أقــلام وآراء إسرائيلي (544) السبـــت 01/02/2014 م
في هــــــذا الملف
يا كيري لا تتعب!
بقلم:يوئيل ماركوس،عن هآرتس
اللاجئون في الاردن كذخر اقتصادي
بقلم:تسفي برئيل،عن هآرتس/ذي ماركر
خوف من خذلان اسرائيل لمواطنيها
ترك المستوطنين الاسرائيليين في الضفة تحت سيادة فلسطينية فكرة اخترعها يوسي بيلين وهو نفسه لايؤمن بها
بقلم:ناحوم برنياع،عن يديعوت
فيتامين سي سي (سيسي)
بقلم:سمدار بيري،عن يديعوت
يا كيري لا تتعب!
بقلم:يوئيل ماركوس،عن هآرتس
في أعقاب خطاب الرئيس اوباما الى الامة، والذي كان مكرسا في معظمه للشؤون الداخلية، بقيت أنت، يا جناب وزير الخارجية، وحدك لمعالجة النزاع الاسرائيلي الفلسطيني. يوجد من يقول انك تتطلع لان تتنافس على الرئاسة في الانتخابات القادمة. كسياسي محنك، ليس على لسانك لا نفيا ولا تأكيدا. على كل حال، فانت بدت منذ الان تصعد وتنزل في مدرج الطائرة مثابة خفة ملكية. والسؤال الذي يشغل بالي هو هل في الزمن المتبقي ستواصل التركيز الاقصى، مثلما فعلت حتى الان، على موضوعنا. اذا كان هذا بالفعل ما سيحصل، فاني كنت سأسمح لنفسي بان أتوجه اليك بالطلب التالي: صحيح، ايا من الطرفين لا يجن جنونه على المسار الذي تقترحه، وكل واحد منهما يفعل كل ما في وسعه كي يثبت بان الاخر هو رافض السلام، ولكن حذار أن تتأثر بذلك.
بيبي لم يخترع الطريقة وهذه لم تبدأ به. ففي السنوات العشرة من حكمه لم يبادر بيبي الى أي حرب، أي سلام، كما أنه لم يكن، ولا يمكنه أن يكون، شارون. ‘في ضوء تهديدات المتطرفين في حكومته، لا يمكن لبيبي أيضا أن يقيم حزب سلام خاص به مثل كديما. ولا غرو أنه يحتاج الى الاحابيل. عندما قال بيبي انه يمكن ان يبقى قسما من المستوطنين في الاراضي الفلسطينية، فقد نجح في أن يخدع بينيت فقط. استغرقه وقت لاقناعه بان هذه احبولة، مثابة اذا كانوا يرغبون فليأكلوا واذا كان لا يرغبون فلا داعي لان يأكلوا. وان كان هذا احبولة، فانه يسيء سمعة الاحبولة. فالجميع يعرف بانه لن تكون تسوية نهائية دون اخلاء كل المستوطنين. فمنذ محادثات اوسلو تم النظر بين الطرفين في الخيار في أن يتمكن بعض المستوطنين من المغادرة وتلقي التعويضات والبعض الاخر يبقى في اماكنهم الحالية تحت حكم فلسطيني. ومنذئذ لم يأخذ احد هذا على محمل الجد.
اذن أين هنا الاحبولة؟ فهو يذكر قمة ايهود باراك مع عرفات وكلينتون في كامب ديفيد والتي رغم الابتسامات انتهت بالفشل. ‘أردت أن أكشف الوجه الحقيقي لعرفات’، قال باراك الذكي العظيم. وعندها اندلعت الانتفاضة الدموية الاكثر فتكا منها جميعا. بيبي هو الاخر اراد أن يكشف ‘الوجه’ الحقيقي للفلسطينيين، ولكن بدلا من ذلك كشف عن الوجه الاعوج لحكومة بيبي.
أيها السيد كيري المحترم، في الوقت المتبقي لك حتى الانتخابات للرئاسة، لا تهجر بأي شكل مساعيك المذهلة في تحقيق تسوية سلمية بيننا وبين الفلسطينيين. فببساطة لا يوجد لك بديل. واصل ولا تيأس، لا من أقوال بينيت ولا من اقوال يعلون، اكونيس، فايغلين، ليبرمان وامثالهم. فهذا الشعب يتطلع الى السلام، وانت جعلت هذا التطلع خطوة ممكنة. د. كيسنجر، الذي كان له صعود وهبوط في علاقاته مع اسرائيل، غضب جدا علينا في مرحلة معينة بعد اندلاع حرب يوم الغفران، لدرجة انه قرر فترة تبريد في العلاقات، بما في ذلك تهديد بوقف توريد السلاح. تهديد القطيعة، الذي كان ينطوي على خطوة كيسنجر، فعل فعله واثبت بان التهديد الجدي من جانب امريكا نحن قادرون على فهمه.
لا نهاية للمبررات العقلانية التي تلزمنا بالوصول الى تسوية. فرجاء تجاهل، سيدي وزير الخارجية، المتزمتين الذين يتحدثون عن قدسية البلاد وعن الرب. وستكون هذه كارثة اذا ما أودعت اسرائيل مستقبلها في ايدي هؤلاء المتزمتين. فمعظم الاسرائيليين، وحتى الاصوليين ممن لا يخدمون في الجيش ولا يؤثر فيهم وجود مقاطعة زاحفة على منتجات اسرائيل وعلى العلاقات معها، يريدون ان يعيشوا في دولة طبيعية مع حياة طبيعية. واذا ما جاء محلك، سيدي الوزير، احد ما أقل تفانيا، أقل اكتراثا، لا يكون له الدافع الذي يشتعل في عظامك فان من شأن اسرائيل أن تجد نفسها هدفا دائما في منطقة يعربد فيها الاسلام المجنون.
