اقلام واراء حماس 382
9/7/2013
نقابة الصحفيين، هذيان في حضرة الدماء؟!
لمى خاطر / فلسطين اون لاين
السقوط في بئر 30 يونيو..!
أسامة عبد الرحيم / المركز الفلسطيني للاعلام
حسابات خاطئة
يوسف رزقة/ الرأي
دماء الحرية على أعتاب رمضان
حسن ابو حشيش / الرأي
مرسي سجين الرئاسة
د.فايز أبو شمالة / المركز الفلسطيني للاعلام
لرِّدَّة الثورية في مصر وعِبْرةُ الانقلابات التركية
محمد مختار الشنقيطي / المركز الفلسطيني للاعلام
نقابة الصحفيين، هذيان في حضرة الدماء؟!
لمى خاطر / فلسطين اون لاين
منذ بدء الأحداث التي أفضت للانقلاب الأخير في مصر، كان واضحاً أن هناك اصطفافاً لدى أطراف فلسطينية بعينها إلى جانب المطالبين بإسقاط الرئيس مرسي والتنكر لنتائج صندوق الانتخابات، وهذه الأطراف تمثلت بحركة فتح وفصائل اليسار الفلسطيني، فلم يكن صعباً ملاحظة الشماتة والتشفي بمصير مرسي ومعه خيار ناخبيه، يوم أعلن العسكر إقصاءه، وأتوا بغيره على ظهر دباباتهم.
من جهة، كان مفهوماً أن يكون هذا موقف من رفضوا ابتداءً نتائج الانتخابات الفلسطينية عام 2006، يوم ركلتهم خارج صناديقها وغدت مصالحهم مهددة بالمساس، فطالبوا بانتخابات مبكرة بعد بضعة أشهر على انتخاب حماس. وكان مفهوماً ومتوقّعا أن يتصدّر خلاف بعض القوى الأيديولوجي مع حماس كلّ ما سواه من تقاطعات، حتى وفلسطين تحت الاحتلال، وحتى وحماس تمثّل رأس حربة المقاومة ورافدها الأهمّ والأقوى!
ومن جهة أخرى، فإن الانحياز الأعمى إلى جانب فريق الانقلابيين في مصر كان في جانب منه عملية تصفية حساب مع حماس، مع ترقّب أو تمنّ لأن تواجه الحركة وضعاً مشابهاً لوضع التيار الإسلامي في مصر، بعد تآمر أطراف عدة لإسقاط تجربته، كما حدث قبل ذلك في عدة ساحات عربية وإسلامية.
أما السقطة غير المتفهمة أو المبررة فهي ذلك البيان الآثم الذي صدر عما يسمى نقابة الصحفيين الفلسطينيين متضمناً انحيازاً سافراً لفريق متآمر على خيار الشعب المصري، وفي يوم تلوّثت يداه بمئات الضحايا شهداء وجرحى. فأن يقول البيان بكل صفاقة: "ونؤكد وقوف الصحفيين الفلسطينيين ممثلين بنقابتهم في القدس الشريف إلى جانب خيار الشعب المصري وثورة 30 يونيو كمسار تصحيحي لثورة 25 يناير"، يعني أن آخر مسحة للحياء قد سقطت عن هؤلاء الذين أعمتهم الكراهية وتشبّعت نفوسهم بالحقد، فلا عاد للدم في عرفهم قيمة، ولا لخيار الشعب وزن أو اعتبار، وهذا ليس غريبا، فالديمقراطية والحرية لدى طائفة من النخب الإعلامية والسياسية الجديدة في عالمنا العربي لا يتجاوز مفهومها الشعارات الجوفاء، أما عند تطبيقها على أرض الواقع فإن المعايير كلها قابلة للتحوّل والتزييف، خصوصاً إذا ما أفرزت إبعاداً لهم قليلاً عن دائرة الضوء!
لن أتطرق لأكوام النفايات الكلامية التي تناثرت خلال الأيام القليلة الماضية في الفضاء الإعلامي من قبل نفر من الإعلاميين عديمي الضمير، ممن يكتفي الواحد منهم بحضور برنامج (توك شو) على إحدى فضائيات المارينز المصرية، ثم يخرج على المنابر الإعلامية الفلسطينية ملقياً ما حفظه من نظريات متهتكة وأحكام سقيمة!
لكن واجب كل إعلامي وصحفي فلسطيني حرّ داخل فلسطين وخارجها أن يتبرّأ من هذه الوضاعة الأخلاقية الممارسة باسمه، ومن هذا الإجرام بحق خيار الشعوب وإرادتها، خصوصاً حين تصدر عمّن هم في الأصل عالة على النضال الفلسطيني، ومن يتحدث عنهم رصيدهم الأسود في تزيين القبائح وتزوير الحقائق.
أما حديث الثورة، والتمييز ما بين غثّها وسمينها، فلن يكون في يوم من الأيام من مهمات المأجورين، ولاعقي أحذية مشغليهم، صغروا في مراتب الطغيان أم كبروا. كما لن يشرّف الثورات النظيفة أن يشهد لها عاشقو الظلام وأعداء الحرية وتجار السموم الفكرية، ومن ينحاز للانقلابيين وسافكي الدم لا يمكن أن يكون حرّا، فضلاً عن أن يكون إنسانا!
