النتائج 1 إلى 1 من 1

الموضوع: اقلام واراء اسرائيلي 16/08/2014

العرض المتطور

  1. #1

    اقلام واراء اسرائيلي 16/08/2014

    أقــلام وآراء إسرائيلي السبـــت 16/08/2014 م

    في هــــــذا الملف

    اسحق هرتسوغ: نتنياهو ليس قويا واسلوبه يقوي حماس.. والطريق الى الحل ليست عسكرية فقط بل يُحتاج الى تسوية مع السلطة الفلسطينية خاصة مع إشراك الحركة الاسلامية في الحياة السياسية
    أجرى المقابلة: يوفال كارني رئيس حزب العمل ،عن يديعوت

    في يدي حماس
    بقلم:ناحوم برنياع،عن يديعوت

    قصف غزة عشوائياً
    الجيش الإسرائيلي أطلق في الحملة قذائف غير دقيقة ويعترف باحتمال وقوع إصابات كثيرة بين المدنيين
    بقلم:عاموس هرئيل وغيلي كوهن،عن هآرتس

    مزايا مشعل التي حللت في التصور الذي اعده علماء النفس للموساد قبل محاولة اغتياله تعظمت والنتائج رأيناها في الطريقة التي يدير بها المعركة الحالية ضد اسرائيل: بثقة بالنفس.. بتصميم.. بكريزماتية وبفقدان العلاقة مع الواقع الصعب في غزة
    بقلم: يوسي ميلمان،عن معاريف






    اسحق هرتسوغ: نتنياهو ليس قويا واسلوبه يقوي حماس.. والطريق الى الحل ليست عسكرية فقط بل يُحتاج الى تسوية مع السلطة الفلسطينية خاصة مع إشراك الحركة الاسلامية في الحياة السياسية

    أجرى المقابلة: يوفال كارني رئيس حزب العمل ،عن يديعوت

    في ليل يوم الثلاثاء تلقى رئيس المعارضة ورئيس حزب العمل عضو الكنيست اسحق (بوجي) هرتسوغ مكالمة هاتفية مفاجئة من مراسل الـ بي.بي.سي من فرع الشبكة في بلفاست في ايرلندة الشمالية. وقال له المراسل الايرلندي إن المجلس البلدي في بلفاست استقر رأيه على ازالة لافتة التكريم عن البيت الذي ولد فيه أبوه حاييم هرتسوغ الرئيس السادس لدولة اسرائيل بعقب احتجاج منظمات مؤيدة للفلسطينيين. وبقيت على البيت علامة صامتة على لافتة لم تعد موجودة.
    مع الألم الشخصي يوجد في هذا الامر من وجهة نظر هرتسوغ شهادة اخرى على حالنا في العالم. “لبيبي ذراع عسكرية جيدة لكن ليست له ذراع سياسية ولهذا يدخل المعركة مع تفويض محدود ينتهي تقريبا في نهايتها”، يقول. “تعمل اسرائيل في هذه الايام فوق آخر بخار التفويض الذي منحها إياه المجتمع الدولي، وقد حان الوقت لمحاسبة النفس″.
    خلال ايام “الجرف الصامد” منحت أنت وحزبك نتنياهو والاجراءات العسكرية التي استقر رأيه عليها دعما مطلقا، فماذا حدث الآن؟
    “كان ذلك بصفتي رئيسا للمعارضة طبيعيا وصحيحا لأنه حينما يقاتل جنودنا يجب دعمهم. وقد جعلتنا المعركة نواجه تحديا لم نتوقعه فُرض علينا. ولم تكن الدولة والمستوى السياسي مستعدين لهذه المعركة. حينما يكون المواطنون تحت النيران وتحت الصواريخ أقف الى جانبهم والى جانب الجيش الاسرائيلي وأدعم المستوى السياسي”.
    وماذا الآن؟
    “الجو العام ثقيل. يوجد شعور بالبلبلة والشلل في قيادة الدولة العليا. إن المستوى السياسي لم يزود بالسلعة وهو مشغول طول الوقت بصراعات داخلية. ولكل واحد خطة سياسية ويُبين كل عضو في المجلس الوزاري المصغر موقفه للجمهور. وقد أعلن أحد اعضاء المجلس الوزاري المصغر مسبقا في مدونة في الشبكة الاجتماعية ماذا سيكون موقفه في المجلس الوزاري المصغر، فأين يُرى شيء كهذا؟
    “أعتقد أنه حان الوقت للتغيير ولادراك أن معارك من هذا النوع لا يمكن أن تُحسم بصورة عسكرية فقط. ليست خريطة المعركة هي المدافع والصواريخ فقط بل هي أكثر تعقيدا. فشل نتنياهو لأنه استعمل مدة سنين سياسة أقعد ولا تفعل. وقد رأى التهديد يتطور في الجنوب وكان يمكنه أن يغير صورة التاريخ باجراء سياسي شجاع مع الفلسطينيين. لكن سياسته عند كل علامة طريق بلغ اليها أضعفت أبو مازن وشجعت حماس على أن تدخل مواجهة عسكرية معنا.
    “يؤسفني أن بيبي ليس قويا في مواجهة حماس بل قواها. وقد أحدثنا طنجرة ضغط مغلقة انفجرت في النهاية. وأصبحت حماس التي كانت ضعيفة قبيل المعركة تدرك أنها جاءت بانجاز بوسائل عسكرية وشعبها موحد حولها. ولم نحصل على دعم دولي بواسطة عمل سياسي ولم نعزل حماس ووقع نتنياهو في فخ آخر الامر.
    “نشأ في منطقتنا حلف آسر نحن جزء منه يشمل مصر والاردن والسلطة الفلسطينية والسعودية ودول الخليج. وهو حلف يعبر عن رؤيا اقليمية، لكن ماذا فعل نتنياهو بذلك؟ شغل نفسه فقط بالثرثرة وبطلب البقاء السياسي. وهو يجعجع بين كل انواع الرسائل والاستنتاجات ووزراؤه مشغولون طول الوقت بالمناوشات التي تسبق الانتخابات، وهم يطلقون النار في جميع الاتجاهات ويبلبلون الجمهور ولا توجد سياسة متسقة. وأنا أتوقع من رئيس الوزراء على الاقل أن يُفصح عن رؤياه.
    “كان لي في اثناء المعركة مع نتنياهو عدة أحاديث ولقاءات. وأنا أتفهم ايضا بعض مواقفه. وأنا لا أقذفه بقولي: “أنت لا تعلم ما الذي تتحدث عنه”، لكن حينما يبلغ الامر الى النواة الاساسية لا أتبين عندنا استعدادا للتوجه الى عمل يُحدث تغييرا، فهو مغروس في منظومة هواجس ومخاوف سياسية وعقائدية تمنعه من أن يُحدث التغيير”.
    رئيس آخر في المعركة
    لم يكف هرتسوغ فقط انتقاده في ايام القتال تحت شعار “الهدوء، يطلقون النار” بل جند نفسه ايضا بطريقته للمعركة: فقد التقى سكانا في غلاف غزة، وزار جرحى في المستشفيات، وزار مع زوجته العائلات الثكلى، وتجول في مصانع ومشاغل صغيرة أصيبت، وظهر في لقاءات مع وسائل الاعلام الاجنبية، ونظم في تل ابيب لقاءً مع سفراء اجانب ليُبين موقف اسرائيل بل أخذ السفير المهان دان شابيرو لزيارة جرحى في مستشفى سوروكا في بئر السبع. وقد شاهد لعبة نصف النهائي في العاب كأس العالم في كيبوتس أور هنير وبقي لينام في كوخ خشبي في كيبوتس نير عام. ويقول حان الوقت الآن لمسيرة سياسية.
    ليس من المؤكد أن يتفق الشعب معك ولا سيما سكان الجنوب الذين يشعرون بأنهم مخدوعون.
    “من الطبيعي أن يقوى اليمين زمن الحرب. فالجمهور يؤيد المعركة العسكرية كما نؤيدها تأييدا مطلقا، لكنه يقول ايضا إنه يجب علينا بعد أن تنتهي العملية أن نتوصل الى تسوية سياسية. وقد سمعت في المذياع واحدة من سكان سدروت أصاب بيتها مباشرة صاروخ قسام حينما كانت تشاهد التلفاز، وقالت إنه يجب تنظيف غزة لكن يجب اعطاؤها لأبو مازن آخر الامر، وهنا توجد التسوية.
    “في اللقاءات الكثيرة التي أجريتها مع سكان غلاف غزة تحدثوا عن مشاعر قاسية. فالمواطنون هناك يشعرون احيانا بأنهم شفافون في نظر الحكومة. وليس الحديث فقط عن اطلاق صواريخ القسام أو قذائف الهاون أو الصواريخ بل الحديث ايضا عن الحياة اليومية المعتادة. وقد التقيت هذا الاسبوع سكان نتيف هعسرة الذين يشتكون منذ سنين من إساءة المؤسسة البيروقراطية لكل من يسكن هناك. وتستجدي كيبوتسات وقرى زراعية الحصول على مخصصات من الارض للاتيان بسكان آخرين ولا تحصل على ذلك. ويطلب المزارعون معاملة أقل تشددا في مسألة استعمال عمال تايلانديين ولا يُستجاب لهم”.
    يزعمون ايضا أن الرد على اطلاق صواريخ على مركز البلاد أشد كثيرا من الرد على اطلاق صواريخ على غلاف غزة.
    “إن اطلاق صاروخ من وجهة نظري على غلاف غزة يشبه اطلاق صاروخ على تل ابيب، ويجب أن يكون هذا توجهنا الوطني”.
    يقول هرتسوغ حان الوقت الآن ليعتذر رئيس الوزراء وعضوا المجلس الوزاري المصغر، ليبرمان وبينيت، اعتذارا معلنا الى سكان الجنوب خاصة ومواطني الدولة عامة عن الوعود الباطلة في زعمه التي وعدوهم بها.
    “وعد نتنياهو هذه الوعود زمن عملية “الرصاص المصبوب”. وقد كنت آنذاك عضو في المجلس الوزاري المصغر وأتذكر تصريحاته حينما كان رئيسا للمعارضة عن القضاء على سلطة حماس واسقاطها. وهو اليوم يدفع ثمن تصريحاته المبالغ فيها، وأنا باعتباري رئيسا للمعارضة غير مستعد لأن أعد الجمهور وعودا باطلة. يجب أن يكون الهدف الواقعي تسوية سياسية وأن تضع حماس سلاحها وتشارك في السياسة الفلسطينية. لأنه لا يمكن القضاء عليها في داخل السياسة والمجتمع الفلسطينيين. يجب أن نكون واقعيين”.
    هل تُحادث حكومة اسرائيل حماس؟
    “من الواضح أنها تفاوض حماس في حين كان يجب أن يكون أبو مازن عنوانها الحقيقي. ويجب أن يتم تعمير غزة على نحو لا تخرج حماس معه منتصرة. وكان يجب على اسرائيل أن تبادر الى حسم سياسي مع حماس لا الى حسم عسكري فقط”.
    أربما لا خيار لنا سوى مُحادثة حماس؟
    “مشكلتنا الكبيرة هي أن تقوية حماس تمنع من القدرة على التوصل الى تسوية سياسية، وهذا هو عدم المنطق. ففي كل مرة نهب لحماس جائزة نُضر باحتمال التوصل الى تفاهم حقيقي مع ذلك الحلف الذي يقوينا اليوم. وقد كان يجب على نتنياهو منذ زمن أن ينظر الى المبادرة العربية نظرة ايجابية”.
    لو كنت مكانه ماذا كنت تفعل؟
    “الفرق بيننا هو أنني اعتقد أنه يجب أن نعرض على الجمهور رؤيا أمل تعوزنا جدا. ولا يعلم أحد الى أين يسعى وما هو هدفه. يجب على نتنياهو أن يقول الحقيقة لسكان غلاف غزة وهي كم من الوقت سيستمر ذلك لأن الامر قد يستغرق زمنا. ولو كنت أنا لوجهت ضربة مؤلمة لحماس وسافرت بعد ذلك فورا الى محمود عباس الى رام الله أطرق الباب وابدأ محادثته”.
    مشكلتك، بخلاف نتنياهو وعدد من وزرائه في المجلس الوزاري المصغر، أنه ليست لك صورة الأمني.
    “لي تجربة كبيرة أكثر من كثيرين آخرين، ويعرف الجمهور كيف يحكم على زعامة مدنية مسؤولة متزنة ثبتت في اوضاع اختبار من قبل. كنت أمين سر المجلس الوزاري المصغر. وجلست سنين هناك وقت اتخاذ قرارات حساسة مؤلمة. وأنا خريج “الرصاص المصبوب” وحرب لبنان الثانية. وكنت وزيرا في عدة حكومات.
    “يبحث الجمهور عن زعامة مدنية متزنة تعرف كيف تعمل مع الجنرالات. عندنا جيش ممتاز. والامتحان هو من المُجرب المتزن ذو الفهم السياسي العارف بالساحة الدولية. لو كنت أنا لجئت هذه المنظومة برئيس آخر. أنظر الى منظومة العلاقات القاسية المعوجة بالادارة الامريكية، لا اعتراض عندي على زعم أن لهذه الادارة توجها مختلفا لكن يجب في نهاية المطاف أن توجد ثقة بين الزعيمين، ولو كنت أنا لبنيت منظومة ثقة مع كل رئيس امريكي”.
    السؤال هل تتاح لك فرصة كهذه.
    “اؤمن بيقين أنه توجد هنا فرصة لكتلة واحدة كبيرة تتجه الى الانتخابات التالية مثل قوة مركزية. أريد أن أرى جبهة واحدة مثل الحركة وكديما واجزاء من يوجد مستقبل. فقد اصبح الجمهور يعلم أنه لم تعد حاجة الى منح احزاب الجو اصواتا. أنظر الى لبيد ويوجد مستقبل، ففي كل يوم وعد باطل، والكثير من الرياء والعروض مع عدم النتائج”.
    كراهية من هنا ومن هناك
    إن هرتسوغ وربما بخلاف المتوقع من رئيس المعارضة غير متحمس لفكرة انشاء لجنة تحقيق اسرائيلية في أحداث “الجرف الصامد” والفترة التي سبقتها. “يجب الفحص عن قضية الانفاق، واجراء استيضاح صائب أو انشاء لجنة فحص، لكنني لست من اولئك الذين يقفزون فورا ويطلبون لجنة تحقيق في كل شيء”.
    وما رأيك في لجنة شباس؟
    “من المؤكد أنني قلق من انشاء هذه اللجنة. لأنه يوجد هنا مطاردة مرفوضة غير عادلة من المجتمع الدولي لدولة اسرائيل في كل ما يتعلق باحكام الحرب. عملت اسرائيل بحسب قواعد القانون الدولي وإن وقعت أخطاء فيجب الفحص عنها. إن المس بالأبرياء قاس ومؤلم جدا. وقد تغلغل تغلغلا عميقا عند اصدقائنا في العالم، وكان ذلك وسيلة حماس للاضرار بنا سياسيا، لكن عملياتنا كانت في اطار الدفاع عن النفس ومحاولة العثور على مصادر اطلاق الصواريخ”.
    وبرغم ذلك يعتقد هرتسوغ – الذي كان الوحيد في المجلس الوزاري المصغر الذي عارض القطيعة مع لجنة غولدستون بعد عملية “الرصاص المصبوب” – يعتقد أنه يجب على اسرائيل في هذه المرة ايضا أن تتعاون مع لجنة الامم المتحدة. “هذه اللجنة اشكالية جدا ورئيسها مرفوض من كل محكمة في العالم على إثر تصريحاته، لكن يجب أن يوجد عمل مقر عمل جدي جدا للفحص عن كيفية العمل معها. إن لنا قضية وقد استعملنا الحذر الشديد جدا لتجنب اصابة أبرياء وعندنا ما نكشف عنه ونثبته”.\إن الاحداث العنيفة العنصرية التي حدثت هنا في الاسابيع الاخيرة تقلق هرتسوغ بقدر لا يقل عن لجنة شباس. “يجب علي أن أضرب لك مثلين من الشهر الاخير. التقيت ألاه بار خليلة الملازم اول باز الياهو الذي قتل في العملية. وقالت لي في خلال الثكل الفظيع: “أشد ما يقلقني الكراهية التي يؤججونها هنا على جيراننا العرب”. والتقيت في المستشفى ران ايضا وهو ضابط من جولاني جُرح. أصابه رصاص في جسمه كله لكن كان أول شيء قاله لي: “أوقفوا التحريض والعنصرية”.
    “أصبح اليوم التالي واقعا، والامر المقلق هو خطاب الكراهية الذي نشأ في المجتمع الاسرائيلي. وهو خطاب فظيع مخيف بزغ منه عنف قاس. توجد هنا اكثرية صامتة تعرف الحقيقة وهي أن اليهودي والعربي سيعيشان هنا معا الى الأبد. فليكفوا عن بيع الجمهور أوهاما. توجد هنا قوى وحشية من الكراهية من هنا وهناك. إن قتل الفتى محمد أبو خضير هو علامة طريق فظيعة في تاريخ الدولة وهي ظاهرة لم نر لها مثيلا في الماضي، وقد أثرت في المزاج العام في البلاد.
    “يندد الجمهور العربي في أكثره بسلوك حنين الزعبي ويريد أن يُعايشنا هنا في هدوء وسلام. حينما يدعو افيغدور ليبرمان الى القطيعة مع معامل العرب لا يُدرَك مبلغ فظاعة ذلك، وإن سكوت نتنياهو في هذا الامر خطير جدا. يمكن أن نرى مدونات فظيعة في الشبكة الاجتماعية وشتائم وسب لكن سلامة العقل والمسؤولية هما الطريق لقيادة هذه الدولة”.
    هل تسمع هذا ايضا من القيادة العربية؟
    “التقيت في الشهر الاخير في البلاد قادة عربا أرادوا أن ينقلوا رسالة الى الجمهور اليهودي تقول: لسنا حنين الزعبي. فهذا مهم لهم آخر الامر لأنهم يريدون أن يعيشوا هنا ايضا في هدوء وسلام”.

    ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــ

    في يدي حماس

    بقلم:ناحوم برنياع،عن يديعوت

    لم يكن نتنياهو منذ زمن وحيدا وضائعا بهذا القدر. فقد ألغى هذا الاسبوع اجتماعات المجلس الوزاري المصغر والمنتديات الاخرى التي اعتاد أن يدعو الوزراء إليها. ولم يُبلغ أحد من الوزراء سوى يعلون عما يحدث وما لا يحدث في التفاوض في القاهرة. ولم يبعثه على ذلك الخوف من التسريبات بل الحيرة. وكان يستطيع أن يغمض عينيه ويتخيل ماذا كان سيقول في التفاوض مع حماس لو أنه كان وزيرا في الحكومة أو رئيسا للمعارضة. كان سيقول إن ذلك خزي وعار وهزيمة وسقوط اخلاقي، وكيف سننظر في وجوه القتلى.
    إن وزراء المجلس الوزاري المصغر الذين أيدوه في اثناء العملية خسروه قبيل الهدنة. وقد أثارت تسيبي لفني هنا اقتراحها انشاء مظلة دولية تضمن دخول السلطة الفلسطينية الى غزة بعد أن أدركت أن نتنياهو ليس معها؛ وأثار يئير لبيد في وسائل الاعلام اقتراحه مجلسا عاما دوليا لتعمير غزة بعد أن أدرك أن نتنياهو قطع صلته به.
    قال أحد الوزراء إنه لأول مرة منذ نشأت الحكومة أصبح يوجد لها مجلس وزاري مصغر مُشكل، فقد نجح نتنياهو في أن يُشكل الجميع ليكونوا ضده. وقد حدث له في المجلس الوزاري المصغر ما حدث له في كتلة الليكود في الكنيست. وحينما استقر رأيه هذا الاسبوع على لقاء كل وزير على حدة أسرع الوزراء الى أن يقارن بعضهم مع بعض بين ما قاله. وقد أشبهوا أولادا يتحدون معا على أكثر الاولاد إثارة للعصبية في الفصل الدراسي.
    تنقل طائرة مديرين كل يوم اعضاء فريق التفاوض الى القاهرة، وحينما هبطوا هنا في مساء يوم الاربعاء كانوا على يقين من أن التفاوض قد تفجر، فلم يكن اتفاق ولا تمديد للهدنة. لكن المصريين زادوا آنذاك الضغط على ممثلي حماس وحذروهم من أنهم يمسون بمكانة مصر، وهددوا بتصفية الحساب معهم. وبعد بضع ساعات من العذاب استجاب رجال حماس فتفضلوا بتمديد مدة الهدنة خمسة ايام.
    حينما تحتار حماس يتعوجون في اسرائيل. وقد بدأوا في صباح يوم الاربعاء يجندون رجال الاحتياط، وأوضح الاستيضاح أن الحديث عن رجال خدمة احتياطية سيحلون محل احتياطيين آخرين حلوا محل رجال الخدمة النظامية في الضفة وحدود لبنان. وبدأ الحديث بعد ذلك عن اعادة قوات الى غلاف غزة، لكنه كان حديثا ويُشك في أنه وُجدت قوات هناك. وفي الليل وبرغم القذيفة الصاروخية التي أطلقتها حماس، نقل كلام نتنياهو رسائل مطمئنة. وحينما تبين لهم أن الجمهور يصعب عليه أن يفهم أصدروا بعد منتصف الليل اعلانا عكسيا يقول إن نتنياهو وجه الجيش الاسرائيلي الى أن يرد ردا قاسيا مؤلما على اطلاق الصواريخ.
    إتضح شيئان في ليل يوم الاربعاء وهما أن الصدام العسكري في الجنوب قد انتهى من وجهة نظر اسرائيل وأن متخذي القرارات غير مستعدين لأن يأمروا الجيش الاسرائيلي بتجديد اطلاق النار؛ والثاني أننا فاذا أرادت أطلقت النار علينا واذا أرادت كفت عن ذلك. وقد خرجت حماس مع تعادل في غزة وانتصرت في القاهرة.
    ما زالوا يأملون في الجيش الاسرائيلي أنه حينما يدرك السكان في غزة نتائج العملية سيُبعدون حماس عن الميدان. والشعور بالمرارة بين السكان كبير وقد يُترجم ذات يوم الى لغة الفعل. وقد لا يُترجم. لكن المؤكد أن حماس تحظى في القاهرة بشرعية دولية. ويتحدث رئيس «الشباك» يورام كوهين واللواء يوآف مردخاي باللغة العربية مع نظرائهما من الاستخبارات المصرية وأمن أبو مازن الوقائي، لكن الكلمة الاخيرة هي لممثلي حماس.
    لم تأت هذه النكبة من السماء بل هي نتيجة سياسة خاطئة للحكومة. صحيح أنه لم يكن هناك داع للاستمرار على القتال وليس للجيش الاسرائيلي مهمة لها تأثير حقيقي، وكلفة معركة تهزم حماس باهظة جدا لاسرائيل. كان الخطأ في سعي نتنياهو الى تسوية مع حماس لأنه لا يتم التوصل الى تسوية مع منظمة ارهابية. وحينما نصر على التسوية ندفع ثمنا باهظا لأنه لا تسوية بلا تخلي وتنازل وبلا مس بمصالح قومية. وقد أراد نتنياهو الوضوح فحصل على الاذلال. وأرسل الفريق الاسرائيلي الى مهمة لا يمكن سوى الخسارة فيها.

    عظام في الحلق

    إستدعى نتنياهو هذا الاسبوع للتشاور سفير اسرائيل في واشنطن، رون دريمر. إن دريمر، وهو فتى يهودي جمهوري من ساحل ميامي، يُحسن تمثيل نتنياهو في خطب في الكنس لكن يصعب عليه أن يُحدث الديمقراطيين في وزارة الخارجية والبيت الابيض. ولا يتحمل تبعة الازمة في العلاقات لكنه غير قادر على اصلاح ذلك.
    نشرت أمس صحيفة «وول ستريت جورنال»، وهي صحيفة مناصرة لاسرائيل، نشرت نبأ عن أن البيت الابيض أوقف شحنة مرسلة الى اسرائيل من صواريخ «هل فاير» للمروحيات الحربية بزعم أن اسرائيل تستخدم السلاح الامريكي استخداما لا تناسب فيه. وهذا النبأ جزء من حملة دعائية محسوبة ترمي الى التفرقة بين ادارة اوباما وحكومة اسرائيل.
    يبدو أن الامور انقلبت رأسا على عقب لأنه اذا كان سُمع في الماضي انتقاد لاسرائيل على لسان الرئيس اوباما ووزير الخارجية كيري ورئيسة مجلس الامن القومي رايس وآخرين، لكن كانت المساعدة العسكرية سخية والتعاون كاملا والدعم تاما، فان التصريحات الآن جد حذرة وجد مهذبة لكنه لا تتم الموافقة بصورة آلية في الامور العملية على أي شيء، فيُفحص عن كل طلب على حدة، والشك كبير. وتُذكر هذه الفترة بالايام التي تلت اعتقال جونثان بولارد لكن مع فرق واحد وهو أن العظام في حلق الادارة الامريكية ليس جاسوسا ضُبط بل هو رئيس حكومة اسرائيل لكن مع آلاف الفروق.
    لا عجب أنه بعد أن تحدث لبيد بالهاتف الى كيري أبلغ نتنياهو الوزراء أنه يحظر عليهم أن يتحدثوا الى وزير الخارجية الامريكي. وهو يُفسر كل حديث من هذا النوع بأنه محاولة للالتفاف عليه وبأنه مؤامرة عليه.
    أصبحوا في اسرائيل يدركون الآن أن الادارة الامريكية لا تنوي أن تستعمل حق النقض لكل اقتراح غير مريح لاسرائيل يُثار في مجلس الأمن. وهذه ضربة تعيدنا سنين كثيرة الى الوراء وهي أشد علينا من اللجنة السخيفة للامم المتحدة.

    بشرى مفرحة

    إن استقرار رأي مجلس حقوق الانسان التابع للامم المتحدة على انشاء لجنة للتحقيق في عمليات اسرائيل في العملية في غزة هو بشرى مفرحة لحكومة اسرائيل ورئيسها. فقد فشل المجلس وكان كتاب تعيين اللجنة منحازا واعضاؤها مشكوكا فيهم. وهيأ ذلك لنتنياهو شيطانا يمكن أن يوحد عليه جموع بيت اسرائيل. إننا نفاوض ارهابيي حماس لكننا نقاطع منافقي الامم المتحدة.
    لو كانت الامم المتحدة حكيمة لكانت عينت للجنتها خبراء بالقانون مناصرين لاسرائيل. لأنهم ما كانوا يستطيعون مع كل مناصرتهم أن يُحللوا كل ما أصاب غزة هذا الشهر. وقد عرّف أحد الاسرائيليين ما حدث هناك بأنه عربدة اطلاق نار. وهو غير معدود في جمعية لحقوق الانسان.
    إن تعيين لجنة الامم المتحدة يُسهل على حكومتنا لسبب آخر وهو أنه يجعل التحقيق في العملية في البلاد صعبا. وكل جهة رسمية ستُدعى الى التحقيق ستجند أفضل جهودها لتدفع عن الحكومة النقد الخارجي، وكان الاعلان الذي أصدره مراقب الدولة هذا الاسبوع جزءً من حملة صرف الانتباه هذه. ويجب على مراقب الدولة أن يفحص لأن هذا عمله. لكن تفويضه لا يشمل سوى الاطراف أما المسائل الثقيلة فليست من شأنه.
    إن مجلس الامم المتحدة هو في الحاصل العام مؤسسة علاقات عامة. والتهديد الحقيقي وسلاح يوم القيامة موجود في المحكمة الدولية في لاهاي لأن التجريم هناك سيجعل قادة الدولة وضباطها مجرمين مطلوبين.
    هل ينوي أبو مازن أن يشكر اسرائيل في لاهاي؟ إنه يقول في أحاديث مع دبلوماسيين اجانب ما يلي تقريبا: لا أريد التوجه الى لاهاي؛ سأتجه الى هناك اذا لم تدع لي الضغوط الداخلية خيارا.
    وهو لن يتجه الى هناك لأنه التزم بذلك لاوباما. والانطباع الذي حدث عند من تحدثوا اليه هو أنه يوجد سبب آخر وهو أنه يخشى شكوى مضادة تورطه هو والسلطة.
    منذ آذار 2013 وضعت في لاهاي شكوى كهذه صاغها محاميان خاصان هما مردخاي تسيبين وأوري يفلونكا. وتنسب الشكوى الى أبو مازن مسؤولية عن اطلاق قذائف صاروخية من غزة وخطف مدنيين وسيارات مفخخة وعمليات انتحارية. وقد أصبح أبو مازن مسؤولا عن ذلك من وجهة نظر المشتكيان بعد أن اعترفت الامم المتحدة بالسلطة التي يرأسها أنها دولة مراقبة. ولهذا فان شكوى أبو مازن الى المحكمة ستفتح الباب للتباحث في الشكوى المضادة.
    لا يسارع الفلسطينيون الى التوجه الى لاهاي لكنهم بدأوا في هذا الاسبوع حملة دعائية مجددة على شراء منتوجات اسرائيلية في الضفة. وأصحاب الحوانيت الذين يلتزمون بعدم بيع منتوجات اسرائيل يحصلون على تخفيض ضريبي كبير. والوعي الذي يصاحب الحملة الدعائية يئن تحت ثقل الشعور، فهناك ولد غزي مسكين وبيوت مدمرة وقذائف مزينة بنجمة داود وبشعارات شركات مثل شتراوس وتنوفا وشعارات المنتوجات الفلسطينية المنافسة. وقد سجلت شركات غذاء اسرائيلية انخفاضا كبيرا لمبيعاتها في الضفة إن لم يكن ذلك بسبب غزة فانه بسبب الاعفاء من الضريبة.

    تغليف غزة

    يمتد عند أسفل غرفة الطعام في نير عوز مرج كبير كما يناسب الكيبوتس. وقد حُفر في وسط المرج بئر صغيرة الى جانبها كومة تراب. إن هذا هو ما بقي من صاروخ غراد الذي سقط هناك خلال العملية. ولم يسبب السقوط ضررا حقيقيا سوى تهشيم نوافذ غرفة الطعام لكن قذيفتي هاون أصابتا اسطبلا قتلتا 100 عجل ودمرت قذيفة اخرى سيارة لأحد رجال الخدمة الاحتياطية ظن أنه يوقف سيارته في مكان آمن، في الطريق الى وحدته. وقد بلغ أول نفق هجومي تم الكشف عنه في كانون الثاني 2013 الى منطقة بين السياج الحدودي وجدار الكيبوتس. وكُشف عن ثلاثة أنفاق اخرى قرب نير عوز في اثناء القتال. ويفصل 2 كم فقط بين جدار الكيبوتس والحدود، ويفصل 2.5 كم بين بيوت الكيبوتس وقرية حماس خربة خزاعة.
    إن نير عوز كيبوتس على الجدار مثل ناحل عوز ومثل كفار عزة ومثل نيريم وكيسوفيم وعين هشلوشة ومثل صوفا وكرم سالم وغيرها. وتسقط قذائف الهاون عليه دون انذار كالمطر في يوم خريفي. حينما زرت الكيبوتس في اثناء القتال كان من المغري متابعتها. وقد وقعت تسع قذائف في الساحة ووجدت 21 قذيفة اخرى قرب الكيبوتس. فقد أراد رجال حماس ضرب «نير ليت» وهو مصنع الاصباغ عند مدخل الكيبوتس وكادت قذيفة هاون تنجح في ذلك. في يوم الخميس الماضي نشرت أمانة سر الكيبوتس عريضة كانت غير عادية في الخطاب الذي صاحب عملية «الجرف الصامد». ورد فيها أن «نير عوز يرى الجيش الاسرائيلي شريكا كاملا ولحما من لحمه. إن الكيبوتس يحتضن بحرارة وبلا تحفظ الجنود الذين يقفون الى جانبه.
    «وبرغم ذلك تعلمنا تجربة الماضي أنه لا غطاء للوعود بأن يُحفظ الهدوء في غلاف غزة زمنا طويلا، ولن يحل تعزيز الحماية العسكرية وحده مشكلاتنا الامنية، فقد فشلت محاولات حكومات اسرائيل المتكررة حل المشكلات الامنية بالقوة العسكرية. فالحل السياسي فقط سيضمن السلام والأمن زمنا طويلا». ولم تمر هذه العريضة في هدوء فقد انقض عليها متحدثون من اليمين كانوا يتمتعون طول العملية بسيطرة شبه مطلقة على الخطاب العام؛ ووجد في نير عوز ايضا من اعتقدوا خلاف ذلك فهم يرون أن تهديد الانفاق مشعور به أكثر من احتمالات السلام.
    عمر نير عوز 59 عاما. والمؤسسون وهم من خريجي هشومير هتسعير هم ناس أقوياء وذوو علم. ومكانهم الطبيعي في احزاب اليسار، فقد حصلت ميرتس في الانتخابات الاخيرة على 35 بالمئة من الاصوات، وحصل حزب العمل على 27 بالمئة منها، وحصلت قوائم يسارية اخرى على 12 بالمئة ولبيد على 8 بالمئة ولفني على 7 بالمئة. واكتفى الليكود والبيت اليهودي كل واحد بـ 3 بالمئة. إلتقيت في يوم الثلاثاء اربعة من القدماء في غرفة أمانة السر. إن أوري دان وهو في السبعين من عمره، وهو خريج لواء المظليين 55، هو مُركز الأمن في الكيبوتس.
    قال: «بادرت الى اعلان الرأي ذاك. واعتقدت أنني اذا كنت أنا العارف بما يحدث مبلبلا قليلا فان البلبلة في الدولة أكبر بأضعاف. فيجب صنع نظام.
    «هذه فترة اختبار لليسار. والتحدي هو أن تقول ما تعتقده لا حينما يكون مريحا فقط بل حينما يكون الواقع غير مريح على الخصوص. تحدثت الى جنود كثيرين كانوا هنا وكان لدى الجميع شعور باضاعة فرصة. وسألتهم: ماذا تعتقدون يجب العمل. فأجابوا: القضاء عليهم وتدمير غزة حتى آخر بيت فيها.
    «لا أعتقد كذلك. اعترضت على نفتالي بينيت حينما زارنا هنا وقلت له إن دولة اسرائيل تخطيء منذ ثلاثين سنة. حينما كنا نحكم غزة أتيحت لنا فرصة لتطويرها لكننا لم نفعل شيئا. وحماس هي التي انتصرت وهي التي ستعمر غزة.
    «اعتقدت أنه يوجد من وراء استعداد حكومة اسرائيل لاعلان هدنة شيء من الحكمة السامية وأن الهدنة ستكون مقدمة لشيء ما. لكن ليس ذلك هو ما يحدث.
    «كان الجيش على ما يرام. فالاخفاق سياسي. وقد خشيت الحكومة أن تُحدث في غزة دمارا يجعلها قبيحة في العالم. لكننا أصبحنا قبيحين في النهاية مع كل ذلك. فما كنا نستطيع أن نفعله لم نفعله، وما تم فعله لم نفعله نحن».
    كان عوديد لبشيتس إبن الـ 74 في الماضي مراسلا محققا في صحيفة «عل همشمار» وفي صحف الحركة الكيبوتسية. وهو مظلي متقاعد ايضا، قال: «لست مسالما فأنا سأحارب اذا دُعيت الى القتال. لكن الحروب لا تحل شيئا في رأيي؛ فلا حل بالقوة للصراع بيننا وبين جيراننا.
    «إن الردع في الشرق الاوسط لا يصمد أكثر من سنتين. في 1949 وقعنا على اتفاقات وقف اطلاق نار. وبعد سنتين هاجمنا الفدائيون؛ وفي 1967 هزمنا الجيوش العربية وبعد ذلك بسنتين بدأت حرب الاستنزاف. وحدث الشيء نفسه في كل العمليات التي قاموا بها في غزة.
    «أين حصلنا على أكبر عدد من سنوات الهدوء؟ في اتفاقات السلام فقط. فهناك 35 سنة مع مصر و20 سنة مع الاردن.
    «حينما أحرزت هدنة في العملية الحالية قال رئيس الاركان وقائد المنطقة للسكان إنه يمكن أن يعودوا الى بيوتهم. وكانا يعتقدان أننا اذا ضربناهم ضربة أقوى من ضربة حزب الله في الضاحية فلن تتجرأ حماس على اطلاق الصواريخ، لكنهما اخطآ.
    «ومع ذلك أنا راضٍ جدا عما فعله الجيش الاسرائيلي. وقد كانت له عدة مهام هي تدمير الانفاق ووقف القذائف الصاروخية وقتل أكبر عدد ممكن من المخربين وتدمير ترسانتهم، وقد فعل ذلك».
    وسألته: ما الذي تعتقده في غزة؟ فقال: «لم ننفصل عن غزة قط. وقد حولنا غزة الى سجن. إننا نجلس خارج السجن وندع لهيئة السجناء أن يديروه لكننا لا ندع أحدا يخرج. ولهذا فان تباكي الاسرائيليين الذين يدعون أنهم ضحايا – أننا خرجنا من غزة ورد الفلسطينيون علينا باطلاق الصواريخ – هو أكذوبة. إن حماس أطلقت القذائف الصاروخية لأنها لم تعد تستطيع احتمال الحصار».




    التقطير ومُطلق الصواريخ

    كان آريه ايتسيك إبن الستين عاملا في دبابة في اللواء 7. وهو في الكيبوتس مُطبب يسافر الى كل مكان على دراجة نارية صغيرة تعمل مثل عيادة متنقلة.
    زحزحته الحرب الى اليمين. وهو يقول: «تبدأ مشكلتنا من أننا نسمي القذائف الصاروخية التي تسقط علينا قطرات، ونسمي أول مطر اطلاقا. ويجب أن يكون الامر عكس ذلك.
    «منذ أن أصبح عندي أحفاد اصبحت أنظر الى الوضع بصورة مختلفة، وحينما أسير معهم في الكيبوتس أبحث طول الوقت عن أقرب ملجأ.
    «اذا دخلنا غزة فيجب أن نفعل ذلك بصورة جيدة. دخلنا وخرجنا وذيلنا بين رجلينا، وانتظرت عملا عسكريا يجعل الجميع يصرخون باعجاب، لكن هذا العمل العسكري لم يكن. فنحن نتلقى الضرب تباعا ولا نمضي حتى النهاية».
    وسألته: هل تعتقد أنه كان يجب على الجيش الاسرائيلي أن يصل الى مستشفى الشفاء. فقال: «لا في الحقيقة، لكن كان يجب أن يكون الرد أعظم أثرا».
    إن شلومو مرغليت إبن الـ 77 عضو في النواة التأسيسية للكيبوتس. قال: «أحدثت الانباء في وسائل الاعلام انطباع أننا جميعا نهرب. وليس ذلك دقيق. فقد بقي نصف الكيبوتس في الحرب، ويوجد الآن هنا حضور كامل. ومع ذلك يوجد لدينا شعور بأننا لحم للمدافع وبأن دمنا أقل حمرة من دم سكان تل ابيب.
    «لست مناصرا لنتنياهو بالضبط، ولكنني اعتقد مع ذلك أنه تصرف بمسؤولية. وقد حاولت حماس واليمين أن يجراه الى الداخل لكنه لم يُجر.
    «في البلاد تطرف لليمين ولليسار ايضا. واذا قضى علينا شيء فان هذا هو الذي سيقضي علينا».
    وسأل لبشيتس: «من الذي قتله اليسار؟». فقال مرغليت: «ليس القتل كل شيء».
    قال آريه ايتسيك: «حينما سمعت مع سقوط قذائف الهاون أن اليسار خرج للتظاهر على العملية غضبت وحولني ذلك من اليسار الى الوسط».
    وقال شلومو مرغليت: «تحولت زوجتي التي كانت من قواتنا الى اليمين، فهي غير مستعدة للعيش مع حماس».
    لكن يوم الثلاثاء كان هادئا وعادت العائلات. وتم في غرفة الطعام عشاء احتفالي. لم توجد خطب ولا اعلانات لكن الجميع جاءوا. ورأوا في لوح الاعلانات عند المدخل دعوة الى لقاء سياسي، فعيساوي فريج عضو الكنيست العربي من ميرتس سيزورهم في يوم الخميس. والقصد كما كتب الى تشجيع الرفاق وتقويتهم.
    ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــ

    قصف غزة عشوائياً
    الجيش الإسرائيلي أطلق في الحملة قذائف غير دقيقة ويعترف باحتمال وقوع إصابات كثيرة بين المدنيين

    بقلم:عاموس هرئيل وغيلي كوهن،عن هآرتس

    استخدم الجيش الاسرائيلي في القتال في قطاع غزة قوة استثنائية من نار المدفعية بما في ذلك في المناطق المبنية باكتظاظ. وحسب معطيات جزئية وفرها الجيش في 29 تموز، بعد ثلاثة أسابيع من القتال (منها 12 يوما من العملية البرية) اطلق حتى ذلك الحين نحو 30 الف قذيفة. واستمر القتال البري لاكثر من اسبوع آخر، ولهذا يمكن التقدير بان العدد النهائي للقذائف التي اطلقت حتى الان أعلى بشكل كبير.
    في حملة «الرصاص المصبوب» في 2009، لغرض المقارنة، أطلق الجيش الاسرائيلي نحو 8.000 قذيفة مدفعية. من اصل هذه الكمية، نحو النصف (4.000) كانت قذائف دخان. نحو 1.000 قذيفة كانت قذائف إنارة، والباقي نحو 3.000 قذيفة متفجرة. في تلك الحملة، كانت التعليمات للقوات بالامتناع عن النار على المناطق المبنية، الا في حالات استثنائية ضرورية لانقاذ القوة. معظم اطلاق النار تم في حينه الى مناطق مفتوحة أو أطراف المناطق المبنية. ويمكن التقدير بان العدد الاجمالي لقذائف المدفعية التي اطلقت في «الجرف الصامد» أعلى بـ 4 أضعاف ما اطلق في «الرصاص المصبوب».
    وكما أسلفنا، فان المعطيات هذه المرة جزئية فقط بل ولا تزال لا تتضمن توزيع أصناف النار، الى قذائف إنارة، دخان ومتفجرات. ومن المعطيات التي أفاد بها امس ضابط كبير في استعراض للصحافيين يتبين أن هيئة الاركان زودت القوات التي قاتلت في القطاع بـ 43.000 عنصر من الذخيرة المدفعية. ولم يفد بمعدل الذخيرة التي أطلقت فعلا، ولكنه قدر بان الكلفة الاجمالي للذخيرة التي اطلقت (بما في ذلك الذخيرة الخفيفة وقذائف الدبابات) تبلغ نحو 1.3 مليار شيكل. وعلى حد قوله، فان قوات الجيش التي قاتلت في القطاع أطلقت ذخيرة اكثر مما خطط له مسبقا ويحتمل أن تكون حاجة الى ملاءمة الخطط العملياتية للجيش في المستقبل مع تقديرات نار أعلى، لان الامر يستمد من طبيعة القتال في المستقبل.
    تعتبر قذائف المدفعية نارا «ثابتة» (ستاتية)، لا تسمح بالاصابة الدقيقة للهدف. قذائف من عيار 155 ملم تطلق بشكل عام نحو منطقة بعرض 50متر وبطول 50متر، اصابتها تعتبر من ناحية مهنية كاصابة للهدف. في منطقة مبنية باكتظاظ في قطاع غزة، فان مثل هذه المنطقة كفيلة بان تضم اكثر من خمسة مبانٍ، واستخدام السلاح الجوي، او الصواريخ للمدى القصير التي تطلق من الارض مثل «تموز» (اطلق نحو 200 منه) تؤدي الى دقة كبيرة بقدر واضح في اصابة الاهداف.
    في اثناء استخدام نار المدفعية، يلزم الجيش القوات باستخدام مسافات آمنة، سواء من وحداته أم من مواطني العدو. ولكن القيود تتقلص عندما يدور الحديث عن استخدام «النار للانقاذ» التي هدفها انقاذ قوة عسكرية توجد في ضائقة. وعن «نار للانقاذ» في حالة خطر على الحياة، يحق لكل قائد ميداني تقريبا أن يعلن عن «النار للانقاذ». ويبدو أن شروط القتال في القطاع والمخاطر الكثيرة على القوات أدت الى اعلانات كثيرة كهذه. وفي الجيش يعترفون بانه يحتمل أن يكون الكثير من المدنيين الفلسطينيين قد اصيبوا بالنار غير الدقيقة.
    نار المدفعية للانقاذ استخدمت بشكل واسع في عدة حالات في اثناء القتال. حالتان بارزتان هما المعركة في حي الشجاعية شرق غزة والمعركة في رفح. وحسب معطيات قدمها الجيش الاسرائيلي، ففي المعركة في الشجاعية في 20 تموز – بعد اصابة مجنزرة لواء غولاني التي قتل فيها 7 جنود – اطلق نحو 600 قذيفة مدفعية متفجرة، في غضون أقل من ساعة. وقد اطلقت القذائف من أجل انقاذ القوات، في ظل تقليص واضح للمسافات الآمنة.
    اما في رفح، فأطلقت بطاريات المدفعية أكثر من 1.000 قذيفة في 3 ساعات بعد اختطاف الملازم هدار غولدن من لواء جفعاتي من قبل خلية حماس في المدينة في 1 آب. ويظهر المعطى الشاذ من التحقيق الاولي الذي جرى في الجيش الاسرائيلي على ملابسات الحادثة، التي تجتذب اليها انتباها دوليا شديدا.
    وفي الجيش الاسرائيلي يقدرون بان في رفح ستجرى تحقيقات من الاجانب، بمن فيهم مجلس حقوق الانسان في الامم المتحدة.
    التحقيق الداخلي في الجيش الاسرائيلي سيركز على عمل ثلاثة قيادات في معركة رفح: قيادة لواء جفعاتي، قيادة فرقة غزة التي عمل تحتها اللواء، وقيادة المنطقة الجنوبية.
    والاسئلة المركزية التي ستطرح فيه تتعلق بجانبين: الاستخدام المكثف للنار، في منطقة مدنية كان فيها سكان مدنيون باكتظاظ واستخدام نظام «هنيبال» لاحباط اختطاف الملازم غولدن. وكما أفادت «هآرتس» وبخلاف معظم الحالات الاخرى، جرت المعركة في رفح في حي لم يقم الجيش مسبقا باخلائه من المدنيين، وبعد أن هاجمت خلية حماس بالنار قوة من دورية جفعاتي، قتلت ضابطا وجنديا وفرت مع غولدن المخطوف في ايديها. وحسب تقارير مختلفة من الجانب الفلسطيني، قتل في المعركة بين 130 الى 150 فلسطيني بينهم مدنيون كثيرون. في اطار المعركة اطلقت نار كثيفة من بطاريات المدفعية وقذائف الدبابات، الى جانب غارات من الطائرات والمروحيات. وفي غضون نحو 3 ساعات اطلق أكثر من 1.000 قذيفة وهوجم نحو 40 هدفا من الجو.
    وبالنسبة لاستخدام نظام «هنيبال» تعترف الان عدة مصادر عسكرية تحدثت مع «هآرتس» بانه توجد مشكلة للجيش الاسرائيلي في غرس الامر وشرحه بين الكثير من القيادات الميدانية.
    فالامر الخطي يقول انه مسموح لقوة الجيش الاسرائيلي ان تأخذ مخاطرة محسوبة باصابة جندي مخطوف، بهدف احباط اختطافه. ومع ذلك، فانه لا يسمح باستخدام القوة الكثيفة التي من شأنها أن تؤدي الى قتل الجندي الى جانب خاطفيه. في المحاضرات التي يقدمها القادة في الدورات المختلفة في الجيش الاسرائيلي يعطى في احيان كثيرة مثال للنار نحو سيارات يوجد فيها خاطفون ومخطوف: مسموح اطلاق النار نحو عجلات السيارة بهدف وقفها. محظور اطلاق قذيفة الى السيارة نفسها من شأنها أن تقتل المخطوف نفسه.
    ورغم ذلك، فالفهم السائد بين الكثير من القادة والجنود هو أنه يجب احباط الاختطاف بكل ثمن. في الجيش يعترفون بانه ستكون حاجة الى تأكيد التعليمات في هذا الشأن من أجل غرس المعنى الحقيقي للامر.
    رئيس الاركان بيني غانتس اوضح عدة مرات في القيادات التي قاتل رجالها في غزة بانه توجد اهمية كبيرة لتقليص الاصابة للمدنيين الفلسطينيين في اثناء القتل.
    في جهاز الامن يعمل الان بالتوازي فريقان هدفهما صد الادعاءات بجرائم حرب من جانب اسرائيل. لجنة من هيئة الاركان برئاسة اللواء نوعم تيفون، بدأت في اثناء الحرب بالتحقيق في عشرات الاحداث، ولا سيما تلك التي قتل فيها مدنيون فلسطينيون كثيرون.
    اضافة الى ذلك، عينت لجنة من عدة وزارات برئاسة رئيس قسم التخطيط في هيئة الاركان، اللواء نمرود شيفر لتعنى بمواجهة الادعاءات الاكثر عمومية الموجهة ضد اسرائيل. وردا على سؤال من «هآرتس» اجاب الناطق العسكري بان «في نهاية حملة «الجرف الصامد» وكما هو متبع في الجيش سيجرى تحقيق معمق للحملة باجزائها المختلفة وسيحقق في المعارك في الجبهات المختلفة».
    ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــ
    مزايا مشعل التي حللت في التصور الذي اعده علماء النفس للموساد قبل محاولة اغتياله تعظمت والنتائج رأيناها في الطريقة التي يدير بها المعركة الحالية ضد اسرائيل: بثقة بالنفس.. بتصميم.. بكريزماتية وبفقدان العلاقة مع الواقع الصعب في غزة

    بقلم: يوسي ميلمان،عن معاريف

    ماذا كان سيحصل لو لم تنقذ اسرائيل حياة رئيس المكتب السياسي لحماس، خالد مشعل، حين وفرت له الاكسير المضاد للسم الذي رشه به عميلا الموساد في ايلول 1997. هل كان بديله في حماس سيكون اكثر اعتدالا وراحة منه؟ هل حماس بدون مشعل كانت ستتجرأ على الخروج الى المعركة الحالية؟ هل كان ممكنا الوصول الى اتفاق أسرع؟ هل الاردن حقا كان سيقطع علاقاته الدبلوماسية مع اسرائيل؟ هذه هي اسئلة لا يحب التاريخ الانشغال بها ولكنها بالتأكيد تبعث على التفكير.
    في 30 تموز 1997 تفجر مخربان انتحاريان في سوق محنيه يهودا. قتل 16 اسرائيليا وحماس تبنت المسؤولية عن العملية. وفي المساء استدعي رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو قادة جهاز الامن والاستخبارات في بحث طاريء في نهايته أمر رئيس الموساد داني ياتوم بان يعود اليه مع قائمة اهداف لحماس للتصفية.
    ياتوم، الذي كان في منصبه منذ نحو سنة، عاد الى قيادة الموساد وعقد سلسلة مباحثات مع قادة الاقسام والوحدات المرتبطة بموضوع تركيب “بنك الاهداف”. وفي القائمة التي اعدت كان ما لا يقل عن 8 اهداف. الاول في القائمة كما يمكن التقدير كان عز الدين الشيخ خليل، المسؤول الكبير للذراع العسكري في دمشق وقاد العمليات الارهابية، بما فيها العملية في محنيه يهودا. واستجاب خليل الى التعريف الذي كتبه ياتوم في كتابه “شريك سر”: “قائمة الاهداف التي عرضتها تشكلت حسب أهمية الشخص في المنظمة، اهمية ازالته، مستوى الصعوبة في الوصول اليه ونتائج تصفيته”.
    تصفية خليل كانت ستمس بقدرة حماس العملياتية، ولكن المعلومات الاستخبارية لم تكن كافية، وكان صعبا الوصول اليه في مكان مقره في سوريا. وبعد 7 سنوات فقط لاقى حتفه، عندما انفجرت سيارته خارج دمشق. احد لم يتبنَ المسؤولية عن العملية. ولكن في وسائل الاعلام الدولية والعربية تقرر أن اسرائيل هي المسؤولة. مهزلة القدر هي أن خليل كان ايضا عدو الاردن – ذاك الذي غضب جدا على محاولة تصفية مشعل على اراضيه. وعندما صفي خليل، في عمان لم يذرفوا دمعة على موته.
    يمكن التخمين بانه كان في القائمة أيضا زياد نخالة من الجهاد الاسلامي الذي وان لم تكن منظمته مسؤولة عن العملية في القدس الا انها كانت مشاركة في العديد من العمليات القاسية الاخرى. كما ظهر في القائمة ممثلو حماس في اوروبا والمرتبطين بتمويل العمليات بالمال وتجنيد النشطاء. وفي نهاية المطاف تم التقدير بان من الافضل عدم تصفيتهم، سواء بسبب انعدام المعلومات او التخوف من التورطات السياسية مع الدول التي يسكنون فيها.
    رغم 5 في القائمة كان موسى ابو مرزوق، نائب رئيس المكتب السياسي للمنظمة اليوم والمتواجد في القاهرة، ويشارك في محادثات وقف النار. على مدى ثلاث سنوات، حتى 1995 تولى ابو مرزوق رئاسة المكتب السياسي لحماس، الى أن طرد من الاردن ووصل الى الولايات المتحدة (في ماضيه تعلم في الدولة وحصل على جنسية أمريكية). اعتقله مكتب التحقيقات الفيدرالية وفي البداية طلبت اسرائيل تسليمه، ولكنها تراجعت خشية أن تزيد الخطوة عمليات المنظمة الارهابية. وفي فترة وجوده في السجن الامريكي انتخب مشعل كبديل له، ولكن كان لا يزال يعتبر كمن يتغطى بظل ابو مرزوق. في نهاية المطاف، في ايار 1997، قبل شهرين من العملية في القدس، وافق الملك الاردني على السماح له بالعودة الى المملكة. واكتفى ابو مرزوق بلقب “نائب الرئيس″.
    واعتقد مسؤولو الموساد بان ابو مرزوق هو هدف مفضل للاغتيال، ولكن نتنياهو استخدم الفيتو تخوفا من أن تؤدي تصفية مواطن امريكي الى احداث مشكلة مع واشنطن. وهكذا، كأهون الشرور، تقرر اغتيال رقم 6 في القائمة، خالد مشعل.
    * * *
    وكتب ياتوم في كتابه يقول: “انه بالنسبة لمشعل اتفق في القيادات المهنية في الموساد بان تصفيته وحدها لن تحقق الهدف المطلوب، لان الامر سيحدث صدمة مؤقتة ولكن سرعان ما سيحتل مكانه شخص أخر”.
    كان زمن الاعداد للحملة قصيرا – نحو شهرين. وفي هذه الاثناء، في 4 أيلول، نفذته حماس عملية اجرامية اخرى في القدس قتل فيها 4 اشخاص واصيب 2000 في شارع بن يهودا. الدم الاسرائيلي على كل المستويات، من رئيس الوزراء وحتى رئيس الموساد، تميز غضبا.
    في الملف العملياتي الذي اعد عن مشعل جمعت مادة كثيرة وان كانت هناك ثغرات استخبارية. مثل هذا الملف يتضمن مبررات لماذا يعد الهدف “ابن موت”. وتذكر فيه افعاله في الماضي ويوجد تقدير حول خطره في المستقبل. كما توجد في المادة “صورة”، تحليل نفسي لشخصيته. يتم تركيبها استنادا الى معلومات استخبارية جمعت من مصادر سرية كالعملاء، ومن مصادر علنية كتصريحاته في الخطابات والمقابلات (التي تسمح بتحليل صوته ولغة جسده)، وغيرها من الادلة والمعلومات.
    وتنشأ عن الصورة النفسية شخصية رجل ذي مبنى من الشخصية الحدية. مليء بالثقة بالنفس، مع ميل الى جنون العظمة، الكاريزما، ولكن الى جانب ذلك صاحب تصور مشوه عن الواقع. ومع أنه كان زعيم منظمة دينية ورجل مؤمن، تبين أنه كان يميل الى تناول المشروبات الروحية ولم يمتنع عن ملاحقة النساء، وكانت شائعات من مصادر علنية بانه كانت له عشيقة دائمة.
    وبعد تفكر عميق تقررت عملية “هادئة”، واتفق على أن يكون السلاح الذي يستخدم هو السم الذي طور حسب مصادر أجنبية في معهد البيولوجيا في نس تسيونا. وكان يفترض بالسم أن يحدث موتا سريعا، في ظل علائم موت مشوشة تخلق انطباعا بموت طبيعي (نوبة قلبية مثلا) وتجعل من الصعب على المشرحين تحديد سبب الوفاة الحقيقية.
    رغم زمن الاعداد القصير نسبيا – تدرب رجال وحدة كيدون على رش المادة السامة على مارة في شوارع تل أبيب – وانطلقت العملية وكانت خطوة واحدة فقط تفصلها عن النجاح. عمليا، العملية نجحت، ولكن مقاتلي كيدون فوجئا من أن مشعل وصل في سيارته الى المكتب مع ابنائه ونجحا في رش السم والانطلاق من المكان. نقل مشعل الى المستشفى في وضع صعب للغاية. ولكن عندها وقع الخلل الذي شوش كل شيء. بسبب خطأ في تحديد الموقع عادت سيارة الهرب الى ذات الشارع ورجل حماس الذي كان شاهدا للحدث شرع في مطاردتها. قفز المقاتلان من السيارة وفي نهاية المطاف نقلا الى مخطة الشرطة حيث تم التحقيق معهما. اثنان آخران فرا الى السفارة الاسرائيلية ووجدا فيها ملجأ لهما.
    وسرعان ما وصلت المعلومات عن الخلل الى ياتوم الذي عقد جلسة طوارىء مع مسؤولي الموساد. وفي الخلفية كانت تهديدات الملك حسين بقطع العلاقات مع اسرائيل والامر لوحدة مختارة اردنية اقتحام السفارة واعتقال المقاتلين اللذين اختبآ فيها.
    بعض من المشاركين في المداولات اعتقدوا بانه لا يوجد ما يدعو الى الخضوع للضغط وانه ينبغي ترك مشعل يلفظ أنفاسه. وادعاؤهم كان أن اسرائيل نجحت في انقاذ حياة الحسين ونظامه عدة مرات وان الاردن يحتاج الى اسرائيل اكثر مما تحتاج اسرائيل الى الاردن. ولهذا فان الملك سيتغلب على غضبه وعلى الاهانة بمكانته ولسيادة المملكة. وسرعان ما ستعود العلاقات الى سابق عهدها. كما اعتقدوا بان الملك لن يتجرأ على الامر باقتحام السفارة او اعدام المقاتلين المعتقلين، ومع هدوء العاصفة سيتحرران صمت. ولكن هذا كان موقف الاقلية.
    معظم مسؤولي الموساد اعتقدوا بانه يجب عمل كل شيء من أجل انقاذ المقاتلين ومنع التدهور في العلاقات مع الاردن. وقد اخذ بموقفهم. وتقرر تبليغ الملك بان الاردن سيحصل من اسرائيل على اكسير مضاد ينقذ مشعل من الموت.
    وهذا ما كان. ونجا مشعل واعيد المقاتلان الى اسرائيل. وكان جزء من الصفقة تحرير الشيخ احمد ياسين من السجن.
    وشفي مشعل واستعاد عافيته. وصعد نجمه في المنظمة. مكانته، ولا سيما بعد ان صفت اسرائيل الشيخ ياسين، ارتفعت الى السماء فاصبح الرجل القوي والمقرر في المنظمة. ومع أن حماس هي منظمة مراتبية لها مجلس شوى ومكتب سياسي وذراع عسكري والقرارات تتخذ بالاجماع الا ان مشعل كان هو الاول بين المتساوين. فقد آمن بان حياته انقذت بفضل العناية الالهية. وفي واقع الامر يقترب من درجة ابن الرب. كل مزاياه التي حللت وشخصت في ذاك التصور الذي اعده عنه علماء النفس للموساد اخذت في التعاظم.
    النتائج رأيناها في الطريقة التي يدير بها المعركة الحالية ضد اسرائيل: بثقة بالنفس، بتصميم، بكريزماتية وبفقدان العلاقة مع الواقع الصعب في غزة.



    ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ

    الملفات المرفقة الملفات المرفقة

المواضيع المتشابهه

  1. اقلام واراء اسرائيلي 23/07/2014
    بواسطة Haneen في المنتدى أقلام وأراء اسرائيلي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2014-08-10, 12:34 PM
  2. اقلام واراء اسرائيلي 13/05/2014
    بواسطة Haneen في المنتدى أقلام وأراء اسرائيلي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2014-05-29, 11:44 AM
  3. اقلام واراء اسرائيلي 12/05/2014
    بواسطة Haneen في المنتدى أقلام وأراء اسرائيلي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2014-05-29, 11:44 AM
  4. اقلام واراء اسرائيلي 10/05/2014
    بواسطة Haneen في المنتدى أقلام وأراء اسرائيلي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2014-05-29, 11:43 AM
  5. اقلام واراء اسرائيلي 09/05/2014
    بواسطة Haneen في المنتدى أقلام وأراء اسرائيلي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2014-05-29, 11:43 AM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •