اقلام واراء عربي 315
6/2/2013
الغارة الاسرائيلية على سورية: كل الرسائل!
بقلم: مهند محمد صبّاح عن القدس العربي
لم تكن اسرائيل لتقوم بقصف مواقع سورية إلا بعد حصولها على الموافقة الامريكية لهذا العدوان. بعد البيان العسكري السوري تأكد تورط اسرائيل بالهجوم وإن لم تعترف به اسرائيل لغاية الآن، وهذا ما عودتنا عليه اسرائيل في عملياتها الارهابية، سواء من اغتيالات لقيادات خارج حدود فلسطين المحتلة مثل اغتيال المبحوح او عماد مغنية، او عند الهجوم على سورية خلال الاربعة اعوام الماضية على الاقل. بغض النظر عن ماهية الهدف الذي تم قصفه، سواء كان مركزا علميا تطويريا، حسب الرواية السورية، أو كانت قافلة تهريب أسلحة حسب الرواية الاسرائيلية غير الرسمية.
القصف الاسرائيلي الاخير على سورية بعث برسائل عديدة خاصة إذا ما ادركنا الرسائل والابعاد العسكرية والسياسية الكامنة من ورائه.
الابعاد العسكرية من مثل هذا الهجوم اذا صحت الرواية الاسرائيلية هو تخوف هذا الكيان من ان تمتلك اذرع المقاومة في المنطقة وخاصة حزب الله لأسلحة ذات بعد استراتيجي في الصراع المسلح وخلخلة منظومة الردع الاسرائيلية في أي حرب قادمة، تماما كما حدث بالأسلحة الليبية بعيد انهيار نظام العقيد القذافي وامتلاك المقاومة جزءا منها (حسب مصادر العدو الاعلامية). أيضا هي رسالة مزدوجة لحزب الله والجمهورية الايرانية بان المؤسسة العسكرية الاسرائيلية قادرة على الحفاظ بزمام المبادرة العسكرية وشن أي هجوم استباقي يحقق مبدأ الردع والتفوق. هي رسالة أقل حده بكثير لمصر الجديدة بأن اسرائيل قادرة على حماية امنها الاستراتيجي بدعم امريكي غير قابل للنقاش وتأكيدا على متانة هذا الحلف الاستراتيجي بينهم يتأتى من خلال موافقة الولايات المتحدة الامريكية على الهجوم الاخير على سورية.
أما الابعاد السياسية، فهي ادراك تام بأن النظام السوري أصبح غير قادر على امتلاك السيطرة على الارض، وان قدرة النظام كنظام بالمفهوم القوي على الاستمرارية لأمد بعيد أصبحت شبه ضئيلة، وان التغييراَت لا محالة وإن كان تغيير ضبابي غير واضح المعالم.
اسرائيل اعتادت ان تتعامل مع أي خطر تهديدي قبل وقوعه، وما يقلق اسرائيل هو فعالية الحكم المستقبلي فيسورية من حيث شدة عداءه لإسرائيل خاصة مع تصاعد تنامي قوة الحركات الاسلامية في المنطقة وخسارة النظام المصري السابق والحليف الحامي لأمن اسرائيل. العملية العسكرية الاسرائيلية المحدودة هدفت الى احراج النظام الايراني امام الشعوب العربية وقوى المقاومة في المنطقة وذلك بعد التصريحات التي ادلى بها المسؤول الايراني رفيع المستوى بان ايران سوف تدافع عن حليفتهاسورية وان أي اعتداء عسكري علىسورية هو بمثابة اعتداء عسكري على إيران ذاتها.
هناك بعد اَخر لا يجب اهماله، وهو بعد للداخل الاسرائيلي بأن اعداء اسرائيل لا زالوا يشكلون خطر وجودي على الكيان وإشعار مواطنيه بأنهم مستهدفون على الدوام. لذلك اعلنت بلدية حيفا الأستنفار في المدينة بعد القصف، وقبل ذلك بزمن قليل تم نصب القبة الحديدية على الحدود معسورية ، ناهيك عن محاولة نيتنياهو تحسين ظروف تشكيل الحكومة الجديدة بعد الانتخابات الاخيرة التي أضرت بحزبه هو وليبرمان.
هو يريد ان يحرج قوى االيسارب بأنهم غير مهتمين بمستقبل اسرائيل الوجودي وسيعيهم لإسقاطه سيكون كارثة على امن اسرائيل، ويريد ان يضع الخطوط العريضة للحكومة المستقبلية لتكون حكومة يمين وحرب بامتياز تعفيه من أي التزام تجاه عملية السلام مع الفلسطينيين و ليستمر في مصادرة الاراضي وتهويد القدس. ايضا تقلل الضغط الدولي عليه بخصوص العملية السلمية بحجة ان لديه ائتلاف حكومي معقد وصعب. وبالتالي يضع جدول اعماله بنفسه بدون اية ضغوطات دولية.
خلاصة القول، الغارة الاسرائيلية تدل على ان تدميرسورية هو الهدف، تدمير بالمعنى التام و ليس فقط اسقاط نظام حزب البعث. المعارضة المسلحة غير قادرة على حسم الموفق ولا النظام ايضا قادر على انهاء الصراع الدموي مع المعارضة وبالتالي استهداف مقدرات الدولة ومصادر التقدم فيها، سواء من الناحية البشرية والعلمية والاقتصادية وإغراق البلاد في نزاع دموي طاحن بعيد الأمد يستهلك جميع موارد البلاد على مرأى الدول الاقليمية والعالمية التي لو ارادت انهاء العنف في سورية لفعلت منذ زمن على غرار ليبيا. وكل ذلك يصب في مصلحة اسرائيل الامنية والعسكرية.
للأسف اصبحتسورية ساحة لتبادل الرسائل بين جميع الخصوم في المنطقة ودول العالم 'المتحضر' وتصفية الحسابات ومجالا جغرافيا لتعزيز النفوذ للجميع، وتخويف الشعوب العربية من مجرد التفكير في التغيير لكي يفضلوا العيش بذل على ان يموتوا من تضحيات الحرية.
رحلة الى القدس المحتلة
بقلم: شفيق ناظم الغبرا (أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت) عن الحياة اللندنية
الرحلة إلى القدس الشرقية العربية تجربة لا تنسى حتى لو تكررت كل يوم، إنها حج من نوع آخر وعمرة من نمط لم أتخيل وقعه. هذه هي المرة الاولي التي أذهب فيها الى (مدينة السلام) والتي احتلت عام ١٩٦٧ بينما احتل نصفها المكمل لها (القدس الغربية) عام ١٩٤٨. هذه هي المرة الثانية التي أذهب فيها الى فلسطين المحتلة. فبعد مشاركتي في مؤتمر «مسارات» الفلسطيني في مدينة رام الله في الضفة الغربية المحتلة هذا الشهر لم أستطع مقاومة فكرة الذهاب إلى القدس.
ومع إقتراب المركبة من منطقة القدس وبعد إجتياز ذلك الجدار المرعب الذي يطوق مناطق السلطة الفلسطينية التي تسيطر على ٤٠ في المئة من الضفة الغربية، وبينما تسرد مرافقتي المقدسية تاريخ المدينة وواقع الإحتلال بدأت أرى العمران اليهودي الممتد الذي أقامته اسرائيل لتطويق القدس.
تقول لي مرافقتي الاستاذة الجامعية المقدسية: للقدس بعدان: الأول المدينة القديمة بمنازلها وأزقتها وسلالمها وأماكنها المقدسة المحاطة بأسوارها الجميلة وبواباتها الهائلة، أما البعد الثاني للقدس فهو منطقة القدس الكبيرة التي تحيط بالمدينة ويسكن فيها مئات الالوف من الفلسطينيين.
وبينما تتحدث سارعت قائلة: «انظر الى يمينك فهذه أحياء يهودية جديدة خارج أسوار المدينة وتطوقها وقد أقيمت على أراض عربية محتلة عام ١٩٦٧، وهنا على الجهة المقابلة هناك أحياء العرب القديمة الواقعة خارج أسوار المدينة والتي تسعى إسرائيل لتطويقها وتهجير أهلها من خلال المضايقات اليومية للسكان وإيجاد المصاعب امام حركتهم وعملهم واعمالهم وحقوقهم».
وكيفما نظرت بالإتجاه الممتد تبيّن لي أن هذه الأحياء العربية خارج المدينة تشبه نظيراتها في البلدان العربية من حيث الحركة والإكتظاظ وطبيعة البناء، لكن كثافة المستوطنات اليهودية التي تطوق المدينة القديمة تكاد تأكل كل المساحات. في منطقة القدس اكثر من 300 ألف عربي يحاصرهم 300 ألف يهودي من المستوطنين الذي صادروا أراضي تابعة للمدينة القديمة وتقع حولها.
أقول لمحدثتي: «أليس هذا الاستيطان والعمران اليهودي الموجه ضد الوجود العربي في القدس شكلاً من أشكال العنف اليومي؟ أليس العنف ان تأخذ أرضاً من الغير، ثم تصادرها، ثم تبني عليها بعد منعه من إستخدامها، ثم تضع حولها سياجاً وبوابة وتسكن فيها غرباء، ثم عندما يحتج ويغضب ويتمرد تصطاده وتسجنه وتبعده؟»
إن الاستيطان في القدس وفي فلسطين فعل من جانب واحد. فمن جانب واحد احتلت اسرائيل أراضي الفلسطينيين عام ١٩٤٨، ومن جانب واحد صادرت ممتلكاتهم الفردية والشخصية والوطنية، ومن جانب واحد إحتلت اراضي القدس والضفة وغزة في حرب ١٩٦٧، ومن جانب واحد إستوطنت أينما ارادت في الارض وحسمت خياراتها فقتلت حل الدولتين لصالح الدولة الواحدة.
لكن محدثتي اوضحت بلا تردد: «لهذا نبقى في منازلنا رغم كل المصاعب والجواجز، لهذا نحب المدينة ونتمسك بكل مساحة وسط قساوة حياتنا اليومية. الحياة هنا مؤلمة: تهديد للأعمال، إعتقال للشباب، ملاحقة للمراهقين، منع للتوسع العمراني، إفقار للسكان ومبالغة في الضرائب. في حالتي يرفضون مثلا ترقيم منزلي، كل هذا تمهيد للمصادرة، ومنذ مدة وجيزة منعوني من وضع سيارتي في مصاف تابعة لمسكني ثم قاموا بتسليمها للمستوطنين. المضايقة وإيجاد الالم فعل يقع كل يوم لأن الاحتلال يحمل روحاً عدائية تجاه السكان العرب في القدس وهدفه تخفيف أعدادهم بأقل إثارة دولية ممكنة بينما يقوم بخدمة المستوطنين في كل مكان».
وبعد أن عبرنا كتل الاستيطان الاسرائيلية الاسمنتية الكبرى التي تحيط بالقدس العربية اذا نحن أمام احد بوابات المدينة القديمة. دخلنا في المركبة في الشارع الصغير، وبدأنا باستكشاف القدس الشرقية. تملكتني الدهشة وأنا اتمعن بشوارعها القديمة ومبانيها العريقة. هذه مدينة ينطق كل ما فيها بالتاريخ والحضارة، لكنها في الوقت نفسه تعيش حزناً يعكس الحروب من حولها وإحتلالها منذ أكثر من ٤٥ عاماً.
وفي القدس القديمة الشرقية مهد حضارات العالم القديم نجد أن المستوطنين قد حققوا بعض الإختراقات فيها. فقد سيطروا على منازل في المدينة حولوها الى بؤر استيطانية. تبدأ عملية الإستيطان بمصادرة مبان تقع وسط القدس، ثم التمدد من تلك النقطة بحراسة الجيش الإسرائيلي. مررت بينهم، رأيتهم عن قرب وانا أمر بين الازقة، فهم جميعاً من المتدينين اليهود. وتشير الاحصاءات الى ان عدد المستوطنين في القدس الشرقية تجاوز الاربعة آلاف، إنهم في حالة ازدياد وتمدد.
ويقف في القدس الشرقية موقعان مهمان من بين عدة مواقع دينية أخرى، الاول هو المسجد الاقصى. فوجئت بحجم المسجد، وفوجئت عندما شاهدت الساحات التي تحيط به وتقع ضمن أسواره. ثم صدمت عندما رأيت تحت المسجد الاقصى وتحت ساحاته الممتدة مسجداً آخر (على شكل سرداب) وهو المسجد الاقصى القديم الملقب بالمرواني والذي يتسع لالوف مؤلفة من المصليين.
لقد إفتتح هذا الجزء من الأقصى (المرواني) أخيراً وهو جاهز لاستقبال المصلين، وسمي المرواني نسبة للخليفة الأموي عبدالملك بن مروان.
مساحاته كبيرة وفيه قسم للنساء وآخر لكل جموع المصلين. وفي المسجد المرواني آثار الصليبيين الذين حولوا المسجد في أواخر القرن الحادي عشر الى إسطبل قبل أن يحرره صلاح الدين. وفي الجهة الاخرى من ساحة المسجد الاقصى تقع قبة الصخرة التي بني حولها مسجد آخر للصلاة. وهي الأخرى مكان للصلاة وجزء من من المسجد الأقصى، والمكان الذي ارتبط بالإسراء والمعراج.
وعند السير خارج المسجد الاقصى وخارج أسواره ستصل بعد حين لكنيسة القيامة التي تحمل تراثاً مسيحياً خالداً في المدينة القديمة. هناك مر المسيح، وهناك تألم وصلب وصعد كما هو الاعتقاد المسيحي. الكنيسة فيها تاريخ من العراقة ولكل غرفة وزاوية فيها تاريخ ومعنى. كما تقع حول الكنيسة مساجد منها مسجد الخليفة عمر بن الخطاب.
ولتحكم إسرائيل سيطرتها منعت أهالي الضفة الغربية المحتلة ومنعت أهالي غزة من القدوم الى القدس إلا بتصريح خاص وفي أيام محددة. وهذا يعني منع الفلسطينيين عملياً من الصلاة في المسجد الاقصى. لقد أصبحت القدس في السنوات القليلة الماضية مكان يؤمه أساسا (إضافة الى سكان القدس) عرب فلسطين ١٩٤٨ من حاملي الهوية الاسرائيلية. فالقدس ومسجدها الاقصى وأيضا كنائسها وجوامعها تنتعش صلاة وروحاً بتردد سكان القدس المرابطين فيها وفلسطينيي ١٩٤٨ عليها. إسرائيل لا تستطيع منع هذه الفئة من الفلسطينيين من الحج الى بيت المقدس.
في كل ما رأيت في القدس إزددت وضوحاً بأننا كعرب في صراع لا نهاية قريبة له. فرغم مرور مئة عام على الحركة الصهيونية إلا أن هذا الصراع يكتسب بعداً متجدداً كل عدة عقود، وفيه يتداخل الحياتي واليومي والحقوقي بالمقدس والسياسي. عندما تدخل القدس تعي جيداً أنك دخلت عين العاصفة، ستشعر بحجم التاريخ يقف على كتفيك وستعرف أنك في مكان ما بعده مكان.
«حق الرد» على إسرائيل.. متى وأين؟
بقلم: سمير صالحة عن الشرق الأوسط
اختراق المقاتلات الإسرائيلية للعمق السوري ومهاجمة أهداف على تخوم العاصمة دمشق وعودة هذه الطائرات إلى قواعدها سالمة لن تحسب هذه المرة على أنها واحدة من العمليات الروتينية التي ينفذها الجيش الإسرائيلي بين الحين والآخر. فتوقيت الهجوم وطريقة تنفيذه حمل معه أكثر من تساؤل واستفسار.
من المهم طبعا التدقيق في الروايات السورية والإسرائيلية حول الاعتداء ومقارنتها وتحليلها، ففي حين تقول دمشق إن العملية استهدفت مركزا سوريا لأبحاث ودراسات عسكرية، لمحت تل أبيب إلى أن المستهدف هو شاحنات محملة بالصواريخ في طريقها إلى حزب الله ومركز لتطوير التكنولوجيات الحربية السورية يشكل خطرا على التفوق الإسرائيلي وغير المسموح بتجاوزه.
ما الذي يعنيه هذا العمل العسكري الإسرائيلي العدواني؟ وهل هو حقا دخول إسرائيلي مباشر على خط الأزمة السورية كما يرى البعض؟ هل هذه العملية الحربية هي محاولة إسرائيلية لخلط الأوراق وتوجيه بعض الرسائل الداخلية والإقليمية والدولية التي تحتاج إليها في هذه الظروف؟ هل سترد دمشق على الغارة الإسرائيلية أم أن البعض سيتحرك بالوكالة عنها للدفاع عن خطه الأحمر، بقاء النظام السوري، ويوجه إلى إسرائيل الصفعة المناسبة؟ هل التحرش الإسرائيلي الأخير بدمشق على هذا النحو سيقود حتما كما تقول أنقرة إلى تهديد السلم الإقليمي؟ أليس التلويح الدائم بورقة من هذا النوع هو مركز القوة في استراتيجية نظام الرئيس الأسد والمدافعين عنه حتى اليوم؟
دمشق قالت إنها تملك القرار وتملك المفاجأة في الرد على العدوان، وهي تردد أنها لن تقع في المصيدة الإسرائيلية التي تحاول استدراجها إلى المواجهة وأنها هي التي ستختار المكان والزمان الذي يبدو أن طهران هي التي ستحددهما طالما أن القيادة الإيرانية تقول إن الرد على العدوان الإسرائيلي سيشكل صدمة كبيرة لإسرائيل تصيبها بحالة من الغيبوبة.
تل أبيب تلتزم الصمت كعادتها في عمليات مماثلة، لكن الرسالة الإسرائيلية الأقوى تقول إن الخطوط الحمراء الإسرائيلية تنافس ليس فقط الخطوط الحمراء السورية، بل الإيرانية وحتى الروسية المحذرة من التطاول على السيادة السورية وتقديم أي عمل عدواني على النظام السوري، وكأنه استهداف لهذين البلدين. إذا لم ترد دمشق ولم يرد حلفاؤها على العدوان الإسرائيلي فقد يشجع ذلك الآخرين على التدخل تحت ذريعة أو أخرى، وتكون إسرائيل أول من يدشن عمليات التدخل الإقليمي العسكري المباشر في الموضوع السوري، فكيف ستتصرف دمشق وطهران وموسكو؟
بشكل آخر، نتنياهو المنهمك في تشكيل حكومته الجديدة أراد منذ البداية أن يحدد أهدافها وطريقة عملها، وإن تل أبيب متمسكة بمعادلة عدم السماح بتغيير موازين القوى لصالح أطراف في حالة حرب أو نزاع معها حتى ولو كان ذلك يمنح دمشق وطهران الفرصة التي يرددان أنهما يحتاجان إليها لإشعال فتيل الانفجار في المنطقة. فهل سيأتي الرد على إسرائيل أم أن ضبط النفس السوري الذي تعودنا عليه منذ عقود لن يخيب آمال البعض؟
الرسالة الإسرائيلية تعني طهران أيضا، فهي تشير إلى أنها جاهزة أيضا للمنازلة وأنها تفتح الطريق أمام واشنطن لتتحرك هي الأخرى إذا ما كانت ستبحث عن أسباب كافية للدخول إلى مسرح العمليات القتالية، فهل سترد إيران؟ وهل ستستجيب إدارة البيت الأبيض للنداء الإسرائيلي؟
دخول إسرائيل بهذا الشكل يأتي بعد أكثر من رسالة إسرائيلية باتجاه أنقرة حول التقارب وتحسين العلاقات، لكن أردوغان سارع وقبل أن يتحدث البعض عن تنسيق تركي إسرائيلي في هذه العملية للتنديد بالعدوان الإسرائيلي الذي لا يفاجئ أحدا ونحن تعودنا عليه، لكنه لم يتردد في توجيه رسالة مماثلة إلى النظام السوري يسأله فيها متى وكيف سيرد.
الأتراك يتساءلون: هل كفاءة الطيارين الإسرائيليين هي العالية، التي نجحت في الوصول إلى قلب العاصمة السورية، أم أن الرادارات السورية التي التقطت الطائرة التركية التي كانت تقوم بمناورة من دون ذخيرة هي التي عجزت عن اعتراض طريق المقاتلات الإسرائيلية وهي تحلق في سماء العاصمة السورية؟
ما لم يقُله أردوغان لكنه أراد التذكير به هو نجاح أجهزة الرصد السورية أو الروسية في المتوسط باكتشاف تحركات الطائرة التركية واستهدافها فوق المياه الدولية قبل أشهر وعجز هذه الأجهزة الدائم عن التقاط وإسقاط المقاتلات الإسرائيلية. فهل هو فشل حقيقي أم هو تجاهل للهجمات الإسرائيلية لأن المعركة الحقيقية لسوريا وشركائها لم تعد مع تل أبيب، بل هي مع الثوار المنتفضين في المدن السورية، وهي لا تريد التفريط بالرجال والعتاد في مواجهة ليست بين أولوياتها؟
دمشق تدرس حيثيات العملية وتداعيات الخطوات المحتملة وتستعد لمعركة «خاربة خاربة» لكنها مشتتة الذهن، أين ومتى وكيف ستستخدم مخزونها الحربي.
ومع ذلك تظل الغارة الإسرائيلية على دمشق خرقا لمواثيق وأعراف وقواعد المجتمع الدولي والأمم المتحدة وتستحق التنديد بها رغم معرفتنا أنها ليست الأولى ولن تكون الأخيرة. لكنه في الوقت الذي كانت فيه الدول والمنظمات العربية والإسلامية تدين العدوان، كان مجلس الأمن الدولي يندد بالاعتداء الإرهابي على السفارة الأميركية في أنقرة. هل هي ازدواجية المعايير الأممية أم أن دمشق ستتذرع بالفراغ الدولي والخرق الإسرائيلي لمعايير السلام والأمن الدولي لتفاجئنا برد ساحق ومميت؟
ربما موسكو التي وصفت العملية بالعدوان على دولة ذات سيادة قادرة على فعل شيء ما غير استخدام حق النقض الذي لجأت إليه أكثر من مرة للذود عن النظام السوري.
ساعة مع خالد مشعل
بقلم: ماهر ابو طير عن الدستور الأردنية
خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس،وفي مقابلته المهمة التي أجراها الزميل محمد التل رئيس تحرير «الدستور» قال كلاما صريحا حول مختلف القضايا؛ حول سياقات زيارته الأخيرة، وفي المقابلة نقرأ تعريفات حاسمة للعلاقة مع الأردن.
على مدى ساعة، وقبيل مغادرته الى المطار؛ اتيح لي انا ايضا ان استمع الى السيد خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس،في مقر اقامته في عمان،ومشعل ُيحدثك عن زيارته،وعن ملفات كثيرة،وبعض مايقوله قد يصح نشره،والبعض الآخر يبقى بعيداً عن النشر.
ملفات متعددة تم الكلام حولها،من المصالحة الفلسطينية،مروراً بعلاقة حماس بالأردن،وصولا الى مايقال حول تداخلات بين حركة حماس الفلسطينية،وجماعة الإخوان المسلمين في الأردن،وحرب غزة الأخيرة،وملف الدولة الفلسطينية،وغير ذلك من ملفات.
اللافت للانتباه هو تبرؤ«ابوالوليد» مما يقوله البعض حول ان حماس تتدخل في شؤون الإخوان المسلمين في الأردن،وتدعم تيارا محددا،ضد تيارآخر،ومشعل يقول: إن حركة حماس لاتتدخل في الشأن الأردني نهائيا.
يُصّر «ابوالوليد» على ان حماس ليست طرفا يتحالف مع اي اجنحة او محاور داخل جماعة الإخوان المسلمين،ولاترعى تياراً على حساب آخر،وهي لاترتكب «جنحة الرعاية» اساساً.
التبرؤ انطبق على قصة دعم حماس المالي لجناح محدد في جماعة الإخوان المسلمين في الأردن،ومشعل يقول: إن حماس لاتدعم اي طرف ماليا،وكل الحديث عن دعم مالي غير صحيح،وهو يصب في ذات الصورة التي يراد تكريسها حول ان حماس تتدخل في الشأن الأردني.
يدلل على كلامه في هذا الصدد،بأن خمسة لقاءات علنية وسرية له مع كبار المسؤولين هنا في عمان،وبعضها بقي بعيدا عن الاعلام،لم يتم فيها التطرق من الجانب الرسمي الى اي مآخذ رسمية بتدخل الحركة في الإخوان المسلمين،او حتى تمويل جناح محدد،وغير ذلك من مآخذ،وقد طلب مشعل شخصيا ان يتم تقديم اي ملاحظات سياسية،اذا توفرت،فلم يكن هناك اي ملاحظات.
في هذا الصدد كشف «ابوالوليد» اسرارًا كثيرة،غير ان مجمل الاستخلاصات التي تخرج بها من اللقاء،تتعلق بكون الزيارة مميزة؛ هذه المرة تحديدا،والارتياح كان سمة الزيارة على كل المستويات.
مشعل في عمان تباحث مع المسؤولين بشأن ثلاثة ملفات رئيسة،وتم الحديث حول تفاصيلها،والواضح ان الحساسيات التي سادت في علاقة حماس بالاردن،تبددت تماما،اذ باتت العلاقة ُمعرّفة ضمن سياق طبيعي،لن يؤدي بالمحصلة الى عودة مكاتب حماس الى عمان،وهو سياق لايختلف عن سياق علاقة الاردن بأي فصائل فلسطينية أخرى.
ساعة من الحديث مع مشعل بحضورمحمد نزال عضو المكتب السياسي لحركة حماس،والمهندس ابراهيم غوشة القيادي المعروف في الحركة،لم تخل من مكاشفات وصراحة،فيما بقي التفاؤل على وجه الرجل،عنوانا يقول الكثير.
نتفاءل معه برغم ان كل الدنيا لاتدعو الى التفاؤل.
وصف مصر بعد الثورة
بقلم: فهمي هويدي عن الوطن الكويتية
ما عاد لدينا أمل كبير في ان ننتقل إلى الأفضل في الوقت الراهن، لذلك أزعم ان واجب الوقت يدعونا لأن نكثف جهودنا لئلا نتراجع إلى الأسوأ.
(1)
على الأقل فقد كانت تلك رسالة بداية العام الثالث للثورة، التي أقنعتنا بأن أوان الاقلاع إلى المستقبل لم يحن بعد، وأننا لسنا جاهزين للانخراط في تلك الرحلة، بل نبهتنا إلى أننا اذا تطلعنا في مرآة الأسبوع الأول من السنة الثالثة للثورة وتفرسنا في وجوهنا جيدا، فسوف نكتشف أننا يجب ان نعيد النظر في هيأتنا في أدائنا وخطابنا لكي نستوفي شروط تأهيل الحاضر للالتحاق بالمستقبل، وهذا منطوق يحتاج إلى تحرير وتفسير.
لقد أسدل ستار الأسبوع الأول على مشهد الرجل الذي سحلته الشرطة عاريا، وهو ما صدمنا وأثار اشمئزازنا وأعاد إلى أذهاننا صورة زمن ظننا أننا تجاوزناه، حدث ذلك وسط حالة من الغضب والانفلات الذي وضع مصر على حافة الفوضى، الأمر الذي دفع وزيري الدفاع والداخلية إلى التحذير من احتمالات انهيار الدولة، اذا استمرت الأوضاع على ذلك النحو.
وإزاء ذلك فان جوقة النائحين أطلقت فاصلا جديدا من العويل والولولة نعت فيه الثورة وصبت اللعنات على السلطة ومن لف لفها، ليس ذلك فحسب، وانما وجدنا أبواقا عدة في بعض الأقطار العربية هللت لما جرى، وحذرت من مغبة المصير البائس الذي حل بأم الدنيا حين اختارت طريق الثورة، في حين اصطنعت دموع الحزن والأسى لما أصاب «الشقيقة الكبرى»! جميعهم النائحون والشامتون أصروا على قراءة خبر مصر في صفحة الوفيات ورفضوا ان يطالعوه في صفحة الحوادث، فرأوا مصر وقد لفظت ثورتها أنفاسها بعدما صرعتها النوازل، ولم يروا مصر العليلة التي لم تتعاف بعد من آثار سنوات التجريف الذي أحدثته ثلاثة عقود من القهر والفساد.
(2)
لقد تحدث كثيرون عن سقوط رأس النظام واستمرار النظام ذاته، وكانوا محقين في ذلك لاريب، تحدثوا أيضا عن استشراء الفساد وانهيار الخدمات واهتمام النظام السابق بالطبقات العليا التي نهبت البلد، وتجاهله للطبقات الدنيا صاحبة البلد، وكان ذلك تقييما صحيحا لا يمارى فيه أحد، لكن البصمات التي خلفها النظام السابق على الحياة السياسية والثقافية لم تأخذ حقها من الرصد والتحليل، على الرغم من أنها وثيقة الصلة بما يجري في الساحة السياسية المصرية الآن، ذلك ان احتكار السلطة وتأميم الحياة السياسية طيلة تلك الفترة لم يؤد فقط إلى موت السياسة واصابة التيارات السياسية بالاعاقة، وإنما أدى أيضا إلى تشويه الطبقة السياسية ذاتها، فلم يتح لها ان تنضج ويستقيم عودها، ولا سمح لها بأن تتحرك بعيدا عن أعين السلطة وأجهزة الأمن (كل نشاط للأحزاب خارج مقارها كان يحتاج إلى موافقة مسبقة من جانب أجهزة الأمن بمقتضى القانون)، في الوقت ذاته فان احتكار السلطة أدى إلى إقصاء كل العناصر المستقلة ناهيك عن المعارضة، وكانت نتيجة ذلك ان الناشطين السياسيين لم يتح لهم التواصل مع المجتمع، بل لم يمكنوا من التواصل بين بعضهم البعض، فلا توافرت لهم المعرفة أو الثقة إلى جانب ان التباعد فيما بينهم فتح الباب واسعا للحساسية واساءة الظن ببعضهم البعض.
لا يقل سوءا عما سبق ان الجماعات السياسية التي غيبت عن الممارسة والمشاركة في السلطة، لم تمكن من بلورة رؤية أو مشروع بديل في تلك الفترة، حيث لم يخطر على بالها أنها يمكن ان تشكل بديلا عن السلطة، وبسبب الاقصاء فانها لم تكتسب خبرة في ادارة الدولة، وحين حدث الزلزال الذي أسقط النظام انكشفت كل تلك العورات، وواجهت الطبقة السياسية بمختلف مكوناتها اختبارا لم تتوقعه ولم تكن مؤهلة للنجاح فيه.
(3)
سئلت أكثر من مرة: هل أصيبت مصر بالعقم، ولماذا لم تظهر فيها بعد الثورة قيادة كاريزمية تحظى بالاجماع الوطني؟ رجوت استبعاد مسألة «الكاريزما» بمعنى القبول العام، لأنها هبة من الله لا تصنع، ومن ثم فهي تعتمد على المصادفة التي يتعذر التعويل عليها، لأنها قد تتحقق في زمن وقد تغيب لعدة أزمنة، وقلت ان القيادات التي تحظى بالاجماع الوطني، بعضه أو كله، لا تظهر الا من خلال الممارسة الديموقراطية، ذلك ان اقامة الأحزاب والمجالس النيابية والمحلية وكذلك تشكيل النقابات ومراكز البحوث وتوفير حرية الحركة والتعبير، هذه العوامل تشكل الأوعية أو المختبرات التي تظهر لنا قدرات الأشخاص وكفاءاتهم، وفي غيبة الممارسة الديموقراطية التي تقمع فيها القوى السياسية وتحرم من أية مشاركة ذات قيمة، في حين يطلب منها ان تتحول إلى مجرد (ديكور) للتجمل السياسي، فان فكرة ظهور القيادات البديلة تصبح منعدمة، علما بأن تجريف التربة وتصحيرها لا يتيح لأي نبت طبيعي ان ينمو فيها، وانما تظل التربة مؤهلة فقط لنمو الشوك والصبار.
هذا التحليل اذا قمنا بتنزيله على الأرض فهو يفسر لنا لماذا كانت الثورة جسما بلا رأس، كما ينبهنا إلى ان الحياة السياسية في مصر بعد الثورة تكاد تبدأ من الصفر أو من شيء قريب منه، فالثورة كان لديها مشروع إسقاط النظام السابق وهدمه، ولم يكن لديها مشروع لبناء النظام البديل، والثوار لم يحركهم انتماؤهم السياسي ولم تدفع بهم قيادة أو زعامة من أي نوع، وانما حركهم الدافع الوطني وانتفاضهم على الظلم والفساد، وحين وصفها أكثر من باحث بأنها ثورة اسلامية في لقاء مع بعض الباحثين في احدى جامعات طهران، تحفظت على ذلك الوصف وقلت انها أقرب إلى الانتفاضة الفلسطينية التي لا يستطيع أحد ان يدعي أنها انتفاضة اسلامية.
الذي لا يقل أهمية عما سبق ان الذين تصدروا الواجهات بعد الثورة وتحدثت عنهم وسائل الاعلام باعتبارهم (قيادات) لم تفوضهم الثورة للتحدث باسمها، وبالتالي فانهم لا يمثلون سوى أنفسهم، كما أنهم كانوا بدورهم بلا مشروع ولا خبرة في ادارة الدولة من ناحية ثانية، وغاية ما يمكن ان يقال بحقهم انهم خرجوا من عباءة النظام السابق والتحقوا بالحالة الثورية لكنهم ليسوا افراز الآلة الديموقراطية، لذلك فان أي قصور أو تشوه يظهر في أدائهم وخبراتهم ينبغي ان ينسب إلى تأثير تلك الخلفية.
ثمة ملاحظة جانبية ينبغي التنويه اليها في هذا السياق، وهي أننا نتحدث عن الجماعات السياسية المصرية وقياداتها وكأنهم وحدهم المسؤولون عما يجرى في البلد هذه الأيام، وهذا تقدير غير دقيق، لأن أي عاقل لا يستطيع ان يتصور ان الأصابع الخارجية اختفت من مصر وأن اللاعبين المحليين وحدهم الذين يحركون الأحداث فيها، ذلك ان أصابع الأمريكيين والاسرائيليين وغيرهم من الأطراف والقوى التي ظلت ترتع في مصر طوال الثلاثين سنة الماضية على الأقل، لا يمكن ان تكون قد استقالت من مهمتها ووقفت متفرجة على أحداثها بعد الثورة، لأن المنطق الطبيعي في هذه الحالة يدعوهم إلى مضاعفة نشاطهم فيما يعتبرونه دفاعا عن مصالحهم، بعدما أسقطت الثورة حليفهم الاستراتيجي وجاءت بعناصر أخرى يفترض أنها لا تكن ودا لهم، لسنا بحاجة إلى وقائع محددة في هذا الصدد، لكنني أنبه إلى جانب في المشهد مسكوت عليه وتكاد تعتبره بعض التحليلات غير موجود لمجرد أنه غير مرئي.
(4)
تشوهات الطبقة السياسية تفسر لنا لماذا غابت الرؤية عن الجميع، ولماذا صارت خياراتنا بين سيئ وأسوأ، ولماذا أصبح مشروع المعارضة هو تحدي الرئيس محمد مرسي وإسقاط نظامه وليس الانتصار لأهداف الثورة والاحتشاد لانجاحها؟ ولماذا تحولت بعض وسائل الاعلام إلى منابر للتحريض على الاقصاء والعنف، ولماذا رأينا في الواجهات وعلى المنصات قامات أصغر كثيرا من قامة وحلم الثورة وقيادات حضورها يقتصر على شاشات التلفزيون والصور الصحافية.
ذلك كله نفهمه ويمكن ان نحتمله لبعض الوقت، إلى حين تدور الآلة الديموقراطية ويتاح لنا من خلال الأداء وعبر الصناديق، ان نتعرف على القدرات والأحجام والأوزان.
ولعلي لا أبالغ اذا قلت ان مثل تلك التشوهات تعد أمرا مفهوما وطبيعيا في مراحل التحول والانتقال من نظام سياسي إلى نظام آخر نقيض له، لكن الذي يمكن احتماله من جانب المعارضة، يصعب قبوله واحتماله من جانب رئاسة الدولة، ذلك ان موقع الرئاسة يفرض عليها ان تضبط المسيرة وتوضح الرؤية وتحدد للجميع الهدف البعيد منه والقريب، فربان السفينة ليس كأي عنصر آخر فيها، باعتبار ان أي خطأ من جانبه يعرضها للجنوح أو الغرق.
للأسف فان الرئيس محمد مرسي لم يخاطبنا في كل ذلك، فلا عرفنا خط سيره، ولا أخبرنا إلى أين هو ذاهب بنا، الأمر الذي أعطانا انطباعا بأنه يسير على خط البيروقراطية المصرية العريقة، ببطء حركتها وتقليدية أهدافها، واكتراثها بالادارة بأكثر من اكتراثها بالناس.
ان كثيرين يتحدثون عن أخونة الدولة، الذي هو مصطلح ملتبس، لأن العبرة ليست بما اذا لجأت ادارته للاستعانة بالاخوان في بعض المواقع، وانما الأهم هو ما اذا كان هؤلاء من أهل الكفاءة والخبرة، أم أنهم من أهل الثقة فقط، ولأن أكثر هؤلاء بغير خبرة فما حدث أنهم تحولوا إلى أدوات في أيدي البيروقراطية العريقة، الأمر الذي انتقل بشعار أخونة الدولة إلى مرحلة عبثية يمكن ان نطلق عليها «دولنة الاخوان».
لا نستطيع ان نأخذ على محمل الجد شعار إسقاط النظام الذي يردده البعض كي يقودنا إلى المجهول، وقد يسلمنا إلى الخيار الأتعس الذي تتجسد فيه كل العيوب والتشوهات التي سبق ذكرها، هذا اذا قبلنا بالمنطق المعوج الذي يدعونا إلى إسقاط الرئيس بعد انتخابه بسبعة أشهر.
لكننا نرى جدية وأهمية في ان يخرج الدكتور مرسي عن صمته ليحدث الشعب برؤيته وتصوره للحاضر والمستقبل، بعدما تعكرت الأجواء وتزاحمت السحب الداكنة في الأفق، واذا فعلها فانه سيحدث ثغرة في جدار الصمت الذي يحتمي به، وسيعطينا أملا في المستقبل يسكت الأصوات المطالبة بالخيار الأتعس، لقد ارتضينا الرئيس وصوتنا لصالحه لأسباب مفهومة، ولكننا لم نلحظ أنه أدرك أهمية التواصل معنا واسترضائنا، علما بأن أحلامنا تواضعت في الوقت الراهن، حتى صار أملنا ألا ننتقل إلى الخيار الأسوأ والأتعس ليكون لكل حادث حديث بعد ذلك.
مصر وتونس.. تجربتان لا بد أن تفشلا!
بقلم: عبدالله العمادي عن العرب القطرية
ببعض الأمثلة الحياتية سندخل على موضوع لا يزال محل اهتمام وبحث، أو قيل وقال من كثيرين.. وهاكم أول الأمثلة من عالم الرياضة الذي يجذب كثيرين، سواء بالممارسة أو المتابعة، والأخيرة هي النسبة الأكبر..
لو جيء بالموهوب الأرجنتيني محبوب الرياضيين وعشاق رياضة كرة القدم «ميسي» ووضعناه في فريق، اتفقت غالبية لاعبيه على ألا يكون لزميلهم دور في الملعب عبر التعمد في تجاهله أو إيقاعه في مواقف والتحامات مع الخصم تحرجه بل ربما يتأذى أيضاً.. وجرى الاتفاق على أن يستمر ذلك حتى يظهر بشكل مهزوز غير مقنع يقوم على إثره المدرب بتقرير أمره، إما أثناء المباراة عبر تبديله بآخر أو بحث أمره بعد ذلك.. تصوروا معي كيف سيكون وضع «ميسي» بعد المباراة؟ وكيف سينظر الجمهور والمراقبون إليه؟
لو جاءت مؤسسة ما بقيادي صاحب خبرات ومهارات في العمل ورغبة صادقة في التطوير، لكنه وجد تجاهلاً من غالبية الموظفين لسبب أو جملة أسباب، ورأى تكاسلاً وإهمالاً في أداء الأعمال، بل وتدبير مكائد وغيرها لإحراجه، ومن أجل الإكثار من الأخطاء والخسائر في المؤسسة أو الشركة، ومن ثم التركيز على تلك الأخطاء ونشرها بين الجميع، بالداخل وكذلك خارج موقع العمل.. تُرى ماذا سيكون موقف مجلس الإدارة أو أصحاب القرار في العمل من ذلكم الحاصل من ومع القيادي؟
بهذين المثالين، أحسبُ أن الأمور اتضحت كثيراً قبل أن نتطرق وندخل إلى ما يجري في تونس ومصر، ولا شك أن العامل المشترك في الدولتين هو وصول الإسلاميين إلى سدة الحكم، على غير ما كان متوقعاً من كثيرين، متفائلين أو متشائمين، عرباً أم غيرهم.. ولأن الوصول لم يكن عبر انقلاب عسكري أو تدخل خارجي، وإنما عبر صناديق انتخابية، اختار الشعب حكامه، لم يجد المعارضون طريقة للتشكيك، لكنهم لم يعدموا من الحيل والمكائد.
أي تبرير يمكن أن يقول به المعارضون للإسلاميين -أو الثوريون الجدد إن صح التعبير- لا يمكن قبوله تماماً، باعتبار أن الحكام الجدد لم يأخذوا فرصتهم في تدبير أمور البلاد، ولم يمض الوقت الكافي للعمل والتدبير والتخطيط حتى يأتي الشعب ليحاكمهم، ففي تونس مرت سنة واحدة تقريباً وفي مصر أقل من ذلك، وهي فترات لا يمكن لأي مراقب موضوعي ونزيه ومحايد أن يكتفي بها ليقرر في أمر ليس بالسهل اليسير..
من هنا، أستغرب كثيراً لجوء وجرأة البعض المثقف على القول بأن جماعات الإسلام السياسي قد فشلت فشلاً ذريعاً في حكم مصر أو تونس ولم تمض سنة واحدة لها في أجواء وبيئات عمل متوترة فاسدة مفسدة، إلى درجة أكاد أجزم بأن الخليفة الراشد عمر بن الخطاب أو عمر بن عبد العزيز -رضي الله عنهما- لو أتيحت لهما إدارة دولة بحجم مصر مثلاً في نفس الأجواء الحالية، فسترى مفكرين ومثقفين وإعلاميين يصفونهما بالعجز والمطالبة بالتغيير!!
يُقال، كمثال على التحامل: إن الإسلاميين يريدون الاستحواذ على مفاصل الدول التي يصلون إلى حكمها، وما المشكلة في ذلك؟ أليست الاستعانة بالكوادر والكفاءات والخبرات من نفس التوجه والفكر أفضل في التوجيه والدفع بالبلاد نحو الاستقرار حتى حين، بدلاً من الإتيان بهذا وذاك من هنا وهناك، لا يُعرف لهم تناغم مع بقية المجموعة، بل وربما يعمل أولئك الغرباء أصلاً على فكر وأسلوب النظام الحاكم، على معاكسة النظام فيحدث الخلل من الداخل؟ وهذا أمر معمول به في كل الدول الديمقراطية، وليس غريباً أو بدعة يقوم بها إسلاميو مصر أو تونس.
ثم أليست هناك قوانين ودساتير حديثة معدلة، أليست هناك روح جديدة سرت في الشعوب يمكنها من البدء بثورة جديدة إذا انتهى الوقت المحدد المتفق عليه بين الشعب والنظام، إن لم يتم تحقيق رغبة هذا الشعب؟ فلم الاستعجال إذن؟ فالثورات تقوم لتغيير أمر ما، ثم تهدأ في مرحلة ما للمراقبة، فإن تحققت أهدافها، هدأت أكثر وعززت المكاسب، لكن العكس سيدعوها لمواصلة السير ولن يعترض أحد على ذلك.. أما الحاصل الآن في تونس ومصر كأمثلة، إنما في ظني هي ثورة من «البعض» القليل لأجل مكاسب شخصية أو حزبية ليست أكثر، إذ لم تعد توجد ثقة من قِبَلهم في صناديق الانتخابات والانتظار لأربعة أعوام أخرى، فقد ينجح الحاليون فتصعب مهام «الثوريين الجدد» أكثر، ولكنهم يتناسون أنه ربما يحدث العكس أيضاً، وهذا ما لا يريد أن يفهمه أو ينتظره أولئك الثوريون الجدد، ولو أدى عدم الفهم هذا إلى أن يهلك الحرث والنسل ويحترق الأخضر واليابس.. فما تقولون؟
سر الوثيقة القطرية
بقلم: عادل السنهورى عن اليوم السابع المصرية
عدد من المواقع الإلكترونية تداولت فى اليومين الماضيين وثيقة سرية صادرة من مكتب مساعد الوزير للشؤون الخارجية القطرية للعرض على رئيس الوزراء ووزير الخارجية الشيخ حمد بن جاسم، بسرعة توجيه منحة عاجلة إلى حكومة حماس بقيمة 250 مليون دولار، لتمكين الرئيس المصرى محمد مرسى والحفاظ على حياته واستقرار إدارته للبلاد «لأطول فترة ممكنة».
الوثيقة تشير إلى أن المبلغ المنحة الذى وافق عليه حمد بن جاسم، تم استخراجه من صندوق الطوارئ والمنح العاجلة بوزارة المالية، بشيك مسحوب على مصرف قطر المركزى باسم خالد مشعل رئيس المكتب السياسى لحركة حماس ومؤرخ بتاريخ 27 يناير الماضى.
وحتى الآن لم يصدر أى بيان رسمى سواء من قطر أو حركة حماس، أو حتى من الرئاسة المصرية لتأكيد أو نفى صحة هذه الوثيقة الخطيرة التى– لو ثبت صحتها بالفعل- تؤكد المخاوف لدى الشارع السياسى المصرى من تنامى الدور القطرى فى الشأن الداخلى المصرى، سواء بتدفق الأموال والاستثمارات القطرية الضخمة فى مصر والتى ينظر إليها بكثير من الشك حول دوافعها وأهدافها، وكان آخرها استحواذ بنك قطر الوطنى على البنك الأهلى سوسيتيه جنرال – مصر.
الشق الثانى فى الوثيقة هو الشكوك التى تكاد تصل إلى مرحلة اليقين فى طبيعة الدور الذى تؤديه حركة حماس منذ وصول الإخوان فى مصر إلى الحكم، والزيارات المتكررة لقيادات الحركة إلى مكتب الإرشاد، والغموض الذى يحيط بتلك الزيارات والتى مازالت تمثل لغزاً كبيراً، وفتحت المجال أمام طرح أسئلة لا حصر لها، لم يعثر عن إجابات لها إلى الآن منذ قيام الثورة، وتحديداً بشأن عملية اقتحام السجون وتهريب عدد من أعضاء الحركة المسجونين فى مصر إلى غزة، إضافة إلى تهريب قيادات جماعة الإخوان أيضاً، وعملية حرق أقسام الشرطة، والتى يذهب البعض إلى الاتهام المباشر لحماس وتحميلها أيضاً مسؤولية العمل الإرهابى ضد الجنود المصريين فى سيناء فى رشهر رمضان الماضى، وأسفر عن مقتل 16 جندياً مصرياً ولم يتم الكشف عن هوية الجناة ومصير العملية «نسر» التى قادها الرئيس مرسى بنفسه.
الصمت والسكوت من قطر وحماس بشأن صحة الوثيقة، أو عدم صحتها، سيزيد من حدة تصديق كل ما يتردد عن الدور القطرى والحمساوى، والعلاقات الغامضة والمريبة لهما مع تنظيم الإخوان الحاكم فى مصر.
القرضاوي في كردستان وانزعاج بغداد
بقلم: شيروان الشميراني(كاتب وباحث كردي عراقي) عن الزمان العراقية
نبأ دعوة الشيخ يوسف القرضاوي لزيارة كردستان جاء في بيان من مكتب الشيخ في الدوحة، بطريقة شفهية، قدم كفاح السنجاري دعوة رئيس الاقليم اليه لزيارة كردستان ، اللقاء كما تظهر الصور المرفقة بالبيان كان بحضور الشيخ الدكتور علي محي الدين القرة داغي الامين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ، الحكومة لم تبد موقفا رسميا لكن عدداً من رجال الحكم في العراق وبرلمانيين والاعلام الموالي استشاطوا غضبا من الدعوة، بين هجوم على رئيس الاقليم واستنكار للتوقيت، وداعٍ لاعتقاله فور دخوله، وان دخوله الاراضي العراقية مخالفة قانونية.
الاستنكار كان لسببين رئيسين:
الاول مواقف الشيخ يوسف القرضاوي من الاحداث العراقية في بدايات الدخول الامريكي للعراق وانهيار نظام حزب البعث، حيث مواقفه كانت سلبية على العموم، علما انه تراجع عن كثير من ذلك وافتى بدخول العراقيين قوات الشرطة ومؤسسات الدولة التي تشكلت على انقاض دولة صدام حسين.. مع ان القرضاوي في بعض كتبه بداية السبعينيات كفر حزب البعث ومؤسسه ميشيل عفلق.
الثاني موقف القرضاوي من أحداث البحرين، ودخوله في سجالات دينية مع الطرف الايراني فيما يتعلق بقيام الاخيرة حسب رايه بموجات التشيع في المجتمعات السنية، تحديدا في شمال افريقيا.
المهم هنا هو أمران، تقر بكردستان من الشيخ يوسف القرضاوي، وتعامل الطرف العراقي الشيعي تحديدا مع الزيارة المزمعة.
لم يكن القرضاوي محبوبا من طرف الاحزاب والنخب العلمانية الكردية ابدا، لفكره من جانب وعدم تعاطيه مع القضية الكردية من جانب آخر، لكن الذي غير الموقف الان هو وصول الاسلاميين الى الحكم في بعض البلدان التي تهم كردستان، والسياسة التي يتبعها رئيس الاقليم مع الأحداث الاقليمية، رئاسة الاقليم دعت شفهيا رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين وصاحب الهيبة الروحية والسلطة العلمية على حركة الاخوان المسلمين. البارزاني موازينه نفعية واقعية حسية، مع توافقه شبه الكامل مع ثورات الربيع العربي والسياسة الاقليمية فيما يتعلق بالثورة في سوريا.. اضافة الى البيان الذي أصدره الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بخصوص المواجهة العسكرية التي كانت وشيكة بين قوات البيشمركة الكردية وقوات دجلة التابعة لحكومة السيد نوري المالكي، البيان المهمش بتوقيع القرضاوي والقرة داغي، حرَّم المواجهة بين الطرفين وحرَّم الحرب على الشعب الكردي، وبيان ثان نبه الاتحادُ فيه الى ان الطغاة لم يتمكنوا من القضاء على الكرد.. هذا هو محورالتعامل بين القرضاوي ورئاسة اقليم كردستان، كما هو الحال ويحتفظ الشعب الكردي الى الان بجميل السيد محسن الحكيم بحرمة قتل الشعب الكردي.
لا يهمني أن يأتي القرضاوي أو لا يأتي، لكن تعامل بغداد لم يكن موفقاً أبدا مع خبر الزيارة، الهيجان الذي حدث لم يكن له مبرر وكان اقرب الى المراهقة والمواقف المتشنجة، باستثناء موقف التيار الصدري..الصدريون نبهوا الحكومة الى ان القرضاوي حال وصوله الى العراق قد يزور النجف ويجتمع بالمرجع الشيعي علي السيستاني.
العراق يعيش أزمات متتالية مع داخله وخارجه، مع الدول العربية، وان مجرد الاشارة الى اعتقال القرضاوي كان خاليا من كل معاني الحكمة.. لانه ببساطة يمكن ان يزور اربيل ويلتقي بالناس والمسؤولين دون ان تتمكن عليه الحكومة المركزية.. ثم لماذ الدخول في حرب مع الحركات الاسلامية والدول التي ترى في القرضاوي اماماً؟
يمكن استغلال توجه القرضاوي لصالح العراق، داخليا وخارجيا، داخليا للحديث مع السنة وتهدئة الأوضاع والوصول الى حال من التعايش الكامل بين الطرفين عبر اصدار بيان مشترك بينه وبين السيستاني على ان تقوم الحكومة بتلبية المطالب الشعبية كما طلبت منها المرجعية مؤخراً، والتوقف عن الدخول في حروب أهلية، كان يمكن ان يتفق القرضاوي والسيستاني على جملة من المبادئ تترك اثرا على مجمل العالم الاسلامي، ثم أليس من المفروض ان تستمع المرجعية الشيعية من مرجع سني مواز هواجس السنة من ايران بما للسيد السيستاني من مكانة عليا؟
ممكن للحكومة المركزية ان تعمل عبر زيارة القرضاوي للحديث مع الدول التي هي اقرب اليوم الى الحركات الاسلامية، من الواضح ان الحكومة في بغداد متهمة من الآخرين بانتهاج اجراءات طائفية ضد أبناء السنة ورموزهم، وكذلك التخندق الطائفي لصالح النظام السوري، بقدرة العراق ان ترسل ما تريد من رسائل الى قادة هذه الدول والحركات، وقد تحتاج بغداد ان تسمع جيدا ماهو مطلوب منها من الاخرين.. ان تسمع من عالم اهل السنة هواجس السنة غير العراقيين من هذه الحكومة.
لكن يبدو ان المصلحة كانت غائبة حتى عن عدد من البرلمانيين الذين هم يشرعون لصالح البلاد، القضية اتخذت بعدا طائفيا بامتياز بين كردي داع وشيعي مناوئ وسني داعم، الكردي رأى فيه داعماً لموقفه في مواجهة الحكومة المركزية، والسني رأى فيه جزأً لا يتجزأ، والشيعي رأى فيه طائفيا بغيضا وقف ضدَّ ثورة شعب البحرين.
مصر وخطيئة “الإخوان”
بقلم: فايز رشيد عن الخليج الإماراتية
ما يحدث في مصر من اضطرابات وفوضى وحمامات دم في أكثر من مدينة، هو النتيجة الطبيعية لسياسات الإخوان المسلمين وممثلهم في قصر الاتحادية، طوال ستة شهور أثبتوا خلالها فرديتهم المطلقة واستحواذهم على السلطة وعشقهم ل”أخونة” مصر، بمعزل عما يتواجد فيها من قوى وطنية وقومية ديمقراطية معارضة لأهدافهم التي أصبحت واضحة وضوح الشمس . قوى المعارضة هي التي فجّرت ثورة 25 يناير ،2011 وجاء الإخوان ليركبوا موجة المد الجماهيري مع أنهم شاركوا فيها متأخرين مثل كل انتهازي، بعدما تبين لهم أبعادها وأهدافها . هم لم يراهنوا على إمكانية التغيير، ولذلك رضخوا للحوارات التي طلبها النظام من خلال نائب الرئيس عمر سليمان، وشاركوا في الحوار معه منفردين .
لم يصل الإخوان المسلمون إلى السلطة بقواهم الذاتية أو بجماهيرهم، وإنما بتحالفهم مع المؤسسة العسكرية بما مثله الطرفان من التقاء في المصالح واتفاق تم برعاية أجنبية، بهدف الحفاظ على مؤسسات النظام السابق مع تغيير طفيف في شكله . لذا كان من الطبيعي أن يتم (سلق) دستور يستطيع من خلاله الإخوان فرض سيطرتهم عليمصر بعد أن قام ممثلهم في الرئاسة بإصدار قرارات سميت ب”إعلان دستوري” بهدف تحصين قراراته من أي اعتراض عليها حتى ولو من خلال المؤسسة القضائية صاحبة التراث العتيد والتجربة الغنية والتاريخ الناصع من عصر مينا إلى عهد عبد الناصر .حتى الرئيسين السادات ومبارك لم يجرؤوا على المس بالسلطة القضائية وللمرة الأولى في تاريخ مصر وفي عهد الإخوان تعلن السلطة القضائية المصرية إضراباً عن العمل .
لكل هذا، جاء الرئيس مرسي برجل كان وزيراً للري في آخر وزارة في حقبة مبارك ليكون رئيساً للوزراء في عهد الإخوان، هو هشام قنديل . لذا من الطبيعي أيضاً أن تشهد سياسات مصر في عهد الإخوان استمراريةً مع تلك التي سادت في عهد مبارك إن على المستويين الداخلي والخارجي أو على الصعد السياسية والاقتصادية وبالتالي لم نشهد تغييراً مفصلياً في سياسات مصر بالنسبة لكافة القضايا وعلى الأخص في ما يتعلق بالصراع العربي- الصهيوني . أما في ما يتعلق بالجانب الاقتصادي فنتيجة “بركة” الإخوان فإن مصر على شفا انهيار اقتصادي، فالفقراء يتزايدون فقراً وأغنياء الإخوان يزدادون غنىً وسلطةً وتهميشاً للفقراء المصريين .
مرسي وفي بيان أصدره تفوح منه رائحة الدكتاتورية، وينضح بالاستعلائية والغضب والعنجهية أعلن حالة الطوارئ في بورسعيد والسويس والإسماعيلية، مؤكداً بذلك أن عهد الإخوان في مصر هو استمرار لعهد السادات، لذا من الطبيعي أن يقوم مرسي بتقليده الأوسمة والنياشين وأن يزور ضريحه .كما أن عهد الإخوان هو استمرار لزمن مبارك وطوارئه المعهودة .
أما في ما يتعلق بالرئيس الراحل جمال عبد الناصر فقد اتهمه الإخوان “بتهجير يهود مصر” .
وإمعاناً في الحقد على الزعيم التاريخي لمصر والأمة العربية، أصدر مرسي قراراً بإنهاء تبعية ضريح عبد الناصر إلى مؤسسة الرئاسة، وتكليف القوات المسلحة بالمسؤولية عنه .وسط الأزمة والصراع في مصر لم تجد مؤسسة الرئاسة من وظيفة لها سوى إصدار هذا القرار الظالم والحاقد، إضافة إلى سحب مقتنيات عبد الناصر من الضريح وسحب عامل النظافة المكلف بالسهر عليه . إن هذه الخطوة تبدو كأنها انتقام من شخص عبد الناصر ومن تراثه وتاريخه الذي لن تغطيه مؤامرة الإخوان، فما تركه الزعيم الخالد واضح وضوح الشمس، ولن يغطيه غربال الإخوان . لقد أثار توقيت إصدار هذا القرار تساؤلات كثيرة: بعض المعلقين رأوا فيه “انتقاماً حتى من الضريح، فهم لم يطيقوا ساكنه حياً ولا يحتملونه ميتاً، أزعجتهم وتزعجهم صوره حتى في التظاهرات” .
الإخوان المسلمون يناورون سياسياً، فهم يعرضون الحوار على المعارضة ويريدون حواراً شكلياً معها، لأنهم على الأرض يفرضون حقائقهم من دون استشارة أحد من القوى الوطنية والقوى الديمقراطية القومية . من يريد الحوار لا يقوم بتطبيق قرارات حزبه ومرشده العام وتنفيذها حرفياً، بل يقوم بالحوار مع القوى الأخرى أولاً ثم يقوم بتنفيذ ما جرى الاتفاق عليه، وهذا لم يحدث في العهد الإخواني لأنهم يقومون بتنفيذ الشعار الإخواني “مغالبة لا مشاركة” .
ما تطرحه المعارضة ليس تعجيزياً فلها مطالب هي عبارة عن ضمانات لما اسمته “التوجه الجدي للحوار” من أبرزها، تشكيل حكومة وحدة وطنية، تعديل الدستور من خلال لجنة يتم الاتفاق عليها، إقالة النائب العام وتعيين آخر جديد، وحياد واستقلالية مؤسسات الدولة، وتشكيل لجنة تحقيق قضائية مستقلة تقوم بالتحقيق في الأحداث الأخيرة . إنها مطالب موضوعية تحقن دماء المصريين وتعيد الأجواء في مصر إلى طبيعتها، وهي ضمانة للمستقبل، وحماية لمصر من انهيار اقتصادي وشيك . هذه المطالب تشكل رداً على كل دعايات الإخوان التي تتهم المعارضة ب”التعامل مع القوى الأجنبية لخلع الرئيس محمد مرسي ونظامه الإخواني”.
المعارضة ضحية سياسات الإخوان، وليست طرفاً تآمرياً على بلدها .إنها باختصار تدعو إلى “الشراكة في الحكم” .
لقد مر ما يزيد على الستة شهور على حكم الإخوان لمصر، أثبتوا فيها طريقتهم الاستئثارية والدكتاتورية الحزبية في الحكم وتسللهم إلى كل المواقع الوظيفية في الدولة بهدف “أخونتها” من دون الالتفات حتى إلى كفاءات الموظفين لشغل المناصب، فيكفي أنهم من الإخوان .
جامعة الدول العربية تطبّع مع إسرائيل
بقلم: نزار جبران عن الأخبار البيروتية
قامت دولة إسرائيل، منذ نشوئها، باستقاء شرعيتها ككيان استعماري في الشرق الأوسط عبر حجّة الديموقراطية الزائفة، فأعطت العرب «حق» التصويت لتذهب به إلى المحافل الدولية، وتتباهى بأنها الديموقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط.
فهِم الفلسطينيون القابعون تحت الاحتلال هذه اللعبة، وباتت مقاطعة انتخابات الكنيست شعبية، إذ وصلت نسبتها إلى ما يقارب 50% (طبعاً من دون أن نشمل عملية تزوير النتائج، التي سترفع نسبة المقاطعة).
رفض الفلسطينيون تشريع الكيان الإسرائيلي رموزه، وما لذلك من إسقاطات لشرعية إسرائيل عالمياً. كما رفضوا التجزئة وشرذمة الشعب الفلسطيني، التي يحاول هذا الكيان فرضها عليهم بتفكيكهم إلى جماعات جغرافية وسياسية، قائلين بصوت واضح: مصير الفلسطينيين واحد.
إنّ نسبة المقاطعة المتصاعدة سنة بعد سنة تثير قلق إسرائيل وأعوانها، ولذلك حاولت إسرائيل في هذه الانتخابات رفع نسبة التصويت لدى العرب، لتغطي عورتها. لذا قام إعلامها (صحيفة «هآرتس» تحديداً) بنشر مقالة باللغة العربية، ولأوّل مرّة، مخاطبة بذلك العرب، وتدعوهم للتصويت بنبرة كولونيالية استعلائية تقتصر على الكذب وتشويه الحقائق. كما قامت بإنشاء صناديق و«مراكز للديموقراطية» تنشر استطلاعات غير موضوعية، وتحثّ العرب على التصويت (كصندوق إبراهيم (كيرين أفراهام) والمركز الإسرائيلي للديموقراطية).
في تاريخ 20/1/2012، نشرت جامعة الدول العربية بياناً تدعو فيه فلسطينيي 48 إلى المشاركة والتصويت بالانتخابات، وبذلك تساهم بالعمل ضد إنجازات حركة مقاطعة الانتخابات الشعبية، والتي تستقي قراراتها وشرعيتها من الشعب أولاً.
ما زلت أحاول فهم سبب هذا النداء الذي يعترض على قرارات الشعب: قد يكون بسبب العلاقات الشخصية لبعض الأحزاب العربية المشاركة بالانتخابات ببعض الأنظمة الديكتاتورية العربية المهيمنة في تلك الجامعة. وقد يكون لتنسيق خفيّ بين إسرائيل وتلك الجامعة، التي تدّعي أنّها عربية.
عبر هذا البيان، تساهم جامعة الدول العربية في ترسيخ وتطبيع علاقاتها مع إسرائيل، وتعترف بشرعية الكنيست الإسرائيلي وحكومة الكيان الصهيوني التنفيذية وهيئته التشريعية. فتشرّع جميع قرارات العدوان والمجازر، التي ارتكبت بحق شعبنا العربي عامة والفلسطيني خاصّة، التي خرجت من منبر الكنيست ومستقية شرعيتها من التصويت الذي تدعو إليه جامعتنا/جامعتهم، كما وتضرب أنجع آليات النضال الفلسطيني، وهي مقاطعة الكيان الإسرائيلي والصهيونية محليّاً واقليمياً.
ليس هذا فحسب، فجامعة الدول العربية، في بيانها، تعترف بديموقراطية إسرائيل رغم زيفها، وتلغي مفهوم الاحتلال والتطهير العرقي. وتحوّل نضال الفلسطينيين إلى صراع مواطنة لا احتلال في حيّز «الديموقراطية» الإسرائيلية.
وقد يخطئ القارئ بالتحليل عند قراءة البيان، ويعتقد أنّ للفلسطينيين إمكانية التأثير على مجاري الانتخابات وقراراتها العنصرية بحق شعبنا الفلسطيني. ننقض هذه الحقيقة بقانون يهودية الدولة، وهو قانون أساسي في إسرائيل يحلّ محل دستورها، حيث فسّرته محكمة العدل العليا في إسرائيل (وهي الهيئة المسؤولة عن تفسير القوانين) بثلاثة عوامل: رموز الدولة اليهودية، علاقة إسرائيل بيهود العالم (وتنكّرها للاجئين الفلسطينيين طبعاً) والأغلبية اليهودية.
ذلك يعني أنّ الفلسطينيين داخل 48، وفي نطاق «الدولة»، كانوا وسيبقون أقلية حسب القانون وقواعد اللعبة، ولذلك لن يستطيعوا تمرير أو صدّ القوانين العنصرية حتّى لو صوّتوا جميعاً. من السّهل إثبات ذلك عبر جميع القوانين العنصرية التي تمّ تمريرها على مرّ السنين رغم تواجد أعضاء الكنيست العرب، وبالمقابل فشل أعضاء الكنيست العرب بتمرير أيّ قانون يمثّل مصلحة الفلسطينيين والعرب.
وهذه الدعوة إلى التصويت تساهم في شرذمة شعبنا الفلسطيني والعربي، وهنا المفارقة حيث إنّ هدف «الجامعة» هو جمع العرب، لكنها بدعوتها إلى التصويت تطلب منّا ــ فلسطينيّي 48 ــ أن ننصهر في كيان نقيض لهويّتنا، طهّرنا عرقياً، ويجبرنا في قواعد لعبة انتخاباته بعدم المساس «بيهودية الدولة»، فتجعلنا بدل أن نكون شعباً فلسطينياً واحداً جماعات متفرّقة سياسياً وجغرافياً.
في بيانها، تبدي جامعة الدول العربية قلقها من اعتلاء اليمين الصهيوني عرش الحكومة. أولاً من يتابع الانتخابات الإسرائيلية يعرف أنّ اعتلاء اليمين الصهيوني مؤكّد ويحظى بالأغلبية دون علاقة بتصويت الفلسطينيين. ثانياً، لا فرق بين يمين ويسار صهيوني ــ فالصهيونية حركة يمينية في طبيعتها ــ وإن راجعت جامعة الدول العربية التاريخ لرأت بأم عينيها أنّ من قام بأبشع المجازر بحق شعبنا الفلسطيني كان اليسار الصهيوني لا اليمين.
يبدو أنّ الجامعة العربية باتت تشكّل خطراً على شعبنا ووحدته، لاسيّما في ظلّ المواقف المشتركة التي لا يمكنكم إلا ملاحظة تتاليها، بالتماشي مع مصلحة إسرائيل إقليمياً ومحلياً.


رد مع اقتباس