أقــلام وآراء إسرائيلي الاثنيـــن 4/08/2014 م
في هــــــذا الملف
عن البربرية
بقلم:جدعون ليفي،عن هآرتس
الجيش الاسرائيلي ينسحب من القطاع وما يتلو ذلك متعلق بحماس
بقلم:عاموس هرئيل،عن هآرتس
أُخرج يا بيبي
أشجع قرار يمكن أن يتخذه نتنياهو الآن هو اخراج القوات البرية من غزة
بقلم:ناحوم برنياع،عن يديعوت
علينا وقف الخسائر والخروج
بقلم:بن كسبيت،عن معاريف
عن البربرية
بقلم:جدعون ليفي،عن هآرتس
صباح أمس هاتفوا من وزارة الصحة الفلسطينية ع. من رفح وطلبوا إليه أن يفتح مخزن تبريده الذي يُستعمل لحفظ الخضار، وأن يخلي مكانا لعشرات الجثث التي تراكمت في مستشفى المدينة الصغير، الذي انقد لكثرة الموتى.
وامتلأ مخزن تبريد ع. سريعا بالجثث ومنها جثث أولاد كثير. فقد أحصوا في رفح في صباح أمس 120 قتيلا ونحوا من 500 جريح في ليلة واحدة من عمل الجيش الاسرائيلي في البحث عن الملازم هدار غولدن. وفي منتصف الليلة بين الجمعة والسبت هاتفني ي. أخو ع. وتحدث بصوت مختنق مهتاج صار الى البكاء وبلغة عبرية طليقة: «ما حدث اليوم في رفح مذبحة بكل معنى الكلمة». وقد فر ي. ماشيا من بيته مع عائلته نحو البحر في الوقت الذي كانت القذائف تسقط فيه على حيّه. «كل طائرات إف16 وكل طائرات اسرائيل الصغيرة بلا طيارين أصبحت الآن في سماء رفح»، قال ذلك الرجل الذي قضى 33 من سني حياته يعمل في اسرائيل. «نحن بعد رفح، كما أردتِ يا تال!»، غنى اريك لافي في أغنية متبجحة في حرب اخرى، لكننا لسنا بعد هذه المرة، ويا للهول، لسنا بعد رفح التي هي المدينة الأكثر ضربا والأكثر خرابا منذ سنوات في القطاع والتي ظلت جثثها أمس ايضا تتجمع وتتراكم.
حينما صرخ ي. من رفح قائلا: «مذبحة»، نشر متحدث البيت الابيض في واشنطن اعلانا عرّف فيه أسر الضابط الاسرائيلي وقتل رفيقيه أنهما «نقض بربري للهدنة». وقد استعمل المتحدث الامريكي المتزن كلمة «بربري» لأول مرة في هذه الحرب. ولم تُفض القذيفة الاسرائيلية التي سقطت قبل ذلك بيومين في سوق الشجاعية المزدحمة وقتلت 17 من السكان وجرحت نحوا من 150 في ذروة هدنة اخرى، ولا القذيفة التي سقطت قبل ذلك بوقت قصير في مدرسة وكالة الغوث التي كان يختبيء فيها 3 آلاف لاجيء، لم تفض بالادارة الامريكية الى أن تقول «بربري». ولا قصف محطة توليد الطاقة ولا قصف الجامعة؛ ولا القنبلة التي ألقاها طيارو سلاح الجو الممتازون في يوم الثلاثاء على بيت سكني فيه أربع طبقات في خانيونس دون أي انذار – وقتلت تحت الانقاض 35 من سكان البيت فيهم 18 ولدا و8 نساء – ويبدو أنه أفتك قصف كان قط. كل ذلك لم يُعتبر بربريا ما عدا الاختطاف وقتل الجنديين، وليس ذلك إلا لأن المتحدث الامريكي مصاب بالعنصرية هو ايضا، فهو يحفظ البربرية لهم فقط. اجل، إن حماس معروفة ببربريتها، ومثلها الفلسطينيون جميعا، وقد بلغ صيت هذه البربرية الى واشنطن آخر الامر وهذا انجاز آخر للدعاية الاسرائيلية.
لكن الحقيقة هي أن هذه الحرب بربرية من بدايتها. وأصبح قتلاها يزيدون على قتلى هجوم بربري سابق هو الرصاص المصبوب ويشمل ذلك العدد المخيف من المدنيين الذين قتلوا فيها، وقد أصبحت تقترب بمقدارها قياسا بعدد السكان المقصوفين بغزة من مقدار الحرب في سوريا التي تلوح بها اسرائيل دائما كي تبرهن على حيوانية العرب: ففي الاسبوع الماضي أحصوا في سوريا 1700 قتيل في اسبوع قياسي واحد، وفي غزة التي يقل عدد سكانها عن عشر عدد سكان سوريا، قتل مثل هذا العدد في ثلاثة اسابيع ونصف من نشوة المشاعر الاسرائيلية – وليس ذلك فرقا مبدئيا.
لكن الشيء الأفظع هو أننا لا نرى نهاية لهذه الحرب. فقد أخذت تغرق في الدم والوحل وقد بدأت مثل عمود السحاب واستمرت لتصبح مثل الرصاص المصبوب وقد تتحول الآن الى «سلامة الجليل»؛ وهناك من أصبحوا يتحدثون عن بقاء سنة في غزة وإن لاح أمس أمل خروج الجيش الاسرائيلي. قتل أكثر من 60 ضابطا وجنديا اسرائيليا وأكثر من 1600 فلسطيني، في حرب لا تكتفي ولن تحرز أي انجاز بعد سوى سفك الدماء. ولا ينجح العالم في ادراك مبلغ بلادة الحس الاسرائيلية – ولا ي. ايضا من رفح. قال لي في ليلة أول أمس بالهاتف: «أنا أخجل من ثقافتي الاسرائيلية. نشأت عندكم منذ سن الـ 16، ويؤلمني حينما أسمع انذار «اللون الاحمر» في عسقلان المدينة التي عملت فيها سنين، أما أنتم فلا يهمكم شيء عندنا. لا شيء». وبكى مرة اخرى وصمتُ.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــ
الجيش الاسرائيلي ينسحب من القطاع وما يتلو ذلك متعلق بحماس
بقلم:عاموس هرئيل،عن هآرتس
بدا لبضع ساعات أن زعزعة الجمهور الاسرائيلي بسبب نقض حماس للهدنة في يوم الجمعة ستفضي الى تعميق العملية البرية في القطاع، لكن المجلس الوزاري المصغر استقر رأيه على خلاف ذلك …
كان يبدو الى أمس أن عملية الجيش الاسرائيلي البرية في غزة توشك أن تنتهي. وقد تابع الجيش مضاءلة القوات في القطاع ويحصر العناية الآن في إتمام علاج الانفاق الثلاثة الهجومية. وبعد أن ينتهي العلاج المتوقع خلال الايام القريبة سينسحب أكثر القوات من القطاع وستبقى في القطاع وحدات صغيرة نسبيا في مناطق سيطرة قريبة من السياج الحدودي. إن اسرائيل تستعد في واقع الامر لانسحاب من طرف واحد دون تسوية. ومن هنا فصاعدا ستصبح المرحلة التالية كمراحل سابقة في الحرب متعلقة بحماس في واقع الامر، فاذا اختارت أن تستمر على اطلاق القذائف الصاروخية فسترد اسرائيل بهجمات جوية ويتواصل القتال حتى لو كان الاحتكاك على الارض أقل كثافة.
تم خروج القوات، الذي بدأ بقدر أقل في مساء يوم الخميس، برغم الواقعة الخطيرة التي قتل فيها ضابطان وجندي في صباح يوم الجمعة قرب رفح، وكان يبدو مدة بضع ساعات أن الزعزعة العامة الواسعة التي أحدثتها الواقعة ستزيد في عمق عملية الجيش الاسرائيلي البرية في القطاع. لكن المجلس الوزاري المصغر استقر رأيه في جلسة حاسمة في مساء يوم الجمعة على خلاف ذلك كما يبدو. إن الجيش الاسرائيلي بحسب الخطط الاصلية متجه الى الخارج وإن لم يكن موعد انتهاء القتال واضحا وإن تكن نتائجه مختلفا فيها. ومع ذلك تعقدت الصورة في نهاية الاسبوع أكثر حينما طلبت عائلة الضابط الى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أن يوقف الانسحاب من غزة بدعوى أن ابنها حي. ورد نتنياهو أن «القرارات ستتخذ بحسب الحاجات الامنية فقط».
حدثت الحادثة في رفح في الساعة 9:16 صباحا أول أمس بعد ساعة وربع من دخول الهدنة الانسانية التي أُعلنت بواسطة الولايات المتحدة والامم المتحدة، حيز التنفيذ. وقبل ذلك ببضع ساعات جاءت قوة من دورية جفعاتي لتمشيط نفق هجومي عُثر عليه في ظاهر شمال شرق رفح. وشمل النفق، وهو على بعد نحو من 2500 متر عن اسرائيل، عددا من الآبار تقع احداها في المنطقة بين الدفيئات وطرف المنطقة المبنية. وتقدمت الخلية الامامية من القوة وفيها قائد الدورية الرائد بنيا شرئيل ومساعده الرقيب أول ليئيل جدعوني وقائد فريق في الدورية الملازم أول هدار غولدن نحو منطقة الدفيئات حينما أُطلقت عليهم النار واستعمل مخرب منتحر عبوة متفجرة كبيرة كان يحملها. فقتل شرئيل وجدعوني في المكان. وحينما جاء بقية رجال الدورية الى القوة التي هوجمت وجدوا هناك جثتي الاثنين وأشلاء المخرب المنتحر. ولم يظهر غولدن في المكان فأُعلن سريعا جدا في لواء جفعاتي حالة «هنيبعل»، أي اختطاف مقاتل.
شملت جهود التخليص مطاردة بطولية من نائب قائد الدورية ومقاتليه في داخل النفق خلافا لتوجيهات الجيش الاسرائيلي (التي صيغت خشية كمائن واماكن مفخخة)؛ وهجوم كتيبة دبابات الى داخل رفح الى أبعد نقطة بلغها الجيش الاسرائيلي في القتال؛ وحصار مسجد أفضى النفق اليه تبين أنه خال؛ وهدم بيوت بجرافات واستعمالا شديد العنف لنار المدافع والنار من الجو وقذائف الدبابات في محاولة لعزل منطقة الاختطاف. وأفادت مصادر فلسطينية أنه قتل نحو من 120 أول أمس منهم مدنيون كثيرون، وقالوا إن الجيش الاسرائيلي هاجم بعد الاختطاف كل سيارة وصلت الى المستشفى في رفح ومنها عدة سيارات اسعاف.
يبدو أن الجيش قد استعمل هنا بحسب الأوصاف بأقوى صورة حتى الآن اجراء «هنيبعل» للتشويش على اختطاف. وقد عمل القادة على نحو حاد صارم مُعرضين حياتهم وحياة مقاتلين للخطر مع استعمال غير عادي لاطلاق النار. ومن المنطق أن نفرض أن مجرد الجهد لوقف الاختطاف اشتمل على تعريض حياة الملازم أول غولدن نفسه لخطر حقيقي. وفي يوم السبت بعد الظهر قال ضباط كبار إن الجيش يُقدر أن غولدن أصيب بالتفجير الذي قتل رفيقيه في الوحدة لكن حالته الدقيقة غير معلومة.
زعمت حماس في البداية أن رجال الذراع العسكرية يحتجزون الضابط المخطوف وأنهم عملوا بسبب نقض الجيش الاسرائيلي للهدنة، وبعد ذلك حينما أدركت المنظمة كما يبدو أنه يلزمها نكث التفاهمات – بعد أن ندد متحدث البيت الابيض بـ «النقض البربري» للهدنة ودعا رئيس الولايات المتحدة اوباما حماس الى الافراج عن غولدن فورا – غيرت روايتها فزعم متحدثو الذراع السياسية أنهم لا يعلمون ما هي حال غولدن، وقالوا بعد ذلك إنه قتل هو وخاطفوه وقت مطاردة قوات الجيش الاسرائيلي.
اجتمع المجلس الوزاري المصغر قبيل دخول السبت، تحت ضغط عام متزايد. وأشارت استطلاعات الرأي قبل ذلك ايضا الى تأييد لتوسيع العملية يزيد على 80 بالمئة. ومع ذلك كله عرض رئيس الوزراء ووزير الدفاع وكبار قادة الجيش موقفا متشابها وهو أن العملية لعلاج الانفاق قريبة من استنفادها. ويحسن في الظروف الحالية بسبب ادراك أن عملية برية عميقة ستزيد في عدد خسائر الجيش الاسرائيلي، يحسن الانسحاب من القطاع واعادة نشر القوات قرب الحدود.
ووجدت بين يدي ذلك دعوى اعتمدت على تفرقة بين أسر هدار غولدن في ظاهر الامر واختطاف جلعاد شليط. فقد اختطفت حماس شليط في فترة توتر عسكري لكن لا في ذروة حرب. وأثار اختطافه تأييدا جماهيريا عظيما وضغطا على الحكومة لتنفيذ صفقة غير عادية للافراج عن سجناء عوضه (1027 مخربا)، اعتقد كثيرون أنها عبرت عن تنازل مفرط من اسرائيل.
كانت الظروف هذه المرة مختلفة وذاك أولا أن التغييرات في بنية الائتلاف الحكومي وتصعيد المواجهة العسكرية مع حماس منذ عاد شليط لا تُمكّن كما يبدو من صفقة اخرى تشمل تنازلا جد باهظ. وثانيا، الاختطاف في الحرب حادثة تختلف تمام الاختلاف. فبرغم أننا نقاتل منظمة ارهاب ليست دولة، يحسن أن نرى الملازم أول غولدن، كما أوصى ضباط من الجيش الاسرائيلي، أن نراه أسير حرب لا مختطفا. وفي الحرب يقع أسرى احيانا كما يوجد فيها قتلى ايضا (64 ضابطا وجنديا وثلاثة مدنيين اسرائيليين الى الآن). وبرغم الألم الذي يصاحب أسر حماس لضابط فانه لا يجب أن يشكل ذلك صورة المعركة – لا بالتنازل دون تفاوض ولا بتقويم واعٍ لانجازات العملية ونقائصها ولا بسؤال هل يجب الانسحاب من القطاع أو الدخول العميق الى الداخل، بل هذه قرارات يجب أن تتخذ بحسب تقدير متزن لحال الحرب.
اذا كان اتجاه الامور قد بدا واضحا خلال يوم السبت، فقد جاء تطور حاد حينما خرج السبت مع ظهور غير عادي لأبناء عائلة غولدن أمام عدسات التصوير قرب بيتهم في كفار سابا. قامت عائلة جلعاد شليط مدة خمس سنوات بحملة دعائية واسعة لم يسبق لها مثيل في قوتها أفضت آخر الامر الى الافراج عنه بصفقة. وبدأت عائلة غولدن معركتها فورا بطلب قاطع أن تتم متابعة الهجوم الى غزة الى أن يُعاد ابنهم. وقد أسمع والدا هدار، وأخوه التوأم وهو ايضا ضابط في وحدة مختارة، وأخته وخطيبته، أسمعوا طلب هجوم.
قال الوالدان إنهما يرفضان تصديق الأنباء عن انسحاب قوات الجيش الاسرائيلي. «أطلب الى الدولة ألا تغادر غزة الى أن تعيدوا إبني»، قالت الأم، حدفا. وأضاف الوالد، سمحا غولدن: «لا يخطر ببالي أن يتخلى الجيش الاسرائيلي عن مقاتل منه». وقال الأخ تسور: «كل شعب اسرائيل يقف من ورائنا». وكانت لتلك التصريحات ايضا آثار سياسية فورية. فقد طلب وزير الاسكان أوري اريئيل من البيت اليهودي الاستمرار على العملية البرية ونقل القرارات الحاسمة في هذا الشأن من المجلس الوزاري الامني المصغر حيث يوجد لنتنياهو أكثرية، الى الحكومة. وعبر كلام نتنياهو في مؤتمر صحافي بُث بعد ذلك بوقت قصير، عن محاولة اخرى لتبيان حدود قوة اسرائيل العسكرية في ميدان غزة المركب. «أثر كلام عائلة غولدن في قلبي»، قال نتنياهو لكنه أشار الى أن العملية البرية في الطريق الى نهايتها، وبين أن القرارات ستتخذ «بحسب الحاجات الامنية وبحسبها فقط». وبعد ذلك ببضع ساعات أبلغ الجيش الاسرائيلي عائلة غولدن استقرار الرأي على اعلان أن هدار قتيل.
على حسب الخطة العسكرية، ستستمر مضاءلة القوات على الارض حتى الاستيلاء على مناطق سيطرة على مسافة غير كبيرة غربي السياج الحدودي في داخل الارض الفلسطينية. ويوجد لذلك تعليل هو الرغبة في الحفاظ على ذخر يضغط على حماس كي توافق على هدنة منظمة. بيد أن حماس عندها الآن ذخرها وهو ضابط مختطف ليس وضعه واضحا. أما استقرار الرأي على إبقاء قوات في داخل القطاع فيشتمل على خطر منزلق دحض واقامة منطقة امنية مؤقتة تصبح دائمة آخر الامر. وسيكون الامتحان، كما هي الحال دائما، في السلوك اللوجستي: ففي اللحظة التي يوضع فيها في القطاع أول حمام ميداني للجنود سنعلم أننا تورطنا مرة اخرى.
ما زال نتنياهو تحت ضغط ثقيل من وزراء ومحللين سياسيين لتعميق العملية وارسال قوات أكبر الى داخل القطاع. وهذا تحدٍ يستطيعه الجيش الاسرائيلي لكن السؤال: بأي ثمن. قبل بضعة ايام صوت طائرة من سلاح الجو قطاع غزة من الشرق من جهة ناحل عوز. وظهر في الصورة جيدا خط البيوت الاول المدمر من حي الشجاعية. لكن توجد بعده كيلومترات كثيرة اخرى من منطقة مبنية باكتظاظ شديد. ويمكن أن نُخمن أنه حينما قال نتنياهو أمس في المؤتمر الصحافي «تهمني حياة كل جندي» أنه كان يفكر في ذلك بالضبط.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــ
أُخرج يا بيبي
أشجع قرار يمكن أن يتخذه نتنياهو الآن هو اخراج القوات البرية من غزة
بقلم:ناحوم برنياع،عن يديعوت
كان المؤتمر الصحافي الذي عقد أمس في الكرياه في تل ابيب يرمي الى أن يكون مؤتمر انتصار. نجونا: انتهت العملية. وقُضي على حماس. وعاد الهدوء. وعادت قواتنا الى الوطن بسلام. وأُقيم وراء رئيس الوزراء ووزير الدفاع صف متزاحم من أعلام الدولة. وقد قالت الأعلام إن الحال حال عيد لكن وجهي الاثنين أنبآ عن التاسع من آب (وهو حداد لليهود – المترجم). قام نتنياهو بتأخير ظهوره 20 دقيقة بسبب الكلام الذي قاله أمس أبناء عائلة الضابط المخطوف هدار غولدن. فقد طلب أبناء العائلة علنا ألا يخرج الجيش الاسرائيلي من القطاع ما بقي إبنهم حيا أو ميتا، في يد حماس. ولم يستجب نتنياهو ويعلون للطلب لكنهما اضطرا الى اعادة كتابة خطبتيهما فتحول نتنياهو عن اعلان بخروج قوات الجيش الاسرائيلي من القطاع من طرف واحد الى جُمل غير واضحة وغير مُلزمة مثل «كل الخيارات على الطاولة». حينما يقول الامريكيون هذا عن ايران نعلم أنه لا خيارات ولا طاولة وأن كل شيء كلام. ونشك في أن تكون لنتنياهو خيارات.
في حين كان نتنياهو يتكلم علق بعضهم على طول جدار وزارة الدفاع لافتات تعترض على التخلي عن الأسرى، وقد صار كل شيء فوريا الآن حتى الاحتجاج. وسيضطر الاثنان الى أن يواجها انتقادا قاسيا من اليمين الذي سيستعمل الملازم غولدن شعارا. وهذا امتحان غير سهل لنتنياهو في مواجهة جمهوره وفي مواجهة عاصفة المشاعر في كل أجزاء المجتمع الاسرائيلي، فلا أحد يشتاق الى العودة الى الأثمان التي دُفعت في صفقة شليط أو في صفقة ريغف وغولد فاسر.
اجتمع المجلس الوزاري المصغر في يوم الجمعة بعد الواقعة في رفح. وكانت النفوس مهتاجة وخيبة الأمل كبيرة لكن الأكثرين فضلوا آخر الامر احتواء الواقعة. سيستعد الجيش الاسرائيلي لخروج من طرف واحد ولن تكون تسوية مع حماس فالتهدئة ستقوم على الردع.
هذا هو ما عُرض فعله بالضبط على المجلس الوزاري المصغر في مقالة نشرت هنا قبل 12 يوما في 23 تموز. وحينما سمعت نتنياهو أمس يصف بالكلمات نفسها حقا مزايا الردع بلا تسوية، فكرت في 33 مقاتلا من الاسرائيليين الأخيار كان يمكن أن يكونوا أحياء بيننا اليوم لولا أن نتنياهو خشي كثيرا من أن يتخذ قرارا؛ وفكرت في مئات المدنيين الغزيين الذين قتلوا عبثا، وفكرت في الأضرار التي أصابت اسرائيل في الساحة الدولية والتي ستظل تصاحبنا بعد العملية.
غضبت وفرحت. لكن حدوث الامر متأخرا أفضل من ألا يحدث ألبتة.
«بادر، يا نتنياهو»، كان عنوان المقالة الصحافية. وقد جاء فيما جاء فيها: «في غضون يومين أو ثلاثة حينما يُتم الجيش الاسرائيلي العمل على الانفاق التي تفضي الى داخل اسرائيل، سيعلن رئيس الوزراء ووزير الدفاع بأنه انتهت عملية الجرف الصامد. ومنذ هذا الوقت فصاعدا تتولى اسرائيل المبادرة فتُخرج القوات البرية، لكن اذا استمرت حماس على اطلاق قذائف صاروخية فسيستمر قصف سلاح الجو واطلاق قذائف المدافع بل سيزداد قوة.
«الميزة المباشرة للفكرة هي وقف الانجرار وراء حماس. إن شخصا ما بُلبل هنا: فحماس هي التي تحتاج الى تفاهمات مع اسرائيل لا العكس».
استعرضت تاريخ عمليات عسكرية على منظمات ارهاب. في الحالات التي أُحرزت فيها اتفاقات نُكثت وثبت الردع. «إن التفاهمات مع منظمة ارهابية هي قشة في الريح»، كتبت. «وإن قوة عمليات الجيش الاسرائيلي في الردع الذي تُحدثه لا في التفاهمات التي تُحرز بعد انقضائها. وما دام الحديث عن حماس فانه يفضل أن تعتمد اسرائيل على الردع لا على تسوية».
إن الردود التي تلقيتها على المقالة، من وزراء معتدلين ووزراء يمينيين كانت مفاجئة. وفرحت فرحا خاصا بردود تلقيتها من قيادة الجيش الاسرائيلي العليا. فيبدو أنني أصبت رأي الكبار. يجب أن تخرج قوات الجيش الاسرائيلي لأنه ليست لها مهام تسوغ بقاءها هناك. فلو أن دورية هيئة القيادة العامة استطاعت أن تهجم على الانفاق تحت الارض في قلب غزة وتستل من هناك كبار قادة حماس لكان هناك داعٍ للبقاء، لكن يبدو أن هذا الامكان ليس مطروحا. وليس مطروحا ايضا احتلال غزة. إن القرار الأشجع احيانا هو انهاء الامر والعودة الى الوطن.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــ
علينا وقف الخسائر والخروج
بقلم:بن كسبيت،عن معاريف
بنيامين نتنياهو، موشيه يعلون وبيني غانتس يعترفون، في واقع الامر، بان ليس لديهم حل، ليس لديهم جواب. مع كل قوة اسرائيل، فانها لا تنجح في الحاق الهزيمة بحماس، لا تنجح في التأثير على حماس، لا تنجح في انتزاع وقف نار من حماس، هذه هي الحقيقة، ولا شيء غيرها
القرار بتقصير المدى، وقف الخسائر، قطع الاشتباك قدر الامكان والاعلان عن النصر اتخذ في المجلس الوزاري لانعدام البديل. في وضع الامور المضني الحالي، كان هذا هو القرار المنطقي الوحيد. اليوم، بعد نحو شهر من البداية، مع أكثر من 60 جنديا قتيلا، مع ائتمان دولي اشكالي ومع كارثة انسانية آخذة في الاقتراب في غزة، كان واضحا أنه بات متأخرا تغيير الاتجاه وعمل ما كان ينبغي عمله من اللحظة الاولى. وبالتالي، اضطر بنيامين نتنياهو أمس الى الوقوف، كيفما اتفق، امام الامة والاعلان باننا انتصرنا. أو أننا سننتصر في موعد ما. أنا في شك كبير اذا كان هو نفسه يؤمن بما يقوله.
بعد ست حالات من وقف النار لم تحترمها حماس، بعد خمسة أنفاق هجومية الحقت خسائر فادحة بالجيش الاسرائيلي، بعد الاف الصواريخ التي اطلقت من غزة الى اسرائيل والاف الاطنان من المواد المتفجرة التي امطر بها القطاع، قرر المجلس الوزاري قطع تيار الاهانات التي تعرضت لها هذه الاسابيع، والقطع.
صحيح أن نتنياهو ويعلون أعلنا امس بان «الحملة لم تنتهي، ولكن هذا كان للبروتوكول فقط. الجيش الاسرائيلي، كما بلغنا هنا يوم الخميس، سينهي موضوع الانفاق (دون أن نكون مقتنعين بانه انهي حقا) وسيعود الى منطقة خط الحدود. يحتمل أن نواصل الاحتفاظ بجانبي الجدار، كي نسمح بحرية العمل، ويحتمل ان لا.
العملية في رفح ستستمر، في محاولة لايجاد الملازم هدار غولدن، ولكن هي ايضا لا يمكنها أن تستمر الى الابد. بنيامين نتنياهو، موشيه يعلون وبيني غانتس يعترفون، في واقع الامر، بان ليس لديهم حل، ليس لديهم جواب. مع كل قوة اسرائيل، فانها لا تنجح في الحاق الهزيمة بحماس، لا تنجح في التأثير على حماس، لا تنجح في انتزاع وقف نار من حماس، هذه هي الحقيقة، ولا شيء غيرها.
مصير نتنياهو الان في أيدي محمد ضيف. اذا واصلت حماس اطلاق النار على اسرائيل وأزعجت الجيش الاسرائيلي كما تشاء، ما فعله في الاسابيع الاخيرة، سيفقد نتنياهو ما تبقى له من الثقة الامنية التي تمتع بها حتى الان. اذا ما أدت الخطوة الاسرائيلية الى نوع من الهدوء الذي يستقر الى وقف نار، فان بوسعه أن يدعي بان حقق «الردع». في هذه الحالة ايضا، سيكون من الصعب ان نشتري منه هذا.
أول أمس نشر في وكالة «ايه.بي» نبأ يقول ان نتنياهو اتصل بالسفير الامريكي دان شبيرو ووبخه بكلمات قاسية. «لن تشككوا فيّ مرة اخرى ابدا»، قال نتنياهو للسفير، وطالبه بمنح الثقة بالطريقة التي «يعالج فيها حماس».
وبالفعل، يحتمل ألا يشكك السفير شبيرو مرة اخرى بنتنياهو تحت تأثير هذا التوبيخ. ولكن ماذا عنا؟ من سيقنع مواطني اسرائيل الذين تحطم احساسهم بالامن في الشهر الاخير الا يشكك في المرة الاخرى التي يقف فيها نتنياهو وظهره الى عسقلان ووجهه الى غزة ويعلن باحتفالية بان «عندي هذا لن يحصل، عندي لن يصدر أمر بوقف الجيش الاسرائيلي، عندي الجيش الاسرائيلي سيسقط حكم حماس»؟ (يوتيوب، تحت الاسم «الرسالة اليومية» لنتنياهو 3/2/2009). من سيصدق نتنياهو في الحملة التالية حيث سيحاول ان يعرض نفسه مرة اخرى بانه «قوي حيال حماس؟».
ان وقفة نتنياهو التلفزيونية امس كانت في واقع الامر بداية حملة استجداء للجمهور: رجاء، واصلوا تأييدي. بعد أن أجرينا ترتيبا في بحر من الهذر الذي سكب علينا في تلك الوقف، يخيل أن أمرا واحدا واضحا يفهم منها: ليس لدى نتنياهو ي خطة. ليس لديه اي فكرة ابداعية. فقد تحدث عن «العبقرية» التي سنستخدمها حل مسألة الانفاق، ولكنه لن يشرح لماذا لم تستخدم هذه «العبقرية» حتى الان. فالمعلومات عن الانفاق كانت موجودة في شعبة الاستخبارات، في الجيش، في فرقة غزة، بل وحتى في جلسات اللجنة الفرعية في لجنة الخارجية والامن في الكنيست. أين كانت العبقرية حتى الان؟ ماذا كان سيحصل لو أن حماس وافقت على وقف النار المصري في بداية الاحداث؟ ما كنا سنتعرف على مؤامرة الانفاق، والتي كانت ستتفجر لنا في الوجه في موعد ما لاحقا. بالفعل، عبقرية.
هذا لا يعني أن حماس في وضع جيد. فقد دمروا غزة. هم، وهم فقط، مذنبون في قتل العدد الذي لا يصدق من النساء والاطفال. فقد أخذوا قطعة ارض مأهولة باكتظاظ وبدلا من تحويلها الى حديقة مزدهرة – جعلوها بؤرة كراهية وارهاب لم تترك لاسرائيل أي مفر. المشكلة هي أن حماس لا يهمها. حماس تعترف بانها تقدس الموت. انا نحن، بالمقابل، فنقدس الحياة.
اسرائيل متوترة حتى النهاية. اجازة الصيف شبه تآكلت، المصانع والاعمال التجارية في الجنوب تنهار – في تل أبيب وفي الشمال ايضا. استيعاب متدن في معظم الاماكن، السياحة تراجعت، المجتمع الاسرائيلي الغربي، الذكي، المدلل، لا يمكنه أن يصمد أمام ذلك لزمن طويل آخر. نتنياهو فهم هذا.
كما أن حقيقة أن الوضع في غزة يوشك على الانهيار وامكانية اندلاع الاوبئة تصبح ملموسة أكثر من لحظة الى اخرى، عرضت على المجلس الوزاري. واستمرار الحملة معناه نزف آخر من القتلى على اساس يومي، تآكل آخر في الشرعية الدولية، مراوحة في المكان مستمرة في مستنقع الدم الغزي المستشري.
الان بات متأخرا جدا اتخاذ خطوات حادة وبنزعة قوة. الان، على ما يبدو، بات متأخرا القيام بأعمال ابداعية من الوحدات الخاصة. الامر الاكثر ذكاء والذي يمكن عمله الان هو تخفيض مستوى الاهتمام والشروع في الخروج. وهذا ما نفعله. وماذا سنفعل غدا؟ سؤال جيد. قبل كل شيء، سارع نتنياهو الى الغاء جلسة الحكومة الخاصة المقررة غدا. فهذا وحده ما ينقصه الان في الحياة. اذا كان ممكنا الشروع بتجاهل حماس، فيمكن محاولة تجاهل الحكومة ايضا. حاليا على الاقل.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ


رد مع اقتباس