النتائج 1 إلى 1 من 1

الموضوع: اقلام واراء عربي 20/05/2014

العرض المتطور

  1. #1

    اقلام واراء عربي 20/05/2014

    في هــــــــــــــــــــــذا الملف:
    فــرصة الســـلام
    بقلم: جيمي كارتر عن الوطن القطرية / الواشنطن بوست
    لا عودة لكيري
    بقلم: أسامة الرنتيسي عن العرب اليوم الأردنية
    لا تصدّقوا غولدا مائير
    بقلم: أيسر البرغوثي عن القدس العربي
    المسئولية عن النگبة
    بقلم: تميم البرغوثي عن الشروق المصرية
    إحداثيات المصالحة الفلسطينية
    بقلم: زهير أبو شايب عن العربي الجديد
    سيناريوهات المصالحة الفلسطينية
    بقلم: د . ناجي صادق شراب عن الخليج الاماراتية
    البطريرك الراعي ورضا «حزب الله»
    بقلم: حازم صاغية عن الحياة اللندنية
    بطريرك أنطاكية يتفقّد الرعيّة في فلسطين... أوّاه
    بقلم: أسعد أبو خليل عن الاخبار البيروتية
    أزمة الليبرالية العربية
    بقلم: غسان الامام عن الشرق الأوسط
    ماذا فعل السيسي ليستحق حكم مصر
    بقلم: محمد العصيمي عن العرب اللندنية
    بعد سقوط الاخوان.. الشعب المصري هو المنتصر!!
    بقلم: منى العياف عن الوطن الكويتية













    فــرصة الســـلام
    بقلم: جيمي كارتر عن الوطن القطرية / الواشنطن بوست
    كتب جيمي كارتر، الرئيس رقم 39 للولايات المتحدة ومؤسس مركز كارتر غير الربحي، مقالاً نشرته صحيفة واشنطن بوست استهله قائلاً: إنه على الرغم من أن جهود السلام المكثفة في الشرق الأوسط التي بذلها وزير الخارجية الأميركي جون كيري لم تسفر عن اتفاق، فقد أوضحت القضايا العالقة أنه مازال يمكن تحقيق نتائج مهمة.. إذ أصبح فريقه من المفاوضين الآن أكثر دراية بكثير من الخلافات والعقبات المعقدة التي يتعين التغلب عليها، وكذلك الإسرائيليون والفلسطينيون الذين شاركوا في المناقشات.
    فمن الواضح أن كلاً من إسرائيل والفلسطينيين لديهما مصلحة حيوية في حل الدولتين، استناداً إلى القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة التي وافقت عليها الدول المشاركة.. وقد ناقش الرئيس أوباما بعض هذه العوامل الرئيسية، داعياً إلى الإحجام عن بناء مزيد من المستوطنات في الأراضي المحتلة والالتزام بحدود ما قبل عام 1967 (مع بعض التغييرات المتفق عليها بصورة متبادلة).
    وقدَّم الرؤساء السابقون للولايات المتحدة مقترحات موضوعية أخرى بشأن المسائل الحساسة المتعلقة بالأمن المتبادل والقدس الشرقية وحق العودة للفلسطينيين.. ومن خلال الالتزام بهذه الافتراضات الدولية الشائعة، يستطيع كيري إصدار ملخص لاستنتاجاته كـ«إطار للسلام»- وسيعود هذا بالنفع على الشعوب في الأرض المقدسة وفي دول أخرى، ولأي فرد يبذل جهوداً مستقبلية نحو سلام شامل.
    ويشير الكاتب إلى أنه من المرجح أن تستمر الخطوات الفردية الخطيرة التي بدأت بعد تعليق محادثات السلام التي ترعاها الولايات المتحدة في 29 أبريل.. فخلال الأشهر التسعة الماضية من المفاوضات، تمت الموافقة على 14 ألف وحدة استيطانية إسرائيلية جديدة؛ وألقى القبض على أكثر من 3 آلاف فلسطيني بينما سقط 50 قتيلاً، مما أثار حوادث مثيرة للقلق من الانتقام الفلسطيني، بما في ذلك مقتل ثلاثة إسرائيليين.. وتعد الخطط الفلسطينية للأشهر المقبلة واضحة نسبياً: تشكيل حكومة وحدة وطنية جديدة وتوسيع المشاركة في الأمم المتحدة.. فعلى الرغم من إدانات البعض، يمكن النظر إلى قرار قادة منظمة التحرير الفلسطينية وحركة حماس بتسوية خلافاتهم والمضي نحو الانتخابات على أنه تطور إيجابي.. وكان يتم التخلي في الماضي عن أية جهود مماثلة بسبب معارضة إسرائيل والولايات المتحدة القوية، ولكن التصميم على النجاح يعد الآن أقوى بكثير بين القادة في الضفة الغربية وقطاع غزة.
    ويرى الكاتب أن هذه المصالحة بين الفصائل الفلسطينية وتشكيل حكومة وحدة وطنية تعد أمراً ضرورياً لأنه سيكون من المستحيل تنفيذ أي اتفاق سلام بين إسرائيل وفصيل واحد فقط من الفلسطينيين.. فحتى تظل السلطة الفلسطينية الموحدة فعالة ومُعترف بها من المجتمع الدولي، سيكون من الضروري أن يقبل جميع المشاركين مبدأ الحل السلمي للخلافات والاعتراف بحق إسرائيل في الوجود داخل حدود ما قبل عام 1967 بصيغته المعدلة في اتفاق متبادل.. كما يمكن الاستفادة أيضاً من قرار رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بجعل مشاركة فلسطين في الأمم المتحدة أكثر عمقاً.. فقد اُختيرت الـ15 معاهدة التي وقَّع عليها الفلسطينيون في يوم 1 أبريل بعناية، نظراً إلى تماشيها مع اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 وبروتوكولات عام 1977 بشأن قوانين الحرب وغيرها المتصلة بالتمييز ضد المرأة وحقوق الطفل.
    وتعتبر كل هذه المعاهدات مثالية وسلمية في طبيعتها، ويجب ألا تسبب أي قلق في إسرائيل أو واشنطن. ويوضح الكاتب أن منظمات الأمم المتحدة الأكثر أهمية هي محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية، حيث يمكن تناول المسائل القانونية الحاسمة بشأن الأنشطة في الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة بصورة أقوى أكبر مما كانت عليه في الماضي.. وقد يكون الانضمام إلى هاتين المحكمتين هو آخر إجراء تتخذه منظمة التحرير الفلسطينية، لأن الولايات المتحدة وإسرائيل ستصدران ردود فعل سلبية قوية وسيحاسبان الفلسطينيين على انتهاكاتهم لحقوق الإنسان أو القانون الدولي..
    وكان كيري قد ذكر الحاجة إلى واقع أفضل على الأرض أو قيادة جديدة بوصفها متطلبات أساسية لتحقيق التقدم. ويختتم الكاتب المقال بالإشارة إلى أن تشكيل حكومة فلسطينية موحدة تتمتع باعتراف دولي أوسع وقادة منتخبين حديثاً ودعم مالي مضمون من العالم العربي قد يوفر فرصة لإجراء جولة جديدة من محادثات السلام، مما سيسمح لإسرائيل بالعيش أخيراً في سلام مع جيرانها. ومن ثم، ينبغي أن يستفيد المجتمع الدولي من هذه الفرص.


    لا عودة لكيري
    بقلم: أسامة الرنتيسي عن العرب اليوم الأردنية
    ما يتسرب من اخبار جديدة عن امكان استئناف المفاوضات الفلسطينية ـ الإسرائيلية في الأيام القليلة المقبلة، لاعادة احياء مشروع وزير الخارجية الأميركي جون كيري من جديد، ما هي الا اوهام، ومحاولات لتقطيع الوقت، واللعب في اعصابنا.
    فعلى مدار التسعة اشهر الماضية، التي مكث فيها كيري في المنطقة اكثر من مكوثه في واشنطن، كما انشغل مبعوثه إلى المنطقة السفير مارتن أنديك، في محاولات لاقناع المتعنتين الاسرائيليين بالزحزحة قليلا، الا انهما فشلا في تحقيق شيء، وتمسك رئيس حكومة تل أبيب بنيامين نتنياهو بشرطين كبيرين لاستئناف المفاوضات مع الفلسطينيين، اولهما؛ الاعتراف بيهودية إسرائيل، وثانيهما؛ تخلي الفلسطينيين عن حق اللاجئين بالعودة إلى مناطق الـ 48، وهما شرطان مستحيلان ان يجدا فلسطينيا واحدا يقبل بهما، حتى لو كان من المحسوبين على الاميركان وأصدقاء اسرائيل.
    حتى محاولات طوق النجاة التي تقدمت بها القيادة الفلسطينية لسحب قدم نتنياهو، كمبادرة حسن نية من خلال المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية في دورته الأخيرة، عبر إطلاق سراح الدفعة الرابعة من قدامى الأسرى، ووقف الاستيطان الإسرائيلي وقفا شاملا في القدس والضفة الفلسطينية لمدة ثلاثة أشهر، رفضهما رفضا شرسا ومارس عكسهما.
    لا بل رد عليهما بقرارين وقحين، حيث أصدر ما يسمى المجلس القُطري للتخطيط والبناء الاسرائيلي قرارًا بالمصادقة على المخطط الهيكلي لإقامة «حديقة وطنية» على أراضي قريتي العيسوية والطور شرق القدس، وهذا الامر على الارض يعني ابتلاع نحو 700 دونم من أراضي القريتين اللتين تسرب في يوم ما انهما الاقرب الى العاصمة الفلسطينية المنتظرة، بعد رفض اسرائيل اي شكل للعاصمة في القدس.
    والقرار الثاني، المقدّم من قبل ما يسمى وزير الامن الداخلي، القاضي بالسماح بإطعام الاسرى المضربين عن الطعام بالقوة، حيث تم تحويله للكنيست لاعتماده بالقراءات الثلاث، بعد ان صادقت عليه اللجنة الوزارية لشؤون التشريع يوم الاحد.
    هذا القرار يقضي بإطعام الاسرى المضربين عن الطعام بالقوة وتقديم العلاج الطبي اللازم لهم خلافا لرغبة بعض التقييدات، كأن يتم ذلك بعد مصادقة رئيس المحكمة المركزية او نائبه، واحتفاظ الاسير بحقه بالتمثيل امام المحكمة من قبل محام يختاره. لا يلزم الاطباء بتقديم العلاج للاسرى خلافا لما تمليه عليهم ضمائرهم.
    أمام هذا المشهد، والواقع، يستحضرني شاعر العراق الكبير مظفر النواب (امد الله في عمره وشفاه من مرضه) عندما قال: (اغفروا لي حزني وخمري وغضبي.. وكلماتي القاسية.. بعضكم سيقول.. بذيئة.. لا بأس… أروني موقفا أكثر بذاءة مما نحن فيه..). وبعد كل هذا هناك من يقول ان عودة كيري الى المنطقة لاستئناف المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية قريبة.

    لا تصدّقوا غولدا مائير
    بقلم: أيسر البرغوثي عن القدس العربي
    عادةً، وفي كل ذكرى للنكبة، يتهافت الصحافيون باحثين عمّن يقصّ عليهم الحكاية من البداية، من أفواه أولئك الذين عايشوا المأساة، وذاقوا المرارة، ولا زالوا محتفظين بمفاتيح بيوتهم المهجّرة، أو ‘كواشين’ أراضيهم التي تثبت الملكية.
    وفي العادة أيضا، تسارع الأقلام كي تكتب عن بيت مهجور، أو أرض ضائعة، يسيل المداد ليسجل حكاية من أُخرج دون أن يعلف غنمه، وهُجِّر قبل أن يحصد الزرع، تدور الكاميرات بحثا عن ثمانينيٍّ ما زال يحمل مفتاح بيته، أو ‘ابنة’ سبعينَ حولا أمكنها حَمْل شهادة ميلادها، أو أوراق ‘طابو’ تثبت حقها في خربة بيوض أو سعسع أو بيت محسير أو غيرها، قبل أن تحملَهم عصابات الهاغاناة على الهجرة.
    لكن، وبعد ستة وستين عاما، وربما عقب هذا التاريخ بسنوات أخرى، تُرى، كيف سنبث أمنياتنا عن العودة، وكيف سننقل تفاصيل اللجوء، إن فقدنا أولئك الذين أرهقتهم حياة المخيم، وأغمض حلم العودة عيونهم للأبد، من سيحدّثنا عن الشجرة، بلدةِ عبد الرحيم محمود التي أصبح اسمها في عرف الغرباء ‘إيلانيا’، من سيحتفظ بمفاتيح العودة وكواشين الأرض التي لم يعد بمقدور ‘ختايرة اللجوء والمخيم’ حفظها إن جار عليهم العمر والقدَر، رغم الدعوات بأن يطيل الله في عمرهم حتى تزول إسرائيل، أو على الأقل حتى تطبق الأمم المتحدة قراراتها على إسرائيل؟!
    سيقولون، إن غادر الكبار، فالصغار لا ينسون، نعم، الصغار لا ينسون، لكن إن علموا أولا ما الذي يجب تذكره وفهمه عن الوطن المسلوب، راعَني المشهد في أحد مخيمات الشتات حين كانت كاميرا إحدى الفضائيات تدور بين الأجيال الجديدة من اللاجئين، وتمتحنهم بأسئلة عن فلسطين وقراها، المحتلة والباقية، حالة من التوهان وفقدان الذاكرة بين اللاجئين الشباب، حتى في أمور يظنها الكثيرون غير قابلة للنسيان، كالقدس مثلا، او حدود فلسطين التاريخية، وكأن الظروف المعيشية الصعبة تمحو ما قد يكون خطّه الراحلون حول الوطن؛ الصدمة تتجدد هنا في الضفة الغربية، مجرد محاولة لاستطلاع آراء بعض طلبة المدارس باستفسارات حول النكبة، تظن أنك ستجد إجابات تفاخر بها، قبل أن تصاب بخيبة أمل وصدمة من حجم ‘التجهيل’ الحاصل، تعود إلى الوراء، إلى غولدا مائير، وإلى الذين دأبوا يرددون فشل مقولتها، ‘الكبار يموتون والصغار ينسون’، تقولك لهم ولنفسك، إن بقي الأمر على حاله فقد صدقت غولدا مائير.

    المسئولية عن النگبة
    بقلم: تميم البرغوثي عن الشروق المصرية
    ستة وستون عاما، نحن مسئولون عن ستة وستين عاما منها. ما مر منذ عام 1948 لم نُضِع فيه فرصة للنصر.
    فى عام 1948 نفسه، لو أن الجيوش العربية سلحت سكان البلاد وأمدتهم إمدادا دائما فخلقت فى فلسطين التاريخية حركة مقاومة طيبة التجهيز كما فعلت إيران مع جنوب لبنان لما قامت لإسرائيل قائمة أصلا. وينطبق الأمر نفسه على الفترة ما بين عامى 1948 و1958 حيث كان يمكن لمقاومة فلسطينية جيدة التسليح فى الداخل أن تخلل من استقرار الكيان الجديد بما يخيف المهاجرين إليه، فيعلمون أنهم لا يأتون إلى مأمن لهم بل إلى دار حرب أخرجوا منها سكانها الأصليين، فيفشل مشروع الدولة من بدايته.
    ثم فى الفترة ما بين 1958 و 1967 كان من الممكن للوحدة المصريةـ- السورية (1958 إلى 1961) أن تستمر إذا اشتبكت فورا مع إسرائيل فى حرب استنزاف طويلة من جبهتين. لو حدث ذلك لما وجد الانفصاليون أى تأييد فى دمشق. ولكن بدلا من ذلك، قرر العرب أن يعادى بعضهم بعضا، فاختصم القوميون فى مصر وسوريا مع الشيوعيين فى العراق، وناوأ جمال عبدالناصر عبدالكريم القاسم فى مسألة الكويت ثم اشتبك مع السعودية فى حرب اليمن، وظل مشتبكا فيها حتى أخذت إسرائيل القدس والضفة وغزة والجولان وسيناء.
    وفى عام 1967 كانت النتيجة ستختلف لو امتلك العرب الشجاعة الكافية للبدء بالهجوم، فقد كانت المسافة بين حدود الضفة الغربية لنهر الأردن التى يسيطر عليها العرب والبحر الأبيض المتوسط حوالى ستة أميال، أى أن مدفعية فعالة المدى منصوبة على تلال الضفة كانت قادرة أن تشق إسرائيل نصفين. ثم حين اجتاحت إسرائيل البلدان العربية، طلب العرب وقف إطلاق النار خوفا على عواصمهم، لأن العسكر فى القاهرة ودمشق يؤمنون تماما بمنطق الدولة الحديثة، ولا يؤمنون بالناس. كانوا يظنون أن الإسرئيليين إذا دخلوا القاهرة ودمشق فقد تمت الهزيمة، والحقيقة أن الإسرائيليين لو دخلوا مناطق الكثافة السكانية فى هاتين المدينتين لأصابهم مثل ما أصابهم حين دخلوا بيروت بعدها بخمسة عشر عاما، أو مثل ما أصاب الأمريكيين حين دخلوا بغداد. ولا طاقة للإسرائيليين بالحروب الطويلة.
    العسكر أولاد الدولة الوطنية الحديثة، والدولة الوطنية الحديثة بنت الاستعمار، رسم حدودها وبنى بيروقراطياتها وأسس جيوشها، وهى جيوش لم تؤسس لتنتصر فى الحروب على منشئها وربها الاستعمارى، بل لتكون رديفا لقوات الشرطة وحفظ النظام، وتدافع عن المصالح الرأسمالية لطبقة من التجار الوسطاء، يبيعون للمستعمر المواد الخام والعمالة الرخيصة ويؤمنون له طرق التجارة العالمية مقابل أن يسمح لهم بحكم البلاد وتسمية هذا الترتيب استقلالاَ. لم تبن الجيوش فى بلادنا لتغلب بريطانيا وفرنسا وأمريكا وإسرائيل، بل لتحافظ على مرور حاملات النفط من قناة السويس من أى «إرهاب» يهددها، ولتعطى كل شعب وهم استقلال، لا يستطيع الدفاع عنه أمام أمريكا وإسرائيل ولكنه يستطيع الدفاع عنه ضد أى مشروع للوحدة مع إخوته وجيرانه. إن تمسك العسكر بجيوشهم وبيروقراطياتهم وعواصمهم هزمهم.
    فما فائدة أن يبقى لك جيش لا تخيف به عدوك، والأجدى أن تكون لك مقاومة تخيفه، وما فائدة أن يظل قصرك الرئاسى سليما، إن كان قرارك السيادى لا يصدر عنه. لذلك كلما قاتلنا إسرائيل بالجيوش النظامية لم نفلح وكلما قاتلناها بالمقاومة الشعبية أفلحنا. ففى عام 1956 كان للمقاومة الشعبية والضغط الدبلوماسى اليد الطولى فى إنهاء الحرب، لا الضغط العسكرى. وفى 1973، انتهت الحرب والقوات الإسرائيلية فى غرب القناة ليس بينها وبين القاهرة شيء، ولم تسترد مصر سيناء إلا باتفاقية سلام أخرجتها من الصراع العربى الإسرائيلى ونزعت سلاح سيناء. اتفاقية تضمن مصلحة إسرائيل الأساسية فى سيناء، وهى أن تكون منطقة عازلة بينها وبين مصر، وتضمن مرور الإسرائيليين من قناة السويس ومضايق خليج العقبة، وتضمن حصول إسرائيل على نفط سيناء وغازها، وتسمح للإسرائيليين أن يدخلوها بدون تأشيرة مسبقة.
    ولنعد الآن للفرص الضائعة، إن ما سبب هزيمة 1967 هو ذاته ما خرب حرب 1973، خوف العسكر على الدولة، خوفهم من وجود القوات الإسرائيلية على مقربة من القاهرة ودمشق، ولو أنهم استمروا فى الحرب لخسرها الإسرائيليون حتى وإن دخلوا تلك المدن، كانوا سيدخلونها ويخرجون منها أضعف بكثير مما دخلوا. وإنه ليست من قبيل المصادفة أن البلد العربى الوحيد الذى انتصر على إسرائيل انتصارا عسكريا خالصا بدون اتفاقية سلام، واسترد كامل أراضيه منها، هو لبنان، البلد الذى لم تكن فيه دولة مركزية، ولا جيش نظامى يحولان بين الناس والعدو، فى لبنان كانت الحرب بين إسرائيل والناس، فانتصر الناس، ولو أن الأمر كان بيد الدولة اللبنانية، لرضيت باتفاقية سلام تعطى إسرائيل جنوب لبنان خوفا على بيروت، ولكن الناس لم يخافوا فانتصروا.
    وبعد عام 1973 كان من الممكن للمقاومة الفلسطينية فى لبنان أن تحقق إنجازات كبيرة لو لم تستدرج فى الحرب الأهلية اللبنانية، أو لو أن السوريين تحالفوا معها بدلا من أن ينافسوها على السيطرة على لبنان.
    وبعد قيام الثورة الإيرانية، ودخول إيران حلبة الصراع العربى الإسرائيلى إلى جانب العرب بدعمها المقاومة اللبنانية، اختار العرب أن يحاربوها، وبدلا من تكون حلف إيرانى عراقى سورى لبنانى معاد لإسرائيل على الجبهة الشرقية يعوض غياب مصر عن الجبهة الغربية، اشتغل العرب عقدا كاملا فى حرب العراق وإيران، وحصل بعد ذلك ما يحذر منه العقلاء بعد كل حرب بين الإخوة: سيحارب الاستعمار المنتصر منهما على أخيه، فكانت حروب العراق من 1991 إلى 2003 بشكل من الأشكال، نتيجة لحربه مع إيران.
    وأخيرا، عندما قامت الثورات العربية، كان تحرير فلسطين ممكنا، لو أن مصر كملت، ولو أن سوريا لم تبدأ: أعنى لو أن الثورة المصرية كملت بحكم الثوار وإلغاء اتفاقية كامب ديفيد ورعاية حركة مقاومة ضد إسرائيل فى غزة وسيناء تكون حليفة للمقاومة اللبنانية وتصبح مصر جزءا من تحالف كبير ممتد من بحر قزوين إلى البحر الأبيض، ولو أن الأحداث السورية لم تندلع لتفرق بين سنة الأمة وشيعتها، وتدخل الأمريكيين إلى الشام حين كانوا على وشك الخروج من مصر.
    مرة أخرى ستة وستون عاما، نحن مسئولون عن ستة وستين عاما منها.

    إحداثيات المصالحة الفلسطينية
    بقلم: زهير أبو شايب عن العربي الجديد
    كانت المصالحة بين حماس وفتح تبدو، أحياناً، كما لو أنّها شأن داخليّ محض، وكان ذلك مدعاةً - لدى الفلسطينيّين - لاتّهامهما بالعبث في الوحدة الوطنيّة، وعدم الاكتراث بما يمليه الظرف الفلسطينيّ الصعب عليهما من التزامات وضوابط. لكنّ الحقيقة هي أنّ الاعتبارات الخارجيّة (الإقليميّة والدوليّة) كانت أقوى وأبلغ تأثيراً على المصالحة من كلّ الاعتبارات الداخليّة، لأنّ إسرائيل وأميركا ومصر والأردن وسوريّة وإيران والسعوديّة وتركيّا، على الأقلّ، كانت لها مصالح مباشرة في تفعيل المصالحة أو تعطيلها. وذلك يعني، إذن، أنّ حركة حماس وحركة فتح كانتا مجرّد بيدقين صغيرين في شطرنج دوليّ، ولم يكن مسموحاً لصراعهما بأن يمتدّ أو ينحسر، إلاّ ضمن قوانين لعبة دوليّة أكبر منهما بكثير. وفي غير مرّة، كانت أميركا وإسرائيل تعلنان، بكلّ صراحة، أنّ التصالح مع "حماس" تصالح مع الإرهاب، وأنّه يتعارض مع عمليّة السلام المتعثّرة، ويضعف موقف فتح، لا في تفاوضها مع إسرائيل، بل في تناقضها مع حماس؛ وكان ذلك سرعان ما يؤدّي إلى تعطيل المصالحة استجابة لرغبة إسرائيل المقدّسة، وتجاهلاً لرغبة الفلسطينيّين الملحّة في إتمامها.
    لقد حلمت إسرائيل، كثيراً، بصراعٍ بديل يصرف الفلسطينيّين عن الصراع معها، لأنّ سلام أوسلو المخاتل لم يصلح للحيلولة دون اندلاع الانتفاضة الفلسطينيّة الثانية الّتي أقضّت مضاجع الإسرائيليّين. وهذا بالضبط هو ما دفع إسرائيل إلى التغاضي عن دخول حركتي حماس والجهاد الإسلاميّ إلى (حظيرة أوسلو)، وانخراط "حماس" في تنافس بائس مع فتح وفصائل منظّمة التحرير الأخرى على وهم السلطة. كانت النتيجة أن فازت حماس في الانتخابات البلديّة والنيابيّة الّتي جرت سنة 2006، واضطرّ محمود عبّاس إلى تكليف إسماعيل هنيّة بتشكيل الحكومة، فيما تحوّلت فتح إلى معارضة مكلومة وعدوانيّة.
    آنذاك، صرّح محمّد دحلان بأنّ من العار على فتح المشاركة في حكومة تقودها حماس؛ وسرعان ما تحوّلت علاقة التنافس إلى احتقان، ثمّ إلى صراع مسلّح، ثمّ إلى انشقاق كامل تمثّل بانفصال غزّة عن الضفّة سنة 2007. هكذا صار صراع الفلسطينيّ مع ذاته بديلاً مثاليًاً لصراعه مع العدوّ، وأدّى ذلك إلى حدوث بلبلة، وتشوّهات خطيرة، في صورة العمل الوطنيّ الفلسطينيّ، فلا فتح حقّقت شيئاً في خيارها التفاوضيّ مع إسرائيل، ولا حماس حقّقت شيئاً في خيارها المقاوم، ولا الشعب الفلسطينيّ عاد يميّز بين ما تقترفه حماس وفتح بحقّه من خطايا، وما ترتكبه إسرائيل ضدّه من جرائم. ولم يكن الصراع البديل مع الذات يرمي، فقط، إلى تأجيل الصراع مع إسرائيل، بل كان يرمي إلى تفكيكه، وتعطيل آليّاته، وزحزحته باتّجاهات أخرى، حيث لا يظلّ سؤال (المقاومة) السؤال الوحيد الذي يتمحور حوله الصراع، ولا تظلّ (إسرائيل) الطرف الوحيد الذي ينبغي للفلسطينيّ (الوحيد وغير المتّحد) أن يتصارع معه.
    لقد استولت فتح على السلطة في الضفّة بعد عام واحد من حكم "حماس"، فيما احتفظت حماس بسلطتها في غزّة، ولم تعد خلافاتهما القديمة السبب المباشر في صراعهما بعد أن علق كلّ منهما في فخّ (السلطة). وبسبب تحالف حماس مع حزب الله وإيران، ألصقت بها شبهة التواطؤ مع الإرهاب، وكان يراد من وراء ذلك ترحيل "حماس" إلى خانة الإرهاب، وإسقاط صفة المقاومة عنها، ليتحوّل الصراع معها إلى شكل من أشكال محاربة الإرهاب. وقد لعب نظام حسني مبارك دوراً كبيراً في الضغط على "حماس"، من أجل دفعها إلى التخلّي عن المقاومة؛ ونجح - أكثر من مرّة - في إلزامها بالامتناع عن قصف المستوطنات الإسرائيليّة بالصواريخ الّتي سمّاها محمود عبّاس بالصواريخ العبثيّة. لكنّ إسرائيل كانت تبادر، دائماً، إلى خرق الاتّفاقات، كأنّما لتذكّر الفلسطينيّين بأنّ قرار الحرب والسلام بيدها هي وحدها، وبأنّهم ليسوا شركاء لها لا في الحرب ولا في السلام.
    كان تعطيل المصالحة، في نظر حماس، مرتبطاً بأجندة إسرائيليّة وأميركيّة. أمّا فتح، فكانت ترى أنّه مرتبط بأجندة إيرانيّة، وفي الحالين، فإنّ الطرف الفلسطينيّ كان يبدو، طيلة الوقت، عاجزاً عن تحقيق رغبته في المصالحة، حين تصطدم برغبة الآخر الإسرائيليّ، أو الأميركيّ، أو الإيرانيّ، في تعطيلها. لكنّ الأمر يبدو مختلفاً في الآونة الأخيرة، فالفلسطينيّون يصرّون على المصالحة، والنظام المصريّ يشجّعهم، ويعد بفتح معبر رفح بشكل دائم، وتلك مكافأة ما كانت حماس لتحلم بها من قبل؛ وإسرائيل غير جادّة في رفضها المصالحة كما كانت طيلة الأعوام الثمانية السابقة، بدليل أنّها سمحت لوفد فتح باستخدام معبر إيرز في الدخول إلى غزّة والخروج منها، وهو ما لم تكن تسمح به من قبل.
    كلّ ذلك يعني أنّ ثمّة تواطؤاً ما لتحقيق المصالحة، بحيث تبدو كأنّها استجابة لرغبة الفلسطينيّين الملحّة، فيما هي استجابة لرغبات آخرين. المصالحة ستؤدّي إلى تشكيل حكومة تكنوقراط خالية تماماً من السياسيّين! تلك خطوة ضروريّة وحاسمة لفكّ الارتباط بين (المقاومة) و(السلطة)، ولإغراق الفلسطينيّين في البحث عن وهم الاستقرار الذي يحقّقه وهم الدولة، بدلاً من المكابدات والويلات التي ظلّوا يجنونها طيلة ستّ وستّين سنة، بسبب المقاومة. إنّها خطوة حاسمة لتهجير الفلسطينيّين من تاريخهم.

    سيناريوهات المصالحة الفلسطينية
    بقلم: د . ناجي صادق شراب عن الخليج الاماراتية
    لعل أهم الإفرازات الإيجابية لثورات التحول العربي، والثورة في مصر وما ارتبط بها من تداعيات سياسية علي المشهد السياسي الفلسطيني وتحولاته هو الوصول إلى اتفاق بين فتح وحماس على توقيع اتفاق غزة للمصالحة في الثالث والعشرين من شهر إبريل الماضي، والدعوات الشبابية الفلسطينية في الضفة وغزة ورفعها شعار "الشعب يريد إنهاء الانقسام" . . و"الشعب يريد إنهاء الاحتلال" . هذا الاتفاق رغم أنه أعاد قدراً من التفاؤل لدى المواطن الفلسطيني للحد من معاناة الحصار والاحتلال، يحمل في طياته وبالمقابل قدراً من الخوف من الفشل بسبب فشل ستة اتفاقات مصالحة قبل ذلك، رغم أن هذا الاتفاق ليس جديدًا في بنوده، بل هو تأكيد لاتفاق القاهرة والدوحة .
    والفشل هذه المرة له نتائج خطرة على مستقبل كل من حركتي فتح وحماس، ولا ننسى أن سنوات الانقسام عمقت من جذور أزمة الثقة بين القوتين لاعتقاد كل منهما أن الآخر يريد إقصاءه، والتخلص منه، والخوف من عدم القدرة على مواجهة الضغوط التي قد تفرضها الولايات المتحدة، و"إسرائيل" . وشروط الرباعية التي لم تكتف باعتراف منظمة التحرير الفلسطينية بها، وتريد اعترافاً من حماس حتى تستنفذ ما تبقى للفلسطينيين من أوراق قوة تفاوضية، وبعيداً عن التشاؤم تترسخ عوامل التفاؤل التي تدفع في اتجاه المصالحة، والمهم في سيناريو المصالحة أن تبدأ ولو بخطوات صغيرة ومحسوبة وتعرف هدفها النهائي . وبعيدًا أيضاً عن البحث في الأسباب التي دفعت الحركتين نحو المصالحة هذه المرة، تبقى الحالة الفلسطينية وخصوصيتها التي يحكمها الاحتلال "الإسرائيلي"، والمتغيرات الإقليمية والدولية هي التي تفرض حتمية العودة لوحدانية القضية والشعب الفلسطيني، وإذا كان لي أن ألخص الأسباب، فهناك سبب واحد وهو أن الانقسام شكّل خياراً مدمراً وخطراً على مستقبل كل من فتح وحماس، هذه هي خلاصة سبع سنوات من الانقسام، فحماس لم تجد نفسها مع استمرار الانقسام، وفتح أيضاً لم تجد نفسها مع الانقسام، وهذا هو سبب فشل كل الخيارات الفلسطينية، مفاوضات ومقاومة . ولكن في الوقت نفسه لا يمكن أن نتجاهل ما رسخته سنوات الانقسام من بنية انقسام، ومن منظومة قيم، ومن قوى مستفيدة، ومن قوى إقليمية ودولية تريد الانقسام أن يستمر . وليس لي أن أذهب بعيداً أن حماس تريد غزة، ولا ضرر في ذلك، ولكن من خلال الكل والشرعية الفلسطينية الكاملة، وهذا ما أدركته حماس، وهذا أيضاً الدافع الرئيسي الذي يفسر لماذا وافقت حماس على المصالحة، لأنها بالمصالحة لن تخسر غزة . وبقدر ما توجد عوامل دافعة للمصالحة، توجد عوامل وقوى لا تريد للمصالحة أن تنجح، وفي يقيني أن التحدي الأكبر في طريق المصالحة هو ما مدى قدرة ورغبة كل من فتح وحماس على الاتفاق والتوافق فيما بينهما، وفي إطار مشروع سياسي وطني من المرونة والاتساع ليجمع بين حركتين متباعدتين إيدولوجياً وفكرياً ومرجعيتين متباعدتين، وقد يكون الموحد بينهما كونهما أولا حركتين وطنيتين فلسطينيتين هدفهما إنهاء الاحتلال "الإسرائيلي"، وقيام دولة فلسطينية .
    يبقى هذا التباعد يشكل تحدياً، ولكنه ليس مستحيلاً . في ضوء كل ما سبق تتعدد السيناريوهات المتوقعة للمصالحة، وتتراوح بين سيناريوهين عريضين إما سيناريو الفشل، أو سيناريو النجاح . وعموماً هناك من يتوقع ثلاثة سيناريوهات سيناريو الاتفاق الجزئي، بمعنى الاتفاق على بنود معينة كقضية المعبر . وسيناريو الاتفاق المؤقت، والذي يتوقف بزوال الأسباب التي دفعت كلاً منهما إلى الاتفاق كتجاوز الأزمة المالية لحماس أو حدوث تحولات إقليمية في مصلحة الحركة، وبالنسبة للسلطة وفتح تجاوز أزمة المفاوضات، والسيناريو الثالث وهو سيناريو الطموح الوطني، وهو النجاح التام وتوقيع كل بنود الاتفاق، وهذا يتوقف على تغليب المصلحة الوطنية الفلسطينية، وتغليب هدف الوحدة الوطنية على أي هدف آخر، والقدرة على مواجهة كل الضغوط التي قد تمارسها الولايات المتحدة و"إسرائيل"، والقوى الإقليمية والداخلية التي قد تقف في طريق إكمال المصالحة لأنها فقدت ورقة القضية الفلسطينية، وأيضاً التخلص من النزعة الأمنية لكل منهما . وعموماً نقطة الارتكاز في نجاح هذا السيناريو هو الاعتراف بوجود بنية انقسام حقيقية، قد يصعب التغلب عليها بقرار أو بانتخابات وأن الأمر يحتاج إلى رؤية تصالحية، ومنهاج وظيفي متدرج لإحلال بنية مصالحة كاملة محل بنية الانقسام القائمة .

    البطريرك الراعي ورضا «حزب الله»
    بقلم: حازم صاغية عن الحياة اللندنية
    بغضّ النظر عن طبيعة الزيارة «إلى القدس وبيت لحم»، التي سيقوم بها البطريرك المارونيّ بشارة الراعي، فإنّ سؤالاً مُلحّاً يطرح نفسه علينا:
    هل يمكن التعايش في رقعة مساحتها لا تتعدّى الـ 10452 كيلومتراً مربّعاً، ولا يقيم عليها من المواطنين أكثر من أربعة ملايين، صوتان: صوت يريد أن يحرّر القدس وبيت لحم، في عداد ما يريد تحريره، وآخر يزور صاحبه القدس وبيت لحم؟
    لا بدّ من أنّ هناك خللاً ما. والخلل هذا كان ليتبدّد لو أنّ «حزب الله»، صاحب المقاومة والتحرير، وقف وقفة صلبة ضدّ زيارة الراعي، بل حتّى لو حاول منعها بالقوّة التي يملكها. لكنّ الحزب لم يفعل، وحسناً أنّه لم يفعل.
    لقد اكتفى بكلمات قليلة تقول إنّه غير سعيد بالزيارة هذه، مُرسلاً إلى بكركي وفداً تصرّف بأتمّ اللياقة والتهذيب في تعبيره عن عدم سعادته.
    والأمر، والحال هذه، ينطوي على مراعاة غير مألوفة كثيراً من الحزب لواقع الطوائف اللبنانيّة وخياراتها. ولأنّ المراعاة غير مألوفة، خصوصاً حين يكون الحدث زلزاليّاً كما هي حال زيارة الراعي، والتي ستشمل أيضاً «تفقّد» مَن انخرطوا في «جيش لبنان الجنوبيّ»، فإنّ ثمّة ما يدعو إلى التفكير والتمعّن في هذه المراعاة.
    فالمؤكّد الذي لا يقبل النقاش أنّ سلوكاً كهذا كان ليستحيل قبل 2005، حين كانت القوّات السوريّة في لبنان. لكنْ من المؤكّد أيضاً أنّه كان ليستحيل قبل 2011، حين كانت بوّابة الموضوع الإسرائيليّ المَعبَر الأهمّ، بل الأوحد، لخدمة المصالح الطائفيّة التي يرعاها «حزب الله»، معطوفةً على خدمة المصالح الإيرانيّة في المشرق العربيّ. أمّا بعد قيام الثورة السوريّة، فصارت البوّابة السوريّة هذا المَعبَر. فاليوم تُرسم في دمشق، لا في تلّ أبيب، صورة العلاقة بين الطوائف والجماعات، وفيها يقوى الجسر الإيرانيّ إلى منطقتنا أو ينهار.
    أبعد من ذلك أنّ تبدّل الأولويّات هذا، وما استجرّه من سياسة المراعاة للطوائف، أو لبعضها، يوفّران حجّة أخرى للقائلين إنّ مقاومة «حزب الله» لم تكن إلاّ ذريعة لتمكين الطائفة ولتعزيز رعاتها الإقليميّين. ولطالما كانت فلسطين الموسيقى السهلة التي يرقص على نغمها من تودّ سوريّة «القويّة» ترقيصه. فحينما انهار الموقع السوريّ تحوّلت حلبة الرقص عن فلسطين.
    هكذا يخذل «حزب الله» أفراداً بسطاء تحلّقوا حوله لأنّه «يقاوم إسرائيل»، مثلما تخذل الحقيقةُ الأوهام. ويُترك هؤلاء يقاتلون طائفة كبرى، غير مدعومين بطائفة كبرى، ظانّين أنّهم يحظون بمباركة «الجماهير» التي تأتي من خارج الطوائف، أي من خارج الواقع والوقائع، أي لا تأتي.
    وفي هذا، على عمومه، درس مفاده أنّ قضيّة فلسطين إنّما صُنّعت وجُعلت قضيّة جوهرانيّة لا حلّ لها لأنّ سوريّة العسكريّة كانت تريدها هكذا، فتستخدمها كي تخنق شعبها وتضع يدها على لبنان وتُخضع الفلسطينيّين وتهدّد الأردنيّين...
    والأبرياء الذين صدّقوا العسكر السوريّ، الذي تلازم صعوده السياسيّ مع نكبة فلسطين، صدّقوا أيضاً «حزب الله». لكنّ هؤلاء لم ينتبهوا إلى أنّ آباءهم في الخمسينات والستينات انقرضوا تماماً: ذاك أنّ الآباء كانوا فعلاً الجماهير لأنّ الزمن العسكريّ حينذاك كان يكبح البلدان والجماعات ويضع دواخلها في ثلاّجة مُحكمة الإغلاق، فلا يتيح للحناجر أن تصدح إلاّ بفلسطين. أمّا وقد استيقظت تلك الدواخل، بالوطنيّ فيها كما بالطائفيّ والعشائريّ، فقد صرنا في مكان آخر يتوهّم الأبناء فيه أنّهم... جماهير.
    وفي هذه الغضون يستأنف البعض كذبهم في استغلال فلسطين، والبعض الأصغر بَلهَهم بطوبى فلسطين، فيما يتهيّأ الراعي لزيارة قد لا نستطيع اليوم أن نتخيّل دلالاتها البعيدة.