لا توجد اي مصيبة في طرح أفكار ابداعية، او حتى استخدام المناورات من أجل الوصول الى تسوية. لا ترفع اليدين، سيدي وزير الخارجية، إذ مثلك ينبغي ان يعرف بان ما لا يتحقق بالقوة يتحقق بمزيد من القوة. والقوة هي في يديك حتى اللحظة الاخيرة في فترة حكم الاوزة العرجاء. لا تكل.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
اللاجئون في الاردن كذخر اقتصادي
بقلم:تسفي برئيل،عن هآرتس/ذي ماركر
معرض رسومات مثير للانفعال يعرض هذه الايام في عمان، عاصمة الاردن. وهذه رسومات لاطفال لاجئين سوريين يسكنون في مخيم اللاجئين الكبير الزعتري شمالي المملكة، تصف ذكرياتهم عن القرى والمنازل التي اضطروا الى الفرار منها. الاطفال، الذين تعلموا الرسم بمساعدة متطوعين وصلوا الى المخيم، ليس مسموحا لهم السفر الى المعرض لمشاهدة رسوماتهم. فتعليمات الامن لا تسمح لهم بترك المخيم الذين يعيشون فيه في ما يشبه الحصار، مع باقي 120 الف من سكانه.
الالوان واقلام الرصاص حصل عليها الاطفال من اموال التبرعات والمساعدات من الامم المتحدة، التي بصعوبة تمول صيانة المخيم. كما ان حكومة الاردن تساهم بدورها الذي اخذ بالتقلص. فالمملكة تضطر الى التصدي لمشاكل نحو 600 الف لاجيء انتقلوا الى اراضيها في سنوات الحرب الثلاثة، اضافة الى الاف اللاجئين العراقيين الذين لا يزالون يعيشون فيها منذ حرب العراق. وحسب تقارير الحكومة، فقد أنفق الاردن اكثر من 2.1 مليار دولار في السنة على هؤلاء اللاجئين، وفي السنة التالية من المتوقع للكلفة ان ترتفع الى نحو 3.4 مليار دولار، وهذا مبلغ هائل للحكومة التي صادقت الاسبوع الماضي على ميزانية بمقدار 12.5 مليار دولار (نحو 2 مليار دولار اكثر مما في السنة الماضية)، والتي تضمنت عجزا بمقدار نحو 1.5 مليار دولار.
اللاجئون هو تعبير مشحون في الاردن. فاضافة الى الضغوط الاقتصادية التي يشكلها اللاجئون السوريون على اجهزة الحكم فضمن امور اخرى افتتحت وردية ثانية في نحو 100 مدرسة في شمالي الدولة وتم تخصيص اطباء ورجال خدمة تضاف ايضا ضغوط سياسية مهددة. وهذه تجد تعبيرها في احتجاج المواطنين الاردنيين الذين يشكون من تقليص ساعات التعليم من أجل تفعيل الوردية الثانية من الانخفاض في مستوى التعليم فالتلاميذ السوريون لم يتعلموا الانجليزية في جهاز التعليم السوري، ولكنهم يشكون في الاساس من تأثير اللاجئين على البنية الاقتصادية.
هكذا مثلا، فقد ارتفع ايجار الشقة بعشرات في المئة، اسعار الغذاء والمنتجات الاخرى ارتفعت هي ايضا، والتضخم المالي، الذي حسب الخطة كان يفترض ان يكون 5.9 في المئة، بلغ 6.1 في المئة، بعيدا عن الهدف الحكومي، الذي كان 4.2 في المئة. وليس عدد واحتياجات اللاجئين فقط هو الذي يؤثر على التضخم المالي بل وايضا اسعار منتجات الطاقة ارتفعت بقدر كبير، ولا سيما بعد ان تعرض انبوب الغاز بين الاردن ومصر الى العديد من عمليات التخريب التي أخرت ضخ الغاز واجبرت المملكة على البحث عن مصادر بديلة باسعار اعلى مما دفعته لمصر. مخرج محتمل للنقص في الغاز قد تجده المملكة بالذات في اسرائيل بعد أن صادقت الحكومة الاردنية لشركة بوتاس التي بملكية مشتركة اردنية وكندية لشراء الغاز من شركة نوبل انيرجي باسعار ستكون أدنى من اسعار السوق. ومع أنه ظهر لهذه الصفقة معارضون انتقدوا القرار بالتجارة مع شركة اسرائيلية، ولكن رئيس بوتاس، جمال الصرايرة اوضح بان الصفقة تمت مع الشركة الامريكية نوبل وليس مباشرة مع الشركة الاسرائيلية.
كما أن للمعطيات الاقتصادية العامة هذه ايضا تأثيرا مباشرا على مستوى البطالة في المملكة الذي هو نحو 12 في المئة. وبالذات في اوساط خريجي المدارس الثانوية والجامعات يصل الى نحو 20 في المئة. ‘هذه هي ذات شريحة المتعلمين التي اثارت المظاهرات في مصر وتونس، وعلينا أن نعمل بمسؤولية كبيرة كي نعطل فعالية الاستياء المتعاظم في اوساط هؤلاء الشباب’، قال لـ ‘هآرتس′ ذي ماركر عضو في الغرفة التجارية الاردنية. ‘اذا لم ننجح في جلب مستثمرين يقيموا اماكن عمل مناسبة للمتعلمين، لن نتمكن من ضمان أمن المملكة او الاستقرار فيه’. ان عدم اليقين الاقتصادي وانعدام الرؤيا والتخطيط الاقتصادي يقلق ايضا اعضاء برلمان اردنيين اطلقوا انتقادات لاذعة في البرلمان عند المداولات على الميزانية.
ولكن حيال العبء الجسيم الذي يفرضه اللاجئون على الاردن، برز الاسبوع الماضي شعاع نور طفيف بالذات من جهة اللاجئين الفلسطينيين. فمنذ سنين والناطقون السياسيون الاردنيون يطالبون بالتعويض على سنوات استضافة هؤلاء اللاجئين في الاراضي الاردنية. وفي كل مرة كان الموضوع يطرح فيها على النقاش وامكانية تعويض اللاجئين ماليا مقابل التنازل عن حق العودة، ينهض هؤلاء المتحدثون ويطالبون بان يحصل الاردن ‘على ما يستحقه’ مقابل ‘سنوات الكرم’ الذي ابدوه نحوهم.
