النتائج 1 إلى 1 من 1

الموضوع: اقلام واراء اسرائيلي 18/10/2014

  1. #1

    اقلام واراء اسرائيلي 18/10/2014

    أقــلام وآراء إسرائيلي السبــت 18/10/2014 م


    في هــــــذا الملف


    تعالوا نقل الحقيقة: لن يكون ذلك سلاما حقيقيا أبداً مع الاردنيين والفلسطينيين
    بقلم: سمدار بيري – عمان/عن يديعوت

    تحقيق “هآرتس″: الجنود يتصدون للانفاق.. بلا خطط.. بلا تدريبات وبلا عتاد مناسب
    بقلم: عاموس هرئيل وغيلي كوهرين،عن هآرتس






    تعالوا نقل الحقيقة: لن يكون ذلك سلاما حقيقيا أبداً مع الاردنيين والفلسطينيين

    بقلم: سمدار بيري – عمان/عن يديعوت

    سنركب فورا سيارة تنقلنا من المعبر الحدودي الاسرائيلي لجسر اللنبي – جسر الملك حسين كما يسميه سكان المملكة الهاشمية – الى المعبر الاردني. ويستغرق السفر بين الحاجزين أقل من خمس دقائق. قبل عشرين سنة بالضبط إجتزت من هنا لأول مرة مع قرقرة في البطن، وكانت تلك لحظة تاريخية مؤثرة قبل التوقيع على اتفاق السلام مع الاردن بثلاثة أيام، وفي ذلك الحين في تشرين الاول 1994 أرسلني مدير الممر الحدودي الاسرائيلي غيدي شيكلوش لأخرج سيرا على القدمين الى خارج البلاد وحدي مع توجيه يقول “إفتح الباب ببساطة وادخل المملكة”.
    وقد كنت أجر آنذاك حقيبة صغيرة ومحفظة جانبية أدخلت فيها هدية خاصة الى الحسين هي كراس صور نادرة من مجموعة الملك الأكثر خصوصية التي تم العثور عليها في أريحا في حرب الايام الستة في منزل إستجمام مصور العائلة المالكة، زُهراب. ونشاهد في احدى الصور الولد الصغير عبد الله الذي أصبح ملك الاردن اليوم حاملا حقيبة في طريقه الى الطائرة، ونشاهد في صورة اخرى عبد الله وأختيه الأميرتين يلعبون في حديقة القصر، واجتزت بحذر الجسر الخشبي الضعيف الذي يربط بين معبري الحدود. وقد كان اسرائيليون قليلون فقط من صانعي السلام يمرون منه في تلك الايام بعد أن حصلوا على “تنسيق خاص” بسرية شديدة، من القصر في عمان.
    واليوم ايضا الجسر في منطقة البحر الميت الذي بُني في القرن التاسع عشر، ودُمر في حرب الايام الستة ورُمم بملايين تبرعت بها حكومة اليابان، غير مخصص لحاملي جوازات السفر الاسرائيليين. ويجتازه آلاف الفلسطينيين كل شهر ودبلوماسيون أجانب وعاملون في منظمات دولية، أما السياح الاجانب والاسرائيليون فيدخلون الاردن من المعبر الحدودي الشمالي في غور بيسان، أي من الباب الجنوبي لمعبر العربة الذي وقع على اتفاق السلام فيه. وأتذكر أنه بدأ تأهب في جسر اللنبي في ذلك اليوم استعدادا لمجيء شخص مهم جدا من الجانب الاردني وطلبوا بشدة أن أتنحى جانبا وألا أحلم بالتقاط صورة لدينا ملكة الاردن أول زوجة للملك حسين في طريقها الى بيت زوجها الثاني في الضفة الغربية. وقد توفي الاثنان في المدة منذ ذلك الحين.
    ويُلاحظ تأهب الآن ايضا، فبعد وقت قصير سيجيء سفير اسرائيل داني نافو ومعه إبنته ميلي وصديقان يرافقانه لقضاء السبت في عمان، وفي المعبر الاردني على أحد الجسور الاردنية تنتظر قافلة السيارات الثقيلة والحراس المسلحون، فقد حدثت هنا أحداث اطلاق نار ولا يغامر أحد، لكن عشرين سنة سلام مع كل ذلك فعلت فعلها، فالسفير ومرافقوه يعانقون العاملين في المعبر الاردني ويُربتون على أكتافهم ويسألونهم كيف الحال، وهم يعرفون أسماء أبناء عائلاتهم الخاصة. ويُقبل السفير من يجب أن يُقبله ويقعد في السيارة المدرعة، وبعد وقت ما سيخرج منها في عمق الموقع المحروس كموقع عسكري في السفارة الاسرائيلية في عمان.
    يوجد استيقاظ في الساعة الخامسة كل صباح: فالاسرائيليون في السفارة لا ينجحون في التعود على مكبر الصوت المجلجل لمؤذن الحي في مسجد الكالوتي. وبعد ساعة أذان آخر لصلاة الفجر لتنبيه الكُسالى. وتخرج من هذا المسجد في كل يوم خمس مظاهرات تدعو الى طرد السفير والغاء اتفاق السلام مع اسرائيل فيصرخون مدة ربع ساعة وينصرفون الى بيوتهم. وفي الشهر الماضي في اليوم الذي أُحرزت فيه الهدنة في غزة نجح 300 شاب اردني من الاقتراب حتى الجدار الأمني المحيط بموقع السفارة، وقد جاءوا ليغيظوا الدبلوماسيين الاسرائيليين بأن “حماس انتصرت انتصارا باهرا”.
    كانت الامور تبدو مختلفة آنذاك في تشرين الاول 1994. فبرغم الخريف الدامي الذي اشتمل على عمليات تفجيرية قاتلة في داخل اسرائيل وبرغم مأساة اختطاف الجندي نحشون فاكسمان، كان هناك مكان للتفاؤل في موقع التوقيع على اتفاق السلام مع الاردن. وقد نشرت في الصحف الاسرائيلية مشاريع مع قائمة المطاعم الموصى بها في المملكة، وبارك العاملون في السياحة عن جانبي الحدود الزائرين الذين كانوا يوشكون أن يجتازوا المعابر زرافات زرافات، والتزمت الاردن بأن تُبعد في غضون ثلاثة أشهر كل الدعاية المعادية لاسرائيل، وأطرى رابين والحسين بعضهما بعضا إطراءً كبيرا وبدا أن أحدهما يود الآخر حقا لا أمام عدسات التصوير فقط. وقد أوقف أكثر من 40 بالمئة من سكان اسرائيل كل شيء في ساعة الظهر تلك وجلسوا أمام التلفاز ليشاهدوا المصافحة الودية واطلاق البالونات.
    وكان في الاردن فرح وأمل كبير للتغيير ايضا – ولزخم اقتصادي كبير في الأساس – لكن الاحتجاج هدد في ذلك الحين بتفجير الفقاعة. وأعلنت الحكومة الاردنية يوم عيد وطني في حين انتشرت قوات الأمن الاردنية آلافا مؤلفة في أرجاء الدولة خشية هجمات على رموز حكم الأسرة المالكة ومفوضية الولايات المتحدة. وحُظر اجراء مظاهرات مناوئة للحكومة بغية الحفاظ على الهدوء، لكن أعضاء الاتحادات المهن الحرة (المحامين والاطباء والصحفيين مثلا) علّقوا أعلاما سوداء على نوافذ بيوتهم.
    كنت قد عرفت الدكتور دريد محاسنة آنذاك بالتنقل بين العقبة وايلات حينما كان الفريقان من الجانبين يعملان على صوغ الاتفاق. وهو رجل دمث ومُحب للاستطلاع تأثر بلقاء اسرائيليين وتحدث عن النشوة والآمال الكبيرة ووزع بطاقة زيارته على كل طالب من جانبنا. وقد زار تل ابيب والقدس على مر السنين بعد ذلك. وهو يقول متنهدا وقد تحدثت إليه الآن: “لم يُستكمل مسار بناء الثقة حتى اليوم. فأنتم لم تهتموا ببناء السلام بيننا في السياق السياسي والاقتصادي. تأثرنا جميعا قبل عشرين سنة ونشأت لدينا توقعات ضخمة وكنا على يقين من أننا سنرى ثمار السلام، لكنكم وعدتم وغبتم.
    “لم تحلوا المشكلة الفلسطينية بل زدتموها تعقيدا فقط بالبناء في المستوطنات والمس بالاماكن المقدسة في القدس، ونثرتم عندنا خطط مصانع ومشاريع اقتصادية، ومعبر مفتوح للسلع، ومناطق تجارة حرة، فما الذي أنتجه كل ذلك؟ لا شيء تقريبا. ومن المذنب؟ نحن نرى أنكم أنتم المذنبون لأن اسرائيل قوية والاردن هي الجانب الضعيف، وقد خلصنا في هذه السنين العشرين الى استنتاج أنكم لا يهمكم ما الذي يشعرون به عندنا وما الذي نحتاج إليه، وأن السلام مع الاردن لا يهمكم حقا”.
    كان محاسنة، وهو مختص بالهندسة، الذي كان مدير ميناء العقبة آنذاك، كان رئيس فريق التفاوض الاردني في التعاون في شؤون حماية البيئة، وكان نظيره الاسرائيلي الوزير السابق يوسي سريد. ويقول: “عندي ذكريات طيبة من الحوار مع سريد، ومن تجنده السريع حينما أُثير خوف من تلوث ماء البحر الاحمر. وأتذكر أن كل واحد من صانعي السلام في الجانب الاردني كان يعتبر بطلا. وبعد المراسم في العربة وزعوا أوسمة وشهادات وقع الملك عليها على كل من شاركوا في صوغ الاتفاق.
    “فما هي الحال اليوم؟ إذا ضبط معارضو السلام في الاردن تاجرا أو رجل أعمال أو صحفيا يُجري علاقات باسرائيل فانهم يعلنون بأنه خائن ويُدخلون إسمه في القوائم السوداء. وقد أخذ يختفي المستعدون للحديث معكم خارج الاجهزة الحاكمة لأنه لماذا يورطون أنفسهم؟ بل إن العلاقات بين الملك عبد الله ورئيس الوزراء نتنياهو جمدت عند الحد الأدنى الضروري. وعلى العموم يعمل ذلك فقط في السياقات الأمنية بسبب مصالح مشتركة”.
    إفتتح رجل اعمال اردني تأثر بالسلام بعد التوقيع على الاتفاق مصنع انتاج بشراكة مع رجل اعمال اسرائيلي. وقد استعملا آلاف العاملات ومديري عمل اردنيين وصدروا السلعة الى الولايات المتحدة. وقد حدثني الآن وقد التقينا في منزل خاص بشرط ألا أكشف عن اسمه (“لأنني غير مضطر الى أن أورط نفسي مع معارضي التطبيع″)، حدثني بخيبة أمل عن أن المصنع الكبير الناجح قد تضاءل، وخضعت العاملات للضغوط للتخلي عن الراتب ولم يأتين للعمل، وبقي هو نفسه وحيدا في موقفه مؤيدا حالما للسلام الذي أخذ يبتعد. “تضاءل عدد المؤيدين كثيرا في الاردن بحيث كفوا عن مضايقتنا”، قال. “وفي بعض الحالات حينما أنبأت التهديدات بخطر على حياتي تدخل قصر الملك ونقل تحذيرا الى المهددين.
    “لم نلحس العسل في الجانب الاسرائيلي ايضا. وقد كان أحد أقرباء عائلتي شديد السذاجة فسافر واشترى مصنعي انتاج في الجنوب وتبين أنهم خدعوه عندكم وباعوه مصنعين فاشلين. وحينما أنظر اليوم في مجريات الامور كلها في السنوات التي مرت منذ التوقيع على الاتفاق أخلص الى الاستنتاج الحزين وهو أنهم لم يفكروا في الجانبين في بناء سلام حقيقي بين الشعبين، وقد كانت فرصة لكنها أُضيعت ولا يبدو لي أن هذه الفرصة ستتكرر”.
    هل تعتقد أننا سنحظى بالاحتفاء بمرور ثلاثين سنة على اتفاق السلام؟
    “لا أحد يستطيع أن يعلم ما الذي سيحدث حتى بعد سنة فضلا عن عشر سنين. فمنطقتنا مليئة بالمفاجآت والأخطار. إن الاتفاق مستقر لكن السلام ليس هو ما ظننتم ولا ما أملنا، ويبدو أنه لن يكون حقيقيا أبدا”.
    في منتصف ثمانينيات القرن الماضي – ومن كان يحلم بالسلام آنذاك – بدأت أرسل رسائل الى الملك حسين، وحينما كنت أسافر الى الخارج كنت أرسل في كل سنة مرتين مغلفات الى “جلالة الملك حسين بن طلال – الديوان الملكي – عمان، الاردن” وكنت أوقع بصفتي صحفية ومواطنة اسرائيلية قلقة. وقد حدّثته مثلا كيف اعتاد المقدم زئيف بيبر رئيس فرع الاردن في قسم البحث في “أمان” في كل سنة في 14 شباط على الاتيان بكعكة شوكولاتة الى المكتب في الكرياه في تل ابيب، للاحتفال بيوم ميلاد “الجار الصغير”. وكتبت مرة بعد اخرى عن التوق الى السلام عندنا وعن حلمي الخاص أن أزور البتراء. ولم أتوقع أن يرد ولم أحصل قط على جواب. ولم أستطع أن أُخمن ايضا هل بلغت رسائلي وهي أكثر من عشرين الى غايتها أصلا.
    الى أن سمعت الحسين في يوم ما في منتصف 1993 يقتبس في خطبة التاج الاحتفالية التي أذيعت في التلفاز الاردني، عددا من الجمل “من خواطر مواطنة اسرائيلية” كلمة كلمة مما كتبت. وقد نقلت الرسالة التالية بواسطة صديقة امريكية مشتركة وحظيت بوعد آسر فقد طلب الملك الاردني أن يتم ابلاغي أنه “حينما تحين اللحظة المناسبة سأمنحك أول لقاء صحفي لوسائل الاعلام الاسرائيلية”. وطلب أن أحافظ على السرية وأن أتحلى بالصبر.
    وأوفى الملك بوعده، ففي 23 تشرين الاول 1994 شخصت الى عمان لأول مرة واجتزت الحدود بجوازي الاسرائيلي، ونقلتني السيارة الملكية التي كانت تنتظرني – وهي سيارة مرسيدس فضية اللون ظهر على واجهتها تاج مذهب – نقلتني الى القصر. وقد نسيت لشدة تأثري البروتوكول الذي يوجب الوقوف حينما يدخل الملك الى المكتب الخاص في القصر، وقد جاء وأظهر ابتسامة واسعة فورا. “سيزول تأثرك بعد قليل”، قال كفارس مُجرب.
    كشف الحسين لي عن أنه تلقى وقرأ كل رسائلي، وأضاف قائلا: “أنا أعلم أنكم تسمونني “الملك الصغير” وأنني كثير الشعبية عندكم”. واهتم الملك ايضا بأن يكون للقاء الصحفي عنوان احتفالي خاص ووعد الحسين قائلا: “سيكون لنا سلام خاص. إن الاتفاق مع اسرائيل أهم انجاز في حياتي”.
    كانت صديقتي وزميلتي في المهنة الصحفية الامريكية جوديت ميلر، تجلس عند طرف الطاولة وتسجل الحوار. وحذرتني باعتبارها إبنة بيت في القصر قبل ذلك بقولها “لا تُخزينا” مع الملك، لكن مضيفنا حطم هو نفسه كل القواعد. فبعد ساعة من الحديث نهض من مكانه وفتش جيوبه كعادة المدخنين الذين يبحثون عن سجائر. وحينما أشارت ميلر الى صندوق خشبي منحوت وضع على الطاولة أخرج الملك منه علبة سجائر وقداحة ذهبية – وعرض علي أنا المدخنة أن أشاركه في الغنيمة. وفي تلك اللحظة أخرجت ميلر آلة تصوير جيب والتقطت الصورة الى الأبد بومضة واحدة صغيرة كل سحره ولطفه والدفء الذي فاض عنه، وحينما نشرت في الصحيفة مع المقابلة الصحفية أذابت القلوب.
    تم الحفاظ على العلاقة حتى آخر أيام الحسين، لكن النشوة في شوارع عمان أخذت تخفت. والآن، في تشرين الاول 2014، يرد رجال الملك على كل التوجهات الى الملك عبد الله من وسائل الاعلام الاسرائيلية التي تطلب إليه أن يمنح لقاءً صحفيا احتفاليا لذكرى مرور عشرين سنة على السلام، يردون بأنه “مشغول جدا”. وبرغم ذلك يحاولون في القدس اقناع الملك بالاحتفاء بتلك الذكرى والموافقة على لقاء نتنياهو في اسرائيل، في بيت جبرائيل على ضفة بحيرة طبرية.
    كيف يشعر الاسرائيلي اليوم في عمان؟ يوجد تحذير من السفر من وحدة مكافحة الارهاب، ويوجد شعور غامض بعيون تخزك في ظهرك حينما تعرض جواز سفر أو حينما تقول لمارة فضوليين إنك جئت من اسرائيل، وهكذا هي الحال في الحانوت وسيارة الأجرة والمطعم. “أقترح ألا تبقي في مكان واحد زمنا طويلا”، بهذا أوصتني صديقة محلية جاءت لتحملني الى بيتها. “لو أنني عرفت أنك اسرائيلية لطرحتك”، يقول لي سائق سيارة أجرة وهو فلسطيني من نابلس له أقرباء في غزة، حينما خرجت من سيارته، وقد حزر أصلي حينما ركبت سيارته من تحت موقع سفارة اسرائيل، فقد طرح إلي بكلمة بالعبرية وحينما أجبت تلفف بصمت غاضب. ولقي المصور شاؤول غولان الذي صاحبني في الرحلة استقبالا أكثر وداً في سوق المدينة التحتية. وقد أوصى سائق سيارة الأجرة بأن يسافر معه فقط والتزم بأن يحميه، وعرض أصحاب الدكاكين شرابا ساخنا وباردا بشرط أن يُرتب لهم عملا في اسرائيل”.
    “خلصت الى استنتاج أنكم لا تفهمون معنى العيش مع الجيران”، يقول أمين سر الملك عبد الله في حديث جرى بيننا في منزل خاص في عمان. “مات السلام من وجهة نظري مرتين: حينما قتلوا رابين وحينما مات الملك حسين. وعرفت أنهم سيسيرون منذ الآن في طريق جديد وأن المتطرفين من الجانبين سيقوون. وأخشى اليوم أنه لم يعد أحد عندنا يفكر في السلام، كما أصبحت كلمة سلام عندكم لفظاً دنيّاً، بالضبط”.
    اشترط للحديث القاسي بيننا سلفا ألا ينشر أي تفصيل يُعرف به، وقد كان هو ايضا كالدكتور محاسنة عضو في فريق التفاوض في اتفاق السلام. “كنت شابا آنذاك لكنني أدركت من البداية أنه برغم الحمام والبالونات الملونة التي أطلقت في مراسم التوقيع على الاتفاق، لن تتقدم العلاقات بيننا. وكان التفاوض شديدا وأدركت أن اسرائيل لا تسعى إلا الى الكسب من الاتفاق وأن العلاقات المتبادلة بيننا لا تعنيكم في الحقيقة.
    “جادلتمونا مثلا في أي ارتفاع ستطير الطائرات الاردنية في سماء اسرائيل، فما أهمية ذلك؟ والتزمتم بأن تفتتحوا قنصلية في العقبة للعناية بالعمال الاردنيين الذين سيعملون في ايلات وفضلتم آخر الامر أن تستعملوا طالبي عمل سودانيين. ولا يوجد الى اليوم مطار مشترك بين العقبة وايلات – برغم اشتمال اتفاق السلام عليه – بسبب إهمال في الجانب الاسرائيلي.
    “كل المشاريع التي تناولها شمعون بيرس في خطبه ووعد بها لم يتحقق منها شيء الى اليوم، وتحدث دانكنر وتشوفاه وستاف فيرتهايمر عن 100 مشروع وعرضوا على الملك خططا. ولم يحدث أي شيء. وقد ضاعت عشرون سنة وعشرات ملايين الدولارات على استعراض امكانية ذلك. ولم تروا أن الاردن شريكة حقيقية ولم تفعلوا أي شيء لدفع العلاقات قدما بالاقتصاد”.
    هل اسرائيل وحدها مذنبة في نظرك؟
    “لا أُبريء جانبنا من المسؤولية، لكن لو أنكم اتجهتم الى السلام بين الشعبين عن طريق الاقتصاد وأوفيتم بوعودكم وتوقعاتنا لبدت الصورة اليوم مختلفة تماما”.
    بعد المقابلة الصحفية مع الملك حسين أخذوني الى “مسرح نبيل وهشام” في عمان حيث عرض الاثنان المسرحية السياسية الاولى التي كانت فظة ولاذعة وحذرة، مع تقليد للملك. وأتذكر هشام وهو يُخشن صوته مثل “سيدنا”، وأتذكر نبيل يستجدي ليجد الملك له عملا في اسرائيل ويرتب “واسطة” لكل واحد من أبناء حمولته الكبيرة. وصرخ الجمهور وصفر، وكان الملك والملكة يجلسان في القاعة يضحكان ضحكا شديدا.
    بعد السلام جاء الممثلان الساخران لتأدية عروض في اسرائيل ودفعا ثمنا باهظا إذ أدخلوهما في القوائم السوداء في بلدهما، وهرب الجمهور ودُفع الاثنان الى نزاع سياسي بينهما وانفضت الشركة، وقد أصبح المسرح مهجورا الآن ومغلقا بسلاسل حديد. وهشام مريض ونبيل يؤدي عروضا على مسارح آخرين في اوقات متباعدة فقط.
    زار الصحفي سلامة نعمة اسرائيل عشرات المرات وكف عن ذلك، وقد عرفته حينما كان يكتب التقارير الى الصحيفة اليومية السعودية الجليلة الشأن “الحياة” عن جهود السلام، ومن عشرات مقالات السبق الصحفي وتحليلاته السياسية الموفورة بالمعلومات، ولم يتهرب قط من حديث أو لقاء معي وهذا ما كان في هذه المرة ايضا.
    “استقر رأي الملك حسين على التوقيع على السلام إثر التفاوض السري مع الفلسطينيين في اوسلو”، قال محللا بجفاف حينما جلسنا نتحدث في ردهة الفندق. “وقد آمن بأنه سيحصل على دعم اقتصادي وحماية للاردن من “الأشرار” في المنطقة. وكان يكره الاعماد على حكام الخليج. وبعد التوقيع ساعدت الولايات المتحدة بقدر غير كاف وحاول المجتمع الاوروبي أن يتهرب واهتموا في الخليج بأن يكون للاردن ما يكفي لا الكثير جدا. وفي مقابل ذلك دفع صدام حسين 25 ألف دولار الى عائلات فلسطينيين منتحرين وهدد تجارا اردنيين بالقطيعة معهم اذا اقتربوا من اسرائيل. وفعل صدام والاسد غير قليل كي لا يسخن السلام، ويوجد اليوم تعاون أمني “تحت الطاولة” وينتقدكم الملك عبد الله بحذر، كي لا تُفسدوا علاقاته بالادارة في واشنطن”.
    إهتم قصر الملك آنذاك قبل عشرين سنة بأن يخصصوا غرفة للصحفية من اسرائيل في فندق “الاردن”. وكان ذلك وما يزال الفندق الأفخم وميدان لقاءات الساسة ورجال الاعمال والصحفيين المحليين والاجانب. وقد التقيت آنذاك في الردهة الدكتور نبيل شعث الفلسطيني وخطيبته الجديدة. وعرفت هناك هذه المرة رئيس الوزراء الفلسطيني المُقال سلام فياض الذي كان يجلس وحده في وسط الردهة غارقا في لعب لعبة كاندي كراش” في الآيباد. وحينما عرف مُصاحبيّ المحليين وعرفني نهض من مقعده ودعاني الى الانضمام إليه وانبأني فورا أنه مستشار اقتصادي في اليمن وأوصى بأن نقرأ مقالته في مجلة “فورن أفيرز″ الامريكية الموسومة بعنوان “اوسلو مات”.
    وُقع على اتفاق السلام في 1994 مع الملك الذي كان حاكما مطلقا مع خمسة ملايين من الرعايا الاردنيين مع تقسيم سكاني قابل للانفجار. عدد منهم اردنيون أصليون من القبائل البدوية والشركس والعلويين وأقلية مسيحية، لكن الأكثرية الكاسحة في المملكة فلسطينيون لاجئون ومُهجرون ومطرودون الى 11 مخيما ثابتا كبرت حتى أصبحت مدنا صغيرة مع أسماء “حيفا” و”عكا”، و”البقعة” و”العودة”.
    في زيارتي آنذاك لمخيم البقعة أخرج مصطفى من تحت الوسادة في غرفة النوم مفتاح شقة والديه في بئر السبع، ولم يكن غير الوسادة مدة اربعين سنة، وقد رأيت في تلك الزيارة عشرات المفاتيح ووثائق ملكية مبانٍ سكنية واراض زراعية عُرفت في اسرائيل بأنها أملاك غائبين وأصبح لها مالكون جدد اسرائيليون. وحدثوني في عائلة الدجاني المتشعبة عن محاكمة تجري مع مديرية اراضي اسرائيل لاعادة أملاك كبيرة على طول شارع المقاهي في حي البقعة في القدس.
    ما زال حق العودة والمصير السياسي للقدس حتى اليوم، ويبدو أنه سيكون كذلك دائما، أكبر الأشواك وأكثرها إيلاما في عقب السلام. في الاسبوع الماضي في فيلا واسعة على ضلع جبل حدثني رجل أعمال في عمان عن نضاله القضائي الذي يقوم به في مواجهة السلطات عندنا للعودة الى أملاك العائلة في شرقي القدس وهي مسكنان ومصنع. وقد زار اسرائيل عشرات المرات مع عدم إبراز نفسه دائما، ودفتر أرقام هواتفه مليء بالارقام الخاصة لاشخاص مهمين جدا اسرائيليين. وهو الآن يعلن حربا من اجل أملاكه.
    “أرسلوا إلي وثيقة فيها اربعون صفحة، وقد جاء الى اللقاء في القدس مندوب رفيع جدا في الادارة. وحينما عرف من أنا سأل: من تعرف في اسرائيل؟ فقلت له الجميع، من الرئيس السابق بيرس الى رئيس الوزراء نتنياهو وكل القيادة العليا الامنية والاستخبارية. فسألني: فلماذا لا تهاتفهم ليتدخلوا من اجلك؟ فقلت له في غضب: “أريد أن أحصل على ما أستحق دون وساطة ودون إفضال من أحد، فاما أن أنجح وإما أن آخذ دولة اسرائيل الى محاكم دولية وسيأتي بعدي عشرات آخرون من اللاجئين الاردنيين”.
    دُفعنا في وسط عمان الى زحامات مرورية أمام أبراج شقق نشأت بين عشية وضحاها وهي فارغة ويتيمة. فليس للمقاول مال لاكمال المشروع ولا يوجد مشترون، وهذه هي القصة الحزينة لمملكة غنية قليلة الموارد، وملك “مضياف” لضيوف يزدادون عددا على الدوام. في الاسبوع الماضي كشف رئيس الوزراء عبد الله النسور عن أعداد مخيفة، فهناك 7 ملايين مواطن اردني و4.5 مليون من الاجانب: نصف مليون لاجيء من العراق، وأكثر من مليون ونصف لاجيء من سوريا ونحو من مليوني باحث عن عمل من مصر والسودان وسيريلانكا والهند والفلبين.
    وتطلب السلطات في الاردن الى الاجانب أن يسجلوا أنفسهم كي تستطيع زيادة المساعدة الدولية. بيد أنهم يصرون على التهرب كي لا تعثر الاجهزة عليهم فتطلب أن يدفعوا ضريبة الدخل. وقد أوقفوا في الايام الاخيرة انتقال اللاجئين من سوريا وأصبح المخيمان اللذان يؤويانهم طافحين، وبعد قليل سيأتي الشتاء، وأصبح الهاربون من داعش ومن النظام السوري يستعدون لمكوث طويل وراء الحدود الاردنية المغلقة.
    وجدت مصطفى المهندس الذي نجا بحياته من دمشق قبل سنتين وراء المنصة في حانوت الحلوى الجديد “الحموي” في شارع الزهراء في عمان تذكيرا بمدينة حمام الدم حماة في سوريا. ولم تكن عنده مشكلة في أن يقص علي قصته بشرط عدم الكشف عن اسمه الكامل، فوالداه وأخواته يرتجفون خوفا في سوريا. “حينما أوقفوا أبناء عائلتي في درعا وحلب علمت أن دوري يقترب.
    “لم أشتغل قط بالسياسة، وكانت حياتي تجري بين البيت والمكتب والمطاعم والمقاهي مع الاصدقاء. وفي ذات مساء انضم إلينا رجل مجهول ورأيت أنه يصغي الى حديثنا. وتعقبني الى أن دخلت البيت. فحزمت فورا حقيبة صغيرة ولم أودع عائلتي عمدا وسافرت الى الحدود الاردنية، وحينما وصلت الى المعبر الحدودي جرى علي تحقيق وبينت أنني كنت مستهدفا في سوريا فأدخلوني الى مخيم اللاجئين الكبير “الزعتري” وحينما وجدت عملا تركته. أنا أسكن شقة مستأجرة مع ستة شركاء وأعمل عملا صعبا وأكسب القليل”. وهو يتحدث الى العائلة مرة كل اسبوع من الهاتف المحمول الاردني الذي رتبه له رب عمله الذي هو نفسه لاجيء من سوريا.
    أخذت التهديدات الامنية للاردن في الداخل والخارج تقوى وهي محتاجة الآن الى صديقة – لكنهم في الصالونات السياسية في عمان لم تهدأ نفوسهم الى الآن بسبب فضيحة الكشف عن اجهزة تنصت خبأتها اسرائيل في الاردن قبل 45 سنة. “تتحدثون عن بناء ثقة فكيف لم تفكروا في ابلاغنا عن وجود هذه الاجهزة بعد السلام؟”، يقول الدكتور محاسنة. “ومن يعلم كم من الاجهزة بعد خبأتموها ولم نكشفها الى الآن، ولا تعتقدوا أن أحدا منا نسي محاولة اغتيال خالد مشعل التي قمتم بها على ارض الاردن من وراء ظهر الملك”.
    “تمت التضحية بالعلاقات المعلنة بين الدولتين لصالح العلاقات الامنية – وفي هذا الصعيد ينجح العمل ولا يتحدثون عنه بصوت عال”، يقول الصحفي سلامة نعمة. “لكن تعالوا نقل الحقيقة وهي أن السلام لن يكون سلاما حقيقيا أبدا، سلاما بين الشعبين، فهو اتفاق مصالح تم احرازه بين مكتب رئيس الوزراء واجهزة الأمن عندكم وبين المرحوم الملك حسين الذي فرض رأيه على البرلمان في الدولة ذات التكوين السكاني المركب الذي لا يمكن تجاهله: فكل ما يحدث في الضفة الغربية يؤثر فورا في الضفة الشرقية للاردن. ولأكثر السكان أقرباء وممتلكات وسيكون الميل إليهم دائما”.
    من يتحمل تبعة وضع العلاقات؟
    “الطرفان مذنبان، في الصعيد اليومي. فقد وعدتم بمشاريع ولم تفوا، ويحظر اتحاد المحامين عندنا العمل مع شركات اسرائيلية، وما تزالون في نظرهم العدو، وأنتم تراكمون الصعاب على اصدار تأشيرات دخول الى اسرائيل، ومن جهتنا أدرك أنه “اختفى” 20 ألف اردني منذ كان السلام وأصبحوا عمالا غير قانونيين في اسرائيل. هل تسألينني هل يمكن إزالة التقصيرات؟ يُخيل إلي أن هذا القطار قد غادر المحطة”.
    سينهي سفير اسرائيل داني نافو في الصيف مدة ولاية طويلة بصورة مميزة في الاردن. فقد قضى أكثر من 11 سنة منها 5 سنوات كان فيها مندوبا و6 سنوات كان فيها سفيرا، وهو يعرف ناسا وله صلات، ويعرفونه. “كيف لا تخيب آمالهم”، يقول في بيته – قلعته في حي الرابية في عمان، “فالسلام بيننا في الحقيقة غريب من نوعه. ونحن نشترك في حدود طويلة ويوجد تعاون لن أتحدث عنه ولا أعرفه كله ولا أريد أن أعرف ايضا. ويوجد تعاون آخر بين جهازي الشرطة فيما يتعلق بتهريب البشر والمخدرات. وقد قضى 18 طبيبا اردنيا دورات استكمال عندنا مدة ثلاث سنوات ويوجد تعاون اقتصادي ومشاريع حتى لو كانت تتم تحت تغطية اخرى، فالاردن هي مصلحة اسرائيلية والعكس صحيح حتى لو لم يكن ذلك مريحا لبعض الاشخاص.
    “إذا نظرنا الى اتفاق السلام الى الوراء نرى أنه اجتاز غير قليل من المشكلات والازمات. عندنا مشكلة في اعلان العلاقات على الملأ ويصعب علينا أن ندفع قدما بمشاريع ولقاءات. فمن المذنب؟ أرى أن الذنب ذنب الطرفين، فعندنا لم يدركوا أنه لا يجوز الانقضاض بقوة وتخييب الآمال. كان يجب عليهم أن يبدأوا بهدوء بمشاريع صغيرة وأن يتحلوا بالصبر، لكن رجال الاعمال الاسرائيليين أصروا على الاتجاه الى خطط ضخمة لم تنفذ. ولا شك في أن مقاطعة الاتحادات المهنية تشوش عليهم”.
    نختتم الرحلة كما حدث قبل عشرين سنة بالضبط بحانوت الحلوى النظيف لـ “زلاطيمو”، فلا يوجد اسرائيلي يزور عمان ويبيح لنفسه أن يتجاوز حلم الحلوى بالجبن، أعني الكنافة. ويزن ربيع وراء المنصة “رزما للسفر”، واصابعه مغطاة بقفازات نايلون شفافة. وهو يملأ بسرعة الصناديق الصفيحية بالحلوى المحشوة باللوز وبمعمول التمر والجوز. كيف حالكم في القدس؟ يتذكرني ويسأل عن الحانوت الأم في شرقي القدس.
    وُلد زلاطيمو والد العائلة الذي انشأ الحانوت الأصلي قبل 150 سنة بالقرب من باب العمود. وكل العاملين في الفروع السبعة في عمان هم فلسطينيون هربوا وأُعلن بأنهم مفقودون أو طُردوا، ونجحوا في فتح صفحة جديدة في المملكة. ويسافر الزلاطيميون لزيارة الاقرباء ويحصل كبار السن فوق الخامسة والثلاثين على تأشيرات دخول الى اسرائيل. “آتي وأعانق الاعمام والعمات وأوزع “رزم السفر” وأخرج للتنزه في قدسكم لأرى بيت طفولتي”، يقول ربيع.
    وتصيبني في كل مرة حرقة في القلب وأنا أعرف فورا الاسرائيليين الذين يأتون الى حانوتي في عمان. وأُكرّمهم ولا أريد جدلا في السياسة فهم ليسوا اصدقائي بل هم زبائني كالجميع.
    ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــ

    تحقيق “هآرتس″: الجنود يتصدون للانفاق.. بلا خطط.. بلا تدريبات وبلا عتاد مناسب

    بقلم: عاموس هرئيل وغيلي كوهرين،عن هآرتس

    فجوات كبيرة في التأهيل، في التدريب وفي العتاد جعلت من الصعب على الجيش الاسرائيلي القيام بمهامته الاساسية في الحرب التي كانت في الصيف في قطاع غزة – تدمير الانفاق الهجومية التي حفرتها حماس من القطاع الى اسرائيل. هذا ما يتبين من تحقيق أجرته “هآرتس″. في زمن القتال ضد حماس استولى الجيش الاسرائيلي على منطقة بعرض نحو 2كم في أطراف الاراضي المبنية الفلسطينية، من شمال القطاع وحتى جنوبه، كي يدمر 32 نفقا هجوميا أشارت الى موقعها اذرع الاستخبارات. ولكن هذه الفجوات، الى جانب خطط عملياتية جزئية تم تعديلها واستكمالها في اللحظة الاخيرة فقط، أدت الى تمديد العملية البرية الى ما يتجاوز التوقعات الاصلية لدى جهاز الامن.
    ونبعت التأخيرات ايضا من حقيقة أن الكابنيت تردد طويلا في اقرار العملية ضد الانفاق، على خلفية التحفظات في جهاز الامن نفسه. وللمفارقة، فبالذات الهجوم المبكر على فوهات الانفاق من الجو جعل صعبا عمل القوات على الارض ما ان دخلت هذه الى القطاع لانه شوش العثور على مسارات الانفاق. واذا لم يكن هذا بكاف، فقد كانت تنقص القوات البرية الوسائل المناسبة لتفجير الانفاق بعد أن تم العثور عليها.
    الجوانب المختلفة المتعلقة بقضية الانفاق نشرت هنا في ظل الحرب وفور انتهائها. اما التحقيق الحالي فيستند الى محادثات مع نحو 20 من المشاركين المركزيين في العملية وفي اقرارها: وزراء في الكابنيت، ضابط كبار في الجيش الاسرائيلي، رجال استخبارات وكذا ضباط وجنود شاركوا في تدمير الانفاق. وعندما تبين حجم تهديد الانفاق، تركز النقاش الجماهيري في الصعوبة المتواصلة في ايجاد حل تكنولوجي للعثور عليها وفي مسألة ما الذي عرفته الاستخبارات. والصورة المتبلورة الان أوسع بكثير، وهي تكشف فجوات في سلسلة من المجالات. فالاستعداد والمعالجة للانفاق لا يزال يفترض ان تفحص بجذرية من جانب لجنة الخارجية والامن في الكنيست.
    المشروع الاستراتيجي
    الاستخدام الاول الذي أجراه الفلسطينيون في القطاع لنفق هجومي داخل اراضي اسرائيل كان في العملية التي اختطف فيها جلعاد شاليط، في حزيران 2006. بين حملة “الرصاص المصبوب” في كانون الثاني 2009 وحملة “عامود السحاب” في تشرين الثاني 2012 سرعت المنظمة حفر منظومة الانفاق والخنادق التحت ارضية في ارجاء القطاع، ولكن هذه تركزت في المرحلة الاولى على الاغراض الدفاعية. وقبل بضعة ايام من “عامود السحاب” انفجر نفق مفخخ قرب قوة من الجيش الاسرائيلي كانت تعمل في مهمة تمشيطات غربي الجدار الفاصل في وسط القطاع. فقد طارت مركبة محصنة في الهواء من شدة الانفجار، ولكن جنود المركبة كانوا نزلوا منها قبل بضع دقائق من ذلك ولهذا فلم تقع اصابات في الحادثة.
    في نفس الوقت، شددت حماس الوتيرة في خطتها التنفيذية. فقد عاد محمد ضيف الى رئاسة الذراع العسكري للمنظمة بعد تصفية اسرائيل احمد الجعبري في بداية الحملة. والى جانب تعزيز منظومة الصواريخ، قرر ضيف بذل جهد خاص في تطوير الانفاق الهجومية، التي رأى فيها مشروعا استراتيجيا. وحتى صيف 2014 حفر اكثر من 30 نفق هجومي، بكلفة شاملة بمقدار مئات ملايين الدولارات. ونجحت شعبة الاستخبارات “امان” وجهاز المخابرات “الشاباك” في العثور معا على 32 نفقا، ولكن كان بينهما جدال حول مسألة كم من الانفاق حفرت حتى الان الى تحت الاراضي الاسرائيلية (وتراوحت التقديرات بين ثلث ونصف العدد الاجمالي).
    في السنة والنصف اللتين سبقتا حملة “الجرف الصامد” اكتشف الجيش الاسرائيلي ثلاث فتحات انفاق في الجانب الشرقي من الجدار، داخل الاراضي الاسرائيلية. وفي تشرين الثاني من العام الماضي، عندما كانت قوة عسكرية تجتاز الجدار الى داخل الاراضي الفلسطينية لتدمير احداها، تم تفعيل عبوة ناسفة ضدها كانت زرعت في نفق فاصيب ستة ضباط وجنود.
    ضابط هندسة كان يعمل على العثور على الانفاق قال لـ “هآرتس″ ان كشف الانفاق الثلاثة “اعطانا المقاييس الصحيحة. ففي الماضي عرفنا انفاق تهريب وتفجير ضيقة كان ينبغي التقدم فيها في سير منحنٍ. اما الانفاق التي عثرنا عليها في السنة الماضي فقد أوضحت لنا بأن امامنا شيئا آخر تماما: فقد كانت هذه انفاق واسعة مع شبكات اتصال داخلية، حفرت عميقا تحت الارض وتم تكثيف بطاناتها بطبقات من الاسمنت. كان يمكن السير فيها وقوفا دون صعوبة. هذه هي المرحلة التي فهمنا فيها بانه لم يعد الحديث يدور عن تهديد تكتيكي موضعي على قوات الجيش الاسرائيلي على طول الجدار، بل جزء من شيء أوسع وأخطر. فجأة ترى امام ناظريك عملية خطط لها لعمق نحو 300 متر أو اكثر داخل اراضينا. انت تدخل النفق وتفهم بانه لم يستهدف فقط اختطاف جندي على مقربة من الجدار بل يمكنه أن ينقل قوات للعدو بحجم كبير في غضون وقت قصير الى ما وراء خطوطنا والهجوم من هناك”.
    وهذا بالفعل كان الفهم الذي تبلور في ذاك الوقت: ان محمد ضيف يخطط لخطوة كبيرة في يوم الامر. فالانفاق الهجومية يمكنها أن تستخدم من حماس لهجوم منسق ضد عدة اهداف كضربة اولى في جولة القتال مع الجيش الاسرائيل، او كبديل، لهجوم مفاجيء في ما وراء خطوط قوات الجيش الاسرائيلي، بعد أن تكون هذه قد هاجمت في القطاع. وفي نفس الوقت تركز الجهد الاستخباري والعمليات على فهم مشروع الانفاق.
    في بداية 2013 وما بعد اصدرت شعبة الاستخبارات “امان” تقريرا شهريا لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، لوزير الدفاع موشيه بوغي يعلون ولرؤساء أذرع الامن تضمن استعراضا لكل الانفاق الهجومية المعروفة والمسار المعروف لكل واحد منها. وخصصت لقيادة المنطقة الجنوبية في تلك الفترة مقدرات عديدة – وسائل، منظومات لجمع المعلومات وقوات – لغرض معالجة الانفاق. “لقد تعرضنا للضغط لمعالجة هذا الامر. قالوا لنا: “افعلوا ما تستطيعون على أن تجتازوا هذا الحدث فقط بسلام”"، هكذا يروي ضابط خدم في فرقة غزة. “لقد اصبح هذا الهدف الاول في سلم اولويات الفرقة”.
    ولكن الخطوة ضد الانفاق لم تخرج بقدر كبير عن مجالات قيادة المنطقة الجنوبية أو الاستخبارات. فسلسلة الحلول التكنولوجية للعثور على الانفاق والتي درستها مديرية تطوير الوسائل القتالية في وزارة الدفاع (“مفات”)، لم تنتج ردا يسمح بالعثور المنهاجي على فتحات الانفاق في الجانب الاسرائيلي. اما السياسة التي أملتها القيادة السياسية وهيئة الاركان، فقد رفضت معالجة هجومية مانعة من الجيش الاسرائيلي في الجانب الفلسطيني من الجدار. فلم تقصف اسرائيل من الجو مسارات الانفاق التي شخصتها في اراضي القطاع ولم تبعث ايضا بقوات برية كي تضربها خشية ان تؤدي خطوة مسبقة من جانبها الى اشتعال مواجهة عسكرية مع حماس.
    مشاكل في التدريبات
    ما فهم في قيادة المنطقة الجنوبية، في فرقة غزة وفي شعبة الاستخبارات لم يترجم الى خطواته عملية كافية في باقي اجزاء الجيش الاسرائيلي. ففي هيئة الاركان بدأوا يتحدثون عن القتال التحت ارضي في الخنادق والانفاق، في أعقاب حرب لبنان الثانية. اما عمليا فقد اكتفى الجيش باقامة انفاق قصيرة نسبيا في ثلاث منشآت تدريب قيادية، في الشمال، في الوسط وفي الجنوب. زيارة لواحدة منها قبل نحو سنة لم تترك انطباعا عميقا: فقد بدا هذا مثل قناة قتالية عادية، مغطاة بسقف، وليس مجال قتال مركب.
    معظم كتائب المشاة النظامية والوحدات الخاصة اختبرت الانفاق فقط في تدريبات قصيرة لم يكن فيها تقريبا اي مضمون حقيقي. “نزلنا بحبل الى داخل فتحة نطاق يشبه محمية طبيعية، معقل لحزب الله في أرض مفتوحة. بهذا تلخصت معرفتنا للقتال التحت ارضي”، روى جنود في كتيبة الدورية في لواء المشاة.
    وكانت الاستعدادات في وحدات الاحتياط – حتى في كتائب الهندسة القتالية، التي اعتمد عليها الجيش بقدر كبير في الحرب في غزة – من سطحية حتى غير موجودة. فضباط وجنود في الاحتياط من كتائب الهندسة قالوا ان التدريبات التي اجتازوها، واحد في السنة او في السنتين، كانت تتطابق والادوار التقليدية للسلاح، مثل اقتحام حقول الغام. لم يتحدثوا عن انفاق، ولا حتى في كتائب الاحتياط التي خصصت مسبقا لاعمال محتملة في اطار حملة لاحتلال القطاع. وعندما أبدى الجنود ملاحظة لقادتهم بان مضمامين التدريب غير ذات صلة بالتحديات العملياتية التي قد يقفون امامها، اجابوهم بان المشكلة معروفة.
    لواء جفعاتي، الذي بحكم انتمائه الى قيادة المنطقة الجنوبية احتل منذ البداية مكانا مركزيا في الاستعدادات للقتال في غزة، عني قبل اندلاع الحرب بتطوير نظرية قتالية للمجال التحت ارضي بأمر من قائد المنطقة الجنوبية. في منتصف تموز كان يفترض باللواء ان يقود استكمالات قيادية لوحدات اخرى. وقد الغيت الاستكمالات كون الحرب قد بدأت.
    الكابنيت ليس في الصورة
    لقد ولد اكتشاف الانفاق الهجومية العام الماضي الكثير من فرص التصوير في وسائل الاعلام. وزير الدفاع وكبار رجالات الجيش تجولوا فيها والتقطت لهم الصور في فتحاتها. قائد المنطقة الجنوبي، سامي ترجمان، اجري لقاء معه في القناة 2 الى جانب نفق ووصف الانفاق بانها التهديد المركزي الذي سيتعين على القيادة التصدي له.
    في محفل واحد لم يجرِ في تلك الفترة نقاش جدي لتهديد الانفاق وهذا هو الكابنيت السياسي الامني. معظم اعضائه، وفقا لشهادتهم لم يكونوا على علم على الاطلاق بعمق المشكلة. نصف اعضاء الكابنيت لم يتسلموا مهامهم الا بعد انتخابات 2013 ومعظم وقتهم قضوه في المداولات على خطر النووي الايراني وعلى التطورات في الحدود السورية واللبنانية. اما مشكلة الانفاق من غزة فقد ظهرت، في افضل الاحوال “فقط كبند رقم 17 في تقييم الوضع″، قال عضو الكابنيت، الوزير نفتالي بينيت قبل نحو شهر.
    أما التقرير الاستخباري الشهري الذي تلقاه نتنياهو ويعلون، فلم يعرف به اعضاء الكابنيت على الاطلاق. صحيح ان رئيس الوزراء عين مستشار الامن القومي في تلك الفترة، اللواء احتياط يعقوب عميدرور ليترأس فريقا لدراسة مشكلة الانفاق، ولكن عميدرور نفسه اعترف في بداية الشهر في مقابلة مع صوت الجيش بانه يوجد فارق بين المعرفة بوجود الانفاق وبين استيعاب كامل خطورة التهديد.
    لم تكن لدينا معلومات كافية، قال عميدرور، وشبه التهديد بالمفاجأة التي احدثتها صواريخ ساغر المصرية على دبابات الجيش الاسرائيلي في حرب يوم الغفران. وفي شعبة الاستخبارات “امان” يعترفون ايضا في نظرة الى الوراء بانه يبدو انه كانت حاجة الى التأكيد في الاستعراضات أمام الكابنيت لمسألة الانفاق، وان كانت المعلومات الاستخبارية المفصلة متوفرة لرئيس الوزراء ووزير الدفاع.
    منذ شهر نيسا 2014 فما بعد، اتضح بالتدريج بان حماس تعد امكانية لعملية كبيرة بواسطة نفق في منطقة كرم سالم، في الجانب الجنوبي من القطاع. واصدرت المخابرات – الشاباك اخطارا بموجبه من شأن حماس أن تحاول اختطاف جنود ومدنيين بواسطة النفق، بهدف احداث كسر للحصار الاسرائيلي – المصري على القطاع. هيئة الاركان، قيادة المنطقة الجنوبية واذرع الاستخبارات بذلت جهودا حثيثة للعثور على النفق. وحشدت فرقة غزة أكثر من 30 آلية هندسية، عدد استثنائي في حجمه، في محاولة لاكتشاف فتحة الخروج في الاراضي الاسرائيلية ونصبت سدودا هدفها تأخير الوصول من الحقول التي بجانب الجدار الى كيبوتس كرم سالم. وعندما لم تجدي التفتيشات في الجانب الاسرائيلي نفعا، اقرت للجيش اعمال هجومية. فقد القى سلاح الجو نحو 30 قذيفة جي – دام دقيقة في الجانب الفلسطيني من الجدار، بهدف قطع مسار النفق. ورغم ذلك نزل في 6 تموز سبعة مقاتلين من القوة الخاصة (“النخبة”) من حماس الى النفق وقتلوا في سقوط وقع كنتيجة واحد من اعمال القصف. وكانت الحادثة في كرم سالم هي الدفعة الاخيرة نحو اندلاع الحرب بين اسرائيل وحماس. وردت المنظمة الفلسطينية على قتل رجالها في النفق بصليات ثقيلة من الصواريخ اخذت اهدافها في الاتساع. وقررت حكومة اسرائيل في الليلة بين 7 و 8 تموز حملة “الجرف الصامد” في القطاع. هكذا بدأ القتال الذي دام خمسين يوما.
    بدأ التصعيد في القطاع بالتوازي مع انتهاء حملة “عودوا ايها الاخوة” في الضفة الغربية. في 30 حزيران عثر الجيش الاسرائيلي على جثث الفتيان جيل عاد شاعر، نفتالي فرنكل وايال يفرح، الذين كانوا اختطفوا قبل اسبوعين ونصف من ذلك في غوش عصيون. وحسب تصريحات الوزير بينيت لوسائل الاعلام قبل نحو شهر، فان بينيت هو الذي طرح لاول مرة الحاجة العاجلة لمعالجة تهديد الانفاق. واعتمد بينيت على شبكة اتصالات متفرعة مع قادة ألوية في الجيش الاسرائيلي، من ابناء جيله ممن كان يعرفهم من خدمته النظامية كمقاتل وضابط في الوحدات الخاصة. ومنهم تعرف على خطورة التهديد وسمع عن حشد الجهد للعثور على النفق في كرم سالم.
    رفع طلب بينيت لاول مرة في 30 حزيران، في لقاء ثنائي مع نتنياهو، وفور ذلك في جلسة الكابنيت. عملية هجومية ضد الانفاق، قال، ستكون ردا مناسبا على قتل الفتيان، وفي نفس الفرصة ستزيل عن جدول الاعمال تهديدا حقيقيا على بلدات غلاف غزة. وفي الايام التالية اجتمع الكابنيت في جلسات يومية وضع فيها في صورة التوتر في الضفة وبين عرب اسرائيل واستمرار التمشيطات بحثا عن النفق في كرم سالم.
    بينيت، حسب هذه الرواية، عاد وطرح مطلب المعالجة الشاملة للانفاق. اما يعلون، ومعه كبار مسؤولي الجيش والمخابرات، فردوا بتحفظ. بداية قالوا ان استعدادات حماس في كرم سالم تدل على استعدادها لـ “عملية رف” لا يوجد يقين متى ستستخدم. وبعد ذلك اعتقدوا أنه تكفي سياسة احتواء تهديدات وتحذيرات، مثل نثر اضاءات في الجانب الفلسطيني من كرم سالم من قبل سلاح الجو من أجل البث لحماس بان اسرائيل اكتشفت خططها. ولاحقا وافقوا على تشديد الخطوات نحو هجوم بواسطة قنابل جي – دام. ولكن النهج العام كان يتبنى سياسة التشويش، وليس الاحباط: كانت تكفي، برأي قادة جهاز الامن، اعمال دفاعية معيقة لمنع العملية. ولم يكن ما يبرر عملية هجومية واسعة.
    في كل بحث كان بينيت يحفر ويحفر، مثل “كاتو الشيخ” ولكنه وجد نفسه في الاقلية. شريكه في الجناح الصقري في الكابنيت، وزير الخارجية افيغدور ليبرمان تبنى احتلال القطاع او قسم منه واهتم بقدر اقل بمشكلة الانفاق. اما باقي الوزراء فكانوا منصتين لتخوفات الجيش من الغرق في وحل غزة: ما ان تدخل، إذهب لتعرف متى يمكنك ان تخرج.
    الجبهة ضد الحملة البرية كانت في ذاك الوقت لا تزال موحدة وواسعة. صحيح أن رئيس الوزراء عرض هنا وهناك أسئلة على الجيش ولكنه لم يخرج عن رأي الاغلبية في الكابنيت. والحكمة الدارجة، كما سمعها اعضاء الكابنيت اعتقدت بان حماس لا تعتزم استخدام الانفاق الهجومية، وان كانت المنظمة في ذاك الوقت قد بعثت بمقاتلي الكوماندو البحري لديها الى هجوم فشل في شاطيء زيكيم.
    واستمرت الجدالات حتى بعد قتل رجال حماس في كرم سالم واندلاع الحرب. والاهداف التي تحددت للجيش الاسرائيلي كانت توجيه ضربة شديدة لحماس واعادة الهدوء الى الجنوب. ولم تذكر الاتفاق بالذات. وبين 8 و 15 تموز اكتفت اسرائيل بالهجمات من بعيد، ردا على نار الصواريخ من القطاع الى الجنوب ووسط البلاد – قصف كثيف من الجو، مسنود بنار مدفعية نحو قيادات حماس، منظومات انتاج السلاح، ومجالات اطلاق صواريخها. وحشد الجيش الاسرائيلي قوات مشاة ومدرعات على حدود القطاع وشكل طواقم قتالية لوائية، ولكن لم يجتز حتى ولا جندي واحد الجدار الى داخل الاراضي الفلسطينية.
    وبالتدريج انكشف أمام اعضاء الكابنيت تهديد الانفاق بكامل خطورته: عشرات الانفاق الهجومية على طول الجبهة، فوهات الخروج لجزء منها حفرت من قبل في الاراضي الاسرائيلية، بجوار استحكامات الجيش الاسرائيلي والكيبوتسات. ولا يزال، ادعى اعضاء في المحفل بانهم شخصوا انعدام رغبة، بل وجر أرجل من جهاز الامن في التصدي للتهديد. واشتكى بعضهم من أن الضباط يتحدثون عن عمد بغموض كي لا يعرضوا على الكابنيت الصورة بكاملها. والنشاط الهجومي ضد الانفاق تلخص بالقصف من الجو لقسم من الفوهات في الجانب الفلسطيني، الخطوة التي كانت ستلحق بالجيش الاسرائيلي مشاكل عويصة لاحقا، حين دخلت القوات الى المنطقة.
    وتختلف رواية يعلون جوهريا، بطبيعة الحال. ففي مقابلة مع “هآرس″ أول أمس قال وزير الدفاع ان “تهديد الانفاق والاستعداد الدفاعي من الجيش الاسرائيلي عرض على الكابنيت عدة مرات، وبالتفصيل في الاسبوع الذي سبق الحملة البرية. عندما فهمنا بان حماس تبحث عن انجاز من خلال عملية نفق في كرم سالم، احبطناها”.
    أما جمع المعلومات الذي قام به بينيت من قادة الالوية فيثير غضبه، ويقول: “هل شرعي أن يجري سياسي اتصالا مباشرا مع ضباط وعلى هذا الاساس يقوم بالاعيب ضد رئيس الاركان في الكابنيت، فيصفه بانه حصان كسول امام الضباط في الميدان، اولئك الحصن المندفعة؟ هذه فوضى، ليست ديمقراطية. بينيت لم يخترع العملية ضد الانفاق وما كان بحاجة الى ان يدفعها الى الامام. ماذا، أهو الذي اعد القوة؟ هو الذي اخترع الوسيلة؟ من المسؤول عن الروح القتالية للجيش الاسرائيلي، رئيس الاركان أم رئيس حزب ما؟ مكتب بينيت، رد باتهام يعلون أنه “ابو المفهوم الذي انهار، والذي يقول ان حماس مردوعة ولهذا فانها لن تستخدم الانفاق”. وأعلن بان بينيت سيطالب بمراجعة محاضر جلسات الكابنيت كي يثبت صحة موقفه.
    في 15 تموز قرر الكابنيت، بمعارضة بينيت وليبرمان اقرار الاقتراح المصري بوقف النار مع حماس. وانهار الجهد المصري بعد أن رفضت حماس الاقتراح، الذي نسقت صيغته مسبقا بين القاهرة والقدس. ولكن حتى لو كان نتنياهو ويعلون قدرا بان حماس سترفض، من الصعب تجاهل معنى القرار: القيادة الاسرائيلية، التي كانت على وعي كلها بكامل حجوم مشروع الانفاق الهجومية، كانت مستعدة لان توقف النار في ختام سبعة ايام من القتال دون ان تضرب بصفتها هذه ورقة حماس الاساسية.
    ويرد يعلوم على الادعاءات فيقول: “كان لدينا جواب على التهديد – في الهجمات من الجو وفي تعزيز الدفاع، في ظل استمرار التمشيطات في اراضينا بحثا على الفوهات. وقد استجبنا للمبادة المصرية كي نحقق ايضا شرعية دولية لخطواتنا التالية. طالما جربنا الوصول الى وقف نار في تلك المرحلة، لم يكن مجال للعملية البرية، التي كانت مبررة ولكنها كلفت في النهاية حياة 66 جنديا.
    الخطط لم تكن ملائمة
    وقعت الانعطافة المركزية في المعركة بعد نحو يومين، في صباح 17 تموز. 13 مخربا مسلحا، من رجال قوة الانفاق في حماس، خرجوا من بطن الارض عبر فوهة هجومية في الاراضي الاسرائيلية، على مسافة بضع مئات الامتار من كيبوتس صوفا. وصورت طائرة بدون طيار اسرائيلية خروجهم وهوجمت الخلية من الجو. بث الصور، التي نشرها الناطق بلسان الجيش الاسرائيلي، اثار صدمة شديدة لدى الجمهور والقيادة. رؤساء المجالس الاقليمية في غلاف غزة، الذين شددوا من قبل على تهديد قذائف الهاون والصواريخ على بلداتهم، غيروا اتجاههم. رئيس مجلس اشكول حاييم يلين، رجل معتدل بشكل عام، طلب من الحكومة أن تأمر الجيش بالعمل فورا على تدمير كل الانفاق.
    في سلسلة المشاورات التي اجراها نتنياهو ويعلون مع جهاز الامن ومع اعضاء الكابنيت في الساعات التالية، تقرر العمل. في ساعات المساء المتأخرة صدر للجيش الامر بالدخول الى القطاع ومعالجة الانفاق. ولم يكن يلين الوحيد الذي صخب في ضوء صورة المخربين في النفق. رئيس الاركان بيني غانتس هو الاخر اعترف في وقت لاحق في حديث خاص بان “الحدث في صوفا حسم لنا الامر”.
    ولكن الخطط العملياتية التي كانت تحت تصرف الجيش الاسرائيلي لغرض العملية البرية كانت بعيدة عن الكمال. فالخطط الاصلية لدى قيادة المنطقة الجنوبية كادت لا تلمس الانفاق، بل تضمنت بعض “مدرجات” السيطرة، المتعمقة، على مناطق القطاع. والفكرة التي قبعت في اساسها كانت ضرب حماس، في ظل حرمانها من ذخائرها، ردعها والمس بمجالات اطلاق الصواريخ لديها، بهدف القمع الجزئي للنار نحو الجبهة الداخلية الاسرائيلية. وعنيت احدى الامكانيات ايضا بتدمير بعض الانفاق الهجومية، التي شخصت على قرب نسبي من البلدات الاسرائيلية، ولكن ليس كمهامة باولوية عليا. والى العملية في القطاع، التي تركزت الان على الانفاق فقط، ارسلت ليس اقل من ثلاث فرق، عمل تحتها في الجبهة المقلصة نسبيا عشرة طواقم قتالية لوائية وبينها كتائب مشاة، مدرعات وهندسة. وقد تمت بلورة الخطط الجديدة بسرعة كبيرة، في ظل تغييرات واسعة.
    وتحملت مسؤولية العملية في شمال القطاع فرقة 162. قائد الفرقة، العميد نداف فدان، قال لـ “هآرتس″ ان الخطط اجتازت “تكييفا تدريجيا” لمعالجة الانفاق، ما أن بدأت فرقته في الاعداد للحملة في القطاع في بداية تموز وحتى الدخول الى المنطقة. في محيط 10 تموز، كما شهد يقول: “دخلنا الى هذا العالم من الانفاق”. وبشكل يعطي صدى لاقوال عميدرور وغانتس قال فدان انه فهم المشكلة بكامل خطورتها فقط حين عثرت قواته على الانفاق داخل القطاع. “تعرفنا على الانفاق نظريا بالاساس. لم تكن لدينا تجربة عملياتية. يوجد شيء ما في الاحتكاك، في التجربة، يسرع الفهم. استوعبنا الامور حتى نهايتها فقط في ظل المعالجة للانفاق”.
    القوات لم تدخل الى عمق المنطقة بل توقفت عند قاطع بعرض اقصى بنحو 2كم غربي الجدار ومن هناك بدأت تعمل على العثور على الانفاق وتدميرها. عملية لواء جولاني، في حي الشجاعية شرقي القدس تأجلت يومين الى منتهى السبت، 19 تموز. منظومة حماس في الحي تعتبر الاقوى. كما أن هذه كانت المنطقة المبنية الاكثر اكتظاظا التي يصطدم بها الجيش الاسرائيلي.
    وغابت عن خطوة جولاني، مثلما عن بعض الطواقم القتالية اللوائية، عناصر جوهرية من المفاجأة والحيلة. فجنود جولاني، الذين هجموا جبهويا، اصطدموا بمقاومة شديدة، استثنائية من حماس. وفي الـ 24 ساعة الاولى قتل 16 من مقاتلي اللواء؛ قائد اللواء وقائدا كتيبتين اصيبوا (قائد كتيبة آخر اصيب بجراح شديدة في اثناء الاسبوع). كانت لازمة معركة بطولية من مقاتلي جولاني، برفقة هجمات جوية كثيفة وقصف مدفعي ثقيل من اجل كسر مقاومة حماس.
    في هذه الجبهة، مثلما في معظم الجبهات الاخرى، تركزت الحملة البرية على الانفاق فقط. ولم تتلقى القوات تعليمات بالمناورة في عمق أبعد وضرب منظومات حماس. وفي اماكن معدودة فعلت فيها ذلك، الناحل ولواء المدرعات 401، في بيت حانون، جفعاتي في رفح بعد اختطاف الملازم هدار غولدن – فوجيء القادة من السهولة النسبية التي تسللوا فيها الى عمق منظومات العدو.
    تدمير الانفاق
    هكذا، دون نظرية قتالية مفصلة ومتدرب عليها بما يكفي، مع معرفة عملية دنيا وخطة عملياتية تم وضعها رقعة فوق رقعة، مع كمية غير كافية من الوسائل لتدمير الانفاق، دخلت القوات الى القطاع. وغطى على الفجوات، تقريبا كالمعتاد في الجيش الاسرائيلي، قدرة ارتجال عالية، روح قتالية وتصميم كبير من القادة والجنود في رأس الحربة. ولكن المصاعب مددت زمن العملية الى اكثر مما كان مقدرا.
    في 20 تموز، في موعد قريب من بداية الحملة البرية، قال يعلون ان تدمير الانفاق سيستغرق يومين – ثلاثة ايام اخرى. اما عمليا، فمر اسبوعان ونصف آخرين. كما أن التقديرات التي اعطاها الجيش في الكابنيت ظهرت بانها متفائلة اكثر مما ينبغي. وتأخر انهاء العملية ايضا في ضوء انهيار وقف النار في بداية آب (على خلفية اختطاف غولدن). والقرار بعدم تعميق دخول الوحدات الى الاراضي المبنية وان كان وفر مزيدا من الاصابات، الا انه بقدر ما “استدعى” هجمات من خلايا حماس على القوات التي كانت تعنى بالعثور على الانفاق.
    في الوقت الذي كان الجنود يبحثون فيه بنشاط عن الانفاق في الجانب الفلسطيني غربي الجدار، تمكن ضيف من ارسال ثلاث خلايا اخرى في الانفاق الى الجانب الشرقي، الى داخل اراضي اسرائيل. وقتلت الخلايا 11 جنديا من الجيش الاسرائيلي – من خلية قيادة لواء 188، غرفة قيادة كتيبة في مدرسة الضباط ومن قوة حراسة مدرسة قادة الصف، الذين فوجيء رجالها في الاستحكام الذي بجانب ناحل عوز. وشاهد القادة باحباط، المفاجأة التي اوقعتها حماس وراء خطوطهم.
    في الاسابيع التي سبقت العملية حققت شعبة الاستخبارات اختراقا معينا في تشخيص فوهات الانفاق في الجيش الفلسطيني من الجدار. ولكن عندما بدأ التصعيد في 8 تموز قصف سلاح الجو الفوهات بشكل منهاجي، خشية أن تستبق حماس استخدام الانفاق. ويبدو أن الهجمات من الجو لم تخرج الانفاق تماما من قيد الاستخدام. “كسبنا وقتا في تشويش هجمات حماس، ولكن عندها خسرناه عندما دخلنا الى الداخل، لان القصف جعل من الصعب علينا العثور على المسارات في الجانب الفلسطيني واستكمال قصفها”، هكذا اعترف رئيس الاركان غانتس. ويتحدث احد الضباط ايضا عن الفجوة الاستخبارية: “لقد قامت الاستخبارات بعمل فائق ، ولكن هذا لم يكن بالدقة التامة لمسارات الانفاق”.
    وفوجيء الجنود الذين عملوا في القطاع من عدد الفوهات ومن تفرعها، مما استدعى تمشيطات طويلة. ويقول قادة الفرق والالوية التي شاركت في الحملة البرية، انهم شعروا بعنق الزجاجة في مكانين: في سرعة العثور على المسارات الكاملة للانفاق وفي تيرة تفجير الانفاق. ويقول العميد فدان انه “كان لدينا نضج متوسط لمعالجة الانفاق”. ويصف جنود في لواء المشاة في جبهات مختلفة نشاطا حثيثا للعثور على فوهات الدخول وعندها انتظار طويل، احيانا لاسبوع فأكثر حتى استكمال مهامة رجال الهندسة.
    لم يكن للجيش الاسرائيلي الاليات الهندسية الكافية لان يعالج في وقت الوقت هذا العدد الكبير من الانفاق. ويقول ضابط هندسة كبير ان “كل طاقم لوائي بدأ بنفقين وبعد ذلك قفز لمعالجة نفق ثالث في جبهته. وبسبب اضطرارات العتاد، عملنا بالطابور، بدلا من العمل بالتوازي. كانت فجوة كبيرة في الوسائل. لم تكن لدينا وسائل كافية لعدد الطواقم ولمثل هذا الحجم من الحملة. لم تكن لدينا القدرة لمعالجة 32 نفقا بالتوازي”.
    الصعوبة الاكبر كانت تتعلق بتفجير الانفاق. الاساليب والوسائل التي كانت لدى الجيش الاسرائيلي كانت ملائمة للايام التي كانت فيها هذه اقصر واقرب من سطح الارض. واشترى الجيش الاسرائيلي في العقد الماضي منظومة تدعى “امولسيا” لتدمير الانفاق. وتسمح المنظومة بضخ كمية كبيرة من المواد المتفجرة دون أن ينزل الجنود الى النفق.
    المشكلة هي أنه لم يكن لدى الجيش الاسرائيلي سوى منظومتين كهذه عندما بدأ القتال. وكبديل، استخدم الجيش قرابة نصف مليون لغم ومواد متفجرة اخرى. وقد ربطت الالغام معا بسلسلة انزلت الى داخل الفوهات. وفي معظم الحالات كان تدمير النفق جزئيا وان كان سلاح الهندسة يشدد على أنه كان مطالبا بتدمير معظم النفق كي “يوقع″ الضابط على النفق كمهدوم وغير قابل للاستخدام.
    ويقول ضابط احتياط ان “احدا لم يعرف ولم يخطط مسبقا لكيفية معالجة الانفاق. وكاد كل شيء يتم بشكل عفوي في الميدان”.
    وقال جنود هندسة من كتائب نظامية ومن وحدة “يهلوم” انهم اجتازوا في السنتين الاخيرتين تدريبات على القتال تحت الارض ولكن هذه لم تشبه ما التقوه في غزة. وهناك مقاتلون في “يهلوم” خرجوا من القطاع بقدر ما من الاحباط. فما تدربوا عليه كان لا شيء قياسا للمهام التي وجدوا أنفسهم ملزمين بالقيام بها.

    ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ

    الملفات المرفقة الملفات المرفقة

المواضيع المتشابهه

  1. اقلام واراء اسرائيلي 02/08/2014
    بواسطة Haneen في المنتدى أقلام وأراء اسرائيلي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2014-08-10, 12:37 PM
  2. اقلام واراء اسرائيلي 31/07/2014
    بواسطة Haneen في المنتدى أقلام وأراء اسرائيلي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2014-08-10, 12:36 PM
  3. اقلام واراء اسرائيلي 26/07/2014
    بواسطة Haneen في المنتدى أقلام وأراء اسرائيلي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2014-08-10, 12:36 PM
  4. اقلام واراء اسرائيلي 25/07/2014
    بواسطة Haneen في المنتدى أقلام وأراء اسرائيلي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2014-08-10, 12:35 PM
  5. اقلام واراء اسرائيلي 07/05/2014
    بواسطة Haneen في المنتدى أقلام وأراء اسرائيلي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2014-05-29, 11:41 AM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •