أقــلام وآراء إسرائيلي (515) السبـــت 28/12/2013 م
في هــــــذا الملف
ست ملاحظات اسرائيلية على هامش شهر ساخن
بقلم:عمير ربابورت،عن معاريف
حيرة الخلايا الأمنية الإسرائيلية
الأجهزة الأمنية الاسرائيلية تثبت عجزها عن كشف لغز العمليات التي تقوم بها المجموعات الفلسطينية
بقلم:اليكس فيشمان،عن يديعوت
جسر لندن وقنوات التفاهم السرية
بقلم:ناحوم برنياع،عن يديعوت
التعايش مع السكين
بقلم:يوئيل ماركوس،عن هآرتس
ست ملاحظات اسرائيلية على هامش شهر ساخن
بقلم:عمير ربابورت،عن معاريف
1. صعود درجة. الشهر الذي يوشك على الانتهاء يتحدى الجيش الاسرائيلي في كل الجبهات: عمليات واخطارات ساخنة سجلت على الحدود مع لبنان، سوريا وحتى على حدود مصر الطويلة (من حظنا أنه توجد حدود الاردن التي بقيت مستقرة نسبيا وكثيرا بفضل تكنولوجيا اسرائيلية تخدم الاردنيين وبفضل تصميم جيش الملك). ولكن مع كل الاحترام للحدود، فان الاسبوع الاخير من كانون الاول اعاد الى العناوين الرئيسة الارهاب الفلسطيني مع تنوع واسع لانواع العمليات زرع عبوة في باص في بات يام، طعن قرب مستوطنة آدم ونار على حدود قطاع غزة. ومن الجهة الاخرى كان مصابون كثيرون فلسطينيون في حملات اعتقال كانت تمر ذات مرة بسلاسة وباتت الان معقدة جدا، وطفلة غزية ابنة ثلاثة قتلت بهجوم لسلاح الجو.
2. فوضى. رغم عبق الانتفاضة في المناطق يدور الحديث في هذه المرحلة عن ‘فوضى’. موجة الارهاب يحركها احباط عام ولا سيما من السلطة الفلسطينية، وكذا من المفاوضات السياسية التي لا يؤمن بها أحد. السلطة من جهتها تنفس الضغط من خلال تشجيع اعمال تعتبر في نظرها ‘احتجاج شعبي’ وفي نفس الوقت تتعاون بنشاط مع أجهزة الاستخبارات الاسرائيلية في الحرب ضد العدو الخطير حقا في نظرها حماس والمنظمات الاسلامية المتطرفة.
ولغرض التوازن، من المهم أن نعرف بانه خلافا لايام الانتفاضة الثانية في بداية العقد الماضي، لا يزال الجيش الاسرائيلي يعمل بحرية شبه مطلقة في كل نقطة في المناطق والمنظمات الاسلامية تجد صعوبة في خلق بنية ارهابية ذات مغزى في مواجهة استخبارات ثلاثية: للجيش الاسرائيلي، للمخابرات الاسرائيلية وللسلطة الفلسطينية (ليس بالضرورة بهذا الترتيب من الاهمية). التقديرات الاستخبارية للجيش الاسرائيلي وللمخابرات الاسرائيلية، هذا الاسبوع ايضا كانت ان الجمهور الفلسطيني والسلطة غير معنيين بانتفاضة ثالثة. ””””’
هكذا فان البنية التحتية الهامة الاخيرة التي بدأت تترسخ على الارض، لمنظمة سلفية متطرفة على نحو خاص في قرية يطا في جنوب جبل الخليل سحقت هذا الشهر من قبل قوات الامن الاسرائيلية. وطالما بقي ميزان المصالح (وهو سيبقى) لن تندلع انتفاضة ثالثة. ولكن الطرفين يتدحرجان الى وضع جديد يتميز بعمليات تقوم على اساس مبادرات محلية وتأييد سلبي من جانب معظم الجمهور الفلسطيني. يتعين على الفلسطينيين أن يخترعوا للكفاح في صيغته المتبلورة اسما جديدا، وفي كل الاحوال فان الذروة لا تزال امامنا. موجة الارهاب ستتصاعد حين يتبين في الربيع أن المفاوضات لا تؤدي الى أي مكان. الا اذا تقرر تمديد حياة المفاوضات بوسائل مصطنعة فقط من أجل الابقاء عليها.
3. خطآن. في ضوء الوضع على الارض لا يمكن الا نلاحظ خطأين اسرائيليين. تحرير السجناء الفلسطينيين ذوي الدم على الايدي، والذي ستنفذ نبضته الثالثة في الاسبوع القادم، يستهدف ان يكون بادرة طيبة تعزز ابو مازن. اما عمليا فهو يعتبر كوهن اسرائيلي ان لم يكن غباء حقيقيا. وفي المدى البعيد سيشجع الارهاب فقط.
كما ان حقيقة أن الجيش الاسرائيلي لا يرد بسرعة على الوضع ولا يعزز القوات في المناطق بشكل كبير من شأنها ان تتبين كاشكالية. والسبب الذي يجعل قوات قليلة نسبيا تعمل على الارض هو ان الجيش الاسرائيلي يمتنع على نحو شبه مطلق عن تجنيد الاحتياط لاعتبارات مالية. وهكذا فبعد كل النزاعات الاعلامية، وعلاوات الميزانية التي اقرت مع′ نهاية السنة، فان الجيش الاسرائيلي لا يزال يوجد، من ناحيته على الاقل، في عجز 1.5 مليار شيكل مقابل ما يعتبره كاحتياجاته الاساسية.
4. بيبي بوغي. الاحداث الاخيرة ترسخ الثنائي بنيامين نتنياهو وموشيه يعلون بانهما المؤثران الحصريان في موضوع الامن. ويمكن منذ الان القول ان المجلس الوزاري السياسي الامني في حكومة نتنياهو الثالثة ضعيف جدا. شخصيات مثل دان مريدور وبيني بيغن ممن كانوا اعضاء في المجلس السابق اعتزلوا السياسة تماما. وزراء قدامى مثل سلفان شالوم وحتى وزير الاستخبارات والاستراتيجية يوفال شتاينتس يستبعدان عن مداولات المجلس الوزاري. اما للوزراء يئير لبيد، نفتالي بينيت، اسحق اهرنوفيتش وحتى افيغدور ليبرمان الذي عاد الى الشؤون مؤخرا، فلهم وزن أمني هامشي.
عندما وصلت التقارير عن مواطن اسرائيلي قتيل على حدود قطاع غزة يوم الثلاثاء كان يعلون في مكتبه في وزارة الدفاع. وجاء التقرير بعد عدة ايام متوترة على حدود غزة وأدى الى رد فعل شبه شرطي ‘يعلوني’: الاطلاق الى الجو بالتنسيق مع الجيش الاسرائيلي في ظل ‘اطلاع رئيس الوزراء، بطائرات سلاح الجو. اذا هوجمنا سنرد الهجوم. من نواحٍ عديدة، يعلون أقل ذكاء او تذاكيا بكثير من سلفه ايهود باراك: فهو مؤمن اقل بـ ‘الروافع′ وبالخطوات متعددة المراحل. ولهذا فقد كان الرد يوم الثلاثاء شبه فوري.
كان التقدير بان من يقف خلف اطلاق النار على المواطن الاسرائيلي هم الجهاد الاسلامي أو لجان المقاومة الشعبية. حماس لم تكن مشاركة، ورغم ذلك، تقرر الهجوم على اربعة اهداف لحماس من اصل ستة هوجمت. هدف اختيار الاهداف كان البث بانه من ناحية اسرائيل حماس هي المسؤولة على ما يحصل في القطاع. وبالتوازي مع الهجوم، بسط الجيش الاسرائيلي بطاريات قبة حديدة في الجنوب واستعد لجولة مناوشات لم تقع.
5. ضغط مصري. مع كل الاحترام لسياسة الرد الحازمة والسريعة فان ما اوقف جولة العنف الدورية في غزة حقا حتى قبل أن تبدأ هو الضغط الشديد الذي تمارسه مصر على حماس في غزة.
في ارجاء سيناء تدور حرب ضروس من الجيش المصري والمنظمات الاسلامية والتي تقع للجيش فيها خسائر أليمة ومهينة غير قليلة. وكجزء من هذه الحرب جفف الجيش المصري لاول مرة منذ سنين معظم انفاق التهريب التي تربط قطاع غزة مع الاراضي المصرية. وقد استجدت اسرائيل في الماضي عمل ذلك ولكن المصريين دحرجوا عيونهم. والان، عندما بات الحديث يدور عن مصلحة مصرية عليا (حماس هي في نظر الجيش المصري الحليف القريب لحركة الاخوان المسلمين التي اخرجت في مصر عن القانون) يتبين فجأة أنه توجد طريقة ناجعة لسد الثغرات.
عمليا، حماس مخنوقة من ناحية اقتصادية وسياسية وذلك لان مصر واسرائيل تسيطران على نحو شبه مطلق على توريد البضائع الى القطاع. وهي غير معنية في جولة قتال اخرى مع اسرائيل. ليس الان على الاقل.
6. حرب تحت ارضية. هذا لا يعني أن حماس لا تعمل الا في الشؤون الاجتماعية والخيرية والاقتصادية بل العكس. في ظل ‘التهدئة’ التي في نهاية المطاف لم تخترق بشكل جوهري هذا الاسبوع تعد نفسها بكثافة لجولة القتال التالية مع اسرائيل. القطاع لا ينجح في تلقي تموين صواريخ فجر الايرانية عبر مصر، ولهذا فان حماس والجهاد الاسلامي ايضا يعملان على تطوير ذاتي لصواريخ بعيدة المدى، تصل الى ‘ما بعد ما بعد تل أبيب’. ومع ذلك، يبدو ان هذا الجهد زائد. فالصواريخ لم تشكل تحديا هاما لـ ‘لقبة الحديدية’ ولـ ‘صيادي وسائل الاطلاق’ لسلاح الجو في يوم الامر، وذلك لانها تحتاج الى ارض اطلاق واسعة سيتم العثور عليها بسرعة وتهاجم في غضون ثوانٍ من اجهزة التحكم في الجيش الاسرائيلي.
غير أن بذلك لا تنتهي جهود حماس تمهيدا للمواجهة التالية. فالمنظمة تطور منظومة طائرات بدون طيار بل ومنظومة سايبر ولكن التهديد الاكبر بالذات معروفا أقل للجمهور الاسرائيلي، (ولكنه معروف بالتأكيد للجيش الاسرائيلي): ‘يتبين أنه سواء في قطاع غزة أم في جنوب لبنان تقام ساحات قتال تحت أرضية كبرى استنادا الى شبكة من الانفاق والخنادق. ومن هذه المساحات التحت أرضية ستطلق النار نحو’ اسرائيل. ليس بالضرورة بالصواريخ بعيدة المدى. ان التصدي للمجال التحت ارضي سيكون تحديا هاما للجيش الاسرائيلي. كما أن الانفاق قد تشكل الاساس لعملية الاختطاف التالية. وامكانية أن تكرر قضية جلعاد شاليط نفسها ليست اقل من كابوس في سيناريوهات الجيش الاسرائيلي.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
حيرة الخلايا الأمنية الإسرائيلية
الأجهزة الأمنية الاسرائيلية تثبت عجزها عن كشف لغز العمليات التي تقوم بها المجموعات الفلسطينية
بقلم:اليكس فيشمان،عن يديعوت
ثمة موجة طاغية من العمليات مع صفر انذارات تقريبا. وليس هذا دراما عملياتية فقط بل هو بلاك آوت استخباري.
في 2013 حدث بحسب معطيات الجيش 65 حادثة ارهاب في الضفة (من غير القدس): بين طعن وصدم بسيارة واطلاق نار ووضع شحنات ناسفة واختطاف جندي وقتله. ولم تنفذ منظمة ارهاب معروفة مؤسسة واحدة من هذه العمليات قط. وهذه ظاهرة تقلق جهاز الامن كله من الوزير حتى آخر واحد من مستعملي العملاء على الارض.
في يوم الاثنين في الخامسة مساءا، في مفرق آدم شمالي القدس، كان بالقرب من المفرق حادث طرق أعاق الحركة كلها. واستُدعي ثلاثة رجال شرطة لاخلاء الشارع. وانقض واحد من الجمهور يحمل سكينا فطعن شرطي وجرحه جرحا بالغا واختفى. وأُغرقت قرية من القرى شمالي القدس وأجرت قوات الامن اعمال تمشيط. وفي مرحلة ما انتقل التحقيق الى خطوط استخبارية. وفر الطاعن، ونشك حتى كتابة هذه السطور في أن يكون ‘الشباك’ يعرف اسمه. إن الشيء المؤكد هو أن القائم الفرد بالعملية هذا لم يكن معروفا ولم يكن مشتبها فيه ولم يكن يُراقَب الى أن استقر رأيه على العمل. وكانت تلك محاولة قتل عفوية وانتهازا لفرصة.
في السنوات التي كان جهاز الامن فيها شديد الثقة بنفسه وكان عنده تفسير لكل ظاهرة ارهابية، كانوا يُعرفون مثل هذه العملية بأنها ‘عملية كراهية’. وأصبح هذا الجهاز اليوم أنضج وعنده القدر الكافي من الشجاعة للاعتراف بأنه توجد هنا ظاهرة جديدة وبأنه لا يعرف كيف يواجهها. ولا ينطبق على هذه الظاهرة أي تعريف يعرفه الجيش و’الشباك’ مثل ‘انتفاضة مسلحة’ تقف وراءها بنى تحتية ارهابية منظمة أو ‘اخلال بالنظام جماعي’. وفي هذا الوضع أنت لا تعلم ايضا كيف تستعمل إصبعك لوقف قطر الماء قبل أن يصبح فيضانا.
يجلس الآن رجال الاستخبارات ويفكرون تفكيرا عميقا ويبحثون عن شيء من القانون في هذا السلوك العفوي. وقد حدث هذا لهم في الماضي. فحينما بدأت موجة الانتحاريين في الانتفاضة الثانية وقف رجال الاستخبارات عاجزين تقريبا. وحاولوا انشاء صورة عامة للانتحاري النموذجي، لكن بدأت تظهر آنذاك ايضا نساء انتحاريات وتحطمت النظريات جميعا. وطُرحت تلك البحوث في القمامة حينما انضمت الى دائرة القنابل الحية نساء علمانيات أو رجال كبار السن. وفي نهاية المطاف قام ‘الشباك’ مع سلسلة حلول جذرية كالقضاء على رؤساء الخلايا وفرض عقوبات السجن المؤبد على المعاونين ويشمل ذلك المصورين الذين وثقوا المنتحر قبل انطلاقه. وبدت هذه الحلول آنذاك مجنونة تقريبا. واحتاج المستوى السياسي الى أشهر وعشرات الاسرائيليين القتلى الكثيرين الى أن أعطى ‘الشباك’ الضوء الاخضر. وقد حاربوا ظاهرة الانتحاريين سنتين الى أن نجحوا في صدها واشتمل ذلك ايضا على تغيير حاد لوسائل الدفاع كبناء جدار الفصل ونشر حراس في المجمعات السكنية في اسرائيل.
ينبغي الخروج من الصندوق
إن الوضع اليوم مشابه، فهناك موجة ارهاب لكن اسهام الاستخبارات في احباط هذه الظاهرة هامشي. كان ارهاب الأفراد موجودا دائما لكن حينما يصبح عنصرا مركزيا في العمليات ويصبح مادة اشتعال على الارض فانه يجب الخروج من الصندوق والبحث عن حلول حقيقية، وهم الآن يجلسون أمام الشاشات ويقرأون المواد الاستخبارية الكثيرة ويُقوون التنصتات واعمال العملاء لكن لا شيء من كل ذلك له صلة الآن باحباط العملية التالية. ولا يوجد ما يُخيب أمل رجل الاستخبارات أكثر من أن يرى العلامات لكن دون أن يفهمها. وقد حدث هذا لهم في الماضي ايضا. فقد عرفوا عشية الانتفاضة الاولى في ‘الشباك’ أن شيئا ما سيئا يحدث في المناطق. كان ذلك بعد الافراج عن آلاف السجناء بصفقتي أسرى لكن اسهام المخربين المفرج عنهم في اشعال الميدان استوعب متأخرا فقط. كانت العلامات جميعا ظاهرة للعيان لكن لم يعرفوا كيف يحلون ألغازها ولم يُخمنوا الى أين سيفضي الامر.
كان أكثر ‘منفذي العمليات المستقلين’ الذين اعتقلوا في السنة الاخيرة مؤيدين عقائديا لمنظمات اسلامية، من حماس الى منظمات سلفية، لكن لم يكن لهم غلاف بنية تحتية ارهابية مؤسسية. وفي مقابل ذلك كان عدد من العلمانيين بينهم ممن قُتلوا أو اعتقلوا من رجال فتح أو اعضاءا في التنظيم. في الاسبوع الماضي فقط قُتل في صدام مع دورية مظليين في قلقيلية رجل من الامن الوقائي الفلسطيني. وقد عمل ذلك الرجل الذي كان مُعرضا للاقالة بالمناسبة مرسلا من نفسه. والى اليوم، في الوقت الذي يحاكم فيه منفذو العملية في الباص في تل ابيب في آخر يوم من عملية ‘عمود السحاب’، ما زالت منظمتان ارهابيتان تتنافسان في نسبة تلك العملية الى أنفسهما وهو ما يعني أن لا واحدة منهما كانت مشاركة حقا.
إن العملية في الباص في بات يام هذا الاسبوع ما زالت لغزا استخباريا. فلو أنه كانت تقوم من ورائها بنية تحتية مؤسسية كحماس فلربما لم تكن تُنفذ. كان يمكن على الأقل أن يُعرف ولو متأخرا من أين جاءت. فالبنى التحتية للمنظمات الارهابية المؤسساتية شفافة نسبيا. وتحاول البنى التحتية السرية لحماس في الضفة أن تنفذ عملية أو اثنتين كل شهر، واذا استثنينا تنظيمين اعتقلا حينما كانا في مرحلة تنفيذ العمليات بالفعل فانه قد تم الكشف قبل ذلك بكثير عن التنظيمات الباقية كلها.
هذه شهادة اخرى على ضعف حماس في الضفة، فالموالون لحماس خائفون. ولا يطاردهم الجيش الاسرائيلي و’الشباك’ فقط بل السلطة الفلسطينية ايضا. ولا يحصل مؤيدو حماس المعروفون على عمل في مؤسسات السلطة ولهذا فانهم يحذرون جدا التلويح بأعلام الحركة. وليس وضع رجال الجهاد الاسلامي والجبهة الشعبية في الضفة أفضل. نجحت الجبهة الشعبية في الحقيقة في أن تنظم عدة مظاهرات اعتراضا على المسيرة السياسية لكن عدد المشاركين فيها كان قليلا جدا.
وفي مقابل ذلك يُغرق ناس حماس في غزة الضفة بمواد تحريض. ويحاول موقع في الشبكة يُستعمل من قطاع غزة ويسمى ‘تحالف شباب الانتفاضة’، يحاول في الاشهر الاربعة الاخيرة اخراج الفلسطينيين في الضفة الى الشوارع. لكن الفشل مطلق الى الآن. وزعيم حماس في الضفة صلاح عاروري، موجود أصلا في تركيا. وكل محاولاته ومحاولات زعامة حماس المحلية في الضفة لاخراج ناسه الى الشوارع تحت راية انقاذ الأقصى يُرد عليها بعدم الاكتراث. بل لا ينجح المفرج عنهم في صفقة شليط الذين يتجولون بلا عمل في غزة في نفخ روح الحياة في زملائهم في الضفة.
لكن السلطة الفلسطينية ايضا تدع الجمهور الفلسطيني غير مبالٍ. في تشرين الثاني أراد جبريل الرجوب الذي يتولى ملف الشباب والرياضة في السلطة، أراد أن يجري مظاهرة جماعية في اطار ‘اسبوع الشباب’. وقد كان مُحتاجا الى هذا المهرجان ليقوي مكانته استعدادا للانتخابات الداخلية في فتح. وكان يفترض أن يضمن التاريخان اللذان اختيرا لاسبوع الشباب – وهما الابتداء في 11 تشرين الثاني، وهي ذكرى موت عرفات، والاختتام في 15 تشرين الثاني، وهو يوم اعلان الاستقلال الفلسطيني كان يفترض أن يضمنا أحداثا جماعية لكن لم يحدث شيء.
وهم ينجحون في حالتين فقط في اخراج الفلسطينيين في الضفة الى عمل احتجاج في الشارع: في جنازات قتلى في صدامات مع الجيش الاسرائيلي (كان 28 قتيلا في هذه السنة) أو استقبال سجناء مُفرج عنهم. إن الجمهور الفلسطيني يشعر بضعف حماس وبضعف السلطة في الضفة، وحينما تكونان ضعيفتين تكون النتيجة الفوضى. وحينما توجد فوضى يعمل الناس بصورة مستقلة.
أكثر من 500 زجاجة حارقة
توجد قضية اخرى لا يصرفون اليها في اسرائيل انتباها خاصا وهي مقدار شرعية السلطة في نظر الجمهور الفلسطيني. يسألون في الجاليات الفلسطينية بل بين عرب اسرائيل باسم من سيوقع أبو مازن على اتفاقات تبادل الاراضي ورسم الحدود وحق العودة، فمنذ سنوات لم تُجر انتخابات للمجلس الوطني الفلسطيني والرئاسة والمجلس التشريعي. وكلما اشتدت خيبة الأمل من المسيرة السياسية وزادت البطالة ولم يتحسن الاقتصاد، أصبح الجمهور في الضفة أكثر شكاً في شرعية السلطة. وهذه هي الارض التي تنمو الفوضى فيها والتي بدأنا نشعر بها على جلودنا ايضا.وتتحدث الارقام من تلقاء نفسها. ففي 13 حادثة في نصف السنة الاخير أُطلقت نار على قوات الجيش الاسرائيلي في اثناء أنشطة اعتقالات. وفي نصف السنة الاول حدث ذلك مرة أو مرتين. وضاعف عدد رمي الجنود وسيارات الجيش الاسرائيلي بالزجاجات الحارقة، ضاعف نفسه تقريبا فبلغ الى 522 حادثة (قياسا بـ 300 في السنة الماضية). في 2012 وقعت 1640 حادثة اخلال بالنظام. وارتفع العدد في هذه السنة الى 3140. ويشهد كل ذلك على ضعف الردع، فلم يعودوا يخافون من الاحتكاك مع الجيش كما كانوا في الماضي. في هذه السنة اعتقل الجيش الاسرائيلي 2660 مشتبها فيه للتحقيق (قياسا بـ 2280 شخصا في سنة 2012). والاعتقالات وسيلة مهمة لدى الاستخبارات لتحديد تنظيمات العمليات، وزيادة عدد الاعتقالات شهادة اخرى على أن الميدان يغلي.
ما لم يوجد رد استخباري واضح لاحباط موجة العمليات المستقلة هذه فانه يجب أن يأتي الرد قبل كل شيء من تحسين جهاز الحراسة وتعزيز الردع. والأهم الاعتقال والعقاب السريعان. ففي مقابل كل عملية تنجح ولا يعاقب القائمون بها ستنشأ عشر تحاول تقليدها. وهذا هو ما يجعل ‘الشباك’ والجيش الاسرائيلي قلقين جدا من عدد الحالات التي لم تُحل ألغازها الى اليوم كطعن البنت نوعم غليك في بسغوت في تشرين الاول من هذا العام أو حادثة اطلاق النار في الخليل في شهر ايلول التي قُتل فيها محارب من جفعاتي.
تحدث قائد منطقة المركز اللواء نتسان ألون في هذا الاسبوع مع مرؤوسيه من الضباط مستعملا مصطلح ‘فترة معقدة’، لكن توجيهاته الى القوات هي الاستمرار في السلوك كالعادة. وقال بعبارة اخرى: نحن ننظر وندرس ما يجري ونتابع بحسب الصيغة القديمة ما لم نُمسك الثور بقرنيه. وذلك بأمل ألا يشتعل الميدان، وحينذاك من المؤكد أن يوجد اولئك الخبراء الذين سيقولون: قلنا لكم. ألم نعلم أن الانتفاضة الثالثة قد بدأت في ايلول؟.
القذيفة الصاروخية التي تهدد مطار بن غوريون
غزة أمرها مختلف تماما. فنظام حماس في القطاع في ازمة استراتيجية وضعف لم يعرف شبيها بهما منذ تولى الحكم في 2007، وهو يرى أن المواجهة المسلحة مع اسرائيل هي الخيار الاخير. وستفتح حماس جبهة على اسرائيل اذا شعرت فقط بأنها تفقد الحكم بسبب الوضع الاقتصادي أو الامني.
إن جميع أحداث اطلاق النار واعمال القناصين من حدود غزة هي تعبير عن عدم السيطرة. برغم صراع القوة بين حماس والجهاد الاسلامي يوجد بينهما اتفاق على ألا ينفذ الجهاد اطلاق نار مدبرا على اسرائيل إلا في حالات يجتاز فيها الجيش الاسرائيلي الجدار. والحديث عن دخول في مسافة بضع مئات الأمتار للعثور على شحنات ناسفة وأنفاق، لكن ذلك بالنسبة لحماس والجهاد تحرش اسرائيلي يستدعي اطلاق النار على القوات بل اطلاق الصواريخ على اسرائيل اذا جُرح فلسطينيون.
متى تشعر حماس بأنها تفقد الحكم؟ يصعب أن نُقدر ذلك. فان المعابر اليوم هي شريان الحياة الوحيد للقطاع واغلاقها في وجه ادخال السلع قد يفضي الى تفجر داخلي موجه على سلطة حماس. حينما استقر رأي وزير الدفاع موشيه يعلون قبل بضعة اسابيع على تجديد إمداد القطاع بالاسمنت ومواد البناء لم يفعل ذلك فقط على إثر دعوة الامين العام للامم المتحدة بان كي مون ومنظمات دولية مثل الاونروا، بل استجاب لتوصيات الخبراء حوله الذين يُقدرون مقدار الضرر والفائدة في كل واحدة من عمليات تشديد الحصار على غزة. إن وزن اسرائيل في اقتصاد غزة أكبر اليوم بأضعاف مما كان قبل بضعة اشهر لأن معاملة مصر لحماس جعلت القطاع يرجع الى أحضان اسرائيل. ولهذا فان اغلاق معبر كيرم شالوم بعد اطلاق القناصين النار على العامل في وزارة الدفاع هذا الاسبوع كان مُقدرا ومحسوبا لأجل العقاب والردع. ولا تستطيع اسرائيل أن تبيح لنفسها اليوم خنق القطاع لأن الخنق قد يفضي الى انحلال وقف اطلاق النار.
وهنا توجد المفارقة الكبرى وهي أن اسرائيل هي التي تسيطر اليوم على الصمام الذي يحول الاوكسجين الى غزة ويضمن استقرار نظام حماس ووقف اطلاق النار. بيد أن حماس برعاية وقف اطلاق النار هذا تتسلح بعشرات القذائف الصاروخية الجديدة التي تصنعها هي نفسها وترمي الى الوصول الى مدى يزيد على 70 كم. واذا كان عندها في عملية ‘عمود السحاب’ خمسة صواريخ كهذه فعندها اليوم عشرات كثيرة من الصواريخ القادرة لا على شل الحياة في تل ابيب فقط بل في مطار بن غوريون ايضا. يجب على اسرائيل اليوم أن تفحص أما زال الحساب الذي أجرته والمتعلق بمقدار منظومات القبة الحديدية التي تحتاجها، أما زال واقعيا.
وأصبح تهديد الأنفاق الهجومية ايضا مشكلة استراتيجية شديدة. ينبغي في المواجهة التالية أن يؤخذ في الحسبان سيناريو ظهور بضع عشرات من رجال القوات الخاصة من حماس من أنفاق بالقرب من بلدات في غلاف غزة. وبرغم الجهد المبذول للعثور على الأنفاق وبرغم أن عددا منها انهار بسبب الامطار القوية، فانه لا يعلم أحد بيقين كم يوجد من الأنفاق المعدة للعمل. لو كانت الايام كالعادة لاستطاع الجيش الاسرائيلي أ، يحدد مواقع المصانع التي تصنع القذائف الصاروخية، والورشات التي تُبنى بها وسائل الطيران بلا طيارين، والأنفاق الهجومية ويُدمرها. ويستطيع الجيش الاسرائيلي اليوم في ظل وقف اطلاق النار أن يحدد هدفا كهذا في قطاع غزة لكن يديه مكبلتان. وهم في الجيش الاسرائيلي يُقدرون أن وقف اطلاق النار لن يستمر وقتا طويلا، وحينما يحدث ذلك الانفجار على الارض ستكون الاسلحة الاستراتيجية عنصرا مركزيا في نشاط حماس. وهذه المفارقة هي نتيجة مباشرة لعدم وجود سياسة اسرائيلية واضحة بشأن مستقبل قطاع غزة. اذا كانت اسرائيل تريد الحفاظ على الردع فيجب أن توجه من آن لآخر ضربة عسكرية مؤلمة، لكن هذا لن يحل مشكلة التسلح. اذا أردنا أن نحل مشكلة التسلح فيجب أن نغير الواقع في القطاع وهو ما يقتضي عملية عسكرية كبيرة. ولأنه لا توجد سياسة واضحة ففي كل مرة تنجم مشكلة سيرتجلون اجراءا عسكريا ما يؤخر النهاية لكنه لن يحل أي شيء في الحقيقة.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
جسر لندن وقنوات التفاهم السرية
بقلم:ناحوم برنياع،عن يديعوت
كان الدكتور حسن التهامي رجل سر أنور السادات رئيس مصر. في صيف 1977 أرسله السادات الى المغرب، الى محادثات سرية مع موشيه ديان وزير الخارجية في حكومة مناحيم بيغن. وتمت المحادثات برعاية ملك المغرب من وراء ظهري الحكومتين في القدس والقاهرة، ومن وراء ظهر الامريكيين. وقد وعد ديان التهامي بأن يوافق بيغن في اطار اتفاق سلام على الانسحاب من سيناء كلها حتى آخر متر. ومهد هذا الوعد الطريق لزيارة السادات للقدس ومحادثات كامب ديفيد والتوقيع على اتفاقات السلام.
إن قناة التحادث السرية بين نتنياهو وأبو مازن التي كتبت عن وجودها أمس في ‘يديعوت احرونوت’ بعيدة عن الأهمية التاريخية التي كانت لقناة ديان التهامي. وثم من سيضيفون هنا: للأسف الشديد. وهي بعيدة ايضا عن القناة السرية التي انشأها نتنياهو في ولايته الاولى لرئاسة الوزراء مع حافظ الاسد رئيس سوريا. كان الرجل الثقة الذي اختاره نتنياهو هو صاحب المليارات رون لايدر، وسافر لايدر بضع مرات الى دمشق مبعوثا من نتنياهو، وأعطى وعودا مبالغا فيها وخط خطوط الحدود. وحينما تفجرت البعثة حاول نتنياهو أن يلقي المسؤولية عن الوعود على كتفي مبعوثه الضيقتين. فلم يوجد اتفاق لكن وجدت مهانة.
وأفضت قناة سرية آسرة الى اتفاق اوسلو. فما بدأ بمبادرة من باحثين وجهات معنية في النرويج ارتفع الى أعلى على مراحل، الى مجموعة بيرس أولا ثم الى بيرس نفسه والى رابين في النهاية. ونشأت بين المطلعين على السر في الطرفين علاقة حميمة لا نظير لها. ولم يقل اخلاصهم للمسيرة واخلاص بعضهم لبعض عن اخلاصهم لمرسليهم. لكن ليس هذا هو الشأن هنا. توجد عدة اسباب حسنة لانشاء قنوات تحادث سرية. يرمي الاول الى الاعداد لتحول استراتيجي وتصالح بين الأعداء؛ والثاني الى حل يومي للمشكلات على الارض، بين حكومات متجاورة أو بين محتلين وواقعين تحت الاحتلال؛ والثالث إحداث انطباع محادثات حتى حينما لا توجد محادثات؛ والرابع تمكين القادة من الالتفاف على ممثليهم الرسميين في التفاوض بالتفريق والسيطرة والتنكيل بينهما شيئا ما بمرؤوسيهم؛ والخامس اعطاء المبعوثين السريين أهمية في الحياة.
كان مبعوث نتنياهو الى قناة التحادث مع أبو مازن وما زال اسحق مولخو، وهو محام خاص كثير الاعمال، وهو شريك رفيع المستوى في مكتب يُمثل رئيس الوزراء شخصيا، وهو من أقربائه. ويقوم مولخو ببعثته السياسية مع اعماله الخاصة فهذا ما أُبيح له فعله. وكان من نتيجة ذلك أن انتظرته لندن مبعوثا سريا الى أبو مازن ومحاميا تشمل اعماله العالم كله. ودفعت الحساب واحدة من أذرع الأمن. يقول أحد المصادر إن الرحلات كانت متقاربة والحسابات كبيرة أو ربما كبيرة جدا اذا ما قيست بنتائج المحادثات.
ويبدو أن مبعوث أبو مازن الى القناة هو باسل عقل. وعقل وقد ولد في 1938 أصغر بثلاث سنوات فقط من أبو مازن وقد ولد في يافا. وهو حاصل على اللقب الثاني في علوم السياسة من الجامعة الامريكية في بيروت. وعمل في بداية ستينيات القرن الماضي مستشارا في وزارة الخارجية الكويتية. وأتم حياته المهنية بعد ذلك في منظمة التحرير الفلسطينية في موازاة محمود عباس (أبو مازن): فقد كان مدير القسم السياسي في المنظمة وممثل المنظمة الأول في مصر، وممثل المنظمة في الامم المتحدة ومستشارا سياسيا لعرفات ومدير مكاتب الجامعة العربية في لندن. ولندن هي مقر اقامته الدائم. بعد أن اعتزل جهاز م.ت.ف رسميا دأب في اعماله الخاصة. وقد كان في جملة ما كان مرتبطا باتحاد اعمال حسيب صباغ وهو واحد من اتحادات الشركات التجارية الكبرى بملكية عربية.
حدّثني أمس افرايم سنيه، وهو من رؤساء حزب العمل في الماضي، عن المحادثات السرية التي أجراها مع عقل في لندن مرسلا من رابين وبيرس. وقد عينه عرفات رجل اتصال وحل محل هاني الحسن وسعيد كمال اللذين أجريا محادثات مع رجال حزب العمل في باريس حتى 1988. ويقول سنيه إنه أكثر من السفر في السنوات 1989 1992 في المرحلة الاولى حينما كان حزب العمل شريكا في حكومة الوحدة الوطنية، ومنذ 1990 في المعارضة أكثر من السفر الى لندن للقاء عقل.
وسألت سنيه كيف هو؟ ‘إنه رجل حضاري ومثقف ودمث ومعتدل نسبيا’، أجاب. وأوقفت المحادثات عشية عودة حزب العمل الى الحكم في 1992. يرى أبو مازن أن باسل عقل صديق مقرب ورجل سر. وهما يلتقيان من آن لآن في لندن وفي رام الله وفي اماكن اخرى. وبحسب مصادر فلسطينية كانت زيارة عقل الاخيرة لرام الله في الشهر الماضي.
إحتاج نتنياهو وأبو مازن الى قناة التحادث السرية في الأساس في ولاية نتنياهو السابقة حينما رفض الفلسطينيون العودة الى طاولة التفاوض. ومُرّرت في القناة رسائل وتم تبادل افكار لكن لم يُسجل شق طريق. وقد قال لي واحد من قدماء الاتصالات بالفلسطينيين في هذا الاسبوع إن السؤال الاول الذي يجب أن يُسأل عن هذه القناة هو ما هي قوة مبعوث الطرف الآخر. إن مكانة مولخو واضحة، فهو ذراع نتنياهو. وكل كلمة منه مُلزمة لرئيس الوزراء لكن عقل ليست له مكانة رسمية بل هو صديق فقط.
يوجد شيء محزن بالطبع في أن يعود رئيس وزراء اسرائيل ورئيس م.ت.ف بعد اتفاق اوسلو بعشرين سنة الى نفس نوع التحادث الذي خدم حزب معارضة قبل اتفاق اوسلو. إن 15 كم تفصل بين ديوان رئيس الوزراء في القدس والمقاطعة في رام الله. وحينما يُحتاج للوصول من هنا الى هناك الى المرور بلندن أو بواشنطن فان شيئا ما مُختل عند الطرفين.
المُضي الى النهاية
يقضي الرئيس اوباما عطلة عيد الميلاد في هاواي في ملعب الغولف. توجد أمور قليلة مقدسة في الرزنامة الامريكية أحدها عطلة عيد الميلاد. لكن جون كيري في مقابل ذلك يُتعب العاملين معه من الصباح الى الصباح ولا يخفف عنهم. وهم سيتذكرون عيد الميلاد هذا حتى وإن لم يُحرز اتفاق بين اسرائيل والفلسطينيين.
ينحصر العمل الآن في جهد للتوصل الى اتفاق اطار يقول الكثير عن المواضيع الجوهرية لكن لا يُلزم بخطوات على الارض فورا. إن اتفاق الاطار هو مصطلح مرن بصورة عجيبة. الاتفاق الجدي يجعل الطرفين يقومان في نقطة لا عودة عنها. ومنذ اللحظة التي يوقع فيها عليه يسيران فيما اعتاد اريئيل شارون أن يسميه ‘كورالز′ أي في ثلم ليس له مخرج ولا مفر حتى المحطة النهائية.
يكتفي اتفاق اطار ضئيل بأقوال عامة غير ملزمة. لنفرض أن يرد في الاتفاق أن الحدود الدائمة ستخطط على حسب خطوط 1967 مع تبادل اراض. هذا قول مُلزم جدا، وهو قول صعب جدا على نتنياهو. لكن لنفرض أن يُقرن بهذه الجملة نجم يولد الملاحظة الهامشية التالية: ‘بحسب المواقف التي سيثيرها الطرفان في التفاوض’. إن هذه الملاحظة تُفرغ تلك المقولة من مضمونها. وهو حكم المادة التي يرد فيها: ‘يستطيع اللاجئون العودة والاستقرار في الدولة الفلسطينية’. إن هذه الجملة تعفي اسرائيل من طلب استيعاب فلسطينيين في ارضها. وتُبين للشارع الفلسطيني حدود تحقيق حق العودة. لكن اذا أُضيفت اليها جملة تحفظية فسيعود كل شيء الى نقطة البداية.
يمكن الفحص عن جدية الورقة التي أخذت تُصاغ بطريقتين. الاولى مأخوذة من مجال الانشاء وهي لا تكون بقراءة الجمل الرئيسة الاحتفالية فقط بل الجمل غير المهمة ايضا التي تبدأ بعبارات ‘ومع ذلك’ و’برغم ذلك’. والثانية مأخوذة من المجال السياسي. فانه اذا لم تُحدث الورقة التي يصوغها الامريكيون ازمة سياسية عميقة في اسرائيل والضفة ايضا فانها لا تساوي الجهد المبذول فيها. لأنه لا سبيل للوصول الى اتفاق مهم مع الحفاظ في الوقت نفسه على الائتلاف الحكومي القائم. ولا سبيل للوصول الى اتفاق مهم من غير إثارة غضب الجناح العسكري في فتح وحماس والجهاد ويشمل ذلك موجة محتملة من العمليات التفجيرية.
ولهذا يتابع العاملون في فريق السلام الامريكي في كل يوم التصريحات في كتلة البيت اليهودي وفي القسم المتطرف من الليكود. ويهمهم جدا ما الذي سيفعله ليبرمان. ويهمهم جدا كيف سيتصرف زئيف الكين ويريف لفين وروبي ريفلين ويسرائيل كاتس وتسيبي حوطوبلي، وكيف سيؤثرون اذا أثروا في قرارات نتنياهو في الاسابيع القريبة، وكيف سيؤثرون في مسارات في داخل الليكود اذا اتخذ نتنياهو قرارا وحينما يتخذه. وتثير عنايتهم كيفية السلوك في البيت اليهودي. فما الذي سيجعل بينيت ورفاقه يتركون وما الذي سيبقيهم في الداخل. وكيف سيتصرف أوري اريئيل والعاملون معه. وكيف سيحاولون إفساد المسيرة.
إنهم من جهة أشد تصميما من بينيت على معارضة الاتفاق، وهم من جهة اخرى متصلون اتصالا قويا بالحكومة. وقد يقولون إن المال للمستوطنين أهم من حروف في ورق.
يريد كيري أن يضطر الزعيمين الى التوصل الى ما يسميه ‘لحظة الحقيقة’ وهي المفترق الذي يجب عليهما فيه أن يقررا الى أين يتجهان ولا سبيل للامتناع عن القرار وهذه هي بالضبط اللحظة التي يحاول الاثنان الامتناع عنها.
الرئيس وحده قادر
إن الكثير متعلق بكيري لكن المتعلق باوباما أكثر. فلا تكفي ضغوط وزير خارجية امريكي عنيد متحمس لاضطرار الزعيمين في الطرفين الى الموافقة على ورقة مهمة. ويستطيع رئيس الولايات المتحدة وحده أن يستعمل وسائل الضغط التي تُبين لهما ثمن رفضهما. التقيت قبل بضعة اسابيع مع إيد جرجيان الذي كان اليد اليمنى لوزير الخارجية الامريكي جيمس بيكر حينما اضطر حكام العرب ومنهم الرئيس الاسد الى حضور مؤتمر السلام في مدريد. وسألته ماذا كان سر نجاحه فأجاب: ‘الرئيس أولا. فقد وقف الرئيس بوش من ورائنا مئة بالمئة’.
أشك في أن يكون كيري يملك قوة مشابهة، لا لأن العلاقات بينه وبين اوباما مختلفة فقط ولا لأن طبيعة اوباما مختلفة فقط بل وفي الأساس لأن اوباما يواجه صراعا غير سهل في مجلس النواب في اسقاط العقوبات على ايران. يستطيع نتنياهو أن يؤثر في مقدار المعارضة في مجلس النواب وشدتها. والفرض هو أن اوباما لن يتطوع بفتح جبهة اخرى مضادة له.
إن الامريكيين فوجئوا مفاجأة الى أحسن بالتقدم الذي أحرزوه في المحادثات. واقتنعوا بأن نتنياهو في هذه المرحلة يريد اتفاقا، ومن جملة اسباب ذلك أنه يعلم أنه اذا عُرض باعتباره رافضا فستضطر لفني ولبيد الى الاعتزال، وحتى لو انشأ ائتلافا حكوميا بديلا فسيضطر الى مواجهة عالم معاد. فالاوروبيون سيضربون اسرائيل على كل حال حتى لو اتهم الامريكيون أبو مازن بالفشل.
والحقيقة هي أنه حتى لو ضُيقت الفجوات فان الهاوية ما زالت عميقة كما كانت. رفض الفلسطينيون الورقة الأمنية التي عرضها الامريكيون، فهم غير مستعدين لوجود عسكري اسرائيلي في غور الاردن عشر سنوات، وهو وجود يرون أن اسرائيل تستطيع الفحص عنه من جديد بعد انتهاء المدة. ويُقدر عضو الكنيست احمد الطيبي أن أبو مازن لا يستطيع الموافقة ايضا على مواد تتعلق بالمواضيع الجوهرية فهو لن يوافق على الاعتراف باسرائيل كدولة يهودية، ولا على التخلي المطلق عن حق العودة، ولا على التخلي عن شرقي القدس عاصمة. وسألت تسيبي لفني عريقات ما هي المناطق التي هو معني بالحصول عليها مقابل الكتل الاستيطانية فرفض عريقات الاجابة وقال في عناد: ‘قولوا أنتم’.
ولا يوجد رضى ايضا في الجيش الاسرائيلي عن الورقة الامنية الامريكية. فالشيء المهم للجيش الاسرائيلي هو وجود حرية عمل في داخل الدولة القادمة لمواجهة الارهاب. إن يدي اسرائيل مقيدتان في سيناء فاتفاق السلام يمنع الجيش الاسرائيلي من العمل وراء الحدود ويوجد لذلك ثمن. وهم في الجيش الاسرائيلي يخشون وضعا مشابها في الضفة الغربية.
طلب رجل فريق السلام الامريكي ديفيد مكوفسكي أن يستمع من آفي مزراحي، قائد منطقة المركز في الماضي، الى رأيه في الخطة الامنية لغور الاردن. فأجابه مزراحي كما يقول بأنه يؤيد وجود الجيش الاسرائيلي في غور الاردن مدة أجيال. ‘أنا أُقدر أن عبد الله هو الملك الهاشمي الاخير’، قال. ‘سيكون بعده حكم فلسطيني في جانبي الاردن. وفي هذه الظروف يجب أن يبقى الجيش الاسرائيلي’.
إن مجرد حقيقة أن رجل الفريق الامريكي تحدث الى لواء (احتياط) أغضب اليمين، فهاتفت اييلت شكيد من البيت اليهودي للاحتجاج. وصرفت انتباهي ايضا الى اللواء (احتياط) غادي شمني، الذي يكتب وثيقة عن علاقات اسرائيل بفلسطين.
يتحدث شمني بلغة أكثر اعتدالا من لغة مزراحي، لكنه يعرض ايضا شروطا أمنية غير سهلة للاتفاق. ويتحدث في جملة ما يتحدث عنه عن الحاجة الى مدة وجود اسرائيلي طويلة في الغور. وفي هذا الشأن على الأقل آراؤه قريبة من الريح التي تهب الآن من ديوان رئيس الوزراء. وهذا لا يهم معارضي الاتفاق، كل اتفاق، إنهم يشمون ريح الخيانة في كل حديث لاسرائيلي مع ممثل حكومة اجنبية ولا سيما الحكومة في واشنطن.
احتلال قرى هادئة
في يوم الثلاثاء الماضي في السابعة صباحا اجتاح لواء مظليين قرية في جنوب شرق الضفة. وقد أصبحت هذه الاجتياحات في المدة الاخيرة جزءا من خطط تدريب ألوية المشاة. فقد اجتاحت صفد واجتاحت ريشون لتسيون واجتاحت عسقلان. والفرق هو أن ربات البيوت في عسقلان وريشون لتسيون انتظرن الجنود الأبطال يحملن الكعك في نهاية التدريب. وفي عرب الراشدية وهي قرية بدوية في الضفة تابع السكان الجنود في ذعر وشعر الجنود وهم رجال احتياط وآباء لاولاد بعدم الارتياح، فهم لم يتمنوا مهمة كهذه.
الحديث عن تدريب لوائي للواء الـ 55 وهو تدريب ناجح بحسب جميع الآراء، فقد حضر أكثر من 90 بالمئة برغم البرد القارس، وكانت سلسلة تدريبات صعبة ومعقدة لم يعرف اللواء شبيها بها سنوات كثيرة. واختيرت القرية للمهمة لأن نحوا من ثلث بيوتها مهجور. فقد تبين أن الادارة العسكرية الاسرائيلية حاولت أن تضطر البدو في المنطقة قبل عشرات السنين الى السكن الدائم في القرية. وجاءوا ببنى اسمنتية وقالوا لهم: ‘فيها تسكنون’. ولم يُرد البدو وبقيت تلك البنى فارغة. فوضعوا في الجيش الاسرائيلي علامات عليها. وكانت تلك البنى الفارغة وحدها هدف الهجوم، فلم يمسوا البيوت المسكونة لكن مقاتلي اللواء احتلوا الشوارع مدة ساعتين.
يمكن أن نتفهم الجيش: فالمقاتلون يعرفون منذ زمن كل بيت وكل ركن في قرية بُنيت لهم في تسالم. ويريد قادتهم أن يدربوهم على قتال في منطقة أصيلة مع الاصوات والروائح والمشكلات التي تعرضها قرية مأهولة. ويمكن من جهة ثانية تفهم الجنود، فهم لم يربوهم على احتلال قرى هادئة فارغة من العدو. ويحتاج هذا الاجراء الى تفكير جديد.
ورد متحدث الجيش الاسرائيلي على ذلك بقوله: ‘على خلفية فهم ان الجيش الاسرائيلي سيحتاج الى العمل في محيط مدني يُجري تدريبات في مناطق مأهولة في بلدات اسرائيلية وفي بلدات في داخل يهودا والسامرة. وتُنسق التدريبات مع السكان الفلسطينيين بواسطة الادارة المدنية. ويُطلب الى الجنود الامتناع عن تعريض السكان للخطر وإحداث ضرر بالممتلكات أو تشويش غير معقول على حياتهم العادية’.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
التعايش مع السكين
بقلم:يوئيل ماركوس،عن هآرتس
لا أقترح على أحد تجريبنا’. هذا التهديد المعروف صدر هذا الاسبوع على لسان رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ردا على التسخين المفاجيء في علاقات الشعبين، بالذات فيما تجري مفاوضات على تسوية سلمية. انتفاضة؟ ليس مؤكدا. حين ولدت الانتفاضة الاولى، لم يكن لها اسم. كانت هذه موجة منفلتة العقال من اعمال الاخلال بالنظام، بدأ هذا برشق الحجارة، حين كان سلاحنا المضاد، نحن أصحاب الرقم القياسي في قدرة اختراع العبقرية اليهودية، هو ‘قاذفة الحصى’. وبالذات بعد توقيع الاتفاق مع عرفات بدأت موجة العمليات الفتاكة. الطعن، اطلاق النار والتفجيرات في الباصات وفي المطاعم سفكت دماء المواطنين الاسرائيليين في المدن الكبرى.
في البداية لم يولي جهاز الامن اهتماما بالانتفاضة الاولى. رئيس الاركان دان شومرون قال في حينه إن ‘الاضطرابات’ غير جدية، ‘سنقضي عليها بسهولة’. أما اسحق رابين فوضع لنفسه هدفا اخراج غزة من تل ابيب، ودفع على ذلك بحياته. ومن جاء لزيارة العزاء في بيت رابين في رمات أفيف، إن لم يكن عرفات. جاء بلا كوفية، كي لا يمس بمشاعر العائلة. ومن رأينا في مرحلة لاحقة، إن لم يكن رئيس الوزراء اهود باراك يتسلى بالدفعات المتبادلة الهزلية مع الرئيس في مسألة من يدخل أولا الى مكتب الرئيس كلينتون في كامب ديفيد. والنتيجة: في مرحلة لاحقة استضاف الرئيس على الغداء في بيته، فيما كان في يد الاخير هدية قرط ثمين لزوجة رئيس الوزراء. وبعد يومين اندلعت الانتفاضة الثانية والأكثر وحشية بينهما.
الآن، مع تدخل الرئيس الامريكي وتوجيهاته لتسيير تسوية سلمية في منطقتنا، مترافقا وعقوبات آخذة في الاشتداد ضد اسرائيل، واضح أن الليبرمانيين والمتزمتين على أنواعهم سيقررون النبرة. فدخول جون كيري الى الصورة بقوة وبحماسة لم يشهد لهما مثيل منذ كسينجر، نحو دزينة زيارات حتى الآن، يدل على أننا قريبون من تسوية سلمية. ولكن كلما اقتربت النبضة الثالثة من تحرير السجناء، تعاظمت العمليات وأحداث الارهاب.
جندي قُتل بنار فلسطيني عمل معه؛ جندي قُتل باصابة رصاصة قناص قرب الخليل؛ إبنة تسعة أصيبت بجوار بيتها في بسغوت بنار مخرب؛ عقيد احتياط يُقتل على يد فلسطيني خارج بيته في الغور؛ جندي يُصاب بعبوة زُرعت في نفق على الحدود مع قطاع غزة؛ جندي يُطعن حتى الموت على يد فلسطيني في باص في العفولة؛ عملية باص في بات يام مُنعت بفضل يقظة المسافرين، وبعد بضع ساعات من ذلك نار قناص قتلت عامل مقاول لوزارة الدفاع على حدود غزة، ومُنع في القدس دهس لشرطي. ستة اسرائيليين قُتلوا منذ استئناف المفاوضات مع الفلسطينيين في تموز، ووقعت 600 حالة عنف صعبة اخرى على خلفية وطنية.
لقد تعهد بيبي بالحفاظ على الهدوء بيد قوية وبذراع ممدودة. والخوف هو أن ينشأ واقع من العمليات المصادفة في المناطق في النهار ونشاطات للجيش الاسرائيلي في الليل. تطلق النار هنا وتطلق النار هناك، ونحن نرد أو لا نرد. وفي هذه الاثناء رددنا. هذه المرة قُتلت طفلة ابنة ثلاثة في غزة. قيادة حماس لا تريد التورط كي لا تتهمها السلطة بتفجير التسوية السلمية التي كد كيري عليها. وفي هذه الاثناء يدور الحديث عن ارهاب أفراد يريدون تسخين الساحة. استخباراتنا هي ايضا لا تعرف بالضبط ماذا يحصل ومن المذنب، ولكن وضع الفلسطينيين يتحسن، رغم شريحة المليونيريين في رام الله والمحيط الذين يسكنون في الفيلات ويطيرون في الصفوف الاولى أو في الطائرات الخاصة. ليس واضحا من يكره معظم الفلسطينيين أكثر الاحتلال الاسرائيلي أم الفلسطينيين الذين يثرون من الوضع.
حتى لو وقع الطرفان على تسوية سلمية، لن يكون حب كبير بين متزمتينا ومتزمتيهم. ودوما سيوجد فلسطينيون يطعنون يهودا. ‘إذبح اليهود’ كان شعارهم منذ عدنا الى هذه البلاد. لا العناد ولا السكاكين ستخيفنا.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ


رد مع اقتباس