النتائج 1 إلى 1 من 1

الموضوع: الاخوان المسلمين 18/09/2014

  1. #1

    الاخوان المسلمين 18/09/2014

    بعد قطر.. الخيارات الصعبة للإخوان المسلمين!
    كانت قطر المحطة الأولى للإخوان الفارين من مصر عقب سقوط محمد مرسي، فأبراج الدوحة مدفوعة الأجر كانت مغرية لقادة الجماعة دون غيرها، خصوصا أن قطر أبدت حرصا على إيواء عدد كبير من عناصر تنظيم الإخوان ورفضت تسليمهم لمصر فضلا عن السماح لهم بالظهور الإعلامي في قناة الجزيرة مباشر التي دابت على وصف ما حدث في مصر بعد 30 يونيو بالانقلاب العسكري.



    معهد العربية للدراسات
    بقلم : كرم سعيد

    المتابع لتحركات الإخوان المسلمين في مصر وسياسات قادتها في الخارج يدرك أنها سياسة كسيحة ومعوقة ذاتياً، نظراً لطابعها التقليدي، وقصر رهاناتها على دول بعينها في توفير ملآذا آمن لها، وفي مقدمتها قطر التي هبطت مؤخرا من سماء أفكارها إلى تضاريس أرض الواقع، فكان قرارها في 13 سبتمبر الجاري بإبعاد عدد من قيادات الإخوان خارج الدوحة في خطوة كانت متوقعة من كل المراقبين والعالمين ببواطن الأمور باستثناء جماعة الإخوان التي تبدو في جزء كبير من خياراتها منفصلة عن الواقع المعاش.

    التطور الذي أحدثه القرار القطري بترحيل قيادات الجماعة وعناصرها النشطة فضلا عن الدفع في اتجاه المواجهة، وتبرئها في بيانها الصادر في 7 سبتمبر الجاري من كل دعوات تسوية الأزمة والتصالح مع الدولة والمجتمع مصر، يكشف عن تواضع إمكانات قادتها سياسيا وإداريا.

    عامان مضيا على الاحتجاجات الضخمة التي شهدتها البلاد في 30 يونيو، وأطاحت بحكم الرئيس محمد مرسي، ومن أمامه جماعة "الإخوان"، ومائة يوم ويزيد مرت على حكم الرئيس الجديد عبد الفتاح السيسي، ومازالت جماعة الإخوان في مصر ترفض خريطة الطريق بعد 30 يونيو، وما أفروته من دستور وانتخابات رئاسية انتهت بفوز عبد الفتاح السيسي.



    وما زال الاحتقان بين الجماعة والدولة هو العنوان الأبرز في مصر، حيث دخل المناخ مرحلة الشحن، ووصلت الأزمة الذروة، وبدا ذلك في التظاهرات المتواصلة والصدام بين الجماعة والشرطة، وحالات التوقيف لنشطاء سياسيين جنباً إلى جنب التصريحات السياسية التي حملت نبرة تحد سواء من أجهزة الدولة أو قيادات الجماعة ورموزها في الخارج.

    هذه السياسة الميكافيلية لم تكن تأخذ في حسبانها الصالح العام، قدر ما كان معيارها المصلحة المجردة والخاصة للتنظيم، لذلك كانت مطالبتها حتى اليوم بعودة الرئيس المعزول محمد مرسي، ومحاكمة قادة الجيش باعتبارهم من دبروا بليل الانقلاب العسكري، والإفراج عن عناصر الجماعة المعتقلين.

    الأرجح أن هذا التفكير الجاف ساهم في تشويه الصورة الذهنية للجماعة لدي قطاعات معتبرة من المصريين، وأيضا عدد من القوى السياسية التي طالما ظلت مساندة لاتجاهات الجماعة وتوجهاتها السياسية بعد عزل مرسي، فعلى سبيل المثال خرج حزب الوسط الشهر الماضي من تحالف دعم الشرعية فضلا عن جدل ساخن لا تخطئه عين بين حزب الوطن السلفي والبناء والتنمية الذراع السياسية للجماعة الإسلامية من جهة وجماعة الإخوان من جهة أخرى، بعد بيان جماعة الإخوان في 7 سبتمبر الجاري الذي تبرأت فيه من دعوات المصالحة، والمضي قدما في طريق المواجهة.