    بطريرك أنطاكية يتفقّد الرعيّة في فلسطين... أوّاه
    بقلم: أسعد أبو خليل عن الاخبار البيروتية
    اختار حزب الله أن يلتزم الصمت وجماعة 8 آذار لا تريد أن تعكّر صفو العلاقة مع البطريركيّة المارونيّة. جمعيّات وأفراد ولجان مقاطعة العدوّ الصهيوني هم وحدهم في الميدان ولا من يسندهم - لا بل هم يواجهون بالاتهام بفرض «الإرهاب الفكري» (والمصلطح هو عنوان الاختراق الصهيوني التطبيعي الجديد). العدوّ الإسرائيلي «يدخل» متى وكيفما شاء إلى الأراضي اللبنانيّة فيما يطلب ميشال سليمان ـ الذي لم يتلقّ أموالاً سعوديّة تثميناً لمواقفه كما زعم مغرضون ومغرضات ـ من وزير الطائفيّة الخارجيّة التحقّق من كلام منسوب إلى رجل إيراني أضرّ بالسيادة اللبنانيّة الغالية، ونبيه برّي هدّد بمقاطعة الاجتماعات الثلاثيّة (التي تضمّ ممثّلين عن العدوّ) في الناقورة كردّ قوي على عدوان وخروقات العدوّ (يعني نردّ على العدوّ بالتهديد بعدم التكلّم معه لفترة وجيزة جدّاً).
    البطريرك الماروني عقد النيّة على تفقّد الرعية في فلسطين المحتلّة. وخلال الأيام الماضية بدأت مصادر البطريركيّة بتزويد وسائل الإعلام بأرقام متصاعدة لعدد الموارنة في فلسطين المحتلّة. والنسبة ترتفع على مدار الساعة وقد تصل إلى مليون ماروني، من دون حسبان المليار ماروني في بلاد الاغتراب. البطريرك يتفقّد الرعيّة، فما الغرابة؟ هو لا يخلد إلى النوم قبل التحقّق من وضع الرعيّة في فلسطين، قبل الأكل وبعده. أليس البطريرك هو بطريرك أنطاكية وسائر المشرق؟ صحيح أنه لم يتفقّد أنطاكية بعد، لكن ماذا عن سائر المشرق؟ لماذا تُحرّم عليه؟ من حق البطريرك تفقّد الرعيّة أينما كان، ولو في الصين، أو هكذا يقول مناصرو زيارة البطريرك إلى فلسطين المحتلّة. لكن للموضوع خلفيّة.
    لا يمكن مناقشة موضوع زيارة البطريرك الراعي إلى فلسطين المحتلّة من دون العودة إلى تاريخ دور البطريركيّة في الصراع العربي ــ الإسرائيلي. هناك من يضيف أن البطريركيّة تعتبر أن «إسرائيلي عدوّ (ولكن)» - على طريقة خطاب حركة 14 آذار. لا، ليس للبطريركيّة المارونيّة تاريخ من العداء نحو العدوّ الإسرائيلي. ما يكمن قوله هنا إن هناك اليوم أكثر من أي يوم، حاجة ماسّة إلى الإفراج عن وثائق البطريركيّة حول العلاقات التاريخيّة مع الحركة الصهيونيّة، وفيما بعد مع العدوّ الإسرائيلي. نعلم اليوم أن البطريركيّة المارونيّة أقامت علاقات سريّة مُبكّرة مع الحركة الصهيونيّة. رأت البطريركيّة المارونيّة تلازماً بين المشروع الصهيوني وبين مشروع إنشاء كيان طائفي مسيحي في لبنان. هذه حقائق لا تغيّبها حسابات ونفاق 8 آذار و14 آذار، ولا تغيّبها كتب التاريخ المزوّرة التي تزعم ان الشعب اللبناني كان ولا يزال متوحّداً حول العداء للصهيونيّة. إميل إدة كان يعرض خدمات على الحركة الصهيونيّة وكان قادة الصهيونيّة يخافون عليه منها.
    لم يكن الترحيب الذي لاقاه المشروع الصهيوني عند بعض الساسة وأحبار الكنيسة في لبنان إيديولوجيّاً بالضرورة على بشاعته. عند هؤلاء العملة الأجنبيّة والحسابات الطائفيّة تتخطّى كل العقائد والأديان والأوطان، وتفوقها أهميّة. كان البطريرك عريضة (الذي ليس هناك من لبث حول اعتناقه المشروع الصهيوني باكراً وإن كان أكثر مداهنة من المطران إغناطيوس مبارك الذي جاهر أكثر من غيره في صهيونيّته) يتعامل تجاريّاً مع المشروع الصهيوني حتى أنه عرض بيع بعض أملاك الكنيسة في بيروت من أجل توطين مهاجرين يهود فيها. القصّة عند إميل إدة كانت مختلفة. الدافع عند إده وعند غيره من المتعصّبين بين الساسة آنذاك هو التعامل المُشترك مع «الخطر الإسلامي» وضرورة التخلّص منه. أصرّ إده على وهب - من «كيسه»؟ - منطقة صيدا وصور للحركة الصهيونيّة من أجل توطين نحو 100000 مهاجر يهودي فيها (ارتاب الصهاينة في المشروع لأنهم يريدون الأرض لكن من دون السكّان - مسلمين كانوا أم مسيحيّين)، واعتبروا المنحة «ملغومة». والحق، أن خطة الصهاينة السريّة منذ العشرينيات في «زرع الشقاق» بين المسلمين والمسيحيّين في فلسطين لم تلق آذانا صاغية وترحيباً إلا عند بعض الموارنة في لبنان (أفراداً وفي الكنيسة حتى لا نعمّم عن طائفة كان فيها وبينها معارضون مبدئيّون ضد الصهيونيّة فيما كان بعض الأفراد المسلمين من المتعاملين مع الحركة الصهيونيّة).
    تعامل عدد من اللبنانيّين مع الحركة الصهيونيّة ومع الهجرة اليهوديّة كما أتقن كثير من اللبنانيّين في التاريخ المعاصر التملّق للدينار الخليجي وأصحابه. عرض وسطاء من قبل البطريرك عريضة مشاريع تجاريّة على أقطاب الصهاينة في لبنان ورغبوا في موارد السياحة اللبنانيّة. وتهريب المهاجرين عبر الحدود الجنوبيّة كان بدافع المال ومن دون اعتبار المضاعفات على الخريطة السياسيّة للمنطقة برمّتها. وعمليّة بيع الأراضي من قبل لبنانيّين (من طوائف مختلفة) كانت بدافع مالي محض.
    لكن الخلفيّة التاريخيّة باتت معروفة، أو هي يجب أن تكون معروفة وقد كتب فيها كثيرون وكثيرات. متى تصبح هذه الحقائق جزءاً من المنهاج المُقرّر كي يعي الطالب والطالبة اللبنانيّة أسباب وظروف التغلغل الصهيوني في لبنان، ماضياً وحاضراً؟ والعلاقات الممتازة التي أقامها البطريرك عريضة (والمطران مبارك) مع الحركة الصهيونيّة لم تكن علاقات عاديّة أو فرديّة لا بل كانت بصفة تمثيليّة (أو هكذا رآها رأس الكنيسة في لبنان). وقد لجم الانتداب الفرنسي الحماس الصهيوني عند بعض الساسة والقساوسة في لبنان لأنه رأى فيه تهديداً مباشراً لمشروع تكوين (مسخ) وطن لبناني يضمّ مختلف الطوائف. لكن البطريرك ذهب بعيداً وتوّج (بالمعنى السفلي للكلمة) علاقاته وتحالفاته مع الصهاينة عبر توقيع اتفاقيّة بينه - وبالنيابة (كما قال) عن الكنيسة وعن الطائفة المارونيّة برمّتها - وبين برنار جوزيف بالنيابة عن الوكالة اليهوديّة في 30 أيّار 1946. وقد وافق البطريرك في البند الأوّل من الاتفاقيّة على الحق اليهودي في فلسطين وعلى حق إنشاء دولة يهوديّة على أرض فلسطين. أما البند الثاني فقد تضمّن وعداً ان «البرنامج المتسع والمترامي» للحركة الصهيونيّة لا يشمل هجرة يهوديّة إلى لبنان (هذا الوعد انحصر حتماً بتلك الأراضي التي أرادتها الكنيسة ان تكون جزءاً من الكيان الطائفي المسخ ولم يسرِ على أراض منطقة صيدا وصور التي أرادها حلفاء الصهيونيّة في لبنان ان تتحوّل إلى ملاذ للهجرة اليهوديّة). والتزم الطرفان في البند الثالث التمنّع عن اتخاذ قرارات أو القيام بأعمال تضرّ بالطرف الآخر. وتضمّن البند الرابع وعداً بالترحيب «الودود» بممثّلي البطريركيّة المارونيّة في فلسطين بعد إنشاء دولة يهوديّة (هذا البند هو الذي أدّى إلى التطبيع الحصري بين الكنيسة وبين دولة العدوّ تحت عنوان «تفقّد الرعيّة»، والذي على أساسه يزور الراعي فلسطين بعد أيّام)
    لم تأتِ الزيارة المُزمعة من فراغ ولم يأتِ الاعتراض عليها من فراغ ولم يكن الصمت حولها من فراغ. إن تاريخ البطريركيّة المارونيّة في الصراع العربي ــ الإسرائيلي هو تاريخ لا ينزّه البطريركيّة عن الشك والارتياب والقلق. ليس تاريخ البطريركيّة تاريخ ملؤه الحزم في مواجهة العدوّ الإسرائيلي أو تاريخ مناصرة القضيّة الفلسطينيّة. قد لا يريد أنصار البطريرك العودة إلى البطريرك عريضة أو العودة إلى المطران مبارك، لكن هذا جزء من التاريخ الرسمي للبطريركيّة. فلنعد إلى تاريخ قريب، كيف تعاطى البطريرك صفير مع القضيّة الفلسطينيّة عبر عقود تولّيه مهمات البطريركيّة؟ هل اتخذ موقفاً حاسماً وحازماً ضد العدوّ الإسرائيلي حتى في سنوات احتلال العدوّ لجنوب لبنان (أو اكثر)؟ هل عبّر البطريرك في خطبه (أو حتى في يوميّاته التي نُشرت في جزئيْن) عن مناصرة لحق الشعب الفلسطيني؟ هل كانت معارضة صفير النظام السوري موازية (وقد رفض زيارة سوريا البلد بحجّة معارضته للنظام) موقفه من الكيان الإسرائيلي الغاصب؟
    الراعي رفض كلّ الانتقادات (وهي محصورة في مواقع التواصل الاجتماعي) وأصرّ على تفقّد الرعيّة في فلسطين المحتلّة. وهو ذكّر أن الدولة اللبنانيّة قرّرت بعد اتفاقيّة الهدنة عام 1949، ومن دون مناقشة نيابيّة أو مداولات مُعلنة في مجلس الوزراء، ان مقاطعة العدوّ الإسرائيلي الشاملة والقاطعة تستثني لسبب من الأسباب أفراد الكنيسة المارونيّة. لكن ما سبب هذا الاستثناء، وما المُراد منه؟ وكيف تمّ هذا الأمر وتحت أي شروط؟ ومن قام بإجراء المفاوضات مع العدوّ الإسرائيلي من أجل تسهيل الانتقال من لبنان وإليه؟ وكيف يتمّ الاتصال بين الكنيسة المارونيّة ودولة العدوّ للترحيب بأفراد الكنيسة أثناء عبورهم إلى فلسطين المُحتلّة؟ لا نظنّ ان الراعي يريدنا ان نصدّق ان المطارنة والكهنة والرهبان في الكنيسة المارونيّة يتوجّهون بسيّارتهم إلى فلسطين المُحتلّة من دون تنسيق مسبق مع العدوّ، وأنهم يمضون على غير هدى بمجرّد العبور عبر الحدود.
    تعامل عدد من اللبنانيّين مع الحركة الصهيونيّة ومع الهجرة اليهوديّة
    هل يظنّ البطريرك أنه يسوق حجّة دامغة عندما يستشهد بموافقة محمود عبّاس على الزيارة؟
    تعود إلى صفحة داخليّة من جريدة «النهار» في 14 نيسان 1975 - أي بعد يوم واحد فقط من مجزرة عين الرمّانة - وتقرأ ما يلي: «وصل يوم الجمعة إلى حيفا قادماً من لبنان الأسقف الماروني شربل قسّيس يرافقه سكرتيره السيّد مانويل خوري، وتهدف زيارة الأسقف لحيفا إلى البحث في إمكان قيام أبناء الطائفة المارونيّة في إسرائيل بزيارات للبنان». هذا الخبر يُقلق أنصار نظريّة المؤامرة - من أمثالي - لأكثر من سبب. ما سبب هذه الزيارة في تلك الظروف المكفهرّة آنذاك؟ وكيف يمكن البحث في فتح باب الزيارات إلى لبنان من فلسطين المُحتلّة - وعلى أساس طائفي محض - من دون مفاوضات مع سلطات العدوّ الأمنيّة والعسكريّة والسياسيّة؟ ومن فوّض قسّيس للقيام بتلك المهمّة؟ هل أذنت الحكومة اللبنانيّة له بذلك أم ان النظام الرئاسي الأحادي الطائفة آنذاك لم يتطلّب قراراً حكوميّاً؟ وشخصيّة قسّيس بالذات تلفت النظر لأنه كان من الوجوه المساندة للتنسيق والتحالف مع العدوّ الإسرائيلي منذ الحقبة الأولى من الحرب الأهليّة. وقسّيس أنشأ ميليشيا خاصّة به ولا نعلم إذا كان أمر تسليحها وتدريب عناصرها تمّ في أثناء تلك الزيارة.
    لكن على البطريرك الراعي ان يدرك ان أي موقف يتعلّق بالصراع العربي ـ الإسرائيلي، ولو تعلّق في شؤون الحمضيّات، هو قرار يقع في صلب السياسة الخارجيّة للبنان. ولم تعد البطريركيّة المارونيّة تحظى بغطاء طائفي من النظام الرئاسي السابق كي تجري مفاوضات وتعقد اتفاقيّات أو لتبادر في السياسة الخارجيّة كما تريد. وكما ان عدداً من الساسة والأفراد الموارنة اعترض بشدّة قبل إنشاء الكيان الغاصب على تصريحات ومواقف المطران مبارك المُساندة وبقوّة للحركة الصهيونيّة، فإن قرار البطريرك الراعي لا يستقيم حتى ولو أجمع كل أفراد طائفة واحدة عليه - وهذا لم يحدث، ولن يحدث قطعاً.
    لكن قبل ان نمضي في الحديث عن زيارة الراعي المرفوضة سياسيّاً وأخلاقيّاً، من الضروري مطالبة البطريركيّة المارونيّة بالإجابة على عدد من الأسئلة:
    هل ستفرج، أو متى ستفرج، البطريركيّة المارونيّة عن كل الوثائق المُتعلّقة بعلاقاتها واتفاقيّاتها مع الكيان الغاصب، ومع الحركة الصهيونيّة قبل إنشاء الدولة؟
    لماذا تصرّ البطريركيّة على ضرورة تفقّد الرعيّة في فلسطين المُحتلّة وهي لم يُعرف عنها دفاعها في الماضي وفي الحاضر عن حق الشعب الفلسطيني، بكل طوائفه، في تحرير أرضه؟ ولماذا لم تبدر مواقف قويّة ضد دولة العدوّ، حتى من منطلق طائفي لأن الصهيونيّة دمّرت قرى مارونيّة (وغير مارونيّة) في احتلالها العنفي، كذلك إنها طردت موارنة فيما طردت من شعب فلسطين؟ لماذا يكون التفقّد غير مرتبط بموقف قوي (يتخطّى موقف 14 آذار الطريف من نوع «إسرائيل عدوّ بس اشتقنا له»)؟
    لماذا يصرّ البطريرك على مرافقة البابا في زيارته مع ان الفاتيكان أوضح ان الراعي ليس عضواً في الوفد الرسمي، أي ان الفاتيكان تنصّلت من مبادرة الراعي؟
    ولماذا سوّغ عداء البطريرك صفير نحو النظام السوري مقاطعة صارمة وقاطعة للرعيّة المارونيّة في سوريا، وهي تفوق عدداً حجم الرعيّة المارونيّة في فلسطين - هذا على افتراض ان هناك عداءً من قبل البطريركيّة نحو الكيان الغاصب؟
    لماذا أقامت البطريركيّة المارونيّة قداديس إلهيّة لضحايا أميركيّين وغربيّين عبر السنوات ولم نسمع مرّة ان البطريركيّة أقامت قداساً إلهياً واحداً لضحايا فلسطينيّين؟
    هل كانت البطريركيّة صادحة ومجاهرة برفضها الاحتلال الإسرائيلي لأرض لبنان، ام ان صوتها كان خافتاً أو هامساً أو غير موجود؟
    ما هو مغزى ما أورده الأباتي بولس نعمان في مذكّراته ان مواقف البطريرك خريش المُعادية للعدوّ الإسرائيلي لم تترك ارتياحاً في صفوف أوساط الفريق الانعزالي (والذي ضمّ كهنوتاً) أثناء سنوات الحرب؟
    هل يظنّ البطريرك الراعي انه يسوق حجّة دامغة عندما يستشهد بموافقة محمود عبّاس على الزيارة؟ هل تزيد شرعيّة سلطة الاحتلال الرديفة عن شرعيّة أنطوان لحد أو عن شرعيّة «فيدكون كوزلنغ» في الحرب العالميّة الثانيّة؟
    لنفترض جدلاً ان الراعي يذهب إلى فلسطين عن حسن نيّة وذلك من أجل دعم الشعب والحق الفلسطيني. متى كانت آخر (أو أوّل) زيارة من بطريرك ماروني إلى مخيّم فلسطيني في لبنان وهم لا يبعدون عن بكركي أكثر من المسافة إلى الناقورة؟ هل يحتاج هؤلاء إلى تفقّد؟ وماذا كان موقف البطريركيّة من مجزرة مخيّم ضبيّة في سنوات الحرب، وجل سكانه كانوا من المسيحيّين؟
    ونسأل السدة البطريركيّة: لقد أقامت الكنيسة رسميّاً وبحضور ممثّلين عن الرؤساء الثلاثة احتفالاً تكريميّاً للمطران الصهيوني الصفيق، إغناطيوس مبارك، ولقد أطنب المطران بولس مطر (خلفه في مركز العاصمة) في مديحه. هل كان ذلك بمثابة إعادة الاعتبار لمطران نبذه أهل بلده بسبب تبنّيه الرسمي للعقيدة الصهيونيّة؟ وما هو الموقف الرسمي الحالي للكنسية إزاء دور إغناطيوس مبارك المشين؟
    يقول البطريرك الراعي وأنصاره ان الزيارة تهدف إلى منع تهويد القدس. كيف سيحدث ذلك؟ كيف سيمنع الراعي من خلال زيارته تهويد القدس؟ ثم لماذا لم تصدر عن الراعي من قبل مواقف صريحة ومجاهرة ضد تهويد القدس؟ ألم يكن أجدى لو أن الراعي يحارب - بالموقف على الأقل - العدوّ الإسرائيلي من لبنان ومن عواصم عربيّة وغربيّة؟ لقد زار البطريرك الماروني صفير العاصمة واشنطن أكثر من مرّة (وثبت في كتاب «السادس والسبعون» لأنطوان سعد ان زيارة واشنطن كانت عزيزة جداً على قلب البطريرك وسعى إليها جاهداً) لكن هو لم يتفوّه مرّة بكلمة من هناك ضد العدوّ الإسرائيلي. على العكس، هو تحدّث ضد مقاومة العدوّ الإسرائيلي في آخر زيارة.
    وتحدّثت أوساط البطريرك عن لقاءات محتملة له مع عائلات عملاء وإرهابيّي جيش لحد الذين واللواتي أمعنوا خراباً ودماراً في لبنان في سنوات الاحتلال وبعده. لماذا يحظى هؤلاء ولأسباب طائفيّة محضة بتغطية من البطريركيّة؟ ليس الاحتلال الإسرائيلي لأرض لبنان هو أوّل احتلال والتعامل مع الاحتلال عوقب عبر التاريخ بطرق غير سلميّة. المقاومة الفرنسيّة لم تكن تستثني عوائل العملاء من قصاصها لأنها كانت تريد ان تعلن ان العميل يحمّل نفسه ويحمّل عائلته العواقب. أما البطريركيّة فهي عملت وجهدت من أجل تخفيف العقوبة على العملاء ومن أجل التعامل مع عائلات العملاء على انها ضحاياً، وكأن أهل الجنوب هم الذين طردوهم من ارضهم. هل ينسى الراعي ان هؤلاء فرّوا مذعورين من لبنان بمجرّد إعلان انسحاب العدوّ الذليل من لبنان تحت وقع ضربات المقاومة؟ عمّاذا سيتحدّث الراعي معهم؟ في أي من الشؤون سيتباحثون؟ هل سيطالب لبنان باستقبالهم بالزهور والرياحين؟
    إن تاريخ البطريركيّة في زمن الصراع العربي ــ الإسرائيلي يُحسب ضدّه لا معه. إن الشكوك حول مرامي ونتائج الزيارة مُحقّة لأن البطريركيّة لم تتخذ في القرن الماضي أو الحالي مواقف قويّة ضد الاحتلال الإسرائيلي. يرفض البطريرك الماروني مناقشة فكرة زيارته ويقول ردّاً على منتقديه انهم أحرار في عدم قبولها. ليس هذا هو الموضوع والأمر ليس متعلّقاً بعادات اجتماعيّة أو طقوس بروتوكوليّة. هناك جالية درزيّة في فلسطين المحتلّة ولم نسمع أن شيخ العقل احتاج أن يزور فلسطين المحتلّة لتفقّد الرعيّة هناك. وماذا عن الرعايا من طوائف أخرى؟ ليس هناك من اهتمام بالرعيّة إلا من قبل الكنيسة المارونيّة ذات التاريخ الأقلّ تصلّباً نحو العدوّ الإسرائيلي؟
    سيزور البطريرك الراعي فلسطين المحتلّة وهو - في نظر مؤيّديه ومريديه - سيباشر بتحرير فلسطين فور وصوله كما أنه سيقوّض دعائم الصهيونيّة في أيّام قليلة. لكن ماذا عن «رأي الرعيّة فيكم»؟

    أزمة الليبرالية العربية
    بقلم: غسان الامام عن الشرق الأوسط
    ليس ما يثير السخرية المشوبة بالأسف والرثاء سوى الحال التي انتهت إليها الانتفاضة التي ما زلنا نطلق عليها اسم «الربيع العربي».
    باستثناء الهامش الهش لليبرالية التونسية التي التقطت أنفاسها، فقد انتهت الانتفاضة إلى غير ما كان يطمح إليه كل ليبرالي عربي.
    التمديد لبشار الأسد سبع سنوات أخرى نكسة جديدة لليبرالية السورية خصوصا. وبرهان جديد على المحنة الراهنة التي تمر بها الليبرالية العربية عموما. هذا التجديد ليس نصرا شخصيا مؤقتا فحسب، لهذا الرجل الذي يعود إلى احتلال الصورة الرسمية الباهتة، بلا خجل من فاجعة أليمة أنزلها بمجتمع عربي، إنما يأتي أيضا مرشحا مسنودا من إقليمية مذهبية وطائفية صارخة، تفرض نفسها على عروبة سوريا والمنطقة. وتسجل به نصرها على الليبرالية العربية التي كانت إلى ما قبل الانتفاضة، تأمل في أن تبقى الخلافات والانقسامات والتحالفات العربية، على الأقل داخل البيت العربي.
    رئيس سوري تحت الوصاية الإقليمية الإيرانية؟! اللهم لا شماتة بمعارضات سوريا. فهي بتجاهلها وتشكيكها بالحرية السياسية كتأصيل وتأسيس لدولة ليبرالية جديدة، منحت إيران الفرصة السانحة لأقلمة الصراع، وبوضع المرشح نفسه تحت حماية ووصاية ميليشياتها المستوردة من العراق. ولبنان. وإيران.
    كعربي أولا وأخيرا، لم أعد أجد في المعارضة تلك الليبرالية المنشودة في المخيلة العربية. كان الأمل في انتفاضة تؤسس لدولة سورية. وديمقراطية. وليبرالية، تضمن المساواة وحرية التعبير لكل مواطنيها. دولة مسالمة لشقيقاتها ومتعاونة معها، على أساس وحدة الانتماء. والمصير. والمصالح. فلا تصدير للقتل والاغتيال والإرهاب باسم مقاومة زائفة. وممانعة مزورة.
    الثورة، أي ثورة، التي تنتظر من «أصدقائها» أن يقاتلوا عنها، لا يمكن أن تحقق نصرا على عدوها. الثورة السورية لم تطلب أصلا جنودا أميركيين وأوروبيين ليقاتلوا عنها. طلبت سلاحا فاعلا، للحد من قدرة الجيش النظامي على ممارسة القتل الجماعي للمدنيين الأبرياء. والتدمير المنظم والمتعمد للمدن السورية.
    نعم، المعارضة السورية المسلحة تتحمل مسؤولية كبيرة، في عدم الحد من تسلل «الجهاديين» عبر الحدود. وكان تسامحها معهم. وتعاونها مع بعض فصائلهم، سببا في عجزها عن كبح جماحهم، بحيث تحولوا عن مقاتلة النظام، إلى الانهماك في إقامة دولة «الخلافة»، وتطبيق التقشف اللاديني واللاإنساني الذي نفر السوريين. بل كم كان النظام المراوغ ناجحا في توظيف بعض فصائلهم في خدمة غرضه الميداني والدعائي. ومن دون الدخول في تفاصيل غامضة ومبهمة، يمكن القول إن الجيش السوري «الحر» لم ينجح في تجنيد وتدريب الحد الأدنى من القوى الشبابية السورية، في جيش موحد. منضبط. فهو ما زال مظلة تنضوي تحتها فصائل لا تمثل في عناوينها وممارستها ثورة تحررية وليبرالية.
    غياب التخطيط والاستراتيجية مكن النظام من فرض الحصار. ثم فرض الاستسلام على مناطق مهمة، كان من المفروض وجود مقاومة مسلحة فيها كافية لردع ميليشياته المستوردة التي بدت أكثر تنظيما، تحت إمرة الضباط الإيرانيين. هذه السمعة اللاليبرالية للمعارضة السورية المسلحة، باتت ذريعة لإيران وروسيا، في تغطية تدخلها وتسليحها النظام. وباتت حجة «للشركاء» الغربيين للامتناع عن تقديم السلاح. ومنع العرب من تسليح السوريين.
    في غمرة بسمات روحاني وظريف، سلحت أميركا جيش نوري المالكي، بالأسلحة «الفتاكة»، لضرب عشائر السنة «المتمردة» في محافظة الأنبار في المقابل. وبعد زيارة أحمد الجربا رئيس «الائتلاف» السوري المعارض للبيت الأبيض، صدرت تصريحات تتشدق عن أسلحة تمضي أميركا وبريطانيا في تقديمها للسوريين. في مقدمتها حفنة من التصريحات المضادة لترشيح بشار. ساندويش هامبرغر. وملاعق وشوك (غير فتاكة) لمائدة المقاتلين في الميادين. وشحنات من ملابس مستعملة لجنود المارينز المنسحبين من العراق وأفغانستان. ويطلق عليها السوريون تهكما اسم «البالة».
    «الرقم» يقترب من رتبة القداسة في الثقافة الغربية. لكن المغالطة وصلت إلى حد التهويل بأميركا. كأكبر بنك «إنساني» مانح بسخاء (1.3 مليار دولار بالتقسيط) لثلاثة ملايين نازح سوري لدول الجوار. ولعشرة ملايين شردهم وهجرهم المرشح بشار في الداخل. في حين كانت السعودية هي حقا المانح الأكبر. وتمنعها كبرياء الدولة في الإعلان عن الأرقام.
    لم يسلم النظام كامل مخزونه من السارين القاتل. ها هو الكلورين الخانق «يعطر» أنوف السوريين. ليس هناك تفكير، بعد، بتوجيه ضربة أميركية رادعة. فقد وزعت التهمة بالكلورين بالمساواة على النظام والمعارضة.
    لكن التفكير الأميركي يتجه «جديا» إلى إمكانية نقل السوريين إلى منتجعات هنولولو، في إطار استراتيجية الرئيس أوباما، لترحيل الشرق الأوسط إلى الشرق الأقصى. وبعد مؤتمر «أصدقاء سوريا» في لندن، صرح الوزير جون كيري بأن التفكير - ودائما التفكير – يتركز حول إمكانية شق طرق دولية، لتوصيل أغذية بان كي مون المعلَّبة إلى ملايين السوريين الذين يأكلون الحشائش، مع طمأنة النظام بأن طريقه لفرض حصار التجويع على ناخبي بشار، ستظل آمنة. وخاصة بعد استقالة الأخضر الإبراهيمي الذي بكى، لإخفاقه في تحقيق مصالحة، بين النظام والمعارضة. ما هي الليبرالية؟ ومن هم الليبراليون؟ في عصر ما بعد الحداثة، تجمعت القوى الاشتراكية القديمة، وما بقي من الماركسيين غير الستالينيين، في ما يعرف اليوم في أوروبا، بأحزاب «الاشتراكية الاجتماعية» أو «الاشتراكية الديمقراطية».
    في حين برز في أميركا. وبريطانيا. وألمانيا «الطريق الثالث» في تسعينات آل كلينتون وتوني بلير. ومع آل أوباما وآل غور في القرن الجديد، وذلك كبديل ليسار عمالي ونقابي، ولرأسمالية ريغان. ثاتشر. بوش المتوحشة. غير أن هذه القوى الليبرالية القديمة/ الجديدة، خيبت أمل الليبرالية الشبابية. فقد عجز هذا البديل عن الحسم مع الرأسمالية المصرفية والاستثمارية، في الأزمة المالية، وعن تأمين العمل الكريم لملايين الشباب والعمال.
    الليبرالية العربية تأثرت بالليبرالية الغربية الجديدة. من دون أن تفقد معظم شرائحها إيمانها الديني. وتركزت أساسا في القوى الشبابية والعمالية التي صنعت الانتفاضات العربية. وساهمت مع قوى أخرى، في استرداد الدولة والمجتمع. وإنقاذ التعددية الثقافية، من الإسلام السياسي السلطوي المتمثل خصوصا بالدولة الإخوانية التي أخفقت في مصر.
    في توصيف الليبرالية العربية، يمكن تصنيف قوى شتى، بالإضافة إلى القوى الشبابية والعمالية. هناك تيارات الأغلبية الصامتة التي قدمتها في قالب حوار مسرحي في الأسبوع الماضي (إنجازات حزب الكنبة).
    هناك طلبة الجامعات والأكاديميات. وطبقة التكنوقراط والبيروقراط التي رفضت التعاون مع نظامي مرسي والغنوشي، مع امتداداتها المليونية العلمية والثقافية في أوروبا. هناك الطبقة العسكرية لا سيما في مصر. ثم القوى الدينية المستقلة في الإسلام التقليدي والأزهري. أيضا هناك شرائح المثقفين العرب. والشرائح الواعية في المجتمعات الأمازيغية. والقبطية ومجتمعات المسيحية المارونية والدرزية الجنبلاطية المنسجمة مع الطبقة الوسطى الليبرالية السنية في لبنان.
    في أي مواجهة مصيرية، لا بد من توظيف عمل القوى السياسية والاجتماعية. النظام الإيراني في هجمته على الليبرالية العربية آثر الاعتماد فقط على قواه الطائفية المسلحة، وامتداداته الميليشيوية في العراق ولبنان. ويخوض اليوم معركة بقاء في الدفاع عن النظام الطائفي في سوريا وعن التمديد لبشار الذي بات رمزا للعداء لكل ما هو ليبرالي حر، في سوريا والعالم العربي.
    أين النظام العربي من هذه القوى الليبرالية؟ أقول إن النظام لم يكتشف بعد هذه القوى. لم يحاول التعرف عليها. ولا هي سعت إلى كسب ثقته، اللهم إلا في لبنان، حيث ينفتح تيار 14 مارس/ آذار المسيحي/ السني على السعودية. وحيث نظام البيروقراط والتكنوقراط التونسي الذي التقى مع الشارع الشعبي الحزبي والليبرالي. ليس مطلوبا عسكرة الليبرالية العربية. إنما كسبها في الانفتاح عليها. وفي الاستثمار المالي في ملايين الشباب العربي العاطلين عن العمل. وليس فقط في رجال «البزنس» في الدول العربية الفقيرة.
    فالمعركة واحدة تلك التي يخوضها النظام العربي والليبرالية العربية، لحماية الهوية. والانتماء. وجعل التنمية الاقتصادية قاعدة للتوعية. والتطوير والازدهار.

    ماذا فعل السيسي ليستحق حكم مصر
    بقلم: محمد العصيمي عن العرب اللندنية
    أي عربي، من المحيط إلى الخليج، تعنيه الانتخابات المصرية للرئاسة التي يتنافس عليها عبدالفتاح السيسي وحمدين صباحي. والأول هو الذي أنقذ مصر من براثن الإخوان وأجنداتهم الملتبسة، وأعاد مصر إلى مصرييها الوطنيين والعروبيين، الذين يمثلون سدا عربيا صلبا ضد تربصات من قوميات أخرى نعرفها ونعلم أهدافها علم اليقين.
    ولابد لنا من أن نعترف بأنه لولا مشيئة الله ثم جرأة عبدالفتاح السيسي وتحمله لمسؤولياته الوطنية والقومية، لأصبح الحال غير الحال الآن، في مصر وفي غيرها من البلدان العربية المستقرة، لاسيما دول الخليج التي دعمت، بلا تردد مواقفه للقضاء على حكم الإخوان. وأقل ما يمكن تخيل حدوثه في مصر لو بقي الإخوان على عرشها أن تتحول إلى ليبيا أخرى يتمترس كل فريق فيها خلف سياجات الإسلام السياسي، بينما يُختطف الشعب برمته وتُختطف التيارات الأخرى لحساب هذه السياجات المتضاربة التي تتصارع على مناطق النفوذ والثروات.
    وربما أصبحت مصر مثل سوريا التي حارب فيها الجيش في البداية الشعب بدلا من أن يحميه ويستوعب مطالبه، ثم انتهى المطاف بالسوريين، نظاما وتنظيمات سورية وأجنبية، إلى حروب طاحنة وممارسات إرهابية يقع عبؤها أول ما يقع على رؤوس الأبرياء في المدن والبلدات السورية. أي أن المصريين كانوا مهددين، في ظل حكم الإخوان غير الرشيد والخاضع بالكامل لإرادات أجنبية، بفقد أمانهم الوطني وخسارة لحمة بلدهم لحساب آخرين لا يريدون بمصر ولا بأهلها ولا بالعرب من بعدهم خيرا.
    على المستوى العربي أحدث الرجل (فرملة) كبرى واستراتيجية لما يمكن أن يكون مدا دمويا هائلا، لو قيض لخارطة الفوضى الخلاقة أن تسير على هوى الغرب وهوى بعض الأنظمة الإقليمية التي تشارك في تنفيذ هذه الخارجة من خلال إذكاء نيران الفتن والطائفية في الأرض العربية لتصل إلى غاياتها في السيطرة والتحكم بهذه المنطقة. ودول الخليج، التي تفهم الآن أكثر من أي وقت مضى عمق أمنها القومي ممثلا بمصر، لم تكن بعيدة عن المخاطر التي طالت دولا عربية أخرى وأسقطت أنظمتها وتتهدد الآن وحدتها وأمن وسلامة مجتمعاتها.
    الرجل، أيضا، أعاد الشعور العربي بمصر وقيمتها وأهميتها إلى مكانه الصحيح والطبيعي، بعد أن غيبت سنوات مبارك، الأخيرة بالذات، هذا الشعور حين تضاءلت قوة مصر الناعمة وتراجع فعلها العربي القومي المؤثر باعتبارها اللاعب السياسي الكبير، دولة وشعبا. وباعتبارها الأسبق، من بين كل الدول العربية، في تحقيق مكتسبات الحضارة وبناء مؤسسات الدولة الحديثة، فضلا عن أسبقيتها في بناء منظومة عسكرية وطنية تتمتع بالاحتراف والقدرة والتجربة.
    وكلنا، بطبيعة الحال، نعلم أن غيبة مصر السابقة عن دورها المؤثر، سياسيا وثقافيا وإعلاميا، أعطى أقزاما آخرين لا يدانون إمكاناتها ولا يحوزون مكتسباتها الحضارية فرصة القفز واللعب على هواهم في الساحة العربية التي ترك فيها الغياب المصري فراغا هائلا إن لم أقل فراغا قاتلا.
    وهذا الفراغ الهائل أو القاتل جرأ اللاعبين الأقزام على أن يذهبوا، في ظل حسابات فئوية وشخصية ضيقة، إلى حدود تهديد أمن العرب القومي وإزعاج استقرار البلدان العربية برمتها. ومن هذه البلدان مصر ذاتها التي اكتوت، ولا تزال تكتوي، بنار هؤلاء المتآمرين والطامحين إلى مواقع إقليمية قيادية لا تليق بهم.
    لكل هذه الأسباب يستحق عبدالفتاح السيسي أن يكون رئيس مصر في الجمهورية الثالثة وليس صعبا أن نتوقع أنه سيكتسح الصندوق بما لا يقاس في التصويت لاستحقاقات سابقة حدثت بعد قيام ثورة 25 يونيو. وقد دل إقبال المصريين في الخارج على الانتخابات الرئاسية خلال اليومين الماضيين، على أن المصريين هذه المرة أكثر تفاؤلا وتصديقا للمرحلة القادمة بعد أن أصابتهم مراحل المنافسات والانتخابات السابقة بكم من خيبات الأمل على كل صعيد، ومن ذلك خيبة الأمل على صعيد إدارة الدولة، والقدرة على انتشالها من ضعفها الداخلي، وتراجع حضورها على المستوى الإقليمي والدولي.
    وفي يقيني أن السيسي إذا أصبح رئيسا سيكون في الداخل حاسما في معالجة الجسد الاقتصادي المصري المنهك تحقيقا لهدفين مهمين. الأول هو تحقيق العدالة الاجتماعية التي هي في المبدأ سبب ثورة المصريين على نظام حسني مبارك، والسبب الثاني هو القضاء على جرثومة الإرهاب التي تقتات على الجسد الاقتصادي المنهك لتحقق غاياتها وأجنداتها. والتي لا تريد لهذا الجسد أن يقوى لأن في قوته هلاكها المحقق والقضاء عليها بلا عودة.
    أيضا هو سيعيد للمصريين والعرب قيمة الانتماء للوطن ويرسخ معاني الدولة الوطنية في نفوسهم بعد أن اقتلع الإسلام السياسي على مدى العقود الماضية هذه المعاني تحت شعارات أممية فضفاضة لا يمكن تحقيقها إلا في أحلام مروجيها ومردديها، الذين انقطعت صلتهم بالواقع من حولهم. وإذا تحقق ذلك، أي إذا نجح في إعادة الاعتبار والهيبة لقيمة المواطنة، فإن الشعب سيلفظ شعارات جماعات الإرهاب كما يلفظ الطعام الفاسد من فمه، وسيرسل هذه الجماعات بدون شك إلى مزبلة التاريخ، ليس في مصر وحدها، بل في كل قُطر عربي تهدد هذه الجماعات أمنه وتتسبب في تأخره عن ركب التنمية والتقدم.
    على الجانب العربي، وكما كان هناك موقف مشترك واضح في إسقاط حكم الإخوان ودحض الإرهاب، سيمثل وجود السيسي على سدة الحكم في مصر فرصة عربية كبرى لبناء تنموي وتعاون عسكري مشترك يقطع الطريق بثقة وقوة على من يتربصون بأمن العرب القومي، ويوظفون كل قواهم في سبيل تحطيم هذا الأمن، ومن ثم تحطيم آمال الشعوب العربية قاطبة بتحقيق الاستقرار والعيش الكريم.
    وكما قلت سابقا فإن في عودة مصر القوية والقادرة ضمانة لحالة عربية إيجابية يستفيد منها كل العرب باعتبار أن سقوط مصر يعني سقوطهم ونهوضها يعني نهوضهم. ولذلك فإن العرب أنظمة وشعوبا، في الخليج وفي غير الخليج، لابد أن يتحملوا مسؤولية التضامن السياسي والاقتصادي والاجتماعي مع مصر الجديدة التي سيقودها، بإذن الله، عبدالفتاح السيسي، لأن هذا التضامن العربي مع مصر هو الذي سيساعد في علاج الجسد المصري الذي أنهكه الفقر والإرهاب الإخواني وغير الإخواني، وهو الذي سيقتل جرثومة هذا الإرهاب في كل الدول العربية.
    وربما تكون الخطوة الأولى على هذه الطريق الصعبة هي التضامن أولا لاقتلاع الأقزام الذين احتلوا الساحة وسيطروا على مشهدها السياسي والإعلامي، ومن ثم الشروع الجاد والحقيقي في بناء المسالك التنموية والتقدمية الصحيحة التي تلتقي فيها مصالح شعوب العرب السياسية والاقتصادية المشتركة.

    بعد سقوط الاخوان.. الشعب المصري هو المنتصر!!
    بقلم: منى العياف عن الوطن الكويتية
    مصر في قلبي..
    لا بل في قلب كل كويتي وكل عربي..
    مصر هي أصل الاستقرار في المنطقة.. كلما استقرت مصر استقرت الأمة العربية، والتي تضبط بوصلتها دوماً على ايقاع مصر.. وقد اهتز المشهد السياسي في مصر منذ اندلاع ثورات الربيع العربي، حينما تقاذفت مصر المؤامرات والدسائس.. وشاهدنا أحداثاً مؤسفة.. ومن كان يريد ان يختطفها ويأخذها الى مصير مظلم!!.
    ٭٭٭
    عاشت مصر ثلاث سنوات تحلم بأن تكون للثورة وجهها الذي تصافح به المستقبل، لكن هذا لم يحدث طيلة هذه السنوات.. وعندما اختطف «الاخوان المسلمون» الثورة، انتظر المصريون الفجر الجديد ممن كانوا يسمون أنفسهم بالعامية المصرية «بتوع ربنا».. تفاءل الناس واستبشروا وصبروا، واحتملوا ودعوا ربهم.. وصّلوا.. وأقاموا كل الشعائر الدينية، ثم حان فجر يوم آخر.. اكتشفوا فيه ان «بتوع ربنا» يسيرون في طريق الشيطان، «طريق الندامة».. «سكة اللي يروح ما يرجعش»، كما يقولون بالعامية!!.
    ٭٭٭
    أخذوهم الى حيث يريدون!! الى امارات اسلامية يحلمون باقامتها بها، والى شراذم جهادية يتعاونون معها وجماعات يأمرونها بأن تدين لهم بالسمع والطاعة.. فيحدث ذلك.. أما في مصر فتركوا كل شيء يسير من سيئ الى أسوأ.. وكأنهم امتلكوا الدولة.. وانتهى الأمر!!.
    بعد عام تقريباً «تمرد» المصريون على الاخوان، وهبوا وتأمروا عليهم وأسقطوا حكمهم، وسجنوا رئيسهم.. ووضعوا خارطة طريق جديدة، واختاروا قيادتهم المؤقتة وهو رئيس المحكمة الدستورية، ووضعوا دستوراً جديدا على ان يتوج باجراء انتخابات رئاسية.. هي التي تجرى حالياً.. وشهدنا في الدول العربية والغربية بداياتها، مع تصويت المصريين في الخارج.. على مدى الأيام الأخيرة.. والتي عكست بحق عرس المصريين الجديد.
    ٭٭٭
    أستطيع ان أقول ان المصريين استفتوا مرة أخرى على الاخوان وانهم اعلنوا من خلال الاعداد الكبيرة التي اصطفت تحت الشمس، منذ السابعة صباحاً وحتى الحادية عشرة مساءً، لكي يدلوا بأصواتهم متحملين كل الأعباء في هذا السبيل، أعلنوا رفضهم التام لحكم الاخوان.. وانهم مجدداً مع خارطة الطريق التي حاول الاخوان عاماً كاملاً افشالها، واخفاقها.. واجبار مصر على التراجع عنها.. دون جدوى.. فقد واصل المصريون حياتهم على الرغم من القتل والتدمير والتفجير والتعذيب، والتظاهر غير السلمي اليومي الذي مارسه الاخوان!!.
    ٭٭٭
    واصلوا حياتهم وخارطة طريقهم وهم الآن يبدأون أولى خطواتهم نحو اختيار رئيس جديد يقودهم الى بر الأمان.. رئيس يستطيع ان يجمع شتاتهم من جديد ويوحدهم بعد ان تسبب الاخوان في انقسامهم بعنف!!.
    الاختيار الآن بين المشير عبدالفتاح السيسي، الذي استقال كقائد عام للجيش، ليرشح نفسه بعد ان استدعاه المصريون لمهمة جديدة.. باعتباره بطل ثورة 30 يونيو.. الذي انحاز هو وقادة الجيش الى الشعب مرة اخرى، وقام بعزل الفاشي الفاشل محمد مرسي، وبات الطريق ممهداً أمام العدالة وأمام القضاء لمحاكمتهم عن جرائمهم التي ارتكبوها منذ ما قبل الثورة (حينما هربوا من السجون وأحرقوا أقسام الشرطة واستولوا على السلاح) وصولاً الى الفترة التي حكموا فيها وتحالفوا مع كل القوى الأخرى التي تمكنهم من تحقيق مآربهم في ان يحكموا الدول التي تدين بالاسلام ليجعلوها مركزاً للخلافة التي يحلمون برفع لوائها وعقدها لهم.
    ٭٭٭
    أطاح المشير السيسي بأحلام الأخوان المسلمين، الذين فشلوا على مدى عام كامل في كل امور الحكم في مصر.. ولم ينجحوا سوى في شيء واحد فقط وهو ان يبرزوا مساوئهم أمام الشعب فما كان من الشعب الا ان استدعى قادة الجيش لانقاذه.
    لم تكن مصر وحدها التي تهددت بخطر «الاخوان».. فها هي الامارات تكشف الخلية التي كانت تدير لاسقاط الحكم هناك، وها هي السعودية تكتشف مؤامرة اخرى قبل أيام.. وبين هؤلاء وهؤلاء.. جاء وقت على الكويت كادت فيه ان تضيع بسبب محاولات هؤلاء التي تم احباطها في توقيت مناسب!!.
    استدعى الشعب المشير السيسي وطلب اليه ان يترشح رئيساً للجمهورية.. وان يعيد اصلاح الأمور.. واعادتها الى نصابها والى سابق عهدها بعد ان كادت خيوط التواصل تنقطع مع الدول العربية والخليجية، السعودية والامارات والأردن والبحرين والكويت.
    ٭٭٭
    ووفقاً لخارطة الطريق، فان «السيسي» لا يجد منافسة كبيرة من جانب ممثل «التيار الشعبي المصري» الذي كان نجماً لامعاً في انتخابات 2012.. وفاز بنحو 4.5 ملايين صوت، حيث حل في الترتيب رابعاً.. والان هو ينافس المشير «السيسي» من أجل اعادة بناء الدولة.
    من خلال ما نستقرأه من متابعة القنوات المصرية، نجد ان المشير السيسي هو الأجدر بالمنصب، فالثقة التي حصدها من الشعب، ثم من خلال تعامل الدول العربية، خاصة الخليجية معه.. تجعلها مطمئنة للتعامل معه من أجل استقرار مصر.. ولديه برامج طموحه لتحقيق هذا الاستقرار والتنمية الاقتصادية بالتعاون مع الدول العربية.
    ٭٭٭
    «السيسي» أيضاً تربى في مؤسسة عسكرية تحترم تعاقداتها، فهو يعرف ان بلاده لديها علاقات مع الدول الغربية وأمريكا بالتحديد، وهناك معونة اقتصادية وعسكرية تحصل عليها مصر بموجب معاهدة السلام المصرية الاسرائيلية التي تؤكد ان «السيسي» سيحترم تعهدات مصر.
    أما «صباحي» فان برنامجه يعتمد على رفع شعارات الثورة في الحرية والكرامة الانسانية والعدالة الاجتماعية، والانتصار لحقوق الشهداء.. ويعتمد على مساعدة الشباب من خلال منحهم الأراضي والأموال لاستصلاحها.
    ٭٭٭
    يقدم «السيسي» مشروعاً لاعادة بناء الدولة من خلال الجهد والعمل المتواصل.
    ويقدم «صباحي» للمصريين الأمل ويبشر بتحقيق أهداف الثورة واسقاط نظام حسني مبارك.. لكي تحكم الثورة!!.
    وفي كل الأحوال.. وبعيداً عن الاخوان فان الشعب المصري هو المنتصر.. فما أظلم وأسوأ حكم الاخوان.
    لذا.. كل التمنيات الطيبة لمصر في استحقاقها الجديد.. وسواء كانت أسهم «السيسي» أعلى من «صباحي» كما يقول المصريون او ان «حمدين» منافس قوي «للسيسي».. فان مصر اليوم على الطريق الصحيح. .. والعبرة لمن يتعظ!!.

    الملفات المرفقة الملفات المرفقة

المواضيع المتشابهه

  1. اقلام واراء عربي 19/05/2014
    بواسطة Haneen في المنتدى أقلام وآراء عربي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2014-06-03, 01:05 PM
  2. اقلام واراء عربي 06/05/2014
    بواسطة Haneen في المنتدى أقلام وآراء عربي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2014-06-03, 12:57 PM
  3. اقلام واراء عربي 05/05/2014
    بواسطة Haneen في المنتدى أقلام وآراء عربي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2014-06-03, 12:56 PM
  4. اقلام واراء عربي 04/05/2014
    بواسطة Haneen في المنتدى أقلام وآراء عربي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2014-06-03, 12:53 PM
  5. اقلام واراء عربي 03/05/2014
    بواسطة Haneen في المنتدى أقلام وآراء عربي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2014-06-03, 12:52 PM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •