السياسي بعد "إزالة العقبة المطلقة التي جسدها عرفات". ولا يغير من هذه الحقيقة لجوء عرفات للمقاومة المسلحة ودعمه الكامل للانتفاضة الثانية ومحاولته الحصول على السلاح " سفينة كارين a “.لان عرفات تراجع عن كل ذلك وأبدى الاستعداد لاستئناف العملية السياسية ووافق على "خارطة الطريق". كما ان قيادة محمود عباس وافقت على استئناف المفاوضات واختارت الطريق السلمي الكامل. وكانت النتيجة مضاعفة الاستيطان وتعميق الاحتلال في الضفة والامعان الاسرائيلي في فرض حل من طرف واحد الانسحاب من غزة بمعزل عن السلطة والقيادة التي لم تشكل "عقبة مطلقة امام المصالحة الاسرائيلية- الفلسطينية".
    اقتنعت أجزاء من النخبة البيروقراطية الفلسطينية ومراكز قوى داخلها أن عرفات فوت فرصة الحل السياسي وان كل شيء سيكون على ما يرام في مرحلة ما بعد عرفات. بعض هؤلاء حاولوا ان يقدموا نوايا حسنة لادارة بوش الابن في " اجتماع عمارة العار " اثناء حصار عرفات في المقاطعة. لكنهم سرعان ما تبعثروا وتراجعوا ولم يتراجع اعتقادهم بأن عرفات فوت فرصة الحل الامريكي إلا بعد ان دمر الامريكان فرصة حلهم المنشود بأيديهم.
    مؤسسات فتح والمنظمة والسلطة التي غصت بالتشوهات، نسبت الى عرفات الذي عرف عنه عدم الاقتناع بالمؤسسات. السؤال ما هو واقع المؤسسات بعد تسع سنوات من غيابه؟ هل اصبحت افضل حالا، هل انتهت ظاهرة الولاء والمحسوبية في التعيين والترفيع؟ إن النظام الفلسطيني بمختلف مكوناته يقاوم التجديد ويرفض الخروج من براثن البيروقراطية المتكلسة،بل يعيد انتاجها بصورة اكثر تشوها. وطالما بقي النظام على هذا الحال فإن حالة الاستقطاب ستكون أمام احتمال عزل الجيل الجديد عن تراث عرفات الوطني بما هو محطة تاريخية مهمة في النضال التحرري الفلسطيني، الذي لا يمكن فصله عن النضال الوطني الراهن كما يفعل الاسلام السياسي والاتجاهات الشعبوية.
    البعض يتعامل مع عرفات كأب بالمعنى البطريركي، عوضا عن التعامل معه كأب بأدوار متبادلة، فالابناء في مرحلة معينة يتبادلون الدور مع آبائهم، يعلمون آباءهم ويصوبون أخطاءهم، وبهذا المعنى يتوحدون معهم فتأخذ الحياة دورتها الطبيعية المتطورة والصاعدة في تعاقب الاجيال. البيروقراطية المشوهة تعزل الاجيال الجديدة عن تراث عرفات الوطني وتقدم لهم تراثه المؤسسي بصيغته الجديدة الاكثر تشوها. غير ان هذا يدفع الامور باتجاه تجاوز البيروقراطية بربيع فلسطيني ينتصر فيه الابناء للاباء وفي مقدمتهم عرفات ويقيموا المؤسسة الجديدة بدماء جديدة بعيدا عن الابوية بما في ذلك ابوية عرفات.

    تغريدة الصباح - اولاد الختيار
    بقلم: احمد دحبور – الحياة
    يخيل إلي أنه ما من فلسطيني، بين عشرات الآلاف الذين عرفوا أبا عمار، إلا وفي ذاكرته شيء من القصص التي كانت تحدث مع هذه الشخصية التاريخية الشعبية، حتى لأكاد أتحرج من اضافة شيء مهما يكن بسيطا في هذه السيرة الفذة، مخافة الهمس الماكر حول كثرة الادعياء ورواياتهم، ولا سيما بعد ان غادرنا الرجل الى دار الحق، حيث لا يملك نفيا او تأكيدا لهذا السيل من القصص والطرائف..