السقوط في بئر 30 يونيو..!
أسامة عبد الرحيم / المركز الفلسطيني للاعلام
"إسقاط شرعية مرسى"، هذا ما أقسمت واتفقت عليه السفيرة الأمريكية مع إخوة يوسف، هؤلاء الذين رأوا أن الرئيس وجماعته أحب إلى الشعب منهم ؛ ولذلك تم انتخابه ولمدة أربع سنوات كافية - إن مرت دون ترهيب أو تخريب- أن تجعل الشعب ربما يفكر مرة أخرى في إعادة انتخابه، هذا إن لم يظهر من هو أفضل وأكثر كفاءة منه.
إخوة يوسف منهم أشقاء وغير أشقاء تجمعهم المصلحة في إسقاط الرئيس في غيابة الجب يوم 30 يونيو، لينتهي أمره ولا يبقى أمام الشعب إلا خيار واحد، وحتى يتقبل الشعب نتيجة المؤامرة جاؤوا على قميص الرئيس بافتراءات كذب وسول الإعلام لهم أعمالهم.
إخوة يوسف ليسوا جميعهم أبناء شرعيين للثورة، ولا يمتون لـ 25 يناير بصلة أمثال ﻋﻤﺮﻭ ﻣﻮﺳﻰ ﻭﻣﺮﺗﻀﻰ ﻣﻨﺼﻮﺭ وتهاني الجبالى وأبو ﺣﺎﻣﺪ ﻭﺍﻟﺰﻧﺪ وأتباع ﺷﻔﻴﻖ وأرامل ﻣﺒﺎﺭﻙ ﻭﻋﻠﻤﺎﻧﻴﻴﻦ ﺿﺪ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻭﺭﺍﻗﺼﺎﺕ ﻭﺑﻌﺾ ﺍﻟﻤﻤﺜﻼﺕ ﺍﻟﺴﺎﻗﻄﺎﺕ ﻭﻣﺨﺮجو أﻓﻼﻡ إباحية ﻭﻗﺘﻠﺔ ﺧﺎﻟﺪ ﺳﻌﻴﺪ ﻭﺑﻌﺾ ﺍﻟﻘﻀﺎﺓ ﺍﻟﺸﺎﻣﺨﻴﻦ ﺍﻟﺬﻳﻦ أقاموا ﻣﻬﺮﺟﺎﻥ ﺍﻟﺒﺮﺍﺀﺓ ﻟﺠﻤﻴﻊ ﻗﺘﻠﺔ ﺍﻟﺜﻮﺍﺭ.
يوم 30 يونيو يعيد التاريخ إخراج المشاهد ذاتها يوم أن قرر أبناء يعقوب عليه السلام إلقاء أخاهم في غيابة الجب، السيناريو ذات السيناريو مع اختلاف في المسميات وبعض التفاصيل الهامشية، والدافع في كلتا الجريمتين واحد الحسد وبغض اختيار الله ليوسف نبياً في الحالة الأولى دوناً عن إخوته، ورئيساً في الحالة الثانية دوناً عن المتمردين والمتثورجين الجدد.
في الحالة الأولى كان الشيطان يتولى مهمة الإنتاج والإخراج وكتابة السيناريو، ووقف عند حافة البئر يصرخ في وجه المتمردين "مشهد إلقاء يوسف كلاكيت أول مرة...آكشن"، ويوم 30 يونيو سيأتي الشيطان رغم كبر سنه ووهن عظمه وسيقف عند حافة الاتحادية يصرخ في وجه السفيرة الأمريكية والفلول والعميان والبلطجية والمتمردين ويعيد نفس الكلام ولكن بملل..!
لكن هل فكر إخوة يوسف في بدائل ما بعد 30 يونيو؟!، أشك في ذلك؛ ويقيني انه بعد أن يبكي الشعب على إسقاط الرئيس المنتخب – لا قدر الله- وتبيض عيناه من الحزن، سينزوي شيطان الإعلام من هول البدائل المتاحة وهي إما ﺛﻮﺭﺓ إسلامية ﻛﺎﻣﻠﺔ ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ، أو ﻓﺘﻨﺔ ﺗﺸﻌﻞ ﺍﻻﺧﻀﺮ ﻭﺍﻟﻴﺎﺑﺲ في ﻣﺼﺮ، أو ﺭﺋﻴﺲ ﻛﻞ ﺷﻬﺮﻳﻦ تسقطه أقل ﻣﻈﺎﻫﺮة ﻗﺒﻞ أن ﻳﻘﻀﻰ ﻣﺪﺗﻪ، ولسان حال كل فئة من الشعب "ﻫﻮ ﺣﻼﻝ ﻋﻠﻴﻚ تخلع رئيس وﺣﺮﺍﻡ عليّ"..!
كلنا نحتاج إلى تسليط أضواء ساطعة على الذين يقولون الحقيقة قبل السقوط في بئر 30 يونيو، علينا وضع ثقتنا في الرئيس المنتخب ومنحه فرصته كاملة، علينا أيضا احترام الثورة التي احترمها العالم وردم كل بؤر الخراب، وقص الحشائش التي تحاول عرقلة خطوات الرئيس المنتخب.
الرئيس مرسي قدره أن يتعامل مع سرطان الفساد الكامن في كل ركن وزاوية وتحت كل حجر منذ عهد مبارك، ولذلك نحتاج إلى نشر كلام الذين يؤازرون الحق ويقولون الحقيقة، أمثال عصام سلطان وأيمن نور ووائل قنديل واحمد فهمي ود.محمد عباس وغيرهم ممن تحركهم مصالح الوطن، لا من تحركهم جبهة الخراب أو السفارة الأمريكية.
أي رئيس منتخب من الشعب في هذه الفترة كان حتماً عليه أن يفتح بمشرط الجراح أورام وأوجاع الوطن، وان يعتصرها من القيح والصديد المتغلغل في أحشائه منذ عشرات السنين، تعرية الفساد وفضح كل فاسد هي مهمة أي رئيس أتى في هذه الفترة سواء أكان دكتور مرسي أو غيره، وإن لم يفعل ليكون من الظالمين.
والفساد مؤلم ومتشعب وله أنياب داخل أروقة الوطن، جعلت الجميع يرفعون أكف الضراعة إلى الله لكي يكشف عنهم تلك الغمة، وحتى كتابة هذه السطور ما زال الاحتقان والحشد مستمرا من قبل المتمردين والعميان تحركهم دبي والسفارة والطمع في إعادة الشعب إلى حظيرة الطاعة، وإعادة تدوير وإنتاج دولة مبارك بوجوه أخرى، ولكن وكما يقول إخوتنا السوريون "هيهات منا الذلة"، انتظروا يوم 30 إنا معكم منتظرون وسيعلم الذين تمردوا أي منقلب أسود ينقلبون.
حسابات خاطئة
يوسف رزقة/ الرأي
قلنا في مقال الأمس:إن حل عقدة الانقلاب ممكن ما لم يسفك الدم الحرام، فماذا عسانا أن نقول بعد أن سفك الدم الحرام بغزارة غير مسبوقة، وفي بيت من بيوت الله، في صلاة الفجر، في الركعة الثانية في ركن السجود، قبيل رمضان المبارك بيوم أو يومين على أكثر تقدير؟ .القتل كان غدرا، وكان انتقاما، أكثر من 50 قتيلا ومئات الجرجى في أقل من ثلاث ساعات؟ .القتل كان مباشرا ومتعمدا، ولا يحمل أي معنى من معاني الرجولة، أو نيل الخصومة، ولايدل على قوة وصلابة الأرض التي يقف عليها القاتل؟!
القتل كان بالرصاص الحي، وبالخرطوش، وكانت ثمة عرقلة لعمل سيارات الإسعاف، وتحفظ استبدادي على الجرحى في المستشفيات. ومع أن كل الشهادات الحية تدين الجيش وتحمله مسئولية الدماء، وتصف الحدث بالجريمة وبالمجزرة، إلا أن الجيش يبرر ما حدث بلغة الأنظمة القديمة، رغم أن الصور تكذب رواية الجيش.
القتل المتعمد، والقتل الذريع على هذا النحو خرج من رحم الارتباك الذي دخل فيه قادة الجيش، بعد أن قدرت (سي إن إن) عدد المتظاهرين أول من أمس في القاهرة والمحافظات بخمسة وأربعين مليون متظاهر لاستعادة الشرعية.
الارتباك أن أنتج القتل العشوائي الذريع، لم ينتج فقط من كثرة الأعداد المطالبة بالشرعية وبمحاكمة قادة الانقلاب فحسب، فهو أيضا متأثر بحالة الفشل في تشكيل الحكومة من شخصيات وطنية محترمة، فكل المحترمين يرفضون العمل مع الانقلاب مهما كانت أسبابه ومبرراته.
الارتباك الذي أنتج القتل الدموي خرج من رحم الحسابات الخاطئة لقادة الانقلاب، وهي حسابات خاطئة على المستوى المحلي وخاطئة أيضا على المستوى الدولي، ولو عقل قادة الانقلاب أن عاماً من الحرية الديموقراطية في عهد محمد مرسي قد انتخب مع الثورة جيلا ًجديداً، وعالماً مصرياً متغيراً جداً لا يخاف الدولة ولا رجل الأمن ولا رجل الجيش.
ربما أخطأ محمد مرسي في بعض الأعمال الإدارية، ولكنه نجح نجاحاً باهراً وغير مسبوق في العالم العربي في باب الحريات العامة وإرساء قواعد الديمقراطية، وحرية الإعلام، ونزاهة القضاء، وحفظ الدماء، وسيادة القانون، وسيبقى هذا النجاح هو المعيار الذي يقيس به الشعب المصري.
التجارب التالية. الآن يترحم الشباب والمثقفون والوطنيون على حكم محمد مرسي، ويتمنون لو دام في الحكم أربع سنوات، حيث لا دم ولا اعتقالات، ولا استبداد بقوة السلاح.
اليوم الشعب المصري كله عدا المنافقين يمنحون محمد مرسي والإخوان شهادة تزكية، وشهادة طهارة، ويسخرون من كل القنوات الإعلامية المنافقة، ويحتقرون جبهة الانقاذ، ويتهمونها بالضلوع في الانقلاب، وسرقة الثورة، وعودة الجيش إلى الحكم.
أمام مشهد الدم استفاق حزب النور، وحزب مصر القوية، من غفلتهما التي رسمت معالمها وخيوطها كراهيتهم للإخوان وخصومتهم لهم.
استفاق هؤلاء بعد أن منحوا الجيش رخصة قيادة، ورخصة لسفك الدم، ورخصة لهدم الحرية والديموقراطية التي ظللهم بها محمد مرسي على حساب شخصه ومنصبه كرئيس محترم منتخب للجمهورية.
الدم خرج من هذه الأرحام كلها، ومع ذلك فرصة للحل فثمة فرصة للحل بمبادرة من الجيش باحترام الشرعية، وثمة فرصة للنصر أمام الشعب ما تمسك بالسلمية، وما تمسك بالحريات وبحقوقه بلا خوف من الدم.
دماء الحرية على أعتاب رمضان
حسن ابو حشيش / الرأي
أمام الدماء البريئة الطاهرة تسقط كل محاذير اللفظ ، ويتوقف كبح رسم القلم، إنها الدماء التي هي أعز عند الله من الكعبة أقدس ما في الأرض.
فُجعنا كلنا أمام مجزرة الفجر، نسبة لأولئك الذين كانوا يصلون الفجر في أحد ميادين مصر والذين يحتجون على الانقلاب على رئيسهم المُنتخب، وصُدمنا من بشاعة مجزرة الحرس الجمهوري نسبة للاعتصام الذي كان أمام مبنى الحرس الجمهوري الذي أطلق النار على المعتصمين المصلين.
دماء غالية حارة و ولكنها رخيصة في سبيل حرية الإنسان، وفي سبيل الدفاع عن الاختيارات والإرادات، هذه الدماء جاءت لتعبر عن أزمة ديمقراطية في مصر في مراحلها المعقدة والمتطورة، جاءت بعد مذبحة الإعلام المعارض، والاعتقالات والمطاردات، وشيطنة الشرعية والرئيس مرسي وأنصاره من التيارات الاسلامية والوطنية، هذه المذبحة المركبة للإنسان المصري طالت حريته وصوته ورأيه ودمه ...هذه ليست نتائج ثورة ، أو تصحيح ثورة، أو امتداد ثورة، بل هذه نتائج وملامح انتقام وتصفية حسابات .
إن كل الأطراف التي باركت عزل الرئيس مرسي ممن كانوا أنصاره قبل ذلك من أمثال حزب النور السلفي ، وحركة السادس من إبريل ، وحزب مصر القوية برئاسة عبد المنعم أبو الفتوح... يتحملون مسئولية هذه الحالة لتوفيرها الغطاء، وكذلك شيخ الأزهر وبابا الكنيسة.
وأرى أن الإعلام الأسود وكبار إعلامي رجال الأعمال المنتقمين يقفون على رأس المسئولية ، لأنهم يكذبون ، ويُحرضون ، ويُعتمون ،ويقلبون الحقائق، ويُتاجرون بالدماء، ويُفبركون ويصنعون الأكاذيب ...
إن هذه الدماء تُوضح حجم المؤامرة التي تتعرض لها مصر وجيشها وشعبها وتاريخا ودورها، الأمر أكبر بكثير من مرسي وشرعيته، إنه الاستهداف العميق لكيانية مصر وعروبتها وإسلاميتها ... الأمر الذي يتطلب من العقلاء والحكماء وأهل الرأي والسداد بالتدخل السريع والقوي وممارسة الضغوط لنزع الفتيل، وترتيب أوضاع مصر لتعود حرة وقوية بعيدا عن الماضي الذي يرغب في إبقائها في مربع التبعية والخنوع والتيه والتخلف.
وخاصة أننا على أعتاب شهر رمضان المبارك ،شهر الطاعات والبركات والرحمات، وشهر إحقاق الحق، وإبطال الباطل ... حفظ الله مصر، وحقن دماء شعبها، وأعاد لها الأمن والأمان والاستقرار .
مرسي سجين الرئاسة
د.فايز أبو شمالة / المركز الفلسطيني للاعلام
قبل أن تعزل قيادة الجيش المصري الرئيس محمد مرسي، كان الرجل سجيناً في قصر الرئاسة، فلا هو بالرئيس الفعلي للشعب المصري؛ الرئيس القادر على اتخاذ القرارات الميدانية التي تتواءم وطموح الثوار، وتلهب حماس الجماهير، وتعزز من الولاء والانتماء والثقة بالغد الذي يعد فيه الرئيس، ولا هو بالمواطن الذي يطف بالطابور. ظل الرئيس المصري سجيناً في قصر الرئاسة لمدة عام كامل، يحسب عليه كل قصور مجتمعي، ويحاسبه الشعب على أخطاء الآخرين، ويلقي على كاهله بعبء انقطاع الكهرباء، ونقص الوقود، وارتفاع الأسعار، وانخفاض قيمة الجنيه المصري مقابل الدولار.
لقد تعامل المواطن المصري مع الرئيس المنتخب على أنه مصدر القرار، ومصدر الفعل والتشريع والتقريع، وأنه واجهة مصر السياسية، حتى تم عزله، ليكتشف المواطن العربي المصري أن رئيسه المنتخب لم يكن السبب في العلل والأمراض التي أصابت مصر على مدار عام، لقد اكتشف المواطن العربي المصري أن أنصار الدولة العميقة؛ هم من كبل ساقي الرئيس المنتخب، وهم من أحبط خطواته التصحيحية، وحرف مسار قراراته المصيرية، لقد اكتشف المواطن العربي المصري أن رئيسه المنتخب كان سجيناً في قصر الرئاسة، لا حول له ولا تأثير على مجمل الحدث الحياتي واليومي للمجتمع المصري، فالدولة التي عمق أركانها حسني مبارك ما زالت تعمل بانسجام تام، وبكامل طاقتها، ونجحت على مدار عام كامل في تجويع وترويع وتجريع الشعب المصري مرارة العيش كي يكفر بقراره، ويغير مساره، ويهتف ضد إرادته.
لقد اندهش المواطن المصري من سرعة المتغيرات، ففي غضون أربع وعشرين ساعة من عزل الرئيس مرسي تم حل أزمة غاز الطهي، وتم توفير الوقود، فلا طوابير على محطات الوقود، ولا مشاكل للكهرباء المصرية التي تفيض عن حاجة المجتمع. فأين هو الخلل؟ ومن هم أولئك الذين تعمدوا فعل العجز، وتعمدوا إفشال أول تجربة ديمقراطية لانتخاب رئيس مصري؟.
لقد صار الدكتور محمد مرسي رئيساً حقاً للشعب المصري بعد أن صار سجيناً، لقد أطلقت الأسوار أجنحة الرئيس، فصار يرفرف بالحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية على كل قطاعات الشعب المصري، الذي أدرك أن رئيسه المنتخب كان مظلوماً.
الشعب المصري الذي عرف الظلم والقهر والإذلال من نظام حسني مبارك يرفض أن يرى رئيسه مظلوماً، الشعب المصري سيتحول بقضه وقضيضه من منتقد لحكم مرسي، إلى متعاطف مع مرسي، ومع الأيام سيتحول مزاج معظم المصريين من معترض على طريقة عمل الرئاسة إلى معترض على قرار عزل الرئيس المنتخب.
لقد صار مرسي السجين رئيساً، بعد أن كان مرسي الرئيس سجيناً.
لرِّدَّة الثورية في مصر وعِبْرةُ الانقلابات التركية
محمد مختار الشنقيطي / المركز الفلسطيني للاعلام
في عام 1980 قاد الجنرال كنعان إفرن انقلابا عسكريا ضد الحكومة الديمقراطية التركية. وكان الرئيس الأميركي جيمي كارتر في حفل موسيقي بهيج حينما جاءه اتصال من ضابط ارتباط لوكالة الاستخبارات الأميركية (سي آي أي) يقول: "لقد فَعلَها غلماننا"!! وقد اعترف مدير مكتب السي آي أي في أنقرة آنذاك بول هنزي بأن وكالته كانت تقف وراء الانقلاب. وهكذا ابتهجت واشنطن بسيطرة ثلة من الجنرالات المرتبطين بأجهزتها السرية على أزمَّة الأمور في تركيا، وانفتح باب من الاضطراب الاجتماعي والعنف السياسي والجدْب الاقتصادي في تركيا أعواما مديدة.
ويبدو الشبه بين مصر وتركيا مغريا بالمقارنة. فكلتاهما دولة مسلمة مركزية في عالم البحر المتوسط، وكلتاهما راهنت عليهما واشنطن مدة مديدة في إستراتيجية التحكم التي تنتهجها في المنطقة، وكلتاهما ارتبطت الدولة العميقة فيها بصلات وثيقة مع إسرائيل. وها نحن نشهد بعد ثلاثة وثلاثين عاما من انقلاب كنعان إفرن في تركيا انقلابا للجيش المصري على أول رئيس نجح في أول انتخابات حرة نزيهة في تاريخ مصر، واعتقال الرئيس الوحيد في تاريخ مصر الحديثة الذي لم تحدث اعتقالات سياسية في حكمه. فليس مما يُستغرَب أن يكون الأتراك قيادة وشعبا هم أشد المستنكرين للانقلاب العسكري الأخير في مصر.. لقد ذاقوا طعم الانقلابات على السلطة الشرعية في بلادهم مرارًا، ومن ذاق عَرَف.
لم يأت الانقلاب المصري من فراغ، بل كان حصاد عوامل عدة، منها الطريقة التي خرجت بها الثورة المصرية إلى الوجود، ومنها تصاعد قوة الفلول التي لم تطأطئ رأسها للثورة إلا ترقبًا لفرصة سانحة للانقضاض عليها، ومنها تراكم من الأخطاء والخطايا التي ارتكبتها قوى الثورة المصرية، ومنها -وهو الأهم- النية المبيَّتة من واشنطن وحلفائها من الجنرالات المصريين.
إن السبب الأول للارتباك والردة الثورية التي شهدتها مصر اليوم والجذر العميق للأزمة المصرية اليوم هو الميلاد المريب للثورة المصرية المخالف لمنطق كل الثورات. لقد ولدت الثورة المصرية خِداجًا غير مكتملة النمو، إذ صحبها انقلاب عسكري منذ أول يوم بحُجَّة حمايتها، وغايته هي وأدها في نهاية المطاف. فالقادة العسكريون الذين اعتادوا طيلة حكم مبارك حياة البذخ والدَّعة، وجمع المال الداخلي والخارجي، وبناء العلاقات السياسية والأمنية بالولايات المتحدة، قرروا -بالتنسيق مع الظهير الأميركي- التضحية برأس النظام، والإبقاء على جسده.
وهكذا تولى العسكريون التطويح بحسني مبارك وكفلوا له محاكمة السبعة نجوم الشكلية التي شاهدها العالم، ثم استلموا منه السلطة باسم الشعب في مهزلة لم يعرف تاريخ الثورات لها مثيلا. فمتى كان رئيس مخلوع بثورة شعبية وريثا على عرش تلك الدولة لمن يشاء وكيف يشاء؟! لكن ذلك ما حدث بالفعل حينما أعلن عمر سليمان تخلي مبارك عن السلطة وتسليمها للمجلس العسكري!!
وهكذا فاز الشعب المصري في ظاهر الأمر بانتصار سهل على الاستبداد، لأن جيشه العظيم -كما قيل حينها- قد انحاز للشعب ضد الفرعون. لكن الثورات السهلة خدَّاعة، لأنها في ظاهرها انتصار مظفَّر على قوى الاستبداد بثمن معقول من الدماء والأموال، وفي حقيقتها مجرد تضحية بالجناح الأضعف من النظام المثار عليه لصالح الجناح الأقوى والأرسخ جذورا، وهو ما يكون وصْفة جاهزة لإعادة إنتاج النظام الاستبدادي عند أول سانحة. وهذا ما حصل في مصر حينما تمت التضحية بعائلة مبارك والحزب الوطني، لصالح أجنحة أخرى من النظام القديم هي الجيش والقضاء والأمن والإعلام.
وهكذا كان لا بد من لحظة مفاصلة بين الثورة المصرية والانقلاب العسكري الذي لبس لبوسها يوم ميلادها، وجاءت المفاصلة لصالح الانقلاب على حساب الثورة بكل أسف، حينما أطاح جنرالات حسني مبارك بأول رئيس ينتخبه المصريون بحرية خلال سبعة آلاف عام من عمْر دولتهم العتيقة.
ولم تُحسن قوى الثورة المصرية التي كانت وقود ثورة 25 يناير، تشخيص المخاض الذي أسفر عنه الانهيار السهل والسريع لسلطة حسني مبارك. فقد أسفر سقوط مبارك عن وجود معسكريْن اثنين: معسكر الثورة وهو يجمع كل القوى المدنية الإسلامية والعلمانية التي اشتركت في الحراك الشعبي ضد مبارك، ومعسكر الدولة العميقة المرتبطة بالنفوذ الأميركي، وأقوى أطرافها الجيش والأمن مُسلَّحيْن بالقضاء والإعلام. ولم تقرأ قوى الثورة الخريطة بتمعُّن، واندفع الشعب الثائر -ومن ورائه الشعوب العربية- إلى الاحتفاء بثورة ناقصة، والابتهاج بنصر خادع سرعان ما تبيَّن أنه سراب بقيعة.
لقد كان الثوار المصريون صبيحة سقوط مبارك بحاجة إلى من يذكّرهم بما خاطب به الشهيد عبد القادر حشَّاني قادة الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الجزائر يوم نصرها المؤزَّر في الانتخابات البرلمانية، حيث قال: "إن مخاطر النصر أكبر من مخاطر الهزيمة." وكان الخطأ القاتل الذي اسْتوت القوى الإسلامية والعلمانية المصرية في ارتكابه -باختلافٍ في الدرجة لا في النوع- هو التعامل مع المنافسين السياسيين من داخل الثورة باعتبارهم أعداءً، والتعامل مع الأعداء من خارج الثورة باعتبارهم أصدقاء. فبدأ التطبيل لـ"جيش مصر العظيم" المُجرَّد عن الأهواء والمصالح، و"قضاء مصر النزيه" الذي لا تشوبه شائبة، وغير ذلك من خرافات مهلكة ساهمت قوى الثورة ببراءة في تسويقها، وتعاملت قوى الثورة مع المجلس العسكري وقيادة القضاء الدستوري على أنهما شريكان في الثورة، لا بقايا من مواريث النظام القديم.
والواقع أن جيش مصر -مهما تكن عظمته- يقوده جنرالات تجار أثْروا من أموال الشعب المنهوبة، ومن التمويلات الأميركية المريبة، وانسلخوا من ثقافة الدفاع عن حمى الوطن وروح التضحية والنزال، وأن قضاء مصر -مهما تكن نزاهته- تقوده هيئات قضاء دستوري صنعها مبارك على عينه، وشرَّع بها كل الموبقات التي ارتكبها ضد شعبه خلال ثلاثة عقود، وحينما سقط مبارك كانت هاتان المؤسستان -الجيش والقضاء- هما أعتى مؤسسات الدولة العميقة المتربِّصة بالثورة، وأحسنها تخطيطا وتنظيما، وأشدها مِراسا وشكيمة.
وكان أسوأ ما عانته الثورة المصرية، والسبب الذي أودى بها في نهاية المطاف، هو عدم احترام بعض قوى الثورة المصرية لقواعد تنظيم الخلاف في كل الديمقراطيات. لقد قصَّرت جلُّ القوى الثورية المصرية بعضها في حق بعض، لكن الإنصاف يقتضي عدم المساواة بين أخطاء الإخوان وخطايا خصومهم: فما فعله الإخوان من الاستئثار بالقرار كان خطأ في التقدير ونقصا في الحكمة السياسية، ساعد عليه عدم التجاوب من شركاء الثورة، ولم يكن خروجا على الشرعية الديمقراطية التي جاءت الثورة لوضع أسسها، وما فعله الآخرون كان خروجا على جوهر العقد الاجتماعي الذي انبنت عليه الثورة، وهدما لأركان الديمقراطية المصرية الوليدة التي تسع الجميع.
لقد احتج شركاء الثورة على الإخوان بتراجع شعبية الرئيس محمد مرسي، وبالعجز عن توفير الخدمات الأساسية للمواطن، وبالاستفراد بصياغة المرحلة الانتقالية دون توافق... وهي كلها حجج صحيحة أساء فيها الإخوان إلى أنفسهم وإلى الثورة. لكن ذلك لا يسوغ الجريمة التي ارتكبتها بعض قوى الثورة في التحالف مع قوى الدولة العميقة المعادية للثورة، والمتحالفة مع القوى الدولية الطامعة، والعمل معها للتطويح بأول رئيس منتخَب، اتباعا للمبدأ العبثي المُهلك: "عليَّ وعلى أعدائي". لكن ذلك ما فعلته -بكل أسف- بعض قوى الثورة المصرية، فدلت على ضعف ثقتها بنفسها، وعدم التزامها المبدئي بالتحاكم إلى قواعد تنظيم الخلاف الديمقراطي.
إن الثورة المصرية ليست بِدْعًا من الثورات، والديمقراطية المصرية ليست بدعة بين الديمقراطيات. والحكومات الديمقراطية في كل أرجاء الأرض تنجح وتفشل، ويَحسُن أداؤها ويَسوء، دون أن يعني ذلك تأثيرا تلقائيا على شرعيتها. فإذا أحسنت الحكومة المنتخَبة فلا يمنحها ذلك حقا تلقائيا في تمديد ولايتها دون رجوع إلى صناديق الاقتراع، وإذا قصَّرتْ أو أخطأت فلا يعني فقدانًا تلقائيًّا لشرعيتها دون رجوع إلى صناديق الاقتراع. وحينما طالبت بعض قوى الثورة المصرية بتدخل الجيش للإطاحة بمرسي كانت شعبية مرسي أكبر بكثير من شعبية الرئيس الفرنسي هولاند، لكن لا أحد في فرنسا يفكر في الانقلاب على هولاند، مما يدلُّنا على البون الشاسع بين ديمقراطية عمرها سنتان، وأخرى عمرها قرنان.
لقد سلَّم شباب أغرارٌ وسياسيون أنانيون مصر إلى أعتى مؤسستين من مؤسسات نظام مبارك، وهما الجيش والمحكمة الدستورية العليا، وحوّلوا ميدان التحرير من مُلْهمٍ لكل شعوب العالم قبل عامين إلى مطية للطغيان والدكتاتورية العسكرية اليوم، وسلموا مصر من جديد إلى الراعي الأميركي الذي وقف وراء الاستبداد العسكري في مصر مدة أربعين عاما. وقد أحسن الرئيس محمد مرسي إذ رفض التنازل تحت ابتزاز الجنرالات، وتمسك بالعهد الذي قطعه أمام شعبه.
على أن ما جرى في مصر هو أبعدُ ما يكون عن الشأن المحلي الصرف، ومن هنا أهمية العبرة التركية. فثمة أوجه شبَه عديدة بين الانقلاب المصري الحالي وبين الانقلابات العسكرية الثلاثة التي تتالت في تركيا، بفاصل عقْد من الزمان بينها، وهي انقلاب 1960، وانقلاب 1971، وانقلاب 1980. ومن أوجه الشبه هذه:
* تقديم الانقلاب زورا وبهتانا على أنه استجابة لتطلعات الشعب، وإنقاذ للديمقراطية من قوى سياسية تهددها.
* ممارسة الجيش للسطلة السياسية من وراء واجهة مدنية، وفرض نفسه حَكَما في القضايا السياسية والإستراتيجية الكبرى. فهو متحكم في الحاكم، وليس حاكما بالمعنى التقليدي المكشوف.
* تولّي العسكريين السلطة في شكل جماعي، لا في شكل دكتاتورية فردية. فكان مجلس الأمن القومي التركي هو الحاكم الفعلي، وها هو المجلس العسكري في مصر يطمح إلى الدور ذاته.
* تنفيذ العملية الانقلابية بعد إصدار الجيش إنذارا إلى السلطة المدنية. وهو ما حدث في تركيا قبيل انقلاب 1960 وانقلاب 1971، ورأيناه في مصر منذ أيام 2013.
* استخدام القضاء الدستوري مظلة لتشريع حكم الجيش، فالمحكمة الدستورية التي أسسها الانقلابيون الأتراك تشبه كثيرا المحكمة الدستورية المصرية التي نصّب الجيش رئيسها رئيسًا مُؤقتًا للدولة.
والسبب في هذا الشَّبه المريب بين نمطيْ التفكير والتنفيذ لدى الجيشين التركي والمصري في انقلابهما على الشرعية هو أن الولايات المتحدة كانت ذات صلة وثيقة بالانقلابات التركية، وهي اليوم على صلة وثيقة بالانقلاب في مصر، رغم تظاهرها بغير ذلك.
وهي تسعى من خلال هذا الانقلاب إلى استمرار الإمساك بالتوجه الإستراتيجي المصري، وإفشال الثورة المصرية، وإرباك الربيع العربي كله. فالانقلابات التركية والمصرية خرجت من مشكاة واحدة هي الرؤية الإستراتيجية الأميركة لدور كل من تركيا ومصر في المنطقة. كما أن بعض القادة العرب الموالين لواشنطن ليسوا بعيدين عن الإسهام بمالهم وإعلامهم في الرِّدة الثورية بمصر، وسيظلون غارقين في محاولة إفشال الثورات في الدول العربية الأخرى حتى تغشاهم الثورة في ديارهم وهم غافلون
إن الشعوب العربية لم تعد مفعولاً بها كما كان الحال في الماضي، بل هي اليوم فاعلة وممسكة بمصائرها، وسيظل الغرب وأتباعه في منطقتنا حريصين على بقاء الشعوب خانعة للاستعباد، لكن المعادلة الداخلية هي التي تحدد الاستجابة الخارجية، وليس أمام الإخوان المسلمين والقوى الثوريّة المساندة للشرعيّة في مصر اليوم سوى العودة للفعل الثوري، والتمسك بالتعبئة الشعبية الدائمة بصبْر ودأَب، حتى تعود القوى الثورية الأخرى إلى رشدها، وتقبل احترام الشرعية الدستورية، وينتزع الشعب المصري حقه من قوى الدولة العميقة وأحلافها في الخارج المصرِّين على فرض وصايتهم على أمتنا دون حق.
بعد ثلاثة عشر عاما من انقلاب الجنرال كنعان إفرن، شقَّت تركيا طريقها إلى الحرية السياسية والازدهار الاقتصادي والانسجام الاجتماعي. وبعد مضيِّ اثنين وثلاثين عاما على ذلك الانقلاب قدَّمت القيادة الشرعية للشعب التركي الجنرال الانقلابي كنعان إفرن إلى المحاكمة وهو في التسعينيات من عمره، لا لتحكم عليه بالعقوبة التي يستحق -فتقدُّم سنّه واعتلال صحته لا يسمحان بذلك- وإنما ليدرك الجنرال العجوز في حياته عاقبة التعدي على حرية الشعب، ولتفهم القوى الدولية المُدمنة على استعباد الشعوب من خلال القادة العسكريين الأنانيين أن عصر الاستعباد مضى إلى غير رجعة. فالتاريخ لا يرحم من يحتقرون إرادة شعوبهم في عصر الحرية ولا يتركهم من غير محاسبة.
إن تجارب انقلاب الجيش على السلطة المنتخَبة في عصرنا تجاربُ مريرة، فقد أدت إلى مقتل حوالي مائتيْ ألف شخص في الجزائر خلال التسعينيات، وأشعلت حربا أهلية في غرب السودان راح ضحيتها الآلاف وانشطرت الدولة السودانية، وحوّلت باكستان إلى دولة فاشلة.. وفي عددها ليوم 2/4/ 2012 قدمت صحيفة "صاندي زمان" التركية حصيلة لحكم الجنرال كنعان إفرن: اعتقال 650000 شخص، ومحاكمة 230000 شخص، و517 حكما بالإعدام، و299 حالة وفاة بسبب التعذيب أو ظروف السجن السيئة.. وليس هذا هو المصير الذي يتمناه أي مصري أو عربي لمصر.
إن مصلحة مصر هي أن لا يهنأ مغتصبو السلطة بما اغتصبوه، وأن تتوحَّد القوى الثورية المصرية -من أنصار مرسي ومعارضيه- على الوقوف لهم بالمرصاد في لحظة تحدٍّ ومفاصلة مع الاستبداد، تستوعب أخطاء السنتين الماضيتين وخطاياهما، وتنطلق إلى المستقبل بثقة وتآخٍ وأمل.. فالرجوع إلى الحق أوْلى من التمادي في الباطل.
وبذلك يبرهن الشعب المصري -كما فعل دائمًا- أنه شعب حرٌّ أبيٌّ، وليس ذلك الشعب المتخاذل الخانع لخائني الأمانة من عبيد السُّوء، الذين هجاهم المتنبي بقوله:
أكلَّما اغتـال عبدُ السُّـوء سيِّـدَهُ *** أو خـانه فلَـهُ في مصرَ تمهيدُ؟!


رد مع اقتباس