اقلام واراء محلي 285
في هــــذا الملف:
حديث القدس: شبكة الأمان العربية بين الوعود والتنفيذ
بقلم: أسرة التحرير عن جريدة القدس
نكبةٌ فلسطينية في سوريا
بقلم: عبد الإله بلقزيز عن جريدة القدس
فلسطين الدولة .. وبريطانيا "الجديدة"!!
بقلم: هاني حبيب عن جريدة الأيام
عام آخر مضى ... ماذا يمكن أن يحدث ؟
بقلم: أشرف العجرمي عن جريدة الأيام
فلسطين يجب أن توظِّف لا أن توظَّف
بقلم: علي جرادات عن جريدة الأيام
مغزى الدعم الجزائري
بقلم: عدلي صادق عن الحياة الجديدة
فتح... من عام 48 الى العام الـ 48
بقلم: موفق مطر عن الحياة الجديدة
حركة فتح تغتسل مجددا
بقلم: بكر ابو بكر عن الحياة الجديدة
حركة فتح لكل الشعب الفلسطيني
بقلم: سوسن نجيب عبد الحليم عن جريدة الصباح
الثورة الفلسطينية.. ثورة البقاء حتى الانتصار
بقلم: لؤي زهير المدهون عن وكالة معا
في انتظار «الربيـع» الحقيقي: تفـتـيـت الأوطـان والقضيـة
بقلم: طلال سلمان عن وكالة سما
المركز القانوني للفرد في القانون الدولي
بقلم: حنا عيسى عن وكالة PNN
حديث القدس: شبكة الأمان العربية بين الوعود والتنفيذ
بقلم: أسرة التحرير عن جريدة القدس
كان من المتوقع بعد أن تقدمت السلطة الفلسطينة بطلب للأمم المتحدة للاعتراف بفلسطين دولة مراقبة غير عضو في المنظمة الدولية، ثم حصولها على هذا الرفع لمستوى تمثيل فلسطين الدولي، أن تقابل اسرائيل هذه الخطوة بإجراءات عقابية. وكانت الحكومة الاسرائيلية قد هددت بعقوبات من هذا القبيل قبل تقدم السلطة الفلسطينية بهذا الطلب للأمم المتحدة.
وظلت عائدات الضرائب التي تجبيها اسرائيل نيابة عن السلطة الفلسطينية على الواردات الخارجية إلى الأراضي الفلسطينية الورقة التي تستغلها اسرائيل، بمناسبة وغير مناسبة، للضغط على الجانب الفلسطيني من أجل ابتزاز مواقف سياسية، أن كعقوبة على خطوات تقوم بها السلطة ولا ترضى عنها اسرائيل.
وعقب قبول فلسطيندولة غير عضو في الأمم المتحدة كا حجز أموال الضرائب هذه أول خطوة عمدت إليها الحكومة الاسرائيلية كعقاب مالي للسلطة، مع أن هذه هي أموال فلسطينية والسطو عليها أو سرقتها مخالف لكل الأعراف والمواثيق الدولية، أما كونه يحدث في الظروف الصعبة التي يمر بها الفلسطينيون من الناحية الاقتصادية والمالية، فربما يرتفع إلى حد كونه جريمة ضد الإنسانية لما يترتب عليه من تعريض ملايين الفلسطينيين للحرمان من متطلبات الحياة الأساسية من غذاء وكساء ورعاية صحية واجتماعية وخدمات تعليمية.
وقد عرضت السلطة الفلسطينية على الدول العربية الشقيقة المخاطر التي تتهددها إذا مضت قدما في مبادرتها أمام الأمم المتحدة، وخصوصا ما يتعلق برد فعل اسرائيل والولايات المتحدة من حيث إمكانية الضغط على الفلسطينيين ماليا، وربما عرقلة المساعدات المالية التي تقدمها الولايات المتحدة، فضل عن حجز أموال الضرائب الفلسطينية. ولا نشير هنا إلى تكثيف النشاط الاستيطاني الاسرائيلي في الضفة الغربية- وخصوصا في القدس- بشكل غير مسبوق، فهذا أمر معروف، وقد أدانه المجتمع الدولي بأسره.
وكان الأشقاء العرب واضحين في تجاوبهم مع الموقف الفلسطيني، واستعدادهم لمساندة المبادرة الفلسطينية في المنظمة الدولية وتغطية المخاطر المالية التي ستترتب عن هذه المبادرة. وقدم الأشقاء العرب وعودا بتوفير شبكة أمان للفلسطينيين بقيمة مائة مليوون دولار شهريا، لمواجهة الصعوبات التي ستنشأ عن تنفيذ اسرائيل لتهديداتها. ومع أن التنفيذ كان يفترض أن يبدأ فور إعلان الحكومة الاسرائيلية عن حجز أموال الضرائب الفلسطينية، فلم يظهر بعد أي مؤشر على أن الوعود قد نفذت حتى الآن، وبعد مرور شهر وأكثر على اعتراف الأمم المتحدة بدولة فلسطين، بالمواصفات التي حددها الطلب المقدم للهيئة الدولية من جانب السلطة افلسطينية.
ولا نريد أن نستبق الأحداث أو نتحدث بلهجة تشاؤمية عن هذه الوعود، استنادا إلى وعود سابقة ظلت حبرا على ورق، لكن ما يعانيه العاملون في القطاع العام الفلسطيني وفي أجهزة السلطة الفلسطينية يتقاضون نصف راتب .وهذا ليس سرا وإنما يطلع عليه الجميع من خلال وسائل الإعلام المحلية والدولية. والمفروض أن الأشقاء العرب قد اطلعوا عليه أيضا. وهذا بحد ذاته فيه ما هو أكثر من دافع لإدخال الوعود والتعهدات العربية حيز التنفيذ، ودونما تمهل أو إبطاء.
نكبةٌ فلسطينية في سوريا
بقلم: عبد الإله بلقزيز عن جريدة القدس
الفلسطينيون ورقة في النزاعات العربية كافة، التي حصلت منذ سبعينيات القرن الماضي، وهدف سهل ومباشر لكل ذي قضية سياسية مع نظامه الحاكم أو مع معارضته . وكلما اشتدت نيران النزاع الداخلي بين زيدٍ وعمرو على السلطة، وبلغ الاحتقان والتوتر مداه، أو اتسعت رقعة الصدام المسلّح، يصبح واجباً على الدم الفلسطيني أن يدفع أقساطه من ضريبة الموت والخراب العظيم، وكأنّ الجنوح الداخلي لا يستقيم من دون أن يمرَّ بالمخيمات، وكأنّ المخيمات تحيط بالقصور الجمهورية أو تشكل مقارَّ وملاذات لمعارضة النظام الحاكم .
في لبنان الحرب الأهلية، أُقْحم الفلسطينيون عَنوة في صراع داخلي حادّ كان قد بدأ بسنوات، قبل مجزرة عين الرمانة، بين “الجبهة اللبنانية” المسيحية وبين الحركة الوطنية على مسألة الإصلاح الديمقراطي للنظام، والحصص المطلوبة أو المرفوضة في التوازن الطائفي .
كان بين المتنازعين من يريد تزوير الصراع من صراع على السلطة بين فريقين داخليين، إلى صراع لبناني فلسطيني، أو إلى صراع بين لبنان و”الغرباء”، وكان بينهم في الجهة المقابلة من استقوى بالسلاح الفلسطيني ليحسم به صراعه مع خصمه السياسي الداخلي . وكان على الفلسطينيين أن يدفعوا ضريبة ذلك من دمائهم في منطقة برج حمود ومخيمات ضبية، وتل الزعتر، وصبرا، وشاتيلا، ثم برج البراجنة، وعين الحلوة، والمية ومية، والبرج الشمالي، والبداوي، وصولاً إلى نهر البارد، وكانت الضريبة فادحة إنسانياً، وبدرجات من الفداحة لا تطاق .
وحين اندلعت “أزمة الخليج”، قبل عشرين عاماً ونيّف، عقب الاجتياح العسكري العراقي للكويت، وشنَّ الحلفاء حرب “عاصفة الصحراء” على العراق لإخراجه من الكويت، كان على الفلسطينيين أن يدفعوا حصتهم من خلاف بين قوى عربية لم يكونوا طرفاً فيها، بل وما كانت لهم مصلحة أصلاً في نشوب مثل ذلك الخلاف الذي أسال دماء الآلاف من الناس بغير حق، والذي تبدّدت به أرزاقهم وحصتهم من العيش الكريم في بلاد عربية بعيدة عن أرضهم، لكنها أدعى إلى حفظ حقوقهم من بلدان الجوار العربي لفلسطين .
وعندما احتل العراق اقتصَّ من اقتصَّ من الفلسطينيين، وكأنهم كانوا جنداً في نظام صدام حسين، فتعرضوا للقتل والتهجير، وسيموا هواناً، وسيقوا إلى المعازل والسجون، فأجبر الآلاف منهم على ترك بلد عاشوا فيه لعقود بكرامة وأسهموا في بناء نهضته في زمن مضى...
ولحظة تبيَّن للعقيد معمر القذافي أن مناسك الحج لا تكتمل إلا بزيارة المسجد الأقصى، فأرسل حجيجه إلى القدس ، وثارت ثائرة المعارضين العرب للخطوة هذه، فعدُّوها تطبيعاً مع الجانب الاسرائيلي، أو تقرباً منه لكسب ود أمريكا، ودفعها إلى رفع الحصار عن ليبيا، دفع الفلسطينيون مرة أخرى ضريبة هذه “النازلة” من حقوقهم، إذ وقع تجميعهم في معسكرات على الحدود، تمهيداً لإجلائهم، بدعوى أن عليهم أن يعودوا إلى وطنهم الذي قامت فيه سلطة فلسطينية بل وقع طرد الكثير منهم فعلاً .
واليوم، يدفع الفلسطينيون، مجدداً، ثمن نزاع ليسوا طرفاً فيه، ولا مصلحة لهم في اندلاعه، بين المعارضة المسلحة والنظام في سوريا، فيتعرض مخيمهم في اليرموك للاستباحة والعدوان، ولنزوح بشري لعشرات الآلاف من السكان الذين كانوا في غنى عن حرب مكانها على جبهة الجولان، لا على “جبهة الحجر الأسود واليرموك”! والمفجع أن فلسطينيي سوريا، بالذات، تمتعوا بالحد الأدنى من حقوقهم الإنسانية، ومن حقوقهم المدنية والسياسية، إذا ما قورنوا بغيرهم من اللاجئين في دول الجوار العربي، فعاشوا بكرامة، وانصهروا في المجتمع السوري وتصاهروا معه، وما كانت لهم عداوات مع فريق بعينه فيه . وإذ تبنى نظام سوريا قضيتهم ومقاومتهم، وآوى قادتهم وفصائلهم ومكاتبهم ومقراتهم، وجد الفلسطينيون في ذلك خير سند من الدولة والمجتمع، وهم لهذا لا يمكنهم أن يجدوا مصلحة في انقسام البلد، ولا أن يوالوا فريقاً في مواجهة فريق .
ولسنا معنيين، هنا، أن نتهم هذا الجانب أو ذاك من السوريين بفتح معركة مخيم اليرموك، ولا أن ننحاز إلى رواية من الروايتين الرائجتين عن الأحداث، إنما يعنينا أن نقول إن من يفتح الحرب على الوجود الفلسطيني في سوريا إنما يسيء إلى نفسه وصورته، ويسدي أجزل الخدمة إلى الجانب الاسرائيلي، ويحارب في المكان الخطأ .
وليس لأحد من السوريين المتقاتلين على السلطة من قضية “عادلة” إذا كان ثَمَنَها دمٌ فلسطينيٌّ يُراق، وشعبٌ لاجئ يشرَّد، إذ يكفي شعب فلسطين ما يلقاه على يد المحتل، من تشريد وتنكيل، فما الحاجة إذاً إلى مزيد؟! ويكفي فلسطينيي سوريا أنهم نُكِبوا في بلد كان لهم ولقضيتهم سنداً وظهيراً، فبات دماراً وخراباً لا يقوى على قيام، فلِمَ المزيد؟
فلسطين الدولة .. وبريطانيا "الجديدة"!!
بقلم: هاني حبيب عن جريدة الأيام
حظي السفير الإسرائيلي لدى الامم المتحدة "رون بروسور" بتصفيق متواصل من قبل زملائه من سفراء إسرائيل لدى معظم دول العالم الذين اجتمعوا مؤخراً في مدينة القدس المحتلة، بروسور عبر عن شدة الاحباط الذي يواجه سفراء اسرائيل في الخارج لدى تبرير سياسة حكومة نتنياهو، خاصة ازاء الملف الاستيطاني، هذا التصفيق جاء بعد ان تساءل مندوب اسرائيل لدى المنظمة الدولية عن السر وراء اقدام حكومته على الاعلان عن مخطط حكومة نتنياهو للبناء الاستيطاني في المنطقة E1 غداة الاعتراف الاممي بالدولة الفلسطينية كمراقب..
هذا التساؤل اعتبره مستشار الأمن القومي الجنرال احتياط يعقوب عميدور، انتقادا لا يجب ان يقوم به موظف لدى الحكومة، ايا كان موقفه من سياستها، والاهم من هذا الانتقاد الواضح والمعلن، يلمح الى ان نتنياهو استغل قبول دولة فلسطين كمراقب في المنظمة الدولية، للتعاطي مع الأمر من زاوية حساباته الحزبية للانتخابات التشريعية، الا أن التصفيق الحاد والمتواصل اثر تساؤل بروسور، اشار الى ان كافة سفراء الدولة العبرية، يوافقون على هذا الرأي، علماً ان بروسور كان يشغل قبل سنوات منصب مدير عام وزارة الخارجية الاسرائيلية، ما يجعله مؤهلا اكثر من غيره في مناقشة امور السياسة الخارجية الاسرائيلية.
سفراء اسرائيل يشعرون بالاحباط فعلاً، فمعظمهم تم استدعاؤهم من قبل العواصم التي يمثلون الدولة العبرية لديها، بعد قرارات نتنياهو الاستيطانية المتعاقبة، خاصة فيما يتعلق بالبناء الاستيطاني E1، ولم يكن بوسعهم الدفاع عن سياسة حكومتهم وتبرير الموقف الاسرائيلي الذي تجاهل الإدانات الدولية بهذا الشأن، واذا كان هؤلاء قد يجدون في الصياغات الدبلوماسية وسيلة للرد على الإدانات، الا انهم لن يستنجدوا بمثل هذه الصياغات أثناء اجتماع يضمهم الى وزارة خارجية الدولة العبرية في اجتماعات داخلية للإسهام في رسم السياسة الخارجية الإسرائيلية.
واذ اطلق هؤلاء السفراء على المستجدات الدولية فيما يتعلق بالتصويت لصالح دولة فلسطينية كمراقب في الامم المتحدة، وعدم احتمال دول صديقة وحليفة لاسرائيل مضي حكومة نتنياهو قدما في العملية الاستيطانية، اطلقوا على هذه المستجدات "بالصحوة" خاصة عندما يتعلق الامر بالمواقف الاوروبية، فإن السياسة البريطانية تحديداً، تعبر بوضوح عن هذه المتغيرات التي تعبر عن نفسها بالصحوة، واذا ما توقفنا عند اشارات واضحة أقدمت عليها بريطانيا من خلال وزير خارجيتها في الأسابيع الاخيرة، لوجدنا بالفعل ان هناك سياسة بريطانية جديدة تتعلق بالملف الفلسطيني - الاسرائيلي.
فقد استدعت وزارة الخارجية البريطانية السفير الاسرائيلي لديها، للاعراب عن ادانتها للسياسة الاستيطانية الاسرائيلية الاخيرة، كما فعلت فرنسا، غير ان صحفا بريطانية أشارت في ذلك الحين، الى ان لندن قد لا تكتفي بذلك، اذ انها تدرس مع فرنسا، امكانية استدعاء سفيريهما لدى الدولة العبرية "للتشاور" وهو الشكل الدبلوماسي للاشارة الاوضح عن توتر العلاقات.
وقد شجعت مواقف الخارجية البريطانية جامعات المملكة المتحدة على اتخاذ قرارها بمقاطعة اسرائيل أكاديمياً اثر قرار اسرائيل باعلان جامعة "ارئيل" المقامة على أراض فلسطينية محتلة، كإحدى جامعات اسرائيل الرسمية، واتخذت خطوات اكاديمية بريطانية لتحويل هذا القرار الى مقاطعة جدية لكافة الجامعات الإسرائيلية التي ستتأثر حتما بهذه المقاطعة بالنظر الى الروابط الأكاديمية الفعالة بين جامعات كل من اسرائيل وبريطانيا، وحسب الصحافة الإسرائيلية، فإن قرار المقاطعة سيؤثر بشكل كبير ويحمل أضراراً واضحة على جامعات ثلاث على وجه الخصوص: كلية الهندسة التطبيقية "التخنيون" بالقدس المحتلة، وجامعة بن غوريون ببئر السبع، والجامعة العبرية.
وفي آخر دليل على التوتر بين تل ابيب ولندن، تمثل في رد متحدث باسم وزارة الخارجية البريطانية على تصريح وزير التعليم العالي الاسرائيلي، جدعون ساعر، عندما شبه هذا الاخير المستوطنات اليهودية بجزر الفوكلاند .. فقد رد المتحدث بالقول ان هذا التصريح غير ذي صلة ولا يغير من حقيقة ان مستوطنة ارئيل تكمن وراء الخط الاخضر وغير قانونية بموجب القانون الدولي.
من المؤكد ان بريطانيا ليست دولة صديقة داعمة تماما للحقوق الفلسطينية، لكن من المؤكد ايضا، ان مواقفها الجديدة، من شأنها ان تذكر اسرائيل، بان لا سلام مع الاستيطان وان الدعم البريطاني المطلق لسياستها لم يعد مسلماً به!
عام آخر مضى ... ماذا يمكن أن يحدث ؟
بقلم: أشرف العجرمي عن جريدة الأيام
مر العام 2012 بسرعة مع أنه كان عاماً ثقيلاً وكئيباً على نحو خاص إلا الشهر ونيف الأخير، حيث حصل انتصار فلسطيني سياسيي ودبلوماسي في الحلبة الدولية وانتصار معنوي على جبهة المواجهة في غزة، وغير ذلك لم يحصل شيء يذكر سوى ازدياد الأوضاع صعوبة وقسوة على مستويات مختلفة لا تتعلق فقط بأننا فقدنا عدداً لا بأس به من الشهداء بالإضافة إلى الجرحى والمصابين، بل هناك مشكلات اقتصادية كبيرة تواجه السلطة والشعب، ودخلنا العام الجديد والموظفون في السلطة لم يحصلوا على كامل الرواتب. وطبعاً في كل عام يمكننا أن نقول الحمد لله كان يمكن أن يكون أكثر سوءاً.
لم نستطع التقدم خطوة واحدة على طريق انهاء الانقسام، ولا يبدو أننا قريبون من ذلك فكل شيء عاد إلى طبيعته التي سبقت الانتصارات ونشوة الفرح الممزوج بالكثير من الألم، واتضح أن التفاؤل الذي غطى على رؤية الحقائق على الارض لم يكن في محله، وإن كان التفاؤل سمة ايجابية ينبغي التمسك بها دوماً، مع أن هناك مصالح ومعادلات أبعد دوماً من المشاعر. ولكن يمكن أن نعزي انفسنا في حصول تطور طفيف على العلاقة بين طرفي الانقسام "حماس" حيث احتفلت "حماس" بانطلاقتها في الضفة وسمحت لـ"فتح" بأن تحتفل بانطلاقتها في غزة. ولكن لا شيء جوهرياً أعمق من ذلك يبدو أنه سيحصل قريباً.
وحركة"قتح" التي نحتفل بانطلاقتها التي هي انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة لم تتقدم خلال العام الماضي على أي مستوى، فلا هي استطاعت أن تلملم صفوفها وتوحد نفسها وتتخلص من مشكلاتها الداخلية بصورة خلاقة ، بل إن الأمور كانت أكثر فجاجة في الانتخابات البلدية التي أظهرت ليس فقط انقسامات وخلافات، وانما كذلك بعد المستوى القيادي عن حركة الشارع ونبضه.
وبعض أعضاء اللجنة المركزية اعترفوا صراحة أن القيادة الحالية ليست على مستوى المرحلة ولا يمكنها الاضطلاع بالاعباء والمهمات الملقاة عليها، وهناك من ينادي بعقد المؤتمر العام السابع على وجه السرعة لانقاذ الوضع الداخلي من حالة الترهل والخلاف. ولعل أبرز محطات الإخفاق إضافة لما جرى في الانتخابات المحلية، عدم قدرة القيادة على تشكيل قيادة لـ"فتح" في غزة على الرغم من القيام بعدة محاولات. وهناك ادراك من الكادر الفتحاوي بغالبيته الساحقة بأن هذا الحال غير صحي ولا يمكن القبول باستمراره. والبعض يعتبر احتفالات الانطلاقة محكاً أو مؤشراً، مع أن الاحتفال شيء والعمل في الميدان لتنظيم صفوف الحركة شيء آخر. ربما يكون غالبية الفلسطينيين معنيين بالمشاركة في الاحتفالات وانجاحها وهذا ينطبق على أعضاء "فتح" ومناصريها ومؤيدي الفصائل الوطنية والمستقلين، بل إن هذا يمثل تحدياً وطنياً لـ"حماس" ليس هدفه معاقبتها وإنما الإظهار بأنها ليست وحدها ولا تملك الأغلبية في الشارع.
أما السلطة الوطنية فهي في حالة تدهور على كل المستويات أقرب إلى حافة الانهيار، وتجري معاقبتها دولياً وعربياً بسبب "تمرد" القيادة والذهاب إلى الأمم المتحدة والخروج على المبدأ الأميركي القائل إن كل شيء يجب أن يحدث بالمفاوضات حتى لو لم تكن هناك مفاوضات أو حتى لو كان الأفق أمامها مغلقاً. فيتوقف الدعم أو يشح وتوقف إسرائيل تحويل الأموال الفلسطينية المجباة عن طريقها. وتبدو السلطة في أسوأ لحظاتها، ولا تسلم من الانتقاد واللوم على كل شيء بما في ذلك على وقف إسرائيل تحويل الأموال.
طبعاً النقد على سوء الأداء والتخطيط والإدارة وإدارة الشأن العام هو مسألة محقة ومطلوبة طوال الوقت، ولكن يجب الفصل بين هذا وبين المسائل التي لا تتحمل السلطة المسؤولية فيها حتى يصبح النقد بناءً وفي محله. ولا يظهر أن وضع السلطة سيتحسن بصورة ملموسة مع تفاقم مشكلة الدين العام والفوائد المترتبة عليه، في ظل الفشل في تحقيق خطط تنمية الاقتصاد المحلي وصولاً ليس إلى الاستغناء عن مال المانحين بل إلى تخفيف الاعتماد نسبياً على هذا الدعم.
ولايبدو حال المجتمع المدني والأحزاب أفضل حالاً من حال السلطة، ولا تقتصر المشاكل على "فتح" ولكنها تبرز فيها بصفتها الفصيل الأكبر الذي يقود ويتحمل عبء المرحلة ومسؤولياتها الثقيلة أكثر من غيره. فقوى منظمة التحرير تتقلص باستمرار وتعيش نفس الأزمة التي تنعكس في عدم القدرة على التوسع شعبياً ونيل ثقة المواطنين وتحقيق نوع من التوازن أو الثقل بين الفصيلين الأكبر"فتح" و"حماس".
أما "حماس" فهي بالرغم من شعورها بأنها منتصرة لم تستطع أن تقدم بديلاً وطنياً حقيقياً لما هو قائم وبقي الارتكاز على شعارات المقاومة وسيلة لتذكير الناس بأنها فصيل مقاوم يختلف عن "فتح" فصيل السلطة والمفاوضات، ولكنها لا تستطيع أن تخفي الشمس بغربال فهي فصيل سلطة أسوأ من "فتح" بكثير، على الاقل الأخيرة صاحبة مشروع يقوم على التسوية السياسية للقضية على أساس حل الدولتين وقيام دولة فلسطينية مستقلة في حدود العام 1967. أما "حماس" فهي تتمسك بالسلطة وتعزز وجودها فيها ببرنامج لاعلاقة له ببرنامج الشعب وتقدم نموذجاً سيئاً في الإدارة والحكم، وتمارس المفاوضات من أجل ضمان سلطتها فقط.
ومنظمات المجتمع المدني لم تستطع النهوض بمهماتها المكملة لمهمات المؤسسة الرسمية حسبما هو مرسوم لها وتتلقى الدعم على أساسه، وهي عدا كونها أصبحت تعاني من شح التمويل، تركز على قضايا لا تلامس حاجات الناس الاساسية وبعضها حتى لا نعمم ونظلم الجميع، تحاول التكيف فقط مع أجندات الممولين دون الالتفات إلى مصالح المجتمع وحاجاته.
لا يبدو أن العام 2013 أفضل حالاً من سابقه إلا إذا حصل تحول ملموس في التوجهات الدولية نحو الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي ينبثق عنه تدخل دولي ملموس في التسوية بمعنى أن يجد المجتمع الدولي وسيلة لفرض حل على الاسس والقواعد التي يعترف بها العالم أجمع وتنكرها إسرائيل. أو حصول مفاجأة في الانتخابات الإسرائيلية تؤدي إلى خسارة اليمين الأغلبية في البرلمان وهذا يبدو صعباً للغاية وغير متوقع بنسبة كبيرة، حتى مع تدهور مكانة ائتلاف "الليكود - إسرائيل بيتينو" بعد استقالة ليبرمان وتقديم لائحة اتهام ضده على جرائم فساد. فلا يزال اليمين يحظى بأغلبية في كل استطلاعات الرأي التي تجري في اسرائيل عشية الانتخابات. فخسارة نتنياهو تصب في خانة حزب أكثر تطرفاً بقيادة نفتالي بينت.
على كل حال دعونا نتفاءل بالعام الجديد ودعونا نعمل كل في إطار وظيفته وحقله وما يستطيع أن يقوم به ليصبح واقعنا أفضل وغدنا أكثر ايجابية، فنحن سنظل هنا هذا العام والعام القادم ولا بد أن تتغير الأشياء بصورة من الصور.
فلسطين يجب أن توظِّف لا أن توظَّف
بقلم: علي جرادات عن جريدة الأيام
ليس بالأمر الجديد أن يدفع الفلسطينيون ثمنَ صراعات عربية، وما أكثرها، سواء بين نظام عربي ومعارضيه، أو بين قُطْرٍ عربي وآخر، أو بين محور عربي وآخر. ففي أواسط سبعينيات القرن الماضي، زج السادات الفلسطينيين في صراعه مع معارضيه، الناصريين واليساريين، وقرر طرد الطلبة الفلسطينيين من الجامعات المصرية، ليتبين لاحقاً، (بعد شهور) أن قرار الطرد هذا كان سياسياً بامتياز، وأن ذريعته لم تكن سوى غطاء لمقدمات ارتداد نظام السادات على الحقبة الناصرية وخطها الاستقلالي الوطني والقومي الداعم والمتبني لقضايا الأمة، وفي مقدمتها قضية فلسطين وشعبها، الأمر الذي اتضحت معالمه في زيارة السادات غير الميمونة لإسرائيل العام 1977، كزيارة مهدت الطريق لصفقة "كامب ديفيد" العام 1979 على حساب القضية الفلسطينية.
وشكلت الخطوة الأولى نحو إدخال مصر، وبالتالي العرب عموماً، في مرحلة من التبعية السياسية والاقتصادية للولايات المتحدة، والخضوع لربيبتها إسرائيل. وهي التبعية التي ما زال العرب، شعوباً وحقوقاً وقضايا، يعانون، ويدفعون ثمن، الوقوع في إسارها، بل، وصار التخلص منها مستحيلاً من دون الثورة عليها، بكل ما ينطوي عليه ذلك من أثمانٍ باهظة، ها هي تتبدى بأقسى صورها فيما تشهده مصر الثورة بالذات من صراع حاد ومكلف بين مَن يريد التخلص منها، (التبعية)، وبين من يريد الحفاظ عليها، بل، وتعميق أواصرها، وإن باسم "الثورة" التي ركب موجتها، واختطف، (مؤقتا ودون استقرار)، سلطتها، بمباركة الولايات المتحدة ودعمها.
وفي لبنان دفع الفلسطينيون ثمناً باهظاً، بل هو الأكبر، بالمعنيين البشري والسياسي، جراء الحرب الأهلية، (1975-1990)، حيث أدخلتهم "الجبهة اللبنانية"، (الكتائب والأحرار)، عنوة، وعن سابق تخطيط، في صراعها السياسي على السلطة مع الحركة الوطنية اللبنانية المطالبة بالإصلاح الديمقراطي للنظام الطائفي، حيث أقدمت على ارتكاب "مجزرة عين الرمانة" ضد الفلسطينيين، بغرض التغطية على الجوهر السياسي للصراع اللبناني الداخلي، وتصويره كأنه صراع بين مَن يحتضن "الغرباء"، (الفلسطينيين)، على حساب لبنان ومصالحه، وبين مَن يريد تخليصه من شرور سيطرتهم عليه. وهي الكذبة التي تبددت، وتعرت، إلى غير رجعة، حين دعمت "الجبهة اللبنانية"، علناً وصراحة، الاجتياح الإسرائيلي للبنان في العام 1982، حيث سهل تحالفها المُعلن مع إسرائيل حصار بيروت واحتلالها، وإخراج البندقية الفلسطينية من لبنان، بل، ونفذت بيدها، برعاية شارون وحمايته، المجزرة الرهيبة في مخيمي صبرا وشاتيلا، لينفتح الباب لاحقاً، على تعريض المخيمات الفلسطينية في لبنان إلى مجازر أخرى، جاءت جميعها، بمعزل عن مبرراتها الواهية، تعبيراً عما يربط مرتكبيها بالولايات المتحدة من علاقات، تدفعه، طوعاً حيناً، وإلزاماً حيناً، نحو الخضوع لإسرائيل، ونحو المساهمة في مخططاتها لتصفية القضية الفلسطينية، كمخططات تدعمها، بل، وتشارك فيها، الولايات المتحدة، وكل مَن يدور في فلكها، ويتبع لها، عربيا وإقليمياً ودولياً.
وفي الكويت كان الفلسطينيون أول، وأكثر، من تم التعرض له، بالانتقام والطرد والترحيل، بدعوى مساندتهم النظام العراقي في اجتياحه للكويت في العام 1990، دون أن ننسى ما فرضه معظم دول الخليج على الثورة الفلسطينية من حصار مالي بعد هذا الاجتياح، وهو الحصار الذي لم تنته تداعياته، ولم يتخلص الفلسطينيون، الشعب والقضية، من تبعاته، حتى يوم الناس هذا، وإلا لكان بلا معنى ما يعيشه الشعب الفلسطيني اليوم من أزمة مالية غير مسبوقة، آخذة بالتفاقم، ليس فقط بسبب وقْف، بل سرقة، إسرائيل، لمستحقاته المالية، بل، أيضاً بسبب رضوخ الأنظمة العربية لإرادة الولايات المتحدة، وعدم تجرئها على تحديها والوفاء بما وعدت به من "شبكة أمان" مالية للخزينة الفلسطينية، ما يؤكد أن الحصار المالي الخليجي على الفلسطينيين في بداية تسعينيات القرن الماضي، لم يكن، أو لم يكن فقط، بسبب موقفهم السياسي من اجتياح العراق للكويت.
وفي العراق في مرحلة ما بعد احتلاله في العام 2003، لم يتوانَ حكامه الجدد القادمون على ظهر الدبابات الأميركية، عن طرد أعداد كبيرة من الفلسطينيين، بدعوى وقوفهم إلى جانب نظام صدام المُطاح أميركياً بذريعة التخلص من استبداده وامتلاكه "أسلحة دمار شامل" ثبت عدم وجودها، بل، وتبين أنها لم تكن سوى كذبة تخفي مصلحة أميركية إسرائيلية مشتركة في تدمير العراق الدولة والجيش، والسيطرة على مقدراته، وتحويله إلى دولة فاشلة، ومرتع للصراع المذهبي والطائفي والجهوي، وإلى مفرخة أخرى، بعد أفغانستان، لتوالد تنظيم "القاعدة"، وكل ما تناسل من رحم فكره الجاهل والمتطرف من تنظيمات إرهابية، صار متعذراً تمييز اختلاف ألوانها، أو ملاحقة التنامي البكتيري لأجنحتها، أو وقف تمدد ضرباتها إلى سورية واليمن وسيناء وغزة وليبيا وتونس والمغرب والجزائر ونيجيريا وشمال مالي.
واليوم، ليس ثمة من عجب في أن يتكرر السيناريو ذاته في سورية، حيث يجري الزج باللاجئين الفلسطينيين ومخيماتهم في أتون الصراع الجهنمي الجاري، منذ عامين تقريباً، بين النظام وقوى المعارضة المسلحة التي يلتم فيها "الشامي على المغربي"، وتدعمها، بالمال والسلاح والسياسة، دول وقوى عربية وإقليمية ودولية، تقع في مقدمتها، وتقف على رأسها، وتنسق مواقفها، الولايات المتحدة بعد أن تم غض النظر عن آثام قهرها للشعوب وتدمير كياناتها الوطنية وانتهاك سيادتها ونشر الفوضى والفتن في نسيجها المجتمعي، بل، وصارت، بقدرة قادر، حاضناً أول لحركات التحرر، ومدافعاً، لا يضاهى، عن حقوق الإنسان، ومُخَلِّصاً، لا يشق له غبار، للشعوب المقهورة، (باستثناء الشعب الفلسطيني طبعاً)، من نير الاستبداد وفقدان الحرية والديمقراطية السياسية، بل، والاجتماعية، أيضاً، وكأن الولايات المتحدة هذه ليست هي الموطن الأصلي، لنشوء، وتعاظم، وانتشار، سياسة "الليبرالية الجديدة" منذ اعتمدها ريغان، بالتوافق مع تاتشر، في أواسط سبعينيات القرن الماضي، بكل ما نجم عنها من أزمات مالية، وبالتالي اقتصادية، عالمية، كان آخرها تلك الأزمة التي ما انفكت شعوب العالم تعيش تداعياتها منذ العام 2008، مع ما ترتب على هذه الأزمات الدورية من ويلات وحروب وتدمير، فضلاً عن تعظيم معدلات الفقر والجوع والبطالة والجهل والأمية وانعدام السكن والماء الصالحة للشرب و...الخ
قصارى القول: بمعزل عن تنوع ذرائع، وأطراف، الزج بالفلسطينيين في أتون الصراعات العربية الداخلية، فقد ثبت أن كل توريط لهم في هذه الصراعات كان مقدمة لهجوم لاحق على قضيتهم، ومؤشراً على تبعية مَن قام بهذا التوريط للولايات المتحدة، ورضوخه لإرادة سياستها، الداعمة، على بياض، وعلى طول الخط، وبلا حدود، لإسرائيل، ومخططاتها الرامية لتصفية القضية الفلسطينية، وحرفِ بوصلة النضال الوطني الفلسطيني، وتوظيفه في حسابات مصالح أطراف عربية وإقليمية ودولية، ما يضرب قاعدة فلسطينية ذهبية، فحواها: القضية الفلسطينية يجب أن تُوظِّف لا أن توظَّف، ما يفرض على كل سياسي فلسطيني، فرداً كان أو تنظيماً أو جماعة، عدم المساهمة، بوعي أو بجهالة، في تسهيل طريق توريط الفلسطينيين في الصراعات العربية الداخلية ورمالها المتحركة التي لن تنتهي، وآخرها، وربما أخطرها، محاولة توريطهم في الصراع الجهنمي الدائر في سورية وعليها.
مغزى الدعم الجزائري
بقلم: عدلي صادق عن الحياة الجديدة
تظل الجزائر سبّاقة الى العطاء في أوقات المحنة، وتقرأ من مغرب العالم العربي، مغزى السياسات ووجهة المقاصد في المشرق. هي الآن تعرف، أن الأميركيين وبإيعاز إسرائيلي، يقفون وراء منع الدعم العربي لفلسطين، لذلك قدمت حصتها المقررة من الدعم في موعدها، وفق قرارات عربية مرت عليها سنوات. لم تتخلف الجزائر عن التزامها، بينما معظم إخواننا العرب، يتخلفون الآن عن الوفاء بوعود تجسدت في قرارات حديثة لم يجف حبر توقيعاتهم عليها!
لقد كان من بين أفدح أخطائنا، خلال السنوات العشر الماضية، أننا لم نعمل بما فيه الكفاية لاستعادة زخم العلاقة الفلسطينية الجزائرية، لا سيما وأن الخيارات السياسية لم تكن هي المشكلة. فالجزائريون واقعيون، ويعرفون حقائق الإقليم والعالم. كان سبب الفتور يتعلق بتقديرات جزائرية مُحقة، لخُطى السياسة الفلسطينية التي ركزت بالكامل على الضالعين في العملية السلمية أو المنضوين في الأطر الراعية لها، وتناست دور الجزائر والمثابرة عليه، باعتبار أن الجزائريين هم السند الأقوى تاريخياً، وهم المنزّهون عن المآرب اللئيمة، ويضطلعون بنظام سياسي وارث لحركة تحرر منتصرة، راسخة الوفاء لفلسطين. وقد تداخلت ثورتا الجزائر وفلسطين قبل استقلال الجزائر وبعده. تلازمت المناسبات والتقاطعات وكانت محطة انتصار جزائرية محطة مناسبة فلسطينية بامتياز. بل إن انتصار ثورة الجزائر، كان وظل يعني ـ فيما يعنيه وهو كثير ـ أن بلداً شقيقاً شاسعاً بات حضناً دافئاً لكفاح الفلسطينيين، ومنارة هدى، وبرج مراقبة يصحح الاحداثيات، وبيتاً يوحد ويجمع، ولا يفرق ويشتت. بيتٌ يأوي اليه المتخاصمون والمتوافقون ولا يختلفون عليه!
كان أبو عمار، الشهيد الرمز، يتفاءل بالجزائر، ولا يغيب عنها. وليس أدل على أن السياسة لم تكن سبب الفتور في السنوات العشر الماضية، من كون زيارات "الختيار" الى الجزائر تكثفت بعد "أوسلو". ولما حدث نقل وحداتنا العسكرية الفلسطينية من الجزائر الى الوطن، عندما بدأت تطبيقات اتفاق إعلان المبادىء بـ "غزة وأريحا" كان قادة الأسراب، من القوات الجوية الجزائرية، هم الذين منحتهم قيادتهم العسكرية، شرف حمل الجنود والضباط الفلسطينيين بطائرات النقل العسكرية الى مدرج الهبوط في قرية "الجورة" قرب رفح. ودخلت القوة الفلسطينية الى غزة بأعلام فلسطين والجزائر.
أبو عمار الحبيب الراحل، كان شغوفاً بالجزائر. فإن لم تكن في نفسه حاجة مباشرة لديها، لا يتردد في توظيف طيف الجزائر ومكانتها لصالح الحركة الديبلوماسية الفلسطينية، فيزورها دونما سبب مباشر. ففي إحدى زيارات "الختيار" الخاطفة، اجتمع مع علي كافي رئيس مجلس الرئاسة آنذاك، بحضور أحد كبار ضباط القيادة العسكرية. وفي اللقاء الرسمي، لم يقل "أبو عمار" شيئاً سوى الحديث الشخصي وبعض لقطات من الذكريات. كان الفحوى السياسي للاجتماع أقل بكثير من فحوى المؤتمر الصحفي بعده. ولما عاد موكب "الختيار" الى إقامة "جنان الميثاق" همس لي وزير الخارجية آنذاك (محمد صالح دمبري) بأن الرئيس علي كافي، أرسله لكي يعرف ما الذي كان يريده الأخ "أبو عمار" من الزيارة وقد تحرّج من الحديث فيه بوجود آخرين؟ ذهبت أسأل "الختيار" في غرفة استراحته، فقال لي وهو يقلّب محطات التلفزيون: أبداً، أنا أتفاءل بالجزائر، وهذا هو سبب الزيارة. قل للوزير أي شيء"!
عرضت على زعيمنا صيغة الإجابة التي سأبلغها لوزير الخارجية: إن الرئيس أبو عمار، جاء ليؤكد دعمه للجزائر في معركتها مع الإرهاب الأعمى والمشبوه، وليكون واضحاً للعالم، بأن الجزائر قوية وآمنة وتستقبل زوارها بأريحية، وأنها ستنتصر في كل التحديات"!
لكن المعنى السياسي، لما قاله "الختيار" هو أن الحركة في اتجاه الجزائر، تمثل ـ بحد ذاتها ـ عنصر ثقل استراتيجي للديبلوماسية الفلسطينية. فها هو الرئيس عرفات، اليوم، في الجزائر، وما على المفسرين، رديئهم وجيّدهم، إلا أن يتستبطن الأسباب!
* * *
تزامنت بهجة الانجاز السياسي في الأمم المتحدة، مع مفاعيل الجفاء الذي يُراد منه التركيع واحباط مسعى الاستفادة من وضعية الدولة. فأميركا التي تعرف بأن المحتلين مجرمون، تريد أن تستبق الجريمة بتدبير يمنع مساءلة المجرم عندما يقترف جريمته، وبالتالي تطلب تعهدنا بعدم الانضمام الى "اتفاقية روما" ومحكمة الجنايات الدولية. منتهى الوقاحة والظلم. ومن منطلق هكذا وقاحة وظلم، أوعزت لكل ذوي العورات في العالم العربي، بأن يجافوا فلسطين، وإن لم يرضخوا فإن عوراتهم ستنكشف في صورة ثورات وانتفاضات ومواد إعلامية متلفزة، تتلطى برب العالمين وبالمقاومة وبالأمنيات القصوى!
ليكن من بين تمنيات ونوايا العام الجديد، أن نرسم ـ ومن ثم نتبنى ـ استراتيجية جديدة للعمل السياسي، تفرز الحلفاء الراسخين عن الحلفاء الموسميين، وتحرص على تعيين الفارق، بين المتضامنين لأسباب وأهداف شتى، والمتضامنين إنصافاً لتاريخهم وتاريخنا وللحقيقة ولأواصر الأخوّة والعمل الكفاحي المشترك. إن هكذا استراتيجية، تستوجب بناء المؤسسات. وأولها الديبلوماسية الفلسطينية التي ظلت في حاجة الى بناء جديد وكامل لوزارة الخارجية. ففي مرحلة الدولة، يفتش المعنيون ببسط سيادة دولتهم على أرضها؛ عن الشركاء الاستراتيجيين. وفي هذا الإطار، يجري تصويب الوجهة، ومن ثم الالتقاء بحرارة مع الجزائر وسواها، من الراسخين في الوفاء!
فتح... من عام 48 الى العام الـ 48
بقلم: موفق مطر عن الحياة الجديدة
تدفع الآلام الشعب للانطلاق الى الحرية.. وبانطلاق الثورة المنظمة، والفكرة القوية، كانت فتح... شعب الثورة، والدولة التاريخية فلسطين أنجب فتح، شعب الكفاح والمقاومة والنضال والبناء، أنجب القيادات المبدعة... حامي القدس وجذور شجرة الانسان في الأرض المقدسة أوجد فتح، ليؤكد هويته الانسانية العربية الفلسطينية.. ليثبت وجوده.
ابهرت حركة التحرر الوطنية الفلسطينية شعوب العالم، بالثائر الفدائي، المناضل الواعي، بالايمان بزمان الأرض ومكانها، فوطن الفلسطينيين حقيقة، أما القضية فعادلة، فكانت ثورة المهندس، الطبيب، المفكر،المرأة، الأديب المبدع، العامل، الفلاح، الطالب، الشبل والزهرة، فصارت الفتح ثورة شعبية، وصارت ثورة الشعب الفلسطيني فتحا مبينا.
انحنى زعماء ثورات عالمية، لعظمة فكرة الثورة الفلسطينية المعاصرة، زعماء الصين والجزائر وفيتنام، في آسيا واميركا اللاتينية وافريقيا، قالوا عنها بكل لغات الأجناس والأعراق، حتى صارت حركة الشعب الفلسطيني رمزا لحركات التحرر، ومركز استقطاب الأحرار والتقدميين في العالم. شرف انساني تاريخي ناله مناضلو الحركة وقادتها بفضل التزامهم بسلوكيات وقانون أخلاق المناضل الوطني العالمي الثائر.
صقلت فتح الهوية الوطنية الفلسطينية , ولمعت متحدية ظلام المشروع الاحتلالي الاستيطاني فأثبتت وجود شعب كادت المؤامرة وبرامج القتل والمجازر الممنهجة والارهاب المنظم (الاستعمارية العالمية الصهيونية) تعصف بمعالم هويته وكيانه، وحصرها بصورة لاجئ هارب من جحيم الموت... فكانت فتح الفكرة المستمدة من تاريخ العلاقة بين السماء والأرض، ومن تضاريس جغرافيا الوطن اليوم والى الأبد، من كتاب الحرية المدون في عقل وقلب كل انسان على هذه البسيطة، كانت فتح الثورة منذ ثمانية واربعين عاما، لترسم خطوط العودة الى الوطن،الى فلسطين التي كانت قد بدأت فيها عام 1948 أفظع جريمة في تاريخ الانسانية، فرسمت فتح الشعب والفدائيين، بحبر القانون والمواثيق والشرائع الدولية حق الكفاح والمقاومة والانطلاق في مسيرة الحرية والاستقلال، فكانت فتح فلسطينية الوجه، عربية القلب، انسانية وعالمية الأبعاد.
حققت أم المشروع الوطني انتصارات ميدانية وسياسية على مدى 47 عاما من عمر الثورة، ثبتت على المبادئ، وخطت اسطورة صمود، فحق العودة في فتح مقدس، فكانت عظمة قائد الثورة وزعيم الشعب الفلسطيني ياسر عرفات ( ابو عمار ) من عظمة الشعب الذي كان نبع فتح، مدها برجال ونساء قدموا دروسا لمعاني الوفاء لمبادئ وأهداف الثورة، للشهداء والأسرى والصامدين والصابرين، فالانجازات التاريخية لأي شعب تعني انه قد قدم للعالم والانسانية قيادات نوعية، فكانت فتح التي وضعت قوانين جديدة للصراع، حتى أصبح الشعب المنسي، طرفا في المعادلة، ورقما صعبا، وحاضرا على طاولة رسامي الخارطة العالمية... فصار لفلسطين صفة دولة، تضمن بالقانون الحضاري المعاصر الحريات، والحقوق الانسانية والمساواة والعدالة والكرامة والقانون.
كانت فتح وما تزال ضمانة للحقوق التاريخية الثابتة والمشروعة لشعب فلسطين في أرضه ووطنه فلسطين..لتحقق للاجئين هدف العودة الى ديارهم وبيوتهم، فهذا الحق مقدس.
كانت فتح لتحمي هوية القدس الفلسطينية العربية الانسانية والروحية. تصون عروبتها، تحمي رموز الصلة بين السماء والناس والمؤمنين على الأرض، تحمي المقدسات المسيحية والاسلامية. فالقدس مفتاح السلام في المنطقة والعالم.
راهنت فتح على شعب لاحدود لعطائه وتضحياته من اجل فلسطين الوطن والهوية والحرية، وما زالت تراهن على قدرات قواه المنظمة وابداعاته الخلاقة، فالشعب الفلسطيني والأمة العربية عمقها الاستراتيجي، بدأت بقواعد، واليوم ترفع ركائز بناء مؤسسات الدولة، تنهض رافعة لواء المصالح العليا للشعب الفلسطيني.
لو شاء باحث ادراك سر العمر المتجدد لفتح، فعليه ان يقرأ تخطيط دماغها وقلبها، فانه سيكتشف حتما أن فتح حركة فريدة جمعت في كيانها تضاريس فلسطين، وشعب فلسطين وآمال أمة، ومقدسات فلسطين الانسانية.
حركة فتح تغتسل مجددا
بقلم: بكر ابو بكر عن الحياة الجديدة
عندما وقف أحمد داوود أوغلو وزير الخارجية التركي في الامم المتحدة الى جانب الرئيس أبو مازن شامخين، كان بذلك يرسم معالم للنظام الجديد الذي هو من صناعه الكبار في المنطقة، فهو اذ يقف وحيدا دون العرب ليتلقى التهاني بسطوع شمس دولة فلسطين, فانه يرسل ثلاث رسائل للعرب وللعالم.
الرسالة الأولى هي أن خط العملانية (البراغماتية) والاعتدال والوسطية في الفكر والسياسة والمجتمع هو الخط القابل للحياة في عالم اليوم المفتوح على الصعيد المكاني والزماني والفضائي (المعلواتصالي)، ويؤكد في رسالته الثانية ان بناء المؤسسات والتنظيمات والاقتصاد بما يلبي حاجات الناس والبلاد مكون رئيسي لمن يريد بناء بلده أو دولته، وليس الخطل والاختلاف «الرغائي» في البناءات الفكرانية (=الايديولوجية) المعيقة، ورسالته الثالثة تقول ان الانسان هو الجوهر وليس البناء التحتي، فهذا البناء التحتي على أهميته يجيء لخدمة الانسان بما لا يفعله الانهاك المنظم لفكره وارادته.
ومن هنا جاء التلاقي بين أبو مازن في دولته الصاعدة، دولتنا الصاعدة، والدولة التركية الصاعدة (استطاعت تركيا في 10 اعوام ان تسدد ديونها، وتقوم بتسليف البنك الدولي 5 مليارات) التي تخلصت من الانهاك والحيرة لزمن طويل.
اننا نرسم هذه الصورة لمناسبة انطلاقة الثورة الفلسطينية لنقول ان حركة فتح الفكرة جاءت وهي تحمل في طياتها 3 عناصر: فهي متغيرة، متجددة، منطلقة، اذ جاء التغيير من رفض عنيف للواقع الاحتلالي، وجاء التجدد بإطلاق ثورة بأساليب مختلفة اعتمدت الكفاح المسلح ثم الانتفاضات ثم عناق المقاومة الشعبية مع النضال السياسي في مراحل عدة ووفق قواعد رؤية معمقة للواقع المتغير ولآليات الأصوب أو الخيار الأمثل للتعامل معه.
وكان الانطلاق في حركة فتح ثالثا بمعنى ديمومة الحركة والفعل والنشاط، حيث اسقطت الحركة وما زالت الشعارات الكبيرة فارغة المضمون والفعل، وركزت وكرست وخصصت نضالها في البعد الوطني الفلسطيني ما لحقها به كافة ثورات الربيع العربي اليوم وإن أكدت ان القاطرة الفلسطينية لا تصل المحطة الاخيرة إلا في القطار العربي.
ان رسائل الانطلاقة الجديدة للثورة الفلسطينية وفتح، تصر على هذه التسمية «انطلاقة الثورة الفلسطينية» تأكيدا على رفض الحزبية الضيقة، فهي أي الانطلاقة لكل الثوار، وتأكيد على مضمون شعار الوحدة الوطنية الذي ميز هذه الحركة في تاريخها الطويل، والتي كان فيها الاختلاف مشاعا ومباحا ومسموحا على عكس التنظيمات الفكرانية التي تنبذ وتطرد وتهمش كليا من يخالفها فلا يجد له مكانا.
ان حركة فتح قد حسمت أمرها في اجتماع المجلس الثوري الأخير على تكريس الديمقراطية باطلاق الانتخابات الداخلية التي سيتلوها المؤتمر العام السابع صيف 2014 علّه يستجيب لمنطق المتغيرات الداخلية والاقليمية والعالمية الداهمة.
ان القدرة على التجدد، تدركه المقلة الواسعة التي ترى المتغيرات بعين فاحصة، فتقرأ الواقع بنظرة مختلفة تمازج بين الداخلي والإقليمي والقدرات والفرص ومكامن التأثير فتلقي بالبالي من الثياب ثم تغتسل لتلبس ثوبها الجديد.
حركة فتح لكل الشعب الفلسطيني
بقلم: سوسن نجيب عبد الحليم عن جريدة الصباح
في الأول من كانون الثاني/ يناير 1965، كانت نقطة بداية لثورة حرّكت ضمائر الأمة العربية عامة والشعب الفلسطيني خاصة . فحركة فتح انطلقت كفكرة ثم تحولت الى ثورة فكانت فكرة حيه في ضمائرنا لن تموت ولن تهزم وستظل نبراسا لجميع الأمم والحركات التحررية . انطلاقة حركة فتح هي انبعاث حقيقي للوطنية الفلسطينية والكفاح المسلح ، من خلال كوكبة من الشباب الفلسطيني . شاء القدر أن أولد في تلك السنوات وكانت صرخاتي الأولى وكأنها زغردة نصر لأول عملية فدائية قامت بها العاصفة التابعة لحركة فتح وهي تفجير شبكة مياه إسرائيلية ( عملية عيلبون ) . تحملنا عداء الأخ قبل العدو ولكن استمرت حركة فتح بعملها الكفاح المسلح والنضالي الى يومنا هذا وأخذت على عاتقها بان تكون حامية للمشروع الوطني .. ولدت فتح وولدت الكرامة معها ، ولد شموخ الوطن بعد سبعة عشر عاماً من النكبة .. تحملوا تشكيك واتهام وحصار وحجز ومطاردة من أخوتهم العرب يريدوا أن يوقفوا ثورة ، ولكنها ظلت مشتعلة بعزيمة رجالها المؤمنون بقضيتهم ، الحازمون على تحرير أرضهم . ومؤمنون أن الوحدة في أداء الثورة يتطلب وقفة جماهيرية شاملة ... وولاءً موحداً للوطن . فأصبحت حركة فتح رائدة وصاحبة مبادرة وفكرة خرجت بالحركة الوطنية الفلسطينية من هزيمة النكبة لتضعه في أعقاب شعب ثائر مقاتل رغم كل الظروف القاسية والصعبة التي واجهتها .
إن الصراع القائم بين الفلسطينيين والإسرائيليين قد تجلى في صراع بين الإراده العدوانية وإرادة النضال بكل أشكالها ( السلمية والمسلحة ). فرغم أن إرادة العدوان تملك طاحونة ضروسها قوية وقاطعه إلا أنها تلك الطاحونة تحاول مرات ومرات وبكل طاقتها أن تطحن إرادة نضال وصمود الشعب الفلسطيني ولغاية الآن فإن الإرادة الفلسطينية تبدو عصية على أن تَطحن ., وباتوا يعلمون جيدا وتيقنوا أكثر من ذي قبل بأن إرادة الشعب الفلسطيني وتفانيه بالدفاع عن وطنهم وعدم استسلامه حتى وان خسر المعركة وسيبقى الوطن مزروع في نفوس أطفال فلسطين وشعب فلسطين ..
وصمدت الثورة أمام الدبابات والطائرات والصواريخ فكان الفلسطينيى يدافع عن نفسه أمام معداتهم الثقيلة الدبابات والطائرات والصواريخ عابرة القارات ، كانوا يقاتلون العدو ببندقية كلاشنكوف واسلحة بدائية الصنع يؤمنون بأن الرصاصه تحرر وطناً وبمقاومتهم سوف يهزم هذا العدو بأبسط الإمكانيات . كنا اول ديمقراطية عربية منذ الانطلاقة في العام 65 حيث نؤمن بالتعددية السياسية والفكرية وكان ربيعنا الفلسطيني منذ انطلاقة الثورة الفلسطينية فقال عنها ابو عمار ( انها ديمقراطية غابة البنادق ) . وقال عرفات أيضا ( معا وسويا وجنبا الى جنب وكتف الى كتف الى القدس الى القدس ) وكان يقصد كل الفصائل والشخصيات الوطنية الفلسطينية باننا معا نحو اقامه الدولة والجميع شركاء بالنضال والانتصار
وعدنا للوطن لنكمل مسيرتنا من داخل الوطن بعد أن لاقينا ما لاقيناه من أخواننا العرب . فالفلسطيني تعود على تذوق الظلم منذ قرن , ولكنه ظل صابراً قوياً عنيداً , كلما زاد الظلم عليه ازداد عناده ورفضه للظالم , ولم يعرف العبودية مهما تفنن الظلمة بالتنكيل والتخويف والتجويع فلا بد في النهاية أن ينقضّ الشعب الصابر على الجلاد ومثل حالنا كالقط الذي إذا حشر في الزاوية صار نمرا لا يقف في وجهه أحد .
فتح منذ انطلاقتها كانت تؤمن بانها لكل الشعب الفلسطيني كحركة تحرر (حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح ) فهي حركة واقعية ، تؤمن بالوحدة والحوار والوصول الى هدف مشترك . عكس ما تدعيه بعض الأحزاب الأخرى ، ولا أعتقد أن الخلاف الفكري أو الأيدلوجي بين فتح وحماس هو الذي أوصلنا الى الإنقسام والشرذمة . وإنما المطامع الفئوية والحزبية هي التي أسهمت في شرخ الصف وإيصالنا الى ما نحن فيه . فبعد كل المصائب والنكبات التي وقعت على الشعب الفلسطيني نرى رموزه ومن يتكلمون بقضيته متخاصمون ويبدو أن أهدافهم لا ولن تلتقي . والمثل أمام أعيننا عند عدونا , فهم جميعا وقلوبهم شتى ..إلا أنهم متفقون على الدفاع عن معتقداتهم ومصالحهم المشتركة . أن الوحدة في أداء الثورة يتطلب شمولا جماهيريا... وولاءً موحداً. فحتى ننتقل من الشعارات والتخيلات والتصورات الى التنفيذ الواقعي لمصلحة القضية والشعب , فإنه يلزم بل واجب أن نخطو الخطوة الأولى من القاعده وأن لا ننتظر خيرا من قمة الهرم . فالقاعده الشعبية إذا مارست الحوار الهادف والجاد وخلصت النوايا فإن ذلك ينعكس على القمة ويلزم رموزها بالنزول الى مستوى القاعده والشارع الفلسطيني . فعندما نعرف كيف نتحاور ونخلص الى نتيجة في جلساتنا ونوادينا فإننا نستطيع أن نضع تصورا لحوار القاده والوصول الى نتيجة .
تعلمنا من حركة فتح أن من يريد الحرية يدفع ثمنها دماءا زكية ونفوساً أبية فلا ترهبه أعداد القتلى والجرحى وبالنهاية تلك الدماء وتلك الأرواح هي البذرة التي تنبت شجرة عملاقة جذرها راسخ في الأرض وفرعها يعانق السماء . وسوف تتحطم كل آمال العدو الصهيوني وغروره على صخرة صمود أهلنا في فلسطين . وتتجلى عظمه فتح في كونها اكثر وعيا والتزاما بمشاركة الجميع في مرحلة التحرر الوطني وكان شعار القائد خليل الوزير (ابو جهاد) كل البنادق تصوّب نحو العدو الصهيوني .. ولا للاقتتال الداخلي وان الدم الفلسطيني خط احمر .
فهنيئا للشعب الفلسطيني بحركة فتح التي منذ ثمانية واربعون عاما لم تسترح هذه الثورة لمدة عامين متتالين ، ورغم كل المحاولات والمؤامرات على مر التاريخ التي تعرضت لها من اطراف عديدة لم تستطع هزيمه فتح وبقيت فتح حامية المشروع الوطني الفلسطيني تحت رايات منظمه التحرير الفلسطينية .
عاشت الذكرى .. وعمت الوحدة على شعبنا .. والنصر حليف قضيتنا .. والحرية لأسرانا والمجد والخلود لشهدائنا الأبرار .. وانها لثورة حتى النصر...
الثورة الفلسطينية.. ثورة البقاء حتى الانتصار
بقلم: لؤي زهير المدهون عن وكالة معا
ثورة العمالقة ثورة البقاء حتى الانتصار، في مثل هذا اليوم الخالد يوم الأول من يناير1965 استطاع شعبنا أن يحقق واحداً من أبرز الانتصارات التي يزخر بها تاريخه الكفاحي الطويل، والذي تحيي ذكراه جماهير شعبنا في الوطن والشتات يوما وحدوياً شامخاً، فكل التحية إلى جماهير شعبنا وإلى كل مناضلي ورواد الثورة الفلسطينية الخالدة ثورة الأول من يناير الذي توج بها شعبنا كفاحه المسلح بمحاربته الاحتلال من اجل انتزاع استقلاله الوطني وما زال يناضل باسم ثورته لتحرير الأرض والإنسان من نير الاحتلال، وتقرير المصير.
إن هذا اليوم الذي يحتفي به شعبنا يمثل سمة بارزة من سمات الوحدة الفلسطينية الوثيقة، ويعكس في نفس الوقت الترابط الجدلي بين ثوراته ونضالاته ضد الغزاة والمحتلين وحلفائهم، وضد كل أصناف الظلم والعدوان، كما شكل هذا اليوم بداية جديدة وجدية للمسيرة الوحدوية الظافرة، والتي مكنت شعبنا من تحقيق هدفه الاستراتيجي العظيم بإحياء وإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية كمنظمة شاملة وواعدة متجاوزة كل أنواع الصعاب والمعوقات ومختلف المنعطفات والمخاطر التي واجهت قضيتنا الفلسطينية بأن أصبح الفلسطينيون أحرارا في ممارسة جميع الحقوق التي تمارسها الأمم المستقلة، وصار من حقوقها ومن واجبها أن يتولى أبناؤها بنفسهم شؤونهم السياسية والإدارية والمدنية، وأن يعملوا جاهدين على إنقاذ وطنهم وصيانة أبنائهم.
لقد عزز شعبنا انتصاره التاريخي بتفجير ثورة الأول من يناير 1965 الظافرة ليواجه الاحتلال الإسرائيلي ويجبره على الرحيل من الأرض الفلسطينية برغم ما كان يمتلكه من قوة وما امتلأت به ترسانته الاحتلالية من أسلحة تدميرية وعتاد عسكري إلا أن إباء الثوار وإصرارهم واستبسالهم كان الأقوى من كل تلك الأسلحة والعتاد حيث صنع شعبنا تحولاً تاريخياً هاماً بتحول قضيته من قضية لاجئ ومشرد إلى قضية وطنية باتت تحتل كل المحافل الدولية، ومن قضية حدود إلى قضية وجود في هذه المنطقة العربية الإستراتيجية التي عاد أمرها للإرادة المستقلة للشعب الفلسطيني واقترب كل أبناء الوطن أكثر من أي وقت مضى من وحدتهم المصيرية التي ظل الاحتلال عاملاً خطيراً يقف متآمراً مع الأنظمة الموالية له من أجل الحيلولة دون تحقيقها، وظل شعبنا يناضل في أجواء شائكة وفي ظل مؤامرات عدوانية شرسة أخذت تتواصل وتتداعى بدون كلل ضد شعبنا المكافح بهدف تمزيقه وإضعاف قدراته وإبقائه مشطراً يعاني من ويلات الانقسام والتشرذم ولكنه استطاع أن يتصدى بحزم وحسم لكل أشكال التآمر وأن يتجاوز كل المعوقات والصعاب والمحن .
إن الاعتراف بالدولة الفلسطينية بأغلبية أممية قد أفقد المتآمرين صوابهم، فعادوا يمارسون أحقاد تآمرهم من جديد ضد الشعب الفلسطيني ووحدته الخالدة، وإننا لعلى ثقة كبيرة بأن شعبنا الأبي المتمرس في كل معارك النضال الوطني الصاعد والمدرك بأن وجوده الحضاري لم يتحقق كاملاً إلا بالوحدة لسوف يفشل تلك المؤامرات، وليس أمام أعدائه إلا أن يتلقوا المزيد من دروس الخزي، فقد فجر شعبنا ثورة الأول من يناير الخالدة وتآمر عليها الأعداء وأفشل شعبنا تآمرهم وحقق انتصار الثورة بتوحد شعبنا وفصائله في إطار منظمة التحرير؛ مؤكدا في كل أطوار ثورته بأن كل أعمال التآمر العدوانية الحاقدة لا تزيده إلا صلابة وعناداً ثورياً وتقوي قدرته في التعامل المقتدر والحكيم مع أعدائه من المتآمرين ومن يقف وراءهم .
إن لإحياء ذكرى الثورة الفلسطينية في هذا العام معنى جليلاً وجميلاً في حياة شعبنا، لأنه يأتي بعد انتصارين عظيمين حققهما شعبنا الفلسطيني بانتصاره بصموده ووحدته على الهجمة الصهيونية الشرسة على قطاع غزة، وانتصار قيادته السياسية دبلوماسيا على حكومة الاحتلال باعتراف الجمعية العامة للأمم المتحدة بالدولة الفلسطينية ورفع مكانة فلسطين في الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى دولة مراقب؛ وما كان لهذين الانتصارين أن يتحققا لولا صدق الإرادة وإخلاص العمل وترجمة إرادة الشعب، والوفاء لتضحيات الشهداء الأبرار الذين قدموا أرواحهم رخيصة من أجل أن تنتصر الثورة ويتحقق للوطن التحرر والوحدة. لقد قدم شعبنا من أجل ذلك تضحيات جسيمة لا تقدر بثمن وليس لها مثال في التاريخ في معارك مواجهة الاحتلال وعبر مسيرة النضالية التي تتسم بخصائص متميزة عن كافة الحركات الوطنية في خضم المد القومي العربي، فواجهت قيادته أشرس ما يمكن أن تواجهه إرادة الحرية والكرامة، فكان الاعتراف بالدولة الفلسطينية ورفع مكانة فلسطين في الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى دولة مراقب بمثابة انطلاقة جديدة للثورة الفلسطينية؛ مقدماً صورة وطنية نضالية مشرقة في الانتصار لإرادته في الحياة الحرة الكريمة وفي تحقيق السيادة الوطنية المستقلة وامتلاك خيار البناء الحضاري اعتماداً على الذات وعلى أسس من الممارسات الديمقراطية السليمة.
إن الثورة الفلسطينية أصبحت اليوم أقوى ما تكون صلابة في الواقع وأفضل ما تكون عطاءً في حياة الشعب حاضراً ومستقبلاً في ممارسة الشعب لدوره القومي والإسلامي والدولي في حالة تاريخية تعتبر تطوراً عظيماً في حياة شعبنا وأمتنا العربية تتجلى عبرها إرادة الاستقلال والانتصار على كل أشكال التبعية . عبر الزمن واجه شعبنا الفلسطيني أصنافاً من العداوات والمؤامرات التي لم تزده إلا إصراراً وعناداً على طريق تحقيق كل أهداف الثورة في الحرية والوحدة مقدماً التضحيات الجسيمة في سبيل القضاء على شبح الانقسام والتشرذم الرهيب وتجسيد الدولة الفلسطينية فلكل شهداء الثورة الفلسطينية تحية إجلال وإكبار، ولهم نجدد العهد بالمضي على درب النضال من أجل فلسطين العدل والحب والسلام، مؤكدين أن الوفاء للشهداء والعرفان لتضحياتهم الجسيمة يتجسد فيما يصنعه كل أبناء شعبنا من انتصارات متتالية على طريق بناء المجتمع الجديد الذي به تتعزز قدرته في الدفاع عن سيادته وحماية كل المكاسب والإنجازات والحفاظ على دولتنا الفلسطينية ومؤسساتها ومقدراتها من كل الأخطار المحدقة، والمحاولات العدوانية التي تستهدفها ومنظمة التحرير وثورتنا الفلسطينية .
في انتظار «الربيـع» الحقيقي: تفـتـيـت الأوطـان والقضيـة
بقلم: طلال سلمان عن وكالة سما
تعوّدنا مع نهاية كل عام أن نتجمّع في السهرة الأخيرة، نتبادل التمنيات والقبلات مع انتصاف الليل، ثم نذهب إلى النوم لنحلم أن نستفيق صباحاً فنجد أنفسنا في عالم مختلف، ترفرف على أرجائه رايات الأمان والرخاء، وكأن الفجر الجديد سيطوي كل ما كان يكدر صفو حياتنا حاملاً على أجنحة ضيائه الخير والسعادة والسلام، لنا في هذا الوطن الصغير، وللأهل من حولنا وللناس عموماً في مختلف أرجاء الأرض.
لم يحدث مرة أن تحققت الأحلام... لكننا ما زلنا نتمسك بحقنا في أن نحلم، خصوصاً أن أيامنا صارت مسلسلاً لا يكاد ينتهي من المآسي والكوارث، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، وطنياً وقومياً، مما يهدد غدنا بالضياع، بل وينذر بتفكك أوطاننا واندثار دولها التي يبدو وكأن «العمر الافتراضي» لها قد انتهى، وأن كياناتها السياسية موضع مراجعة وإعادة نظر!
نبدأ بلبنان. كنا نفترض أن الحرب الأهلية ـ العربية ـ الدولية التي تفجّرت فيه قبل ثمان وثلاثين سنة قد انتهت إلى غير رجعة، وأن شعبه قد استعاد وحدته وأن دولته قد استعادت موقعها المركزي كحامل لنهوضه بعد التجربة المرة في الانقسام والتقاسم والتقسيم.
لكن الواقع القائم يفرض علينا أن نعترف، صاغرين، أن لبنان قد فقد وحدته، وأن «دولاً» و«دويلات» عدة قد قامت أو أقيمت ـ لا فرق ـ على أرضه الضيقة، وأن مختلف المؤسسات الجامعة قد انهارت فعلاً، أو هي في طريق الانهيار، لتحل محلها أشكال من «الفيدراليات» التي تكرّس الانقسام وتقننه.
إن لبنان الحالي مجموعة من الكانتونات المنفصلة ـ المتصلة، لا هي صارت كيانات مستقلة، ولا هي بقيت محافظات في كيان سياسي واحد له دولته المركزية ومؤسساتها التشريعية والتنفيذية الموحدة والموحِّدة.
لقد توقف رصاص الحرب الأهلية، لكن الشعب فقد وحدته، وصار انقسامه أمراً واقعاً على الأرض، فالجهات الجغرافية كيانات هي أقل من «دول» ولكنها ليست موحدة تماماً في دولة واحدة.
الشمال ثلاث أو أربع جهات، البقاع كذلك، الجبل جبلان مع بعض الملحقات، الجنوب ثلاثة أو أربعة كيانات، وبيروت التي كانت منقسمة بين شرقية وغربية حوّلتها «السوليدير» مع مشتقاتها إلى مجموعة من الكانتونات بعضها «بحري» ومعظمها «جبلي» وخطوط الفصل طائفية ـ مذهبية وإن تجلببت بالشعار السياسي.
ليس «للشعوب» اللبنانية من رابط يجمعها إلا مصرف لبنان المركزي، الذي بات يلخص «الدولة»، خصوصاً أن «الليرة قد باتت عملة ثانوية خارج الاستعمال الفعلي حتى في مصروف البيت..».
... وها هي سوريا يتهددها «مستقبل لبناني»، فقد خسرت «الدولة» سيطرتها على مناطق عديدة، وتحولت المعارضة السياسية إلى أنواع من حروب العصابات تتوزع في جهاتها المتباعدة تحت رايات متباينة، وإن غلب على كثير منها شعارات إسلامية أبرزها يخص «القاعدة»، ومع عجز النظام الذي طالما اتسم بالصلابة الحديدية عن استعادة المناطق التي خرجت عن سيطرته واندفعت إلى قتاله بشراسة غير مسبوقة، فقد تجاوزت التقديرات لمستقبل سوريا «اللبننة» إلى «الصوملة» على حد ما أنذر به الأخضر الإبراهيمي في مؤتمره الصحافي يوم أمس في مقر الجامعة العربية في القاهرة.
لقد عجز النظام الذي يحكم سوريا منذ أكثر من أربعة عقود عن «فهم» ظاهرة الاعتراض التي سرعان ما حوّلها تردده وخوفه من مواجهة الخطأ بالحسم المطلوب إلى معارضة شعبية واسعة، ثم إلى نوع من «الحرب» بالسلاح... وسارع خصوم النظام من «حلفائه» السابقين إلى دعم معارضيه بأسباب المواجهة، مالاً وتسليحاً وحماية سياسية، وهكذا «تشلّعت» سوريا مزقاً، وارتفعت النبرة الطائفية والمذهبية ومعها التطلعات الجهوية إلى نوع من «الاستقلال الذاتي»، فإذا سوريا مهددة في وحدتها الوطنية، فضلاً عن دولتها المركزية، وإذا الشعب الذي كان مضرب المثل في منعة وطنيته يتوزع أشتاتاً مقتتلة تحت شعارات طائفية فجة.
... وها هو العراق الذي تركه حكم الطغيان كياناً مفككاً، ثم جاء الاحتلال الأميركي ليكمل تدمير دولته المركزية، بينما جنوبه محطم بالاضطهاد ونتائج الحرب الطويلة على إيران، يطلب تعويضه عن دهر اضطهاده الطويل، وغربه يعيش أسير عقدة التمييز، وعاصمته مدمرة القلب، ثروته منهوبة، وحكمه الاتحادي يفتقر إلى الحد الأدنى من وحدة التوجه ووحدة القرار، وملايين الأرامل والأيتام لا يجدون من ييسر لهم أمر المعاش.
ها هو العراق مهدد بالتفتيت كيانات طائفية ومذهبية وعرقية ولا أمل، في هذه اللحظة، بدولة مركزية تعيد إلى أرض السواد وحدتها مع أن مصادر قوتها موجودة وإن توزعتها الإدارة الفاسدة مع شيوخ العشائر فضلاً عن ابتزاز الانفصاليين الذين يجدون من يدعمهم في تدمير وحدة العراق وكيانه السياسي.
... وها هي اليمن تنحدر سريعاً نحو مخاطر التفكك، بما يطمئن «جيرانها» من الأخوة الأعداء في الخليج التي تفقد إماراته هويتها القومية وترتاح بحماية الأساطيل الأميركية، بذريعة الخوف من الاجتياح الإيراني، دافعاً إلى طمس الانحراف السياسي بالتهييج المذهبي.
... وليبيا تعود، بعد الثورة التي حماها الأطلسي، إلى ثلاثيتها الجغرافية ـ السياسية: برقة وطرابلس وفزان، و«الوحدة» شعار ولا دولة لها.
... وتونس تستعيد عصبياتها الجهوية وهي ترفض إعادتها ـ سياسياً واجتماعياً ـ قروناً إلى الوراء تحت الشعار الديني، وهي التي كل شعبها من المسلمين بالمذهب المالكي.
أما مصر فإنها ما تزال في المخاض: تقاوم سيطرة «الإسلاميين» على الحكم فيها، وهم الذين سارعوا إلى الالتحاق بالثورة، بعد انهيار نظام الطغيان، وقد ظلوا على تواصلهم معه حتى اللحظة الأخيرة.
وحدها فلسطين تسقط، تدريجياً، من الذاكرة الرسمية العربية.. وإن كانت الوفود تتزاحم على رام الله لتهنئة «الرئيس» على أنه قد حاز عضوية بلا مقعد في المؤسسة البلا قرار: الجمعية العامة للأمم المتحدة، في حين أن شعب فلسطين جميعاً مهدد بالموت جوعاً، في ظل شتاته، سواء في الداخل أو في داخل الداخل فضلاً عن الخارج.
آسف إن كنت قد أثقلت بوقائع هذا الحاضر العربي عشية ميلاد السنة الجديدة. لكنها الحقيقة التي لا بد من مواجهتها، إن كنا نريد الخروج من دهر الطغيان إلى أفق الحرية والغد الأفضل.
لقد حضرت الشعوب أخيراً إلى ساحة تقرير مصيرها.
وسيكون عليها أن تواجه المخلفات الثقيلة لماضي الطغيان، من غير أن تتوقع عوناً من «الخارج». فالخارج يعيش أسعد أيامه مع هذا الواقع العربي الذي أطلق عليه تسمية «الربيع العربي» إيهاماً لنا بأن الربيع قد وصل، في حين أنه ما زال بعيداً ينتظر أن نتقدم نحوه لا أن نقتتل عليه فنقتله ونخسر مع الدول الأوطان والحق في الغد الأفضل.
المركز القانوني للفرد في القانون الدولي
بقلم: حنا عيسى عن وكالة PNN
العلاقة بين القانون الدولي العام والجنسية:- تبدو هذه العلاقة واضحة اذا ادركنا المشاكل التي تنشأ بالضرورة عن اختلاف قوانين الجنسية والاسس التي تأخذ بها هذه القوانين تحديد مواطنيها, وما قد يترتب على ذلك من انعدام الجنسية Statelessness ولقد بذلت الجهود سواء على المستوى الاقليمي او العالمي للتقليل من آثار مشكلة تعدد الجنسية, من امثلة ذلك الاتفاقية التي أقرتها الجمعية العامة للامم المتحدة عام 1975, والتي بدأت في السريان عام 1958 بخصوص جنسية المرأة المتزوجة, وقد وصل عدد الدول الملتزمة بهذه الاتفاقية 43 دولة في اول ابريل سنة 1971.
ومن ذلك ايضاً ان لجنة القانون الدولي قد اهتمت بمشكلة انعدام الجنسية منذ عام 1949, وقد تزايد هذا الاهتمام بناء على طلب المجلس الاقتصادي والاجتماعي عام 1951 من اللجنة وضع مشروع اتفاقية للقضاء على ظاهرة انعدام الجنسية, حيث توصلت اللجنة الى وضع مشروعي اتفاقيتين تعالجان هذه المشكلة, ثم قررت الجمعية العامة عقد مؤتمر الامم المتحدة في عام 1959 لدراسة هاتين الاتفاقيتين على ضوء ملاحظات الدول عليهما ولكن المؤتمر لم يتمكن من جمع كلمة الدول على حل موحد للقضاء على المشكلة, ولذلك قرر عقد دورة ثانية في عام 1961, حيث تم التوصل الى مشروع اتفاقية, يهمنا هنا ان نشير الى المادة الثامنة منها التي تقرر ان اي من الدول الاطراف سوف لا تحرم اي شخص من جنسيته اذا ادى هذا الحرمان الى انعدام جنسيته, ويستثنى من ذلك حالات الحصول على جنسية الدولة بناء على بيانات كاذبة او الغش, وحالة الاقامة بالخارج لمدة طويلة, وحالة سلوك الفرد الذي يتنافى مع الالتزام بالولاء للدولة التي يحمل جنسيتها. ونشير كذلك الى ان المجلس الاقتصادي والاجتماعي قد عقد مؤتمراً عام 1954 انتهى بالموافقة بدأت في السريان منذ عام 1960 كمحاولة لتحسين المركز القانوني لعديمي الجنسية.
1. الابعاد Extradition:- كام من رأى لجنة القانون الدولي عدم التعرض لهذه المشكلة نظراً لان حلولها تعتمد على التشابه في الظروف السياسية بين الدول التي تثور بينها هذه المشكلة, ومن ثم فان المعاهدات الثنائية او الاقليمية تكون اجدى في معالجة هذه المشكلة من المعاهدات الجماعية, كما يستفاد ذلك من سلوك الدول الامريكية ودول مجلس اوروبا.
2. حق اللجوء: وهذا الاصطلاح يعني اللجوء الاقليمي واللجوء الدبلوماسي معاً. وقد تعرضت اجهزة الامم المتحدة لدراسة اللجوء الاقليمي في مناسبات عديدة منها المادة 14 من الاعلان العالمي لحقوق الانسان – والاعلان المتعلق باللجوء الاقليمي الذي اقرته الجمعية العامة في 14 ديسمير سنة 1967.
اما عن اللجوء السياسي او الدبلوماسي فانه يرجع الى الاعراف والاتفاقيات التي سادت دول امريكا اللاتينية, وقد أثير الموضوع امام محكمة العدل الدولية عام 1950, كما كان محلا للتقنين على المستوى الاقليمي بين الدول الامريكية في عدة اتفاقات عام 1928, 1933, 1954.
3. حقوق الانسان: بدأ الاهتمام بهذا الموضوع بالاشارات الصريحة في مقدمة ونصوص ميثاق الامم المتحدة, وتلا ذلك اهتمام المجلس الاقتصادي والاجتماعي وهو الاهتمام الذي تبلور عملا في انشاء لجنة حقوق الانسان عام 1946.
وقد ساهمت هذه اللجنة في وضع عديد من الاتفاقيات الدولية التي تعد الان العناصر الاساسية التي يتكون منها القانون الدولي الانساني كفرع من الفروع الحديثة للقانون الدولي.
وهذا الفرع يرجع اساساً في نشأته وتطوره الى العديد من الوثائق الدولية ومن بينها نشير الى الاعلان العالمي لحقوق الانسان الذي اقرته الجمعية العامة في 10 ديسمبر سنة 1948, وثلاث اتفاقيات هامة هي الاتفاقية الدولية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية, والاتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية, والبروتوكول الاختياري, وهذه الوثائق الثلاثة اقرتها الجمعية العامة سنة 1966, والاتفاقية التي أقرتها الجمعية العامة سنة 1965 بخصوص القضاء على سائر اشكال التفرقة العنصرية, وبجانب الاتفاقيات الجماعية التي أشرنا الى امثلة لها يجب عدم اغفال اهمية الاتفاقيات والتوصيات التي اصدرتها طائفة من المنظمات المتخصصة مثل منظة العمل الدولية, واليونسكو وغيرها. كذلك تجدر الاشارة الى الجهود التي بذلت على المستوى الاقليمي والتي تعد الاتفاقية الاوروبية لحقوق الانسان من انجحها.


رد مع اقتباس