    على انني وانا في حضرة ذكراه المجيدة، سأكتفي ببعض الاشارات البسيطة التي لا تمنحني امتيازا او فرصة لا سمح الله للادعاء..
    سأذكر مثلا، انه كان يعز اثنين من المقربين اليه معزة خاصة، وهما الراحلان الغاليان الشاعر الكبير محمود درويش ورجل الامن الخطير علي حسن سلامة. فأبو عمار الذي لم ينجب عمارا، كان يفخر بشباب المقاومة ويباهي بهم وكأنهم اخوة اشقاء لعمار غير الموجود. ومعروف ان السياسيين اللبنانيين امثال كميل شمعون وبيار الجميل وسليمان فرنجية، كانوا كثيرا ما يحضرون ابناءهم الى جلسات الحوار مع المقاومة - عندما كان ثمة ما يشبه الحوار - فيصطف امين وبشير الى جانب داني ودوري وغير بعيد عنهم طوني وروبير، حتى ان الجميل، كما يقال، مازح ابا عمار بشيء من المكر قائلا: هولي ولادنا يا سيادة القائد العام ويا ريت لو نتعرف على ولادك.. اما ابو عمار، غير المتزوج في حينها وهو الذي لا تفوته فائتة، فقد فاجأ الحضور بإبراز صورة تجمعه الى درويش وسلامة، وهو يقول باعتداد وفخر: دول ولادي.. فأسقط في يد شيخ الكتائب الثعلب العجوز..
    ويذكر، لهذه المناسبة، ان العلاقة الانسانية التي كانت تجمع بين الرئيس ابي عمار و«ولديه» محمود وعلي، كانت تسمح بذلك الرد المفحم الذي ارتجله الختيار.. وهو ما كان يوظفه الحاسدون والمعقدون في كيدهم لشاعر فلسطين الكبير الذي كان يتعامل مع القائد العام بعفوية الابن ومسؤولية المثقف، ومحمود درويش لا سواه هو الذي كتب مقالته التاريخية في جريدة «المعركة» خلال حصار بيروت، مؤكدا ولاءه للرئيس والتزامه باختياره السياسي، حين اعلن تلك المقولة: جنوده في المعركة، انداده في ابداء الرأي..
    وقد كان الامر هكذا بكل بساطة، فحين كان يعلن ابو عمار عن موقف معين، كان هذا الموقف دليل عمل لثورة استثنائية شغلت العالم، وحين كان يستشير، كان هناك عشرات الآراء التي تنهض في وجه القائد، ناقدة او مؤيدة - حسب الحالة والموقف..
    ويذكر الشهود الذين يعدون بالمئات، ان محمودا قد غضب من موقف للرئيس حتى انه تخلف عن حضور امسية له كان سيرعاها الرئيس نفسه، فطلب احد الصيادين في الماء العكر من علي حسن سلامة ان يجلب الشاعر ولو بالقوة، فما ان سمع ابو عمار بذلك حتى استشاط غضبا وصاح بذلك الصياد: انا مجرد قائد عام، اما محمود فهو شاعر العرب.. وابني. وكان ان سمع محمود رحمه الله بالواقعة، فأتى مسرعا الى ابي عمار معلنا امام الجمع: لو دعوتني يا سيدي الرئيس لوجدتني بين يديك.. وكان عناق ودموع لم يذرفها الرجلان بل شهود هذه الواقعة جميعا..
    تلك الواقعة المشهودة تقول كل شيء، ولم يبق للمرضى الحاسدين الا ان يكيدوا للشاعر الكبير، حتى ان بذيئا مشهورا بسلاطة اللسان وصف محمود بأنه شاعر البلاط!! ولم يلتفت شاعر فلسطين لذلك الهذيان، بل قال في اول قصيدة له بعد تلك الحادثة، قولته الشهيرة:
    انا اعلى من الشعراء شنقا
    وادناهم الى عشب يميل
    لهذا يعشق الشعراء قتلي
    فأحيا.. انني الحي القتيل
    ذلكم بعض مما ذرفته الذاكرة لهذه المناسبة، وستبقى علاقة الختيار بأولاده في الروح علاقة نادرة في مسار اشتباك الابداع بالسياسة، ويظل شاعرنا الخالد محمود سليم درويش جندي رئيسنا الخالد ياسر عبد الرؤوف عرفات، وضمير شعبه العابر للزمن. وبين الظلين الخالدين، ألا يحق لنا ان نباهي بأننا اشقاء الشاعر واولاد الختيار؟.

    الأوكسجين لا يأتي من تل أبيب؟
    بقلم: د. صبري صيدم – الحياة
    يزور فلسطين هذه الأيام كأس العالم لكرة القدم في رحلته الأممية التي يجوب من خلالها دول العالم قاطبة. وحال هذا الكأس كحال كل الزائرين الذين تعتقد إسرائيل بأن وجهتهم يجب أن لا تكون لفلسطين والفلسطينيين لأنهم لا يريدون لعالمنا أن يكون حاضراً معترفاً به.
    إسرائيل اعتادت أن تقتنع بأن الشمس على الفلسطينيين تشرق من طرفها وأنها كما تحمل مفاتيح الحواجز والأصفاد التي تلف بها زنود فرساننا في سجونها تحمل مفاتيح الأوكسجين الذي يتنفسه الشعب الفلسطيني معتقدة بأن هذا الأوكسجين مملوك لتل أبيب ولا يصل للفلسطينيين إلا من هناك.
    العالم اليوم بمن فيهم حلفاء الاحتلال التقليديون لم يعد يحترف الصمت الذي بلع معه حقائق الأيام وساهم في جور الظالم على المظلوم. فالعالم لم يعد يرى بأن الاحتلال الإسرائيلي ظاهرة فوق البشر ولم يعد يرى بقاءه إلا عبئاً ثقيلاً. لهذا لا عجب بأن نشهد تفسخاً في معسكر الحماية الذي حصّن الاحتلال ومكّنه ليقبض على حياتنا لعقودٍ خلت.
    لذا فالأوكسجين لا يأتي من تل أبيب وهذا ما يجب أن يقتنع العالم به. فاقتصادنا ونشاطاتنا يجب أن لا تبقى مشروطة بتحالفها مع مؤسسات وشركاتٍ إسرائيلية حتى تحظى بالشرعية والمباركة والحضور الأممي.
    كفانا أن نسكت على إصرار البعض من المؤسسات والشركات الدولية أن تمر عبر تل أبيب حتى يرفعوا عنهم الحرج والضغط في عواصمهم.
    يجب أن نكسر الحاجز الذي وضعه البعض تماماً كما فعل الزائر القادم وتماماً كما اتخذت اتحادات عدة قراراً بمقاطعة دولة الاحتلال إن لم تمتثل لحق الفلسطينين.
    قصص كثيرة وشواهد كبيرة أجبرت الاحتلال على التراجع عن الاعتقاد بأن الشمس تشرق من تل أبيب. لذا علينا أن لا نتقاعس في هذا الأمر خاصة أن استمرار إسرائيل في تصرفاتها لا بد وأن يدفعها نحو حائط العزلة طالما أنها تعتقد بأنها تملك شرايين الحياة التي يحتاجها الفلسطينيون .. فهل ننتظر أم ننتصر؟




    روح عرفات بين الطيراوي و«كلايتن» !!
    بقلم: موفق مطر – الحياة
    «لا احد يؤثر على لجنة التحقيق، ولا يمكن لأحد أن يؤثر عليَّ، فقد عاهدنا روح عرفات وعاهدناكم أن نقول لكم الحقيقة، وانا على ثقة انها امامنا فاصبروا.. فتقارير تحليلات الرفات طمأنتنا ان عملنا يسير في الاتجاه الصحيح.. فالرئيس واللجنة المركزية وكل فرد في الشعب الفلسطيني يريدون الوصول للحقيقة.. سنصل الى الحقيقة ما دمنا على قيد الحياة».
    لم يترك عضو اللجنة المركزية لحركة فتح اللواء توفيق الطيراوي وهو رئيس لجنة التحقيق الوطنية باغتيال الرئيس ابو عمار، أي فرصة للمستغلين والمتصيدين بالماء العكر لاستخدام ملف استشهاد الرئيس عرفات لأغراض سياسية أو كأداة ضغط على القيادة السياسية والتشكيك بمواقفها الخاصة بهذه القضية وموضوع المفاوضات. رغم أن الطيراوي المعهود بصراحته لم يقل حتى كلمة واحدة في الموضوع السياسي، ولم يوح بأية اشارة، وانما تكلم بدقة ومهنية واطمئنان تضاهي بلاغة « المحققين والقضاة» الذين اعتنقوا دين الحقيقة.
    كلام الطيراوي في ندوة الهوية الوطنية وتعزيز مواقعها التي نظمها كل من وزارة الاعلام والمجلس الأعلى للشباب والرياضة في اكاديمية جوزيف بلاتر برام الله كانت وفق تقديرنا ردا غير مباشر، وغير مرتب على عميل المخابرات الأميركية السي أي ايه « كلايتن سويشر» بطل شريط «مقتل عرفات.. الجزيرة تكشف سر موته» وحدة الصحافة الاستقصائية في شبكة الجزيرة الإعلامية.!! فقناة الجزيرة فتحت لكلايتن فضاءها الواسع ليبرئ اسرائيل من جريمة اغتيال عرفات، بعدما قررت لجنة التحقيق الوطنية الفلسطينية ان اسرائيل مسؤولة عن قتل عرفات بمادة سمية، وهو ما أيدته نتائج تحليلات المختبرات السويسرية والروسية، الأمر الذي جعل الطيراوي يقول: «هذه النتائج تجعلنا أكثر اطمئنانا بأن تحقيقاتنا بالاتجاه الصحيح».
    دعا الطيراوي للصبر، فالتحقيقات تسير بدقة وأمانة في اربعة اتجاهات لاستجماع اركان الجريمة ومعرفة من قصر في حماية الرئيس عرفات، ومن رفع الغطاء السياسي عنه تمهيدا لاغتياله، ومن قصد تأخير التحقيق ولم يتابعه، ومعرفة الفاعل ( الأداة ) ..أما شريط كلايتن فبدا بنمطه البوليسي كفيلم مراهق هاوي اثارة رغم تكاليف انتاجه العالية !! لكنه كرصاصة اطلقت نحو رأس القيادة السياسية الفلسطينية والسلطة الوطنية .
    لم يحقق المتشاطر ( كلايتن ) بكذب مسؤولي مستشفى بيرسي الفرنسي، وادعائهم اتلاف العينات ثم اكتشاف المحققين الفرنسيين وجودها فيما بعد ؟! لكنه بالمقابل أصر على نفي المصداقية عن تقارير المختبرات الروسية !! مركزا على صحة التحليلات السويسرية رغم وصول التحليلين الى خلاصة واحدة وهي ان عرفات توفي مسموما بمادة سمية نووية مشعة ( البلونيوم 210) رابطا طلب السلطة الوطنية اشراك الروس في عمليات تحليل الرفات الى جانب اللجنتين السويسرية والفرنسية ونتائج التقرير الروسي بأغراض سياسية ليست موجودة الا في مخيلته ..فانتهى شريط (كلايتن الجزيرة ) بسر واحد وحيد لكنه مكشوف وهو تبرئة المحرض والفاعل (اسرائيل ) للتعمية على الأداة وهي الركن المتبقي من اركان الجريمة التي تحقق فيها اللجنة الوطنية.

    أين المرأة الفلسطينية من الفكر السياسي؟!
    بقلم: محمود الفطافطة - معا
    " أنا أفكر إذن أنا موجود".. عبارة خلدها المفكر الفرنسي ديكارت قبل 360 عاماً لتظل تحمل من الدلالات والرموز ما يؤهلها لامتلاك قوة الفعل وصدقية التجربة ومداد التأثير وشرعية التقييم.. عبارة " أنا أفكر إذن أنا موجود" سندعمها بمفردةٍ أخرى هي " أنا اعمل إذاً أنا موجود" لنبنيَ من خيوطهما رداءاً يحمل جواباً /مقارباً لسؤال هذا المقال.
