النتائج 1 إلى 1 من 1

الموضوع: اقلام واراء محلي 29/05/2014

العرض المتطور

  1. #1

    اقلام واراء محلي 29/05/2014

    اقلام محلي 29/05/2014

    في هذا الملـــــف:
    جبل حل الدولة او الدولتين أم لا هذا ولا ذاك ؟!
    حديث القدس – القدس
    30 حزيران ودول الربيع العربي
    يوسف الديني – القدس
    «ربيع» الجنرالات...
    غسان شربل – القدس
    شعار «دفع الثمن» الاسرائيلي..!
    د. فايز رشيد – القدس
    مؤازرة شركة كهرباء القدس واجب وطني
    نبيل حمود – القدس
    مفاهيم ومصطلحات خاطئة في الإعلام الفلسطيني
    الأسير المقدسي: حسام شاهين – القدس
    لكل مرحلة متاعبها.. فلا تفرطوا في التفاؤل
    بقلم: طلال عوكل – الايام
    "الخطر" القادم من حمدين صباحي
    بقلم: د. جورج جقمان / جامعة بيرزيت – الايام
    مصر والعبور إلى المستقبل
    بقلم: د. عبد المجيد سويلم – الايام
    أوباما في خطابه الرديء
    عدلي صادق – الحياة الجديدة
    الاسئلة الاسرائيلية الاميركية
    عمر حلمي الغول – الحياة الجديدة
    مسلمون ومسيحيون : جمال الأعداد في المعاني
    هاني فحص – الحياة الجديدة
    مرحلة انتقالية و"سيناريو" مختلف
    د.عصام شاور – وكالة معــا
    من القاهرة أشرقت شمس العرب ...
    محمد أبو مهادي – وكالة سما




    جبل حل الدولة او الدولتين أم لا هذا ولا ذاك ؟!
    حديث القدس – القدس
    في مناسبة سياسية هامة جاءت اقوال صادقة ومهمة للرئيس ابو مازن، وذلك باحتفال اقيم في رام الله في ذكرى استقلال الاردن وجلوس الملك عبد الله الثاني على العرش .. وقد تحدث الرئيس عن الاردن وملكه بكل المحبة والتقدير وروح التعاون واكد بقوة اهمية الاردن كدولة مجاورة ورئة للشعب الفلسطيني وعمق العلاقات التي تربط الشعبين والارضين .. وهذه حقيقة لا يختلف عليها اثنان فالارتباط الفلسطيني الاردني متماسك وعلى كل المستويات ومنذ فترة طويلة سواء أكان في السابق أو الحاضر او المستقبل.
    وفي حديثه بالمناسبة تحدث الرئيس ايضا عن الواقع السياسي الفلسطيني وكان واضحا وصريحا، فقد دعا الى استئناف المفاوضات بشرط وقف الاستيطان ثلاثة أشهر فقط والافراج عن الدفعة الاخيرة من الاسرى واكد رفضه حل الدولة الواحدة وتمسكه بحل الدولتين على عكس ما يخططون له في اسرائيل كما قال. فهل نحن فعلا بين خيارين اثنين هما حل الدولة الواحدة او حل الدولتين ام ان هناك خيارا آخر لا يخططون له فقط ولكنهم يتحدثون عنه بصراحة. وهذا الخيار يتمثل بضم اكبر مساحات من اراضي الضفة بما في ذلك المستوطنات الكبيرة والاستراتيجية والتخلص من اكبر عدد من السكان مع الاحتفاظ بالقدس طبعا ضمن "الحدود" التي يريدونها وكما يرسمها الجدار العنصري، مما يعني ان الاجزاء المتبقية من الضفة وفق هذا المخطط لن تكون دولة ابدا ولن تكون القدس عاصمتها كما نريد ونطالب.
    لو كان الخيار بين حل الدولة الواحدة او حل الدولتين حقا فان كثيرين سيطالبون بحل الدولة الواحدة بين البحر والنهر ... لكن الحقيقة ومعطيات الامور والممارسات تشير كلها الى الخيار الثالث وهنا يبرز الدور الاردني واهمية العلاقة بين الشعبين والبلدين مرة أخرى ...!!
    حرب اسرائيل ضد الاعلام
    الاعلام بكل وسائله ليس رشاشات ولا متفجرات ولا قنابل حارقة وانما هو كلمة وصورة، وفي المنطق والقوانين فان الرد على اية وسيلة اعلامية او خبر او صورة يكون بالطريقة نفسها .. لكن اسرائيل لا تراعي ذلك ولا تسمح لوسائل الاعلام المختلفة بممارسة دورها، لقد اعتدت على اكثر من اعلامي وصحفي وسقط شهداء او جرحى كثيرون بسبب ممارساتها.
    وبالامس اعتدت على مراسلي تلفزيونات فلسطينية وخاصة خلال المحاولات لتغطية الاقتحامات المتكررة للمسجد الاقصى، ووصف العربدات التي كانوا يقومون بها في ما يسمونه "يوم القدس" داخل البلدة القديمة وفي محيطها، في محاولة لمنع نقل الصورة الحقيقية الى الرأي العام المحلي والخارجي.
    وبالامس ايضا اقتحمت مطابع صحيفة "الايام" في رام الله لمنع طباعة صحف فلسطينية تصدر في غزة وهددت وصادرت واعتدت ... في محاولة لمحاربة الكلمة والرأي وصورة الواقع.
    ان هذه الاعمال مدانة بالتأكيد وهي لن تستطيع حجب الممارسات المرفوضة وانما تزيد ممارسة اخرى مرفوضة وهي قمع الاعلام والاعلاميين .. لكننا قد اعتدنا على مثل هذه التصرفات وستظل بصورة ساطعة وواضحة ومرفوضة هنا وفي الخارج كذلك مهما حاولوا ومهما قمعوا.

    30 حزيران ودول الربيع العربي
    يوسف الديني – القدس
    الثورة التصحيحية في مصر التي قادها الشعب المصري في 30 حزيران، يبدو أنها تلهم الآن آخرين في مواقع مختلفة، عدا أنها كانت ضمانة من تعملق مدّ «الإسلام السياسي» موجات الصعود في بلدان الربيع العربي وأبرزها ليبيا وفي العمق ثمة بلدان ربيعية تعمل المؤسسة العسكرية بواجهة مدنية، وهي قصّة تعكس صعود «العسكرة» في مقابل الإسلام السياسي حيث لا تقوى أي كتلة سياسية أخرى على مجابهته منفردة لأسباب طويلة متصلة بفترة صعود «الأصولية» ونشأتها.
    الإشكالية ليست في صعود العسكرة، وإنما باعتبارها حالة قابلة للقياس والمقارنة وإعادة التكرار دون فهم الدوافع الكامنة خلف صعودها، وأبرزها كتل اجتماعية يمكن حشدها تجاه «الاستقرار» لكن لا يعني ذلك ضمانة ولائها السياسي بالمطلق، وإنما هو ولاء مشروط بالجانب الأمني والإحساس بالأمان يتجاوز أي دوافع نحو تغيير سياسي أو اقتصادي أو فيما يتصل بمسائل الحريات وحقوق الإنسان، فتلك قضايا تستلزم وعيا سياسيا تفقده هذه الجماهير العريضة التي منحت ثقتها لتجربة جديدة وهي الثورة، ثم لاحقا ارتدت عنها بعد اشتباكها مع أسلوب وممارسة الإسلام السياسي/ الإخوان وليس ضد المفاهيم العامة أيضا كما يتصور بعض الليبراليين، فالسياق العام والأفكار المؤسسة والمفاهيم ذات الامتداد الجماهيري أقرب إلى الإسلام السياسي في المجمل، ولذلك بدا الأمر مفاجئا باعتباره انقلابا ضد الذات.
    الإرهاب الحقيقي الذي واجهته مصر بدءا من عمليات سيناء المبكرة التي أثبتت أن المواجهة السياسية عادة ما يترافق معها صعود موجات العنف والإرهاب الفوضوي، كان سببا رئيسا في تحول كتل اجتماعية بالكامل نحو خيار العسكرة وأهم كتلتين مؤثرتين هما «السلفيون» ولا أعني هنا فقط النخبة السلفية علماء ودعاة وكوادر فاعلة، وإنما الجماهير العريضة التي تقف وراءها والتي تتجاوز رقما وتأثيرا أي كتلة سياسية في طول العالم الإسلامي وعرضه، وبالطبع هناك كتل أقل تأثيرا لكنها في النهاية «سلفية» سياسيا كالمتصوفة والأقباط الذين كان لهم دور في ترسيخ مفهوم أولوية الأمن بدعمهم للجيش، وللحقيقة فحتى الأحزاب السياسية الفاعلة الليبرالية واليسارية وشباب الثورة رغم موقفهم تجاه الجيش فإن يقينهم بانهيار الجماعة الأم دفعهم للسطو على الفراغ الكبير في مقعد المعارضة والذي هو جزء من عملية التدافع السياسي الطبيعية والتي يجب أن لا تزعج صناع القرار.
    التحالف «السلفي» السياسي الكبير الذي تحول إلى كتلة شعبية لها تأثيرها في مصر قد لا يتكرر في موقع آخر بسبب تفهم الإخوان خارج مصر للدرس جيدا ومحاولتهم العمل بالحد الأدنى من المطالب كما هو الحال في تونس واليمن.. إلخ.
    والحال أن كل إمكانات وقدرات السيسي ومن ورائه الجيش المصري الوطني لم تكن لتؤتي أكلها لولا التحالف والدعم المطلق غير المشروط الذي حصل عليه من الكتل الاجتماعية التي وقفت وراءه في 30 حزيران، وهي من ساهمت في خلق حالة جديدة من الشرعية السياسية للجيش، ولا يمكن أن تنجح التجربة في موقع آخر دون الشروط الموضوعية، وبالتالي لا يمكن استخدام كارت «الحرب على الإرهاب» كسلاح لتصفية المعارضة السياسية.
    من جهة ثانية، لا يمكن استدامة «الحرب على الإرهاب» بعد فترة استقرار أمني نسبية متوقعة في الفترة القادمة في مصر، فالأوضاع الاقتصادية مقلقة للغاية؛ العجز والإنهاك المالي يرتفع بصورة مفزعة 14 في المائة من الناتج المحلي وبنسبة دين عام مائة في المائة، في حين يعيش أكثر من 25 في المائة من المواطنين المصريين دون خط الفقر.
    هذه الأرقام تبدو متشائمة لكنها أيضا محفزة إذا ما قورن حجم التوافق الشعبي على السيسي ومنسوب العنف بمعطيات وأسباب تدوير الأزمات السياسية عادة، فأمام المشير السيسي فرصة ذهبية صعبة، لكنها غير مستحيلة وإذا كان خصومه يترصدون لفشله فبالتأكيد أن نجاحه سيغير معادلات سياسية كبيرة في المنطقة.

    «ربيع» الجنرالات...
    غسان شربل – القدس
    كانت الميادين تعج بالمساكين. أقصد بالشبان الأبرياء الحالمين. عثروا على نافذة وتدفقوا منها. قتلوا الخوف الذي بدد اعمار اهاليهم تحت وطأة الفقر والقهر. تعبوا من الخبز الصعب والمياه الملوثة. من الإقامة في بيوت تشبه المقابر. ومن تسوّل الوظائف على أبواب الفاسدين. من أسنان ضابط المخابرات وشاربيه. ومن شراهة بارونات الأمن والحزب. ومن صورة «القائد التاريخي» تهاجمهم حتى في مناماتهم. من الرجل الذي يتكرر ويتكرر. من أوامره ونصائحه. من الذل الغامر. كأنه يستضيفهم في مزرعته ومن حقه ان يطردهم من المكان والزمان معاً. القائد الذي ينام في القصر وموسوعة «غينيس» معاً.
    كانت الميادين تعج بالمساكين. انتفضوا ضد العفونة والموت. رفعوا شارة النصر وارتكبوا هتاف «الشعب يريد». تهوروا في احلامهم. بينهم من تحدث عن الديموقراطية. ودولة المؤسسات. وحكم القانون. وتداول السلطة. وحقوق الإنسان. والشفافية. وبينهم من تحدث عن مغادرة الكهوف. والمدارس التي لا تنجب غير جحافل المكفوفين وأنصاف الأميين. والجامعات التي لا ترتكب إلا المذعورين من العصر والراغبين في الانفجار به.
    كانت الميادين تعج بالمساكين. وزعموا ان جدار الظلم والظلام قد تداعى. وأن سقوطه أشد دوياً من سقوط جدار برلين. وأن الأمة ستفر من العتمة الطويلة. وأن الشمس ستجتاح السراديب. وأن الذليل المزمن سيخرج الى الضوء. أسوة بأي مواطن آخر في القرية الكونية.
    سموه «الربيع» وصدقنا. وقلنا تخالطه بعض الآلام. على غرار ما عاشته اوروبا في مراحل سابقة واستنتجت منه قيم الكرامة والحرية واحترام الفرد والحقوق والتعايش والمسؤولية والمحاسبة والتنمية. ظهرت تربتنا غير جاهزة واستسلمت سريعاً للقوى المتربصة. تلقفت القوى الكامنة الفرصة وتقدمت. فرضت لونها على الساحات والشعارات. حرفت مسار النهر. وأتاحت لها قدراتها المالية والتنظيمية أن تسرق الأحلام وحتى فرصة صناديق الاقتراع. بدت اللعبة قاتلة. نهرب من رجل مستبد ونقع في قبضة فكرة مستبدة. والفكرة أخطر من الرجل لأنها تبني مؤسسات الظلام وترسخها.
    كان اسمه «الربيع» ولكن من قتل «الربيع»؟
    لنترك جانباً التجربة التونسية المختلفة على الأقل حتى الآن. أفادت من خصوصية بفعل ارث عقود ماضية ومستوى التعليم والانفتاح على لغات أخرى وتمسك المرأة بمكاسبها وحقوقها. أي قراءة هادئة للمسارح الأخرى تظهر ان المتشددين قتلوا «الربيع» خلال محاولتهم الاستيلاء عليه.
    يمكن هنا الحديث عن تطورين قاتلين: الأول تجربة «الإخوان» في مصر والثاني مسارعة «القاعدة» والمقاتلين الجوالين الى اقتحام مسارح «الربيع» والتحصن في الدول التي انهارت أنظمتها او تصدّعت.
    لا مبالغة في القول إن التجربة الكبرى كانت في مصر وإن المعركة كانت وتبقى فيها. لا أعرف كيف سيستقبل محمد بديع وخيرت الشاطر ومحمد مرسي نتائج الانتخابات الرئاسية؟ وكيف سيقرأون الأرقام التي يُرجح أن تعطي المشير عبد الفتاح السيسي شرعية انتخابية تضاف الى الشرعية الشعبية التي حازها حين تدفق ملايين المصريين في حزيران الماضي ضد حكم مرسي وبرنامج «الإخوان»؟. كنت في القاهرة في تلك الأيام وشممت رائحة الخوف العميق التي سبقت «الثورة الثانية» أو «الموجة الثورية الجديدة». وأنا هنا أستعير التسميات.
    كان من المستحيل ان يفعل السيسي ما فعله في تلك الأيام لو لم يسبقه الناس الى الشارع. فزمن الانقلابات القديمة انقضى ثم أن أميركا كانت تراهن على أن يؤدي وجود الإسلام السياسي المعتدل في الحكم الى احتواء ظاهرة «القاعدة» وأخواتها. لا يمكن اتهام الخارج بالوقوف وراء ما حدث. سبب الموجة خوف قطاع واسع من المصريين على هويتهم وتماسك دولتهم ومجتمعهم واستقرارهم وشعورهم بأن الانتظار يعني المزيد من الانحدار في اتجاه الانتحار. وما كان الجيش ليجرؤ على ازاحة رئيس منتخب لولا شعوره انه يترجم بتحركه إرادة أكثرية المواطنين.
    أطل المتشددون في ساحات «الربيع العربي» ودمغوه بلونهم. وضاعف ظهور «القاعدة» والمقاتلين الجوالين من الخوف. وقعت المنطقة في «ربيع المتشددين». برعت الأنظمة في توظيف هذه المخاوف. بدت الجيوش كأنها الملاذ الوحيد للقوى المذعورة من «ربيع المتشددين». استعادت الجيوش فرصة كانت اعتقدت انها خسرتها تماماً.
    شعر العربي العادي أن «ربيع الميادين والمساكين» مات. وأن عليه أن يختار بين «ربيع المتشددين» و»ربيع الجنرالات» ولكل منهما ثمن لا بد من دفعه. في هذا السياق يمكن فهم ما تعيشه ليبيا حالياً ومغزى النداءات التي يطلقها اللواء المتقاعد خليفة حفتر. النظام اليمني يتكئ اليوم على جنرالاته. النظام السوري يتكئ على جنرالاته وجنرالات حلفائه. ساهمت أخطاء «الإخوان» وارتكابات «القاعدة» في إعادة الأولوية الى ملف الأمن والاستقرار ومهّدت الطريق لـ «ربيع الجنرالات». لم تعد سراً هوية من قتل «الربيع».

    شعار «دفع الثمن» الاسرائيلي..!
    د. فايز رشيد – القدس
    ينتهج المستوطنون الإسرائيليون سياسة انتقامية منهجية تُعرف باسم "دفع الثمن"، وأخرى تمجد الحاخام مئير كاهانا مؤسس حركة "كاخ" المعادية للعرب في الضفة الغربية، وفي المناطق الفلسطينية المحتلة في عام 1948 . الهجمات تتم ضد أهداف فلسطينية مثل تخريب وتدمير الممتلكات، وإحراق سيارات، والاعتداء على دور العبادة المسيحية والإسلامية، وإتلاف أو اقتلاع أشجار وبخاصة الزيتون . الشرطة الإسرائيلية وفقاً لإذاعة الجيش "لم تنجح في اعتقال غالبية منفذي الاعتداءات المعادية للفلسطينيين في الأشهر الأخيرة".
    الشرطة والجيش في إسرائيل يقفان عاجزين عندما يعتدي المستوطنون على الفلسطينيين . إن في هذا لأكبر دليل على أن اعتداءات المستوطنين كافة تتم بالتنسيق بينهم وبين الشرطة والجيش الإسرائيلي، وتتم برضى هذين الطرفين، حتى وإن أمسكت الشرطة بأحدهم من المستوطنين فإنها تقوم رأساً بإخلاء سبيله.
    حرّي القول أولاً، إن المستوطنين هم جزء أساسي في الشارع الإسرائيلي، ويتزايد عددهم بنموٍ مطرد، إلى الحد الذي تتوقع فيه مصادر عديدة أنه بعد عقدين من الزمن سيمثلون القسم الأكبر من بين اليهود في اسرائيل .
    ما نراه من اعتداءات للمستوطنين هو حصيلة للتربية المتطرفة الجديدة في مناهج الدراسة الإسرائيلية بدءاً من رياض الأطفال مروراً بالمدارس الدينية وصولاً إلى الجامعات . ما نراه هو نتيجة لتعاليم الحاخامات المتطرفين القائلين: "إن العربي الجيد هو العربي الميت"، و"إن العرب ليسوا أكثر من أفاعٍ وصراصير"، و"يجوز قتل العرب حتى أطفالهم" .
    هذه هي نماذج مما يتعلمه الشباب الإسرائيليون في المدارس الدينية . المستوطنون يعتدون يومياً على المسجد الأقصى، وينتهكون حرمته ويهاجمونه على شكل موجات، والحكومة الإسرائيلية تقوم بحفريات حوله وأسفله من أجل بناء الهيكل مكانه . المستوطنون يعتدون على الكنائس المسيحية والإسلامية، ووفقاً للمتحدثة باسم الشرطة "الإسرائيلية" لوبا سمري: بأنه تم توجيه التهم لثلاث فتيات اتهمن بالبصق على كاهن مسيحي قرب البلدة القديمة في القدس، حيث وجدت في حقائبهن أعلام إسرائيلية كتب عليها بالعبرية شعارات "دفع الثمن" و"الانتقام" .
    في بعض الأحيان وفي سبيل التمويه والإشادة "بديمقراطية" اسرائيل يقوم القضاء بمحاكمة بعض الشباب اليهود، لكن هذه الأحكام تتراوح بين الغرامة المالية والاعتقال في أماكن خاصة (هي أبعد ما تكون عن ظروف السجن وهي أقرب إلى الفنادق) لبضعة أيام، ثم تقوم السلطات بإطلاق سراحهم .
    هذا في الوقت الذي يجري فيه اعتقال الفتيان الفلسطينيين تحت السن القانونية، وحالياً وفقاً لإحصاءات وزارة شؤون الأسرى الفلسطينيين، ففي المعتقلات الاسرائيلية 137 طفلاً فلسطينياً دون السن القانونية، ويجري غالباً الحكم عليهم بأحكام سجن طويلة، إضافة إلى الغرامات المالية . يعتقلون بتهمة إلقاء حجارة على آليات الجيش الاسرائيلي .
    "العدالة" الاسرائيلية حكمت على الضابط المسؤول عن مجزرة دير ياسين "الضابط شيدمي" بغرامة مالية قدرها بضعة قروش! هذه العدالة حكمت على قاتل الناشطة الأمريكية المؤيدة للفلسطينيين راشيل كوري (وهو سائق جرافة وقفت أمامه معترضة محاولة منع هدم أحد البيوت الفلسطينية) بأن أخلت سبيله وأجازت دهسه لها.
    يزداد نفوذ المؤسسة الدينية في اسرائيل بالمعنى السياسي، فدور هذه المؤسسة أيضاً في نمو، وممثلو أحزابها أعضاء في الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة وآخرها الحكومة الحالية، وهم ثمناً لدخولهم وتأييدهم لرئيس الوزراء، يحققون الكثير من المكاسب السياسية والكثير من الاشتراطات تلبى لهم، حيث بتنا نشهد تأثيرات دخولهم في هذه الحكومات، إضافة إلى أنهم يفرضون في الكنيست الكثير من مشاريع القوانين التي تصعب على أية حكومة إسرائيلية حالية أو قادمة التخلي عن أية مستوطنات في الضفة الغربية، هذا إلى جانب تقديم مشاريع قرارات (قوانين) تحد من حقوق العرب في الداخل الفلسطيني وهي المقزّمة أساساً، لذلك فالقضاء الاسرائيلي منحاز وفقاً للقوانين لمنتمي هذه الأحزاب، وتبرير ما يقومون به ضد الفلسطينيين .
    إن شعار "دفع الثمن" هو آخر تقليعات واختراعات المستوطنين، للانتقام من الفلسطينيين وهذا يشي بإمكانية نمو هذه السياسة وتطورها على المدى المنظور والآخر البعيد، إلى خطوات قد يكون الاستهداف المباشر إحداها، الأمر الذي يفرض على الفلسطينيين، الحيطة والحذر وامتلاك الوسائل الكفيلة بالدفاع عن أنفسهم، ومقاومة هذه السياسة المتطرفة..

    مؤازرة شركة كهرباء القدس واجب وطني
    نبيل حمود – القدس
    مارس الاحتلال الاسرائيلي منذ احتلاله القدس العربية عام 1967 جميع انواع التهديدات والضغوطات والمخططات الممنهجة لاحتواء الشركات والمؤسسات المقدسية الكبرى ، سواء في محاولاته المستمرة لإغلاقها او التضييق عليها للحد من قدراتها وشل أنشطتها وفعالياتها ، أو مداهمتها واقتحامها يبعث في وثائقها وأجهزتها ومستنداتها ، وإزعاج واقلاق الموظفين والعاملين فيها ، باعتقال المسئولين عنهم ، لتطفيشهم وترحيلهم ،وملاحقتهم إدارياً ومالياً لدفعهم للإحباط والملل واجبارهم لنقل مراكز ومقار عملهم إلى خارج مدينة القدس ، معللين ذلك بمبررات وحجج سياسية او اقتصادية او امنية او مهنية واهية ، ووضع العديد من العراقيل والمعيقات والصعوبات لتعطيل اعمالهم ونشاطاتهم .
    ولعل شركة كهرباء القدس إحدى هذه الشركات التي سعى الاحتلال جاهداً للسيطرة عليه، وإغلاقها وتسريح العاملين فيها وتهويدها، فمنذ احتلاله لشرقي القدس وهو يهدد ويتوعد بإلغاء امتيازها وتجزئته للهيمنة عليها ، باعتبارها احد اهم الصروح الاقتصادية الرئيسية والوطنية ، ورمزاً هاماً من رموز السيادة الوطنية الفلسطينية فيها ، التي تمتد بدايات تأسيسها إلى العهد العثماني ، وكذلك لكونها احد اكبر الشركات المقدسية المساهمة ، حيث يبلغ عدد المساهمين فيها حوالي " 2000 مواطن " وتتولى مسئولية التغذية الكهربائية للعديد من المناطق ذات الكثافة السكانية العربية العالية والمؤسسات الانتاجية بالقدس وحولها .
    لقد كان لموقف وخطوة نقابة موظفي وعمال شركة كهرباء القدس يوم السبت الموافق 24/05/2014 " بالتبرع يوما كاملا من رواتبهم دعما للشركة " ، دلالات رمزية عالية ، تظهر مدى اخلاص وتفاني موظفي وعمال هذه الشركة لوطنهم ومدينتهم وشركتهم ، تتعدى القيم المادية البحتة الى قيم معنوية وأخلاقية ووطنية سامية ، فهم بهذه الخطوة يقدمون مثالاً ليكونوا قدوة حسنة لغيرهم من الافراد والمؤسسات ، كما أنهم يؤكدون على صمود ومقاومة مجلس ادارة الشركة وموظفيها وعمالها للمحافظة على عروبة الشركة، واستمرار تقديم خدماتها وإنقاذها من التهويد بالرغم من جميع المحاولات والمخططات الاسرائيلية الهادفة لتهميشها وللقضاء عليها وتصفية الشركة وسلب حق امتيازها ، واستبعاد وتسريح موظفيها والاستحواذ عليها بالكامل .
    كما أنها بلا شك خطوة تأتي في هذا الوقت لتمثل مبادرة طليعية ودوراً رائداَ ومميزاً وهاماً للعمل الجمعي في حقل ومجال العمل التطوعي النضالي بالقدس ، ودليلاً على التطور البناء للتكاثف الجماعي والمشاركة والانتماء والتعاون المشترك ، ووحدة الهدف والاهتمام والتواصل ، والإحساس بالمسئولية . وهي خطوة تعتبر مؤشراً لتقليد غيرها من المؤسسات والشركات المهددة لأخذ خطوات مماثلة لها والحذو حذوها ، بل خطوة ستؤدي الى خطوات لتآزر وتعاون المؤسسات المقدسية بعضها مع بعض للمحافظة على مؤسساتهم ، فالبذل والعطاء المادي والمعنوي بين مؤسساتنا المقدسية بات حاجة ماسة للاهتمام بأنفسهم والمحافظة على بعضهم البعض ، وبعدم التخلي عن بعضهم البعض .
    إن هذا الحرص المشترك والمسئولية الجماعية وتكاثف الجهود المؤسساتية والشعبية ، ووقف جميع المقدسيين صفاً واحداً في السراء والضراء يمثل نقلة نوعية جيدة وفعالة ، جديرة بالتقدير والاحترام ، وهو حرص يعزز ويرسخ وجود هذه المؤسسات والشركات ، كما أنها خطوة متقدمة تعزز الصمود والرباط والبقاء والمحافظة على استمرار هذه المؤسسات والشركات وتطورها خاصة اذا ما ابتعدت عن الفئوية والطائفية والعشائرية والمحسوبية.
    ولا شك بأن قرار النقابة ينبع إحساساً منها بخطورة الازمة التي تمر بها الشركة والتهديدات والأخطار التي تحيط بها ، خاصة بعد قرار المحكمة الاسرائيلية بوضع اليد على ممتلكات الشركة وحساباتها البنكية الأمر الذي يعني تلقائياً السيطرة على سيادتها والحاقها بشركة الكهرباء القطرية الاسرائيلية ، بدعوى عدم قدرة الشركة على مواكبة التطور الحاصل ، وتباطؤ اعمالها في بعض الاحيان ، أو بدعوى تراكم الديون المستحقة عليها ، والتي تخفي من ورائها اهدافا اخرى وعوامل سياسية تهدف الى بسط السيادة والتحكم بالشركة وإنتاجها ، وبالمشاريع والمناطق العربية التي ترتبط بها ، والتي سبق لمجلس الادارة ان بين خطورته ونبه اليه منذ مدة طويلة والى خطورته مراراً وتكراراً أمام الجميع وعلى كافة المستويات .
    إن مثل هذه المواقف لمجلس ادارة هذه الشركة ليس بالشيء الجديد ، فمواقف مجلس ادارتها بعدم التنازل عن حق سيادتها كان دوماً موقفا ثابتاً ، وكذلك عدم التخلي عن اي جزء من مناطق الامتياز المحددة لها ، " عندما حاول الاحتلال عام 1987 تجزئته " . وكذلك موقف موظفي وعمال الشركة عند إعتصامهم ورفضهم تجزئة الامتياز وضمان حقوقهم ، وعدم تقليص عددهم ، فكان دوراً بارزاً . ناهيك عن موقف أصحاب المحلات التجارية في القدس التي اغلقت ابوابها تضامناً مع الشركة واحتجاجاً على القرار الاسرائيلي لتقليص امتياز الشركة والمساس به في ذلك الوقت ، فقضية شركة كهرباء القدس قضية هامة تمثل في جوهرها أحد أوجه تحديات الاحتلال على حقوق المؤسسات والشركات والهيئات المقدسية لتكريس احتلاله ووجوده .
    إن تراكم هذه الديون المترتبة على عدم الدفع والغرامات المفروضة على شركة كهرباء القدس التي تجاوزت مليار شيقل تعود لأسباب عديدة لعل ابرزها ما سبق أن نوه إليه مجلس ادارة الشركة ، وما ورد بقرار النقابة من عدم قيام الكثير من المشتركين والمؤسسات الرسمية وغير الرسمية بتسديد الديون المستحقة عليهم ، وعدم دفع قيمة التيار الكهربائي المستحق عليهم كلياً او جزئياً ، ورفض تسديد الفواتير من بعض الافراد او المؤسسات في بعض المدن او القرى و المخيمات ، اضافة الى استمرار البعض بسرقة التيار الكهربائي والتعدي على الشبكات وممتلكات الشركة والتي تعتبر اختلاساً وجرماً من النواحي الشرعية والقانونية والأخلاقية .
    لذا فإن قرار المحكمة الاسرائيلية يتطلب الاستنكار والرفض ، كما يتطلب تصدي الجميع له ، لمنع تطبيقه وعدم تنفيذه فالتصدي له يعتبر واجباً وطنياً ومسئولية ادبية وأخلاقية على جميع المقدسيين بمختلف فئات المجتمع المدني ومؤسساته ورجال الدين و العلم والتربية فيه ، للوقوف مع الشركة لمؤازرتها ومساندتها لرفض القرار ولتسديد جميع الديون المستحقة عليها إذ أن تطبيق هذا القرار سيؤثر على فئات وشرائح مقدسية عديدة وسيكون له آثار سلبية عديدة .
    إن تعاون السلطة في هذا المجال يتأتى في اعطاء هذا الأمر الأولوية في اهتمامها من منطلق مسئوليتها تجاه الشعب الفلسطيني ومؤسساته الرسمية وغير الرسمية، ويا ليت السلطة الوطنية تقوم باقتطاع مبلغ رمزي من رواتب موظفيها وبذلك تحل ازمة الديون خاصة وانها مطالبة قبل غيرها بالإسراع في تسديد ما على الشركة من ديون لتكون قدوة ومثالاً لأي جهة فلسطينية اخرى، وحافزاً للآخرين لدفع الديون المستحقة عليهم دون تأخير، لأهمية هذا الأمر الضروري ، خصوصاً مع تراكم عدم دفع المستحقات المالية على المخيمات وعدم تصويب أوضاعها ، وإلا فإن الشركة ستغرق في فخ الديون الذي نصبته لها شركة الكهرباء الاسرائيلية، التي باتت تتحكم في التعرفة والاسعار التي تفرضها عند بيع التيار الكهربائي للشركة شرقي القدس ، في غياب وعدم السماح لزيادة قوة الانتاج الكافية للتيار اللازم لاحتياجات السكان ولمنع الاحتلال من زيادة الشركة قوة إنتاجها .
    كما أن على السلطة مطالبة بالتاكيد العلني الواضح على حرصها ببقاء واستمرارية الشركة وغيرها من المؤسسات العريقة بالقدس ، لتمكينها واستمرارها بأداء دورها الخدماتي الذي لا يشمل مدينة القدس فحسب بل يمتد الى مناطق رام الله واريحا وبيت لحم، وكذلك قطع الطريق في وجه اية جهة تطمع بالسيطرة على اي جزء من منطقة الامتياز ، والتعرض بالمساءلة والمحاسبة لمن يتعرضون لمقارها او لممتلكاتها أو لموظفيها ومن يتطاول ويتعدى عليهم ، أخيراً تضافر جميع الجهود لاستمرار بقاء الشركة عربية والمحافظة على تقديم خدماتها للمشتركين والمواطنين أمام الإنهاك التدريجي المتعمد الذي يحاول الإحتلال فرضه على الشركة . وأمام اعتداء بعض الزعران والبلطجية وأصحاب الخمارات والاستزلام على شبكاتها وعمالها ، والتفاخر بما يسرقونه من التيار الكهربائي والذي يمثل اعتداء على حقوق الغير دون وجه حق .
    ان الالتزام بسداد ثمن فواتير استهلاك التيار الكهربائي ودفع قيمتها كاملة دون تأخير هو فرض ديني وحق قانوني ، وواجب وطني ، ومسئولية اخلاقية ، وأمانة مستحقة الاداء في عنق كل مستهلك لا ينبغي تأجيلها او التهرب من دفعها .
    كما وان سرقة التيار الكهربائي خلسة من شبكات الشركة وتواطؤ بعض المستهلكين عليهم ، جريمة مستنكرة يتحملها السارق ومن سانده وتستر عليه بل تغاضى عنه وشجعه على مثل هذه السرقة وساعده على الاختلاس ، مما يوجب ملاحقتهم ومحاسبتهم ومعاقبتهم لقطع وبتر مثل هذه الاعمال المشينة والمنحرفة ، التي لا تسمح بها تعاليم ديننا الحنيف ، وتأباها سلوكياتنا وأخلاقنا التي تربينا عليها.
    وفي الختام ليس علينا إلا ان نقف مرة اخرى تحية اجلال وإكبار لمجلس ادارة الشركة ولموظفي وعمال الشركة على مبادرتهم وصمودهم امام هذه الضغوط الاسرائيلية ، وللدور المتميز الذي قاموا به متمنين للغير من المؤسسات والأفراد ان يحذو حذوهم ، وأن تسعى الشركة الى تطوير ذاتها ادارياً وفنيا ، بالرغم من الصعوبات التي يضعها الاحتلال امامها ولا تتخذ من وجود وبقاء الاحتلال سبباً في ضعف الرقابة وعدم المتابعة والتسيب الاداري .

    مفاهيم ومصطلحات خاطئة في الإعلام الفلسطيني
    الأسير المقدسي: حسام شاهين – القدس
    يقول المفكر "جيدنز" (Giddens) اللغة ليست وسيلة لوصف العالم فقط، وإنما هي نوع من أنواع الممارسة، أي أنها تشكل العالم –الذي تصفه- بدرجة ما. إذاً فاللغة بما فيها من مصطلحات ومدلولات قادرة على خلق الحقائق والوقائع التي يتداولها الانسان، وفي مجالي الإعلام والسياسة يكون لها حسابات دقيقة تساهم في تفجير أو حل أزمات في كثير من الأحيان، ونحن الفلسطينيون ندرك جيداً نتائج التلاعب باللغة على صعيد قضيتنا الوطنية، وخير شاهد على ذلك حضور أو غياب أل التعريف في ترجمة نص قرار (242) (الأراضي المحتلة) أو (أراض محتلة) وما يعنيه كلا النصين من تباين شاسع في حالة التطبيق.
    والملفت للنظر أن الاعلام وبعض الساسة الفلسطينيين يقعون في فخ اللغة التي تعتبر إحدى أدوات الصراع في المعركة الدائرة بيننا وبين الاحتلال، مع العلم أنهم يجب أن يكونوا أكثر حذراً، خاصة وأن لسان حال اللغة المنطوقة بأفواههم يساهم في تعميق الوعي الوطني وصياغة الرأي العام، ولذلك إرتأيت التطرق لبعض المصطلحات التي يتم تداولها بشكل خاطئ، ويؤدي تفشيهما –أذا ما استمر هذا الاخفاق- إلى المساس بجوهر هويتنا وقضيتنا الوطنية، ومن بينها أود الإشارة إلى:-
    فلسطينيي الداخل المحتل وليس "عرب اسرائيل": إن إطلاق تسمية "عرب اسرائيل" على فلسطيني الداخل لم تأت بمحض الصدفة أو من فراغ، وإنما جاءت بناء على سياسة منهجية ساهمت بوضعها مختلف المؤسسات الاسرائيلية وفي مقدمتها وزارة التعليم، بهدف تحقيق مآربها الخبيثة في أكثر من اتجاه.
    فعلى الصعيد المحلي سعت إلى تفتيت اللحمة الاجتماعية والوطنية الفلسطينية من خلال تقسيم أبناء الشعب الواحد إلى فئات وطوائف (مسلم، مسيحي، درزي، سامري، شركسي، بدوي، سكان القطاع، سكان المناطق "الضفة"، سكان القدس الشرقية) وتعاملت مع كل جهة من هذه التقسيمات عبر عناوين وبوسائل وإغراءات مختلفة، مكنتها –بشكل أو بآخر- من بث روح الفرقة والعصبوية بين هذه الشرائح بوساطة ما استحدثته من مصالح وما خلقته من أصحاب لهذه المصالح، أولئك الذين تمسكوا بما بين أيديهم من امتيازات "مادية" حتى ولو جاءت على حساب المبادئ والقيم الوطنية.
    والأخطر أن الاحتلال تمكن من تنمية الشعور بالأفضلية لدى بعض الشرائح التي منحها بطاقة هويته –مع العلم أن كل اشكال البطاقات مفروضة من الاحتلال- الامر الذي خلق فجوة اجتماعية "مصطنعة" بين من يحمل هذه البطاقة "الزرقاء" ومن لا يحملها، ودفع ببعض الشباب من الضفة والقطاع إلى الزواج من فتيات فلسطينيات من القدس والداخل الفلسطيني بهدف الحصول على البطاقة "الزرقاء" لا بدافع الحب، وبتنا ندرك انعكاسات ذلك على النسيج الاجتماعي الفلسطيني، واليوم تطورت هذه المشكلة في أكثر من جانب ويحتاج نقاشها إلى مقال منفصل يعالج أبعادها المتعددة والمختلفة.
    وعلى الصعيد الاقليمي عملت اسرائيل جاهدة على الحاق الضفة الغربية بالاردن الشقيق، وقطاع غزة بمصر العروبة، وفلسطينيي الداخل بدولة الاحتلال "اسرائيل"، وهذا بهدف القضاء على الهوية الوطنية الفلسطينية.
    أما على الصعيد الدولي فإنها ركزت على ترسيخ هذه المفاهيم في وعي المجتمع الدولي، وتحديداً تلك المتعلقة بفلسطينيي الداخل، فمصطلح "عرب اسرائيل" اذا ما ترجم إلى أي لغة في العالم يصبح مصطلحاً ذا وقع "طبيعي" ومستساغاً على مسامع أفراد ذلك البلد، حيث يوجد في كل دولة من دول العالم عرب، مثل: عرب اميركا، عرب فرنسا، عرب المانيا...الخ، وفي محاولتها لصياغة الوعي الدولي توحي اسرائيل لشعوب العالم بأنها ليست دولة احتلال، ووجود العرب فيها كأقلية عرقية يمثل أمراً طبيعياً، مثلها في ذلك مثل بقية دول العالم. على مدار 66 عاماً من الاحتلال لم تتمكن اسرائيل من تحطيم الهوية الوطنية الفلسطينية، ولكنها في الحقيقة نجحت في إضعافها، بدليل أن الانتماء للقبيلة أو للحزب أو للجهوية أصبح أكثر وضوحاً من الانتماء للوطن، واجتماعياً نستطيع أن نتلمس آثار التشظي في احشاء مجتمعنا، الذي تلتصق في ذهنية أفراده نزعة التفاضل بين مدني، فلاح، لاجئ، بدوي...الخ.
    إن الأمراض التي حقنها الاحتلال في جسدنا الاجتماعي وعقليتنا الثقافية طوال هذه السنوات ساهمت جزئياً بحرف الوطني العام عن مساره الطبيعي، لدرجة أن جزءاً منا بدأ يتعايش معها وكأنها أمراض مزمنة لا علاج لها، وجزءاً آخر راح يتعاطى مع آثارها الجانبية معتقداً أنه بهذه الطريقة يتخلص منها أو يعالجها، فنسمع أحياناً إطلاق تسمية "عرب الداخل" وكأنها لا تصب في نفس الخانة التي تصب فيها تسمية "عرب اسرائيل"، وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن الأفكار التي أحاول إثارتها لا تتنكر للهوية القومية العربية، فأنا عربي قومي، ولكني عندما يصبح المصطلح والهوية جزءاً من المعركة يجب الحفاظ عليهما وحمايتهما، فالهوية الوطنية الفلسطينية هي المستهدفة، وبالتالي لا مناص من حمايتها والتركيز على جوهرها، وهذا ايضاً ينطبق على بعض الطقوس الاجتماعية والثقافية والتراثية المتعلقة بتاريخنا وموروثنا الانساني العريق!!.
    وهنا يقع على عاتق الاعلام والساسة الانتباه من مغبة الوقوع في فخ المصطلحات، فقد سبق وشاهدت عيون أخوة لنا تذرف دموعاً ساخنة لحظة نعتهم بـ "عرب اسرائيل"، ففي هذا تخلي سافر عنهم وطعن في انتمائهم، فالجنسية الاسرائيلية لم يختاروها بمحض إرادتهم وانما فرضت عليهم بقوة السلاح، واجبروا على التعاطي معها حفاظاً على بقائهم في أرض وطننا التاريخية، أرض آبائهم وأجدادهم، والصفة التمثيلية التي تمثلها م.ت.ف للشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده يجب التمسك بها، وعلى وجه الخصوص فيما يتعلق بفلسطينيي الداخل المحتل، بغض النظر عن صيغة الحل السياسي القائم على مبدأ حل الدولتين، لأن الحل أياً كان شكله ومضمونه لا يستطيع أن يسقط هويتهم الوطنية ولا أن يلغي عروبتهم، فها هي اسرائيل تقاتل وتجاهر على الملأ بأنها تمثل جميع يهود العالم مع أنهم من أصول وأماكن مختلفة بينما نحن الفلسطينيون من أصل واحد ومكان واحد هو فلسطين!!.
    جناحا الدولة وليس جناحي الوطن: كثيراً ما يتردد في الإعلام الفلسطيني تعبير "جناحي الوطن" كناية عن الضفة الغربية وقطاع غزة، وهذا كلام خطير وله تداعياته السلبية على وعي الناشئة، حيث يؤدي لزراعة معلومات خاطئة في عقولهم ويدلس التاريخ، فالضفة الغربية وقطاع غزة ليستا الوطن وإنما جزء منه، والوطن هو الوطن لا تغير التحولات السياسية في كنهه قيد أنملة، وفلسطين معروفة ومعرفة بكل حدودها التاريخية، والقبول بإقامة دولة فلسطينية على جزء منها لا يعني إطلاقاً التنازل عن أو تغييب حقيقة الوطن الفلسطيني، ففي تربيتنا الوطنية من حقنا أن نعلم الاجيال تاريخ قضيتهم وحدود وطنهم حتى وإن قامت على الجزء الآخر منه دولة أخرى، لا سيما وأنه مازال يوجد في الداخل الفلسطيني قرابة المليون وسبعمائة ألف فلسطيني يقطنون فوق تراب هذا الجزء الغالي من وطننا الحبيب، بالرغم مما تعرض له شعبنا من مجازر أدت إلى تشريد وتهجير غالبيته جراء "الغزوة الصهيونية"، وعليه يفضل استخدام عبارات مثل (إعادة اللحمة لشقي الدولة" وليس لشقي الوطن).
    اعتداءات اسرائيلية وليست عقوبات: المعاقبة هي الجزاء بالشر على ذنب اقترفه الانسان، وسواء أكانت الجهة التي تنفذ العقاب، تنفذه بالحق أو بالباطل، يفترض أن تكون المعاقبة جزءا من صلاحياتها، وما تقوم به اسرائيل من قرصنة على عائدات أموال الضرائب التي تجبيها من بضائعنا المستوردة لأنها مازالت تحتل الحدود وتتحكم بكل ما يدخل إلى شعبنا من مواد غذائية وخلافه، أو ما تقوم به من إغلاقات للمناطق السكنية وتقييد لحركة المواطنين، وغير ذلك الكثير من الإجراءات الاحتلالية التعسفية، كلها اعتداءات وجرائم ترتكبها ضد شعبنا ولا يصح سياسياً وإعلامياً أن نطلق عليها مصطلح "عقوبات"، بل هي اعتداءات وجرائم.

    لكل مرحلة متاعبها.. فلا تفرطوا في التفاؤل
    بقلم: طلال عوكل – الايام
    متابعة تطورات الحدث الفلسطيني الداخلي، منذ توقيع اتفاق الشاطئ، الشهر الماضي، تؤكد أن تأجيل تشكيل الحكومة كل هذا الوقت، لا يعود لأسباب تتعلق بخلاف ما، بشأنها بين فتح وحماس، ذلك أن كل ما جاء من تصريحات، ومن إجراءات بعد اتفاق الشاطئ، يشير إلى أن ثمة إرادة فلسطينية كافية لإطلاق قطار المصالحة من محطته الأولى.
    حتى الآن لم تظهر أية عقبات، يمكن الحديث عنها، لا بشأن رئيس الحكومة الذي تم الاتفاق على أن يكون الدكتور رامي الحمد الله، خلافاً لإعلان الدوحة ولا بشأن عدد وأسماء الوزراء، والمعايير التي تضبط الترشيحات للوزارة. يتأكد المتابعون من أن حركة حماس، ليست بصدد التوقف عند مشكلة تتعلق بالمرشحين للوزارة، يمكن أن تؤدي إلى تعطيل أو تأخير إعلان تشكيلها، ما يعني أنها، أي حماس، تبدي تساهلاً إزاء هذا الأمر، بعكس ما كان يمكن أن يحصل في جولات خيبات الأمل السابقة.
    على ذلك، أعتقد أنه كان بالإمكان، الاتفاق على تشكيل الحكومة وإعلانها خلال يوم أو يومين، بعد إعلان الشاطئ، ما يعني أن التأخير له أسبابه التي لا تتعلق بوجود خلافات بين الحركتين، وإنما بالحاجة لامتصاص ردود الفعل الخارجية المعاكسة، وللوقوف على ردود الفعل الإقليمية والدولية من المصالحة. خلال هذه الفترة، اتضح موقف الاتحاد الأوروبي، الإيجابي والداعم لاتفاق المصالحة، وعلى نحو أقل إيجابية موقف الولايات المتحدة، فضلاً عن المواقف الإيجابية التي صدرت عن الدول العربية والإقليمية.
    لا تملك أية جهة الحق، في معارضة، أو التعرض، لقرار فلسطيني يسعى من أجل توحيد المؤسسة الفلسطينية، ودمج كل القوى فيها، على الأسس التي تراعي التزامات هذه المؤسسة تجاه المحيط الخارجي، ولتهيئة العامل الفلسطيني الداخلي للتعامل مع الموقف الدولي الذي يتحد حول رؤية الدولتين. هي إسرائيل وحدها، معزولة، تقف ضد هذا التوجه الفلسطيني، فإن كانت المفاوضات قد كشفت مسؤولية إسرائيل عن إفشال هذه المفاوضات، فإن موقفها الرافض للمصالحة الفلسطينية يشكل اختباراً آخر، لتأكيد رفضها للسلام القائم على رؤية الدولتين. بعد المصالحة، ارتفعت حمى التطرف الإسرائيلي، حيث هدد أكثر من وزير، وعلى رأسهم رئيسهم بنيامين نتنياهو، بالإقدام على خطوات أحادية الجانب، يمكن أن تتخذ طابع انسحاب من الأراضي المصنفة (ج) في الضفة، أو ضم بعض الكتل الاستيطانية مقدماً، أو في اتجاه خطوات أمنية عسكرية إزاء منطقة الأغوار.
    عزلة إسرائيل هي التي تقيد حكومتها عن اتخاذ إجراءات قاسية أو أحادية، أو عقابية بحق السلطة الفلسطينية ذلك أن حكومة نتنياهو لا تجد نصيراً واحداً في العالم بما في ذلك الولايات المتحدة، لأية خطوات تتخذها في هذا السياق، ما يعني أن عملية المصالحة استحقت وحققت الشرعية الكاملة. تحقيق مثل هذه الشرعية كان يتطلب بعض الوقت، ولكن توفر الغطاء العربي الضامن والحامي، كان هو الآخر، عاملاً يستحق الانتظار. نتحدث عن مصر، ودورها، الذي لا معنى للمصالحة، بدونها، وهو ما يؤكد عليه الطرفان (فتح وحماس) كل الوقت، ولذلك، فإن من المنطقي أن يتزامن إعلان التشكيل الحكومي، مع ظهور النتائج الأولية للانتخابات الرئاسية المصرية. إذا تعين على أي مراقب أن يسمي أطراف المصالحة الأساسية، فإنه سيضع مصر، على قدم المساواة ربما مع حركتي حماس وفتح، وكان ينبغي أن يكون الضلع الرابع لهذه المصالحة، الفصائل والقوى السياسية والمجتمعية الفلسطينية بين طرفي الانقسام فتح وحماس.
    كما يتضح من مجريات الحوار والمصالحة، تستطيع حركتا فتح وحماس تجاهل الضلع الرابع، والتعامل معه، كشاهد زور، ومساواته بالصحافيين الذين تتم دعوتهم للمؤتمرات الصحافية مع الاحتفاظ لهم بحق الأسبقية، ولكن لا يمكن، ولا يفيد التعامل مع مصر، على أساس أنها عامل ثانوي يمكن تجاهله أو القفز عنه.
    الفصائل لا شأن لها بمشاورات تشكيل الحكومة، ولا يعني سؤال أي منها عن رأيه، انه أصبح في موقع الشريك الذي يحق له التداول بالأسماء اعتراضاً أو قبولاً، بل ان البعض يعتقد بأن الرئيس محمود عباس هو صاحب الولاية الحصرية، في اتخاذ القرار النهائي بشأن تركيبة الحكومة وأسماء الوزراء. هذا يعني أن اتفاق وفدي حماس وفتح على كل الأسماء المرشحة أو بعضها، لا يلزم الرئيس، الذي يمكن أن يقبل كل الترشيحات أو يرفض بعضها، بدون أن يتوقع، ردود فعل ترقى إلى مستوى الاعتراض على التشكيل الحكومي بالقدر الذي يؤثر على استمرار المصالحة.
    في هذا المقام، لا بد أن يدرك الفلسطينيون خصوصاً سكان قطاع غزة، بأن تشكيل وإعلان الحكومة، هو مجرد الخطوة الأولى نحو تدشين مرحلة المصالحة وإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة، ولكنها أيضاً الخطوة الأولى نحو فتح الملفات الشائكة والصعبة، التي فرضت وقائعها مرحلة الانقسام.
    يعني ذلك أن تبدل واقع الحال نحو معالجة الأزمات التي يعاني منها الناس لن يكون سريعاً من حصار وفقر وبطالة، وإغلاق المعابر، وأزمة الكهرباء والوقود، ونقص المواد الأساسية. يترتب على المواطن الفلسطيني أن يصمد وأن يتحمل، وأن يتكبد المزيد من العناء، إلى أن تتبدل الظروف، وأن يقبل طواعية أو رغماً عنه، مواصلة دفع ثمن المصالحة كما سبق له أن دفع ثمن الانقسام، انطلاقاً من مفهوم المصلحة الوطنية كما تصيغها وتقدمها، القوى السياسية المسيطرة.
    وجرياً وراء المقولة المصرية المعروفة دخول الحمّام ليس كما الخروج منه، فإن ما ترتب خلال سنوات الانقسام، يؤسس للثمن الذي نتوقع أن نحصل عليه، ما يعني أن معبر رفح قد لا يفتح في اليوم التالي أو الذي يليه وان الحصار قد يتشدد أكثر، والبطالة أضحت مرضاً مزمناً.. ولذلك علينا أن لا نفرط في التفاؤل، حتى وإن كانت المصالحة أمراً حقيقياً.


    "الخطر" القادم من حمدين صباحي
    بقلم: د. جورج جقمان / جامعة بيرزيت – الايام
    مهما كانت نسبة حصول حمدين صباحي من الأصوات في الانتخابات الرئاسية في مصر، فإنه سيشكل "خطراً" على النظام القائم ما بعد الانتخابات، ذلك أنه مرشح لقيادة المعارضة المفتتة حالياً والتي تفتقر إلى قيادة موحدة. هذا إذا لم يكن هناك مسعى لتدارك هذه الإمكانية من خلال "استيعابه" في منصب وزاري أو آخر، وهو أمر يبان الآن مستبعداً.
    ويدرك صباحي هذا الدور الممكن، إذ صرح خلال الأيام الأخيرة قبل الانتخابات أنه ستكون هناك جولات انتخابية قادمة. ولا يجب قصر معنى هذا التصريح على أنه فقط تمهيد لخسارته المتوقعة ومسعى لوضع جدول أعمال متجدد لحياته السياسية ولمؤيديه، إذ من الواضح أنه يؤشر باتجاه الانتخابات النيابية القادمة والدور الذي سيلعبه في منافسة النظام القديم الذي سيسعى للحصول على أغلبية من المقاعد في هذه الانتخابات.
    ولا بد أن نفترض أن النظام القائم في مصر يدرك هذا أيضاً، ويدرك أن خوض الانتخابات الرئاسية من قبل صباحي مرتين، حتى لو خسر، يضفي شرعية سياسية ترشحه لهذا الدور خاصة في غياب شخصيات أخرى بارزة لها فرصة لتوحيد المعارضة أو أجزاء كبيرة منها حول قضايا محددة قادمة. هنا توجد قائمة طويلة من المشاكل والمعضلات التي لا يمكن أن تحل بين ليلة وضحاها من قبل من هو في الحكم، أياً كان.
    وفي تاريخ الثورات كان هناك دائماً مكان ودور لشخصية قيادية حتى لو لم تحظَ جميعها بنفس الدور ونفس المكانة. وفي التاريخ الحديث يمكن الإشارة إلى مانديلا وعرفات وكاسترو والخميني وماوتسي تونغ وتشي جيفارا من بين آخرين. وعبد الناصر طبعاً. فقد جرى استحضاره ليس فقط في معترض الحملة الانتخابية وإنما أيضاً في ميادين التحرير ومنذ بداية الثورة. لكنه ليس تماماً عبد الناصر الشخصية التاريخية الذي توفي في العام 1970. إن مصير هكذا قادة أن تكون لهم حياة أخرى بعد وفاتهم، فيجري اصطفاء واجتزاء عناصر من تركتهم السياسية لأغراض الحاضر وقضاياه الآنية. هذا هو معنى عرفات اليوم ومعنى صور وملصقات جيفارا، ومعنى عبد الناصر أيضاً. ويدرك المصريون بوضوح الانحدار الذي نابهم وناب مصر، أكبر دولة عربية، من جراء القحط القيادي طيلة أربعين عاماً في ظل حكم السادات ومبارك، وإفقارهم المطرد وتقزيم دور ومكانة مصر عربياً وإفريقياً ودولياً، حتى لو تغيرت المحاور والتحالفات بعد انهيار الاتحاد السوفياتي. نعم، إنه عبد الناصر مجتزأ ومختاراً، ولكن هذا ما يبقى ويحيا في ذاكرة الشعوب وبشكل شخصي أحياناً. فكما قال أحدهم في مقابلة متلفزة: "لولا عبد الناصر لما دخلت الجامعة وتعلمت ولما أصبحت ما أنا عليه الآن".
    وفي سياق المنافسة الانتخابية، حاول منظمو حملة المشير السيسي منافسة صباحي على أرضه وفي ملعبه فأظهروا صور السيسي وهو صغير يصافح عبد الناصر، من بين مساع أخرى في هذا الاتجاه. لكن هذه لعبة خطرة لأن التوقعات من السيسي ستكون كبيرة في كل الأحوال ناهيك عن استحضار تركة عبد الناصر. وقد سعى النظام القديم إلى تغيير جدول الأعمال بعد الثورة وجعل "الاستقرار" الداخلي مطلبا له أولوية على مطالب ميادين التحرير ونجح إلى حد بعيد في ذلك وفي ما سماه علاء الأسواني "بالسيناريو الروماني"، أي عودة المباركية دون مبارك. وقد يسر هذا وهيأ له انفراد الإخوان بالحكم، والافتراض الخاطئ والمفتت للثوريين، أن الشرعية السياسية في بداية ثورة تأتي من خلال الانتخابات (1) وقد جرى استخلاص العبر من قبل قيادة حركة النهضة في تونس الأمر الذي مكنهم من التوافق مع المعارضة على الدستور الجديد، كخطوة أولى مهمة في طريق بناء النظام السياسي بعد الثورة. هذا بخلاف مصر التي أصبح فيها الدستور مادة إضافية تسهم في الشقاق الداخلي.
    ومن الجلي أن السيسي يدرك حجم المشاكل والمعضلات التي ينبغي إيجاد حلول لها، وخاصة بعد إبرازه وتصويره في بعض وسائل الإعلام على أنه القيادي المرجو والمنتظر. وقد حاول خلال حملته الانتخابية إضفاء شيء من الواقعية على توقعات الجمهور العام منه التي قد تكون مغالبية، مع الحفاظ على تأييدهم له. فأشار في أكثر من مقابلة أنه يتوقع أنه سيحقق "نتائج" خلال فترة عامين. خيط رفيع بين الواقعية وعدمها. بالمقابل، رأى عدد من المعلقين المؤيدين له أن هذه فترة قصيرة جداً نظراً لحجم التحديات وأن على الجمهور تقبل درجة أكبر من "الواقعية". ولعل ما قاله محمد حسنين هيكل في مقابلة تلفزيونية في العاشر من نيسان الماضي يلخص بشيء من الدرامية ما هو قادم: "أعتقد أنه سيجد مشاكل أمامه بحجم الدنيا والآخرة".
    هنا يأتي دور حمدين صباحي، الوحيد الذي يمكن له قيادة المعارضة في مصر ما بعد الانتخابات، إن قرر أن يقوم بهذا الدور. فالإخوان أُقصُوا سياسياً ولا يمكن لهم القيام بهذا الدور من داخل النظام، والسلفيون المتذبذبون في المواقف والمتحالفون مع الإخوان سابقاً بما في ذلك حزب النور يؤيدون السيسي الآن. أما الحراكات الشبابية فهي ليست فقط متعددة ومفتتة وإنما بان الآن بوضوح أنه بإمكانها الحشد للتظاهر في ظروف محددة، ولكنها غير قادرة على القيادة أو إبراز قيادة يمكن للجمهور العام أن يصطف خلفها. هذا ليس حكماً قاسياً على هذه الحراكات. فقد بينت تجربة مصر والدول العربية الأخرى أنه لا بديل حتى الآن عن الحزب السياسي أو العمل المستمر الدؤوب مع الجمهور لغرض إيجاد قاعدة من التأييد تسعف في العمل السياسي وأغراضه المتعددة، وأنه من المتعذر صنع قيادات لها مصداقية في "الشارع" دون تاريخ نضالي سابق.
    إن خشية السيسي لن تكمن فقط بعودة الإضرابات والمظاهرات والمطالبات الإصلاحية، فهذه لم تتوقف حتى الآن وإن كانت وتيرتها غير ثابتة. وقد يمنحه الجمهور بضعة أشهر أو أكثر لرؤية ما قد ينجز. لا أحد يعرف تماماً. لكن المطالبات ستتعاظم تدريجياً في غياب إمكانية الحلول السريعة. ولعلّ الخشية الأكبر للسيسي ومن يؤيده من النظام القديم هي العودة إلى المظاهرات المليونية التي أطاحت بمبارك ويمكنها أن تطيح بأية قيادة أخرى في مصر. هذا يبدو بعيداً الآن ويلزمه تراكم تدريجي في المطالب وإخفاق في تلبيتها، وتحالفات جديدة أو متجددة بما في ذلك مع قاعدة الإخوان الشبابية إضافة إلى شباب الحراكات. هذه كلها مهمات قادمة للمعارضة التي لا يوجد لها قيادة الآن توحدها. هنا يكمن "خطر" حمدين صباحي إن قرر أن هذا دور له، أو دفعته ظروف مصر الصعبة إلى قدر لا يترك له خيارات أخرى لها مصداقية.

    مصر والعبور إلى المستقبل
    بقلم: د. عبد المجيد سويلم – الايام
    إذا كان العبور الأول في العام 73 قد أعاد للمصريين كرامتهم الوطنية، وأعاد للمؤسسة العسكرية هيبتها، فإن الانتخابات الرئاسية هي العبور الثاني الذي سيعيد للمصريين حقوقهم في دولة ديمقراطية مدنية وعصرية ويدشن عهداً جديداً للتنمية الوطنية المستقلة، ونهاية مرحلة الدولة الفاشلة والعاجزة والفاسدة.
    بكل هذه المعاني فإن الانتخابات الرئاسية المصرية الحالية هي بداية مرحلة جديدة في حياة الشعب المصري وربما نكون أمام مرحلة جديدة على المستوى القومي الشامل.
    يبدو وكأن نسبة التصويت ستكون مسألة مفصلية في "حسابات" النجاح من عدمه وفي "اعتبارات" درجة "شرعية" النظام السياسي الجديد وفي طيّ أكذوبة "الانقلاب" والتأسيس لنظام ديمقراطي جديد.
    في هذا الإطار علينا بعد الإقرار بالأهمية النسبية لهذه الحسابات والاعتبارات في الحالة المصرية الخاصة القائمة في الواقع السياسي، وبعد سقوط نظام الإخوان، وبعد هزيمة مشروعهم هزيمة فاقت كل المستويات والمديات، وما تبع ذلك من محاولات مستميتة لنزع الشرعية عن ثورة الشعب المصري في الثلاثين من يونيو .. في هذا الإطار علينا بعد ذلك وربما قبله أيضاً أن نؤكد على أن نسبة المشاركة والتصويت ما دامت العملية الانتخابية تجري وفق قواعد وأسس ديمقراطية لا تنزع شرعية ولا تبطل مشروعية. وبالرجوع إلى معدلات المشاركة العالمية فإن تجاوز نسبة المشاركة لحاجز الـ 50% أمر استثنائي، وان معدلات المشاركة قد تراوحت في أعلى معدلاتها الوسطية ما بين 42% و45% في أوروبا وهي أقلّ من ذلك في الولايات المتحدة.
    لقد حاولت جماعة الإخوان أن تعطي هذه "المسألة" بعداً لا تحتمله، وحاولت إيهام نفسها أولاً ووسائل الإعلام الغربي ثانياً أن "تدني" نسبة المشاركة سيساعد الجماعة على مواصلة مسلسل العنف والإرهاب من جهة وإضفاء طابع "المظلومية" على واقع الجماعة في مصر ووضعها الثانوي فيها من جهة أخرى.
    أن تصل النسبة إلى نفس المعدلات الغربية أو تتجاوزها في ظل حالة الترهيب المنظم الذي تقف خلفه هذه الجماعة تحت مسميات وهمية وفي ظل الدعم الذي تلقاه الجماعة من الغرب ومن بعض أنظمة الإقليم وما تحظى به من دعم مالي وسياسي ولوجستي من فلول الإرهاب عبر الحدود الليبية، فهذا بحد ذاته يعتبر بكل المقاييس أكبر انتصار للشعب المصري وقواه السياسية الحيّة.
    إن الوصول إلى هذه المعدلات هو إنجاز سياسي هائل وذلك بالنظر إلى المعطيات والحقائق التالية:
    • تعوّد المواطن المصري على أن الجهة السياسية هي التي "تأتي" به إلى مقار الانتخابات ولا يذهب هو إلاّ نادراً.
    تنطبق هذه المسألة على سلوك المواطن المصري في عهد الرئيس مبارك، وفي مرحلة الاستقطاب التي تولدت عن استيلاء الإخوان على السلطة في مصر وبصورة فاقعة، في حين تراجعت قليلاً في المرحلة الأخيرة، لكنها تبقى جزءاً من تراث الموقف والسلوك والممارسة الذي ما زالت تؤثر في مستوى المشاركة.
    • إن عدد اللجان التي قررتها لجنة الانتخابات هو عدد قليل وغير كاف في كل الأحوال. فإذا كان عدد الذين يحق لهم التصويت هو حوالي 54 مليونا، وإذا كان عدد اللجان هو 14000 لجنة وعدد أيام الانتخاب هو ثلاثة أيام وكان التصويت متواصلاً وبدون أي انقطاع لأية أسباب على مدار اليوم ـ من التاسعة صباحاً وحتى التاسعة مساءً، وإذا كان التصويت لا يستغرق أكثر من دقيقة واحدة لكل مصوّت فإن أقصى ما يمكن أن يصل إليه عدد المصوتين هو حوالي ثلاثين مليون مصوت ليس أكثر (هذه الحسبة استمعت إليها من أحد الإعلاميين المصريين) الأمر الذي يعني أن لجنة الانتخابات كان عليها أن تحدد أيام الانتخابات بضعف الأيام التي تم تحديدها بعد التمديد، أو إلى تحديد ضعف عدد اللجان التي حددت لكي تتاح الفرصة الكاملة للتصويت وهو أمر لم يحدث، وهذا الخطأ تتحمله اللجنة المركزية للانتخابات.
    • لم يكن ضرورياً أبداً حرمان (المغتربين) من التصويت في مناطق عملهم بدلاً من مناطق (مسقط رأسهم) بذريعة إمكانية ازدواجية التصويت طالما أن التقنيات الحديثة قادرة على تفادي ذلك كلياً، وهو أمر يعكس عدم مواكبة اللجنة المركزية لما وصلت إليه وسائل الاتصالات والمعلوماتية في الواقع. ولكن مع كل ذلك فإن إقبال المصريين على هذه الانتخابات هو إقبال مبهر وإقبال المرأة المصرية وكبار السن ظاهرة تحتاج إلى التوقف والدراسة.
    نحب جميعاً أن تكون نسبة المشاركة عالية بل وعالية للغاية ولكن ليس بسبب سؤال الشرعية والمشروعية ـ فهذه المسألة أصبحت خلفنا ـ ودستورية الانتخابات ونتائجها لم يعد يعارضها غير فلول الإسلام السياسي في نسخته الإخوانية المتخلفة وفي نسخته الأصولية الإرهابية وبعض الأوساط الغربية البائسة ووسائل الإعلام التابعة لها، إضافة طبعاً الى دول ودويلات الإقليم بل لأن النسبة العالية ستعزز مسيرة العبور إلى المستقبل.
    ومصر بهذه الانتخابات تَعبُر إلى المستقبل، وتتعافى بسرعة مدهشة، وهي جديرة بهذا الاستحقاق العظيم والشعب المصري يستحق رئيساً بوزن المشير.

    أوباما في خطابه الرديء
    عدلي صادق – الحياة الجديدة
    في خطابه أمام ضباط أكاديمية "ويست بوينت" العسكرية الأميركية؛ تناول الرئيس باراك أوباما، باستفاضة، موضوع السياسة الخارجية، وركز على الأمن، وغابت عن السياق، القضية الأهم في المنطقة الأهم، بينما ازدحم الحديث بالوفير من المفردات، عن قيم العدالة والشجاعة والحكمة. فكلما تعلق الأمر بإسرائيل، حتى وإن كان يحكمها تكتل لا يختلف اثنان في العالم على عناد سياسته وتطرفها وجنونها، تتوارى العدالة وتفقد الشجاعة معناها فلا تتبدى وتتعطل لغة الكلام. أما الحكمة فإنها تتحول الى فن التغاضي والمداراة والقفز عن المسائل!
    في صباح اليوم نفسه، بتوقيت بلادنا، كان نتنباهو يزمجر في "الكنيست" ويتحدث عن القدس المحتلة، في يومها عندهم. كان يقرر أن القدس الشرقية "قد عادت" قبل 47 عاماً، وأنها ستظل كذلك، وكأن الأردن، وهو البلد الصديق للولايات المتحدة كان يحتلها ويديرها في العام 1967 وأن سكانها كانوا طارئين. ويعرف باراك أوباما، الذي كان أمس يتلطى بالتاريخ، أن أدراج وزارة خارجيته ومكتبة الكونغرس، تزدحمان بقرارات أممية ومواقف أميركية اتخذت بمقتضاها؛ تؤكد كلها على أن القدس كلها، غربيّها وشرقيّها، ليست ضمن مشروع إنشاء دولة إسرائيل على ما فيه من اجحاف. فهل اقتضت الحكمة، أن يصمت الرئيس عن نطق نتنياهو، ليس توخياً للعدالة، ولا أخذاً بدواعي الحكمة، وإنما بحسبة الأمن والمصالح العليا للولايات المتحدة التي يتغنى بها الرئيس الأميركي؟!
    مصالح الاستخبارات الأميركية، ومراكز تقييم السياسات، ودوائر البحث في الأسباب الكامنة وراء تغذية التطرف في المنطقة العربية؛ تعرف كلها أن احتلال القدس بما يمثله من ألم وإهانة للمسلمين والمسيحيين؛ يقف في طليعة الأسباب. وخلال الأربعين سنة الأخيرة، نمت ظاهرة التطرف اليهودي الصهيوني، في الأراضي المحتلة، وازدادت الهجمة الاستيطانية في الأراضي المحتلة عام 1967 ونشأت ظاهرة التعدي اليومي للمستوطنين المتطرفين المسلحين، الذين احرقوا الجوامع والكنائس والأشجار ودمروا الحقول وهاجموا بيوت السكان الآمنين، وباتوا سبباً في تغذية الغضب وتعميق الإحساس بالظلم، وانتاج التطرف، وتفشي الشعور الشعبي بلا جدوى السياسة وبلا جدوى الاعتدال. ولا نعلم أي مقياس يمكن أن يجعل رئيس الولايات المتحدة قادراً على تجاهل هذا الواقع، إن كانت مصالح الولايات المتحدة، فيما تعني نفوذها واستمرارها في قيادة العالم؛ هي معقد آماله ورجائه!
    كان لافتاً في حديث الرئيس الأميركي أمس، أنه يأنس في نفسه الأحقية والجدارة، في تبني ودعم تمنيات الشعب المصري في الإصلاح. كأن هذا هو المفصل الرئيس في علة المنطقة، وكأن أيام العسل، التي اتسعت فيها العلاقات الأميركية ـ المصرية، لم تكن هي نفسها أيام الخراب، في الديموقراطية والاقتصاد والسياسة وفي قطاعات التعليم والصحة وخطوط التنمية، وفي أيام إفقار الشعب المصري، وفي مرحلة النمو السرطاني لأساطين "البزنس" الطفيلي. الآن هو يدعم الإصلاحات ويركز عليها، ويريد الديموقراطية، ويزعم أن الدكتاتوريات كانت عدوة للولايات المتحدة، علما بأن كل الديكتاتوريات، في آسيا وإفريقيا وأميركا اللاتينية، كانت خادمة الولايات المتحدة وكانت صنيعتها. وفي منطقتنا كانت تخدمها سراً وعلانية وتتوخى ودادها. هنا، يختلط الرياء بالكذب، ويتمادى الخليط، عندما يزعم الرئيس باراك أوباما، أن الولايات المتحدة حليفة الشعوب وليست حليفة الحكومات. ولا ندري كيف يدلنا باراك أوباما، على سمة واحدة لهذا التحالف، بينما تهفو قلوب مليار مسلم، في العالمين العربي والإسلامي الى القدس المحتلة، ويساند هو حكومة متطرفين إرهابيين، تؤسس بأفاعيلها للحرب المديدة.
    بل إن علاقة الولايات المتحدة مع إسرائيل نفسها، لا تتوخى تحالفاً مع الشعب في دولة إسرائيل، من حيث هو شعب فيه 20% من غير اليهود، وأكثر من 50% علمانيين لا يريدون الدولة الدينية، وذلك بالمنظور الأميركي، الذي يُفترض أن تتطلبه السياسة وتتطلبه الحكمة.
    تحدث الرئيس أوباما عن "أمة تختزن التاريخ وتحمل الآمال". فأي تاريخ هذا الذي تختزنه أميركا، وقد تأسس كيانها أصلاً، على فعل الإبادة للسكان الأصلييين، عندما كانت بلادنا عامرة متسامحة في ريفها وحضرها؟ كنا نتمنى أن يقول أوباما الحقيقة، وأن يستبدل مفرداته لكي يسجل طموحاته في بناء تاريخ، ولا يزعم ختزاناً لتاريخ. وأن يكون بناء التاريخ، على النحو الذي يليق بطموح قيادة العالم وريادته، بما يتوجبه من الحد الأدنى من الإحساس بالعدالة، ومن توخي الحكمة.
    خطاب مؤسف ومخادع، يجعل الأمور تراوح مكانها، ولا مجال حقيقياً لتفاؤله وتفاؤلنا. فبهذا المنطق، ستظل الولايات المتحدة، تصطدم بحقائق وجود الشعوب وبحيويتها واستعصائها على محاولات الإذلال، وستفقد القوة العظمى نفوذها، ولن تتبدل سنن التاريخ.

    الاسئلة الاسرائيلية الاميركية
    عمر حلمي الغول – الحياة الجديدة
    الاسئلة المثارة في اللحظة السياسية الراهنة لا تقتصر على القيادة والشعب الفلسطيني، بل تطال كل طرف على تماس بالعملية السياسية، وخاصة الحكومة الاسرائيلية والراعي الاساسي لعملية السلام، لا سيما وان الاجابة الفلسطينية على الاسئلة المثارة، سيكون لها عميق الصلة والتأثير المباشر وغير المباشر على كل الاطراف المعنية بخيار السلام ودولة التطهير العرقي الاسرائيلية في مقدمتها، لان كل خيار وسيناريو يتبناه الفلسطينيون سيكون ملعبه ومرماه الاساسي إسرائيل.
    ما هي الاسئلة، المطروحة على صانع القرار الاسرائيلي؟ هناك اسئلة عميقة واستراتيجية وتكتيكية تتناثر في وجه الحكومة الاسرائيلية ومكونات المجتمع الاسرائيلي، لعل ابرزها: هل إسرائيل معنية بخيار السلام من حيث المبدأ؟ هل إعلانها عن قبول خيار الدولتين في بار إيلان وقبل ذلك وبعده، يعني من حيث المبدأ الموافقة على خيار الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967؟ وهل الحكومة الاسرائيلية مستعدة للالتزام باستحقاقات التسوية السياسية كاملة غير منقوصة؟ أم أن إسرائيل بمركباتها الايديولوجية والسياسية تخشى المستقبل وانقلاب العرب على اي اتفاقية سلام؟ وإلى متى ستبقى الدولة العبرية تخشى المجهول؟ وهل في التاريخ اتفاقيات سياسية تضمن المستقبل؟ ألم يشهد التاريخ بحقبه المختلفة وعلى مدار العصور توقيع اتفاقيات واندثارها؟ ومن يضمن لإسرائيل في حال واصلت الاحتلال والعدوان البقاء ضمن بحيرة المنطقة؟ وهل مواصلة الاحتلال، هو الرد على اليد الفلسطينية والعربية والاسلامية الممدودة منذ 21 عاما؟ وهل التاريخ سيبقى متساوقاً مع الرؤية الاسرائيلية العبثية؟ وهل المستقبل المنظور وليس البعيد يضمن السلام لاسرائيل؟ وهل الفلسطينيون، الذين قبلوا السلام اليوم وبالامس، سيتمكنون من الدفاع عن وجهة نظرهم بعد شهور قليلة؟ وإلى اين تريد إسرائيل الوصول؟ هل تراهن على إندثار الشعب الفلسطيني وتصفية قضيته؟ ألم تتعلم من التاريخ وشواهده منذ قامت حتى الان، ان كل يوم يزداد تمسك الفلسطينيين بأرضهم وهويتهم وتاريخهم، ولن يسمحوا لكائن من كان ان ينتزعهم من احلامهم وطموحاتهم القومية وهل تراهن على متغيرات تكون لصالحها؟ وكيف؟ وما هي معايير وشروط القراءة الاسرائيلية للمستقبل؟ وإذا استطاعت منذ تشكلت على انقاض نكبة الفلسطينيين في عام 1948 الانتقال من حليف غربي عشية وزمن إعلان نشوئها (بريطانياوفرنسا) إلى حليف غربي آخر (الولايات المتحدة) لاحقا وحتى الان، فهل يمكن رهانها على نقل التحالف لاحقا إلى قطب دولي جديد بذات اليسر والسهولة؟ وألا يفكر قادة إسرائيل بان الشعب الفلسطيني والشعوب العربية قادرة على تغيير كل المعادلات السياسية في المنطقة والعالم في زمن غير بعيد؟ ام انها تعتقد ان الانظمة العربية المتعاونة معها ستبقى إلى الابد؟ وهل ترى مصلحتها في حل السلطة الوطنية؟ وإن كانت ترى عكس ذلك، لماذا تنفذ سياسات وترتكب حماقات عدوانية ضد السلطة؟ هل تعتقد انها تستطيع إبتزاز القيادة الفلسطينية وثنيها عن دورها في الدفاع عن اهدافها واهداف شعبها؟ وهل الاستيطان الاستعماري، هو الحل لمعضلة إسرائيل؟ وما هي حدود النظرية الامنية الاسرائيلية؟ ألا ترى إسرائيل ان الشعب الفلسطيني، هو أحق بالامن وضمان حقوقه المشروعة في دولة مستقلة وذات سيادة على حدود الرابع من حزيران 1967؟ ومن أحق من الشعب الفلسطيني بالعودة إلى دياره وفقا للقرار الدولي 194، الذي اقترن قبول القيادة الصهيونية به الاعتراف بدولة إسرائيل؟ ولماذا ترفض هذا الحق للفلسطينيين وتمنحه ليهود لا صلة لهم بالارض والتاريخ الفلسطيني؟ وهل تقبل حكومة نتنياهو خيار الدولة الواحدة؟ وهل لديها الاستعداد لدفع استحقاقات هذا الخيار السياسية والاقتصادية والدستورية والقضائية والامنية والتربوية والثقافية وعلى كل الصعد والمستويات؟ وان كانت ضد لماذا لا تنفذ خيار حل الدولتين على حدود الـ67؟
    وعلى صعيد الولايات المتحدة، إن كانت معنية بتحقيق خيار حل الدولتين على حدود 67، وترى فيه مصلحتها ومصلحة حليفتها الاستراتيجية إسرائيل، لماذا لا تستخدم كل الاوراق المتوفرة بيدها للضغط عليها لالزامها بالسلام؟ وما هي مصلحتها في التلكؤ والتساوق مع السياسة الاسرائيلية؟ ولماذا لا تستخدم سلاح التهديد لاسرائيل بدل المداهنة لها؟ وهل تعتقد إدراة اوباما ان القيادة الفلسطينية وشعبها قادر على البقاء إلى ما لا نهاية في غرفة المفاوضات؟ وهل تعتقد اميركا ان ما تدفعه من فتات الاموال لدعم موازنة السلطة يفي حقوق الشعب الفلسطيني؟ والا تعتقد ان ما تدفعه ، هو جزء يسير جدا من فتات ارباحها الاحتكارية، وهو لا يعدو اكثر من ذر الرماد في العيون الفلسطينية، ولكنه يشكل سيفا على رقبة القيادة؟ واذا كانت معنية بالمؤسسات الفلسطينية، التي بنتها السلطة لماذا لا تقول لاسرائيل بصوت واضح وعال: كفى احتلالا وفجورا وعليكم الانسحاب؟ لماذا لا يفعل اوباما ما فعله الرئيس الاميركي في 1956 عندما أمر بن غوريون بالانسحاب من قطاع غزة ومصر؟ ما الذي تغير؟ أليس اعضاء الكونغرس يفكرون بمصالح اميركا واسرائيل لماذا يطأطئون الرأس امام السياسة الاستعمارية الاسرائيلية؟ ألا تهدد السياسات الاسرائيلية مصالح اميركا والغرب عموما؟ ولماذا لا تلزم اميركا حكومة إسرائيل بتنفيذ ما تعهدت به امامها بشأن أسرى الحرية المعتقلين قبل التوقيع على اتفاقيات أوسلو؟
    الاسئلة أيضا تبز الاسئلة، ولا تتوقف دورة وعناوين الاسئلة، وعلى اسرائيل والادارة الاميركية والاتحاد الاوروبي ان يفكروا مليا بكل الاسئلة قبل فوات الاوان، لان الشعب الفلسطيني ضاق ذرعا بالمفاوضات والاحتلال الاسرائيلي والسياسات الاميركية، وقيمة الجهود الاميركية ليس في عدد عقد الاجتماعات وعدد الساعات التي يقضيها مع الطرفين، بل في الانجاز السياسي الذي يتوافق مع الشرعية الدولية ومصالح شعوب المنطقة وخاصة الشعب العربي الفلسطيني الواقع تحت نير الاحتلال الأخير في العالم. فهل يتذكر اوباما وكيري واركان الادارة الاميركية والاوروبيون ذلك قبل فوات الاوان؟

    مسلمون ومسيحيون : جمال الأعداد في المعاني
    هاني فحص – الحياة الجديدة
    نحن مدعوون، بموجب الإيمان الابراهيمي وبمقتضى العروبة الجامعة والمواطنة الضرورية للإيمان والعروبة والوطنية والانسانية أن نثبت مرة اخرى ودائماً، وبإلحاح أشد هذه المرة، كيف ان الاسلام هو حمى للمسيحية، فلا بد له أن يحميها ليحتمي بها، وإلا كان في خطر، وأن المسيحية هي حمى الإسلام، فلا بد أن تحميه لتحتمي به، وإلا كانت في خطر.
    أما المسلمون والمسيحيون فهم المعنيون أولاً بهذه المعادلة، أو اصلاً.. لأنهم هم الذين يحيون وإن ماتوا، وقد يموتون وهم أحياء.. اما الإسلام والمسيحية، فإن لهما رباً يحميهما "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون".. وأما الكرامة والحياة، فإن كلا منهما شرط للآخر، وكرامة من دون حياة مجاز جميل ولكنه غير فاعل أو غير متحقق، وحياة من دون كرامة حقيقة ولكنها مرة، وأشد مرارة من الشر والباطل والموت.
    وأما المعيار في الحياة والكرامة، فهو الإنسان، لأن الله عز وجل، وبناء على مسلماتنا المشتركة، غني عنا جميعاً، عن أدياننا وتديننا وإيماننا وكفرنا وثرواتنا وفقرنا، وعلمنا وجهلنا وعباداتنا وطاعاتنا ومعاصينا، وسلامنا وحربنا، ونهوضنا وتخلّفنا، وتعالينا واستعلائنا، وانتصاراتنا وهزائمنا، ومذاهبنا وأحزابنا، وكنائسنا وجوامعنا التي تجمعنا.. وتجمعنا به أو في كنفه، وإلا أصبحت حجارة، مجرد حجارة.. وربما.. ربما كان الله، تعالى علواً كبيراً، أشوق الى حريتنا (مجازاً).. وكناية عنا، أي عن شوقنا الى الحرية.. لأننا نحن بحاجة الى الحرية كشرط لعبادته المحرِّرة والخلاص من عبادة غيره.
    وتحدينا.. أي أن ما الذي يتحدانا هو : كيف نتأسن ونأنس ونؤنس ونؤنسن سلوكنا الديني ليقربنا ذلك من قلب الله فنحيا به ؟ لأنه خلقنا لنحيا، ولا حياة من دون كرامة.. والمواطنة هي التكييف القانوني للكرامة التي نذهب اليه فرادى لنعود كرماء على جماعاتنا الدينية والإثنية، نكرم بها وفيها، وتكرم بنا وفينا..
    والحياة.. وحتى الموت من اجل الحياة، من دون شرك بالله بالذهاب المجاني الى الشهادة، والاستقالة من الشهود الحي للحياة، الحياة هي فضاء الكرامة ومجالها واختبارها.. وهما، أي الكرامة والحياة، معنيان، أو مفهومان، أو قيمتان، أو واقعتان، أو حقّان، تبادليان متشارطان، يقومان على التكافؤ والتعارف والتثاقف والتنوع والتكامل وعلى السماحة التي هي أعمق وأبعد دلالة وأكرم من التسامح الذي يُشعر بالتنازل من طرف لطرف بين متفاضلين.. ونحن متكافئون تكويناً واستعداداً وشوقاً الى الحرية، الى الكرامة، الى العدالة.. الى الدولة الديمقراطية الوطنية الحديثة، التي تعني حداثتها أول ما تعني الحرص على المكون الإيماني وعلى الموروث المنقى من الدم الحرام.. وهنا، في الأردن، كان هناك مثال، نقدره، لأننا آتون من لبنان، مثال في تحويل الأعداد الباردة الى معان دافئة، وقد تم ذلك عن طريق الدمج الاجتماعي والاندماج والعيش المشترك وحوار الحياة برعاية الدولة ورغبة المواطنين، حتى صار العدد المسيحي القليل كثيراً في معناه الاردني وبهياً، وصار العدد الاسلامي الكثير أجود وأكثر وأجمع وأنفع.
    أما الاندماج والتمازج وتحويل التعدد الى تجليات للوحدة بين الفلسطيني والأردني فقد مكّننا من الحفاظ على المعبر الإلزامي العربي والانساني الأردني الى فلسطين، ومن صيانة مستقبل القدس بتثبيتها كأمانة في ذمة الأردن وقلادة في عنقه تزيّن صدر أهلها وصدورنا، ومكّننا من أن يتحول الوجود الفلسطيني من الضيافة الى الشراكة على اساس التكافؤ، ومن ساكن للأردن الى مسكون فيه.
    شكراً للأخ الاب الذي يتقن المحبة ويحسن التعبير عنها، الأب نبيل حداد.
    شكراً لمركز التعايش بين الأديان في الأردن والذي نطمح له أن يعيش ويحيا لله وفيه وله، أي بنا وفينا ولنا.
    شكراً على العناية المبذولة بصدق لنقول ما عندنا بشفافية لترسيخ العيش المشترك وتنقية الذاكرة وتبادل المعرفة بالحوار.

    مرحلة انتقالية و"سيناريو" مختلف
    د.عصام شاور – وكالة معــا
    قلنا في مقال سابق: إن تغييرات طرأت على "إعلان الشاطئ"، ومنها احتمال تأجيل انتخابات المجلس الوطني، ولكن يبدو أن تغييرًا سيطرأ على جميع ما اتفق عليه في القاهرة والدوحة، وكذلك اتفاق غزة.
    معلومات من مصادر موثوقة تفيد بأن حركتي فتح وحماس تفكران في تشكيل حكومة وحدة وطنية "فصائلية"، بعد انقضاء المدة المتفق عليها لحكومة "الإنقاذ"، بدلًا من إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية، وقد تستمر في عملها ستة أشهر قد تمتد إلى سنة، وهناك حوار غير معلن بين الفصائل بشأن احتمال خوض الانتخابات في قائمة فصائلية موحدة تضم جميع الفصائل، ومنها فتح وحماس.
    السيد خالد مشعل في خطابه في الدوحة بمناسبة الذكرى الـ(66) للنكبة دعا الفصائل الفلسطينية وحركة فتح إلى بناء إستراتيجية وطنية، تحشد كل أوراق القوة بأيدي الفلسطينيين، بعد أن تأكد أن المفاوضات الحالية لا جدوى من تمديدها أو استمرارها، وقد ذكر في خطابه آية الإعداد ثم آية الجنوح إلى السلم، وعليه قد فهمنا أن الإستراتيجية الجديدة تقوم على مفاوضات مستندة إلى القوة وحقوق وثوابت الشعب الفلسطيني، وهذا يؤكد ما ذهبنا إليه في مقال سابق أن فتح وحماس ربما تكونا قد أنجزتا اتفاقًا طويل الأمد، وعليه فإن (السيناريو) المتوقع للمرحلة القادمة هو كالتالي:
    تشكيل حكومة إنقاذ وطني للقيام بكل المهام المنصوص عليها في اتفاقية القاهرة ما عدا الانتخابات، وتستمر في عملها مدة ستة أشهر تتيح لحركتي فتح وحماس تعزيز الثقة فيما بينهما. وكذلك الاتفاق على برنامج سياسي يدعم مفاوضات "رئيس منظمة التحرير" مع العدو الإسرائيلي، ولكن وفق أسس جديدة لا تتعارض مع ثوابت الشعب الفلسطيني وحركة حماس، ثم تشكيل حكومة وحدة وطنية "فصائلية" تستمر في عملها المدة التي ذكرناها، على أن تنجز الفصائل الفلسطينية خلالها المهمات الصعبة، ومنها: إعادة تأهيل منظمة التحرير الفلسطينية، وتشكيل المجلس الوطني الجديد على أسس توافقية؛ حتى تكتسب منظمة التحرير صفة التمثيل الشامل للشعب الفلسطيني، وتضطلع بمهمة المفاوضات، كما حددتها وثيقة الوفاق الوطني، وأيضًا إدارة العلاقات الفلسطينية الخارجية.
    أما مهام المجلس التشريعي فسوف تنحصر في إدارة مناطق السلطة الفلسطينية أو "الدولة" في الضفة وغزة.
    (السيناريو) المتوقع لن يكون مجرد اتفاق بين فتح وحماس، ولابد له من موافقة أطراف عربية وأخرى غربية؛ تجنبًا لصراعات داخلية مستقبلية.

    من القاهرة أشرقت شمس العرب ...
    محمد أبو مهادي – وكالة سما
    يسجل لمصر أنها أنقذت العرب من خطر محقق لصراع متعدد الأوجه داخل شرق أوسط أريد له أن يغرق في بحر الموت والتطرف والإرهاب (الشرق الأوسط الكبير) ، وأنها أوقفت مهزلة كانت ستستمر عقوداً من الزمن وتواصل معه حالة التيه العربي في ظل إمارات وممالك متصارعة وأمراء حرب يشهرون سيوفهم في وجه أيّ محاولة تنوير تبحث عن المستقبل، في نفس الوقت الذي تتسيّد فيه إسرائيل آمنة قوية حارسة لأطماع القوى الاستعمارية داخل منطقة غنيّة بالنفط والمصادر الطبيعية وفقيرة الكرامة والإرادة والقدرة على المناورة، يسكنها الجهل والتخلف لعقود طويلة على أيدي جماعات مرتبطة بالماضي وبحكومات غربية ترى في تحطيم العرب وكياناتهم ضماناً أكيداً لمصالحهم.
    مصر قالت كلمتها للعالم، مرة ثانية قدّمت زعيم العرب في مرحلة إحتاجت إلى زعيم بحجم تطلعات الشعوب العربية، بعد إنتظار طويل في محطات الوهن والهوان أصاب الحالة العربية وجعل منها مسرحاً لأطماع أمريكا ووكلائها الذين أشعلوا فتيل الصراعات الدينية والطائفية والإثنية ووظفوه لهدف تفتيت الكيانات العربية، بعد عقود الإستبداد وقهر الإنسان ولجم طموحاته في الحرية والعيش الكريم داخل وطن المواطنة والقانون والعدالة الإجتماعية.
    الإنتخابات الرئاسية المصرية التي أنتجت زعيم العرب المشير "عبد الفتاح السيسي" لم تكن مجرد إنتخابات عادية لعملية ديمقراطية خاضها شعب وحسب، بل كانت إجماعاً مصرياً على طي صفحة محزنة في تاريخ مصر، أريد فيها نشر التخلف والرعب والفوضى وإسقاط المزيد من الضحايا، لإنفاذ التجزئة والتقسيم، لهذا كان كل هذا الإجماع والتفويض المصري للمشير إنتصاراً لمصر في مواجهة مؤامرة لم تعد خافية على أحد.
    المصريون أثبتوا مرة أخرى أنهم خط الدفاع الأول وصمام أمن وأمان العرب، وأعطوا للعالم درساً مختلفاً في صناعة الثورات والتمرد على الظلم والإستبداد، صاغوا نظريتهم الثورية بإبداع زاوج بين الحرية والمصلحة الوطنية والقومية، فرسموا خطاً من نار بين الفوضى والثورة، وجمعوا بشكل خلّاق بين حركة الشعب الثائر لكرامته ومستقبله وأمن بلدهم والحفاظ عليها وحمايتها من أخطار التدخلات الخارجية بشكل لافت مختلف كشف عن مدى وعي وحرص المصريين ودرجة إنتمائهم لمصر بلد التنوير والحضارة والتاريخ .
    إنتخاب المشير "عبد الفتاح السيسي" رئيساً لمصر زعيماً للعرب علامة فارقة في تاريخ مصر والعرب، والتحدي كبير مع القضايا الكبرى التي تنتظره في مصر وخارج مصر، فالمواطن المصري ينتظر إجراءات ملموسة في القضايا الإقتصادية وعمليات التنمية والأمن وفرض الإستقرار والقانون، والديمقراطية والمشاركة الدائمة في عملية صنع القرار المصري، بكل تأكيد دفع غالياً ثمن تجربة الصمت والقهر خلال سنوات الإستبداد ولن يكون مطيعاً صاغراً لتجربة تبدد أهداف ثورته التي جاءت بالزعيم، الجماهير العربية في حالة وعي مستمرة وعرفت دروب الميادين.
    كما هي حاجة المصريين لزعيم يسيرون معه إلى المستقبل فحاجة العرب ليست أقل منها، فقد عصفت في الجسد العربي عواصف أدت إلى خيارات منفردة لكل بلد عربي، وفقد العرب أي موقف إجماعي إتجاه أي قضية كانت، والأخطر في هذه الحالة غياب القدرة والإرادة العربية لحل أي مشكلة أو نزاع يطرأ داخل الإقليم، الأمة العربية ليست واحدة وطويت رسالتها الخالدة، وأصبح حلف الناتو بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية هو شيخ العرب الساهر على أمن العرب وثروات وثورات وديمقراطية العرب، لا يوجد عند العرب أهداف واحدة وكيان واحد يعبر عن المصالح القومية السياسية والإقتصادية والأمنية، ومن هنا تبرز مسؤولية مصر ورئيسها في السعي الجدي لإعادة صياغة النظام العربي الإقليمي وتطوير جامعة الدول العربية ومعالجة العقد الكأداء التي تعترض دورها في أن تصبح مؤسسة عربية جامعة لها ثقلها في القرار العالمي وقادرة أن تقف في وجه التدخلات الأجنبية وما يرافقها من أطماع، جامعة الدول العربية بحاجة لإنفاذ عشرات الإتفاقات المتعلقة بالمشاريع الإقتصادية المشتركة، والأمن والدفاع والتنمية، كما هي بحاجة لتطوير آليات عملها وشكل إتخاذ القرارات فيها.
    لا تزال القضية الفلسطينية – قضية العرب، ماثلة كأكبر تحدي يواجهه العرب والفلسطينيين، حيث التهديدات والجرائم الإسرائيلية مستمرة بحق الشعب الفلسطيني متزامنة مع غياب أية آفاق لتسوية عادلة ما بين الشعب الفلسطيني وإسرائيل تستند إلى الحقوق العادلة للشعب الفلسطيني وتستجيب لمبادرة السلام العربية التي أطلقها ملك السعودية عبد الله بن عبد العزيز في العام 2002 وتبنتها الجامعة العربية كأساس لحل الصراع العربي الإسرائيلي، وقد إستفادت إسرائيل من حالة إنقسام إمتدت قرابة سبعة أعوام، في ظل قيادة سياسية بائسة عجزت عن مواجهة الحقيقة التي خلص إليها الجميع بأن إسرائيل غير مؤهلة لصناعة السلام مع العرب والفلسطينيين، وبدل المواجهة مع إسرائيل وسياساتها، فقد أشغل الفلسطينيون في تبعات الإنقسام والأزمات الكارثية التي نتجت عنه.
    لقد تم الإجهاز على الحياة الديمقراطية الفلسطينية بعد تعطيل مؤسسات صناعة القرار لصالح حكم الفرد، وجرى الإعتداء على القانون والحريات العامة والخاصة، وأخضع الفلسطينيون لنظام قمعي بوليسي لحماية أطراف الإنقسام ومصالحهم، مما فاقم من أزمات المجتمع الفلسطيني وحرف مسار هدفه الرئيس المتمثل في مقارعة الإحتلال وسياسات نهب الأرض وتهويد القدس وتحويل المناطق الفلسطينية إلى معازل أسوأ من تلك التي كانت خلال حقبة الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، في وقت عجزت فيه القيادة السياسية عن تقديم معالجات إقتصادية وسياسية جذرية تعزز صمود الشعب في مواجهة الإحتلال، وخضعت هذه القيادة مستكينة لإبتزاز مالي وسياسي عالمي قادها لعملية مفاوضات خالية من أي أهداف أو مرجعيات أو إجماع وطني ولم ولن تسفر عن نتائج.
    المصالحة وتطبيقاتها لم تعد موضوعاً ذا بريق يخلب لبّ الشعب الفلسطيني، فالجميع أصبح مقتنعاً أن هرولة عباس وحماس إتجاه هذا المسار لم يكن سوى شكل من أشكال التغطية على أزمة وصل إليها الفريقان، وان هذا "التكتيك التصالحي الإضطراري" يهدف إلى كسب الوقت والعودة إلى مربع المفاوضات بشروط أمريكا والإتحاد الأوروبي كأحد الوظائف الرئيسية للسلطة إلى جانب الأمن، مع ترحيل ملف الإنتخابات إلى أجل غير مسمى بتوافق فصائلي يغطي على الأزمات الإقتصادية والإجتماعية والسياسية ولا يقدم لها حلولاً جذرية تعزز من صمود الشعب في مواجهة الإحتلال وتكفل له الحق في إختيار قيادته بشكل ديمقراطي.
    لقد لعبت مصر والعرب دوراً مهماً في وقف التدهور الحاصل على الساحة الفلسطينية، ومن المأمول أن تواصل دورها بفاعلية في هذا الإتجاه، مع الأخذ بعين الإعتبار أن جماهير الشعب الفلسطيني قد سئمت لعبة " المحاصصة" التي يمارسها أطراف الإنقسام، وأن المصالحة الحقيقية - إن صدقت النوايا، لا يغيّب عنها أطراف فلسطينية وقوى مجتمعية مؤثرة وأساسية، ولا تسقط حق مشاركة الشعب في تحديد مستقبله واختياره الديمقراطي الحر لقادته، ولا تسقط القانون لصالح التوافق الفصائلي، ولا تطوّع المؤسسات القضائية والتشريعية لصالح حكم الفرد، فالأغلبية الساحقة من الشعب الفلسطيني قد ضاقت ذرعاً بكل ما يجري من عبث كان المستفيد الأول منه إسرائيل.
    لشعب مصر تعظيم سلام، لقد خضتم معركة العرب بجسارة وتألق وريادة تؤشر إلى مستقبل واعد، وإلى زعيم العرب كل الأمنيات بالتوفيق على درب التحدي والوفاء لتطلعات العرب.

    الملفات المرفقة الملفات المرفقة

المواضيع المتشابهه

  1. اقلام واراء محلي 26/05/2014
    بواسطة Haneen في المنتدى أقلام وآراء محلي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2014-06-04, 09:29 AM
  2. اقلام واراء محلي 19/05/2014
    بواسطة Haneen في المنتدى أقلام وآراء محلي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2014-06-04, 09:26 AM
  3. اقلام واراء محلي 18/05/2014
    بواسطة Haneen في المنتدى أقلام وآراء محلي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2014-06-04, 09:25 AM
  4. اقلام واراء محلي 17/05/2014
    بواسطة Haneen في المنتدى أقلام وآراء محلي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2014-06-04, 09:24 AM
  5. اقلام واراء محلي 15/05/2014
    بواسطة Haneen في المنتدى أقلام وآراء محلي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2014-06-04, 09:23 AM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •