[IMG]file:///C:\Users\ARCHIV~1\AppData\Loca l\Temp\msohtmlclip1\01\clip_im age001.gif[/IMG][IMG]file:///C:\Users\ARCHIV~1\AppData\Loca l\Temp\msohtmlclip1\01\clip_im age003.gif[/IMG]
[IMG]file:///C:\Users\ARCHIV~1\AppData\Loca l\Temp\msohtmlclip1\01\clip_im age004.gif[/IMG]
- في هذا الملف:
- ميليشيا عسكرية في عمان
- بقلم: ماهر ابو طير - الدستور
- عودة حرب المظاهرات لمصر
- رأي القدس
- لكي لا تتكرر تجربة الصدام مع (الدين)
- حسين الرواشدة- الدستور
- هل أصبح الحسم العسكري في سوريا وهما؟
- باتر محمد علي وردم- الدستور
- هل حكم مصر الراهن أشد وطأة من الفلول والثورة المضادة؟!
- محمد عبد الحكم دياب- القدس العربي
- حزب الله: قوّات ردع للسوريّين
- حازم صاغيّة- الحياة اللندنية
- طبخة الانتخابات حسب الطريقة المالكية
- هيفاء زنكنة-القدس العربي
- الوباء الإسرائيلي يجتاح الأسواق
- رشيد حسن- الدستور
- استقالة فياض لم تذب الجليد بين فتح وحماس
- راي الدستور الاردنية.
- بين حسابات الأسد وحسابات أوباما
- وليد شقير- القدس العربي
- هوامش” على استقالة سلام فياض
- عوني صادق- الخليج
- التفاوض على سوريا
- سليمان تقي الدين- الخليج
- عيون وآذان (اسرائيلي من اجل فلسطين)
- جهاد الخازن- الحياة اللندنية
- «كيري» يعد بسلام في المنطقة..
- يوسف الكويليت- الرياض
- البترول في العراق «نموذج من قصص الخيال»
- د. أنور أبوالعلا- الرياض
- «القلق الاستراتيجي» في سورية انتهى... لكن «موسم المفاجآت» مستمر
- راغدة درغام- الحياة اللندنية
ميليشيا عسكرية في عمان !
بقلم: ماهر ابو طير - الدستور
لا أحد مع الاعتداء على اي ناشط سياسي أو مسيرة،وقد شهدنا اكثر من اثنتي عشرة الف مسيرة في الاردن،خلال عامين ونصف مرّ أغلبها على خير،في بلد يعرف فيه الجميع بعضهم البعض،ويخضعون لمعايير اجتماعية وقانونية وسياسية.
يقال هذا الكلام حتى نؤكد مسبقاً ان احداث اربد لم تُرض احداً،حتى لانبقى ندور في دائرة مفرغة من المزاودات،فيما الرد الذي رأيناه امس في وسط البلد،اكثر سوءاً الف مرة من ذات احداث اربد،والرسالة عبر وسط البلد،تحمل التهديد بالفوضى الدموية.
الاستعراض العسكري لشباب الحركة الاسلامية،خطير جداً،فقد كنا نتحدث عن حزب سياسي،يريد الاصلاح،ويتبنى معايير دستورية وقانونية تحكم الحياة،واذ بذات الحركة عند اول ازمة او شعور بالاستياء او الظلم او الاهانة،تلجأ الى وسيلة عنوانها العنف والقتل.
وسيلة فيها تهديد لسلامة الناس والبلد واستقرارهما،وتتخلى فيها ايضا عن مدنية الحركة وشروط ترخيصها،وتقدم نفسها باعتبارها جماعة عسكرية حظي افرادها بتدريبات عسكرية،سراً،وهذه التدريبات من المؤكد انها لم تقف عند حدود المشي على شكل طابور.
اين عقلاء الحركة الاسلامية وتلك الرموز العاقلة الكبيرة التي منعت انزلاق الحركة الى هذا المستوى،من تهديد البلد والناس؟والحركة التي لعبت دورا ايجابيا في حماية البلد من اخطار تنظيمات يسارية عسكرية سابقا،تنقلب اليوم وتمارس ذات السلوك الذي وقفت ضده سابقا،فما اعجب هذه المفارقة؟!.
اذا تم الاعتداء على اي اسلامي فهذا مرفوض ومهين لنا ولانقبله ابداً،وهذا موقف كثيرين على خلفية احداث اربد،غير ان هذه ليست ذريعة مقبولة للاعلان عن تحول الحركة الاسلامية من جماعة سياسية مدنية الى ميليشيا عسكرية.
هذه فتن تتساقط علينا،فوق مافينا من اخطار واختلالات،وفوق وضعنا الاقتصادي السيىء،وفوق اخطارالحرب الاقليمية المحتملة،وفوق هجرات الملايين من دول الجوار،وكأنه ينقصنا هذا المشهد الذي يشي بإطلالة فتنة دموية داخلية.
مشهد الاستعراض العسكري مشهد انتحاري،لاننا قد نشهد ايضا بعض ابناء البلد يحملون سلاحهم ويخرجون في طابور آخر ضد طابور الاسلاميين من باب رد الفعل،وقد يطلقون النار،وهذا يؤكد ان من سمح بمشهد البارحة يريد اخذ البلد الى نقطة تفجير محددة ومرسومة، يتم البحث عنها بكل الوسائل هذه الايام.
اذ ندافع عن حق الاسلاميين في العمل السياسي وصيانة كرامة افرادهم من كل اهانة جسدية او لفظية،وصيانة مقراتهم وحقوقهم،فإن خرق هذه الحقوق،لايسمح لهم في المقابل بإعلان انقلاب الحركة من مدنية الى عسكرية،والتهديد بهذه الطريقة،وهي طريقة لاتختلف عما قد يفعله اي خارج على القانون،من كل الاتجاهات.
تركيبة الاردن الداخلية حساسة الى الدرجة التي لن تسمح للاسلاميين بامتطاء صهوة البلد،ولان الحسبة هكذا فإن عليهم ان يخافوا الله فينا،دون ان ننكر مظلمتهم في بعض القصص،وهي مظالم لاتسمح لهم ابدا بتهديد الناس بفتنة دموية تحت عنوان الدفاع عن النفس في وجه البلطجية والامن والدرك!.
خط التصعيد بدأ يرتفع لان هناك من يظن داخل الحركة الاسلامية ان سقوط النظام السوري بات وشيكا،ولابد من التسخين في الاردن باعتباره ساحة ولالحاقه بالدول الذبيحة،ولايمكن ان نقرأ التصعيد الا من هذه الزاوية،ولايمكن ان نصدق التصعيد المفاجئ بعد غياب وهدوء الا من زاوية الملف الاقليمي،لا من زاوية الاحداث التي جرت في اربد.
اذا كانت الحركة الاسلامية تشعر بأنها تتعرض لاساءات واهانات واعتداءات فإن من حقها ان توقف كل هذه الاشكال عبر وسائل سلمية ومدنية،لا ان تستمد الرد من ذات الوسائل التي تدينها،وهي بهذه الطريقة تسقط في تناقض كبير.
عودة حرب المظاهرات لمصر
رأي القدس
كان منظر الصدامات التي وقعت امس بين انصار الرئيس محمد مرسي، ومعظمهم من حركة الاخوان، ومعارضيه الذين ينتمون الى احزاب وجماعات معارضة، خاصة جبهة الانقاذ، صادما بكل المقاييس، وينبئ بمرحلة من عدم الاستقرار في مصر مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية العامة.
الصدامات والاشتباكات التي اوقعت 40 جريحا على الاقل، واستخدمت فيها الحجارة وقنابل المولوتوف جاءت عندما توجه متظاهرون من معارضي الرئيس مرسي امس من ميدان التحرير في اتجاه شارع رمسيس المجاور، حيث احتشد الآلاف من جماعة الاخوان المصريين في مظاهرة اطلقوا عليها اسم ‘مظاهرة جمعة تطهير القضاء’ امام دار القضاء العالي (مقر النائب العام ومحكمة النقض) للمطالبة بتطهير القضاء الذي اصدر عدة احكام ضد قرارات الرئيس مرسي، من بينها خصوصا حكم صدر الشهر الماضي بعودة النائب العام السابق عبد المجيد محمود الى منصبه، بعد عزله من قبل الرئيس في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، وعين مكانه المستشار طلعت عبدالله.
الازمة بلغت ذروتها عندما بدأ مجلس الشورى، الذي يسيطر عليه انصار الرئيس مرسي، مناقشة اصدار قانون يخفض سن التقاعد بالنسبة للقضاة من سبعين الى خمسة وستين عاما، مما يؤدي الى مساواتهم بموظفي الدولة الآخرين.
مشروع القانون يبدو في صيغته عادلا، لكن معارضي الرئيس مرسي يرون ان الهدف ‘ملغوم’ اي عزل الفي قاض على الاقل واستبدالهم بقضاة من حركة الاخوان، والغاء قرار اعادة النائب العام السابق عبد المجيد محمود لبلوغه سن التقاعد.
هذه المظاهرات والمظاهرات المضادة هي الخطر الاكبر الذي يهدد استقرار مصر ويفاقم من ازمتها الاقتصادية، مثلما تؤكد في الوقت نفسه على فشل النخبة السياسية في مصر بكل الوانها في الارتقاء الى مستوى الوعي، والكف عن المناكفات السياسية والحزبية الضيقة من خلال هدنة، ولو مؤقتة، لمعالجة القضايا الحياتية الاساسية الملحة للشعب المصري.
واللافت ان هذا التصعيد من قبل الجانبين، مؤيدي الرئيس ومعارضيه، يتزامن مع زيارة يقوم بها الرئيس مرسي الى روسيا طلبا لقرض مالي كبير لسد العجز في الميزانية، وتمكين حكومته من شراء احتياجات الشعب من القمح وباقي السلع الرئيسية، وتحريك عجلة الاقتصاد الصدئة والمعطلة.
كنا نوجه اللوم دائما للمعارضة لانها تحتكم الى الشارع، وليس الى صناديق الاقتراع في خلافها مع الرئيس مرسي وحركة الاخوان المسلمين التي ينتمي اليها، ونجد انفسنا اليوم، نوجه اللوم نفسه الى انصار الرئيس مرسي باللجوء الى الاسلوب نفسه وهم يمثلون السلطة الحاكمة، ولا يحتاجون الى اللجوء لمثل هذه الاساليب اي النزول الى الشارع، وتوفير الفرصة لبعض البلطجية لممارسة ما يجيدونه من اساليب استفزازية وتأجيج مشاعر الغضب والثأر.
شهود العيان قالوا ان متظاهرين ينتمون الى جهات مجهولة، وليس لاي من الفريقين المتصادمين، استخدموا قنابل دخان وبنادق صيد اطلقوا منها النار على الجانبين، ولا يحتاج المرء للكثير من العناء للاستنتاج بان هؤلاء ينتمون الى نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك.
القضاء المصري قد يكون مليئا ببعض العيوب والثغرات، ومعظم قضاته وصلوا الى وظائفهم في عهد الرئيس مبارك، لكن معالجة هذه العيوب والثغرات يجب ان تتم بطريقة متأنية، وبعيدا عن الانفعال والتسرع، حتى لو كان هذا العلاج ضروريا ومشروعا.
مصر تحتاج الى الحكمة والحكماء في مثل هذا الظرف الصعب والحساس الذي تعيشه حاليا.
لكي لا تتكرر تجربة الصدام مع (الدين)
حسين الرواشدة- الدستور
أخشى ما اخشاه أن تدفعنا عملية (التوظيف) التي يمارسها البعض باسم (الدين) إلى مواجهة مع (الدين) ذاته, لا اتحدث -هنا- عن التوظيف السياسي للاسلام -على خطورته- وانما عن اشكال اخرى وصلت إلى حقولنا الاجتماعية والطبية والاقتصادية وغيرها.
خطورة التوظيف - هنا - تندرج في اتجاهين: احدهما إن الذين يمارسون هذه (المهمة) يعتقدون بأنهم يتحدثون باسم الله, وبالتالي فهم (اوصياء) على غيرهم من البشر, وطهارتهم لا تسمح لهم بمشاركة الاخرين لهم في ادارة شؤون الناس, أما الاتجاه الثاني فهو أنهم مصرون على وضع (الدين) في مواجهة خصومهم, باعتبار الدين وسيلة للصراع وهدفا لهم أيضا, وباعتبار فهمهم للدين هو المسطرة التي يقاس عليها الدين نفسه, ويا ليت أن هذا الفهم صحيح, أو ان تجربة (استخدامه) ناجحة, بل على العكس تماما, مما يدفع من لا يعرف الدين حقا, بمقاصده وروحه وغاياته. الى تحميل الدين مسؤولية الخلل, وعندها تحدث الطامة الكبرى وينفر من (يحب) الدين ويتمنى حضوره للبحث عن حلول اخرى خارج سياقات الدين, وربما ضده.
حدث هذا منذ قرون في اوروبا حين اصطدم الدين بقناعات الناس وحاجاتهم, وتحول الى (عبء) على المجتمعات, وأعاق حركة الأمم, فكانت النتيجة هي الخروج نهائيا على (سلطة) الدين وعزله تماما عن الحياة وتحديد دوره داخل (دور) العبادة.
هل يريد بعض من (يوظفون) الاسلام في (تجاربهم) ومغامراتهم ان يدفعوا مجتمعاتنا للوقوع في هذا المحظور؟ بصراحة أكاد اقول بأن ذلك حصل, خذ مثلا ما يحدث في بعض الاقطار التي خرجت من ثوراتها, مثل مصر, وخذ أيضا ما يحدث في سوريا, ستكتشف بأن استحواذ (الاسلاميين) على السلطة في مصر وتوظيفهم (للدين) بشكل خاطئ من أجل اخضاع المجتمع لقبول تجربتهم, دفع البعض الى تحميل الاسلام نفسه هذا الخطأ, ووضع اخرين في مواجهة (الاسلام) ذاته, ومع أن الدين - باعتباره هدفا ساميا وقيما عالية تخاطب الانسان وتربطه بعلاقة مباشرة مع الله تعالى وتهدف الى هدايته- بريء من كل هذا, الا ان (سوء) توظيفه السياسي, وسوء استخدامه وفهمه ، وفشل “تجربة” انزال قيمة (لا احكامه فقط ) على الارض والناس جعل الناس يتخيلون أن هذا هو نسخة الدين الاصلية ،وبالتالي حكموا عليها وتمنى بعضهم لو بقيت “حكما “ يراودهم بدل أن يروها بهذا الشكل المشوه في الواقع .
في الحالة السورية ايضا ،حدث ذلك ،فجماعة “النصرة “ التي كانت تمثل وجها آخر للثورة ظلت مقبولة الى أن اندرجت في سياقات التوظيف السياسي وانحازت الى “القاعدة “ وعندها دخل الاخر على الخط ،واستدرجها الى “المصيدة “ وكان يمكن ان “تتجاوز “ ذلك كله لو لم تقحم نفسها في هذا “التوظيف “ وظلت في دائرة الاجماع الوطني التي يدور حولها المجتمع المنحاز للثورة .
باختصار ،كلام “الاسلاميين” السياسي عن الدولة المدنية وعن قيم الحرية والعدالة والمشاركة وعن معاملة الاخر بالحسنى وعن اقدام المرأة ..الخ ، هو تعبير صحيح عن مقاصد الدين ،لكن ممارساتهم العملية تبد واحيانا عكس هذا الاتجاه ،والمشكلة - هنا- أساسها اقحام الدين في السياسة ،باعتبار أن منطوق الدين حين يصل الى ارض السياسة يتحول الى منطوق آخر . فالسياسة لا تتحمل الدين ، والتوظيف في الاتجاهين يضر بالدين وبالسياسة ايضا .
لا ادعو - معاذ الله -الى فصل الدين عن السياسة والحياة العامة ، فهذا غير ممكن ابدا في مجتمعات يبدو الدين الباعث الحضاري فيها ، وانما ادعو الى فهم الدين اولا ،ووقف “توظيفه” لاي غاية سياسية اوطبية (ما اكثر المشعوذين باسم العلاج بالدين ) او اجتماعية (كم شهدنا من مُتاجِر وصل الى الثراء باسم الدين ) ، وادعو ايضا الى رفع الشعار الذي رفعه بعض اخواننا في تونس (الاسلام يوحدنا والشريعة تفرقنا ) فلندفع -اذن -باتجاه اللقاء على ارضية الاسلام ولنؤجل مسألة “الشريعة “التي تحتاج الى مجتمعات تغلغل فيها الاسلام واستقرت دولته .. بدل ان يأخذنا هذا التوظيف السيء للاسلام الى”النفور” من الدين لا قدر الله .
هل أصبح الحسم العسكري في سوريا وهما؟
باتر محمد علي وردم
باستثناء المؤيدين تنظيميا وفكريا للنظام السوري لا أعتقد أن أحدا على وجه البسيطة يريد بقاء هذا النظام في السلطة بعد كافة الجرائم التي ارتكبها تجاه شعبه وتدميره للمدن ورموز الحضارة والثقافة والتاريخ في سوريا في سلوك انتقامي أهوج، ولكن من الناحية السياسية فإن أخبارا سيئة قد تشير إلى أن النظام سيبقى لفترة أطول مما توقع الجميع.
بالرغم من كافة التضحيات والشجاعة التي قدمها الشعب السوري فإن قسوة وتماسك النظام العسكري-الطائفي-العائلي الذي يحكم سوريا كانت أكثر مما توقع الجميع وخاصة مع حصوله على الدعم الروسي والإيراني. بالنسبة للنظام السوري وبعكس الأنظمة العربية الأخرى التي سقطت في ما يسمى الربيع العربي فإن المعركة هي معركة بقاء فلا يوجد يوم تالٍ لسقوط النظام بالنسبة للقادة العسكريين والمدنيين والأمنيين ناهيك عن الشبكة الاجتماعية والطائفية التي يتغذى عليها النظام. في غياب الدعم الخارجي المؤثر للثوار وقوة الدعم الإيراني-الروسي وشعور النظام بمعركة البقاء التي تتطلب أشد أنواع القسوة والبطش، قد يستمر النظام لفترة عدة اشهر في العام الحالي.
التحركات السياسية التي تحدث في المنطقة حاليا تبدو غامضة وغير واضحة وتثير التوتر لدى شعوب المنطقة وخاصة لدينا في الأردن. تصريحات الرئيس السوري قبل يومين حول “النار التي ستصل إلى الأردن” لا تخيف أحدا لدينا فنحن على ثقة بقدرة الدولة عسكريا وأمنيا على الحفاظ على الاستقرار بالرغم من وجود طابور خامس تابع للنظام السوري بين ظهرانينا، وبالرغم من وجود كل مظاهر النشاط السياسي المعارض ولكن مصدر القلق الوحيد هو في تزايد أعداد المقاتلين الجهاديين الذين قد يحصلون على مساحات للعمل داخل سوريا ويضعون الأردن في قائمة الأهداف بعد إسقاط النظام السوري الحتمي، ولو بعد حين.
التدفق المستمر للاجئين السوريين يخلق مشاكل اقتصادية وسياسية في الأردن، وانتقال المقاتلين الجهاديين مهما كان عددهم في طريقه لخلق مشاكل أمنية في المستقبل. ربما قد حان الوقت لدرء الشكوك وتهدئة مصادر القلق أن يتم التحول إلى سياسة الحدود المغلقة التي اتبعتها تركيا منذ حوالي سنة. تركيا التي تضع نفسها في موقع مشارك في الحملة ضد النظام السوري أوقفت تدفق اللاجئين إلى أراضيها بناء على حجة الاستنزاف الاقتصادي بالرغم من ان اقتصاد تركيا أكبر من الأردن بأضعاف وهي لم تستقبل لاجئين بالعدد الذي استقبله الأردن.
ندرك بأن هنالك ضغوطا سياسية واقتصادية على الأردن للزج به في المستنقع السوري. الرأي العام الأردني يحتاج للشفافية والوضوح وأن نعرف ماهية هذه الضغوط. الشعب الأردني متعاطف تماما مع الثورة السورية ولكنه لن يقبل بأن يكون طرفا في مشروع خارجي للتأثير على مسار الثورة وهذا الشعب مستعد لأن يتحمل الضغوط الاقتصادية الخارجية مقابل أن لا يتعرض جندي أردني واحد لموقف يكون فيها ضحية لحرب بالوكالة يتم إدارتها من عواصم مختلفة في العالم وفي المنطقة.
أتمنى أن تفصح حكومتنا عن الضغوط التي تواجهنا وأن تستمع لرأي الشارع الذي سيقف تماما مع الدولة في مواجهة الضغوطات. نتمنى سقوط النظام السوري البائس بأسرع وقت ممكن ولكن لا نريد أن ينجر الأردن إلى أن يكون طرفا في مشروع ثبت منذ اشهر مدى فشله الاستراتيجي وسوء نية القائمين عليه! الحسم العسكري في سوريا ربما أصبح وهما للطرفين والجهد النبيل المطلوب هو في وقف حمام الدم وحماية الدولة السورية من الانهيار.
هل حكم مصر الراهن أشد وطأة من الفلول والثورة المضادة؟!
محمد عبد الحكم دياب- القدس العربي
هل معنى هذا العنوان أن مصر تخضع لنوع غير مألوف من الحكم.. فلا هو بالثوري أو التقليدي، ولا هو حكم ثورة مضادة أو جماعة رجعية؟. وهذا هو ما أعنيه بالفعل . اختصارا للطريق من البداية، وتبقى البراهين والتفاصيل.
وإذا كانت الثورة حركة تغيير شامل، إلا أنها ليست تغييرا عشوائيا بل واعيا ومحسوبا؛ يعرف من أين يبدا وإلى أين ينتهي، والثورة بهذا المعنى تفتح بابا للتطور والتقدم واتساع المصالح والمنافع والشعبية، ودون ذلك فلا وجود لها. والثورة المضادة نقيض هذا تماما؛ تتأسس على الجمود، ويحيط بها الفساد والمفسدون، وتعادي التقدم، وتحصر المصالح والمنافع في دوائر أو فئات محدودة وضيقة، وتركز تداول الثروة بينها، ولا تحمل أي ملمح جماهيري أو شعبي، ومع ذلك فإن كلا من الثورة والثورة المضادة يتغطى برداء الدولة ويعمل تحت سقفها، ودور الدولة معهما يتسع ويضيق وفق اتساع وضيق مصالح ومنافع وشعبية القوى الحاكمة. فحين يتسع دورها تتحول إلى ‘دولة راعية’ ومع الضيق تنكمش في حدود ‘دولة الضبط والربط’، وتختزل بأقبح صورها في الدولة البوليسية.
أما وأن تكون الدولة نفسها مستهدفة بالهدم والتصفية فمن يقوم بذلك يدخل تحت تصنيف ما يمكن أن نطلق عليه ‘قوى ما بعد الثورة المضادة’، وهذا ما أتصوره منطبقا على الحكم الطائفي والمذهبي القائم في مصر الآن؛ بقيادة الجناح ‘القطبي’ المتطرف في جماعة الإخوان المسلمين. وأن يكون هذا هو حال مصر بعد ثورة بحجم وعمق ثورة 25 يناير فهذا شيء غير طبيعي ولا مُبَرَّر، وهذا يعيدني مضطرا لتوصيف مبكر للثورة، وهي في ذروة زخمها في ميادين وساحات وشوارع مصر؛ قلنا منذ أكثر من سنتين أنها ثورة من طراز خاص؛ ‘عابر للأيديولوجيات، ومتجاوز للأحزاب، ومتخط للطوائف والمذاهب’، ومعنى هذا أنها ثورة الشعب بكل معنى الكلمة، وكان على الثوار وأنصارهم أن يتعاملوا معها على أساس هذا الفهم، وأن يخرجوا من أسر الفكر التقليدي في النظر إلى ثورة من هذا النوع.
من الطبيعي أن تواجه كل ثورة بثورة مضادة. وإذا ما كانت الثورة قد خرجت من رحم حراك شعبي واسع؛ فإن فلول حكم مبارك المخلوع ومن معهم هم سدة الثورة المضادة ولُحْمتها إذا جاز الوصف، وقد كان حكم مبارك مستبدا وفاسدا وتابعا. ومع ذلك حرص على أن تبقى حركته وإجراءاته تحت سقف الدولة وفي نطاق سلطاتها ومؤسساتها، وفي اللحظة التي سعى فيها ابنه إلى العمل خارج مجالها، وبدأ في تحويلها تدريجيا إلى شركة يملكها ويديرها رجال أعمال ومضاربين وسماسرة ووكلاء احتكارات إجنبية ورجال شرطة؛ يحمون مصالحهم ومنافعهم الممتدة، وبدأ ذلك مع حلول الألفية الثالثة وبداية القرن الواحد والعشرين، وأسس جمال مبارك لـ’حكم عرفي’ وعائلي خارج القانون؛ أتاح له بأن يكون ‘الرئيس الموازي’ لتسيير ‘الدولة الشركة’ وتيسير ‘التوريث’، الذي صار طموحا غالبا على تصرفاته بدعم عائلته ومساندة شركائه، ومن وقتها لاحت في الأفق بدايات تكوين ما يمكن تعريفه بـ’قوى ما بعد الثورة المضادة’، وإن كانت على استحياء.
ولما أعطت ثورة 52 يناير بطبيعتها التي ذكرناها انطباعا بأنها ‘ثورة بلا صاحب’؛ أسالت لعاب الطامعين والفاشيين ‘والمؤلفة قلوبهم’، وانقضوا عليها وداسوها بأقدامهم، وسحقوها في مهدها. وإذا ما أضيفت إلى ذلك أخطاء التعامل معها، وقد ارتقت إلى مستوى الخطايا، التي يسرت مهمة أعدائها والطامعين فيها، وأمام ذلك اكتفت الثورة بالاعتصام بالشارع فقط، وأهملت تمكين نفسها من الحكم أو المشاركة فيه، وجذبتها لعبة الانتخابات، وهي غير مهيأة ولا مؤهلة، فالأرض ليست ممهدة، والثورة لم تحقق أيا من أهدافها، وبدأ الاختلاف على جلد الدب قبل اصطياده.
واستطاعت المرحلة الانتقالية الأولى، التي أدارها المجلس الأعلى للقوات المسلحة تمكين قوى الجماعات الطائفية والمذهبية من رقبة الثورة حتى نجحوا في خنقها، ثم حكموا زيفا باسمها، وحتى هذه اللحظة لم نعلم إن كان ذلك نتاج سوء تقدير أو فقر خبرة أوقع المجلس العسكري وأوقع مصر كلها فريسة لمن لم يرحمه أو يرحمها، وها هي الدولة تدفع الثمن، ويرى البعض أن الهجمة الشرسة ضد سلطات ومؤسسات الدولة؛ بما فيها القضاء والإعلام والأزهر والقوات المسلحة والمخابرات العامة والشرطة، أدت إلى تصدع الدولة وإضعافها فأصبحت آيلة للسقوط وعلى وشك التلاشي.
وتصدع الدولة يضعف المناعة فيها، فيسهل تقسيمها، وفي ذلك دليل دامغ على سوء النية والمنقلب من قبل أهل الحكم، وعلى الخطيئة المرتكبة من المجلس الأعلى للقوات المسلحة السابق؛ سواء كان ذلك بوعي أو بعدمه، وعلينا ألا نجعل منها مشجبا يسيء للقوات المسلحة؛ في ظروف تعمل أطراف عدة داخلية وخارجية على إضعافها والتخلص منها إذا أمكنها ذلك، وفي ذلك مصلحة للقوى الطائفية والمذهبية الحاكمة؛ في تطلعها إلى استبدالها بمليشيات دموية تصوب سلاحها إلى جماجم الثوار وصدور الشباب؛ خاصة بعد أن أعلن مجلسها الأعلى وقوفه مع الشعب في محنته الراهنة.
وزيادة في التوضيح، فإن القوى الحاضرة في المشهد السياسي الآن هي:
أولا: قوى الثورة.. وكتلتها الرئيسية بين الشباب، وعمقها غاطس في قاع المجتمع وعمقه، وتجد دعمها من مخضرمين؛ يرفضون ما جرى للثورة وما حدث مع الثوار، وبينهم من يقدم أقصى ما يستطيع من دعم وبث لروح الصمود فيهم، والتحلي بالصلابة وطول النفس في المواجهات الجارية، التي من المتوقع لها أن تطول، وهؤلاء يساعدونهم على استعادة زمام المبادرة واستمرار الرهان على الشعب، الذي لم يبق لهم غيره، وترشيد آليات العمل ووسائل الاحتجاج والتظاهر السلمي؛ في الميادين والمدن والطرق الرئيسية، وبالكلمة والصورة وعلى الشاشات وصفحات التواصل الألكتروني، وتوخي الحذر مع استمرار سقوط الشهداء تباعا؛ بالاغتيال المباشر أو الاغتيال المعنوي وتلفيق التهم وتشويه السمعة، وفنون التعذيب المفضي إلى الموت.
ثانيا: قوى الثورة المضادة.. وكنت إلى وقت قريب أحسبها تجمع فلول حكم مبارك المخلوع، ومعهم جيوش البلطجة العاملة لحسابهم فقط، وما تحت يديها من إمكانيات منظومة الفساد القائمة على تحريكهم وتمويلهم؛ مضافا إليها خبرة جهاز ‘أمن الدولة’ السابق العامل في صفوفهم. والثورة المضادة تعتمد على المعادين للثورة ومقاوميها. بمعنى آخر يمكن حصرها في حدود الفلول وجماعات المصالح التي ارتبطت بحكم مبارك، وكانت مهمتها إعادة إنتاج الحكم المخلوع، الذي أسقطته الثورة. ومع بدايات الدور الدموي لحكم الإخوان اعتَبَرْته وقتها امتدادا للثورة المضادة، وكان ذلك خطأً مني في التحليل والتقدير علي أن اعترف به، فقد ثبت أن الحكم الطائفي والحزبي أكثر تجاوزا من قوى الثورة المضادة بكثير.
ثالثا: ‘قوى مابعد الثورة المضادة’.. ويمكن أن نطلق عليها أيضا قوى ‘ما فوق الثورة المضادة’، وهذا ينطبق على الجناح ‘القطبي’ وحلفه الطائفي المذهبي الحاكم. وقد تمكن من التسلل إلى صفوف الثوار وشاركهم الميدان والتظاهر والاحتجاج، وحمل شعاراتهم ونطق بلسانهم إلى أن انكشف ما لديه من خطط مبيتة بدأت بـ’زواج عرفي’ من طرف المجلس الأعلى للقوات المسلحة السابق، وقدم عربون محبته ‘لجنة البشري’ لتعديلات دستور 1971، وكان الإخوان المسلمون هم الجماعة الوحيدة الممثلة فيها، وزاد عليه إلغاء الدستور المستفتى على تعديل بعض مواده، وأقام لها عرس غير تقليدي في 19 مارس 2011، تحول إلى ما عُرِف بـ’غزوة الصناديق’، واستمتعت بشهر عسل شهد انتخابات تشريعية غير دستورية لمجلسي الشعب والشورى!!.
رابعا: قوى المعارضة.. وهي خليط من أحزاب قديمة وجماعات جديدة ومستقلين، وكان هم كثير من المنضوين تحت رايتها هو ما يمكن أن تحصل عليه من مكاسب وغنائم وأنصبة، وهذا من الأسس المتبعة في العمل الحزبي والسياسي التقليدي، وبقيت أسيرة إنشغالها بالديمقراطية السياسية دون أن تشغلها قضايا الثورة واستكمال أهدافها وتمكينها من الحكم أو مشاركتها فيه، فلا هي شاركت ولا ساعدت في تمكين الثورة منه، وسارت المعارضة على ثلاث أرجل؛ واحدة مع الثورة، وأخرى التحقت بركب الفلول والثورة المضادة (وكي لا يحسبني أحد متجنيا فمن بين من اعتلى سنامها أبرز رموز الفلول والثورة المضادة وهو عمرو موسى وغيره)، وهرولت الرجل الثالثة سندا لـ’قوى ما بعد الثورة المضادة’، وتجلت في وقوفها في مشهد غير متوقع تأييدا لمحمد مرسي، وهي تعلن مطالب ستة تعهد مرسي بتنفيذها، ولم ينفذ منها مطلبا واحدا، ثم قلب لها ظهر المِجَن دون حرج.
وكثيرا ما كنت أذكر نفسي بأن الانتماء للثورة، مع ثقافة وطنية وسياسية غير مشوهة، ووعي اجتماعي متقدم يعصم من هول ذلك التيه والارتباك الذي تعيشه قوى الثورة وأحزاب وجماعات المعارضة على حد سواء، وإذا كان للمعارضة عذرها بسبب فهمها التقليدي للديمقراطية السياسية بمعزل عن ضمانات اجتماعية واقتصادية وقانونية تعززها وترسخها، وتصحح بها أوضاعا مجتمعية مختلة؛ تدفع بالمهمشين والفقراء والمعدمين إلى مراكز الاهتمام، وتحد من تغول حيتان المال والأعمال ومن تركيز الثروة في يدهم، كما هو حادث قبل وبعد الثورة، وغياب ضمانات من هذا النوع يصب في مجرى أعداء الثورة والمتربصين بها، وهو ما يحدث لثورة وثوار 25 يناير.
و’قوى ما بعد الثورة المضادة’ بنزوعها الطائفي والمذهبي الدموي؛ قوى لا تسمح بمشاركة ولو محدودة من أحد، وإذا كانت الثورة تهدف لتغيير منظومة العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية القديمة، ونشر فكر وثقافة جديدة تخدم هذا التغيير، فليس في حسبانها القضاء على الدولة أو تصفيتها، وذلك على العكس من ‘قوى ما بعد الثورة المضادة’، فعداؤها للدولة وسلطاتها ومؤسساتها مستحكم، وكان اشتراكها في الثورة بنية وأدها وتفكيكها واضح، ولها في ذلك خبرة طويلة؛ حصلت عليها عندما كانت شريكا في غزو بغداد وسقوط العراق وتقسيمه، ومثلها الحزب الإسلامي؛ واجهتها الحزبية والمذهبية في أرض الرافدين، وكانت محرضا لقوات حلف شمال الأطلسي (الناتو) للتدخل في ليبيا، وعلى رأس الداعين للتدخل العسكري الأجنبي في سوريا، ولن تتوانى في طلب التدخل العسكري في مصر من أجل التمكين ووأد الدولة وتقسيم الشعب!!
حزب الله: قوّات ردع للسوريّين
حازم صاغيّة- الحياة اللندنية
في 1976، عرف لبنان ظاهرة «قوّات الردع العربيّة» التي ما لبثت أن صارت قوّات سوريّة بحتة غادرها باقي العرب. كان المطلوب من تلك القوّات آنذاك، وفق الصياغة الرسميّة، أن تضمن الأمن وأن تساعد الدولة اللبنانيّة على النهوض بعد سنتين من حرب أهليّة – إقليميّة.
القوّات تلك لم تفعل ما كُلّفت فعله، فافتُتح عهدها باغتيال كمال جنبلاط على أحد حواجزها، ثمّ عاد الاقتتال إلى لبنان مرّة بعد مرّة، فتكرّرت عودتها إليه كي تساعد الدولة اللبنانيّة على... النهوض.
ما كان يحصل فعلاً أنّ القوّات المذكورة، وبتوجيه أسيادها في دمشق، كانت تقوّض ما يتيسّر من أسباب النهوض. فهي تحالفت مع تناقضات اللبنانيّين في ما بينهم، وراحت تعزّزها وتسهر عليها، الأمر الذي جعلها قوّات لردع احتمالات السلام الممكن.
ومن أجل أدائها مهمّتها هذه، كان لا بدّ من تحويل الاحتراب اللبنانيّ إلى نظام ومؤسّسة. هكذا، ومنذ أوائل الثمانينات، احتلّ تأسيس حزب الله ورعايته الإيرانيّة أساساً، ثمّ السوريّة، موقعاً مركزيّاً في النظام والمؤسّسة هذين. ذاك أنّ اللبنانيّين حتّى لو تخلّصوا من ردعهم السوريّ، لن يستطيعوا، بعد نشأة حزب الله، التخلّص من ردعهم اللبنانيّ التابع. وفي السياق هذا، شكّلت بندقيّة الحزب، التي منحتها مقاومةُ إسرائيل الشرعيّةَ وطول العمر، التعبير الصريح عن أنّ الحرب لم تنته، وعن أنّها، لا سيّما منذ انسحاب إسرائيل في 2000، لن تنتهي. أمّا الذي تسوّل له نفسه أن ينهي الحرب جذريّاً فستكون تلك البندقيّة له بالمرصاد، قوّةً احتياطيّةً رادعة تستكمل الردع السوريّ أو تنوب منابه. هكذا، جاء اغتيال رفيق الحريري في 2005 الترجمة الأوضح لتلك المعادلة: فمن يجرؤ على محاولة إخراج لبنان من حروبه له الموت المؤكّد.
كان حزب الله، إذاً، أكبر الثمرات الناتجة من زواج السِّفاح بين النظام السوريّ والتناقضات الأهليّة اللبنانيّة. ولأنّه هكذا، لم يتحوّل خروج القوّات السوريّة من لبنان خروجاً للحال الحربيّة، ولا كان الرشّاش الذي أهداه أمين عام حزب الله لضابط الاستخبارات رستم غزالة قليل الأهميّة والدلالة على التكامل الوظيفيّ. لكنْ، مع التصديع الذي راحت تُنزله الثورة السوريّة بالنظام السوريّ، شرع الابن يردّ الجميل لأبيه، ردعاً منه للشعب السوريّ ولإمكان بلوغه السلام المؤسّس على العدل.
فهذا الجزء الذي لا يتجزّأ من نظام الممانعة الإقليميّ يتحرّك على الإيقاع نفسه الذي تتحرّك عليه باقي الأجزاء: ردع الشعوب وردع السلام للبقاء، إلى ما لا نهاية، في حال اللاحرب واللاسلام.
وهذا ما يفسّر «التورّط» العسكريّ غير المسبوق لحزب الله في سوريّة، والجنازات التي لم يعد في وسع الأسرار أن تخبّئها، والنعوش التي تضمّ أجساد يافعين ومراهقين حيل بينهم وبين الحياة.
إلاّ أنّ الردع السوريّ للبنانيّين كان يستند إلى نظام حديد متماسك فيما الردع اللبنانيّ للسوريّين يستند إلى تفتّت يجعله سبباً إضافيّاً للاحتراب في ما بين اللبنانيّين أنفسهم. ثمّ إنّ أحوال الدنيا تغيّرت. فالردع السوريّ للبنان كان يجد في العالم كلّه، الغربيّ قبل العربيّ، الغطاء والتشجيع والمباركة. أمّا الردع اللبنانيّ لسوريّة فيفتقر إلى الأغطية التي يتبرّع الروس والإيرانيّون وحدهم بتأمينها، علماً أنّهم، في موسكو وفي طهران، كثيراً ما تعوزهم الحاجة إلى ما يغطّيهم.
طبخة الانتخابات حسب الطريقة المالكية
هيفاء زنكنة-القدس العربي
اليوم، ستجرى انتخابات المحافظات بالعراق او في بعض محافظات العراق. ولازالة اي التباس قد يقع فيه القارىء، سأوضح. الانتخابات لن تجرى في اقليم كردستان (ثلاث محافظات) لأنه شبه منفصل عن العراق، ولا في مدينة كركوك لأنها من المناطق المتنازع عليها، ولا في الرمادي ونينوى لأنهما من المناطق المعاقبة من قبل نظام حزب الدعوة المستأثر بالحكم، بشخص أمينه العام، رئيس الوزراء نوري المالكي. مما يعني ان واحدا من كل ثلاثة أو أربعة من العراقيين المؤهلين للمشاركة في الانتخابات لن يشارك في التصويت، وليس بناء على رغبته. وهو شرخ واضح، رغم كونها إنتخابات محلية.
الى جانب ردع او تغييب مساهمة المواطنين في المحافظات والمدن المذكورة في الانتخابات هناك جانب ثان لم يسلم من ‘ديمقراطية’ النظام الحالي على الرغم من توقه للمساهمة في ‘بنائها’ وكونه جزءا من العملية السياسية. الجانب المعني هو المرشحين. وقد تميزت دورة التصويت هذه عن سابقاتها بجمعها المجد من طرفين. فالكل يعلم ان الانظمة الدكتاتورية تجري الانتخابات بشكل رمزي ولاتمنعها كلية بشرط ان تكون النتيجة لصالح النظام. وما يفرق بين الانظمة الدكتاتورية والديمقراطية هو التعددية وحماية المواطنين والمرشحين معا مع توفير الاجواء للتصويت بشكل آمن وحر ونزيه. غير ان ما يحدث، حاليا، في ظل انتخابات حكومة المالكي لاعلاقة له لا من قريب ولابعيد بالديمقراطية والشروط التي يجب توفرها في الانتخابات لتوصف بالديمقراطية. ولعل اخطر انتهاكات الشروط الديمقراطية هي ترويع المواطنين (المنتخبين) أولا واغتيال المرشحين ثانيا.
حيث تجاوز ترويع المواطنين، الآن، كل ما مر به المواطن في الانتخابات السابقة التي تمت في فترة شهر العسل ما بين احزاب ‘التحالف الوطني’ خاصة دولة القانون (بقيادة نوري المالكي) والتيار الصدري (بقيادة مقتدى الصدر) وبحماية المحتل الامريكي. ولادراك حجم الترويع الذي يتعرض له المواطن، يكفي القاء نظرة سريعة على نوعية العمليات الارهابية واعداد الضحايا، في الايام الماضية. فخلال يوم واحد، فقط، استشهد َ واصيب َ أكثر من مائتي شخص بسلسلة ِ تفجيرات استهدفت مناطق متفرقة من بغداد وبقية المحافظات. ومن باب اعاقة الحياة اليومية، قامت القطعات العسكرية للجيش في محافظة نينوى بوضع نقاط تفتيش وسيطرات إضافية في الطرق المؤدية من وإلى مركز مدينة الموصل.
اما بالنسبة الى المرشحين فقد تم اغتيال 17 مرشحا اما بكاتم الصوت او بواسطة عبوة ناسفة. وامتدت اداة القتل لتشمل بالاضافة الى المرشحين افرادا من عوائلهم. كما حدث للمرشح نجم الحربي، رئيس كتلة ‘عراقيو ديالى’، الذي قتل مع اثنين من أشقائه. واغتيلت المرشحة خميسة أحمد البجاري مع زوجها بمدينة الموصل. واختطف مرشح ووالده وستة اشخاص في محافظة صلاح الدين وأصيب مرشح آخر وقتل سائقه في صلاح الدين ايضا. وقد نجا من محاولات الاغتيال أربعة من المرشحين ومحافظ نينوى بالاضافة الى عدد من النواب.
والمفارقة المضحكة ان ردود افعال السياسيين المشاركين بالعملية السياسية واحزابهم، كلها بلا استثناء، واحدة في جوهرها، مهما كانت طائفة الحزب او علمانيته. فالكل يمضغ المفردات ذاتها معتقدا ان لغة مخاطبة الشعب علكة لازالة الرائحة الكريهة من الفم. الكل يدين ‘القتل والعنف السياسي والطائفية السياسية’. الكل يحذر من ‘الخطر على الديمقراطية في البلاد’. الكل بريء براءة الذئب من دم يوسف. الكل يعرف من هو المجرم الا انه لا يفصح عن هويته خشية ان يخسر المنصب ومال العمولات ونسب العقود الوهمية. ولعل اكثر الساسة معرفة بهوية ‘الارهابيين والمجرمين’ هو نوري المالكي نفسه واستنادا الى شهادته امام ابناء الشعب العراقي في مقابلة تلفزيونية مع قناة ‘العراقية’ والتي اعترف فيها بانه يعرف المسؤولين عن التفجيرات وانه لو فتح الملفات الموجودة لديه لانقلبت الدنيا ولتلاكم النواب فيما بينهم غير ان حرصه على العملية السياسية يمنعه من ذلك!
هل من المعقول ان يصدر كلام مثل هذا من رجل عاقل ولنغض الطرف عن كونه يحتل اعلى منصب مسؤول في الحكومة؟ ألا يعلم بانه باعترافه هذا اما يدين نفسه قانونيا قبل الآخرين وبتهم، اقلها، التستر على مجرمين؟ ولا تنحصر الطامة بالمالكي فحسب بل يتبعه في ذات المسار اياد علاوي، رئيس القائمة العراقية. فبدلا من الانسحاب من العملية السياسية احتجاجا على ‘اغتيال مرشحي ونشطاء القائمة العراقية الموحدة التي تجري بشكل يومي’، حسب قوله في مؤتمر صحافي، أكمل وبمنطق لايقل غرابة عن لا منطق المالكي، ‘وهذا ما يعطينا حافزا لنكمل المشوار’. ترى عن أي مشوار يتحدث علاوي، خاصة وانه شكك، بشكل استباقي، بنتائج الانتخابات، مؤكدا أن ‘هناك استعدادات لتزوير الانتخابات وخاصة في يوم الاقتراع الخاصة من قبل جهات معروفة للاستحواذ على العملية السياسية لكننا سنتصدى لهذه المظاهر’. هنا، ايضا، لايسعنا الا ان نتساءل : وكيف ينوي علاوي بقائمته المفتتة التصدي لهذا التزوير؟ ولماذا يساهم بانتخابات يعرف مسبقا تزوير نتائجها، ام انه في حالة سباق مع المالكي للتخلص من المرشحين؟
ماهو الحل؟ ان من يملك الحل هو الشعب الذي يواصل الساسة تجاهله وتهميشه والاستهانة به. الحل هو ان يقف ابناء كل المحافظات والمدن سوية. الا تجزأ الحقوق. والاهم من ذلك الا تضيع الحقوق بلوثة اللامنطق والتضليل في ‘العراق الجديد’. وهذا الحل، بالأساس، بأيدي الشباب والشابات الذين نشأوا وهم يقاومون الحصار ثم الإحتلال، باساليبهم المتعددة، لأستعادة النسيج الإجتماعي القديم بألوانه وتركيبته. وكما نلاحظ، اليوم، فانهم يحاولون رسم خارطة طريق المستقبل باساليبهم، من الإنتخاب الى الأعتصام الى الثقافة والتعليم، لمقاومة الفساد السياسي واستعادة البلد ممن سلم لهم الإحتلال زمام الإمور في غفلة من الزمن.
الوباء الإسرائيلي يجتاح الأسواق
رشيد حسن- الدستور
اغراق السوق الاردنية بالمنتوجات الاسرائيلية وخاصة الجزر والكاكا، كما نشرت الدستور في عددها امس الاول 18 الجاري، يؤشر على جملة حقائق أهمها:
الاولى- ان كافة النداءات والمناشدات التي طالبت التجار المستوردين لهذه المنتوجات لم تجد أذنا صاغية، بعد أن طغى الجشع، وحب المال الحرام على هذه الفئة، ولم تعد فتاوى علماء المسلمين تردعهم،وقد حرمت الاتجار مع العدو، الذي يحتل أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، ويهوّد القدس ، ويستبيح الأقصى المبارك، ويعتدي على الفلسطينيات الماجدات، وينكل بالاسرى، ويحاصر قطاع غزة.
الثانية- تفعيل دور جبهة مقاومة التطبيع، وكافة اللجان المعنية في النقابات المهنية والاحزاب ومؤسسات المجتمع المدني، للحد من هذا الوباء الذي يغزو الاسواق، ولا تكتفي بدور المناشدة ومخاطبة ضمائر، لم تعد موجودة، بل تقوم بنشر أسماء هؤلاء التجار، في قوائم سوداء لمقاطعتهم، ومقاطعة بضائعهم، بعد ان ثبت بان هذه المنتوجات تضر بصحة المستهلك الاردني، وتؤدي الى اصابته بامراض السرطانات، حيث ان الزراعات الاسرائيلية- في رأي علماء مختصين- تعتمد على تطوير جينات وراثية معينة، تضر بالصحة العامة ـ ما يجعلهم يتحفظون على صلاحياتها للاستهلاك البشري ويحذرون من أكلها.
الثالثة- ان تأثير هذه المنتوجات على الزراعة والمزارعين ، تحتم على اتحاد المزارعين أن يصعد من ضغوطه على وزارة الزراعة، لوقف تصاريح استيراد هذه المنتوجات الاسرائيلية، لأنها تشكل خطرا على المنتوجات الاردنية وعلى المزارعين الأردنيين، وتسهم في خسارتهم ، لأنها تباع باسعار أقل من المنتج الاردني.
الرابعة- ندعو الحكومة ووزارة الزراعة أن تبادر بحظر استيراد المنتوجات الاسرائيلية ، مذكرين بالعديد من دول العالم ، وعلى رأسها دول الاتحاد الاوروبي وجنوب أفريقيا وغيرها ، التي تحظر استيراد هذه المنتوجات لانها من انتاج المستعمرات الاسرائيلية غير الشرعية.
وهنا نسأل: لماذا لا تقوم الحكومة بوقف التعامل مع هذه المنتوجات بالمطلق، والايعاز لوزارة الزراعة بوقف تصاريح الاستيراد من العدو الصهيوني؟ وخاصة انه لم يلتزم بالاتفاقات المعقودة ، ولم يحترم القانون الدولي، فاستغل هذه الاتفاقات ،واجواء ما يسمى بالسلام ، لتكريس الامر الواقع ، من خلال رفع وتيرة الاستيطان ، كما أن هذة الخطوة اذا ما تمت، فمن شأنها أن تجسد دور الاردن الفعلي في حماية القدس والاقصى..
وفي ذات السياق فان مجلس الامة “الاعيان والنواب” يتحمل دورا كبيرا في التصدى للتطبيع، والذي أصبح وباء يضر بصحة المواطنين ، وبمصالح المزارعين، ويصب في مصلحة العدو.. بتقوية اقتصاده وجيشه ،الذي يحتل الأرض ويدنس القدس والاقصى.
باختصار..... في المأثور “ إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن”... ما يفرض على الحكومة اتخاذ قرار جريء بوقف الاستيراد من العدو لحماية الوطن والمواطن..
استقالة فياض لم تذب الجليد بين فتح وحماس
راي الدستور الاردنية
مع اعراب كل من حركتي فتح وحماس عن ارتياحهما لاستقالة رئيس الحكومة سلام فياض الذي يحظى باحترام دولي واسع، فان هذا الالتقاء في الموقف لم يدفع قدما بمحاولات المصالحة بين الحركتين المتخاصمتين منذ سنوات عدة.
واكد وزير الخارجية الاميركي جون كيري من جهته الاربعاء مواصلة العمل على مشروعه لتنشيط الاقتصاد الفلسطيني في الضفة الغربية المحتلة، والذي كان من المفترض ان يكون فياض محركه الاساسي.
وسلم هذا المشروع الى الموفد الخاص للجنة الرباعية توني بلير بمشاركة مدير عام شركة كوكا كولا مهتار كنت، حسب ما اعلن كيري امام الكونغرس.
وفي آخر كلمة له كرئيس للحكومة اعتبر فياض الذي استقال في الثالث عشر من نيسان ان التقسيم المتواصل بين الضفة الغربية وقطاع غزة هو من اهم العقبات امام الجهود المبذولة لاقامة الدولة الفلسطينية.
وقال فياض يومها “لعل احترام وعي المواطن ودوره في انجاز هذا الامر يتطلب العودة للشعب، واجراء الانتخابات العامة باعتبارها المدخل الوحيد لاعادة بناء نظامنا السياسي وتحقيق اهدافنا الوطنية”.
واضاف “كما انه لا دولة بدون القدس عاصمة ابدية لها، فانه لا دولة دون قطاع غزة، جزء لا يتجزأ منها” .
وكانت حركتا فتح وحماس رحبتا باستقالة فياض وكانت مناسبة للطرفين للتذكير بالعمل على تطبيق الاتفاقين الموقعين بينهما في اطار تحقيق المصالحة وهما اتفاق القاهرة (نيسان، ايار 2011) واتفاق الدوحة (شباط 2012) اللذان يلحظان استقالة كل من حكومتي فياض واسماعيل هنية في قطاع غزة لاقامة حكومة انتقالية محايدة تنظم الانتخابات. الا ان لا شيء يدل حتى الان على تحقيق تقدم في اتجاه تشكيل هذه الحكومة بين الحركتين.
وكان القيادي في حركة فتح عزام الاحمد اعرب في الخامس عشر من الشهر الحالي عن الامل “في البدء بمشاورات تشكيل حكومة التوافق الفلسطينية تطبيقا لبنود المصالحة الوطنية بحسب اتفاقي القاهرة والدوحة الذي ينص على تشكيل حكومة توافق وطني فلسطيني برئاسة الرئيس الفلسطيني محمود عباس”.
ونفى الاحمد ما تردد من ان “الأمور ستظل معلقة”، موضحا ان “القانون الاساسي الفلسطيني يلزم بضرورة اختيار رئيس حكومة خلال خمسة اسابيع، لكن من يشيعون ذلك لديهم رغبة في اشاعة جو من الاحباط”.
وكان الرئيس الفلسطيني محمود عباس اعلن الخميس عزمه على البدء قريبا في اجراء مشاورات لتشكيل الحكومة الجديدة من دون ان يقدم تفاصيل، وذلك قبيل مغادرته الى تركيا ومن بعدها الى ايطاليا والنمسا حتى منتصف الاسبوع المقبل.
كما دعت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية في بيان الرئيس عباس الى “السعي الحثيث لتشكيل حكومة وطنية واحدة من المستقلين في أسرع وقت وفق ما تم الاتفاق عليه في الماضي مع حركة حماس في القاهرة والدوحة” وذلك “بعد انتهاء اللجنة العليا للانتخابات المركزية من عملية تسجيل الناخبين في قطاع غزة، وهو إنجاز كبير وهام حققته اللجنة وتستحق كل تقدير على ذلك”.
وأعلنت اللجنة “رفضها لأية ذرائع أو حجج يجري استخدامها لتعطيل انطلاق عملية مصالحة وطنية جادة، ودعت حركة حماس إلى الإدراك أن إضاعة الفرصة المتاحة حاليا للمصالحة هو خطأ بالغ سوف يلحق الضرر بمصالح الحركة الوطنية الفلسطينية”.
وقبل ذلك اتهمت حركة حماس كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريفات بانه اتفق مع وزير الخارجية الاميركية جون كيري على عرقلة تطبيق المصالحة الفلسطينية لاعطاء كيري ثلاثة اشهر ليعيد اطلاق عملية السلام بين الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي، الامر الذي نفاه عريقات.
وخلال يوم الاسير الفلسطيني الاربعاء الماضي حصل شجار في غزة خلال القاء القيادي في حزب الشعب الفلسطيني اليساري طلعت الصفدي كلمة دعا فيها هنية الى الاستقالة ايضا اسوة بما فعل فياض لافساح المجال امام الرئيس عباس لتشكيل حكومة وحدة وطنية.
ومن المتوقع ان يحاول عباس خلال زيارته الى تركيا اقناع رئيس الحكومة رجب طيب اردوغان بعدم التوجه الى قطاع غزة في ايار الماضي، حيث ان حركة فتح تعتبر ان هذا النوع من الزيارات “يعزز الانقسام الفلسطيني”.
بين حسابات الأسد وحسابات أوباما
وليد شقير- القدس العربي
هل يبدو لوزير الخارجية الأميركي جون كيري، من خلال ما سمعه أول من أمس من الرئيس السوري بشار الأسد، أن الأخير يغيّر في حساباته، كما كان كيري ومن ورائه الرئيس الأميركي باراك أوباما يأملان؟
لم تنجح مراهنات كيري وأوباما على دفع الأسد الى تغيير حساباته فيقبل على حل سياسي يستند الى اعلان جنيف في 30 حزيران (يونيو) 2012، ويوافق على قيام حكومة انتقالية كاملة الصلاحية.
مضى أكثر من 7 أسابيع على المحادثات الأميركية - الروسية، والأوروبية - الروسية، وعلى تلك المراهنات. إلا ان ما قاله الرجل أول من أمس يوحي العكس تماماً. وفي كل مرة يتحدث الرئيس السوري يعود الى ما قبل المربع الأول، أي الى ما قبل اندلاع انتفاضة الشعب السوري في 15 آذار (مارس) 2011، خطوات جديدة الى الوراء. هو قال بالمشاورات تمهيداً لتحديد من يشترك في الحوار، متناسياً، ولو من باب المناورة، أنه سبق أن دعا الى مؤتمر للحوار ترأسه نائبه فاروق الشرع وخرج بتوصيات. ثم اجتمعت قيادات من معارضة الداخل في دمشق لتتحاور، وأصدرت توصيات ولم يذكرها. وصف المعارضين الذين يأمل كيري بأن يجلس من يمثلون الأسد الى الطاولة معهم بالخونة. لم يأت على ذكر اعلان جنيف وكان جل كلامه للحديث عن الإرهاب، مهدداً كيري نفسه وبعض الدول بأن "الإرهاب" في سورية سينتقل اليها. لم يكلف نفسه، ولو من باب المناورة أيضاً، الحديث عن الإصلاحات التي ادعى أنه نفذها كما سبق أن فعل. وهو حين يعترف بأن المعارضة تنجح في السيطرة على مناطق لا يجد حرجاً في القول إن "الوضع أفضل"... باختصار يَعِد الأسد شعبه بمزيد من القتل واستخدام أسلحة الدمار المميتة.
وبدلاً من أن تساهم روسيا، كما كان كيري يأمل، بإقناع الأسد بتغيير حساباته، فإنها تعود الى الدفاع عنه وتهاجم الدول التي تريد إرسال بضع عربات مصفحة الى المعارضين، ومناظير ليلية وسترات واقية من الرصاص... ولربما يفرض ذلك بعد الآن على أوباما أن يغير حساباته، كما يتوقع بعض الديبلوماسيين الأميركيين. فهو آثر "دفع" الأزمة السورية عن إدارته، تحت هاجس تجنب التورط العسكري إثر انسحابه من العراق وتهيُّئه للانسحاب من أفغانستان، ولأن أولويتيه هما على الصعيد الداخلي نهوض الاقتصاد، وإكمال استراتيجيته الجديدة بالتوجه نحو المحيط الهادئ والتعامل مع تنامي النفوذ الصيني تجارياً وأمنياً وعسكرياً، والاكتفاء بالحؤول دون أن تفيض الأزمة السورية عن الحدود، وبعدم وصول أي أسلحة الى المتطرفين والمتشددين الإسلاميين و "جبهة النصرة" وضمان عدم تفكك المؤسسات السورية والحفاظ على الأقليات، من دون أن يؤمّن هو والمجتمع الدولي أدوات تحقيق هذه الأهداف سوى نصح حلفائه الغربيين والعرب بأنهم إذا كانوا سيسلحون المعارضين فليفعلوا ذلك عبر رئيس أركان "الجيش السوري الحر" اللواء سليم إدريس، نظراً الى الإعجاب الذي يتمتع به كرجل معتدل وواقعي وغير طائفي، لتقويته مقابل المتطرفين والفوضويين في المعارضة المسلحة.
لكن الوقت عدو هذا النهج الذي اعتمده أوباما والمسؤولون الأميركيون يلاحظون أن كل المحاولات التي بذلت مع الأسد لم تثمر "اهتماماً" من قبل الأخير بالحل السياسي. وإذا كان المعارضون يكسبون مزيداً من الأرض في حربهم القليلة الإمكانات مع النظام، فإن الأخير يزداد وحشية في القصف بالطيران وصواريخ "سكاد"، مع الشبهة بأنه يستخدم السلاح الكيماوي، ما يفاقم أزمة النازحين الإنسانية في الدول المجاورة، ويزيد من نفوذ "جبهة النصرة" و "القاعدة"، ويضاعف ردود الفعل الطائفية بسبب أفعال شبيحة النظام، ويزيد من تورط إيران و "حزب الله". وإذا كان جزء من مخاوف أوباما وتحفظات معاونيه حول ما إذا كان بديل النظام السوري سيكون متطرفاً، فإن عامل الوقت بات يضخم هذه المخاوف، من دون أن يجد إشارة واحدة من جانب نظيره الروسي فلاديمير بوتين تسمح له بتوقع المساعدة في حل الأزمة، لأن الأخير يبادر محدثيه الأميركيين هو ووزير خارجيته عند كل لقاء بالقول: "نستطيع أن نتحدث عن سورية كثيراً، لكن الأسد باقٍ".
يبحث أوباما مع الشركاء الإقليميين، السعوديين والإماراتيين والقطريين والأردنيين والأتراك، لدى استقبال قادتهم في البيت الأبيض والخارجية في المخارج التي عمادها بالنسبة اليه دعم "الجيش الحر" لا المتشددين، لكن هل اقتنع بعد كلام الأسد، أن عدوه الوقت بات يفرض عليه تغيير حساباته، أم ينتظر ليغير فيها الى ما بعد لقائه بوتين في حزيران (يونيو) المقبل؟ فبإمكانه القيام بما هو أدنى من التدخل العسكري المباشر الذي من المنطقي أن يرفضه، بدءاً بممرات آمنة للنازحين، وانتهاء برفع الحظر عن الأسلحة النوعية للمعارضة...
هوامش” على استقالة سلام فياض
عوني صادق- الخليج
أثارت استقالة رئيس حكومة رام الله، الدكتور سلام فياض، وقبول الرئيس الفلسطيني محمود عباس لها، “زوبعة” لم تهدأ بعد، وهي لا تستحقها في أي حال . فعندما تكون مرهوناً لغيرك، فإن كل “زوابعك” ستنتهي “في الفنجان” والحقيقة أن القضايا التي ألقتها هذه “الزوبعة” على الطريق شكلت “هوامش” ربما كانت لافتة أكثر من الاستقالة ذاتها، وإن جاءت بعض ردود الأفعال عليها أقرب إلى التناول الساخر .
- الهامش الأول، يتعلق بالقول إن الموقف الأمريكي و”التدخل السافر” في موضوع الاستقالة، هو السبب في إصرار سلام عليها، وكذلك إصرار عباس على قبولها! أي أنه لو لم يكن هذا “التدخل السافر”، لكانت الخلافات قد سويت وعاد سلام عن استقالته، أو رفضها عباس . والقضية هنا لا تبدو في “التدخل الأمريكي”، ولكن في “التدخل الأمريكي السافر”، أي أنه لو جاء هذا التدخل من “تحت الطاولة”، لما أزعج أحداً من المنزعجين، ولما شعر عزام الأحمد، مثلاً، “بالإهانة والخجل”! والأطرف من ذلك، أن يرفض كبير المفاوضين صائب عريقات هذا “التدخل الأمريكي السافر” لأن استقالة فياض في رأيه “قضية فلسطينية بامتياز” لا يجوز لأحد من الخارج أن يتدخل فيها، بحيث تبدو قضية مثل “إنهاء الاحتلال الإسرائيلي” للضفة الغربية، مثلاً، والذي يعدّ عدم تدخل الإدارة الأمريكية فيها “بشكل كاف” هو أكبر مآخذ السلطة على هذه الإدارة، ليست “قضية فلسطينية بامتياز” .
- الهامش الثاني، يتعلق برد فعل حركة (حماس) على استقالة فياض . ففي رأي المتحدث باسم الحركة، سامي أبو زهري، أن هذه الاستقالة “شأن داخلي” بين فياض وحركة (فتح)! ويأتي ذلك وكأنه تأكيد لما يقال عن وجود “دولتين لشعب واحد”، وعن طبيعة العلاقة القائمة بين “حكومة رام الله” و”حكومة حماس” وضرورة احترام مبدأ “عدم التدخل في الشؤون الداخلية” للدول الأخرى . وإذا كان الأمر كذلك، فأي كلام له معنى يمكن أن يقال عن “المصالحة” وعلاقة استقالة فياض بها؟
- واستمراراً للحديث عن “المصالحة والاستقالة”، وهذا هو الهامش الثالث، يلفت النظر أن تتفق الحركتان على أنه لا علاقة لاستقالة فياض بموضوع المصالحة . فقد نفى المتحدثان باسم الحركتين، عزام الأحمد وسامي أبو زهري، أن تكون هناك علاقة بين الاستقالة والمصالحة، في وقت طالبت فصائل مثل “الشعبية” و”الجهاد الإسلامي” أن تستغل الاستقالة لتحريك المصالحة . على أي حال، عدم وجود هذه العلاقة يعني أن سلام فياض لم يكن يوماً عقبة حقيقية في وجه إتمام المصالحة، وهو الذي صوره البعض أنه العقبة الرئيسة، لتظل الخلافات الكثيرة الأخرى بين الحركتين السبب في تعثر المصالحة .
- الهامش الرابع، يتعلق بما قيل عن أن استقالة وزير المالية نبيل قسيس وقبول سلام فياض لها هي سبب الخلاف بين فياض والرئيس محمود عباس الذي دفع الأخير إلى قبول استقالة فياض . وبهذا الخصوص، نفت مصادر الرئاسة الفلسطينية أن تكون استقالة فياض بسبب الخلاف مع عباس على استقالة نبيل قسيس . وسواء صح أي من الفرضيتين، فالأهم هو ما يكشف عنه التنافس على المراكز ومواقع النفوذ من صراع بين “الصلاحيات والطموحات”، بين فريق الرئاسة وحركة (فتح) من جهة، وبين سلام فياض ومؤيديه من جهة أخرى! وهنا تعود إلى الأذهان قضية لا تغيب وهي الصراع على “سلطة وهمية تحت الاحتلال” والتي كانت المدخل الأوسع إلى ما نراه من سقوط للقضية وضياع للحقوق الوطنية!
- الهامش الخامس، يتعلق بما قيل عن فشل سلام فياض في “إدارة دفة الاقتصاد الفلسطيني”، والذي أدى إلى “إغراق شعبنا بالديون” . وهنا، أيضا، اتفقت حركتا (فتح) و(حماس)، من خلال تصريحات المتحدثين باسميهما، في توجيه الاتهام إلى فياض . ومع صحة هذا الاتهام جزئياً، إلا أن الحركتين لم يأتيا على ذكر سياسة “البنك الدولي” و”صندوق النقد الدولي” المسؤولة فعلياً عن تلك الديون التي تحملها الشعب الفلسطيني، وإن كانت حركة (حماس) قد حملت المسؤولية لحركة (فتح) على أساس أنها هي “التي فرضت سلام فياض منذ البداية”! مع ذلك، ومع أن سلام فياض لم يكن أكثر من “موظف كبير” لدى البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وبالتالي لا بد أي ينفذ السياسة التي يضعانها، فإن هناك من يرى أنه لو كان سلام فياض فطن حصتيهما من أموال المساعدات التي تقدمها الولايات المتحدة الأميركية والدول المانحة، لربما اختلفت المواقف منه!
الآن وقد أصبحت استقالة سلام فياض نافذة، وتحولت حكومته إلى “حكومة تصريف أعمال”، وبعيداً مما يقول “النظام الأساسي” الذي لم (ولن تلتزم) به السلطة، ومن احتمالات بقائه شهوراً أو سنوات، أو إعادة تكليفه تشكيل الوزارة . . . بعيداً من كل ذلك، تواجه الرئاسة الفلسطينية، ومعها حركة (فتح)، اللتان أغضبهما “التدخل الأمريكي السافر” في “قضية فلسطينية بامتياز”، تواجهان آخر تصريحات وزير الخارجية الأمريكية جون كيري الذي أعرب عن أسفه لاستقالة فياض، وطالب السلطة باختيار “الشخص المناسب” لممارسة مهامه، ومواصلة العمل مع الولايات المتحدة . ونعرف مسبقاً أنه لن تكون هناك “مواجهة” بين واشنطن والسلطة، أو بينها وبين حركة (فتح)، لأنهما لا تستطيعان أن تختارا شخصاً لا ترضى عنه واشنطن، ولأن “الشخص المناسب” لواشنطن يجب أن يكون مناسبا لهما، وإلا فعليهما أن يواجها احتمالاً يريانه أصعب وهو انهيار السلطة التي يتمسكان بها .
التفاوض على سوريا
سليمان تقي الدين- الخليج
تنتظر الأزمة السورية محطة لقاء الرئيس الأمريكي أوباما والرئيس الروسي بوتين في يونيو/حزيران المقبل . خلال هذه الفترة يتم التصعيد العسكري على الأرض لخلق وقائع جديدة تخدم موقفي الطرفين في المفاوضات . يحاول النظام الإمساك بالمناطق الممتدة من جنوبي سوريا عبر دمشق إلى الساحل الغربي، وتحاول المعارضة اختراق هذه المناطق . يتزايد الضغط المتبادل على حمص بوصفها صلة الوصل والفصل، وتطول العمليات الحدود اللبنانية التي تشكل الظهير الخلفي لها . وفي مكان آخر تسعى المعارضة إلى تعزيز انتشارها في شمالي وشرقي البلاد على الحدود التركية والعراقية وكذلك يجري التحضير لشكل من أشكال التدخل عبر الأردن .
وعلى الصعيد السياسي كشفت مصادر مطلعة مهمة عن اتصالات إيرانية مع جميع أطراف ومكونات المعارضة، تمهيداً لاستطلاع الموقف في حال الوصول إلى حل سياسي أو في حال حصول اختلال كبير في التوازن العسكري لغير مصلحة النظام . تفسر هذه المصادر الحركة الإيرانية على أنها تسليم مستبق باستحالة بقاء النظام، بمعنى بقاء المجموعة القائدة من دون أن يعني ذلك تفكيك كل المؤسسات التي يرتكز إليها . ففي الموقفين الأمريكي والروسي هناك تسليم بضرورة الاحتفاظ بالمؤسسة العسكرية باعتبارها العمود الفقري للدولة السورية، وقد أظهر الطرفان هذا الموقف غير مرة، لكن الأمريكيين، ولا شك، يريدون حصة من هذه المؤسسة وربما يجدون في “الجيش الحر” جزءاً من هذه الحصة عندما يكون الحل بواسطة توحيد الجيش لاحقاً . ويظهر أن الإيرانيين منشغلون في مواقع نفوذهم المستقبلية، فهم يعرفون أن المزاج العام السياسي والشعبي ليس قريباً منهم وأن ما بذلوه من دعم وإمكانات لا يتجسد في قوة شعبية باستثناء أقلية طائفية بدأت تنفك عن النظام أمام احتمالات تعرضها لسيطرة مضادة . لا شيء في المدى المنظور يوحي باحتمال تسوية أو باحتمال حسم، بل إن مصادر النظام في سوريا لا تستبعد في أسوأ الأحوال قيام أوضاع تقاسمية للنفوذ على الأرض واستمرار ذلك إلى أمد طويل . فاللاعبون الإقليميون ليسوا في وارد إنتاج تسوية، أما الطرفان الأمريكي والروسي رغم بعض الأفكار المشتركة، فإن مصالحهما تمتد في كل المنطقة وكذلك إلى مواقع أخرى من العالم .
وليس من السهل الوصول إلى تسوية قريبة على صعيد كل الملفات، فهناك النفط والغاز وخطوط عبورهما، وهناك الملف النووي الإيراني والمسألة الفلسطينية، وهناك المواقع العسكرية من الدروع الصاروخية إلى القواعد العسكرية والتدخلات المتبادلة في حدود روسيا أو في الهند الصينية أو في شبه الجزيرة الكورية . فمن المتوقع أن تطول المفاوضات وأن تتشعب، خاصة وأن الأزمات الاقتصادية في العالم تضغط على نفوذ الدول الكبرى . ولطالما كان موضوع إدارة النظام المالي العالمي موضع اختلاف منذ عقد من الزمن وليس مع المتغيّرات في الشرق الأوسط . وفي هذا المستوى يبدو الوضع الاقتصادي العالمي كله في أزمة، رغم أن الروس والأمريكيين هما الأقل تضرراً . فالبلدان التي تعاني احتمالات الإفلاس هي مواقع نفوذ غربية (إيطاليا، اليونان، قبرص، مصر، إسبانيا)، فضلاً عن أن الدول التي شهدت متغيّرات سياسية تحتاج إلى دعم صندوق النقد الدولي الذي يمول أساساً من صناديق الدول الكبرى .
من الواضح كذلك أن الحرب في سوريا تحتاج إلى تمويل، وأن أطراف المعارضة ليست مسؤولة حتى الآن عن الأزمة الاقتصادية وهي تتلقى الدعم من أطراف تملك سيولة نقدية، بينما يشكل دعم النظام خاصة استنزافاً للطرف الإيراني الذي يعاني حصاراً وتتدنى قيمة عملته ويتعرض إلى مشكلات داخلية .
قد يفسر ذلك سبب التحرك الإيراني التفاوضي الأخير بعد أن تورطت إيران كثيراً في الملف السوري من دون طائل . في الظاهر يبدو أنها تقدم السلاح لكن إيران تواجه أوضاعاً سياسية ليست سهلة في سوريا والعراق وفي لبنان . فقد صار النفوذ الإيراني في خط التراجع أمام المعارك المفتوحة لزمن طويل . لذا يبدو مفهوماً عند ذاك سعي إيران إلى حصر خسائرها أو تحديد مواقع نفوذها . فلقد صار محسوماً أن النفوذ الإيراني يتوطن في البيئة الطائفية فقط، وتراجع بشكل كبير ذلك التصور الذي ساد فترة عن دور إقليمي قوامه محور متعارض مع السياسة الأمريكية والدولة العبرية . إن التفاوض الإيراني - الأمريكي رغم عدم بلوغه النهايات، فإنه يدل على سعي إلى تسوية أساسها الأمن القومي الإيراني ولا يمكن أن يتعدى ذلك في ظل هذا الصراع الدولي الكبير .
عيون وآذان (اسرائيلي من اجل فلسطين)
جهاد الخازن- الحياة اللندنية
النكبة لم تقع قبل 65 سنة. النكبة بدأت قبل 65 سنة وهي مستمرة حتى اليوم.
ما سبق قاله داعية السلام الإسرائيلي ميكو بيليد، ابن الجنرال ماتي بيليد وشقيق البروفسورة نوريت بيليد الحنان، وخال ابنتها سمادار التي قتلت في عملية انتحارية في القدس سنة 1997، فجعل موتُها الأسرةَ كلها أكثر إصراراً على طلب السلام.
كان ميكو بيليد يتحدث في غرفة في مجلس العموم البريطاني بدعوة من مجلس تحسين التفاهم العربي - البريطاني (كابو)، وأدار الجلسة التي استمرت حوالى ساعتين النائب جون دينام، وكان نصفها الثاني للرد على أسئلة المستمعين، وبينهم امامي عجوز من أعضاء كابو كانت تهز رأسها باستمرار مبدية الموافقة على ما تسمع.
لو أن مفكراً فلسطينياً من أرقى مستوى، مثل الدكتور وليد الخالدي مثلاً، عرض القضية الفلسطينية من بدئها حتى اليوم، ورحلة العذاب بينهما لما زاد على ما قال ميكو بيليد الذي ألّف كتاباً بعنوان «ابن الجنرال: رحلة إسرائيلي في فلسطين» أشرت إليه في هذه الزاوية من دون عرضه لأنني كنت أقدم إلى القراء كتاب أخته، وهو كتاب ردت فيه على تهم تشويه صورة اليهود في الكتب المدرسية العربية بإظهار كيف تشوه الكتب المدرسية الإسرائيلية صورة الفلسطينيين والعرب.
كلمة ميكو بيليد كان عنوانها «ما وراء الصهيونية، نموذج جديد للسلام في فلسطين/ إسرائيل».
هو قال إن التقسيم أعطى أكبر جزء من أرض فلسطين للمجموعة الأقل عدداً فقد كان الفلسطينيون سنة 1947 ثلاثة أضعاف اليهود في فلسطين. غير أن الرواية الرسمية الإسرائيلية هي أن: العرب (لا يقولون فلسطينيين) رفضوا التقسيم وحاربوا ونحن انتصرنا. أول رئيس إسرائيلي حاييم وايزمان قال: نحن طلبنا منهم أن يبقوا إلا أنهم رفضوا.
المتحدث قال إن الحقيقة هي أن مئات القرى والمدن الفلسطينية دمرت، والفلسطينيين هاجروا أو هجّروا بعد 12 شهراً من الهجمات الإرهابية عليهم التي انتهت بإعلان قيام إسرائيل (الذكرى 65 للنكبة الشهر المقبل).
في الحديث عن حرب 1967 التي أصبح أبوه ماتي بيليد داعية سلام بعدها، قال إن الحكومة الإسرائيلية وجدت فرصة لتدمير الجيش المصري، وقتل في الحرب 15 ألف جندي مصري مقابل 700 إسرائيلي، وهي نسبة غير معقولة.
ميكو بيليد زار قطاع غزة وقال إن الفقر فيه لا يصدق، وهناك مجارير مفتوحة، والقطاع معسكر اعتقال (من النوع النازي) فيه مليونا شخص.
وهو أشار إلى محاولات في إسرائيل لاختراع تاريخ جديد، فقد غيّرت الأسماء ودمرت الآثار، واستقدم عشرات المؤرخين لتغيير التاريخ القديم المعروف. وهناك في إسرائيل ألوف المعتقلين خلافاً للقانون الدولي.
ميكو بيليد قال إن الوضع الحالي في إسرائيل لن يستمر وهو شبهه بنظام أبارتهيد، أو التفرقة العنصرية في جنوب أفريقيا، وقال إن البيض هناك لم يهزموا في معركة إلا أنهم استفاقوا يوماً وقرروا أن الوضع الذي هم فيه لا يمكن أن يستمر ويجب التغيير. وهو رأى أنه سيأتي يوم يستفيق الإسرائيليون على وضعهم ويقررون أنه لا يمكن أن يستمر.
هو أكد للحاضرين أن حركة السلام في إسرائيل باقية وأن أعضاءها لن يكلّوا أو يملّوا في طلبهم السلام.
أقول إن حركة السلام في إسرائيل ليست رجلاً وأخته، وإنما هناك ألوف يظلون أقلية في وجه موجة اليمين الحالية في السياسة الإسرائيلية، إلا أنهم نشطون جداً، ويضمون مثقفين بعضهم من أساتذة الجامعات وطلابها، ويساندهم يهود آخرون من دعاة السلام حول العالم.
هؤلاء الناس يمكن عقد سلام معهم غداً، ويجب أن يقدر جهدهم وأن يشجعوا على الاستمرار فيه.
«كيري» يعد بسلام في المنطقة..
يوسف الكويليت- الرياض
لا نعرف نوايا السياسة الأمريكية، ولكننا نقيسها على منجزاتها، وخاصة ما يربطنا بها من علاقات تبنى على المشاركة والمصالح المتعددة، ونعرف يقيناً، ألا عواطف بهذه الروابط طالما موازين القوى ترجح كفة الدولة الأعظم والأقوى، وأمريكا متشابكة العلاقة في منطقتنا سواء أمنياً، أو عسكرياً، أو اقتصادياً..
فقد خاضت عدة حروب معنا رأت - من وجهة نظرها - أنها مشروعة ونراها العكس، وبايعت إسرائيل منذ إنشائها، أنها الحليف الأهم من كل دول المساحة الأكبر والسكان الأكثر، وهذا أمر أثر علينا، ولكنه يأتي لصالحها، ومشكلتنا مع هذه الدولة ليس فقط العلاقة غير الحميمة والمنصفة، وإنما الانحياز إلى حد التجني في العديد من المواقف..
فهي لا ترى لنا دوراً يميزنا أكثر من التبعية لها، ومع ذلك تشجع الحرية والديموقراطية، وحق الإنسان العربي، لكنها تضع الحواجز أمام أي تطور سياسي أو اجتماعي يبعد هيمنتها على هذه الدول ونظمها، وهذ التعامل خلق عداءً مكشوفاً ومبطناً، حتى أن الانخراط في الشيوعية، واليسار العربي، والتبعية للمنظومة الاشتراكية والقيام بأدوار تخدم أيدلوجيتها اليسارية بالانقلابات، والتفجير، وخطف الطائرات، ثم انحسارها وبروز ظاهرة الإرهاب الحديث الذي ينتهج خطاً إسلامياً متطرفاً، هو نتاج السياسة الأمريكية في المنطقة وفق قناعات العديد من المواطنين والساسة العرب..
الشأن الفلسطيني، هو القضية التي لا تجد العدل في التعامل من قبل أمريكا وقد عرفنا كيف تعطلت فرص الحلول منذ «فوستر دالس» وحتى «هلري كلينتون» ومن سياسة حافة الهاوية، مروراً بالخطوة خطوة، وانتهاء بوعود الدولتين الفلسطينية والإسرائيلية والتي لا تزال مجرد وعد ترفضه إسرائيل، ولا تباركه، بشكل عملي أمريكا..
«جون كيري» وزير الخارجية الأمريكية الجديد، رجل مؤهل لمنصبه، ويقال إنه شخصية يريد - مع الرئيس أوباما - سد مختلف الثغرات السياسية الملتهبة في منطقتنا وغيرها، وقد توقع سلاماً إسرائيلياً فلسطينياً خلال عامين، وهي الفترة الأخيرة لرئاسة أوباما، لكن النوايا والوعود لا تكفي بل العمل الجاد، فقد طرح العرب مشروعاً متكاملاً كان يصلح أن يكون قاعدة للحل، وأعطوا تنازلات عديدة، لكن لم يقابلها أي نوع من الإيجابيات مع إسرائيل، وأمريكا لا نقول مع أصحاب الأماني أنها تملك ٩٩٪ من الحلول بالضغط على إسرائيل والتي تدرك أن الحليف الأكبر مازال لا يتعارض بأفكاره وفعله معها..
المنطقة تشهد الآن تطورات متسارعة، بعضها يأتي لصالح إسرائيل وخاصة جوارها مع سوريا التي صار وضعها يحتاج عشرات السنين لبناء ما هدمه الأسد، وبقية الدول ليس بينها وبينهم تلك التقاطعات الصعبة، إلا إذا برز نظام متطرف يأخذ اتجاهاً إسلامياً أو وطنياً، وهذا من حيث التأثير قد يكون مضراً، ولكنه سهل الاحتواء، وتبقى أمريكا هي من يدرك كيف تُدار المصالح وتعطى الحلول التي تخدم الجميع.
البترول في العراق «نموذج من قصص الخيال»
د. أنور أبوالعلا- الرياض
العراق ليست فقط هي إحدى الدول الأساسية الخمس (المملكة، فنزويلا، ايران، العراق، الكويت) المؤسّسة لمنظمة الاقطار المصدرة للبترول (أوبك)، بل أيضاً من عاصمتها على ضفاف دجلة بغداد (مدينة الرشيد والحجّاج ومسرور السيّاف وليالي الف ليلة وليلة) انطلق أوّل إعلان لتأسيس أوبك عام 1960 لتكون أوّل ثورة تقوم بها حكومات الدول المستضعفة على طغيان شركات البترول العالمية.
بتاريخ 2 أبريل 2013 (قبل أسبوعين) صدر تقرير إدارة معلومات الطاقة الأمريكية EIA عن تحليل الطاقة في العراق مستفتحاً بالعبارات التالية: العراق لديها خامس (بعد المملكة، فنزويلا، كندا، ايران) احتياطي بترول في العالم،وتجاوزت ايران كثاني أكبر منتج للبترول في أوبك بنهاية عام 2012. القليل فقط من حقول بترول العراق تم تطويرها وتعتبر العراق من أكثر الأماكن القليلة في العالم التي حتى الآن تركت معظم مواردها الهايدروكربونية من غير أن يتم استغلالها بالكامل.
يستطرد التقرير قائلاً: رغم أن العراق لديها احتياطيات مؤكدة ضخمة من البترول إلا أن إنتاجها بقي أقل كثيراً من الطموحات المستهدفة بسبب الخلافات السياسية. لقد قفز تقدير احتياطي العراق المؤكد من 115 مليار برميل عام 2011 إلى 141 مليار برميل عام 2013. وتتركز معظم احتياطيات بترول العراق في الجنوب منطقة الطائفة الشيعية وفي الشمال منطقة الطائفة الكردية بينما لم يتبقَ إلا القليل تحت سيطرة الأقلية السنيّة في الوسط.
لقد بلغ إنتاج العراق 3 ملايين برميل في اليوم عام 2012 معظمه يأتي من ثلاثة حقول فقط هي حقل كركوك وحقلي شمال وجنوب الرميلة.
مابين الأعوام 2008 – 2010 وقّعت وزارة البترول العراقية عدة عقود مع شركات البترول العالمية لوضع خطة طموحة لرفع طاقة إنتاج البترول العراقي إلى 12 مليون برميل في اليوم بحلول عام 2017 ولكن لم يلبث الأمر طويلاً حتى تم تخفيض هذا الهدف إلى 9.5 ملايين برميل في اليوم ثم أيضاً تبين أن حتى هذا الهدف لن تتمكن العراق من تحقيقه.
سنترك التقرير ونبدي بعض الملاحظات. يلاحظ أن التقرير يعتبر احتياطي بترول كندا (وهو غير تقليدي) أكبر من احتياطي بترول العراق (المعروف بأنه بترول تقليدي) هذا الخلط بين أنواع البترول الذي أصبح شائعاً في الوسط البترولي هو دليل واضح على أن البترول التقليدي من نوع احتياطيات البترول المكتشفة قبل عام 2000 (نهاية القرن الماضي) قد بلغت الآن الذروة وبدأ إنتاجها في التناقص ولايوجد احتمال لاكتشافات جديدة منه في العالم ولذا بدأ العالم ينتقل مضطراً تدريجياً إلى تطوير البترول غير التقليدي (الذي كان معروفاً حتى قبل البترول التقليدي) ولكن صعوبة وارتفاع تكاليف إنتاجه ناهيك عن أضراره التي حتى هذه اللحظة لم يستطع الإنسان تقديرها جعلت الإنسان يصرف عنه النظر ويؤجل استغلاله إلى الوقت الذي تضطره الحاجة الملحة حيث لا يوجد بديل للبترول.
لقد لعب الخيال دوره في تقديرات بترول العراق فزعمت الأسطورة أن منابع بترول الخليج (شماله وجنوبه وشرقه وغربه) وبترول بحر قزوين وروسيا تنبع (تتسرّب) جميعها من سرداب كربلاء وسط العراق وأنه يجب على العراق أن يزيد إنتاجه من البترول حتى تجف حقول البترول خارج العراق ويحتكر العراق وحده جميع حقول بترول العالم.
«القلق الاستراتيجي» في سورية انتهى... لكن «موسم المفاجآت» مستمر
راغدة درغام- الحياة اللندنية
أوضح الرئيس السوري بشار الأسد تماماً ما في ذهنه وعمقه في حديثه الى قناة «الإخبارية» السورية هذا الأسبوع، ومن أهمه قوله ان مرحلة «القلق الاستراتيجي» انتهت، وان «لا خيار لدينا سوى الانتصار. ان لم ننتصر، فسورية ستنتهي». هكذا لخّص الأسد مَن هو وما ينوي القيام به، ورافقه تأكيد نائب وزير خارجيته فيصل المقداد ان «تنحي الأسد يعني زوال سورية عن الخريطة»، كما قال لصحيفة «الغارديان»، رابطاً مصير البلد بمصير الرجل. تزامن ذلك مع طمأنة روسية الأسد بأن لا داعي لقلق استراتيجي لأنها الحليف المستمر في رفض تنحّيه وفي توفير السلاح والعتاد له طالما يحارب «القاعدة» في سورية لإبعاد ارهابها وعملياتها عن روسيا والشيشان. وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف يستخدم سورية ورقة لخدمة موسكو في المعادلة الاستراتيجية الثنائية بين الولايات المتحدة وروسيا. لا داعي لـ «قلق استراتيجي» يتطلب من دمشق تغيير التوازنات بعدما طمأنت موسكو حليفها الأسد بأنها هي أيضاً ترهن مستقبل البلد بمستقبل الرجل. كلاهما قرر التلويح في وجه واشنطن والعواصم الأوروبية بورقة «القاعدة» لبثّ الرعب بين صفوفها وشعوبها، وربطا أي دعم للمعارضة السورية بتنظيم «القاعدة» مع التحذير من أفغنة سورية وعواقب ارتداد ذلك على الغرب بإرهاب على نسق 9/11.
هذا التشدد أتى عشية استضافة اسطنبول «مؤتمر اصدقاء سورية»، بمشاركة وزراء وممثلين من 11 دولة اعتبر لافروف انها تلعب دوراً «سلبياً» في النزاع السوري، مؤكداً ان «ذهاب الرئيس الأسد يجب ألا يكون الأولوية، وإذا كان كذلك فهذا سيؤدي الى موت الكثير من الأبرياء». هكذا تحقن الديبلوماسية الروسية القيادة السورية بالإصرار على «الانتصار»، فيما تدعي موسكو انها تريد «الحوار» من أجل عملية سياسية انتقالية في سورية نص عليها اتفاق جنيف الذي وافقت عليه. ويبدو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورفيقه لافروف عازمين على إبعاد «القاعدة» وأخواتها من المجموعات الإسلامية عن المدن الروسية وعن الجمهوريات الإسلامية الخمس بأي ثمن حتى وإن كان «انتهاء» سورية إذا لم يحقق نظام الأسد «الانتصار». بوتين سحب صفحة من تجربة الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش في العراق في حربه على ارهاب «القاعدة»، فكلاهما استخدم مدناً عربية لإبعاد الإرهاب عن المدن الروسية والأميركية. كل منهما وضع عنواناً مختلفاً لحربه في كل من العراق وسورية. بوش قالها صراحة وعلناً إن حرب العراق كانت لإبعاد الإرهاب عن المدن الأميركية. لافروف يقولها وراء الأبواب المغلقة ويصارح بها عندما يشتد غضبه وعنفه، موضحاً ان حرب بوتين في سورية هي من أجل روسيا، انها معركة موسكو لإخماد «القلق الاستراتيجي» لدى القيادة السورية وتحقيق «الانتصار» للنظام على حساب البلد. هكذا تماماً سبق أن ضللت موسكو الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين أثناء مكابرته الشهيرة و «البقية تاريخ»، كما يقول المثل.
موسكو تنتقم في سورية لتاريخها في العراق. انها تكابر أيضاً رداً على ما تعتبره اهانة واستخفافاً بها عندما تحالفت دول حلف شمال الأطلسي (ناتو) مع دول مجلس التعاون الخليجي في مسألة ليبيا. قرر بوتين الانتقام للكرامة القومية الروسية وإنشاء حلف الممانعة الذي يضم روسيا وإيران و «حزب الله» وتدعمه الصين بدرجات متفاوتة نظراً إلى التحالف الروسي – الصيني الذي يسيّر العلاقات والمصالح الاستراتيجية للبلدين. اليوم، ما يريده بوتين في سورية هو الانتقام الاستراتيجي والانتصار العسكري. لذلك يستمر في دعم النظام عسكرياً، ويطالب الآخرين بعدم دعم المعارضة عسكرياً، ويراهن على عقيدة الرئيس الأميركي باراك أوباما بعدم التدخل عسكرياً أينما كان. انها حرب موسكو في سورية.
المسؤولية الأخلاقية تدعو موسكو ومعها واشنطن وعواصم الدول الصناعية الثماني ودول مجلس التعاون الخليجي وإيران وجميع المعنيين بالحرب في سورية أو المعركة على سورية، الى أخذ مسألة اللاجئين الى الجوار والمشردين داخلياً في سورية بجدية.
ملايين السوريين مشردون أو نازحون أو لاجئون الى دول مجاورة غير قادرة كبنية تحتية على تحمل هذا التدفق الكبير من اللاجئين اليها. أخلاقياً، هناك مسؤولية تترتب على اللاعبين كافة، بغض النظر عن مساندتهم للنظام السوري أو رفضهم له. حان الوقت للكف عن الاختباء وراء الإصبع والتظاهر بأن هذه ظاهرة ستزول قريباً وسيعود الناس الى بيوتهم سالمين. فالبيوت دُمِّرت، والمعركة مستمرة حتى «الانتصار»، كما أكد الأسد. ولا مؤشر في الأفق – أقله اليوم – لتفاهمات دولية على حلول سياسية تتطلب كأمر بديهي إلغاء منطق «الانتصار».
على مجلس الأمن الدولي، إذاً، ان يفصل بين عجزه السياسي ومعارك أعضائه على تفسير اتفاق جنيف، وبين ما يجب عليه القيام به نحو اللاجئين السوريين الى الدول المجاورة وما يمثله تدفقهم اليها واضطرارهم للبقاء فيها مطوّلاً من تهديد حيوي، اقتصادي وأمني وسياسي واجتماعي لهذه الدول.
لبنان والأردن يريدان من مجلس الأمن ان يشارك في تحمل هذه المسؤولية لأنها حقاً تهدد الأمن والسلم ولأن هذين البلدين غير قادرين على تحمل العبء وحدهما، بل إن البنية التحتية فيهما مهددة بالانهيار.
لبنان بالذات في حاجة الى مسارعة الأسرة الدولية اليه عبر مجلس الأمن، والوكالات الخاصة التابعة للأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، ودول مجلس التعاون الخليجي من أجل تمكين قدراته العملية على العناية باللاجئين. فلبنان لن يتمكن من التأقلم مع وصول أكثر من مليون سوري الى أراضيه وارتفاع عدد اللاجئين اليه يومياً مع امتداد المعارك في سورية.
تقاسم الأعباء ليس مجرد شعار وإنما هو حاجة ماسة. الأوروبيون يهربون الى الأمام عندما تُطرح أفكار استضافة دول أخرى هؤلاء النازحين الى حين اعادتهم إلى بلادهم. ويتذرّعون بأن هذه قد لا تكون رغبة النازحين. اسألوهم. بالطبع انهم لم يختاروا النزوح من بلادهم ولم يختاروا النزوح الى لبنان للبقاء فيه. اسألوهم ان كانوا جميعاً يفضلون البقاء في لبنان لخمس أو عشر سنوات فيما يُعاد بناء بيوتهم في ظروف انهيار البنية التحتية اللبنانية وازدياد الأخطار الأمنية. هذا عذر للتهرب من تقاسم الأعباء والاستضافة الموقتة للنازحين السوريين في دول أوروبية. هناك حاجة إلى التوقف عن الهروب الى الأمام للدول الأوروبية والدول العربية التي تتذرع بعدم استعداد النازحين للتوجه اليها موقتاً بدلاً من بقائهم في لبنان.
السلطات اللبنانية مقصّرة أيضاً نظراًَ إلى انشغال الجميع بتأليف حكومة ووضع قانون انتخاب. ولا شك في أن عليها إعطاء الأمر أولوية ووضع آليات لطمأنة المانحين بأن الأموال تُستخدم لغاياتها الحقيقية. فالمانحون يتذرّعون بعدم وضوح الأولويات والآليات، وقد حان سحب البساط من تحت أقدام الأعذار. ولا يجوز للدول المانحة ان تقف متفرجة، أو ان تعد ولا تفي بوعودها، فيما لبنان على وشك الانهيار الاقتصادي خصوصاً إذا تعذر على رئيس الحكومة المكلف تمام سلام تأليف حكومة قريباً أو إذا بقيت المعركة على قانون الانتخابات في سلة المزايدات السياسية. أمر اللاجئين يتطلب الحكمة من الجميع، وإلا فإنه يهدد مصيرهم ومصير الدول المضيفة لهم على السواء.
هناك ملامح توافق دولي على احتواء انزلاق لبنان الى الانفجار تمثلت في الإجماع على تمام سلام رئيس حكومة. هذا التوافق ما زال في عيادة الولادة ويتطلب عناية فائقة. وقد تكون عودة الدور السعودي في لبنان لرعاية الوفاق انفرادية، انما هناك ما يفيد بأنها ليست من دون تفاهمات اقليمية ودولية. ويكمن الامتحان الحقيقي لهذه التفاهمات، خصوصاً مع ايران، في المواقف النهائية لحلفاء الأخيرة من الحكومة وقانون الانتخابات. فإذا لم تستمر أجواء الوفاق، ستكون أجواء المواجهة آتية. فالمعركة على لبنان هي أيضاً اقليمية بامتياز.
البعض قرأ إقبال أطراف «8 آذار» التي تضم «حزب الله» والتيار العوني بأنه دليل على استنتاجهم ان الضعف البنيوي للنظام السوري بات ينذر بنهاية قريبة له. وأفادت معلومات أطراف في المعارضة السورية بأن اسرائيل أيضاً باتت جاهزة تماماً لسحب أي غطاء حماية للنظام في دمشق بعدما استنتجت ان انتصاره العسكري ليس وارداً. وإسرائيل لن تريد انتصاراً للقاعدة وأمثالها، لكنها ترى ان الإنهاك المتبادل بين السنّة والشيعة في سورية يخدمها ويخدم مصالحها. وهي لن تريد انتصاراً عسكرياً إما لإيران في سورية، أو للقاعدة في سورية. فسورية بمثابة «فيتنام» لكليهما، وقد تكون أيضاً «فيتنام» «حزب الله» إذا تورط في القتال أكثر. وتتمنى إسرائيل ازدياد تورط «حزب الله» عسكرياً داخل سورية لإنهاكه، وكي يتشرذم من داخله ويضرب بنفسه منطق احتفاظه بسلاحه من أجل المقاومة.
مرحلة «القلق الاستراتيجي» لربما انتهت في ذهن الرئيس السوري لكنها قائمة بكثافة في ذهن حليفيه في طهران ولبنان.
أما «الانتصار»، فإنه يتطلب من النظام استمرار القصف الجوي والصاروخي لمدنه وقراه تحت شعار مكافحة الإرهاب وربما اللجوء الى تصعيد نوعي يخشى البعض ان يؤدي الى استخدام الأسلحة الكيماوية. بيد أن روسيا ترفض اعطاء الضوء الأخضر لهذا التطور النوعي الذي سيقلب المعادلات العسكرية ويؤدي الى تدخل عسكري غربي تخشاه موسكو. المعركة حتى «الانتصار» أو «الانتهاء» تتطلب ضخ السلاح والمال في بلد لن يكون فيه محصول زراعي هذا الموسم وباتت عملته في حال انهيار. وكل من طرفي النزاع سيجد نفسه أمام افلاس في معادلة «الانتصار» لأن مموّلي «الانتصار» أنفسهم قد لا يتحملون كلفته باهظة. ولذلك، لم ينته بعد موسم المفاجآت.


رد مع اقتباس