اقلام واراء عربي 452
17/7/2013
في هـــذا الملف:
ماذا سيفعل كيري؟
بقلم: عبدالله إسكندر عن الحياة اللندنية
رأي القدس: مهمة كيري الفاشلة
بقلم: أسرة التحرير عن القدس العربي
ما هي الخطوة التالية لـ«الإخوان»؟
بقلم: عثمان ميرغني عن الشرق الأوسط
رحم الله الإخوان
بقلم: ثرو ت الخرباوي عن الدستور المصرية
"حكايتهم" مع عبدالناصر
بقلم: يوسف الحسن عن الخليج الاماراتية
واشنطن نصيرة الارهاب
بقلم: أحمد الجارالله عن السياسة الكويتية
ماوراء الأخبار.. عيّنة من حكام الخليج
بقلم: عز الدين الدرويش عن تشرين السورية
كلمة الرياض: تونس.. هل تستنسخ الحالة المصرية؟!
بقلم: يوسف الكويليت عن الرياض السعودية
حقائق أميركيّة... مذَبْذَبة!
بقلم: الياس الديري عن النهار البيروتية
هل تتحول سوريا إلى أفغانستان الشرق الأوسط؟!
بقلم: عبد المنعم ابراهيم عن أخبار الخليج البحرينية
الحروب العربية العربية
بقلم: جمال الشواهين عن السبيل الأردنية
ماذا سيفعل كيري؟
بقلم: عبدالله إسكندر عن الحياة اللندنية
تواجه الولايات المتحدة أكثر الأوضاع تعقيداً في الشرق الأوسط منذ أن امتد اهتمامها ونفوذها إلى هذه المنطقة من العالم. إذ يترافق تعقد الأزمات المتراكمة، خصوصاً الصراع العربي - الإسرائيلي وعملية السلام على المسار الفلسطيني، مع المواجهات العنيفة داخل الكيانات مع عملية تفكك الدول والمجتمعات وإعادة خلط الأوراق كلها.
يضاف إلى هذا الوضع الذي لا سابق له منذ الاستقلالات العربية ومنذ اندلاع الصراع العربي - الإسرائيلي، توسع التمدد الإيراني إلى المنطقة ومحاولات اختراقها عبر الحمية الطائفية والقوة العسكرية التي يشتبه بطموحها الى السلاح النووي، ربما للمرة الأولى منذ انهيار النفوذ الصفوي فيها. كما يُضاف اليه تطلع تركي مستند بدوره الى حمية طائفية، الى استعادة نفوذ وعلاقات انحسرت عن المنطقة مع انهيار الامبراطورية العثمانية.
تواجه الولايات المتحدة اليوم هذا الوضع المثقل بالأزمات والانفجارات الراهنة، وبصدى التراكمات التاريخية وحروبها وآلامها وما تركته من جروح غائرة في الذاكرة الجمعية والفردية. وهو الوضع الذي يبدو ان الإدارة الأميركية لا تزال تعجز عن فهمه واستيعاب معطياته، وتالياً القيام بالدور الذي يمكن أن يتوقع منها كقوة رئيسية في العالم منخرطة منذ عقود طويلة في قضايا المنطقة حيث لها مصالح استراتيجية.
وتفاقم هذا العجز مع الإدارة الأميركية الحالية التي يبدو أنها، من اجل عدم تكرار تجربتي أفغانستان والعراق، تتمهل جداً في التعامل مع الأزمات المتفجرة بفعل الربيع العربي وعلى جوانبه. في الوقت الذي يتطلب كل من هذه الأزمات استجابات سريعة للمتغيرات المتسارعة، وأجوبة مباشرة وصريحة. هكذا، وفي إطار الهلع من تورط عسكري نتيجة انزلاق ما، تطيل هذه الإدارة إجراءات اتخاذ القرار، سواء عبر كبار المسؤولين في البيت الأبيض أو عبر الكونغرس ولجانه. فبدت إدارة مترددة وعاجزة، وتعبر عن مواقف ملتبسة وأحياناً تقول الشيء ونقيضه.
وعندما يتحادث وزير الخارجية الأميركي جون كيري مع نظرائه العرب في عمان اليوم، هل يحمل معه أجوبة على الأسئلة التي يطرحها هذا الوضع في المنطقة؟ وإذا لم يكن يحملها لماذا يتحمل عناء هذا السفر مجدداً إلى المنطقة التي كان فيها قبل أسابيع؟ ألا يكفي ما يقوم به مساعدوه هنا وهناك، في هذه العاصمة وتلك، من دون ان يعرف لماذا جاءوا وبماذا عادوا؟
يمكن، في الولايات المتحدة، للأكاديميين والعاملين في الجامعات ومراكز الأبحاث أن يأخذوا كامل الوقت الضروري لفهم ما يجري واقتراح الحلول. لكن تأخير القرار السياسي المطلوب من الإدارة الأميركية يترجم على الأرض في بلادنا تفاقماً للأزمات وانسداداً في حلولها، وتصعيداً في التوترات والمواجهات، إن لم تكن ترجمته قتلى وجرحى ومشردين وتدميراً. أي أن التردد والعجز الأميركي يترجم في بلادنا بمآس مباشرة وتعميق لنزاعات حالية. وتكاد ترى بالعين المجردة لائحة المآسي الممتدة من الخليج، مروراً بالعراق وسورية، وصولاً إلى مصر والمغرب العربي، والمتأتية من التردد والالتباس في المواقف الأميركية.
صحيح أن أزماتنا ترتبط بعوامل ذاتية كثيرة، ومسؤوليتها تقع علينا أولاً، لكن المسؤولية الأميركية تكمن ليس في خلق هذه الأزمات، وإنما في معالجة عاجزة وناقصة لما يمكن أن تقول انه دفاع عن مصالحها الاستراتيجية. فهي من جهة تنظر إلى هذه المصالح من رؤية شاملة للمنطقة وتريد معالجة كل من مشكلاتها على نحو منفصل. وبالنتيجة تفاقمت المشكلات بدل أن تجد حلولاً مقبولة... والأرجح أن زيارة كيري للمنطقة هذه المرة لن تخرج المواقف الأميركية من ترددها والتباساتها، ما يعني تعميق مأزق أزماتنا واستمرار مآسينا.
رأي القدس: مهمة كيري الفاشلة
بقلم: أسرة التحرير عن القدس العربي
محاولة وزير الخارجية الامريكي جون كيري الايحاء بالجدية والقدرة على احداث اختراق بمفاوضات السلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين، تبدو فاشلة، فكيري مثله مثل غيره من المسؤولين بالادارة الامريكية، كلما سدت اسرائيل الابواب بوجوههم، جاؤوا يطالبون الفلسطينيين بتنازلات جديدة.
واليوم وهو يبدأ مساعيه الجديدة في سادس زيارة للمنطقة، من الواضح ان السياسة الامريكية لم تتغير، فهي ابتزاز الفلسطينيين، وتلويح بوقف المساعدات، ولكن ما يجب ان يدركه الوزير الامريكي، انه اذا كان لا يحمل في جعبته غير الضغط على العرب والفلسطينيين، فهو يحكم على مساعيه بالفشل.
وكان موقع ‘والاه’ الاسرائيلي كشف عن تهديدات الولايات المتحدة للرئيس الفلسطيني محمود عباس بقطع المساعدات اذا رفض العودة للمفاوضات، ويبدو ان كيري لن يكتفي بالتهديد بوقف المساعدات، بل من غير المستبعد ان يطالب لجنة مبادرة السلام التي يلتقيها اليوم في عمان، بتقنين المساعدات للفلسطينيين لارغامهم على العودة بدون شروط مسبقة لطاولة المفاوضات المتوقفة منذ ايلول/سبتمبر 2010.
الشروط المسبقة التي تتم الاشارة اليها، ليست اكثر من طلب الاشارة الى ان المفاوضات تستأنف على اساس مرجعية الشرعية الدولية وقرارات الامم المتحدة، وانها تتم على اساس الانسحاب لحدود حزيران 1967، ووقف الاستيطان.
بالمقابل يبدو ان كيري غير قادر على تقديم اي من هذه الضمانات، ويتحدث عن تقديم اجراءات ‘حزمة ثقة’ بعد العودة للمفاوضات، مثل اطلاق بعض قدامى الاسرى في السجون الاسرائيلية وتسهيلات واتفاقات اقتصادية.
امام هذا الابتزاز، لا بد للفلسطينيين من اتخاذ موقف واضح من عبثية الاستمرار في المفاوضات. فجهود كيري او بالاحرى ضغوطه، يجب ان لا تعني دفن الخيارات الفلسطينية الاخرى مهما كانت بسيطة، ومنها مثلا خفض مستوى العلاقات والتنسيق مع السلطات الاسرائيلية والتراجع عن بعض المواقف والتنازلات المجانية التي اعطيت بالسابق، مثل مبدأ تبادل الاراضي، والاهم من ذلك استئناف برامج الانضمام لمنظمات الامم المتحدة، بعد اعتراف الجمعية العامة للامم المتحدة بفلسطين كدولة غير عضو في المنظمة الدولية.
وكما تقول السلطة الوطنية، فانها اعدت ملفات لتقديمها للانضمام الى 16 منظمة دولية، ضمن التحضير للانضمام لـ64 منظمة.
ما يثير التعجب هو تردد السلطة الفلسطينية باتخاذ هذه الاجراءات، رغم ان الاعتراف بفلسطين كدولة غير عضو تم في 29 تشرين الثاني/نوفمبر من العام الماضي، بينما اسرائيل تواصل اجراءاتها التعسفية وتحديها للقرارات الدولية، وكان آخر تحدياتها اعلانها يوم امس وبالتزامن مع وصول كيري للمنطقة، انها بصدد اقرار بناء الف وحدة سكنية جديدة في المستوطنات، بعد قرار الاتحاد الاوروبي مقاطعة المستوطنات في الضفة الغربية والقدس المحتلة.
ما هي الخطوة التالية لـ«الإخوان»؟
بقلم: عثمان ميرغني عن الشرق الأوسط
من ضمن الأخبار المتواترة من مصر كان هناك خبر يبدو مثل النكتة، وفحواه أن أحد مسؤولي «الإخوان المسلمين» قال إنهم سيطالبون بتمديد فترة ولاية مرسي عندما يعود للحكم لأن الأيام التي قضاها حتى الآن معزولا لا تحتسب ضمن ولايته القانونية. المشكلة أن «الإخوان» لا يعتبرون مثل هذا المطلب نكتة، لأنهم أقنعوا أنفسهم بأنهم سينجحون في استعادة الرئاسة التي أضاعوها بهذه العقلية التي ترفض الاستماع لصوت الشارع وتبدو منفصلة عنه وبعيدة عن قراءة التطورات واستيعابها.
كان الاعتقاد السائد دائما أن «الإخوان» أذكياء وميكافيليون إلى أبعد الحدود، يعرفون كيف يركبون الموجة، ومتى ينحنون أمام العاصفة. لكنهم في الحدث المصري أثبتوا أنهم أمام شهوة السلطة فقدوا القدرة على القراءة الصحيحة وأضاعوا البوصلة، فخسروا الرئاسة والشارع، وعزلوا أنفسهم بتصرفاتهم وسياساتهم وتصريحاتهم التي بدوا معها وكأنهم لا يريدون التحكم في مصر وحسب، بل تصدير القلاقل ونموذجهم إلى دول أخرى.
لقد تصرف «الإخوان» بتعال شديد مع الشعب المصري، وصموا آذانهم عن سماع صوته بعد أن حسبوا أن صعود تيار الأحزاب الإسلامية على ظهر الثورات العربية يمثل فرصة ويعطيهم قدرة على فرض مشيئتهم وبرامجهم، وأنه لا المعارضة ولا مظاهرات الميادين ستكون قادرة على إطاحتهم. ضمن هذا الفهم تحركوا باكرا لمغازلة الغرب وخطب ود واشنطن وتطمين إسرائيل، على أساس أن هذا سيعطيهم فرصة ومساحة للتمكن في الحكم، وسيمنع عنهم الضغوط، وسيسهل عليهم القروض والمساعدات، بل وسيحميهم من أي محاولات للإطاحة بهم عبر انقلابات عسكرية. ظهر هذا واضحا في رسائل «الغزل السياسي» في تصريحات مرسي وعدد من قيادات «الإخوان» لوسائل الإعلام الغربية والأميركية بالتحديد، وفي إرسال مبعوثين إلى واشنطن، وفي بث رسائل مباشرة وغير مباشرة باتجاه إسرائيل سواء بتأكيد الالتزام بمعاهدة السلام، أو عبر التوسط مع حماس للتهدئة. كما بدا واضحا خلال الأزمة الأخيرة أنهم راهنوا على أن أميركا ستضغط على الجيش المصري لمنعه من التحرك والانحياز إلى الشعب المحتشد في الميادين.
خسر «الإخوان» كل هذه الرهانات لأنهم أخطأوا في قراءة مزاج الشعب المصري، أو فلنقل غالبيته العظمى، ولأنهم قدموا سريعا صورة لنهج استبدادي في الحكم، وأظهروا نزعة لفرض رؤاهم وتوجهاتهم غير آبهين برأي الناس. ألم يكن المرشد السابق للجماعة محمد مهدي عاكف هو القائل «طز في مصر»، وذلك في سياق تبريره لنظرة الجماعة للحكم العابر للحدود؟ وإذا كان الرجل قد سعى في تصريحات لاحقة لتبرير كلامه، فإنه عاد وأكد مؤخرا نظرة الجماعة الاستعلائية وتخطيطها لفرض برنامجها، عندما نشرت له الجريدة الكويتية تصريحات في أبريل (نيسان) الماضي، قال فيها إن مرسي باق رغم أنف الجميع، وإن مشروع «النهضة» الإخواني سينفذ بعد أخونة الدولة.
هذه هي نظرة «الإخوان» للحكم، وهي التي عزلتهم ثم أدت لإسقاط حكمهم، لكن هل فهموا الدرس وبدأوا مرحلة الاستيعاب الواقعي للأمور؟
حتى الآن لا يبدو أنهم قرأوا الأمر بصورة صحيحة، لذلك أعلنوا المضي في طريق المواجهة لاستعادة السلطة. فإضافة إلى تحركاتهم الظاهرة في الميادين، فإنهم كما يبدو ينسقون مع الحركات الإخوانية الأخرى ضمن تنظيمهم العالمي الذي ورد أنه اجتمع هذا الأسبوع في تركيا للتخطيط لاستعادة الحكم في مصر على أساس أنها الركيزة، وأن خسارة الحكم فيها قد تشجع تحركات في دول أخرى. وعلى الرغم من النفي المتوقع لهذه الاجتماعات السرية الطابع، فإن انعقادها يبدو أمرا منطقيا بالنسبة لهذه الحركات التي تشعر بالخطر من انتشار الظاهرة المصرية. فتركيا ذاتها ارتجت لصوت ميدان التحرير أخيرا عندما اندلعت المظاهرات الغاضبة في ميدان «تقسيم»، ورددت هتافات «ارحل» لأردوغان، وأعربت عن الغضب إزاء «الميول الاستبدادية» لحزب العدالة والتنمية وإزاء خططه لفرض قيود على المجتمع. لهذا لم يكن غريبا أن يسارع قادة الحزب الحاكم في تركيا لانتقاد ما حدث في مصر ووصف تنحية مرسي بأنها انقلاب عسكري، وفي الوقت ذاته تحركوا في البرلمان لتبني تعديل قانوني يهدف لمنع تدخل الجيش وتكرار سيناريو مصر في تركيا.
في هذا السياق يصبح واردا أن تستضيف تركيا اجتماعات التنظيم العالمي لـ«الإخوان»، وأن تبحث هذه الاجتماعات في كيفية التحرك لاستعادة الحكم في مصر. «الإخوان» كما يبدو لا يريدون الخضوع للأمر الواقع، بل يريدون التصعيد لشل الحكومة الانتقالية وعرقلة خططها وتشتيت انتباه الجيش المصري بشغله في معارك سيناء وبالمواجهات المتحركة، على أمل استعادة الحكم بانقلاب مضاد، أو بصفقة لاحقة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، لكنهم في ذلك يجازفون بفقدان ما هو أكثر من الرئاسة بعد أن فقدوا تأييد غالبية المصريين، واستعدوا أطرافا عديدة في الداخل والخارج.
رحم الله الإخوان
بقلم: ثرو ت الخرباوي عن الدستور المصرية
بعد أن تم عزل مرسى بإرادة الشعب المصرى أخذت جماعة الإخوان ترتكب الكثير من الحماقات، ثم تطورت الحماقات فأصبحت جرائم يندى لها جبين أى وطنى يعرف قيمة الانتماء، وما بين جرائم القتل والذبح وما أدناها، وجرائم الخيانة
العظمى للوطن، انغمست تلك الجماعة الخائنة الحمقاء، ولكن الأغرب الذى رأيناه فى الأيام الماضية هو استنجاد الإخوان الصريح بأمريكا، حتى إن أحد الحمقى منهم وقف منذ أيام قليلة على منصة رابعة العدوية قائلا وهو يهتف فى فرحة هستيرية : أبشروا أيها الإخوان، وصلت إلينا الآن الأنباء بأن بوارج أمريكية تقترب من السواحل المصرية لتجبر الجيش الخائن على إعادة رئيسنا مرسى إلى موقعه كرئيس للبلاد، وهنا صاحت جماهير الإخوان «الله أكبر، الله أكبر».
لو كانوا يعتقدون فعلاً بأن «الله أكبر» ما استعدوا الغرب على مصر، ولكنهم لجأوا لكبيرتهم التى قادتهم للخيانة، لجأوا لأمريكا التى كانوا منذ زمن قصير يحرقون أعلامها ويقاطعون بضائعها ويصفونها بأمريكا الصليبية التى تحارب الإسلام ولا تقبل أن يصل الإخوان للحكم، ولكن الحكم يكشف الرجال، ويذل أعناق بعضهم، ويدفع بعضهم للخيانة، ويقود بعضهم للكفر، هو الحكم الذى قضى على مصداقيتهم وأساء لدينهم، وكان السقوط الأكبر عندما طالبت أمريكا بالإفراج عن محمد مرسى! مرسى الذى ارتكب جرائم فى حق الشعب المصرى ويواجه اتهامات عديدة تريد أمريكا أن يخرج سالمًا لا يخضع لمحاكمة، لم تطالب أمريكا من قبل أن يتم الإفراج عن مبارك! ولكن قلبها تفتت حزنًا على المجرم محمد مرسى.
وللتاريخ فإن أمريكا لم تطالب من قبل بالإفراج عن أحد باسمه إلا ثلاثة فقط، هم الجاسوس عزام عزام، والجندى الإسرائيلى جلعاد شاليط، ومحمد مرسى! ومن الخبل الذى أصيب به بعض من كنت أظن أن فى رأسهم عقلاً وفى صدرهم قلبًا، وفى كيانهم مشاعر وطنية، ذلك المنطق الذى يغالطون به الدنيا حينما يقولون إن ما حدث فى مصر هو انقلاب عسكرى، يريدون بذلك أن يعطوا لأمريكا مبررًا لفرض عقوبات على مصر، وهذه أول مرة فى التاريخ يقوم انقلاب عسكرى بإعلان موعده مسبقًا، وهذه أول مرة فى التاريخ يقوم الانقلاب العسكرى بإعطاء الرئيس مهلة أسبوعًا لكى يستجيب لإرادة الشعب ثم مهلة ثمانية وأربعين ساعة، وهذه أول مرة فى التاريخ يقوم انقلاب عسكرى عن طريق خروج الملايين من الشعب، ليس ملايين فقط، ولكن عشرات الملايين، كلها تطالب بعزل الرئيس الفاشل وإنهاء حكم جماعته، بل إن هذه أول مرة فى التاريخ يقوم الانقلاب العسكرى فيها بالاستجابة لمطالب الشعب وإسناد الحكم لرئيس المحكمة الدستورية، ولا يعطى الانقلابيون العسكريون لأنفسهم أى موقع فى الحكم! وهذه أول مرة فى التاريخ يحدد الانقلاب العسكرى موعدًا لإجراء انتخابات رئاسية، وانتخابات برلمان! ومع ذلك فإن الترهات والتخاريف خرجت من أصحاب العقائد الفاسدة لتحويل مصر إلى مقر لفتنة كبيرة، حيث تستدعى هذه الفتنة أمريكا للتدخل فى مصر، وليحكم مرسى من فوق دبابة أمريكية رغمًا عن إرادة الشعب المصرى.
وحينما كنت أكتب فيما مضى عن علاقة الإخوان بالأمريكان كان البعض يظن أننى أبالغ، أو ألقى بالاتهامات دون قرائن، فوضعت فى أحد كتبى وثيقة تعود إلى عام 2005 عن مفاوضات بين الأمريكان والإخوان، فقال السذج من أصحاب النوايا الطيبة، هذا قذف فى حق الإخوان إذ كيف يتفاوض من يحمل شعار الإسلام مع من يحمل راية الصليب؟! والآن ظهرت العمالة واضحة بحيث إذا أنكرها السذج فيجب أن يتهموا عقولهم، ولكى أصحح مفاهيم هؤلاء السذج فإننى سأذكرهم بعلاقة الإخوان بالأمريكان، تلك العلاقة الآثمة التى تريد أن تحول مصر وجيشها إلى بقايا.
كانت علاقة الإخوان بالأمريكان فى السبعينيات مثل السمن على العسل، ولم تكن هذه الحميمية تقلق السادات أو تقلقل خاطره، فقد كانت تتم بعلمه وتحت رعايته، شهد شارع سوق التوفيقية مقر الإخوان وقتها السيناتور الأمريكى الشهير جورج ميشيل وهو يترجل متوجهًا بصحبة نخبة من السفارة الأمريكية لزيارة الأستاذ عمر التلمسانى رحمه الله، كان الحوار وقتها يتناول الواقع السياسى الدولى والحرب الباردة بين الأمريكان والروس ورغبة الأمريكان فى مساعدة الإخوان لهم لمكافحة المد الشيوعى، يعرف الأمريكان كيف يضعون «اللقمة» فوق مائدة الجعان الذى يحلم برغيف الخبز الكامل، ولا يعرف الإخوان أن الأمريكان يصنعون للجوعى فى بلادنا أرغفة خبز بلاستيك لا تسمن ولا تغنى من جوع.
وفى عهد أكثر حداثة وفى ظل الرئيس السابق مبارك، والد المصريين كلهم ووالد الإخوان على حد قول الحاج بديع مرشد الجماعة، خرج علينا الإخوانى محسن راضى «رضى الإخوان عنه وأرضوه» من نافذة الجماعة لكى يضع لنا ملامح حوار الإخوان مع الأمريكان، فيقول والكلمات تتقاطر من فمه كما تتقاطر عربات قطار النقل: هم أى إخواننا الأمريكان يريدون معرفة موقفنا من المرأة ووضع الأقليات وتداول السلطة والديمقراطية، والموقف بالنسبة للعلاقة مع حماس وإيران واتفاقية كامب ديفيد وكل هذه الأمور التى سبق وأن أعلن الإخوان رأيهم فيها أى أن اللقاءات والحوارات تحصيل حاصل، ثم يستطرد الأخ راضى وهو يزين للأمريكان أطايب الطعام الشهى الذى طبخه الإخوان فيقول: لم يمنع الوضع المزرى للأقلية فى البحرين الولايات المتحدة من جعل أرض هذه الدولة مقراً لأسطولها الخامس!!!! يا صلاة النبى أحسن، أهلا وسهلا بالأمريكان وإن تغاضوا عن حقوق الأقليات طالما أنه وأننا وأنهم بكل أنَّات اللغة العربية فى الإمكان أن نجعل من بلادنا محلاً مختارًا لأسطولهم.
وفى ذات الوقت انطلق لسان الإخوان يلعن أمريكا، ولكن لأن اللسان غير الأنف ووظيفتهما تختلف فإنه لا تثريب على أنوف الإخوان إن أدمنت شم التبغ الأمريكى، فقد ذهبت أنوفهم تعدو صوب دخان السيجار الأمريكى الفاخر الذى يتصاعد من السفارة الأمريكية وهى غير مدركة أن كل دخان سيتبدد ذات يوم، ولكن الأخ محمد عبد القدوس عرف طريق السفارة الأمريكية، يذهب إليها فى الأعياد القومية الأمريكية مهنئًا ومصليًا «حتى لا يطير الدخان» وكان يصطحب معه الأخ عصام العريان الذى أخذ يرسل رسائل الطمأنة للحكومة الأمريكية وللحكومة الإسرائيلية قائلا فى كلمات ألقاها فى السفارة الأمريكية وفى حوار له مع جريدة الشرق الأوسط منذ خمس سنوات تقريبًا العديد من التصريحات منها: «على الحكومة الإسرائيلية أن تطمئن فسنحافظ على كامب ديفيد»، ولأن رسائل الإخوان كانت وردية فقد تعودت السفارة الأمريكية على أن تدعو أعضاء جماعة الإخوان إلى ولائم السفارة من باب «اطعم الفم تستحى العين» ومع الفم الإخوانى الذى يلوك الطعام الأمريكى، كان اللسان الإخوانى المجاهد يصرخ فى المظاهرات والتصريحات البطولية: لعن الله أمريكا وإسرائيل، احرقوا أعلام أمريكا إنهم قوم لا يتطهرون.
بعد الثورة وقبل أن يصبح «الحكم قبل الدين أحيانا» لم يعد هناك أى مبرر إخوانى لإثارة مظاهرات ضد أمريكا الصهيونية، فقد كان هذا الكلام أيام الجهاد الرخيص، أما الآن فنحن أمام الجهاد الأكبر، جهاد السعى نحو أريكة الحكم، وبالتالى لم يعد هناك ما يستحق الإخفاء، أو الخفاء، أو التنديد والتهديد.
ويأتى وليم بيرنز «الأمر صهيونى» مساعد هيلارى كلينتون ويجلس مع قيادات الإخوان فى جلسة سرية حيث لم يتح لأحد أن يعرف ما الذى دار فيها، اللهم إلا من الخارجية الأمريكية التى أصدرت بيانًا قالت فيه: حصلت على تطمينات من الإخوان فى حال وصولهم للحكم.
وجاءت لحظات التمكين، وهى لحظات لو تعلمون مقدسة، ولحظات التمكين يسبقها فى العرف الإنسانى حالة غرور إنسانى، والغرور يعمى البصر ويطمس على البصائر، بدأت الاتصالات والاتفاقات، والوعود والتعهدات، ثم أخذ الفصل الثانى من حلقة الضغوط يعلن عن نفسه، فأمريكا التى قتلت وأبادت وارتكبت أكبر وأفظع جرائم إبادة فى تاريخ البشرية، أمريكا التى لا تبحث إلا على حرية إسرائيل، وديمقراطية نفسها، إذا بها تصبح راعية للديمقراطية والحرية فى مصر، وتريد أن يعود الرئيس وتعود الشرعية، وليس لى إلا أن أقول « إذا لم تستح فافعل ماشئت».. رحم الله الإخوان فالميت لا تجوز عليه إلا الرحمة
"حكايتهم" مع عبدالناصر
بقلم: يوسف الحسن عن الخليج الاماراتية
*هل كان جمال عبدالناصر دكتاتورياً، وكان “الإخوان المسلمين” مسالمين وديمقراطيين؟ .
هل نصدق أن حركة الإخوان، كانت مقموعة على مدى أكثر من ثمانين عاماً؟ .
تستوقفني فترة السبعينات من القرن الماضي، حينما قرر السادات، مدعوماً من دولة عربية خليجية، توفير فضاء واسع لأنشطة الإخوان المسلمين في مصر، بهدف استخدامهم لمواجهة القوى الناصرية واليسارية والوطنية، وشهدت الجامعات المصرية، نشطاء الإخوان، وهم يحملون المطاوي والجنازير، وينهالون على مخالفيهم بالضرب والإيذاء . وأعاد لهم السادات مكاتبهم ومجلاتهم، وخرجت من بطن حركة الإخوان، وقتها حركات منظمة أكثر عنفاً وتشدداً، خطفت وزير الأوقاف المصرية، ثم قتلته، وقام آخرون بالتخطيط للاستيلاء على الحكم بالقوة بدءاً من مهاجمة الكلية الفنية العسكرية وصولاً إلى الإذاعة وغيرها من المواقع الرئيسة .
* وكان عبدالناصر على صلة بكل الحركات السياسية المصرية قبل الثورة، ولم يكن يوماً من الأيام عضواً في حركة الإخوان المسلمين، لكن كانت لعبدالناصر علاقات طيبة مع حسن البنا مؤسس حركة الإخوان، وقد عرض عبدالناصر على الإخوان المسلمين المشاركة في الوزارة، إلاّ أن شروطهم للمشاركة، كانت تدور حول “عدم صدور أي قرار أو قانون إلاّ بموافقة حركة الإخوان”، ويذكر جمال عبدالناصر، في لقاء له مع شباب الجامعات في نوفمبر/تشرين الثاني 1968 “إنه عرض على المرشد التعاون مع الحكم الجديد، لكن الهضيبي، إضافة إلى الشروط السابقة، طلب من عبدالناصر، أن يفرض الحجاب في مصر، وأن يقفل المسارح والسينما” وأجابه عبدالناصر: “الناس ستقول عني إنني الحاكم بأمر الله، وحاكم مجنون” . ولما رفض هذه الشروط قررت الحركة اغتياله في الإسكندرية في أكتوبر/تشرين الأول 1954 .
ومما يذكر، أن الثورة المصرية حينما قامت حلت جميع الأحزاب، ما عدا حركة الإخوان “إبقاء عليهم وأملاً فيهم” كما يقول السادات، وقامت الثورة المصرية، بإعادة التحقيق في مقتل حسن البنا، وقبضت على المتهمين .
وفي بدايات الثورة المصرية، كانت السفارة البريطانية على اتصال مباشر مع قيادات إخوانية، وأخذ الإخوان ينشطون داخل الجيش والبوليس والجامعات، وكانت منشوراتهم تصف “حكام مصر بأنهم كفرة وفجرة” (ما أشبه الليلة بالبارحة)
* بعد محاولة الاغتيال، تم اعتقال المرشد وأعضاء الجهاز السري، لكن أفرج عن كثيرين منهم، عقب وساطة الملك سعود، وطلبه إعادة نشاط الجماعة “الدعوي” من غير سياسة، وهي الجماعة التي بدأت تعاني تشققات داخلها، ما بين تيارين، أحدهما يؤيد سياسات المرشد والآخر “برغماتي” يسعى للمداهنة مع الثورة . (المداهنة تساوي الميكيافيلية)
وفي الوقت نفسه، استمرت جماعة الإخوان بتحريض فروع هذه الجماعة في سوريا وغيرها على الثورة المصرية . وتم التحقيق في عملية محاولة الاغتيال، وضبطت لدى الإخوان أسلحة ومتفجرات، وخطط للاستيلاء على الحكم، بالعنف والاغتيالات . وقررت المحكمة إعدام سبعة من قادة الجماعة، الذين خططوا للاغتيال .
* هل كانوا أبرياء من الإرهاب والقتل؟ ألم يقتلوا سابقاً المستشار أحمد الخازندار رئيس المحكمة التي حكمت ضدهم، وكذلك رئيس الوزراء محمود النقراشي، واعترفوا بذلك، بينما يقولون عن محاولة اغتيال عبدالناصر إنها كانت “تمثيلية”؟
* تكررت هذه المحاولة، في العام ،1965 عندما أوكل المرشد العام أمور التنظيم الإخواني إلى سيد قطب الذي صاغ في سجنه، كتاب “معالم في الطريق”، وبدأ مع آخرين، وبخاصة السيدة زينب الغزالي، إعادة تنظيم الإخوان بشكل سري، وعلى أسس فكرية وسياسية جديدة، أبرز سماتها الغلو والتكفير، وكما تقول زينب الغزالي في كتابها المنشور في العام 1978 “أيام من حياتي”: “تستمر التربية الدينية للشباب مدة 13 عاماً، وهي فترة عمر الدعوة نفسها في مكة، فإذا وجدنا الحصاد طيباً نقيم الدولة الإسلامية” . وقد صدرت شهادات منشورة عديدة من قيادات إخوانية تؤكد “إن الجماعة بحثت خططاً لاغتيال عبدالناصر، وخططاً لنسف جسور ومحطات كهرباء، ومرافق أخرى، وإن التنظيم كان يمول من الخارج، وإنه كان يتم تدريب الأعضاء على صنع القنابل والمتفجرات”.
ويبدو أنه بعد الإفراج عن سيد قطب من السجن في العام 1965 بوساطة الرئيس العراقي الأسبق عبدالسلام عارف، أصبح سيد قطب هو المرجعية الفكرية والسياسية، وقد بارك خطوات الجهاز السري، الذي كان يقوده عبدالفتاح إسماعيل، ولكن تكشفت خطط الاغتيال، قبل تنفيذها، وقُدم أعضاء التنظيم إلى المحاكمات، وتم إعدام ثلاثة من قادة هذا التنظيم السري (سيد قطب، عبدالفتاح إسماعيل، ومحمد هواش) وحكم على المرشد العام حسن الهضيبي بالسجن ثلاث سنوات .
* كان كتاب “معالم في الطريق”، بمثابة برنامج عمل للتنظيم السري للإخوان، وقد أسس لفكر “المجتمع الجاهلي” ولتوابعه من أصحاب جماعات التكفير والهجرة، ولفكرة “الحاكمية” .
* لم يمنع عبدالناصر، طباعة الكتاب، وطبع أكثر من ثلاث طبعات .
اليوم . . تتكشف الأستار عن دكتاتورية بثوب “ديني” وبخطاب ملتبس، وبتفاهمات مع قوى خارجية وبدعم مالي وسياسي وإعلامي من مصادر عربية، لوثوب هذه الجماعة على السلطة في أكثر من مكان، بواسطة العنف المقدس .
* اليوم . . . يتحدثون عن “طغيان” عبدالناصر، وعن ثأر قديم لهم معه، ولا يعنيهم أنه حارب الاستعمار، وكان منحازاً للفقراء والفلاحين والضعفاء، ولاستقلال مصر وتقدمها، ولإعلاء شأن الأزهر في العلم والمعرفة وعلوم الدين، وأنه ترك مصر بلا ديون، إنما بكرامة وصناعة وجيش وطني متعلم .
* إخوان اليوم، يتناسون أن تنظيمهم أعطى الملك فاروق “البيعة” كما يقول طارق البشري .
لم يكن عبدالناصر نبياً، لكن “ظله كان أخضر” كما قال محمود درويش .
بعد وفاة عبدالناصر، قال الشاعر أحمد عبدالمعطي حجازي: “أيامنا قادمات، وسوف نبكي طويلاً”
. . . .
وجاء زمن “الجماعة”، ليتحول البكاء إلى نحيب
لكن مصر “ولاَّدة” . . . بما يسر من يحبها . . ولو بعد حين
واشنطن نصيرة الارهاب
بقلم: أحمد الجارالله عن السياسة الكويتية
ماذا تريد الولايات المتحدة من الشرق الاوسط? ومتى تستقر سياستها على مسار واحد وتنهي لعبها على حبال الشعارات الخاوية من اي مضمون, فتناصر الديمقراطية حقيقة وليس فقط في التصريحات البروتوكولية بينما هي في الوقت نفسه تدعم القوى الجالبة للفوضى?
مرة يحدثنا المسؤولون الاميركيون عن الفوضى الخلاقة, وأخرى عن ولادة الشرق الاوسط الجديد, هذه الولادة التي تطيل مخاضها الادارات الاميركية المتعاقبة, وفي ثالثة يخرجون علينا ببدعة محاربة الارهاب فنراهم يحاربون الاسلام على اختلاف توجهاته, فالى متى ستبقى الولايات المتحدة تنظر الى هذه المنطقة وكأنها حقل تجارب?
منذ انشاء الكيان الاسرائيلي في العام 1948, تغيرت المصطلحات الاميركية بالنسبة للشرق الاوسط عشرات المرات, لكن الذهنية بقيت نفسها, اي إضعاف دول المنطقة باستثناء اسرائيل, فمنذ انقلاب الضباط الاحرار في العام 1952 وواشنطن تدعم كل الحركات الانقلابية في العالم العربي, أسقطت الملك فاروق, وبعده الملك فيصل بن الحسين في العراق, ومن ثم دعمت الانقلابيين في سورية واليمن وليبيا, وناصرت الثورة على شاه ايران الذي حل مكانه شاه آخر اكثر دموية وقمعا متسترا بعباءة الدين. فهل كان الموقف الاميركي آنذاك سعيا حقيقيا الى إحلال الديمقراطية?
ما يجري حاليا في مصر, والموقف الاميركي الملتبس بشأنه دليل آخر على عدم مصداقية واشنطن في سياستها الشرق أوسطية, اذ كيف يمكن لادارة أوباما ان تصم آذانها عن صوت 33 مليون مصري خرجوا الى الشوارع والميادين مطالبين برحيل حكم "الاخوان", تلك الجماعة التي كشرت عن أنيابها منذ اللحظة الاولى لهيمنتها على حكم مصر, وبدأت سياسة إقصاء وتطهير منافية لأبسط قواعد الديمقراطية, ومع ذلك غضت الطرف عن تلك الممارسات, بل دعمتها في الكثير من الاحيان أكان مباشرة او غير مباشرة, وباتت اجتماعات السفيرة الاميركية في القاهرة آن باترسون مع نائب مرشد الجماعة خيرت الشاطر شبه يومية, ما اعتبره العديد من المراقبين تنسيقا يوميا لجدول أعمال الرئاسة المصرية.
في الايام القليلة الماضية استطاع الشعب المصري الحي تمزيق القناع لتظهر الملامح البشعة والمخيفة للوجه الاميركي, وكشف زيف التبجح بالديمقراطية وحقوق الانسان التي لم تراعها يوما واشنطن في دعمها تل أبيب إزاء الفلسطينيين.
بعد كل هذا, أليس مضحكا أن يتساءل الاميركيون عن سبب عداء الشعوب العربية لبلادهم, وينفقون مئات ملايين الدولارات للتوصل الى جواب عن هذا السؤال?
ألا تدرك الادارة الاميركية ان باستفزازها للشعوب العربية تزيد من العداء لها, أم هي لا تقيم وزنا أبدا لهذه الشعوب طالما ان سياستها تخدم الاهداف الستراتيجية للمشروع الصهيوني?
منذ عقود عدة عرف "الاخوان" أنهم جماعة إرهابية, ومنهم خرج العديد من العصابات المتطرفة, ورغم ذلك لم تتأخر واشنطن في إعلان دعمها الصريح لهؤلاء في الهيمنة على الحكم في كل من تونس وليبيا ومصر, اي أنها دعمت الارهابيين في السيطرة على الدول, فهل تخيل الرئيس أوباما للحظة واحدة ماذا سيكون عليه العالم العربي في حال وضعت تلك الجماعات يدها على مقدرات الشعوب?
نستغرب كيف تمنح الادارة الاميركية لنفسها حق التدخل بشؤون دولة مثل مصر قال شعبها كلمته, وتطالب باطلاق سراح رئيس مخلوع, ليس مسجونا في الاساس, بل تحض على إعادته الى الحكم رغم ان عشرات ملايين المصريين خلعوه وبالوسائل الديمقراطية الشعبية, فماذا سيكون موقف هذه الادارة لو كنا طالبنا باطلاق سراح مقاتلي تنظيم القاعدة والعفو عن أسامة بن لادن قبل قتله, او الكف حاليا عن ملاحقة أيمن الظواهري, فهل كانت واشنطن ستقف مكتوفة الايدي حيال هذه المطالبة أم ستقول ان ذلك يشجع على الارهاب, وتعتبره تدخلا بشؤونها الداخلية?
لقد بدأ الشك يتسلل الينا حول من يرسم سياسة هذه القوة العظمى ويعمل على تنفيذها وخصوصا كيلها في الشرق الاوسط بمكيال حقوق الانسان والديمقراطية المليء بالثقوب, فيما هي تجاهد لتحمي الارهابيين, ليس في مصر وحدها, بل في العالم العربي كله.
ماوراء الأخبار.. عيّنة من حكام الخليج
بقلم: عز الدين الدرويش عن تشرين السورية
على الرغم من الإيحاءات الإعلامية التي تبثها الإدارة الأمريكية حول ما تسميه التنسيق مع المشيخات الخليجية وخاصة السعودية وقطر فيما يخص الأوضاع في المنطقة تبقى الأمور مكشوفة ومعروفة بأنها محضّرة أميركياً بشكل مسبق، ومتخذ بشأنها قرارات، وإن ما يقال عن التنسيق والتشاور في اللقاءات والاتصالات الهاتفية ليس أكثر من حفظ لماء وجه حكام الخليج في وسائل الإعلام على أقل تقدير.
وما يسربه المتابعون والمطلعون الغربيون عن اللقاءات والمباحثات الأمريكية - السعودية مثلاً يؤكد أن كل شيء يعد سلفاً في المطابخ الأمريكية، وأن الصور التي تلتقط لهذه الغاية هي للاستهلاك الداخلي السعودي.
ويقول هؤلاء المطلعون: إنه في أحد اللقاءات المعدة للتصوير فقط لم يقل ولي العهد السعودي ولا كلمة، حتى إنه غفا للحظات وهوت يده التي كانت على صدره وارتطمت بالمقعد، عندها صحا من غفوته.
وهناك نوع آخر من اللقاءات مع «الأمراء» السعوديين يجري التحضير لها بالتعاون مع «قوادي» النساء، وهذا ما كشفه وكتبه أحد المسؤولين في الخارجية الأمريكية، قائلاً: «الأمراء» صغار السن في السعودية يمكن ترويضهم بالنساء أكثر من المال، وقد اكتسبنا خبرات جيدة في هذا المجال بالاستفادة من سماسرة نساء.
وفي مشيخة قطر فالأمر ليس أفضل حالاً، فكل المعلومات الغربية المسربة تؤكد أن الأمريكيين لا يستشيرون العائلة الحاكمة إلا ما يندر، وأنهم في أغلب الأحيان يبلغونهم بما يجب فعله عبر السفير الأمريكي الذي يعامل في الدوحة معاملة الرؤساء في تنقله وزياراته إلى قصور الحكام.
أما زيارات المسؤولين الأمريكيين للدوحة فهي إضافة إلى أنها إعلامية يكون لها صلة بالقواعد العسكرية الأمريكية, وبالمناسبة وخلافاً للمعهود والمعمول به في كل أنحاء العالم فإن حكام قطر هم الذين يدفعون الأموال للأمريكيين من أجل الإبقاء على قواعدهم العسكرية في المشيخة وهذه معلومات موثّقة.
وبالمناسبة أيضاً لابد من الإشارة إلى أن مساحة الأراضي التي تشغلها القواعد الأمريكية في قطر هي أكبر من المساحة التي يحكمها «الأمير» ولا تعرف عنها الحكومة القطرية أي شيء لأنها مغلقة في وجهها.
هذه عيّنة من حكام الخليج وبعض ما يجري في عهدهم والمخفي تقشعرّ له الأبدان وكان اللـه في عون العرب والمسلمين.
كلمة الرياض: تونس.. هل تستنسخ الحالة المصرية؟!
بقلم: يوسف الكويليت عن الرياض السعودية
بوعزيزي التونسي فجّر غضب الربيع العربي، ولم يتوقع أحد أن بائع خضار تعرض للإهانة سوف يشعل نار خمس دول عربية لمجرد إشعال النار في جسده، لتسجل تونس الريادة في خلق البدايات وإطلاق شرارة الحريق الكبير، غير أن حزب النهضة والذي استطاع أن يصل إلى الهيمنة على الدولة ومؤسساتها، واجه نقداً حاداً في احتكار السلطة وعدم فتح المجال للأحزاب والمنظمات الأخرى رغم أن البيئة التونسية التي يرتفع فيها الوعي عن غيرها بين المواطنين، أطاحت بنظام بن علي لتفتح المجال لنظام ديمقراطي تعددي، في وقت رأت الدولة أنها جاءت باقتراع حر وكسبت شرعيتها من صوت المواطن..
مصر أيضاً أوصل الاقتراع الإخوان المسلمين إلى السلطة.. نفس الرتم والأسلوب، والتماثل بين النظامين أن تونس لا تزال ظروفها الاقتصادية أفضل حالاً من مصر التي واجهت عجزاً اقتصادياً واحتياجات وطنية ملحة عجز الحكم عن توفيرها، إلى جانب العديد من القضايا التي جعلت «تمرد» تقوم بجمع تواقيع عشرات الملايين لينتهي السيناريو بتغيير الحكم بقوة ضغط الشارع، وتلبية الجيش لرغبة التغيير وبأن الشرعية نقضتها شرعية أكبر..
مجريات الأحداث في البلدين تتجه إلى مخاوف أنه مثلما كانت تونس ملهمة الثورات العربية، أن تواجه سيناريو أحداث مصر، ومع أن هناك خلافات تبعد هذا الاحتمال عند البعض معللين بأن تونس تختلف تماماً عن الوضع المصري، إلاّ أن الطرف المعارض يجد أن الموقف قد يأتي بنفس الأسلوب، وهذا ما أثار جبهات إسلامية إقليمية ودولية للاجتماع في اسطنبول لدراسة أحوال مصر والأوضاع الجارية في خسارة الإخوان المسلمين وانعكاساتها على التنظيم العالمي من جهة، وآثاره على دول الربيع ذات النهج المتقارب مع الإخوان، وعلى رأسها تونس.
وهذا الهاجس لم يعد فقط قيد وضع بلدين عاشا مخاض تغيير نظامين دكتاتوريين، لكن جاءت المخاوف على التنظيم كله ومستقبله وفيما إذا كان يمر بحالة صدمة، وإمكان إصلاح وضعه قبل أن تحدث مواجهات مع دول واتجاهات ليخسر جولات قادمة..
الجدل طال التجربة الإسلامية كلها، فالمعارضون رسموا خط نهاية هذا الحكم معللين أن إدارة الدول بحزب باتجاه واحد وفكر لا يقبل النقد والتغيير، مقابل اتجاه متصاعد يريد أن تكون عملية الحكم تكاملية بين جميع مكونات الشعب، يجعل الخلاف متسعاً، وأن الشرعية لا تعني الحصول على تزكية حزب يحكم ولا يلبي رغبات واحتياجات المواطنين الذين أجبرتهم ظروفهم على نقض هذه الشرعية بما يعتبرونه صوت قوة الشارع..
وبصرف النظر عن هذا التعارض فالمصالحات الوطنية تقتضي رفض الإقصاء من أي طرف، فإذا كانت التنظيمات الإسلامية الحاكمة أخطأت، فهي تبقى واقعاً حقيقياً في جسد تلك الدول ولا تزال قوتها قائمة، وموضوع الاستقرار إذا كان أطاح بالفاشل، فغيره لا يستطيع النجاح بإعادة نفس السيناريو، وهنا أصبحت قضية المشاركة عملاً يضيق الفجرات بين الأحزاب والمنظمات والجبهات الوطنية الأخرى..
ما حدث في مصر قد لا يتكرر في تونس، ولكن إذا توفرت نفس الأسباب فربما تعاد نفس الصورة، ولا تزال العروض قائمة بأن يحتوي أي نظام كل مكونات الشعب ليكون نظاماً يباركه ويؤيده الجميع..
حقائق أميركيّة... مذَبْذَبة!
بقلم: الياس الديري عن النهار البيروتية
لأن الشيء بالشيء يُذكر، لا بدّ من العودة إلى نماذج من التجارب اللبنانية في معرض التساؤلات الحائرة عن الموقف الأميركي، والغربي بصورة عامة، من الثوار أو المعارضة السورية، والذي يصفه بعض وسائل الاعلام بـ"الذبذبة"...
عندما احتدم القتال خلال ثورة صيف 1958، التفت الرئيس كميل شمعون الى وزير الخارجية الدكتور شارل مالك، سائلا بتهكّم وخيبة: متى "تظهر" علينا طلائع دعم أصحابك الأميركيين؟
فجاءه الجواب من "الثعلب المدلّل" كاظم الخليل الذي كان حاضراً: إن الإدارة الأميركية يا ريّس لا تختلف بسياستها و"عقليتها" عن بائعي الحديد بقضامي...
وبقي مالك معتصماً بالصمت.
أما عن جنود الأسطول السادس الذين انتشروا على طول شاطئ منطقة الجناح، فإنما حطّوا في لبنان ليكونوا جاهزين للتدخّل في العراق والأردن، إذا ما الداعي دعا.
وقد تكرّرت الحكاية بفصولها ذاتها تقريباً في عهد الرئيس أمين الجميل، ومسرحية البارجة نيوجيرزي وقنابلها الصوتية.
في السياق الأميركي ذاته الذي يتكرّر مشهده، وتتكرّر حكاياته وذبذباته ذاتها مع الثورة الدموية جداً في سوريا... والتي تتلقّى الوعود بالدزينات، إلا أنها لا ترى أية معالم، أو بشائر، أو ترجمة، ولو لوعد واحد، ولو ببارودة دكّ، أو مسدّس عيار 6 ملم.
كلام بكلام، ووعود بألسنة وأصوات متعدّدة، لا تلبث أن تتبخّر سريعاً... لتعطي مجالاً واسعاً وآمناً لقوات النظام كي تمحو معالم مدن تاريخية من أساساتها وعن بكرة أبيها.
هذا الوضع المثير للتساؤلات والدهشة، تناولته صحف غربيّة مطلعة وموضع ثقة. فـ"النيويورك تايمس" مثلاً رأت أن تزيح الستارة عن موقف إدارة الرئيس باراك أوباما في هذا المجال، ولتؤكد نقلاً عن مسؤولين أميركيين وآخرين من الشرق الاوسط "ان خطط هذه الإدارة لتزويد المعارضة السورية أسلحة باتت محدودة جداً".
وباختصار شديد ليس عليه من مزيد، تضيف الصحيفة أن لا دعم أميركياً للمقاتلين ضد النظام "على نحوٍ كافٍ وفعّال" يُقنع الرئيس بشار الأسد بالذهاب إلى طاولة المفاوضات.
وانسجاماً مع الموقف الأميركي الذي تنطبق عليه توصيفات كاظم بك، تبرّعت صحيفة "الدايلي تلغراف" البريطانية بكشف الستار عن موقف مشابه لرئيس الوزراء ديفيد كاميرون، خلاصته "تخلّي بريطانيا عن خطط لتسليح المعارضين في سوريا بعد تحذير ضباط كبار له من هذا التورّط".
على رغم هذا الوضوح في الموقف الغربي بقيادة واشنطن طبعاً، يغطّ وزير الخارجية جون كيري للمرة السادسة في المنطقة.
على الرحب والسعة مستر كيري، ولكن عليك أن تقرأ الصحف قبل أن تنعم على المنطقة الملتهبة بضحكة صفراوية.
صدَق مَنْ قال إن حال مَنْ يتّكل على أميركا لا يختلف عن حال من يسند ظهره على جدار من غبار.
هل تتحول سوريا إلى أفغانستان الشرق الأوسط؟!
بقلم: عبد المنعم ابراهيم عن أخبار الخليج البحرينية
هل تتحول سوريا إلى (أفغانستان) الشرق الأوسط؟ أي التفتت إلى دويلات طائفية وعرقية، ويحكمها (بارونات الحرب) على طريقة حال الجبهات المسلحة المتنازعة في أفغانستان بعد تحررهم من (الجيش السوفيتي)؟ هل يمكن أن تتقسم (سوريا) إلى دولة للعلويين وأخرى للجيش الحر، وثالثة للأكراد، ورابعة للقاعدة وجيش النصرة؟!
لا يمكن استبعاد مثل هذا المصير إذا استمرت الأوضاع العسكرية على الأرض تتحرك لصالح النظام السوري على حساب المقاومة والجيش الحر.. واستمر الغرب في الابتعاد عن دعم المقاومة، واستمرت (أمريكا) في التأرجح بين خطوة مع التسليح للمعارضة وعشر خطوات ضد التسليح لها!
ويوم أمس نشرت الزميلة (الشرق الأوسط) عن كشف قيادي بارز في «الجيش السوري الحر» معلومات موثوقة تفيد بقرب إعلان (القاعدة) دولة إسلامية في شمال سوريا بعد هزيمة الجيش الحر والسيطرة على المعابر الحدودية مع تركيا، مؤكداً أن ساعة الصفر تحددت في أول أيام عيد الفطر، وأن معبري (باب الهوا وحارم) سيكونان الهدفين الأساسيين، الأول للإمساك بمصادر السلاح والذخيرة، والثاني للإمساك بالمال من خلال تهريب النفط الخام.. وإن تنفيذ هذه الخطة بدأ منذ أسبوع مع ذبح القائد (فادي القش) وأخيه في بلدة (الدانا) ثم اغتيال عضو مجلس القيادة العليا المعروف (كمال حمامي)، وتستكمل بسلسلة اغتيالات علنية بحق ضباط وشخصيات مهمة في الجيش السوري الحر.
أليس هذا ما حدث في أفغانستان؟.. حين تناحر (المجاهدون) فيما بينهم وتقاتلوا في حرب ضروس، وتبادلوا (الاغتيالات) وكان تنظيم (القاعدة) الأكثر تطرفا في ذلك.
النظام السوري الحالي يدفع بهذا الاتجاه.. أي تأجيج الصراعات والقتال بين أطراف المعارضة، بل إن الحكومة السورية تدفع حالياً لإقرار قانون حكم ذاتي للأكراد السوريين في سوريا! في الوقت الذي كان طوال سنوات حكمه لا يعترف بشرعية وجود الأكراد من الناحية القومية.. وطبعاً كلنا يعلم أن شراسة القتال في منطقة (القصير) والسيطرة عليها كان بهدف تأمين مسار جغرافي مهم (لدولة العلويين) بعد سقوط دمشق.
الحل الوحيد لمنع سقوط سوريا في مصير أفغانستان هو تسليح (الجيش السوري الحر) بعتاد نوعي متطور يغير موازين القوى على الأرض، ويضمن سيطرته على كامل سوريا.. عدا ذلك ستكون الفرصة متاحة (للأفغنة) السورية!
الحروب العربية العربية
بقلم: جمال الشواهين عن السبيل الأردنية
الحرب في سورية بين السوريين أنفسهم، وقد تمكنوا حتى من تدميرها تماما ويعكفون الآن على تدميرها بالكامل. وهي حرب بمعنى الكلمة كاملا، ففيها قتلى وجرحى وأسرى، واستخدام لشتى أنواع الأسلحة، وجبهات قتال وطرق إمدادات، وأطراف دولية ومباحثات وحتى طلب هدنة، وهي كأي حرب تخلف لاجئين ومشردين وأرامل وأيتاما. ويبدو انها اشد ضراوة من حرب البسوس، وان التاريخ يعيد نفسه الآن، فانه لمشهد ملهاة تتسلى عليه الأطراف الدولية، اما المتقاتلون بالنسبة لها فليسوا اكثر من مجالدين يتذابحون ولا ينجو منهم أحد بالنهاية.
والحال قبلا بالعراق يتطابق مع الحال السوري، وقد هيئ لها كل ما يلزم لتكون بين العراقيين أنفسهم، وهي مستمرة بلا هوادة تخلف المزيد من الجنون والذبح. وليس الحال على اقل في ليبيا وتونس والجزائر والسودان وموريتانيا والصومال فالكل فيها يتربصون لبعضهم البعض متعاركين بما يوازي الحرب تخليفا للقتل والتدمير. والآن، هاهي مصر تدخل الحلبة، والأجراس تقرع فيها بشدة لبدء النزال.
كيف استوى الامر على انقسام لأمة اجتاحت الأرض فتحا، وكانت الأقوى على الإطلاق، وهي الآن على اشد ما تكون من الوهن والتردي والتخلف، ومن الذي رتب لها الامور لتكون عدوة ذاتها كما هي الان تذبح وتدمر نفسها بنفسها.
في واقع التاريخ ان الانغماس بالملذات قاد الى الهزيمة الاولى، ثم توالت الانكسارات الى ان تولى مصيرنا دول الاستعمار بالتجزئة جغرافيا، فأعادونا الى سيرتنا الاولى شعوبا وقبائل متناحرة على الكلأ والماء ولم يكتفوا، فابتدع لنا هنري كيسنجر التوزيعة الطائفية والمذهبية وتعهد انها التي ستكون نهاية النهاية، ثم تركوها تكبر وتتعمق الى لحظة الانفجار وقد حلت فعلا.
لقد سجل الأيوبي صلاح الدين آخر الانتصارات، وقد كان درسا للغرب وليس لنا، ومنذ ذلك استعدوا لنا، ونحن غفونا عليه ولم نستفق بعد. وهاهي الجغرافيا الآن تمزقنا إربا، والطائفية والمذهبية تذبحنا وقد جعلتنا إخوة أعداء، ولم يعد لدينا وقت لأي عدو آخر، وهو من يتسلى علينا الآن، ونحن نحل مكانه في ذبحنا انتحارا جماعيا سيتحول قريبا بين دولة عربية وأخرى.
14 تموز .. انعطافة العراق السياسية
بقلم: صادق كاظم عن الصباح العراقية
تدخل ثورة الرابع عشر من تموز التاريخ العراقي السياسي الحديث بوصفها اول ثورة استطاعت ان تغير هوية العراق السياسية وان تنقله من نظام ملكي لم يقدم للعراقيين النموذج الصحيح من الحكم عبر اشراك الاحزاب والقوى السياسية المعارضة في السلطة ،بل كان نظاما كلاسيكيا اتسم بالجمود وبممارسة عملية ديمقراطية محدودة مع وجود طبقة سياسية ظلت مهيمنة على مواقع السلطة والنفوذ والثروة وتداولها بشكل دوري فيما بينها وعدم افساج المجال امام صعود وجوه سياسية شبابية من عامة ابناء الشعب ومن خارج دائرة الاحتكار السلطوي للمقربين من الاسرة الهاشمية الحاكمة.
كان النظام الملكي مزيجا من تحالف تقليدي بينها وبين المؤسسة العسكرية التي قادها الضباط الشريفيون السابقون ورجال القبائل وكبار ملاك الاراضي من الاقطاعيين ،حيث منح هذا التحالف للنظام الملكي القوة والقدرة للسيطرة على مقاليد الحياة السياسية من البرلمانات التي ينتخب اعضاؤها بالتزوير والارادات الملكية التي كانت تلغي اي دور للشعب في اختيار نوابه والحكومة التي تولى رئاستها ولاكثر من مرة الضباط السابقون في الجيش وعدم السماح سوى لعدد قليل من المدنيين بالوصول الى هذا المنصب ولمدة محدودة ،اضافة الى تشكيل البرلمانات الموالية للنظام وتغييب المعارضة السياسية وحرمانها من ممارسة دورها الحقيقي في الحياة السياسية والمشاركة في الحكومة .كما ان النظام الملكي وعن طريق اعتماده على السياسة التقليدية الثابتة في تقريب الوجهاء العشائريين وملاك الاراضي وضباط الجيش لم ينجح في تغيير الواقع الاجتماعي والسياسي للبلاد ،بل عمل على تهميش سكان الريف الفقراء وحرمانهم من ابسط وسائل العيش ،حين تحولوا الى مزارعين اجراء لدى كبار مشايخ الاقطاع الذين كانوا يسيطرون على اكثر من نصف مساحة الاراضي الزراعية الخصبة ويحصلون على ثروات مالية طائلة لم تنفق في تطوير واقع الفلاحين الفقراء الذين عاشوا حياة بسيطة ومعدمة ،بل ان مشايخ الاقطاع منحوا لانفسهم صلاحية حكام المقاطعات ،حين أنشأوا لانفسهم دوقيات خاصة يحكمون فيها عبر قوانين تسمح لهم بمعاقبة الفلاحين الفقراء وسجنهم وتعذيبهم في السجون الخاصة وعن طريق اعوان مسلحين يخضعون لاوامرهم يطلق عليهم (الحوشية ) وهي تصغير لكلمة حاشية وكان هؤلاء الافراد المسلحون الذراع الامنية والعسكرية التي كانت تستخدم لارهاب المزارعين وفرض سلطة الشيوخ الخاصة على مناطق النفوذ الخاصة بهم .
لم يتطور الريف العراقي المنتج في ذلك الوقت لاصناف عالية الجودة من محاصيل الحبوب التي كانت تصدر بأرقام عالية الى الاسواق الاوروبية على يد الاقطاع وكبار مالكي الاراضي المتحالفين مع الاسرة الملكية الحاكمة ،بل ظل ابناء الفلاحين وبناتهم محرومين من المدارس ،حيث كان يحظر عليهم التعليم من اجل غاية دنيئة وهي الابقاء عليهم كمزارعين جهلة وفقراء. كما ان اسرا سياسية رافقت الملك فيصل الاول بعد مجيئه الى العراق وتنصيبه ملكا على العراق اصبحت بفضل قربها من البلاط الملكي تحتكر وتدمن المناصب السيادية العليا في الدولة كرئاسة الحكومة ووزارات الدفاع والداخلية والخارجية ،فضلا عن رئاسة البلاط الملكي ولم تكتف هذه الاسر باحتكار المناصب ،بل اخذت تتصاهر فيما بينها من اجل تعزيزمواقعها في السلطة .هذا الاسلوب المحتكر للسلطة والذي عمل على اقصاء المعارضة الوطنية في العراق وحرمانها من المشاركة في اي تمثيل برلماني اوحكومي مؤثر ادى الى اصابة النظام بالانسداد السياسي ووسع من قاعدة المعارضة لهذا النظام الذي كان معزولا عن شعبه ،اضافة الى تزايد النقمة عليه من قبل المؤسسة العسكرية التي اعدم عدد من كبار ضباطها بعد فشل حركة مايس من العام 1941 .
لقد شكلت حرب فلسطين في العام 1948 المناخ الثوري الذي هيأ الارضية امام فكرة تنفيذ انقلاب عسكري ناجح يطيح بالنظام الملكي بمؤازرة من قبل قوى المعارضة السياسية العراقية التي تحالفت فيما بينها مؤسسة لجبهة وطنية معارضة للنظام الملكي ،خصوصا وان هذا النظام فشل في اقناع الشارع العراقي بعدم جديته في حرب فلسطين واستثمار التقدم الذي احرزه الجيش في بداية الحرب واقترابه من تل ابيب لولا تدخل بريطانيا التي كانت متحالفة مع عصابات الصهاينة وممارستها للضغوط على النظامين الملكي العراقي والمصري لوقف زحف الجيشين العراقي والمصري وترتيب وضع يهدف الى منح نصف ارض فلسطين للعصابات الصهبونية والاعتراف بالدولة الصهيونية وهو ما كان يعارضه الشارع العربي المندفع بقوة نحو اكمال المهمة وانهاء الوجود الصهيوني .لقدكان الامتثال للقرار البريطاني من قبل الحكومتين العراقية والمصرية له فواتيره المرتفعة ،حين تحرك الجيش المصري في تموزمن العام 1952 ليطيح بعرش فاروق فيما تحرك نظيره العراقي بعد ستة اعوام ليطيح بالعرش الهاشمي معلنا ولادة الجمهورية العراقية التي جاءت لتضع حدا لاحتكار السلطة المزمن من قبل افراد الاسرة الملكية وحلفائها ودخول العراق في عهد جديد من النهوض والتطور .
لقد غيرت ثورة الرابع عشر من تموزمن واقع العراق كثيرا وعملت على ادخاله عالم النهوض والتطور، حين انهت دور الاقطاع في الريف العراقي ومنحت المزارعين الفقراء ولاول مرة قطع اراض زراعية خاصة بهم وسارعت لتبني نظام الجمعيات الفلاحية من اجل توسيع المشاركة والانتاج والحد من نزيف الهجرة الواسع الى العاصمة من الريف العراقي الذي فقد ثلث طاقته العاملة بسبب سياسة الظلم والاضطهاد التي مورست ضد المزارعين الفقراء.
كما ان حكومة الثورة اسهمت في تطوير الحياة السياسية، حين اشركت الاحزاب في تشكيلات الحكومة واصبح لها ممثلون في الحكومة.
لقد كان التغيير كبيرا وشاملا ودخل العراق في هذا العهد الجمهوري مرحلة الصناعة ونظمت الحكومة القوانين التي تنهي احتكار الشركات الاجنبية النفطية للحقول العراقية غير المكتشفة، فضلا عن توسيع الوظائف وانهاء البطالة الحادة التي كان الشعب العراقي يعاني منها.كما ان التعليم توسع بشكل كبير في الريف والمدينة واصبحت للعراق جامعاته العديدة التي تخرج سنويا الكوادر العلمية الاكاديمية المثقفة .
لقد كانت ثورة الرابع عشر من تموز انعطافة تاريخية في مسار الشعب العراقي اسهمت في دخوله نادي الدول المتقدمة من العالم الثالث ،لكن هذه الثورة لم تسلم من التشوهات والاخطاء التي ارتكبت في عهدها والتي كان من بينها قتل العائلة المالكة من قبل ضابط في الجيش والذي تصرف بشكل منفرد على عكس رغبة الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم الذي كان يرغب في المحافظة على حياة افراد الاسرة المالكة ونقلهم الى المنفى ، لكن تأخر وصول قاسم ورفاقه من قادة الثورة الى بغداد الا بعد ساعات طويلة جعل الامور تفلت من السيطرة وذهب ضحية تلك الاعمال الهمجية والمتوحشة رجال ونساء الاسرة المالكة، فضلا عن حملة المطاردة الشرسة التي تعرض لها رئيس الوزراء الاسبق نوري السعيد والتي انتهت بمصرعه وسحل جثته في الشارع وحرقها في سلوك يدل على همجية من قاموا بهذا العمل وتجردهم من الانسانية.
لقد اسهم انقسام ضباط الجيش بين تيارين احدهم قومي كان يدعو الى الاندماج والوحدة مع مصر تحت زعامة عبد الناصر المتحسس من دور العراق وامكانية صعود نجمه في المنطقة وتحوله الى قوة منافسة لمصر وبين تيار وطني يدعو الى ابقاء العراق مستقلا وبعيدا عن اية تحالفات ومحاور في المنطقة وتركيز الاهتمام على تطور العراق وتنميته ، اقول اسهم هذا الاختلاف في بروز صراع عنيف ودموي انتقل الى الشارع وأدى الى سفك الدماء ومصرع آلاف الضحايا ولم يسمح لرئيس الوزراء عبد الكريم قاسم من استكمال خططه في تطوير العراق وتحديثه وتحويله الى مجتمع مدني وعصري ،حيث وجدت القوى المضادة للثورة في اطراف التيار القومي اليميني الحليف الرئيسي لها وعدم لجوء قاسم الى القوة البوليسية المفرطة في تعامله مع خصومه وتفكيك تحالفاتهم ومطاردة عناصرهم في الداخل والخارج الفرصة للتخطيط لاسقاط الثورة ،بل بالعكس من ذلك نجد ان هؤلاء الخصوم استغلوا تسامح الزعيم قاسم معهم وعودتهم الى مواقعهم في الجيش لتدبير انقلاب عسكري دموي اطاح بالزعيم قاسم وبحياة اكثر من 30 الف شخص من التيارات اليسارية والوطنية المعارضة ووقوع العراق لاحقا في قبضة نظام البعث الاجرامي الفاشي .
لقد كانت ثورة تموز عنوانا ومشروعا وطنيا اسهم في تطوير العراق وانتقاله من عهد الانظمة الملكية المستبدة الى عهد جمهوري وطني اسهم في تنمية الطبقات الاجتماعية ورفع مستوى البلاد العلمي والثقافي والاقتصادي وفي تحول العراق الى قوة سياسية بارزة في المنطقة قدمت الدعم الضخم والكبير لأبرز قضيتين تاريخيتين في ذلك لوقت وهما ثورة الجزائر وانتفاضة الشعب الفلسطيني ضد الغاصبين الصهاينة.


رد مع اقتباس