    بداية؛ يعتبر التفكير السياسي من أقدم النشاطات الذهنية التي مارسها الإنسان( رجلاً أو امرأة) وخاصة الفلاسفة والمفكرين. وكان أول موضوع يشغل بال الإنسان ويفكر فيه بعمق هو كيف يحمي نفسه ويؤمن بقاءه واستمراره ويلبي احتياجاته؟ . ثم أخذ يفكر في كيف يسيطر على محيطه وينظم حياته ويوسع سلطاته ويمد نفوذه ويدير علاقاته مع الآخرين ويؤثر في قناعات من حوله ؟. كانت هذه أسئلة السياسة الأولى والكبرى وما زالت هي نفسها الأسئلة التي تتردد اليوم في الفكر السياسي بموضوعاته المتعددة وتنويعاته المتباينة..
    ومن اجل تحقيق هذه الأهداف تنوعت النشاطات وتقاسمت الصلاحيات بين الرجل والمرأة حيناً؛ وفي أحايينٍ أخرى وصلت إلى درجة التناقض والافتراق.. فالرجل ( البدائي) وانطلاقاً من نظرته للمرأة على أنها متاع يُشترى ويُباع أو أداة للإنجاب والخدمة لا إنسانة ذات رسالة ومكانة لم يتح لها فرصة التعبير عن نفسها أو السماح بتغيير واقعها السيئ، فبقيت عالة على غيرها، فقيرة اليد والفكر والحراك...
    في تلك العصور الأولى كانت المرأة أداة للصراع والتناحر لا أداة للاجتماع والبناء والتنوير... هذه المرأة لم تود ـ بالتأكيد ـ أن تكون كذلك بل أن " الهيمنة الذكورية" والنظرة الاجتماعية، والنصوص الدينية المحملة برواسب الأسطورة والخرافة هي التي ألصقتها في سراديب التهميش ومناجم الهشاشة لتفقد القدرة على مواكبة أو مساعدة الرجل في تقدم الحضارات ورقيها لا سيما ذات الشأن بركيزتي المعرفة والفكر ..
    وشيئاً فشيئاً أخذت المرأة تأخذ قسطاً من حقوقها ومكانتها وبعض مصادر القوة التي تضمن لها عدم سلب هذا القسط أو نهب جزءاً من حيزه .. هذا المشهد وجدناه في عصر الرسالة المحمدية الذي كانت فيه المرأة تروي الحديث وتحفظ القرآن وتدرس الأميين من الأطفال.. نجده كذلك في حضارات الفراعنة والفرس والروم وسبأ، فعلى سبيل المثال لا الحصر كُشف مؤخراً عن أن الملكة الفرعونية" نفرتيتي" أولت الجانب الفكري والتنويري اهتماماً واسعاً في عصرها، ليوجد ما يطلق عليه وقتذاك بالفضاء الفكري المفتح على الأمم والحضارات الأخرى.. اهتمام الملكة " نفرتيتي" يمكن إسقاطه على بلقيس ملكة سبأ التي كانت حضارتها ـ حينذاك ـ من أغنى حضارات الشرق قوة خصوصاً في الجانبين العسكري والمعرفي.
    وبتطور الأمم وتوسع العلاقة والتعاون بين شعوبها أصبح للمرأة دوراً لا ينحصر في الإنجاب والزراعة ورعي الماشية كما كان الحال في مناطق جنوب آسيا وشمال وجنوب أفريقيا، بل أصبحت المرأة تشغل حيزاً لا بأس به بقطاعات الاقتصاد والخدمات والإدارة وسواها. التحاق المرأة بسوق العمل منح المرأة شيئاً من التفكير المستقل الذي حماه الاقتصاد أو الدخل المستقل.. استقلال المرأة في الدخل المالي غربياً وأقل درجة منه عربياً لم يصاحبه الاستقلال المعرفي والفكري القادر على سعة التأثير وقوة التغيير وديمومة التطوير..
    هذه الهشاشة في الاستقلالية المعرفية ـ الفكرية تأخذ صورة أوضح وتجليات أعمق لدى المرأة العربية عموماً والفلسطينية على وجه الخصوص، وذلك للأسباب التالية:
    • الجانب الحضاري: استطاع العرب والمسلمين أن يبلغوا شوأً كبيراً من التقدم والاتساع خلال 11 قرناً من الزمان إلا أنهم تراجعوا فكانت المرأة إحدى ضحايا هذا التراجع والتبعثر..
    • الجانب التربوي ـ التعليمي: لا يمكن لمجتمعٍ ما أن ينجب مفكرين طالما التربية فيه مشوهة وتقليدية والتعليم مجرد شهادات تتسابق المدارس والجامعات في تفريخها.
    • الجانب الاقتصادي ، الاجتماعي : رغم تقدم نسبة ليست بالقليلة من النساء اقتصادياً واستقلالهن مادياً غلا أن الكوابح الاجتماعية حالت دون تقدمها نحو الإبداع الفكري أو التخليق المعرفي..
    • الجانب الإداري ـ المؤسساتي: عجزت المؤسسات الفلسطينية كمثيلاتها العربية في خلق كيانات قادرة على توطين بيئة معرفية وفكرية للمرأة واستنفار طاقاتها العلمية والإبداعية..
    إلى ذلك؛ قمنا بالاطلاع على الفصول الثلاثة في الموسوعة الفلسطينية والتي تتطرق إلى الفكر السياسي الفلسطيني قبل عام 1948 وبعده فلم نجد ما يُذكر عن دور المرأة الفلسطينية في الفكر السياسي.. يبدو أن الكتاب الثلاثة لم يهتموا بهذا الأمر لأنهم ركزوا في الحديث عن هذا الفكر من خلال المؤسسات الأكاديمية والبحثية أكثر من تركيزهم على الأشخاص. هؤلاء الكتاب يؤكدون على أن معظم من كتب أو ساهم في هذا الفكر لم يقترب مباشرة من هذا الفكر بينما البعض الآخر وقف عند السطح أو وقع في التكرار غير المفيد.. بكلماتٍ أخرى لم يكن الرجل " المفكر" بالمستوى المطلوب الذي تستوجبه قضية كبرى مثل القضية الفلسطينية التي تتطلب مفكرين ينافحون عنها وعن مؤامرات وروايات الصهيونية المدلسة والمحرفة..
    المرأة الفلسطينية من الفكر السياسي بعيدة لأن الصورة بشأن ذلك غامضة وشائكة ومعقدة.. غامضة لأن الفكر السياسي الفلسطيني تعتريه صعوبة التعريف.. وشائكة لعدم وضوح أو مأسسة البيئات المفترض إنتاج هكذا فكر.. ومعقدة لأن واقع هذه المرأة تصاحبه تحديات لا تجد في الفكر وخوضه أولوية طالما التحديات الاجتماعية والاقتصادية تترصدها على الدوام..
    الحديث عن الفكر السياسي عموماً معقد وشائك، فما بالك بالحديث عن هذا الفكر ارتباطاً بالمرأة وتحديداً الفلسطينية، خاصة في ظل انعدام الأدبيات حوله.. هذا المقال قد أجاب ـ ولو بشكلٍ يسير ـ عن سؤال العنوان مع التأكيد أن الهدف هو دق الخزان " كتابياً " لإثارة الموضوع والخوض فيه بصورةٍ بحثية شاملة.. نتمنى تحقق ذلك حتى نتعرف على مدى مشاركة المرأة الفلسطينية في مجالات الفكر السياسي.. من يدق الخزان أولاً له الشكر والفخر على أن لا يطول الانتظار!!

    الملفات المرفقة الملفات المرفقة

المواضيع المتشابهه

  1. اقلام واراء محلي 312
    بواسطة Haneen في المنتدى أقلام وآراء محلي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2013-02-07, 11:07 AM
  2. اقلام واراء محلي 311
    بواسطة Aburas في المنتدى أقلام وآراء محلي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2013-02-04, 11:16 AM
  3. اقلام واراء محلي 310
    بواسطة Aburas في المنتدى أقلام وآراء محلي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2013-02-04, 11:15 AM
  4. اقلام واراء محلي 308
    بواسطة Aburas في المنتدى أقلام وآراء محلي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2013-02-04, 11:14 AM
  5. اقلام واراء محلي 300
    بواسطة Haneen في المنتدى أقلام وآراء محلي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2013-01-23, 12:35 PM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •