اقلام واراء محلي 286
في هــــذا الملف:
النفير الفتحاوي في غزة
بقلم: د. سفيان ابو زايدة – وكالة معا
مأساة الفلسطينيين في سورية ومركزية حق العودة
بقلم: رمزي بارود – جريدة القدس
حالنا... بصراحة
بقلم: نبيل عمرو - جريدة القدس
نابلس؛ تماس كهربائي؟
بقلم: حسن البطل – جريدة الايام
مهرجان الغد: برقيات وحقائق
بقلم: عدلي صادق – جريدة الحياة
تدليع القهر ..باء
بقلم: حافظ البرغوثي – جريدة الحياة
النفير الفتحاوي في غزة
بقلم: د. سفيان ابو زايدة – وكالة معا
ما يحدث في غزة هذه الايام لا يمكن ان يصدقه العقل او يتوقعه اكثر الخبراء في علم تنظيم المهرجانات و الاحتفالات. حالة من الهيجان الفتحاوي انطلقت دون ان تستأذن احد بمجرد ان تم الاتفاق على اقامة مهرجان الانطلاقة على ارض السرايا في منتصف مدينة غزة، حيث تم الاتفاق على ادق التفاصيل المتعلقة بالاحتفال و ذلك لتجنب وقوع اشكالات تعكر الاجواء، سيما في كل ما يتعلق بالجانب الامني و النظام العام .
الخطوة الاولى في احياء الذكرى كانت في ايقاد الشعلة التي تشرف الدكتور زكريا الاغا عضو اللجنة المركزية لحركة فتح و عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير اشعالها بحضور القيادات الفتحاوية و الوطنية و عشرات الالاف من ابناء فتح و ابناء الشعب الفلسطيني الذين انتظروا هذه اللحظة سنوات و الذين في غالبيتهم العظمى توافدوا للمكان بشكل عفوي حيث وخلال فترة قصيرة تجمع عشرات الالاف في المكان يهتفون لفتح و لفلسطين و للوحدة الوطنية، هتفوا لانهاء الانقسام و هتفوا لوحدة فتح و ضرورة توحيد صفوفها و فكفكة ازماتها.
كان هناك الالاف من ابناء الشعب الفلسطيني الذين جاءوا بدوافع مختلفة. هناك من جاء ليقول ان وجود فتح قوية موحدة و متماسكة هو ضرورة وطنية مُلحة للحفاظ على توازن الجسد الفلسطيني، و هناك من جاء للمشاركة بهذا الاحتفال باعتباره اكبر المؤشرات بأن مرحلة جديدة من العلاقات بين ابناء الشعب الفلسطيني قد بدأت تتبلور و ان لاعودة الى الوراء بأي حال من الاحوال، ارادوا ان يقولوا لفتح و لحماس ان التقدم ببطئ مسموح و لكن الدوران في نفس المكان او التراجع الى الخلف هو جريمة وطنية.
الاحاديث في الشارع كثيرة ، و القراءات لما يحدث متعددة. ما اراه بأم عيني هو التالي:
اولا: بغض النظر عن الجدل و الاحباط الذي ساد و الذي لم يعد يذكره احد قبل ان تعطي حركة حماس موافقتها على اقامة المهرجان لاول مرة منذ ستة سنوات، و التي سبقها السماح لحركة حماس اقامة مهرجاناتها في الضفة بكل حرية، الجميع ينظر لهذه الخطوة على انها الاكثر جدية على طريق انهاء الانقسام. المهمة ليست صعبة و العقبات كثيرة و التحديات اكثر و لكن ايضا ارادة الشعب الفلسطيني و هذا الجيش من الوطنيين من كلا التنظيمين قادر على تذليل هذه العقبات. الناس في غزة عمليا لا تحتفل بالانطلاقة فقط بل هي تحتفل بما تعتقد انه أنهاء للانقسام، تحتفل بما تعتقد انها بداية المرحلة الجديدة من العلاقة بين القوى الفلسطينية ، خاصة حركتي فتح و حماس. هؤلاء يجب ان لا يخيب املهم.
ثانيا: على مدار اليومين الماضيين تشهد شوارع قطاع غزة المئات من السيارات التي تجوب الشوارع وهي مزينة بالاعلام الصفراء و الاعلام الفلسطينية، وهناك تجمعات في المناطق المختلفة يتم تنظيمها بمبادرات محلية من قبل ابناء حركة فتح ، حيث اضافة لما توفره الحركة من امكانيات، هناك جزء كبير من تغطية هذه النشاطات تم توفيره بجهود فردية. شبان صغار و من مصروفهم البسيط اتفقوا مع بعضهم البعض و اشتروا اعلام و رايات و استأجروا سيارات لتجوب بهم في شوارع غزة وهم يهتفون لفتح و لفلسطين و للوحدة الوطنية.
حركة حماس التي لم تكن تتوقع هذا الحجم من الحراك الفتحاوي تعاملت معهم بكل الاحترام و اجهزتها الامنية ، خاصة جهاز الشرطة، حرصوا على تقديم كل التسهيلات . مقابل ذلك وعلى الرغم من حجم هذا الحراك الا انه لم تسجل حسب علمي اي حادثة اخلال بالامن او النظام. ان ما يحدث هو عبارة عن تبادل رسائل بين الطرفين على اننا قادرين على التعايش مع بعضنا البعض و ان ليس بالضرورة ان نكون بديلا لبعضنا البعض.
ثالثا: هناك تخوفات لدى البعض ان لا تسير الامور كما يجب خلال المهرجان. هذه التخوفات التي يتم تناقلها و عبر عنها الاخ ابو العبد هنية خلال لقاءه بوفد حركة فتح و لجنة القوى الوطنية و الاسلامية حيث قال بأن لديهم معلومات بأمكانية حدوث مشاكل و احتكاكات بين "انصار الاخ دحلان" و "انصار الرئيس عباس" .
وفقا لما اعرفه ان القرار لدى كل ابناء فتح من قيادات و كوادر و عناصر ان ينجح هذا المهرجان و ان تسير الامور كما يجب ان تكون، و هنا اود التأكيد على انه لا يوجد انصار للرئيس و انصار لدحلان و لا يوجد تيار لدحلان منفصل عن حركة فتح، نعم هناك خلافات، وهناك امتعاض من قرارات تم اتخاذاها خاصة فيما يتعلق بالاخ دحلان، و هناك امتعاض ناتج عن الاستخفاف الذي يصل في بعض الاحيان الى حد الاستحقار لقرارات المجلس الثوري بما فيما ذلك قرارات تم اتخاذها في الدورة الاخيرة التي لم يجف حبرها بعد.
صحيح ان هناك حالة تعاطف كبيرة مع دحلان و فقط اعمى القلب و البصر من لا يشعر بها او يراها او يتجاهلها، هذا التعاطف ناتج بالدرجة الاساسية عن الشعور بالظلم لما تعرض له دحلان ، لكن الجميع يعتبر ان مصلحة فتح هي في وحدتها و الخلافات يجب حلها داخل الاطار الفتحاوي.
ابناء فتح الذين يحتفلون بأنطلاقتهم بهذا الحجم و هذا الحماس حيث يتوقع ان يشارك به مئات الالاف يريدون ان يقولوا لقيادتهم ان فتح بدون غزة هي شيئ مختلف تماما و يريدون ان يقولوا لابناء شعبهم خاصة لاخوتهم في حماس انهم جاهزون لطي صفحة الماضي بكل ما فيها من ألم و فتح صفحة جديدة مبنية على الشراكة و المحبة .
عاشت ذكرى الانطلاقة وكل عام و انتم و الوطن بألف خير.
مأساة الفلسطينيين في سورية ومركزية حق العودة
بقلم: رمزي بارود – جريدة القدس
لا بد أن يكون ذلك قد حدث في العام 2007، على الرغم من أنني لا أتذكر التاريخ بالضبط. لكنني أتذكر كيف ضعت في ما بدا وكأنه بحث عقيم عن مقر برنامج الأمم المتحدة للأغذية العالمي في روما. كان هناك لقاء للمنظمات غير الحكومية وهيئة ما من الجمعية العامة، تتألف من عدة سفراء في الأمم المتحدة، مكرسة لبحث "قضية فلسطين". وقد طلب مني الحضور نيابة عن إحدى المنظمات غير الحكومية. ووافقت، على استحياء.
ومع علمي المسبق بكيف تختتم هذه الاجتماعات في كثير من الأحيان -بتكرار البيانات القديمة، باسترجاع نص قديم، وبالتأكيد على هذا وإعادة التأكيد على ذاك- فقد حضرت مع ذلك. وكان موضوع المناقشة هو "اللاجئون الفلسطينيون" الذين ما يزالون يمثلون بالنسبة لمعظم الفلسطينيين، وبصرف النظر عن رأي سلطة محمود عباس الفلسطينية، جوهر أي حل عادل لنضال خاضه الفلسطينيون على مدى عقود من أجل تحصيل الحرية والحقوق. وقد غمرني شعور بإلحاح اللحظة أكثر من الحاجة إلى إعادة تكرار وإعادة التأكيد مجدداً على النص الرسمي للأمم المتحدة. فقبل بضعة أيام في لندن، كنت قد تلقيت اتصالاً مقلقاً.
كان المتصل شابا فلسطينيا يدعى حسام، والذي كانت قد تقطعت به السبل على حدود العراق مع دولة عربية مجاورة. وكان اثنان من أشقائه قد قتلوا في العراق في الأشهر الأخيرة؛ أحدهما أعدم في حي البلديات في بغداد، الذي كان يستضيف حينذاك لاجئين فلسطينيين في الغالب. وقتل الآخر على يد القوات الأميركية.
قبل الغزو الأميركي في العام 2003، كان مجتمع صغير يتكون من 35.000 فلسطيني يقيمون في العراق. وكان قد تم عزلهم عمداً عن أي تورط سياسي في البلاد. وعلى عكس اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، كان هؤلاء يحظون بمعاملة طيبة. ولكن، عندما وقع الغزو الأميركي، أصبح هؤلاء الفلسطينيون هدفاً سهلاً للميليشيات المختلفة، وللقوات الأميركية والعصابات الإجرامية. وقد قتل منهم الكثيرون، وخاصة أولئك الذين لم يتمكنوا من تحمل دفع الفدية الثقيلة التي يفرضها المسلحون جزافاً وكيفما اتفق. وقد فر معظم اللاجئين الفلسطينيين، ساعين إلى البحث عن ملاذات آمنة في العراق. وعندما لم يعد ذلك ممكناً، سعوا إلى الاحتماء في الدول المجاورة.
ولأن السماح للفلسطينيين بدخول الدول العربية ليس بهذه البساطة، فقد تقطعت السبل بالآلاف منهم في مخيمات اللاجئين التي شيدت حديثاً على حدود الدول المجاورة. وقد عاشوا فيها عيش الكفاف، بعضهم لسنوات، وهم يناضلون العناصر العقابية القاسية في الصحارى، ويقتاتون على صدقات الأمم المتحدة. وأخيراً، تم إرسال العديد منهم إلى دول غير عربية مختلفة. وكان ذلك مشهداً يرثى له من خيانة العرب للفلسطينيين. ودائماً، تبدو الأنظمة العربية الأكثر تعاطفاً وهي تتحدث عن فلسطين، فيما تصبح في الواقع أقل اهتماماً وأكثر استهتاراً بمحنة الفلسطينيين. وكان التاريخ قاسياً باستمرار بهذه الطريقة.
كان حسام يريد ببساطة عبور الحدود إلى الدولة العربية المجاورة، التي كان قد ولد وترعرع فيها، لكن إقامته فيها ألغيت بنزوة، كما هو الحال غالباً عندما تنمو أعداد اللاجئين الفلسطينيين ويشكلون مصدر قلق لديموغرافية البلد المضيف. وقد طلب مني المساعدة، متوسلاً بأن والدته كانت مسنة وأنه الابن الوحيد المتبقي.
وبالطبع، كنت، وما أزال عاجزاً عن المساعدة. ومع ذلك، فكرت عندما طلب إليّ حضور اجتماع روما المذكور حول محنة اللاجئين الفلسطينيين، بأن تلك ستكون منصة مناسبة لوضع محنة حسام في سياق سياسي عاجل. لكنه اتضح لي أنه ليس بسبب الكتب المدرسية القديمة سادت على المخاوف الحالية التافهة على ما يبدو.
كان اللاجئون الفلسطينيون في العراق ينتمون إلى فلسطين. لكن أولئك الذين يمتلكون الشجاعة الأدبية لقول ذلك، مثل سفراء الأمم المتحدة في روما، لا يملكون أي سلطة سوى سلطة إلقاء الخطب الحماسية. أما أولئك القادرون على تفعيل قرارات الأمم المتحدة المهملة منذ فترة طويلة، والتي تصر على حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة، فعاجزون ومنقادون أمام الضغوط الأميركية، وتصميم إسرائيل على إنكار عودة مواطني فلسطين إلى أرضهم الأم. وما يزال قرار الأمم المتحدة رقم 194 الصادر بتاريخ 11 كانون الأول (ديسمبر) 1948 مجرد حبر على ورق.
ما دامت إسرائيل مستمرة في الاستهتار بالقانون الدولي، سوف يبقى ملايين اللاجئين الفلسطينيين أسرى للصراعات الإقليمية التي تستخدمهم كعلَف سياسي، أو تنظر إليهم بوصفهم مشكلة ديموغرافية، أو حتى الأسوأ من ذلك: اعتبارهم مصدر تهديد. ومع ضمان الولايات المتحدة عدم اتخاذ أي إجراء ذي مغزى من أي نوع للتخفيف من معاناة اللاجئين، فسيستمر الآلاف منهم في أن يجدوا أنفسهم وقد ألقي بهم على حدود ما، مصطفين في طوابير للحصول على الطعام، ويبثون شكواهم إلى أي شخص مستعد للاستماع.
وتشكل سورية الآن أحدث حلقة من هذه المأساة الطويلة، والتي تتجلى بطرق لم يسبق لها مثيل منذ الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990) والغزو الإسرائيلي للبنان (1978 و1982). وهناك اثنا عشر مخيماً للاجئين في سورية، تسعة منها مسجلة بصفة مخيمات رسمية في سجلات وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، ويبلغ عدد سكانها أكثر من 496.000 لاجئ. ويستضيف مخيم اليرموك وحده، بالقرب من دمشق، ما يقرب من 150.000 لاجئ. وفي الفترات الأخيرة، كان هذا المخيم هدفاً متكرراً للجماعات المسلحة المختلفة والقوات السورية على حد سواء. كما تم استهداف مخيمات أخرى في الصراع الوحشي، بما في ذلك درعا، والحسينية والنيرب وغيرها.
وقد قتل المئات من الفلسطينيين في سورية. وهم إما علقوا في نقطة تصالب الصراع الدموي بين الحكومة السورية والمعارضة، أو تم استهدافهم عمداً بذريعة أو أخرى. وكانت أعمال العنف الأخيرة، التي أفرغت مخيم اليرموك من سكانه تقريباً قد بدأت يوم 14 كانون الأول (ديسمبر)، عندما هاجم متشددون إسلاميون مقاتلين فلسطينيين موالين لحكومة بشار الأسد السورية، كما قيل. ثمة جاء هجوم مضاد من قوات الحكومة، شمل شن غارة جوية على اليرموك ليخلف الكثير من القتلى والجرحى. وقد أعقبت ذلك هجرة أخرى، وانكتب بالقوة فصل جديد من ملحمة الأوديسة الفلسطينية، منقوع بالدم ومليء بالمزيد من الذكريات البشعة. وفر عشرات الآلاف. وتمكن البعض من الوصول إلى المخيمات الفلسطينية المزدحمة أصلاً في لبنان. ومُنع آخرون من الدخول -فقط ليخيموا في حدائق دمشق، وليصطفوا في الطابور مرة أخرى لاستلام هبات الأمم المتحدة. ووفقاً لبيان صدر مؤخراً، يبدو أن برامج الأغذية العالمي هو المسؤول عن إطعام اللاجئين. وتقوم مجموعة الأمم المتحدة بتنسيق جهودها في هذا الصدد مع الأونروا، والهلال الأحمر العربي السوري، ووكالة الأمم المتحدة لرعاية الطفولة (يونيسيف) ومفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين.
لا يمكن للكلمات أن تصف بدقة محنة الملايين من اللاجئين السوريين الأبرياء الذين وقعوا في لعبة قوى إقليمية متنافسة، لا تنطوي أي اعتبار على الإطلاق لثلاثة ملايين لاجئ نزحوا داخلياً أو في البلدان المجاورة. لكن الوضع بالنسبة للفلسطينيين، في سورية وفي أماكن أخرى، يبقى مجرد ملاحظة جانبية على هامش النص حيثما نشبت الصراعات في البلدان العربية -كما كان في لبنان والكويت والعراق وليبيا، وسورية الآن. إنها نفس القصة القديمة التي ما يزال يتعين التعامل معها بحزم كأزمة إنسانية سياسية، وليس كأزمة عابرة وحسب.
وتتحمل القيادة الفلسطينية المسؤولية الكثير من المسؤولية، لأنها خفضت مستوى جدية وإلحاح أزمة اللاجئين، وبالتالي حق العودة، إلى ما يشبه لغزاً سيتكشف في شكل أو آخر فقط خلال محادثات الوضع النهائي بينها وبين إسرائيل. ولم تكن هناك مثل هذه المحادثات، بطبيعة الحال. ووفقاً لأوراق فلسطين التي تسربت قبل فترة، تبدو السلطة الفلسطينية وأنها تبرأت تماماً من اللاجئين في المحادثات السرية التي أجرتها مع مسؤولين إسرائيليين.
كان معظم اللاجئين الفلسطينيين في سورية قد طردوا من ديارهم في فلسطين على مراحل. وقد وصلت الموجة الأولى منهم في العام 1948، ومعظمهم من صفد وحيفا ويافا. وجاءت الموجة الثانية بعد احتلال إسرائيل لمرتفعات الجولان في العام 1967، والثالثة خلال الحرب الأهلية في لبنان والحروب الإسرائيلية على لبنان. وهكذا، كانت حكايتهم مأساة طويلة متعددة الطبقات. صحيح أن الأمر يتطلب مضاعفة الجهود الرامية إلى حماية ورعاية اللاجئين، لكنه يتطلب أيضاً إعادة نظر وإجراء مراجعة جدية لموقف المجتمع الدولي اللامبالي تجاه اللاجئين. إن اللاجئين الفلسطينيين ليسوا ببساطة جموعاً هاربة وقعت في شراك النزاعات العربية، لكنهم يمثلون أزمة سياسية وأخلاقية خطيرة في حد ذاتهم، الأمر الذي يتطلب اتخاذ إجراءات فورية تسترشد بالحقوق الفلسطينية على النحو المنصوص عليه في القانون الدولي.
ولعل من المفارقات، أن يكون السفير الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة، رون بروسور، هو الذي وضع حق العودة في سياق سياسي في معرض رده على رفض أعضاء مجلس الأمن للتوسع الإسرائيلي المزمع في المستوطنات اليهودية غير الشرعية في القدس. وفي يوم 20 كانون الأول (ديسمبر)، قال بروسور إنه ليس التوسع في المستوطنات غير الشرعية هو الذي ينبغي النظر إليه بوصفه العقبة في طريق السلام، وإنما العقبة هي إصرار الفلسطينيين على "حقهم في العودة". وكان ذلك الطرح غريباً وفاقداً للحساسية في آن معاً. فبينما تستمر إسرائيل في ممارسة التطهير العرقي ضد الفلسطينيين بهدف إفساح المجال للمستوطنين اليهود، ما يزال اللاجئون الفلسطينيون في سورية ولبنان يناضلون من أجل البقاء على قيد الحياة بينما تعاقبت ثلاثة أجيال من اللاجئين في مدة 64 عاماً. وبطريقة ما، أصبحت المطالبة بحقوق الأطفال الخائفين والأمهات المتوسلات وفقاً للقانون الدولي تهديداً آخر لنسخة إسرائيل من "السلام".
إذا ما بدت مأساة اللاجئين في العراق غير كافية لتأكيد مركزية قضية اللاجئين الفلسطينيين، وحقهم غير القابل للتصرف في العودة إلى وطنهم، فإن الكارثة المتكشفة التي تحل بهم في سورية ينبغي أن لا تترك أي مجال للشك في أن قضية اللاجئين هي جزء لا يتجزأ من الرواية الفلسطينية، كما ينبغي لها أن تكون في أي خطاب سياسي جدّي.
إن حق العودة ليس مجرد مناقشة تذكيرية لتاريخ عاطفي، ولا هو ذكريات جيل محتضر. إنه أمر يستحق أن يعامل بوصفه أولوية سياسية ملحة للغاية، وذات بعد إنساني جدي وضاغط بنفس المقدار. إن الفلسطينيين يموتون مرة أخرى، وما يزالون، وينبغي توجيه جميع الإجراءات الصادقة نحو مساعدة هؤلاء اللاجئين على النجاة من الصراع في سورية والعودة إلى وطنهم في فلسطين.
*كاتب دولي معروف ورئيس تحرير موقع الحكاية الفلسطينية "ذا بالستاين كرونيكل". أحدث مؤلفاته كتاب بعنوان: "أبي كان مناضلا من أجل الحرية: قصة غزة التي لم ترو"
حالنا... بصراحة
بقلم: نبيل عمرو - جريدة القدس
لا جدال .. في ان تصويت مائة وثمانية وثلاثين دولة لمصلحة دولة فلسطين التي نأمل ان تتجسد فوق ارضها ، يعكس درجة كافية من الوضوح والبلاغة .. الميل العالمي الواسع لاقامة دولة فلسطينية مع موقف غير مسبوق من حيث الكم والنوع بادانة الاحتلال والمطالبة بحتمية رحيله.
الى هنا والامر يسجل في خانة الانجاز الهام ، ولكل ان يخلع عليه الصفة التي تلائمه، كوصفه بالنادر او التاريخي او المذهل. الا ان ما ينبغي الانتباه اليه بعد هذا الانجاز، هو التحديات المنبثقة عنه والتي تضاف الى التحديات الكبرى التي كانت تواجهنا قبل هذا الانجاز، وهي بمجملها تضعنا امام مرحلة جديدة من مراحل كفاحنا الوطني وما تم هو الاسهل.
وما يجب ان يتم هو ما يعطي للانجاز معناه الحقيقي ان فعلناه، وان لم نفعله فسيسلبه معناه ليصبح مجرد انجاز ارشيفي قد نتذكره مرة كل عام او قد نكتب عنه في زوايا الصحف تحت عنوان حدث في مثل هذا اليوم.
اولا: الازمة المالية..
وكي لا نظلم انجاز الامم المتحدة ونحمله المسؤولية عنها فان هذه الازمة كانت قائمة منذ سنوات الا انها زادت حدة خلال هذه الفترة التي تلت الانجاز.
حتى الان لم يتقدم اي مسؤول فلسطيني على اي مستوى بعرض برامجه لتجاوز هذه الازمة، واذا كان انتظار العرب ليقدموا في صحوة مفاجئة شبكة الامان الموعودة كي تحل هذه الازمة، فلا ارى ان هذا يشكل برنامجا للحل، انه بالضبط رهان على جسم سابح في الفضاء والفراغ.
ثانيا: الازمة السياسية...
واضح انها في ذروتها الان، فهي على الصعيد الداخلي متفاعلة داخل وعاء الانقسام الذي بلغ من الخطورة حد عدم الاتفاق على اقامة احتفال بعيد وطني وليس عيدا فصائليا.
الفلسطينيون يسمعون من الناطقين الكثر باسم الانقسام والذين هم في ذات الوقت الناطقون باسم المصالحة، عبارات مكررة مثل... عندما يستفيق المصريون لنا سيدعوننا الى حوار، وعندما تنتهي حماس من عرسها الانتخابي قد تتقدم بمبادرة، وعندما.... وعندما.... وعندما .. والنتيجة ان الامور تظل تراوح في مكانها، مع جديد هو ان الضفة نائمة على انجاز الامم المتحدة وحماس نائمة على انجاز الحرب الاخيرة .. "وما حدا احسن من حدا".
اما الازمة السياسية مع اسرائيل، فنحن نرى بأم العين المجردة تسارع الاستيطان، وكان الاسرائيليون يسابقون الزمن، ونرى ارض الدولة الوليدة المراقبة، تكاد تموت همّا من مراقبة اخبار الاستيطان الهاجم بلا هوادة، ولا رد فعل من جانبنا سوى اننا ... الله اعلم
ثالثا: الجمود...
كل العالم من حولنا استخدم الوصفة الناجعة لانهاء الازمات الداخلية والجمود القاتل في الحياة السياسية الا نحن.
في الولايات المتحدة جرت الانتخابات التشريعية والرئاسية وتجددت الشرعية لادارة اهم دولة في الكون.
في مصر التي تعاني من اضطرابات مرعبة، جرى استفتاء على الدستور ستتلوه انتخابات تشريعية، ورغم كل الخلافات والاعتراضات فقد تم فرز جديد لقوى النظام والمعارضة.
في اسرائيل بعد اسابيع قليلة ستجري الانتخابات التشريعية، التي تحدد اتجاه الدولة العبرية وتهيء مسارات السياسة هناك، فيظهر الخيط الابيض والاسود في امر ما تريد دولة الاحتلال وما تستطيع وما ستفعل.
في الاردن انتخابات تشريعية وشيكة ان لم تحسم الازمات الداخلية في هذا البلد الشقيق فانها ستفرز معادلة جديدة في بلد تطحنه الازمات، وصندوق الاقتراع يحاول التخفيف من آثارها.
الا نحن... الا نحن... الا نجن .. ونحن اصحاب مقولة "ديموقراطية البنادق" او "ديموقراطية النظام".
في السجون ينتخبون قادتهم، وفي انديتنا، واتحادات طلابنا، وفي نقاباتنا، وفي المنفى وعلى ارض الوطن. الا في الامور الهامة، فيبدو اننا طلقنا صندوق الاقتراع بالثلاثة، حتى صديقنا محمود الزهار الذي وضع الانتخابات في الثلاجة، ذهب لينتخب في مصر او ليقترع على الدستور مناصرا اشقاءه هناك فلماذا؟
هل الانتخابات مجرد شعار غير قابل للتطبيق في بلادنا؟ ام انه يهدد نفوذ هذا او ذاك؟ لهذا اختار جميعنا ان نتكلم عنها ودون ان نقدم على خطوة واحدة نحو تنفيذها.
ان انجاز الامم المتحدة ومنذ انطفاء كهارب العرس وهو يتآكل، ورغم اهميته الا ان عدم حمايته بوضع داخلي سليم قد يضعه في زاوية حدث في مثل هذا اليوم وهذا امر لا نريده ولا يجب ان يوافق عليه احد.
ولعل ما يدعو الى الحزن اننا وصلنا تلك النقطة الحرجة التي صار فيها تسليم مفاتيح السلطة للاحتلال هو المخرج!!!!
نابلس؛ تماس كهربائي؟
بقلم: حسن البطل – جريدة الايام
وليد أيوب هل تعرفونه؟ هو رسام الوجوه (البورتريه) الأبرز، مع عبد الهادي يعيش. الأول ترك الرسم على قارعة الطريق (مستديرة المنارة) والثاني يواظب في "شارع ركب".
ربك ستر، ونجا وليد من موت شبه محقق، عندما سقطت الدفاية الكهربائية في حوض استحمامه، فانطفأت آلياً، قبل جحيم تماس الكهرباء - الماء. يقول: الحمد لله.
في سلفيت شيعوا الشاب عبد الله علي ريان، الذي وقع عن عامود كهرباء، وهو يعلق علم فلسطين. لا أعرف هل اختل توازنه أم صعقته الكهرباء.
في غزة، تكرر موت عائلات بأطفالها، وشموع مضاءة تسببت بحريق، والسبب غير المباشر انقطاع الكهرباء.
تعلّم زميلي جعفر صدقة درساً قاسياً من احتراق معظم بيته، وهو إبعاد شريط الكهرباء قليلاً عن البراد والحائط.
أمس، جرت في ساحات نابلس، جبل النار، صدامات بين جمهور وشرطة أوقعت ٢٠ إصابة في صفوف الشرطة بأيدي محتجين على اتفاق بين السلطة وسكان المخيمات، وبموجبه يُعفى الأخيرون من دفع فواتير الكهرباء للعام المنصرم. يطالب المحتجون بالمعاملة بالمثل!.
ثقافة عدم الدفع ليست مقصورةً على المخيمات، وبخاصة منها داخل المدن وضواحيها القريبة (المنطقة أ). من بين المخيمات التي تدفع فواتير الكهرباء هناك مخيم الفارعة، قرب نابلس، ونور شمس، قرب طولكرم. لكن، في بعض القرى لا يدفعون، وفي وقت ما بلغت فاتورة الكهرباء على قرية اللبن، قرب عابود شمال رام الله، ٤ ملايين شيكل.
تقول التقديرات إن فواتير الكهرباء غير المدفوعة، العائدة للمخيمات، تصل إلى ٢٢٠ مليون شيكل، بينما الديون الفلسطينية لشركة الكهرباء القطرية الإسرائيلية تقارب ٨٥٠ مليون شيكل.
شركة كهرباء القدس، وهي مشترية - موزعة، في خطر الإفلاس والاستيلاء الإسرائيلي على مناطق امتيازها وتشمل رام الله وأريحا، وليس للفلسطينيين شبكة كهرباء قطرية ووطنية منتجة للطاقة، فهناك شركة كهرباء الشمال وشركة كهرباء الجنوب، وتعاني شركة الكهرباء الفلسطينية في غزة من مشاكل مزمنة ومتراكمة، مع أن تصميمها يجعلها قادرة على توليد الطاقة من السولار الصناعي (الإسرائيلي والمصري المتفاوت) وحتى من الغاز أيضاً. مصر تمد غزة ببعض الطاقة، والأردن يمد أريحا ببعض الطاقة، ومشاريع توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية وسواها لا تزال تحبو.
لجأت إسرائيل إلى مصادرة أموال ضريبة المقاصة الفلسطينية لمدة أربعة شهور لسداد ديون الفلسطينيين من استهلاك الكهرباء والماء أيضاً.
بعض الجمهور لديه ظنون أن شركة كهرباء القدس كانت تقوم بتدفيع مستهلكي خدماتها بعض العبء الناجم عن تقاعس مستهلكين آخرين عن الدفع.
منذ سنوات قليلة، لجأت السلطة إلى تركيب عدادات الدفع المسبق للكهرباء، وبموجب الاتفاق الأخير مع لجان المخيمات ستقوم بتركيب هذه العدادات فيها، بتمويل أجنبي يقارب الـ ١٣ مليون دولار.. مع الإعفاء عن دفع الفواتير المتأخرة.
حجز إسرائيل أموال المقاصة لاسترداد ديونها جعل الاقتصاد الفلسطيني يعاني، لأن رواتب الموظفين العموميين تشكل تروساً أساسية في الدورة الاقتصادية، ولا يكفي نصف الراتب، ولا حتى الراتب كاملاً، لأن السلطة وكثير من الموظفين عليهم ديون قروض للبنوك والأخيرة شجعت وتنافست على تعظيم طفرة الاستهلاك (اقتناء سيارات وشراء بيوت وعقارات.. الخ).
السلطة على فقرها تقدّم شبكة أمان لأسر في خانة أفقر - الفقراء، ولكنها تفتقد في ذاتها إلى شبكة أمان عربية، وتكاد تتسول لسداد رواتب موظفيها.
أسعار المحروقات العالية في إسرائيل (وفلسطين بالتالي) سببت تذمرات واحتجاجات. إنها مرتبطة بسوق عالمية، لكن بعض وجوه أزمة الكهرباء والماء الفلسطينية مرتبطة بعوامل محلية ولو جزئياً، أي بثقافة عدم الدفع.
من السهل نسبياً، تركيب عدادات مسبقة الدفع، لكن تطبيق ذلك على استهلاك المياه أمر يمس حقوق المواطن الأساسية، وهذا ما تعترض عليه "جمعية حماية المستهلك".
أغنى أمم العالم، الولايات المتحدة، تبحث في السبل لتوزيع الأعباء الضريبية بشكل أقرب للعدالة والنجاعة، والناس هنا يطالبون بتوزيع عادل لفواتير الكهرباء والماء، والمشكلة أن الأسعار متقاربة في فلسطين وإسرائيل، لكن الدخول متفاوتة جداً.
الاحتكاك في نابلس قد يطلق شرارة حريق من الاحتجاجات في وضع فلسطيني حرج جداً.
مهرجان الغد: برقيات وحقائق
بقلم: عدلي صادق – جريدة الحياة
تتوجه الجموع في غزة، الى مهرجان الغد، لإحياء الذكرى الثامنة والأربعين لانطلاقة «فتح» قيثارة الفلسطينيين وسر كبريائهم، ورافعة انتشالهم من وضعية البؤس والقنوط، الى سويّة الكبرياء والثورة والتحقق الوطني. ففي هذه المناسبة، يستذكر الناس تاريخاً، ودرباً طويلاً، وإرثاً كفاحياً، ورموزاً رحلوا، ومراحل ومعارك وذكريات لا حصر لها. وسيكون الاحتشاد البليغ في غزة، بدءاً من ظهر الغد، تعبيراً لا لُبس فيه، عن أصالة الشعب الفلسطيني ووفائه وذكائه، وعن تعلقه بحركته الوطنية مهما كانت أحوالها. فكلمة الجماهير ستكون حاسمة ومدوية: لن يفلح من يكرس الانقسام، ولا من يحاول شطب تجارب الذين سبقوا الى النضال، ولا المساس بالشرف الوطني للحاضرين في الساحة الوطنية، قابضين على الجمر. أما حقائق التجارب ونصاعتها، فلا تقررها الخطابات من فوق المنابر، ولا المهاترات، وإنما الأفعال على الأرض، وعلاقة كل المفردات بالوقائع وبالمنطق!
في هذه البُرهة العسيرة من تاريخ شعبنا؛ أصبح من المستحيل، أن يستمر الانقسام بعد أن سقطت ذرائعه. فالوئام الوطني لا يكون بغير التمكين للإرادة الشعبية. والفتحاويون يتقبلون إرادة الشعب، حين يحكم على التجارب، بين كل فترة وأخرى. في العام 2006 كانت قد ترهلت الأطر العليا لحركة «فتح» فخسرت الحركة الانتخابات العامة واستحقت الهزيمة وتقبلت الإرادة الشعبية. لكن جماهير «فتح» لم تُهزم، لا في واقع النتائج على صعيد مجموع الاصوات المشتتة والمحسوبة، ولا في واقع الوعي الجمعي الفلسطيني، الذي راكمت فيه الحركة الوطنية مآثرها ومناقبها وتاريخها كله. وكانت بدايات الخطأ في تجربة القوى الصاعدة، أنها وظفت العمل الحزبي والفضائيات، والأنظمة الموتورة (ومن بينها نظام الإجرام في سوريا) و»الجماعة» المنتشرة في الإقليم العربي؛ لتحقيق الإقصاء النهائي بعد الشيطنة والتشويه، لحركتنا الوطنية المعاصرة. وفي ذلك السياق، تعرض الظالمون لتاريخ النضال الفلسطيني منذ بدايته، لتسفيه مقاصده ورموزه، وكان ذلك في موازاة الغلاظة في التعامل مع الوطنيين الفتحاويين في غزة، وكأن «فتح» ليست هي التي أتاحت للجميع، الانخراط في النظام السياسي والاحتكام الى صناديق الاقتراع دون شروط، ودون تحديد سقوف سياسية، تراعي واقع وأساس نشأة السلطة!
في مهرجان الغد، سيكون واضحاً للقاصي والداني، أن كل التخرّصات والتشويهات، لم تشطب حرفاً واحداً، من حكاية «فتح» ومآثرها في الوجدان الفلسطيني. إن هذه الدلالة، تلائم «حماس» قبل أن تلائم حركة «فتح» لأن بديلها هو القول بأن الناس خرجت نكاية فيمن يحكمون غزة. بالتالي فإن الروح التي يحتفل بها الوطنيون بذكرى انطلاقة الثورة؛ تُملي عليهم أن يتجنبوا القول الذي لا يجافي الحقيقة، وهو أن جزءاً كبيراً من الجموع التي ستحتشد في المهرجان، إنما هي اجتمعت للتأكيد على أن تجربة «حماس» في الحكم، كانت الأشد قسوة ومعاناة، اجتماعياً ووطنياً وسياسياً، وأن هذه التجربة ومرحلتها، لم تفلح في شىء سوى في تخليق شرائح اجتماعية جديدة، ترعرعت واغتنت، في ظل وضع اليد على المجتمع والأسواق والمنافذ والأنفاق والأراضي الأميرية. كذلك فإن الحشود التي تحتفل بذكرى انطلاقة «فتح» ليست ساذجة ولا نائمة على أوهام بأن الحال الفتحاوية على ما يرام. ففي الضفة، هناك المقياس الأدق لمدى نجاح القيادة الفتحاوية، وهو لا يدل على فلاح. أما في غزة حيث حال الاختناق الاجتماعي، السياسي والوطني، الذي أوقعته «حماس» على مدى سنوات في القطاع الصابر؛ فقد كان طبيعياً أن يحتشد الناس في ذكرى انطلاقة «فتح». إنهم يحتفلون في لحظة انعتاق من القمع السياسي الذي صبروا عليه طويلاً، حتى لم يعد ممكناً استمراره. ونحمد الله أن الأمور على هذا الصعيد تنفرج دون عنف، لأننا كنا نخشى الانفجار الشعبي الذي لا تُحمد عقباه. ويُسجل للحمساويين الذين حسموا الأمر لصالح إقامة المهرجان الفتحاوي، أنهم لم يرضخوا لضغوط المأزومين الأغبياء، الذين يريدونها خصومة مديدة ومنعاً وكبتاً الى ما لا نهاية. فالأغبياء يخربون بيوتهم وبيوت غيرهم بأيديهم. وهؤلاء يصدقون نتنياهو المأفون، كلما أعرب عن «تخوفاته» من سيطرة «حماس» على الضفة، فتكبر رؤوسهم ويظنونها سيطرة متاحة من خلال «توازن رعب» بين «الخائف والمُخيف». لكن الأذكياء يعرفون بأن نتنياهو يكذب، فهو ليس خائفاً، بل إنه يريدها لعبة خطيرة وقودها الفلسطينيون.
في مهرجان الغد، يُدشن فلسطينيو غزة مرحلة جديدة. إنهم عازمون على إنهاء الإنقسام والتمكين للإرادة الشعبية. هم لم يقبضوا حرفاً من أحايث التخوين، ولا من أناشيد الطنين. فما يصلح للخطابة، ليس بالضرورة أن يصلح للحياة أو للنضال الوطني. وما يقوله الغاضب والحانق والمذعور، لا يفسر الواقع. وكل مقترف لفعل شائن، من أي طرف، سيتلقى جزاء ما اقترفت يداه. فما أروع الشمس حين تسطع في يوم شتوي. وما أبدع الحقيقة حين يسمعها من يجهلونها، بلسان الجموع. الفلسطينيون لن يقبلوا الاستمرار في الصمت على الانقسام، لكي ينجو من المساءلة، مخطىء أو مقترف جريمة، أو مشبوه أو فاسد، أو صاحب فتنة، من أي طرف. فنحن ذاهبون الى الشفافية والى العدالة، وهذه هي إحدى برقيات المهرجان!
تدليع القهر ..باء
بقلم: حافظ البرغوثي – جريدة الحياة
ما حدث في نابلس من احتجاج على اتفاق الحكومة مع المخيمات على إسقاط ديون الكهرباء مقابل التزام المشتركين بالدفع لا مبرر له.. إذ ان المخيمات في الأصل خاصة في منطقة امتياز شركة كهرباء القدس لم تكن تسدد ديون الكهرباء لغياب المتابعة ولعدم قيام السلطة بدعم الشركة لتحصيل ديونها.. وقد جرت العادة في غزة ألا تقوم المخيمات بالدفع وكانت إسرائيل تخصم ذلك من المستحقات الضريبية حتى وصلت في بعض الأحيان إلى 55 مليون شيقل شهرياً.. وكان رئيس الوزراء في جلساته المتلاحقة مع الإعلاميين يتساءل لماذا تسدد السلطة مبلغاً كهذا شهرياً وهي تعاني أزمة مالية خانقة؟ وعندما عجزت السلطة عن السداد لاحقاً اضطرت حركة حماس الحاكم العسكري لقطاع غزة أن تحول بعض ما تستوفيه من ديون إلى السلطة وهو قليل جداً ثم عجزت السلطة عن التسديد بالكامل وصار الأمر رهناً بحماس وما يصلها من تبرعات سولارية من مصر وقطر.
لم يكن هناك مبرر لعدم قيام المخيمات بتسديد أثمان استهلاك المخيمات في الأصل لكن المستوى السياسي منذ البدء غض الطرف عن ذلك في غزة وتحول الأمر وكأنه التزام من السلطة لكن في الضفة فإن الشركة أو الشركات المزودة هي التي تتولى الامر وهذا ما أدى إلى عجز ضخم لدى الشركات خاصة شركة كهرباء القدس، ولعل ديون الشركة ليست على المخيمات فقط فهناك ديون على وزارات السلطة ومؤسساتها، وهناك ظاهرة امتناع في بعض القرى والتجمعات السكانية من قبل المشتركين جرت محاولات عدة لمعالجتها من قبل الشركة بواسطة القانون ونجحت في ذلك. ثم جاء اتفاق الشركة مع لجان المخيمات لفتح صفحة جديدة بعد إقدام الاحتلال على تحويل مستحقات السلطة إلى الشركة الإسرائيلية الدائنة وحرمان الموظفين من رواتبهم.
هذا الوضع لا يحتاج إلى اجتهادات لعلاجه فمن يستهلك يدفع, فلماذا مثلاً لم تحدث احتجاجات في غزة مع أن الوقود هناك هبة مصرية قطرية؟ ربما لأن عصا حماس الغليظة هي السبب، فالأصل تسديد أثمان الكهرباء والماء.. فالسلطة لا تتلقى دعماً في الطاقة ولا وقوداً مصرياً أو قطرياً حتى يمكنها مواجهة ذلك. ولعل من خرج احتجاجاً على القرار باعتباره لصالح المخيمات يقع في المحظور الاجتماعي ويختلق أسباباً للفرقة بين المخيم والمدينة وهو ما نحن في غنى عنه. وقد لعب الاحتلال ردحاً من الزمن وما زال على ما يسمى روابط القرى لإيقاع الفتنة بين شرائح الشعب فهل نحن بحاجة إلى ظهور روابط مدن أيضاً ونحن نرى الاحتلال يتحدث صراحة عن بدائل للسلطة ونتنياهو يتوقع انهيارها بين لحظة وأخرى وقادة الليكود يخوضون حملتهم الانتخابية تحت شعار ضم الضفة إلى إسرائيل بل إن أحدهم احتج على استخدام كلمة فلسطينيين في الإشارة إلينا ودعا إلى إلغاء هذا التعبير كما ورد على لسان الليكودي المتطرف موشيه فايجلين يوم أمس الأول عاد ودعا امس الى طرد الفلسطينيين مقابل تعويضات.
الوضع المعيشي يضغط على الجميع بقوة وعلينا الانتباه وعدم تأخير أولوياتنا الوطنية لصالح هوامشنا الحياتية إن كنا شعباً يريد الحرية والخلاص. وحذار من تدليع القهر الذي نعيشه وتحويله إلى مشكلة كهرباء فنحن نمر بمرحلة مفصلية ولدينا كل المؤشرات التي تفصل الأكفان لنا جميعاً فإما أن ننتبه وإما أن تضيق بنا الأكفان.. بيدنا وليس بيد غيرنا.


رد مع اقتباس