أقــلام وآراء إسرائيلي السبـــت 21/06/2014 م
في هــــــذا الملف
صوت نتنياهو عباس
تحييد الطفولة في الصراع أمر مهم يجب ألا يُتعرض لهم البتة
بقلم:دافيد ستابرو،عن هآرتس
جبهة حماس
حتى لو انهارت الشراكة في الحكومة، فإن حماس تكون قد حققت هدفاً باختطاف الأطفال
بقلم:جاكي خوري،عن معاريف
هناك من يعتقد أن عملية اختطاف فتيان اسرائيليين مؤامرة لتحسين صورة تل ابيب في العالم واثارة الشفقة عليها
بقلم: ناحوم برنياع،عن يديعوت
بن لادن أمامك
بقلم:سمدار بيري،عن يديعوت
صوت نتنياهو عباس
تحييد الطفولة في الصراع أمر مهم يجب ألا يُتعرض لهم البتة
بقلم:دافيد ستابرو،عن هآرتس
يوجد امكان آخر للخروج من الازمة الحالية. تخيلوا اختراق البث. يسكت فجأة الخبراء ذوو ربطات العنق الذين يبحثون في الخيارات العسكرية، ويسكت ايضا خبراء الاعلام الذين يبحثون في النقاش، والمتحدثون ذوو الاختصاص ومُهيجو النفوس وساكبو الزيت على المواقد. وفجأة تنقسم الشاشة الى قسمين. فيظهر في قسم رئيس وزراء اسرائيل في الكرياه في تل ابيب وهو يستعد ليخطب، وفي الثاني رئيس السلطة الفلسطينية في مكتبه في رام الله. وتتم خطبتاهما على التوازي وينقلهما المحللون والمترجمون ببث حي.
«هذا وقت عصيب علينا جميعا»، يبدأ نتنياهو؛ «إن قلب الأمة كلها مع الفتيان الثلاثة الذين اختطفوا ومع أبناء عائلاتهم». وبازائه عباس يقول: «تهدر المدافع مرة اخرى وتعمل قوات الاحتلال مرة اخرى في مدننا وقرانا وتداهم البيوت وتتعرض للسكان». ويتابع نتنياهو الكلام فيقول: «لن نتخلى؛ إنها مواجهة على وجودنا». ويقول أبو مازن على أثره: «لن نترك الكفاح الى أن نحظى باستقلالنا».
وآنذاك يحدث شيء مفاجيء فيتحد الصوتان بالعربية والعبرية ويقول الصوت الموحد: «لن نتخلى لكننا سنعترف بأنه يوجد حد. حد يجعلنا انسانيين، وحد يميزنا نحن خاصة، نحن زعيمي أمتين فخورتين قديمتين، من البرابرة والجزارين حولنا». ويسعل نتنياهو، ويتنفس أبو مازن.
«ربما تمر حقب الى أن نبلغ الى تسوية مع جيراننا»، يتابع الزعيمان كلامهما، «وربما تستمر العمليات العدائية على جباية ضحايا سنين كثيرة بعد. لكننا سنضع حدا لمصلحتنا نحن لا لمصلحة الطرف الثاني. والحد يمر بالاولاد». ويسدد أبو مازن نظره الى عدسة التصوير ويقول: «لا يقترب استقلالنا حتى اقترابا قليلا حينما نغطي رؤوس فتية صغار بأكياس ونسدد بنادق الكلاشينكوف اليهم. إن بكاء فتى ينادي أمه من زنزانة مظلمة، والكوابيس الليلية وخوف الآباء العاجزين لا تفيد الشعب الفلسطيني بشيء».
ويقول نتنياهو بازائه بلغة قاطعة: «إن الاولاد الذين تُغطى أعينهم بلباسهم الداخلي وتُقيد أيديهم لا يزيدون أمن الأمة بملليمتر واحد، ولا تسهم في قوة ردعنا أية بندقية إم16 قصيرة مسددة الى الجسم الصغير لمعتقل أمني في الـ 15 من عمره في الطريق الى سجن».
ويزيد عباس فيقول: «نحن نتذكر الايام التي كان أولادنا صغارا فيها. فأنا أتذكر مازن وياسر وطارق حينما كانوا اطفالا واولادا وأحداثا، وأنا أتذكر الخشية والخوف والقلق من أن يصيبوهم ومن أن يُحشروا هم ايضا في دائرة الدم». ويزيد نتنياهو فيقول: «وكان يئير وأفنير ايضا الى وقت قريب تحت كنفنا تماما، وهما مثل كل ولد آخر يستحقان الحماية والملاذ من قسوة حيِّنا حتى سن الـ 18 على الأقل».
ثم ينتقل نتنياهو الى سبيل عملي فيقول: «لهذا وجهت قوات الامن الى الافراج عن كل المعتقلين والسجناء الفلسطينيين الذين لم يُتموا الـ 18 من اعمارهم، الذين تحتجزهم دولة اسرائيل. ولست أفعل ذلك باعتباره خطوة في التفاوض ولست أريد شيئا عوض ذلك، وقد نقلت هذا التوجيه الى قوات الأمن لأننا نرى أنفسنا المسؤولين الأعلين عن منعتنا الاخلاقية واستقامتنا السياسية وصنع العدل التاريخي الذي نطلبه».
ويقول أبو مازن في مقابله: «لهذا اتصلت بمن يجب أن أتصل به، وطلبت بقوة اطلاق سراح الفتيان الاسرائيليين الثلاثة الذين خطفوا في الاسبوع الماضي، ولم أفعل ذلك عن بواعث تكتيكية، ولم أطلب عوضا من الاسرائيليين ولن أستعمل المخطوفين باعتبارهم أوراق مساومة. انتخبني أبناء شعبي كي أقودهم باعتبارهم شعبا عضوا في أسرة الشعوب. ولست أزعر في الحي، ولست عبدا ذليلا لمنظمات جريمة منظمة وعصابات عبادة الموت. وأنا أرفض أن أجعل شعبي مُقرب قرابين من الاولاد».
ويسعى نتنياهو الى النهاية فيقول: «يعلم الله مبلغ ضبطي لنفسي، كنت استطيع أن أقول إنه لا يوجد ولن يوجد تكافؤ بين عمل عسكري وارهابيين لا حدود لهم. وكنت استطيع أن أقول إن صواريخ القسام لا تفرق بين الكبار والاولاد، وكنت استطيع أن أتكلم على عصابات المنتحرين الذين لم يشمئزوا من قتل الاطفال والصغار، وعلى القنبلة الذرية الايرانية التي ما زالت تُبنى أمام أعين العالم لابادتنا مع اطفالنا واولادنا كذلك الطاغية الذي كان في الاربعينيات».
ويقول أبو مازن: «يشهد الله عليّ كم أحتاج الآن الى قوة النفس كي لا أتحدث عن القنابل الذكية التي تنجح برغم ذكائها في ذبح أبناء شعبنا منذ سنين، وكم من صبط النفس أحتاج اليه كي لا أذكر في هذا الوقت الحصارات والأسوار، والاعتقالات والتطويقات، واطلاق النار الذي لا تفرقة فيه، والتعذيب في التحقيق وشباب التلال».
هذا وقت عصيب حقا لكن ما زال من الممكن اختيار طريق جديد للخروج من الازمة. يستطيع أبو مازن ونتنياهو أن يقول كل واحد منهما في نفسه ولأبناء شعبه وللعالم كله ايضا: «الحق معنا». لكنهما يستطيعان أن يضيفا ايضا اذا شاءا: «لن نتخلى عن عدلنا وسنستمر على ادعاء كل ادعاءاتنا غدا. لكننا سنضع حدا اليوم لأننا لسنا اسرائيليين وفلسطينيين فقط بل نحن آباء وأمهات وإخوة وأخوات وأجداد وجدات. ولا يجب على أحد منا أن يتخلى عن ادعاءاته وعن عدالة نهجه للافراج عن الفتيان، كل الفتيان، واعادتهم الى بيوتهم. سنتفق على ذلك اليوم ونواصل صراعنا في الغد».
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــ
جبهة حماس
حتى لو انهارت الشراكة في الحكومة، فإن حماس تكون قد حققت هدفاً باختطاف الأطفال
بقلم:جاكي خوري،عن معاريف
حيث نظرنا الى هذه القضية البشعة، فان اسرائيل تتجه نحو أيام غامضة. حتى لو وصلت الى البشرى المنشودة في أن الرهائن الثلاثة على قيد الحياة، فستقف الحكومة امام وضع معقد للغاية: حملة انقاذ أو صفقة تحرير. كل واحد من هذين السيناريوهين ينطوي على لحظات رعب، انعدام وسيلة أو احباط.
«الشراكة مع حماس»، قال نتنياهو أمس لابو مازن في مكالمتهما الهاتفية، «لا تحسن لكم». ولم يشر رئيس الوزراء، أو لم يعرف، من بالضبط في صفوف حماس نفذ الفعل. وهو لا بد لم يقصد القول ان الخاطفين عملوا بتنسيق أو بغمزة عين من ابو مازن. فقد انقضت تلك العهود التي كان الرئيس الفلسطيني يحل ضيفا في منزل رئيس الوزراء، وبعد ذلك يخرج منه ويأمر كتائب الاقصى بتفجير باصات في القدس.
«ارهابيون يختطفون أولادا اسرائيليين أبرياء، بينما نحن نعالج في مستشفياتنا الاولاد الفلسطينيين»، اضاف وقال نتنياهو أمس. مشكوك أن تكون هذه الحجة طرحها نتنياهو أمام ابو مازن في مكالمتهما الهاتفية. فكلاهما يعرفان بان الاولاد الفلسطينيين الذين يعالجون في المستشفيات في اسرائيل يدخلون عشرات ملايين الشواكل في السنة لهذه المؤسسات الطبية. ولكن السؤال لا يزال على جدول الاعمال. فأي حماس يقصد نتنياهو عندما يطالب ابو مازن بالطلاق منها؟
قسم العمليات في الحركة، كتائب عز الدين القسام ليس مصنوعا من كتلة واحدة، مع مراتبية واضحة وتنسيق بين الفروع. والاصح تشبيهه بالفرع الذي يحل العناقيد. الذراع العسكري في غزة هو الجسم المقاتل الاقوى له. وهو يختلف جوهريا عن شقيقه في الضفة الغربية، حيث تواجد رجال القسام اكثر هزالا، أقل تنظيما ويخضع للرقابة الاسرائيلي والفلسطينية المشددة. كلاهما معا يوجدان على اتصال مستمر مع نشطاء الذراع في السجون في اسرائيل. وهؤلاء يشجعونهم على العمل، يبدون الرأي في مسائل مبدئية بل واحيانا يرفعون لهم المطالب. خالد مشعل، في منصبه الرسمي، رئيس المكتب السياسي لحماس، هو الزعيم الاعلى عمليا. ورغم قيود المسافة المفروضة عليه (معظم وقته يتواجد في قطر)، مشعل هو مؤيد تقليدي لمواصلة أعمال اختطاف اسرائيليين لاغراض المساومة.
ضغط نفسي
الاف الجنود، افضل محققي المخابرات والتكنولوجيا الاكثر تقدما في العالم تبحث عن عصبة من خمسة حتى عشرة اشخاص. وهي تضم ثلاثة مخطوفين، خاطفين او ثلاثة، وعدد مشابه من المساعدين الذين اعدوا مسبقا. وهؤلاء يحرصون للخلية على الغذاء وربما ايضا على الاتصال مع قيادات أعلى. الصعوبة الكبرى امام كشفهم يمكن التعرف عليها من قضية جلعاد شاليط. الشبان الاسرائيليون الثلاثة محتجزون في منزل خاص، اعد مسبقا، منعزل عن كل تكنولوجيا، ولا سيما الهواتف الخلوية. والاتصال بين ذوي الصلة يتم شفويا.
وبسبب السرية التي فرضها الخاطفون على أنفسهم، خشية أن ينكشفوا يحتمل جدا أن يكون نفذ العملية شبكة حماس في الخليل، ولكن دون اشراك اخوانهم في جنين، في قلقيليا او في طولكرم. فقد سمع هؤلاء عن الامر من وسائل الاعلام.
يوظف الجيش والمخابرات الاسرائيلية جهودا جمة في ممارسة الضغط النفسي على الخاطفين الذين يوجدون على اي حال في توتر هائل. فمنذ سنين لم تتم في أرجاء الضفة الغربية حملة اعتقالات على هذا القدر من الاتساع. وصحيح حتى هذه اللحظة تعتقل اسرائيل ما لا يقل عن 130 نشيطا سياسيا وشخصية عامة تتماثل مع حركة حماس في الضفة الغربية، وكذا بضع من رجال الجهاد الاسلامي. بينهم ايضا رمزان: الشيخ حسن يوسف من البيرة، من مؤسسي الحركة، والد عميل المخابرات السابق مصعب يوسف، الملقب بـ «الامير الاخضر». والثاني هو د. عزيز دويك، رئيس البرلمان الفلسطيني. وتأتي الارقام العالية لتعذيب ضمير الخاطفين ودفعهم الى الخوف عميقا من تسريب المعلومات في التحقيق. اضافة الى ذلك، تأتي الاعتقالات لتقدم للمخابرات أهدافا للتحقيقات المتواصلة الكفيلة بان تنتج معلومات شخصية أو عملياتية عن الخاطفين.
دبلوماسية متحمسة
ينزل هذا الحدث على المجتمع الاسرائيلي بالذات في فترة طيبة. أيام من الاستقرار (وثمة من سيقول الوهمي) في العلاقات مع الفلسطينيين. ويسود بين القدس ورام الله حال من الوضع الراهن. فقد استوعبت الحقيقة المريرة بان حل النزاع لن يكون هنا قريبا. وبدلا منه تعلم الطرفان كيف يحتويا الوضع اليومي، وذلك من خلال تطوير العلاقات الاقتصادية، التعاون ضد مظاهر المعارضة الكفاحية، وفي نفس الوقت تغذية الساحة السياسية بمواد اشتعال مصطنعة لاشباع جوع المتطرفين من الطرفين. أحد الناطقين بلسان حماس في القطاع تحدث امس بدبلوماسية متحمسة عن الاختطاف. «لا ندعي لانفسنا هذا الشرف»، قال مشير المصري، وبتعبير آخر: لم تنضج اللحظة لاخذ المسؤولية عن العملية. وقد سمع المصري عن العملية معنا جميعا في وسائل الاعلام. وهو ورفاقه، في الذراع العسكري وفي القيادة السياسية، يخفون حاليا فرحهم في ضوء الحملة التي فكر فيها ونفذها الاخوان في الخليل. من ناحيتهم، احتمالات الخسارة ليست كبيرة. اذا انتهت العملية بموت المخطوفين وحتى بحملة انقاذ ناجحة من الجيش والشرطة الاسرائيلية، ستحصل حماس على النقاط لدى قسم من الجمهور. وقد ضاعت لها هذه النقاط في السنتين الاخيرتين، بعد أن تركت مؤقتا الكفاح المسلح. اما اذا تحقق السيناريو الثالث، ونشأت مفاوضات لصفقة تحرير مع اسرائيل، فسيمنحها الشارع الفلسطيني والعربي ميدالية الشرف.
إذن يحتمل، في سيناريو مستقبلي ان يجد ابو مازن من السليم الانفصال عن اخوانه للحظة، ويعطي لحماس شهادة طلاق. هذا هو ثمن محتمل من ناحية حماس، والذي كانت الحركة مستعدة له من اللحظة التي انطلقت فيها حكومة الوحدة على الدرب. فالوحدة ليست قائمة عمليا، بل على الورق اساسا. والاتصال المادي بين جناحي المعسكر الفلسطيني لا يتاح، بسبب الفيتو الاسرائيلي. فالقطاع لا يزال يدار من موظفين ومدراء عامين عملوا تحت حكومة اسماعيل هنية المحلولة. ولن تكون مشكلة في تعيين وزراء من الحركة فوقهم، مثلما كان متبعا على مدى ثماني سنوات – حتى قبل شهر.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــ
هناك من يعتقد أن عملية اختطاف فتيان اسرائيليين مؤامرة لتحسين صورة تل ابيب في العالم واثارة الشفقة عليها
بقلم: ناحوم برنياع،عن يديعوت
في قاعدة فرقة “أيوش” (ارض اسرائيل والسامرة) في بيت إيل حاول ضباط أول أمس أن يحللوا معنى الاسبوع الذي مضى منذ كان الاختطاف. كانت عيونهم صغيرة وحمراء، فهم في الليالي يُديرون نشاط القوات في الميدان، وفي النهار يستضيفون الساسة الذين يديرون عرضا منهم حول الاختطاف.
حينما تُنزع من الحادثة محمولاتها الزائدة تبدو على النحو التالي وهو أن ثلاثة فتيان اختطفتهم جهة ارهابية؛ والفتيان اسرائيليون، منا؛ وقد وجد خلل شديد في علاج الاختطاف في الشرطة؛ وانتقل الجيش الاسرائيلي في الضفة من نشاط أساسه الامن الجاري الى عملية مخطط لها موسعة؛ وهم ينتهزون الفرصة التي أُتيحت ويضربون البنى التحتية السياسية والاجتماعية لحماس؛ وفيما يتعلق بالبحث في الاختطاف والجهد لوجود الخاطفين والمخطوفين تبذل السلطة الفلسطينية أفضل ما تقدر عليه لتساعد سرا وعلنا؛ وفي رد على ذلك يندد بها رئيس وزراء اسرائيل من فوق كل منصة.
صحيح حتى كتابة هذه السطور أن “الشباك” والجيش الاسرائيلي فشلا في العثور على الخاطفين والمخطوفين. ولا يوجد هنا كما يبدو فشل واخفاق لكن توجد كآبة. ويجب أن يقلق ذلك لأن للاذرع الامنية في هذه الحادثة بخلاف اختطاف جلعاد شليط قدرة على الوصول الحر الى الميدان بلا تشويش وشريكا حقيقيا من الطرف الآخر.
إن هجوم الجيش الاسرائيلي بموافقة المجلس الوزاري المصغر على جمعيات “الدعوة” شرعي. فحماس الضعيفة والمقزمة والمضيق عليها بشرى خير لاسرائيل ولأبو مازن ايضا. وصحيح أن المعتقلين ليست لهم كما يبدو أية صلة بالاختطاف وربما لا توجد صلة مباشرة يمكن البرهان عليها ايضا بالنشاط الارهابي. لكن الفرص يجب انتهازها. حينما قتلت خلية من “ليحي” في ايلول 1948 الكونت برنادوت في القدس بدأ رئيس الوزراء آنذاك دافيد بن غوريون سلسلة اجراءات كانت موجهة في الاساس على الايتسل التي لم تكن لها أية صلة بالقتل. ولم يكن ذلك مريحا من جهة قضائية أو اعلامية أو انسانية لكنه كان صحيحا.
يبدو أنه يصعب عليهم حتى في الجيش الاسرائيلي أن يفهموا ما يحدث في هذه الفترة بين اسرائيل والسلطة وبين نتنياهو وأبو مازن. ولا يمكن الحديث بتفصيل عن اسهام اجهزة السلطة في الجهد الاستخباري لأنه فُرض على تفاصيل التحقيق أمر حظر نشر. ويكفي أن أقول إنه مهم جدا.
إن أبو مازن سياسي مثير للاهتمام. في اثناء التفاوض في مبادرة كيري توقع اولئك الاسرائيليون الذين كانوا مهتمين باتفاق أن يسمعوا منه اقوالا صريحة ملزمة في المواضيع الجوهرية. وحينما لم تأت الاقوال اتهموه بالهروب من المسؤولية وبالجبن. لكن ها هو ذا أبو مازن يجلس حول طاولة واحدة مع وزراء الخارجية العرب وهناك، هناك على الخصوص وباللغة العربية خاصة وأمام عدسات التصوير خاصة يندد بالخاطفين ويتهمهم بتدمير السلطة ويلتزم بمعاونة الجيش الاسرائيلي على تحرير المخطوفين بصورة قاطعة بلا تلعثم ودون جُمل معادلة ودون كلمة واحدة لتملق الشارع الفلسطيني. ولم نسمع هذه الجمل قط من ياسر عرفات فضلا عن فلسطينيين آخرين. وهكذا يتحدث الشريك.
ويُعبر عن تصميم أبو مازن ايضا في مستويات أقل انكشافا. فحينما أراد رجال من الادارة الامريكية أن يستوضحوا هذا الاسبوع هل يحتاج الاسرائيليون الى مساعدة على اقناع السلطة الفلسطينية بالتعاون أُجيبوا بأنه لا حاجة لذلك فنحن نحصل من السلطة الفلسطينية على كل ما نطلبه.
وليس ذلك أمرا يستهان به بل هو يحظى في جهاز الامن بالتقدير، لكن الامر ليس كذلك في مكتب رئيس الوزراء. فقد أجابوا هناك بقولهم ليُلغِ الاتفاق مع حماس أولا وكأن حياة الفتيان الثلاثة غير موضوعة الآن في كفة الميزان وكأن أبو مازن بأفعاله وخطبه لم يُثر عليه حماس وأنصارها بل ربما عرض حياته للخطر. قد يكون نتنياهو جامدا في علاقته بأبو مازن كما كانت غولدا مئير جامدة مع السادات. وهو يدير حملة دعائية على أبو مازن ولن يغير شيء من ذلك حتى ولو حقائق، ولا فقدان الثقة به في نظر زعماء اجانب. أو أن التقدير السياسي الداخلي هو الحاسم. وهم في المستوطنات غاضبون تجب مصالحتهم، فليس هذا هو وقت قول كلمة خير في أبو مازن.
دولة واحدة
ثم من يعتقد أن قضية الاختطاف كشفت عن انقسام المجتمع الاسرائيلي الى دولتين: دولة المستوطنين ودولة تل ابيب. وفي تل ابيب مسيرة فخر من نوع ما وفي المستوطنات مسيرة فخر من نوع مختلف. ولا يقلق مصير الفتيان الثلاثة الناس في تل ابيب بل يوجد بينهم من يعتقدون أنهم يستحقون ذلك لأنهم مستوطنون ولأنهم ركبوا سيارة عارضة في الليل ولأنهم يعتمرون القبعات الدينية؛ ومصير الفتيان الثلاثة يقلق المستوطنين جدا لكن أهم عندهم من ذلك أن يقدسوا إسم الله بوساطتهم.
أنا جديد في البلاد وقد وصلت الى هنا أول أمس من مهمة صحفية اخرى وسافرت من مطار بن غوريون الى الضفة مباشرة. وقد أوهم نفسي لكن يُخيل إلي أن هاتين الظاهرتين تمثلان الهوامش فقط. وفي الوسط مجتمع اسرائيلي سر وجوده تكافله الداخلي. ومن الواضح أن الجدل الداخلي في المناطق الذي ما زال مستمرا منذ 47 سنة، والجدل في طابع الدولة وترتيب أولوياتها يضعف الشعور بالتكافل. والسؤال كم يضعفه؟.
يشاهد الناس العاب كأس العالم أو “الأخ الاكبر” وما زالوا يريدون من اعماق قلوبهم أن تنتهي هذه القضية نهاية سعيدة. لا يجب أن يشعروا بأنهم مذنبون لأن مصير الفتيان ليس في أيديهم.
تواجه كل عائلة كارثة من هذا النوع بطريقتها، فثم من ينطوي على نفسه في صمت؛ وثم من يبحث عن السماعات؛ وثم من يحفظ مشكلته لنفسه؛ وثم من يتقاسمها مع العالم كله. وقد اختارت عائلات الفتيان السماعات وهذا حقها. وآمل أن تكون مدركة أنها وسائل لعب في أيدي جهات أقوى منها. فالساسة يلعبون بهم ورؤساء جماعة ضغط المستوطنين يلعبون بهم. وقبل أن يتبين مصير الفتيان بلحظة ستختفي السماعات وتنتهي الرسالة الوطنية فينقل الساسة السماعات الى المحطة التالية.
كل شيء مؤامرة
قال لي مصدر في المقاطعة: “لا أحد في الضفة يؤمن بأنه كان اختطاف، فالجميع على يقين من أن تلك مؤامرة نتنياهو. وأُبين لهم بالطبع أنهم مخطئون لكنهم لا يصدقون”.
أنا مدمن مؤامرات فلسطينية لأن لها جمالها الخاص. وسألت: مؤامرة من اجل ماذا؟.
“لتفكيك عرى السلطة ولاثارة شفقة العالم عليكم ولوقف انتقاد اسرائيل”.
لكن ما هو الدليل، سألت.
“الدليل هو أنه مرت ستة ايام ولم تجدوا لا الخاطفين ولا المخطوفين. ويقول الناس إن هذا لا يمكن أن يحدث”.
قلت: “أنتم واثقون بجهازنا الامني أكثر منا”. قال: “ليس هذا شيئا. جاءني اليوم فلسطيني وقال: هل انتبهت الى أنه لا يوجد جنود على الحواجز؟ أخلوا الحواجز على عمد فهم يريدون أن يخرج المستوطنون الى الميدان دون عائق ويقتلوا فلسطينيين انتقاما للاختطاف. أين جنود الجيش الاسرائيلي ليحمونا؟”.
وضحك ضحكا مُرا وأنا كذلك.
ماذا سيكون في رمضان؟
في الساعة السادسة من يوم الجمعة حدثت عملية اطلاق نار في بيتونيا غير بعيد عن سجن عوفر. فقد اقتربت سيارة الى مسافة 50 – 60 مترا من موقع الجيش الاسرائيلي وأطلق أحد ركابها النار من بندقية إم16 على الموقع وفر صوب رام الله. وبدأت مطاردة في داخل المنطقة أ، في داخل رام الله. وشُحنت اجهزة الاتصال بالنشاط. ثم صمتت فجأة. فلا أحد هناك في أعلى يهتم لما يحدث في رام الله. وأدرك العقيد يوسي بنتو قائد لواء بنيامين الذي كان في المطاردة أن شيئا مهما جدا وحرجا جدا يشغل القادة فوقه وهكذا عرف بالاختطاف.
لم يسقط الاختطاف اشخاصا عن المقاعد فقد كان في الجو منذ اشهر. وفي خلال يومي الجمعة والسبت فُتحت في “الشباك” والجيش الاسرائيلي كل الملفات المتعلقة بنشطاء منظمات الرفض، حماس والجهاد الاسلامي وغيرهما. واستدعي لواء المظليين واللواء 900 الى يهودا والسامرة. واستدعيت ايضا قيادة لواء الشباب الطلائعيين.
تبدو هذه مثل عملية كبيرة من جهة عدد القوات وشيئا يُذكر بعملية “السور الواقي”. لكن المقارنة داحضة: فقد عاد الجيش الاسرائيلي فاحتل الضفة الغربية في واقع الامر بعملية “السور الواقي” وحدث قتال حقيقي في عدد من الاماكن. أما ما قام به الجيش الاسرائيلي هذا الاسبوع فهو عملية اعتقالات واسعة وليست احتلالا. واستمرت الحياة في الضفة كالمعتاد ما عدا محافظة الخليل التي ضرب عليها حصار. ولم تنصب حواجز ولم توقف حركة السير ولم يمنع المرور الى اسرائيل.
في القرى المعروفة بأنها مؤيدة لحماس اعتقل كل النشطاء. وسلواد وهي قرية جميلة تقع على الجبل شمال مستوطنة عوفرا هي مثال جيد. في سلواد تعيش عائلة ابراهيم حامد الذي كان في الماضي رئيس ذراع حماس العسكري في الضفة، والموجود اليوم في السجن. وفي يوم السبت حينما عُلم أمر الاختطاف في سلواد أطلق رصاص الفرح ورفعت اعلام حماس. واعتقل الجيش الاسرائيلي هناك عشرات النشطاء في عمليتين ليليتين.
وفي ليل يوم الثلاثاء داهم الجنود مكاتب محطة اذاعة حماس في رام الله. وصادروا مكاتب المحطة في ذلك الوقت في الخليل. وكانت خلية طلاب الجامعات في حماس في جامعة بير زيت هدفا للدهم في الغد وكان الامر مصادرة كل شيء من قرص حاسوب في عيادة لحماس الى حواسيب محمولة في بيوت خاصة.
ووجدت القوات في اعمال الدهم القليل جدا من الوسائل القتالية فاما أن المنظمات تعرف كيف تخبيء سلاحها في اماكن اخرى وإما أن يكون عمل التنظيف الذي قامت به اجهزة السلطة في السنوات الاخيرة أساسيا.
لم يُعرف التنظيم، وهو ذراع فتح العسكرية بأنه هدف. وبرغم ذلك عملت القوات في اماكن مثل مخيم اللاجئين الجلزون حيث ينشيء التنظيم ارهابا موجها على بيت إيل المجاورة.
في صفقة شليط أطلق الى الضفة 100 ارهابي “ثقيل”. واعتقل 53 منهم هذا الاسبوع تارة اخرى. وفي وثيقة وقعوا عليها حينما أفرج عنهم قيل أنهم يلتزمون بالحضور في كل شهرين مرة في وحدة التنسيق والارتباط. ويمكن الآن ادخال من لم يحضر في الوقت دونما صلة بافعاله بالفعل الى السجن حتى انتهاء المدة التي حكم عليه بها في الماضي. فقد انتهت الحرية ويعود الشخص في واقع الامر ثلاث سنوات الى الوراء، الى تشرين الاول 2011.
ويأملون في الجيش الاسرائيلي أن يُحدث هذا الدرس ردعا، لكنه قد يفضي الى عكس ذلك بالطبع، أي الى اعمال يأس. فالجميع يسيرون هنا على حبل دقيق.
سيبدأ رمضان بعد عشرة ايام. وقد سمح لـ 250 ألف فلسطيني في السنوات الاخيرة بأن يزوروا جبل الهيكل في رمضان لكن يُشك في أن يُسمح لهم في هذه السنة؛ وفي كل سنة سُمح لعشرات الآلاف من الفلسطينيين أن يقضوا العيد على ساحل البحر في تل ابيب. ويُشك في أن يُسمح لهم في هذه السنة فضلا عن الحديث عن الافراج عن السجناء.
في حزيران 2007 قبل سبع سنوات بالضبط، احتلت حماس غزة من فتح. وطُرح رجال فتح من أعلى المباني. وأُهين آخرون وطردوا هم وعائلاتهم. وبعد تلك الحادثة أقسم قادة الاجهزة في الضفة ألا يكون مصيرهم كمصير نظرائهم في غزة وأن يحاربوا حماس حتى النهاية بتعاون كامل مع الاجهزة الموازية في اسرائيل. وقد تم أحد اللقاءات الحاسمة بين قادة الجيش الاسرائيلي وقادة الاجهزة الامنية في مقر فرقة في بيت إيل. وكان قائد الفرقة نوعم تيفون. وقد حضرت ذلك اللقاء وكتبت تقريرا عنه بموافقة الفلسطينيين، فقد ساروا الى النهاية حقا.
وهم الآن بعد سبع سنوات في مفترق طرق ونحن كذلك. فهل يستمر الانقسام بين غزة والضفة وقد أصبحت تحكم المنطقتين في ظاهر الامر حكومة مشتركة؟ وهل يعتبر أبو مازن مسؤولا عن كل قذيفة صاروخية تطلق من غزة؟ وكيف تكون حرية عمل الجيش الاسرائيلي في غزة؟ وكيف تكون حرية العمل في الضفة؟.
إن المسؤولية هي شيء سيال. يقول نتنياهو إنه يرى أبو مازن مسؤولا عن كل من وما يخرج من المنطقة التي تسيطر عليها السلطة. وقد دخلت الضفة أول أمس عن طريق الشارع 446، وهو الشارع من موديعين الى رام الله. ويوجد بالقرب من مستوطنة نيلي معبر من الجدار ليس هو خرقا عمره يوم بل هو منفذ دائم معروف للجميع. وفي حوالي الخامسة عصرا بعد يوم العمل مر منه مئات الفلسطينيين من الماكثين غير القانونيين والقانونيين. نعم، قال لي ضابط في الجيش الاسرائيلي. هذا معبر غوترمان، فرئيس بلدية موديعين العليا يعقوب غوترمان يريد العمال عنده في السادسة صباحا لا في الثامنة فرتب لهم معبرا منه.
بين الخطأ والفشل
لا حصانة لأحد من الاخطاء فضلا عن رجال الشرطة. حينما نستمع جيدا لشريط المكالمة الهاتفية في ليل الاختطاف نفهم الكلمات بصعوبة في الحقيقة. كل الكلمات. وقد أدرك الشرطي والشرطة اللذان استمعا للشريط المسجل أنه يحتاج الى علاج فحاولا معاودة الاتصال. وحينما لم يحصلا على رد تخليا عن ذلك وما كان يجوز لهما أن يتخليا.
لا أحد محصن من الاخطاء لكن هذا عملهم. ومن يخطيء في العمل يعاقب. ولست أعني العامل في المركز أو العاملة فقط بل كل الجهاز الشرطي الذي لا ينجح في وضع الاشخاص المناسبين قرب الهواتف، ويبحث بما أوتي من قوة عن تعليلات بدل الندم.
أقترح التقليل من التأثر بجدول رحلات القائد العام للشرطة دنينو، الجوية. اذا نظرنا الى الخلف وجدنا أنه كان يحسن الصنع لو ركب طائرة من نيويورك في اللحظة التي علم بها بأمر الاختطاف لأنه كان يُجنب نفسه عدة آلاف من شتائم المتصفحين في الانترنت. لكن اذا فحصنا لحظة عن الجوهر وهذا شيء غير معتاد كثيرا في الخطاب الاسرائيلي خلصنا الى استنتاج أن غيابه لم يقدم ولم يؤخر. فقد أسهمت الشرطة اسهامها في فشل المركز 100 وليس لها فيما عدا ذلك ما تضر به أو ما تنفع به.
وربما حان الوقت لنصبح بالغين. فهم لا يتوقعون في أية دولة سليمة أن يُظهر رئيس الوزراء أو رئيس هيئة الاركان أو القائد العام للشرطة الحضور في كل حادثة بل إن حضورهم يشوش على العمل احيانا. واذا لم أكن مخطئا فقد كان الامر كذلك هنا ايضا في سنوات الدولة الاولى. وبعد ذلك حينما تسلح الجيش الاسرائيلي بالمروحيات وحينما بدأ التلفاز البث وحينما انشأت الانجازات العسكرية ثروة سياسية أصبح الحضور واجبا. فرئيس الوزراء يأتي لمشاورة امنية في قيادة الوسط كما يُبلغ مكتب رئيس الوزراء برسالة قصيرة، ويفصل بعد ذلك فورا في الحديث عن فرق التصوير والتسجيل والبث. وكل هذه المجموعة الثقيلة تتحرك من مكان الى مكان لا للمشاورة بل لتُلتقط لها الصور.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــ
بن لادن أمامك
بقلم:سمدار بيري،عن يديعوت
إن سقوط الموصل، وهي ثاني أكبر مدينة وأهمها في العراق، في أيدي اعضاء المنظمة الارهابية الاسلامية «داعش» لم يفاجيء أحدا. فقبل سنة استقر رأي أبو بكر البغدادي، قائد المنظمة، على استغلال الحدود المخروقة بين سوريا والعراق لينقل ساحة المواجهات العسكرية الى هناك. وقد حاول الاكراد أن يحذروا، وأرسل حاكم المحافظة انذارات الى مكتب رئيس الوزراء في بغداد بل نقلت رسالة مشفرة عاجلة في ذلك الشأن. جاء فيها: «يجب الاستعداد لمواجهة خطط الشيخ غير المرئي. أوصي بزعزعة قادة الجيش كي يستعدوا للهجوم الكبير». لكن شيئا لم يساعد فكانت الهزيمة محتومة.
يُعرف القليل جدا عن البغدادي إبن الـ 42 واسمه الحقيقي عواد البدري. بعد أن أنهى رسالة الدكتوراة في الفقه الاسلامي من جامعة بغداد انضم الى معسكرات تدريب الارهاب التابعة للزرقاوي في العراق، ووحد قواته مع قوات القاعدة وطُرح في 2005 في السجن الامريكي بوقة في العراق والتقى هناك لاول مرة مع من اصبح «رئيس خلايا تصفيته» شقير الوهابي. وهو ايضا بالمناسبة حامل لقب دكتوراة في التربية.
حينما أُفرج عن الاثنين بعد اربع سنوات ودعا السجانين الامريكيين في ود متكلف. وقال البغدادي في التزام: «الى اللقاء في نيويورك» وأضاف الوهابي: «إنتظروا، سآتي لزيارتكم». ومنذ ذلك الحين أصبحا من ألد أعداء الولايات المتحدة، وداعش هي المنظمة الارهابية الاولى في العالم قبل القاعدة، وقد خصصت الادارة في واشنطن جائزة ابتدائية تبلغ 10 ملايين دولار لمن يأتي بمعلومة تفضي الى اعتقال البغدادي وجائزة مضاعفة لمن يقطع عنق «إبن لادن الجديد». لكنه ما زال ينجح في الهرب متقنعا بأغطية رأس، مجددا الفحص عن حراسه الملاصقين ويخشى دائما أن يكون مستهدفا للتصفية. فلم يظهر وجهه سوى مرة واحدة في صورتين نشرتا فورا بين وكالات الاستخبارات والشبكات الاجتماعية.
والامريكيون مستعدون لأن يدفعوا عن رأس شريكه في الارهاب الوهابي خمسة ملايين دولار فقط، لكن المهمة هنا أسهل في ظاهر الامر. لأن هذا «المصفي» يهتم بأن تنشر صوره لغرض الردع. ويمكن أن تجد في الشبكة غير قليل من الافلام القصيرة والصور التي يُرى فيها وهو يقطع الرؤوس أو يأمر الارهابيين تحت إمرته بحمل الجثث في شاحنات. ونراه في أحد الافلام القصيرة يحقق مع خمسة سائقي شاحنات اعتقلوا في الموصل المحتلة ويفحص هل هم مسلمون، أوسنيون هم أم من الطائفة العلوية؟ ويتوسل السائقون كي يدعهم أحياءً ويبينون أنهم لا يحاولون سوى كسب الرزق، بيد أن كل ذلك لا يساعد، فيقول الوهابي: «أنتم أعداء الاسلام الحقيقي»، ويطلق النار عليهم فيقتلهم واحدا بعد آخر في خلال الحديث.
طريق دامٍ
إن البغدادي بخلاف خصومه في القاعدة لا يؤمن بالاشرطة المسجلة وبالرسائل الى المقاتلين في الميدان. وهو يدع تجنيد المجاهدين للمتطوعين الشباب في «قسم التوجيه» عن طريق الشبكات الاجتماعية كما يناسب منظمة ارهاب في القرن الواحد والعشرين. ويجد الشباب الذين يأسرهم قلة ظهوره وسلوكه الغامض السبل للتسلل الى معسكرات التدريب بالاشارات الخفية في تغريدات تويتر. ويأتون الى الميدان من مراكز تجنيد سرية في مساجد في أنحاء بريطانيا واسبانيا والمغرب والاحياء الفقيرة في باريس والاردن وامريكا اللاتينية بل من السعودية. ويكفي أن نستمع للتحذيرات التي تصدر عن وزراء وجهات امنية في تلك الدول تدعو «عديمي المسؤولية» الى انتهاز الفرص والى «العودة الى البيت كي لا يعودوا في توابيت آخر الامر»، كي نفهم مقدار زخم هذه الظاهرة.
بيد أن هذه التحذيرات لم تُجد. والذي يُستوعب في أحد معسكرات تدريبات داعش على طول الحدود بين سوريا والعراق لا يتركه. فهنا يحصلون على أجرة وعلى وجبات منظمة ودروس فقه وعلى وقت فراغ للصلوات الخمس اليومية وعلى دورات تعليمية لاستعمال السلاح والقيام بكمائن وغسل دماغ باسلوب «إعرف العدو». وقد بدأت داعش مسيرتها قبل ثلاث سنوات بسبعة آلاف متطوعا ونجحت اليوم بحسب تقديرات الاستخبارات الغربية في مضاعفة العدد بل زاد على ذلك. إن عددا منهم ضباط وجنود من الجيش العراقي الذي حُل في 2003 بأمر «المفوض الامريكي الاعلى» في بغداد بول بريمر.
وقد جاء اولئك الذين رُموا من الجيش النظامي دون أن يجدوا لهم عملا بديلا ومصدر عيش، الى العصابة المسلحة الجديدة لتصفية الحساب. ويرى البغدادي أن الضباط والجنود العراقيين الغاضبين هم كنز استراتيجي وهم أفضل المرشدين في ساحة القتال وهم كنز استخباري. وهكذا سقطت الموصل دون مقاومة بل تخلى مئات الضباط والجنود ببساطة عن المواقع العسكرية وتركوا مخازن السلاح. وهكذا نجحوا في الاستيلاء ايضا على منطقة سامراء في الشمال، وسدوا تكريت وبعقوبة وهم يصرون على اخضاع منشآت تصفية النفط الكبرى في الدولة.
إن من يحاول أن يبحث في هذه المرحلة عن نشوء منظمة داعش وتفرعاتها يجد أبوابا مغلقة. فالبغدادي يحرص على السرية، وكبار قادة المنظمة يستعملون اسماءً شيفرية، والصلة بين فروع المنظمة من أكثر الاسرار سرية وكذلك ايضا طرق التجنيد في المواقع الاجتماعية. بل لا توجد مصادقة حتى للصور التي تثير القشعريرة للتصفيات الجماعية، وليس واضحا متى وثقت الاعدامات وفي أية ظروف.
وما هو هدف البغدادي؟ وما هي «الخطة الكبرى» للمنظمة الارهابية الاسلامية؟ يشير الخبراء الى ثلاثة احتمالات طموحة كل واحدة أكثر من الاخرى. إن الخطة الكبرى هي انشاء «دولة الشريعة الاسلامية الصحيحة» التي تشمل العراق وسوريا ولبنان والاردن والقدس والسعودية، وفي الخطة «المتوسطة» يكتفي اعضاء المنظمة بالاستيلاء على حقول النفط العراقي، وبالتشويش على سوق النفط العالمية وبالربط بين سوريا والعراق عن طريق الحدود المفتوحة، واذا لم تنفذ هاتان الخطتان فانهم هناك مستعدون للاكتفاء ايضا بتصفية حسابات مع آيات الله الشيعة من ايران، وبتقسيم العراق الى ثلاث دول مستقلة: بغداد والجنوب، والوسط السني والمدينتان المقدستان النجف وكربلاء والشمال الكردي الذي يمتد حتى الحدود مع سوريا وتركيا.
إن الطريق الى هناك دام مشحون بالمعارك القاسية والاعدامات الجماعية. وقد نجحت الصور التي رفعها المجاهدون من داعش الى الشبكة هذا الاسبوع في زعزعة الامين العام للامم المتحدة بان كي مون ايضا وصرفت الانتباه عن المذبحة في سوريا. إن «الذراع العسكرية» لخلايا التصفية توقف ضباطا وجنودا ومواطنين في صفوف طويلة لـ «امتحان في القرآن». والذي لا ينجح في اظهار المهارة في تلاوة السور الطويلة ينال رصاصة بين عينيه. ولا يوجد عدد دقيق للضحايا بل توجد فقط صور تتحدث من تلقاء نفسها. وقد وردت التقارير هذا الاسبوع عن 1700 قتلوا وهم مقيدوا الايدي في محافظة نينوى، وعن 200 ضابط وجندي في شمال غرب العراق على طول الحدود مع سوريا. «سيموت الشيعة الانجاس مئات»، كتبوا في سطر صاحب الفيلم القصير الذي وثق عملية القتل.
في ذلك اليوم جمع رئيس وزراء العراق نوري المالكي مؤتمرا صحافيا في بغداد «من اجل الوحدة». وقد حث سكان الدولة على «حمل السلاح والقتال»، وحذر قائلا «سنغرق في انهار دم». وقد وقف الى جانب المالكي الشيعي رجل دين مسلم سني وسياسي كردي في محاولة لاظهار الوحدة واعلان أنه لا توجد حرب اهلية لكن «سلوك عنيف لعصابات قتل تحاول السيطرة على العراق». واتهم المالكي السعودية ايضا بكلمات شديدة.
يدعو نشيبران البرزاني، رئيس حكومة كردستان الى عزل المالكي خاصة. ومنذ سقطت الموصل هرب 800 ألف مواطن عراقي الى كردستان وينضم اليهم في كل يوم عشرات المقتلعين الجدد. «لا اؤمن أن العراق تستطيع البقاء موحدة ما بقي المالكي يتصرف بحسب الاملاء الايراني»، قال رئيس حكومة الحكم الذاتي الكردي. «يجب على الولايات المتحدة التي دعمته أن تعزله».
وفي خلال ذلك أخذ الارهاب ينتشر من العراق وسوريا وظهرت علامات قلق عميقة على جبين رئيس وزراء بريطانيا دافيد كامرون الذي تلقى معلومات استخبارية مقلقة جدا. فقد وجد في تغريدات تويتر أنه طُلب الى 400 من «مقاتلي الله» غادروا بريطانيا في السنتين ونصف الاخير وغابوا في معسكرات التدريب في باكستان وسوريا والعراق «عودوا الى القاعدة الأم لأنه يوجد عمل». وعلى حسب ما تقول وكالة الاستخبارات البريطانية قتل عشرون من الغائبين فقط أما الباقون فقد يغرقون المساجد في بريطانيا ويُعدون لعملية ضخمة على «الكفار».
في موازاة جهود بحث الاذرع الاستخبارية في الدول الغربية، عادوا في السعودية والاردن وحذروا قائلين: «نحن متأهبون ومستعدون لكل حدث». وخرج عبد الله ملك الاردن ليعلن أول أمس قوله: «أهم شيء الحفاظ على وحدة العراق»، وأعلن في الوقت نفسه أن «من يحاول أن يلعب باستقرار الاردن سيُرد عليه ردا شديدا». ويقولون الآن في عمان إنه لا توجد موجة لاجئين جديدة ولا محاولات تسلل، والاجهزة متأهبة. بيد أن الشر قد يأتي من الشمال أو من الشرق في كل لحظة.
خيانة العم الامريكي
إن الأسرة المالكة السعودية هي التي تُظهر علامات عصبية متقدمة. فقد تأكد قادة الاجهزة هذا الاسبوع من أن منظمة داعش برغم التمويل والحوافز من قبلهم قد استقلت وانقلبت على المملكة.
تكشف الـ 162 شريط حاسوب التي ضبطت عند أبو هاجر، رئيس «المجلس العسكري» لداعش، تكشف عن عمق الصلة السعودية. فقد كان كل شيء هناك بأدق التفصيلات: الاصابع الطويلة لقيادة الاجهزة الامنية في الرياض، وخطط العمليات، والسلاح والمعدات العسكرية، ومحافظ المال التي سحبت في قصر الملك عبد الله دون أن تطرف عين. وبحسب المعلومات التي توثق نشوء المنظمة السري واتساعها السريع، بدأت منظمة داعش تعمل في مناطق سوريا وليبيا قبل ثلاث سنوات مع ميزانية بلغت 875 مليون دولار. وتضاعفت الملايين وزادت على ذلك على أثر الاستيلاء على منشآت النفط والتهريبات والاستيلاء على المصارف في المدن التي احتلت في العراق.
ومن المثير للاهتمام أن نتبين أن أميرين سعوديين عُزلا في لحظة بأمر ملكي تعسفي ليحل محلهما أميران آخران يثق الملك عبد الله بهما وهما مطلعان على أسراره الخفية. الاول مُقرن بن عبد العزيز وقد عُين وزيرا للداخلية، والثاني محمد بن نايف الذي يبدو أنه ملك السعودية القادم، وقد رُفع مباشرة الى منصب رئيس الاجهزة الاستخبارية في المملكة.
وقد أرسلا ليدعما داعش سرا وللانفاق عليها واستخدامها وهي التي كان يفترض بحسب خطة الأسرة المالكة الاصلية أن تسقط نظام بشار الاسد. وقد أصبح السعوديون اليوم مستعدين للاعتراف بأنهم تعلموا بأصعب طريقة أنه لا يمكن الاعتماد على براك اوباما ليقوم بالعمل مكانهم. وقد تابعوا في غضب كبير الغرام بين واشنطن وطهران وخلصوا الى استنتاج أنهم اذا لم يدخلوا هم أنفسهم وسريعا الى ساحة المواجهة العسكرية في سوريا دون ترك بصمات فستزحف ايران الى الاماكن المقدسة في مكة والمدينة وتستخدم خلايا ارهابية نائمة في الامارات المجاورة وتنقض نظام الحكم عندهم.
وهكذا أخذت الأسرة المالكة السعودية تدعم داعش بالمال منذ سنة 2010 وكانت مشاركة في التخطيط لعمليات ارهاب على ضباط وموظفين كبار في سوريا في أقرب حلقة من بشار. ولم يكف الرئيس السوري نفسه عن الشكوى من «المؤامرة الكبيرة»، وأرسل قوات عسكرية وطائرات لترمي براميل متفجرات من الجو ولتهاجم «الارهابيين الذين تسللوا الى سوريا». وأفضى بشار بعمله القاسي الموجه على عصابات الارهاب الى موت عشرات آلاف المواطنين الابرياء من النساء والاولاد واختبأ وراء اتهام «الدولة الاجنبية». ويتضح الآن فقط أن المعلومات عن اليد الطويلة التي استعملتها السعودية زادت في عمق القطيعة بين الرياض وواشنطن. إن الرئيس اوباما «قفز» في الحقيقة لمصالحة خاطفة غير ناجحة مع الملك، لكن من الواضح للطرفين أن جدول اعمال اوباما انتقل من الرياض الى طهران، وقد اصبحت الادارة على يقين من أنها قادرة على تسوية امورها دون حلفائها القدماء ودون النفط السعودي.
بيد أن كل ذلك لا يهم سكان العراق الذين تخلصوا قبل عقد من صدام حسين ويضطرون الآن الى مواجهة طاغية فاسد ومنظمة ارهاب أخذت تقترب من عاصمتهم مع عصابات تصفيتها المسلحة. «إن التقارير الصحافية التي تقول إن بغداد توشك أن تقع في أيدي الارهابيين غير صحيحة»، تبين صديقتي الدكتورة نهى التي تسكن منطقة محروسة في حي فخم في العاصمة. وقد وزعت هي وزوجها الذي يدير مكتبا ناجحا للتصدير والاستيراد، وزعا أبناءهما الثلاثة قبل سنة في لبنان والاردن. «والآن تتشكل قوة عسكرية جديدة من متطوعي السلطة ترمي الى أن تحل محل عشرات آلاف المنشقين الذين تركوا المواقع العسكرية في الموصل وتكريت والمحافظات التي سقطت في يد داعش. لكن ذلك لا يعني أننا غير قلقين.
«نحن نجمع الطعام ونتابع الانباء وتفحص الآذان والعيون عن حركات مريبة لغرباء يحاولون التسلل الى بغداد. كنا نريد أن نرى تدخلا امريكيا أكبر».
ما رأيك في السلطة الحالية؟
«يمكن بيقين أن نقول بصراحة إن المالكي ليس كأس الشاي لي ولزوجي. فبرغم أننا من الطائفة الشيعية كنا نريد أن نرى في العراق زعيما مستقلا لا عميلا لطهران والامريكيين. ومن المؤكد أن هذا الارتباط مغضب وكذلك الاتفاقات التي تجري على حسابنا على بعد آلاف الكيلومترات».
أمس أعلن حاكم محافظة نينوى أنه في اثناء الاستيلاء على مدينة الموصل استولى رجال داعش على المصارف وفتحوا خزائن مال وحصلوا على 425 مليون دولار اخرى نقدا وذهبا. فاذا أضيف هذا المبلغ اصبح الحديث الآن عن أغنى منظمة ارهاب في العالم، ونقول من اجل المقارنة إن ميزانية حزب الله السنوية تقف على 200 مليون دولار، وتعمل طالبان بميزانية 70 مليون دولار، وتكتفي القاعدة بـ 30 مليونا فقط.
في منتصف الاسبوع بعد «حيرة» و»فحص عميق عن الوضع»، استقر رأي اوباما على أن يرسل الى العراق 275 جنديا من المارينز لزيادة حراسة السفارة الامريكية الضخمة في «المنطقة الخضراء»، والبدء بتدريب جنود جيش متطوعي النظام. «ما زلنا نفكر في جميع الخيارات»، يعد متحدثو الادارة، ولم يبق للسكان سوى أن يأملوا ألا يتخذوا القرارات هناك متأخرة لحظة واحدة. لو كان الامر متعلقا بالبغدادي لما استراح ولما هدأ حتى ينفذ خطته الكبرى حتى لو اضطر الى أن يضحي بحياة آلاف من المعسكرين.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــا


رد مع اقتباس