والان يتبين ان التعويض كفيل بان يكون جزء من صفقة الرزمة التي تعرضها الولايات المتحدة كحل لمشكلة اللاجئين، وفي اطارها لا يعوض فقط اللاجئون بل والاردن نفسه ايضا. احد لا يزال لا يتحدث عن مبالغ وجداول حسابات، ولكن في الاردن هناك منذ الان من يحلمون بـ ‘المليارات التي سيكسبها الاردن من الصفقة’ وعن ان التعويض للاجئين الذين سيبقون في الاردن سينتقل مباشرة الى المملكة الاردنية وليس الى اللاجئين. ولكن هذا جدال على جلد الدب قبل اصطياده وذلك لان الاقتراح يعتبر ايضا قنبلة سياسية شديدة الانفجار كونه سيجبر الاردن على منح حقوق المواطنة الكاملة لاكثر من 2 مليون لاجئ ونازح فلسطيني مما سيعرض للخطر هويته الوطنية كدولة اردنية. الذخر الاقتصادي الذي قد يعطيه هؤلاء اللاجئون قد يأتي على حساب فقدان المملكة، ويبدو ان الاردن سيفضل مواصلة التصدي لمشكلة اللاجئين على أن يختنق مع 2 مليون مواطن جديد.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
خوف من خذلان اسرائيل لمواطنيها
ترك المستوطنين الاسرائيليين في الضفة تحت سيادة فلسطينية فكرة اخترعها يوسي بيلين وهو نفسه لايؤمن بها
بقلم:ناحوم برنياع،عن يديعوت
إن فكرة اخلاء دولة اسرائيل للضفة العبقرية دون اجلاء المستوطنين عنها أبدعها يوسي بيلين. فقد جاء في ورقة صاغها مع أبو مازن في تشرين الاول 1995 أن المستوطنين يستطيعون الاستمرار في العيش هناك تحت سيادة فلسطين. وبالغ بيلين إذ سافر الى عوفره وهي احدى المستوطنات الرائدة لغوش ايمونيم. ودُعي السكان الى اجتماع وخطب فيهم خطبة تناول فيها مزايا الوثيقة.
وتحدثت اليه بعد ذلك وسألته كيف يخطر بباله أن يوافق اسرائيليون على العيش تحت سيادة عربية، ولماذا يعتقد أن ذلك سينجح. ولم تكن كلمة ‘هاذٍ’ قد راجت آنذاك ولهذا اضطررت الى إطالة الكلام. وهدأ بيلين نفسي قائلا: لن يعيشوا هناك يوما واحدا. فسألته: لماذا حاولت اذا أن تقنعهم بأنهم يستطيعون البقاء. فابتسم بيلين ثم قال: مسحتهم. ولو كان اليوم لقال: احتلت عليهم وسرت على رؤوسهم.
كان بيلين يسلك طول حياته السياسية كلها كمن يعتقد أن الهدف يُسوغ الوسيلة. ‘يجوز الكذب لاجل ارض اسرائيل’، قال اسحق شمير. وكانت ارض اسرائيل بيلين مختلفة بالطبع، ولم تكن أقل قداسة لكنها كانت مختلفة، وكانت المحللات التي أباحها لنفسه مختلفة ايضا. إن نظره الى الحقيقة يشبه نظر السائقين في القاهرة الى شارة سير حمراء: فالحقيقة ليست واجبا بل هي خيار، فحينما تكون مريحة نستعملها وحينما لا تكون ننكرها. وقد أشبه نتنياهو من هذه الجهة.
لم يوقع أبو مازن قط على الورقة التي كتبها مع بيلين. فأبو مازن ليس من المسارعين الى التوقيع كما يعلم اليوم كل عضو في فريق السلام الامريكي؛ فهو يفضل النظريات الشفهية. وقال زميله احمد قريع (أبو العلاء) في الفترات التي كان فيها يؤيد المسيرة ولا يشوش عليها، قال إنه مستعد لأن يبقى الاسرائيليون في الدولة الفلسطينية لكن عنده شرطا وهو أن تكون المستوطنات مفتوحة لكل أحد يهودي وعربي. وتخيلوا الآن ماذا سيحدث في يتسهار مثلا حينما يقعد الرفاق من حماس مع الرفاق من ‘ما زال يوسف حيا’ للتباحث في افتتاح حلقات في مركز جماهيري.
الاسرائيليون مستعدون للعيش تحت كل سيادة اجنبية ديمقراطية أو استبدادية، مستقيمة أو فاسدة، متسامحة أو عنصرية بشرط ألا تكون سيادة عربية، فحينما اضطرت اسرائيل الى اخلاء جيب طابا في سيناء عرض المصريون على الفريق الاسرائيلي في فندق سونستا الاستمرار على العمل بالأجور نفسها والشروط نفسها والسكن في ايلات واجتياز الحدود في ساعات العمل فقط، فرفض الاسرائيليون. وفي يوم الاخلاء اجتمعوا في الشارع الرئيس قبالة الفندق ورفعوا علم اسرائيل في المقدمة وساروا الى المعبر الحدودي مثل الجالين اليهود على باب تيتوس في روما لكن باتجاه معاكس.
قال لي الوزير أوري اورباخ (البيت اليهودي) في هذا الاسبوع إن 95 بالمئة من الاسرائيليين الذين استوطنوا يهودا والسامرة يفضلون دولة اسرائيل على ارض اسرائيل. فهم يريدون أن تسيطر الدولة على البلاد كلها لكن تفضيلهم واضح في الحسم بين الاثنتين. ويُخيل إلي أن النسبة الحقيقية هي أقرب الى 100 بالمئة.
‘
وحينها جاء السؤال
‘
حينما تحدث نتنياهو في دافوس لم يقل بصوته انه يقترح أن يُخلف المستوطنين في الخلف، بل قال فقط إنه لن يُخلى أي اسرائيلي لا بلدة ولا مستوطن فرد. وبدا هذا التصريح للاسرائيليين مثل تخل آخر لليمين المتطرف. وانتبه قليلون الى عدم وجود ردود تنديد لا من قبل أبو مازن ولا من قبل كيري والعاملين معه. فقد فهموا في واشنطن ورام الله نتنياهو أكثر مما فهموه في القدس.
وحينها جاء السؤال ربما كان سؤالا مستدعى من مصدر امريكي وربما كان سؤالا عرضه مراسل وكالة الانباء إي.بي على مارك ريغف متحدث ديوان رئيس الوزراء الى وسائل الاعلام الاجنبية. إن ريغف اسرائيلي من مواليد استراليا ليست له أية صلة بميري ريغف، وقد وصل الى ديوان رئيس الوزراء من وزارة الخارجية. وهو مختص وهو مستقيم وموضوعي وبلا سُم. واذا كانت عنده آراء تخصه فهو لا يأتي بها الى الديوان. لو كانت الايام في ديوان رئيس الوزراء أكثر سلامة وأقل شعورا بالمطاردة لسميته ‘مراك ريغف’. لأنه يوجد مرق يمني كهذا غني ولذيذ.
إن ريغف هو الشخص الذي بشر العالم بأن القصد هو الى ابقاء المستوطنين في الخلف. وبرغم ذلك، حينما تحدث نفتالي بينيت بلا أسماء عن ‘نفاد الصبر’ استنتج الجميع لسبب ما أنه يقصد نتنياهو. ودُعيت ليمور لفنات وتساحي هنغبي وهما خريجان متفوقان من المدرسة المسماة باسم حنة بابلي للآداب وحسن التعامل، دُعيا الى توبيخ بينيت لفظاظته. فأديا الرسالة دون وهن.
‘
خبز أو زبد
‘
‘ماذا، هل أنت طفل صغير؟’، قالت غيلات بينيت زوجة رئيس حزب البيت اليهودي لزوجها في تأنيب. وقد حدثته بالهاتف قبل أن يصعد الى المنصة أول أمس ببضع دقائق، في مؤتمر في البحر الميت. ‘دع ذلك’، أمرت بينيت، بينيت، فأطاع.
وبعد أن تلا أمام عدسات التصوير نصف اعتذاره، وكان لحن النهاية لازمة لم تكن، قال للعاملين معه: ‘أنا أفتخر بأن أكون كبير السن المسؤول’.
إن الاطراف في أكثر الاحزاب في العالم تجذب الى الخارج في مواجهة منتصف يتمسك بالكرسي وليست الحال كذلك في حزب البيت اليهودي، حيث تعمل السياسة بصورة معاكسة: فالمنتصف يناضل لكن الاطراف تتمسك. وأي تمسك، لا يشبه أي غراء.
بعد سنوات طويلة في هوامش هوامش الجهاز السياسي، على حدود الكاهانية، بلغ أوري اريئيل آخر الامر الى مبتغاه فحظي بوزارة الاسكان وحظي معه مرسلوه وهم رؤساء القطاع الحريدي المتدين في المستوطنات، وحاخامو بيت إيل وبراخا ومتطرفو الجيب اليهودي في الخليل. واريئيل أحد الساسة الاكثر قدرة والاكثر شهوة مما عرفت الكنيست ويمثل مرسليه باخلاص. وهو متصل الآن بالضرع بالنفقات والاوراق السرية والقرارات. فهو اريئيل الحالب وهو لن يترك الضرع بسهولة.
إن ولاءه هو لدولة يهودا. وولاؤه لقطاعه يُمكنه كما هي الحال عند الحريديين من النظر في صبر مفرط فيما يُقال باسم دولة اسرائيل التي هي الدولة الاخرى.
حينما بلغت المواجهة بين نتنياهو وبينيت الذروة أول أمس صباحا، ذهب اريئيل الى ديوان رئيس الوزراء ليُهديء النفوس ووعد بأن يعتذر بينيت. واستتبع الوعد تشددا في تصريحات ديوان نتنياهو فقد رأوا هنا فرصة ذهبية بلا مخاطرة حقيقية لاظهار الزعامة وإذلال خصم. ويُقسم ناس بينيت أنه لم يكن بينه وبين وزير اسكانه أي اتصال. وجد 400 تطوعوا بالوساطة واريئيل واحد منهم لكن الاعلام كان الوسيط الوحيد آخر الامر، بحيل دعائية طُرحت طول النهار من جهة الى اخرى.
قالت احدى الحيل من ديوان رئيس الوزراء إن نتنياهو يستطيع أن يبيح لنفسه اقالة بينيت. وهو يستطيع أن يقيم الحكومة من غيره. وسينافس حزب العمل الحريديين أيهما ينضم أولا.
لكن الامر ليس سهلا بهذا القدر. فقد رفض رئيس العمل بوجي هرتسل أن يلتزم لنتنياهو أن ينضم الى الحكومة. هو لن يكون شريكا في اسقاط الحكومة ما دام التفاوض السياسي موجودا لكن الانضمام اليها ليس مطروحا الآن. فقد خشي هرتسوغ أن يستخدمه نتنياهو إما تهديدا لليمين وإما ذريعة للامريكيين تُبين لماذا استسلم لليمين.
لم يوافق لبيد الى الآن على الجلوس مع الحريديين في الحكومة. ويُشك في أن يستطيع أن يبيح لنفسه ذلك بسبب ضعفه في استطلاعات الرأي العام. ويستطيع نتنياهو أن يهدد لبيد بانتخابات، لكن تنفيذ هذا التهديد ايضا ليس أمرا سهلا، فقد تنشأ في الكنيست اكثرية للحكومة من غير نتنياهو ومن غير انتخابات.
أكثر اعضاء كنيست من الليكود هذا الاسبوع طرحهم لسؤال أيهما أكثر جذبا في صناديق الاقتراع نتنياهو أم الليكود؟ كم نائبا سيأتي بهم نتنياهو دون الليكود؛ وكم نائبا سيأتي بهم الليكود دون نتنياهو.
إن الحقيقة هي أن الليكود ونتنياهو كالخبز والزبد: فالليكود هو الخبز ونتنياهو هو الزبد، وهما معا شيء ما ويكون أقل اذا انفصلا. إن القليلين يغريهم الخبز بلا زبد ولا أحد يغريه زبد بلا خبز. ‘أنت تدقق’، قال لي أحد اعضاء الكنيست من الليكود.
‘إن المشكلة هي أن نتنياهو يعتقد الآن أنه الزبد والخبز ايضا’.
‘
مرحلة الذرائع
قال وزير الخارجية الامريكي جون كيري في المدة الاخيرة إن كل زعيم اجنبي يلقاه يسأله قبل كل شيء عن الشرق الاوسط. واستنتج كيري من ذلك أن التفاوض الذي يجريه هنا في مركز العالم. وليته كان على حق. لأنه اكثر منطقا أن نفرض أن محادثيه اظهروا اهتماما مهذبا بما يبدو الآن أنه مركز عالم كيري.
إن بشرى الخير هي أنه يلاحظ جهد لدى الطرفين من اجل عدم التوصل الى انفجار. فأبو مازن يشير اشارة خفية الى أنه ربما يوافق على اطالة تبلغ ستة اشهر لا أكثر في هذه المرحلة. ويُعد نتنياهو الائتلاف الحكومي لجواب ‘نعم، لكن’ على الورقة التي سيعرضها كيري. نعم، لكن لنتحقق قبل ذلك من أن أبو مازن يقول لا؛ ونعم، لكن الحديث عن ورقة امريكية لا تلزم اسرائيل؛ ونعم، لكن لاسرائيل قائمة طويلة من التحفظات ستعرضها بعد ذلك.
إن نتنياهو يشبه مشاركا في برنامج الرياليتي ‘وايف آوت’، الذي يظهر عددا من المتنافسين فوق مواقع مخيفة ويفترض أن يقفزوا من عائق الى آخر، ومن ضربة الى اخرى دون أن يسقطوا في الماء. ويقوم نتنياهو بذلك أفضل من الجميع. فهو قد يجتاز بسلام ايضا الجدل الذي سينشأ بعد النشر الرسمي للورقة الامريكية. فالبيت اليهودي لن يبادر الى المغادرة. ويوجد اربعة أو خمسة اعضاء في كتلة الليكود سيصعب عليهم قبول الحكم القاسي وهم روبي ريفلين وياريف لفين وتسيبي حوطوبلي وزئيف الكين. أما الآخرون فيعرضون أثمانا ويشمل ذلك الوزراء الذين ينتقدون نتنياهو من اليمين.
لكن البشرى التي هي أقل صلاحا هي أننا لم نجتز بعد مرحلة الذرائع الى مرحلة الجوهر لأنه لا يوجد شق طريق في الطرفين. ويوجد من جهة ثانية خوف كبير لدى الطرفين من كلفة الانفجار. فقد أبلغ أحد اعضاء الفريق الفلسطيني وهو سميح العبد زملاءه أنه بعد أن عرض جميع المطالب الاسرائيلية على خرائط بلغ الى استنتاج أن اسرائيل تطلب 25 بالمئة من مساحة الضفة. ولأنه لا يوجد في داخل اسرائيل اراض فارغة لها هذه المساحة تُعرض عوضا عنها ولا نصفها أو ربعها، فان اسرائيل لا تنوي التوصل الى اتفاق.
وطلب الفلسطينيون الى الاسرائيليين أن يعرضوا عليهم خريطة الكتل الاستيطانية وخريطة المناطق التي هم مستعدون لنقلها الى الدولة الفلسطينية في اطار تبادل الاراضي، فرفض الاسرائيليون. وفي احدى المحادثات كما يزعم الفلسطينيون قال كيري إنه سيرد في ورقته أن شرق القدس سيكون عاصمة فلسطين فأصلحه أحد كبار فريقه بقوله ‘القدس الكبرى’. والقدس الكبرى تشمل أبوديس والسواحرة والعيزرية. ورأى الفلسطينيون هذا الاصلاح استسلاما لاملاء اسرائيلي.
ستعرض ورقة كيري في واحد من المواعيد الثلاثة التالية، من النهاية الى البداية: إما في 19 آذار حينما تنتهي الاشهر التسعة التي حددت لبعثته؛ وإما في بداية آذار اذا أراد نتنياهو أن يسافر الى مؤتمر اللوبي اليهودي في واشنطن، وسيشمل سفر نتنياهو لقاءا مع اوباما، وفي هذا الوضع قد يطلب أبو مازن لقاءا له. وستعرض الورقة ويتم التباحث فيها في البيت الابيض؛ أو في موعد قريب من 28 شباط وهو الأجل الذي ضُرب للدفعة الرابعة من تحرير السجناء. وسيسأل نتنياهو: اذا كنا نتجه الى انفجار فكيف استطيع أن أفسر الافراج عن اسوأ القتلة. إن عرض الورقة سيُحل الافراج عن القتلة أو يلفه بواقعة سياسية على الأقل.
إن الفرض الغالب على الفريق الامريكي هو أنه اذا جاء كيري الى نتنياهو باعتراف فلسطيني بالدولة اليهودية وموافقة على وجود اسرائيلي رمزي في غور الاردن، فلن يستطيع نتنياهو سوى أن يقول نعم. وفي هذا الوقت ما زال أبو مازن يرفض هذين المطلبين أو هكذا على الاقل يزعم على مسامع أناسه.
في مؤتمر معهد بحوث الامن القومي الذي عقد في تل ابيب هذا الاسبوع خُطبت خطبتان مهمتان، فقد بين نفتالي بينيت لماذا لا مكان لدولة فلسطينية. وهو يقترح ضم المنطقة ج وأن تعرض جنسية اسرائيلية على الـ 70 ألفا من سكانها الفلسطينيين. وسيعرض عرض مشابه ايضا على مئات آلاف السكان في شرقي القدس. وسيوجد في مدن في الضفة نوع من الحكم الذاتي مع اتصال جغرافي.
وكانت هناك خطبة أشد لوزير الدفاع بوغي يعلون، فقد عرض على الفلسطينيين ما يسمى باللغة الدولية ‘بنتوستان’ وهو حكم ذاتي يظهر بمظهر الدولة. وتستطيع المنظمات في اوروبا والولايات المتحدة التي تريد فرض مقاطعة على اسرائيل أن تجعل خطبته جزءا من حملتها الدعائية.
إن بينيت الذي زعم الى هذا الاسبوع أن التحذيرات من مقاطعة مبالغ فيها غير رأيه. فهو الآن يرى أن المقاطعة واحدة من الجبهات الثلاث التي تهدد اسرائيل. إن الجيش الاسرائيلي يعالج التهديدات العسكرية؛ والموساد يعالج ايران؛ ويُحتاج الى جهاز ثالث يبذل الجهد في الاستخبارات والاعمال الظاهرة والسرية لمواجهة المقاطعة. ويقدر بينيت، واعتقد أنه يفعل ذلك بحق، أنه حتى لو أُحرزت موافقة على ورقة امريكية فان الضغط لتوسيع المقاطعة سيستمر.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
فيتامين سي سي (سيسي)
بقلم:سمدار بيري،عن يديعوت
في نيسان 2010 وضع على طاولة من كان آنذاك وزير الدفاع المصري المشير حسين الطنطاوي، ورقة تقدير مذعورة سرية باللون الاحمر. وكانت الوثيقة قصيرة وذات غاية. وكان الموقع عليها قائد الاستخبارات العسكرية. ‘بعد ثلاثة عشر شهرا ستنشب انتفاضة شعبية تنتشر في جميع انحاء الدولة’، حذر الجنرال عبد الفتاح السيسي. ‘سيغرق عشرات آلاف المتظاهرين الشوارع والميادين ويرفضون الهدوء. وستكون الهبة الشعبية قصيرة تفضي الى تغيير النظام في مصر’.
في تلك الايام وكانت اواخر ايام حكم الرئيس مبارك، كان يستطيع شخص جريء جرأة غير عادية أن يبيح لنفسه أن يخاطر بكتابة انذار استخباري سافر بهذا القدر دون أن يقامر بحياته المهنية. واستدعى الطنطاوي السيسي على عجل وطلب جوابا على الفور قائلا: ‘اذا كان هذا هو السيناريو فما الذي توصي بفعله؟’. فأجاب الجنرال قائلا: ‘يجب على الجيش أن يقف مع الشعب وألا يتدخل في الهبّة الشعبية. لا يجوز للجنود على أية حال من الاحوال أن يطلقوا النار على المواطنين’. تنبأ السيسي في الحقيقة بالاحداث تنبؤا دقيقا لكنه اخطأ التاريخ لأن الربيع العربي أغرق ميادين مصر قبل ذلك بثلاثة عشر اسبوعا، قبل ثلاث سنوات بالضبط.
يقول ياسر عبد الرازق محرر الصحيفة الليبرالية المصرية ‘المصري اليوم’ إن رئيس الاستخبارات العسكرية وضع علامة على يوم الميلاد الثالث والثمانين لمبارك في أول اسبوع من شهر أيار باعتباره ساعة بدء الحدث. فقد قدر السيسي أن يعلن الرئيس آنذاك استقالته، وأن يعلن في الفرصة نفسها ايضا نقل السلطة الى ابنه جمال. ‘بيد أن الجنرال لم يأخذ في حسابه الربيع العربي في تونس وطرد الرئيس ابن علي اللذين عجلا الاحداث في مصر، ولم يقدر تقديرا صحيحا ايضا مقادير خيبة الأمل والغضب في شوارع القاهرة على إثر تزوير نتائج انتخابات مجلس الشعب. فقد نحت السلطة وطمست بقسوة على الاصوات التي حصل عليها ممثلو حركة ‘الاخوان المسلمين’. وخرجت الجموع الخائبة الأمل بسبب قبضة السلطة الحديدية والفساد في القيادة العليا والازمة الاقتصادية لتهيج في الشوارع الى أن خلعت الرئيس′.
إن السيسي الذي كان حتى ذلك الحين شخصا مجهولا تماما خارج دوائر الامن والاستخبارات، رُفع الى رتبة عضو ضئيل الشأن في المجلس العسكري الاعلى الذي تولى الطنطاوي قيادته. وكانت المهمة التي ألقيت عليه متحدية بصورة خاصة وهي أن يجري الحوار مع قادة ‘الاخوان المسلمين’ وأن يبحث ويكشف عن خططهم السرية.
وقاد هذا الحوار السيسي الى محمد مرسي الذي كان آنذاك مفرجا عنه جديدا من السجن ونشيطا قديما في حركة الاخوان. وترك لديه انطباع انه ‘واحد منهم’ وكشف على مسامعه عن التربية الاسلامية التي تلقاها في عائلته، وحدثه عن زوجته المحجبة وعن صلاة الفجر التي يحرص على اقامتها في مسجد الحي.
وبعد سنة حينما بدأ التنافس في الرئاسة كان السيسي آنذاك هو الذي عاد يحذر المجلس العسكري قائلا إن الشارع لا يريد بقايا سلطة مبارك. وقال في اصرار: ‘ليس عندي شك في أن مرسي سيفوز في الانتخابات’. ولم يتأثر الطنطاوي وحده بالقدرات على التنبؤ بل وضع قادة الاخوان المسلمين وفي مقدمتهم الرئيس الفائز عيونهم على الجنرال. وحظي السيسي بعد لحظة من تسريح وزير الدفاع ورئيس الاركان في خزي، حظي بشعبية كبيرة وبسلسلة ألقاب: الفريق أول، ووزير الدفاع ورئيس المجلس العسكري الاعلى ونائب رئيس الوزراء.
تعلم درسا رئاسيا
وأخذ الجمهور ايضا يطلع رويدا رويدا على النجم الصاعد الذي حظي بلقب ‘المنقذ القومي’. إن صوته ضعيف في الحقيقة لكن خطبه صائبة تصيب نقاط ضعف الجموع. فأصبحت مصر قد غرقت دفعة واحدة في ‘السيسيمانيا’ وبدأ ملايين يتحدثون عن الجنرال القوي الحضور ذي النظارتين الشمسيتين القاتمتين. ‘منذ كان خلع مبارك لم تنقطع المظاهرات في ميدان التحرير. واشتاق عشرات ملايين المواطنين السيئي الحال الى شخصية الأب لتقودهم’. يُبين عالم الاجتماع المصري الدكتور فريد عطية. ‘كلما فشل الاخوان في الحكم واطلقوا اشارات ثخينة أنهم يخططون لتحويل مصر الى دولة شريعة اسلامية، وكلما لم ينجحوا في الاتيان بحلول اقتصادية وكانوا مشغولين فقط بتوزيع المناصب والزيادات على مؤيديهم، زادت شعبية قائد الجيش’.
تعلم السيسي درسا مهما من تجربة اسلافه المرة وأخرج الخطط المطوية. فبعد اجازة الدستور الجديد اعلن عن انتخابات للرئاسة ستأتي قبل انتخابات مجلس الشعب. وهذا هو الاختراع لضمان سيطرة كاملة على مؤسسات السلطة المدنية، في حين حل صديقه وثقته رئيس الاركان صبحي صدقي محله في اجهزة الامن. وترمي هذه الاجراءات الى أن يُضمن سلفا عدم تكرار ما حدث من قبل وألا يجد الرئيس المنتخب نفسه مرة اخرى في السجن مثل مبارك ومرسي قبله. ‘لا يضللكم صوته اللين’، يُبين مثقف مصري. ‘السيسي ذكي جدا وداهية ومرتب ومنظم جدا. ومن تابع سلوكه في السنوات الثلاث الاخيرة تبين له أنه كان قد حدد هدفه منذ زمن، فعنده خريطة طريق ترمي الى أن تقوده الى رأس هرم السلطة، وكل من يحاول أن يعوقه سيريه مغبة ذلك’.
هكذا عالج مرسي ومئات اعضاء قيادة ‘الاخوان المسلمين’ الذين طرحوا من اعلى المناصب الى السجون مباشرة. وكذلك ايضا العشرون عاملا في قناة ‘الجزيرة’ التي قُطع بثها في مصر، وحوكموا على التحريض والمس بأمن الدولة، وكذلك ايضا في الازمة في العلاقات بامارة قطر وبرئيس وزراء تركيا اردوغان الذي يحاول أن يخلص حماس في غزة من الحصار المصري بل مع حليفته القديمة الولايات المتحدة. ففي المقابلة الصحفية الوحيدة التي بذلها السيسي للاعلام الامريكي بعد أن استدعى الى القاهرة على عجل المراسلة الكبيرة لالي فايموت من صحيفة ‘واشنطن بوست’، لم يحجم عن جلد الرئيس اوباما قائلا: ‘الولايات المتحدة شريكة استراتيجية، ولم تكن قط بعيدة عما يحدث عندنا. قلت لمحادثيي الامريكيين إن عندنا مشكلة ونحن محتاجون الى نصيحتهم ودعمهم لكن اوباما أدار ظهره ولم يهاتفني حتى مرة واحدة ولن ننسى له ذلك’.
منذ ايام السيسي الاولى في المجلس العسكري الاعلى بقيت وصمة سوداء حينما خرج ليسوغ ‘الفحص عن العذرية’ الذي أجراه جنود وطبيب عسكري على 17 شابة تظاهرن في التحرير وحُملن بالقوة الى مركز اعتقال وجُردن من ملابسهن. وقد قعدت احداهن وهي سميرة ابراهيم أمام عدسة فيديو وسجلت شهادة محرجة على ما وقع في مركز الاعتقال. ‘دخلت عذراء وخرجت امرأة’، قالت في تنهد وأصرت على تقديم شكوى في الشرطة والمحاكم. وقال السيسي مصادقا: ‘اضطررنا الى التحقق من أن هؤلاء الفتيات اللاتي قضين اياما وليالي في التحرير هن عذراوات حقا. وأردنا أن ندافع عن انفسنا شكاوى الاغتصاب كي لا يحاولوا اتهام جنود الجيش’. ولم تنس وسائل الاعلام الامريكية التي سارعت الى نشر تقارير شاملة عنه هذا الاسبوع تظهر سيرته الذاتية، لم تنس له هذه القضية ايضا.
يتحدث دبلوماسي اسرائيلي رفيع المستوى عن ‘جماعة ضغط لاجل السيسي’ أدارها مبعوثون اسرائيليون في واشنطن وعن الجهد ليُبين للامريكيين أن ‘السيسي جيد لا لمصر وحدها’. وحاول الاسرائيليون أن يبينوا أن ‘الديمقراطية باسلوب امريكي لا تنجح في دولة نصف مواطنيها الـ 90 مليونا أميون والاسلام المتطرف الخطر يتخذهم وسيلة’.
ولم تساعد حملة الدعاية الاسرائيلية فاوباما ومستشاروه لم يكفوا عن توبيخ الفريق لعزله مرسي، ومطاردة الاخوان المسلمين وتصفية الحسابات القاسية. ولم تهدد واشنطن فقط بمعاقبة السيسي وجماعته على الانقلاب العسكري بل نفذت الانذارات فقطعت وعلقت المساعدة العسكرية، وقفزت الى الفراغ الذي نشأ السعودية وامارات الخليج التي أعلنت فورا مضاعفة مبالغ المساعدة لمصر. وقد اعترف مستشار الامن القومي السابق ستيفن هادلي هذا الاسبوع في المؤتمر السنوي لمعهد الدراسات الاستراتيجية بقوله: ‘يبدو أننا اخطأنا بشأن مصر والسيسي’.
ولد عبد الفتاح حسين السيسي في تشرين الثاني 1954 في حي الجمالية المكتظ الذي تظهر أزقته المغبرة في روايات ثلاث كتبها الفائز بجائزة نوبل للأدب نجيب محفوظ. ويملك أبوه حسين حانوتا للتحف التذكارية في سوق خان الخليلي وخزانة مملوءة بكتب التاريخ، وله أختان واربعة اخوة طبيب وقاض ورجل اعمال وضابط في الجيش المصري سار في طريق أخيه. وجميعهم يبتعدون عن مقابلات صحفية مع وسائل الاعلام بأمر من الأخ البكر.
حظي السيسي في أقل من سنتين باختصار مدة تاريخي في طريقه الى قصر الرئاسة، فقد عين أولا رئيسا لهيئة الاركان، وحصل في هذا الاسبوع على رتبة مشير من رئيس مصر المؤقت القاضي عدلي منصور، وصدر مع نهاية الجمع الاحتفالي اعلان من الجيش ايضا وأثير الترشح: ‘على إثر الاحداث العنيفة التي تصيب مصر واستجابة لارادة الشعب القوية، لن نستطيع إلا أن نوصي بترشيح المشير السيسي لرئاسة مصر’. وبحث توم فريدمان، المحلل في صحيفة ‘نيويورك تايمز′ في ويكيبيديا فاستل قائمة الميداليات والأوسمة على الملابس العسكرية للرئيس المقبل في وقت يزعم فيه خصومه أنه لم يشارك قط في حروب ولم يجر معارك ميدانية. ‘لو أن السيسي خصص الأوسمة لمحاربين للقضاء على الجهل عند النساء، وانشاء مدارس للعلوم والتكنولوجيا ولبناء جهاز سياسي حقيقي في مصر’، يزعم فريدمان، ‘لأصبحت من مُقدريه’.
تجند السيسي للجيش في 1977 في وقت قريب من زيارة الرئيس السادات التاريخية للقدس. وبعد أن درس في المعهد العسكري المصري وتقدم في المناصب الميدانية في سلاح المشاة والمدفعية أرسل لتلقي دورات عسكرية فخمة في الولايات المتحدة وبريطانيا. وهو متزوج وأب لثلاثة ابناء وبنت يخدمون في الجيش، وفي الشهر الماضي، في ظل الاشاعات عن خطته للترشح للرئاسة، تم في النادي الفخم لسلاح الجو في القاهرة حفل زفاف البنت آيات. وحضر هناك كل الأعيان في اجهزة الامن في حين تلقت وسائل الاعلام أمرا واضحا بالابتعاد. ونشرت وسائل اعلام مؤيدة للاخوان المسلمين صورا مختلقة لعروسين العروس منقبة وأصرت على اعلان أن هذا هو ‘عرس القرن’.
إن معاملته لوسائل الاعلام مركبة فهو من جهة يعد بالديمقراطية وحرية التعبير الكاملة، وهو من جهة اخرى يطلب ملاءمته وادارة الحملة من اجله. ولا يمكن من جهة ثالثة أن نجد في الصحف المصرية تعبيرا حقيقيا شجاعا عن معسكر لا يتفق مع السلطة. بل إن نجم البرنامج الساخر السياسي ذي نسبة المشاهدة العالية باسم يوسف اختفى فجأة عن الشاشة بعد أن هاجم مرسي والسيسي، ويصر ويزعم أنه هو الذي أزال نفسه ويُقسم أن ‘السيسي لا يتعرض لي ألبتة’، لكن قليلين يصدقونه.
إرضاء الامريكيين
يشتغل اصحاب الطابعات المشحوذة بالطريقة التي ستدار بها المنافسة الى القصر ويحاول الجميع أن يحزروا ‘متى سيعلن آخر الامر؟’، بيد أن السيسي الى حين كتابة هذه السطور لم يخلع ملابسه العسكرية ولم يعلن بصوته وبصورة رسمية قاطعة على الاقل أنه ينافس في الرئاسة.
والى أن يحدث ذلك بقيت على حالها ‘مشكلة تقنية صغيرة’: لأن كل من اعلنوا الترشح للرئاسة بعد ابعاد الاخوان المسلمين تقريبا، اصبحوا يهربون الآن من المنافسة. إن عمرو موسى وزير الخارجية والامين العام للجامعة العربية سابقا يعرف كيف يقرأ الخريطة. وقد كان في هذا الفيلم قبل سنتين وفشل. وخسر احمد شفيق آخر رئيس وزراء لمبارك الرئاسة لصالح مرسي وهرب الى دبي. وهو يدرك ايضا أنه لا أمل له في منافسة السيسي ومثله ايضا سليم العوا الاسلامي والجنرال مراد موافي رئيس المخابرات المصرية الذي ابعده الاسلاميون.
يحتاج السيسي من اجل المظهر الديمقراطي على الاقل وكي لا تغضب الادارة في واشنطن، يحتاج الى منافسين ينافسونه.
يبدو الامر الى الآن عبثيا، وتسارع الاسماء التي تطلق في الجو الى الانكار أو الى اعلان أن الامر يفحص عنه الى الآن. ويتابعون في اسرائيل باهتمام التطورات في مصر. فقد رتب اللواء افيف كوخافي رئيس أمان مصر في هذا الاسبوع في معسكر ‘الاتجاهات الايجابية’ حينما حصر عنايته في الاغلاق الكامل تقريبا لمحور فيلادلفيا ولانفاق تهريب السلاح ومحاربة الارهاب العنيدة في سيناء.
ويؤكد خبراء محليون تعاونا استراتيجيا وثيقا لم يكن موجودا في فترة مبارك وفي سنة ولاية مرسي. فالمبعوثون يهبطون سرا في القاهرة ويحملون من الطائرة مباشرة الى مقر الاستخبارات لتأدية التقارير والاطلاع على آخر الاحداث ولتقدير الوضع. والسيسي غير غريب عنهم كما يشار اشارة خفية فقد تعلم الاسرائيليون أن يسموه ‘الجنرال الصامت’، وهذا دليل على ميل ‘الجنرال’ الى الاصغاء في صبر والى الهضم والى بت الامر.
لكنه في الصعيد الرسمي ما زال يتكتم على العلاقات لانه لا يوجد سفير مصري في تل ابيب منذ ثلاث سنوات ‘بسبب الرأي العام المعادي لاسرائيل’، يبين محلل كبير.
ليس لفريق الدبلوماسيين الضئيل الذي أرسل من القدس مبنى مكاتب في القاهرة ولا يبدو أن الوضع سيتحسن في المستقبل القريب. ‘انتبهوا الى تغيير محدد جدا’، ينبه صحفي قديم من القاهرة. ‘منذ أصبح السيسي اقوى رجل في مصر لم يعودوا يشتغلون بكم، فقد اصبح لمصر أعداء جدد في العالم الاسلامي خاصة ويوجه السم في الاساس على الادارة الامريكية’.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ


رد مع اقتباس