    مجتمع المنفى: من الدوحة إلى أنقرة

    كانت قطر المحطة الأولى للإخوان الفارين من مصر عقب سقوط محمد مرسي، فأبراج الدوحة مدفوعة الأجر كانت مغرية لقادة الجماعة دون غيرها، خصوصا أن قطر أبدت حرصا على إيواء عدد كبير من عناصر تنظيم الإخوان ورفضت تسليمهم لمصر فضلا عن السماح لهم بالظهور الإعلامي في قناة الجزيرة مباشر التي دابت على وصف ما حدث في مصر بعد 30 يونيو بالانقلاب العسكري.

    غير أن أبعد الظنون للجماعة تحقق، بعد امتعاض قطري وأن ظل من وراء ستار من وجود عناصر الجماعة على أراضيها، ومطالبتها في 13 سبتمبر الجاري عدد من قيادات الجماعة الرحيل عن الدوحة، وضمت قائمة المستبعدين 7 من قيادات الإخوان وهما :عصام تليمه ، دكتور محمود حسين، الأمين العام للجماعة، ودكتور عمرو دراج، رئيس لجنة العلاقات الخارجية بحزب الحرية والعدالة، وحمزه زوبع، المتحدث باسم الحرية والعدالة، أشرف بدر الدين، عضو مجلس الشعب السابق والذي وصل إلى الدوحة في سبتمبر الماضي، والداعية وجدي غنيم، وجمال عبد الستار، وكيل وزارة الأوقاف السابق والقيادي بالجماعة. (1)

    والأرجح أن ثمة عوامل تدفع قطر إلى إعادة قراءاتها للواقع المصري منها الضغوط الدولية على الدوحة في ظل اتهاما بدعم التنظيمات الراديكالية في سوريا والعراق فضلا عن تقديم دعم غير مباشر لـ "داعش". أيضا تبدو قطر بحاجة إلى رأب الصدع مع دول الخليج العربي ومصر بعد تراجع موقعها خليجيا واتساع الهوة مع جوارها الخليجي بسبب دعمها الإعلامي والمادي لجماعة تجرمها القاهرة وقطاع معتبر من الحكومات الخليجية.

    وربما لا يتوقف الأمر على شخصيات بعينها، فيتوقع في القريب العاجل أن يغادر الدوحة نحو 200 من قيادات وأعضاء جماعة الإخوان المسلمين وأعضاء الجماعة. (2)

    قطار الإخوان على وشك مغادرة المحطة القطرية نهائيا، لاسيما أن هذا لم يكن الرحيل الأول، فقد سبق ذلك بنحو أسبوعين ترحيل أحرين إلى تركيا المحطة المنتظرة، والتي يمتلك أغلب المرحلين من الدوحة تأشيرات دخول لها بفضل موقفها من النظام الحاكم في مصر ودعمها للجماعة خلال المرحلة الماضية.



    وفي تصريح له في 15 سبتمبر الجاري قال الدكتور إبراهيم منير، الأمين العام للتنظيم العالمي للإخوان في الغرب، "إن أغلب المبعدين من الدوحة لديهم بالفعل تأشيرات دخول إلى تركيا وماليزيا، ما يسهل دخولهم للإقامة والاستقرار في البلدين بيسر وسهولة"، واستبعد أن تكون بريطانيا أو سويسرا ملجأ للقيادات الإخوانية. (3)

    من جهته قال أردوغان في 16 سبتمبر الجاري خلال عودته من قطر إن "تركيا سترحب بالقيادات البارزة من جماعة الإخوان، بعدما طلبت منهم قطر مغادرة أراضيها، تحت ضغوط من دول الخليج العربية الأخرى".(4)

    سيل مبادرات الصلح

    لم تكن المبادرة التي طرحها النائب محمد العمدة في 23 أغسطس الماضي، والتي طالب فيها بإقرار الأمر الواقع، واعتبار رئاسة السيسي مرحلة لتحقيق المصالحة جنباً إلى جنب الاعتراف بشرعية جماعة الإخوان هي الأولي من نوعها، فقد سبقها سيل من جهود الوساطة لتسوية الأزمة في مصر، منها المبادرة التي طرحها القيادي في الجماعة الإسلامية عبود الزمر في مطلع أغسطس الماضي، وطالب فيها بوقف أعمال العنف والمشاركة في الانتخابات البرلمانية المقرر لها الفترة المقبلة.

    كما استقبلت الساحة المصرية في العام الماضي وعقب عزل مرسي عدداً من المبادرات لإنهاء المعضلة السياسية، أولها مبادرة محمد سليم العوا المرشح السابق في انتخابات رئاسة الجمهورية في 26 يوليو 2013 تحت عنوان «المسار الديمقراطي في مواجهة الانقلاب العسكري»، واستند فيها إلى المادتين 141 و142 من دستور 2012، وارتكزت فكرتها الجوهرية على تفويض رئيس الدولة كامل صلاحياته لحكومة مؤقتة لحين إجراء انتخابات نيابية ورئاسية جديدة. (5)

    لكن جهود العوا انتهت بالفشل، خاصة مع عدم تحمس الدولة، وكذلك تلكؤ جماعة الإخوان المسلمين في تحديد الموقف منها. ومع تصاعد وتيرة الاحتجاجات، ودخول البلاد دوامة العنف عقب الأعمال الإرهابية التي تشهدها سيناء وانتقالها إلى عمق القاهرة، جاءت مبادرة الفقيه القانوني أحمد كمال أبو المجد، وحملت بين طياتها نقاطاً عدة منها الاعتراف بالسلطة الانتقالية الراهنة، ووقف التصعيد الإعلامي ضد جماعة الإخوان، ناهيك عن وقف الاعتقالات والتصعيد بكل صوره، مقابل الكف عن مساعي تدويل الأزمة السياسية والتلويح باللجوء لمحكمة الجنايات الدولية فيما يتعلق بفض اعتصامي رابعة العدوية وميدان النهضة.

    غير أن أطروحة أبو المجد باءت بالفشل لسببين أولهما اعتراض الجماعة على المبادرة جملة وتفصيلاً واتهام صاحبها بالوسيط «غير المحايد». ويرتبط السبب الثاني بارتفاع درجة حرارة الأزمة، مع إقدام حكومة الببلاوي على شطب الجمعية الأهلية التي تحمل اسم «الإخوان المسلمين»، وتشكيل لجنة لإدارة أصول وأملاك الجماعة وجمعيتها التي صدر حكم قضائي.

    وفي أجواء مشحونة ومن دون أمل كبير في إمكان حل الأزمة، جاءت مبادرة السفير إبراهيم يسري مؤسس ما يعرف بـ "جبهة الضمير الوطني"، وكان من بين بنودها إعادة الرئيس المعزول مرسى رئيساً شرفياً ونقل اختصاصاته إلى رئيس وزراء يتم اختياره بالتراضي، مع إيقاف أي ملاحقة قانونية للمؤسسة العسكرية فضلاً عن تفعيل دستور 2012، مع وقف تفعيل بعض مواده كلياً أو جزئياً، وإضافة مادة تنص على إعفاء وزير الدفاع من أي ملاحقة قانونية. (6)

    فشل ذريع
    دخلت مبادرات التسوية التي طرحت طوال العام ونصف العام الماضي إلى نفق مظلم بسبب إصرار جماعة "الإخوان" وحلفائها على أن يكون الحوار مع أي طرف على أساس استعادة المسار الشرعي والديمقراطي في إشارة إلى التمسك بعودة الرئيس محمد مرسى ناهيك عن حالة التوتر الذهني لقادة الجماعة، والعجز عن اتخاذ قرار حاسم بشأن تسوية الأزمة، خصوصا مع اتساع الهوة بين الصقور والحمائم داخل الجماعة.



    أضف إلى كل ذلك سلوك السلطة في مصر إزاء كل هذه المبادرات، فقد أكدت قبولها أية جهد في إطار خارطة المستقبل التي تستند على قاعدة شعبية خرجت في 30 يونيو، كما أن السلطة الجدية قطعت خط الرجعة إلى ما قبل 3 يوليو، وبالتالي فإنه من غير الوارد العودة إلى الوراء.

    أما العامل الرابع فيعود إلى أن كل مبادرات الوساطة حملت مضامين كان لا يمكن قبولها من كافة أطراف الأزمة في مقدمتها عودة الرئيس مرسى ولو شرفيا، وإطلاق سراح قيادات تخضع للتحقيق القضائي ناهيك عن رفض الجماعة وحلفائها الاعتراف بالسلطة الراهنة، أو اعتبار ما حدث في 30 يونيو ثورة أو حتى موجة ثورية ثانية.

    الانفصال عن الواقع
    يخطئ من يظن أن جماعة الإخوان لديها إستراتيجية محددة للخروج من أزمتها الراهنة، فالتنظيم فقد فعاليته تحت واقع الضربات الأمنية وسجن قطاع معتبر من قياداته وفرار آخرين إلى الخارج، وبالتالي أصيب التنظيم بحالة من الترهل، خصوصا عندما أصبحت القيادة في يد أبناء الجيل الثالث من الجماعة ، وهو جيل يفتقد إلى الخبرة السياسية، كما أنه لم يكن له دور معتبر و حقيقي في قيادة التنظيم الذي ما زالت مفاتيحه بيد نفر قليل من جيل الصقور. (7)

    لذلك تاهت تصورات الإخوان، وبقيت الأفكار السياسية تسرح في خيال بعيدا عن جغرافيا الواقع أمام الرغبة في الصدام مع السلطة السياسية، وأظهرت الجماعة إصرارا على نهج المواجهة، فتبرأت في بيان لها أصدرته في 7 سبتمبر الجاري من دعوات المصالحة. وقالت الجماعة في البيان أنها لم تكن طرفا ولن تكون طرفا في أي عبث يقوض مستقبل البلاد والعباد" وأضافت أنها " ماضية في الحراك الثوري المتصاعد حتى النصر وعلى موقفها الواضح من السلمية انطلاقا من فهمها العقدي لمنهج التغيير الذي تلتزمه ولا تقبل بغيره بديلا".

    واعتبرت أن "من ينسب نفسه إلى الجماعة يجب أن يكون هذا نهجه وتلك سيرته، فإن دعا إلى غير ذلك أو اختط لنفسه نهجاً غير نهج الجماعة، فهو ليس من الجماعة، وليست الجماعة منه". (8)

    والأرجح أن القراءة الدقيقة للبيان تكشف عن عدة حقائق أولها أن الجماعة تبدو وكأنها أنزلقت في مسارات التيه؛ فما زالت تعيش في عالم افتراضي بعيداً عن الظرف المعاش، فقطاع معتبر من التيارات الإسلامية باتت تدرك أن مرسي خارج السياق، وأن ثمة سلطة شرعية جديدة ينبغي التعامل معها والسير في طاعتها، ومن ذلك حزب النور السلفي فضلا عن أحزاب صوفية ومسيحية.

    وترتبط الحقيقة الثانية بعجز الجماعة عن قراءة المشهد الدولي الراهن، فثمة توجه دولي لمحاربة العنف، وتلعب السعودية والأمارات دورا مهماً في هذا التحالف، وكلاهما يعتبران جماعة الإخوان تنظيم إرهابي.

    في المقابل فأن الصورة الذهنية لجماعة الإخوان لدي قطاعات معتبرة في الغرب باتت مشوشة، وأصبحت العلاقة التاريخية للجماعة مع بعض الحكومات الغربية على محك الاختبار،خصوصا بريطانيا التي ترتبط بعلاقة تاريخية خاصة مع تنظيم الإخوان المسلمين، وهى مسجلة فى الوثائق الرسمية للحكومة البريطانية، وتعود إلى عشرينات القرن الماضى.

    ومع تصاعد الضغوط العربية والإقليمية على لندن ناهيك عن كشف النقاب عن دور بريطاني في دعم الجماعات الراديكالية، وكان بارزاً،هنا، ما ذكره الكاتب البريطاني مارك كيرتس في كتابه الصادر في العام 2012 والمعنون تحت "مدخل إلى العلاقة السرية: تواطؤ بريطانيا مع الإسلام الراديكالي"، وقدم فيه معلومات قاطعة وموثقة، عن الدور الذى يقوم به التنظيم الدولي للإخوان في لندن، وتحت أعين أجهزة الأمن البريطانية. (9)





    في هذه البيئة الضاغطة والمعقدة أمر رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون في أبريل الماضي بفتح تحقيق في أنشطة جماعة الإخوان المسلمين في ظل تقارير تفيد بأن الجماعة تستخدم لندن قاعدة للتخطيط لأنشطة متشددة، كما قام بنك "اتش اس بي سي" البريطاني في يوليو الماضي في خطوة استباقية لنتائج التحقيق بغلق حسابات بعض المؤسسات المقربة من الإخوان المسلمين كمسجد "فنزبري بارك" في شمال لندن، إضافة إلى مؤسسة "قرطبة" ورئيسها أنس التكريتي وصندوق رعاية الأمة. (10)

    لم يكن التضييق على الجماعة في لندن وحدها، وإنما في عواصم غربية أخرى أعادت مؤخرا مد جسور التواصل من جديد مع السلطة المصرية الراهنة، وفي مقدمتها فرنسا وألمانيا التي وجهت الدعوة رسميا للرئيس السيسي لزيارة ألمانيا.

    على صعيد ذي شأن قال ديك تشيني نائب الرئيس الأمريكي السابق في 11 سبتمبر الجاري، وخلال الاجتماع الأسبوعي بالكونجرس " أن الإخوان المسلمين هم المصدر الإيديولوجي للإرهابيين الأكثر راديكالية حول العالم". ووصف تشيني الإخوان بأنهم " أصل جميع الجماعات الإسلامية التي نتعامل معها حاليا مثل حماس وداعش"، ودعا صراحة إلى ضرورة دعم الحكومة المصرية في مكافحة الإرهاب. (11)

    الحقيقة الثالثة التي لا تخطئها عين هي اتساع الهوة بين الصقور والحمائم داخل الجماعة فضلا عن تصاعد الانشقاقات الشبابية داخل التنظيم، وكان بارزاً ظهور حركة "أحرار الإخوان" التي أعلنت عن نفسها في الأسبوع الأول من عزل مرسي، وقامت بجمع توقيعات على استمارات لسحب الثقة من مكتب الإرشاد، ونشرت بيانها الأول على صفحتها بشبكة التواصل الاجتماعي وقالت فيه " نعلن نحن مجموعة من شباب الإخوان وقياداتها الشابة انشقاقنا ليس عن جماعة الإخوان وإنما عن قياداتنا التي تدعونا إلى ما يخالف تعاليم الدين ومصلحة الوطن" وأضافت في بيانها " الدم كله حرام- الزج بالنساء والأطفال عار على قيادات زالت منها النخوة- قطع الطرق مخالف للشريعة". (12)

    أيضا ظهر تيار "إخوان بلا عنف" الذي طالب بسحب الثقة من محمد بديع مرشد الجماعة، ووقف عمليات العنف.

    خيارات الإخوان الصعبة

    منذ عزل الرئيس السابق محمد مرسي، وتصنيف الإخوان المسلمين جماعة إرهابية، تواجه الجماعة أكثر المحن صعوبة في تاريخها، ولذلك كان مثيراً للعجب والحيرة في آن معاً، أن يأتي بيان الجماعة الرافض لجهود التسوية في وقت تعاني فيه من أزمات طاحنة في ظل المطاردات التي تلاحق قياداتها والزج بهم في السجون ناهيك عن فشل عمليات التعبئة والحشد في التظاهرات الأسبوعية وشبه اليومية في القرى والأرياف والمناطق النائية.

    الأهم من هذا كله أن التوقيت الخاطئ لإعلان الإخوان بيانهم الرافض للمصالحة تزامن مع جهود دولية مكثفة تحرص على مشاركة مصر في التحالف الدولي ضد داعش، واستقبلت القاهرة طوال الأيام الماضية عدد غير قليل من مسئولين أجانب وعرب للبحث عن سبل مواجهة انتشار التنظيمات الإرهابية في منطقة الشرق الأوسط.

    ويبدو أن محاربة تنظيم "داعش" الإرهابي لم يمنح فقط فرصة ذهبية لـ عبد الفتاح السيسي الذي يعاني مخاضا سياسيا صعباً منذ عزل مرسي لتحسين وضعه وتقديم صورة أفضل عنه لدى الغرب، ولكنه مثل أيضا فرصة لتقوية العلاقات الاقتصادية مع الغرب قد تسهم في خروج الاقتصاد المصري المأزوم من وضعيته الراهنة. (13)

    كما *أن جهود مكافحة داعش وأبناء عمومتها في المنطقة قد تمنح السيسي فرصة لتأكيد مكانة مصر في المنطقة، خصوصا بعد دور قصر الاتحادية في الوصول وإقرار مبادرة وقف إطلاق النار بين إسرائيل والفلسطينيين بعد اعتداء إسرائيلي استمرار 51 يوماً على قطاع غزة راح ضحيته ما يقرب من ألفي قتيل وألاف الجرحى.



    الأهم من ذلك هو تراجع قطر تدريجيا عن دعم جماعة الإخوان بفعل ضغوطات الجوار الخليجي ناهيك عن رهان دولي على القاهرة في حملة مكافحة الإرهاب في المنطقة، وزيادة الطلب على الدور المصري باعتباره حجر الزاوية في هذا التحالف.

    وربما سمح حضور القاهرة والدوحة مؤتمر جدة لمكافحة الإرهاب الذي عقد في 11 سبتمبر الجاري بتغييراً نوعياً لعلاقات الإقليم، حيث أدي إعلان القاهرة والدوحة بالموافقة صراحة على لعب دور في موقعة مكافحة الإرهاب، إلى تعديل ولو طفيف في العلاقات الإقليمية يمهد ربما لفتح الباب المغلق بين القاهرة والدوحة ترجمته الأولي كانت في إبعاد قيادات الإخوان عن الدوحة.

    في هذا السياق العام تبدو خيارات جماعة الإخوان في مصر صعبة، وغير مأمونة العواقب، وربما تظل هذه الخيارات الغير فاعلة قاصرة في أولها على تفعيل ماكينة الدعاية الدينية في مناطق تركزها في ريف الدلتا وقرى الصعيد، حيث تكون الشرائح السكانية في هذه المناطق أكثر تأثرا بالخطاب الديني المجرد.

    وتسعى الجماعة إلى دغدغة مشاعر البسطاء، واستثارة العاطفة الدينية فيهم من خلال تصوير الأزمة وكأنها حرب ضد سلطة غاشمة تترصد المشروع الإسلامي ، بل وتشكل تحالفا غير مشروع مع الكنيسة المصرية لتدمير هوية المصريين الإسلامية وتكريس المبادئ والتوجهات العلمانية التي تقوم في جوهرها على فصل الدين عن السياسية في كل مناحي الحياة.

    أما الخيار الثاني فيظل قائما على استدعاء فكرة المظلومية، والعزف على أوتار ترحيلهم من قطر لترسيخ صورتهم كضحايا

    غير أن استدعاء فكرة المظلومية لم تعد كما كانت عليه الحال زمن عبد الناصر مثلاً، فتنامي أعمال العنف في مصر، وتعثر مسارات التسوية واعتماد الجماعة لغة المواجهة لاستعادة المسار الديمقراطي وعودة "الشرعية" أفقدها رصيداً وافراً من تعاطف الناس، ذلك التعاطف الذي مكنها زمن مبارك من الوجود في كل مشهد سياسي مهم، وبعد ثورة 25 يناير مباشرة حازت قبول مجتمعي منقطع النظير جعلها في صدارة المشهد أو على الأقل ضمن مكوناته.

    غير أن إصرار الجماعة على تفصيل المشهد السياسي على مقاس طموحاتها السياسية عقب رحيل مبارك، وسعيها إلى الإمساك بمفاصل الدولة دون شريك وتغليبها البنية الفوقية التي تتعلق بنسق القيم والأفكار على حساب أحلام الناس وطموحاتهم في الكرامة والعدالة الاجتماعية وضعت فكرة المظلومية في مفترق طرق.

    ويعتمد الخيار الثالث على العودة للعنف التقليدي أو استحداث بدائل جديدة للعنف، وبناء تشكيلات احتجاجية متنوعة، وكان بارزاً،هنا، ظهور ما عرف إعلاميا بـ "كتائب حلوان" التي ظهرت في منتصف أغسطس الماضي، ورفعت شعار "نحمل الخير لمصر، وتوعدت في أول فيديو لها قوات الجيش والشرطة.

    وعجت الساحة المصرية طوال الأسابيع الماضية برصيد وافر من التشكيلات الاحتجاجية التي تميل إلى العنف الغير تقليدي، فظهرت حركة " عفاريت دمنهور" التي بثت الفيديو الأول لها في 9 سبتمبر الجاري، وتوعدت فيه باستكمال مسيرة النضال لحين إسقاط ما أسمته "حكم العسكر". (14)

    كما تم تدشين حركة "ضنك" في 4 أغسطس الماضي للمطالبة بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية. وقامت الحملة الجديدة بنشر البيان الأول لها، وقالت فيه: "إن ضنك حركة ضغط على الدولة، لتوفير الخبز للمواطنين بعد إلغاء الدعم" على حد قول الحملة، ولكنها سرعان ما كشفت عن وجهها السياسي حين دعت إلى حراك ثورى في التاسع من سبتمبر الجاري لإسقاط النظام القائم والعودة إلى مسار ثورة 25 يناير. (15)



    والواقع أن الزخم المصاحب لهذه التيارات والتشكيلات الاحتجاجية لم يأتي أكله، ودلل على ذلك فشل دعوات التظاهر التي دعت إليها مثلاً حركة " ضنك"، واختفاء "كتائب حلوان" بعد أول ظهور لها، وبقاء عفاريت دمنهور كحركة افتراضية تسبح في فضاء الأنترنت دون أن تقترب من الواقع.

    الخيار الرابع يرتبط بالرهان على فشل السلطة الجديدة في إدارة المشهد، والعجز عن الالتفاف على الأزمة الاقتصادية والاحتقانات الاجتماعية التي زادت سخونتها مع موجات ارتفاع الأسعار التي شهدتها البلاد بعد تنصيب السيسي، خصوصا أسعار المحروقات والسلع الأساسية ناهيك عن الرفع التدريجي للدعم العيني وتحويل نصيب وافر فيه إلى نقدي وأن ظل من وراء ستار.

    صحيح أن الضجر كان العنوان الأبرز في الشارع المصري بسبب الارتفاعات المتوالية للأسعار، إلا أنها لم تحرك ساكن راهنت عليه الجماعة، حيث تكيف المصريين مع الواقع انتظار لغد أفضل.

    وراء ما سبق تعتمد الجماعة سلاح الشائعات، حيث نشرت الصفحات الإلكترونية للإخوان عدداً من الشائعات ضد مشروع قناة السويس والتقليل من جدواه فضلا عن سلسلة من الفتاوي التي تحرم شراء شهادات استثمار مشروع قناة السويس.

    والأرجح أن سلاح الفتاوي لم يلقى رواجا بين المصريين،فلم تفلح فتوى القرضاوى في وقت سابق بتحريم المشاركة في الانتخابات الرئاسية التي جرت في مايو الماضي من اندفاع قطاعات واسعة من المصريين للتصويت.

    كما فشلت فتاوى مشروع قناة السويس بدورها، فيكفي المرور فقط أمام مصارف القاهرة أو المحافظات الأخرى لإدراك حجم اغتراب الإخوان عن الواقع ناهيك عن قيام صندوقين يتبع أحدهما العاملين بالأزهر والثاني للعاملين بالأوقاف بشراء ما مجموعه 650 مليون جنيه من تلك الشهادات، بعد دعوة شيخ الأزهر، أحمد الطيب، المصريين للإسهام في شراء هذه الشهادات (16)، فضلا عن ارتفاع حصيلة بيع الشهادات إلى ما يقارب الثلاثة مليارات جنيه في غضون أيام قليلة.

    في هذا سياق العام تبدو خيارات الإخوان صعبة، وربما الأصعب منها هو افتقاد الجماعة البوصلة السياسية، ولم يكن بيانها الرافض للمصالحة وتسوية الأزمة مع السلطة الجديدة التي تعاني بدورها عثرات إلا تعبيراً عن اغتراب الجماعة وأنصارها عن الواقع المعاش.

    ولا شك أن بعثرت الجماعة وتشتتها بين السجون والمنفى خارج مصر يلقي بظلال سلبية على مستقبل الجماعة ووضعيتها الراهنة، ، فقد سارت الجماعة في طريق متعرج بعد رفضت الاعتراف بشرعية 30 يونيو، فأعلنت تارة التزامها السلمية في مواجهة ما اسمتاه "الانقلاب" وتارة أخرى على رفض التسوية السلمية للأزمة وأي مبادرة للصلح مع النظام القائم.

    والأرجح مأزق الجماعة جعل من الصعب عليها الوصول إلى نقاش موضوعي حول أوضاعها، ونتائج الصدام مع الدولة وتداعياته. كما أن قيادات الصف الثالث تبدو أقل جرئة في صنع قرار أو اتخاذه.

    القصد أن السلوك القلق للجماعة لم ينعكس على علاقاتها وأنصارها في تحالف دعم الشرعي، وإنما على علاقاتها إزاء الدول الداعمة لها التي بدأ بعضها بالفعل مراجعات وتراجعات بشأن دعم الجماعة وخياراتها.






    ______________________________ _________________________

    المصادر

    1. "الإخوان" قطر طلبت من بعض قياداتنا مغادرة أراضيها، الحياة 13 سبتمبر 2014.
    2. أحمد رحيم، 200 من إخوان مصر وحلفائهم يستعدون لمغادرة قطر خلال أسابيع، الحياة 16/9/2014.
    3. ثروت الدميني، ماليزيا وتركيا قبلة الإخوان الجديدة بعد قرار ترحيلهم من قطر، وكالة أنباء أونا، .
    4. أردوغان: تركيا ترحب بقيادات الإخوان على أراضيها،
    5. كرم سعيد، جهود الوساطة وإمكانية حل الأزمة، موقع مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، 23 أكتوبر 2013
    6. مصر: مبادرات الوساطة ه تحل الأزمة؟، جريدة الحياة، 6 نوفمبر 2013.
    7. منير أديب، خيارات الإخوان في الشارع بين ضيق الأفق وفشل الخصم، معهد العربية للدرسات، 5/8/2014
    8. أحمد مصطفى، جماعة الإخوان تتبرأ من دعوات المصالحة، جريدة الحياة، 8 سبتمبر 2014.
    9. عاطف الغمرى، اختطاف الثورة وثائق المؤامرة من 25 يناير – 30 يونيو، كتاب تحت الطبع، مركز الأهرام للنشر.
    10. – بريطانيا: الحكومة تنفي إرجاء نشر نتائج التحقيق حول الإخوان بسبب خلافات داخلها، 20/8/2014
    11. - نائب الرئيس الأمريكي الأسبق: الإخوان المصدر الإيديولوجي للإرهابيين حول العالم
    12. سعيد السني، التصدعات والانشقاقات تضرب جماعة الإخوان المسلمين بمصر
    13. هل يستغل السيسي داعش لتحسين علاقته مع الغرب؟
    14. "عفاريت دمنهور" تتوعد الشرطة " لا تلوموا إلا أنفسكم"
    15. نشطاء: بيان القاهرة يدشنون حركة ضنك ، المرجع السابق.
    16. مصر: جدل تحليل وتحريم شهادات قناة السويس الجديدة يصل منابر المساجد.. ومواقف للأزهر والافتاء

    الملفات المرفقة الملفات المرفقة

المواضيع المتشابهه

  1. الاخوان المسلمين 13/09/2014
    بواسطة Haneen في المنتدى الاخوان المسلمين
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2014-12-14, 01:55 PM
  2. الاخوان المسلمين 04/09/2014
    بواسطة Haneen في المنتدى الاخوان المسلمين
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2014-09-18, 09:56 AM
  3. الاخوان المسلمين 25/08/2014
    بواسطة Haneen في المنتدى الاخوان المسلمين
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2014-09-18, 09:56 AM
  4. الاخوان المسلمين 03/07/2014
    بواسطة Haneen في المنتدى الاخوان المسلمين
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2014-08-12, 11:06 AM
  5. الاخوان المسلمين 07/05/2014
    بواسطة Haneen في المنتدى الاخوان المسلمين
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2014-06-12, 10:48 AM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •