النتائج 1 إلى 1 من 1

الموضوع: اقلام واراء عربي 300

مشاهدة المواضيع

  1. #1

    اقلام واراء عربي 300

    اقلام واراء عربي
    17/1/2013


    تحديات الهوية الفلسطينية في عالم متغير
    بقلم: شفيق ناظم الغبرا(أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت) عن الحياة اللندنية
    تمثل الهوية الفلسطينية واحدة من أكثر الهويات المثيرة للمشاعر والتفاعلات وذلك لأنها نمت عبر الضدية المباشرة مع المشروع الصهيوني واختبرت على مر العقود الإقتلاع وفقدان الأرض والإحتلال والشتات. لقد تعايشت الهوية الفلسطينية مع خطوط التماس وولدت من فوهة التحديات المصيرية من دون أن تعرف ما الذي ينتظرها في اليوم التالي، فالأرض من حولها إهتزت كما لم تهتز في مكان آخر، بينما أحاطت بها السجون، وكبلتها حياة المخيمات وحصار الأسلاك الشائكة والجدران العالية.
    ومنذ العام ١٩٤٨ عند قيام إسرائيل ومنع عودة الفلسطينيين سكنتهم حالة العودة إلى فلسطين والتي سارت بموازاة مع روح المساهمة والبناء في مساحات العالم العربي والعالم المختلفة. فلقد توزعت الهوية الفلسطينية على كل الأمكنة لتكتشف لنفسها طريقاً، في أماكن عرفت الإحتواء والصداقة والعمران، وفي مناطق واجهت التهميش واختبرت الاضطهاد. على مر العقود تفاعلت الهوية مع الرياح التي هبت على العرب بدءاً من الناصرية والقومية العربية والإسلام السياسي وصولاً الى التغيرات العربية الراهنة وآفاقها.
    ولقد مرت الهوية الفلسطينية، ككل هوية مضطهدة، بمراحل ضمور وتجدد، وبمراحل إستعداد وتأمل. إنها هوية عرفتها كل الجبهات والميادين وسط تعرضها اللامتناهي للقساوة والفتك، فبعد كل تراجع تعيد المحاولة وكأن شيئا لم يقع. وتمر الهوية الفلسطينية الآن بواحدة من هذه المنعطفات وذلك بسبب تكثف الصراع على الأرض واليقظة العربية الربيعية الجديدة وبسبب تكاثر الاسئلة الوجودية والخوف على مستقبلها.
    في كل هذا تحمل الهوية الفلسطينية حملاً ثقيلاً، يفرض عليها إعادة تعريف مكانتها وتحدياتها عند كل منعطف. والملاحظ أن الهوية الفلسطينية تتناثر وتضعف عندما تبتعد عن جذورها التي كونتها وذكرى القرى والمدن المدمرة التي حددت شكل وجودها. فقوة الهوية الفلسطينية إرتبطت دائماً بمدى مقدرتها على التحصن في حصنها الأخلاقي وروايتها التاريخية الأولى وذلك بهدف إعادة إكتشاف المنابع التي حددت مأساتها وإقتلاعها من الوطن الذي كوّن بداياتها.
    وبينما يبدأ تاريخ الهوية الفلسطينية منذ أزمان طويلة في ظل دول إسلامية متعاقبة وتاريخ سابق لكل التواريخ، إلا أن عام ١٩٤٨ مثل بداية مختلفة وولادة إنبثقت من خطوط النار. ما كان قائماً في فلسطين قبل النكبة إحتوى على شعب ينتمي الى حضارة تسعى لدولة مستقلة أسوة ببقية العرب في زمن سيطرة الإستعمار، وما وقع في النكبة عام ١٩٤٨ إقتلع الحلم وهجر الشعب الذي أراده. هنا بدأ الحدث الذي هز عوالم العرب ولم يعرف الشرق مثيلاً له.
    لقد عزز هذا البعد السياسي - الانساني للهوية الفلسطينية من مقدرتها على إستيعاب كل من يتداخل معها. كان محجوب عمر المناضل المصري في صفوف المقاومة وألوف العرب الذين ناضلوا واستشهدوا من أجل فلسطين نماذج لهذا التداخل الذي صنع الهوية الفلسطينية بصفتها هوية كفاحية وهوية إنسانية. فالهوية الفلسطينية بالأساس ليست عرقية وطنية مغلقة، بل تشكلت بإمتياز عبر ميزان لعدالة مفقودة. هذا البعد الأخلاقي - الحقوقي للهوية الفلسطينية سمح بالإنتماء اليها والسباحة في ربوعها من قبل مواطنين من مجتمعات شتى.
    هوية فلسطين حاضنة لحالة نجدها مختزلة في قصص عن منزل مصادر ومفتاح للذكرى وشجر صبار ينبت مكان قرى مدمرة وزيتون وبساتين برتقال منهوبة وقرى محروقة ومدن مفرغة وعائلات مشتتة ومخيمات متلاصقة. إن هذه الهوية الملاحقة في الميادين والجبهات لم تصل لما يريحها ويريح موتاها ويرفع الظلم عنها، وعلى الأغلب ستبقى تبحث وتبحث عن طرق الوصول الى مستقبل عادل لا يحده مكان أو وقت. لهذا ستحتاج في طريقها القادم الى وسائل مبتكرة وطرق تفكير مبدعة.
    فمن الطبيعي ان نتساءل أين تقف الهوية الفلسطينية من تحديات بنيان معاصر ومجتمع نام وعادل وإنساني. فجزء من تعبيرات الهوية الفلسطينية قائم من خلال علم وطني وتحرير بعض الأرض كما في غزة وبعض مناطق السلطة الفلسطينية. لكن هذا لا يكفي ولن يكفي، وقد يتحول الى كابوس مقلق. فالدولة من دون مقومات وفي ظل التهويد والإستيطان والإقتلاع ستتحول الى عبء على الهوية الحاضنة لها. هذه هوية عابرة للدول والأماكن، فهي في كل مكان في العالم لكنها ما زالت بكثافة على أرضها التاريخية: إنها في يافا والناصرة وعكا كما في رام الله والخليل ونابلس وبلعين، وهذا يمثل أساس قوتها.
    وكيف تتطور هوية بلا فتح متنفس واضح للخلافات بين مكوناتها. هذا يفرض تقبل الرأي المعارض قبل تقبل أي رأي، واعتبار التنوع وتعايش الآراء مدخلاً للإغناء. أليست قيمة الارض من قيمة الإنسان، وتحرير الارض متداخلاً مع تحرير الإنسان وفك قيوده وتطوير قدراته؟ كيف يكون تحرير الإنسان المؤدي لتحرير الارض ممكناً بلا منهج ثابت لتأسيس الحقوق المدنية والإنسانية وتقديس الحريات والمساحة الانسانية بما فيها الطريقة الديموقراطية في إنتخاب القادة والممثلين؟
    في هذا الزمن وفي هذه اللحظات التاريخية التي تشهد تحولات كبرى في العالم العربي يجب إعادة قراءة التجربة الكفاحية المسلحة، كما يجب في الوقت نفسه استلهام تجارب جنوب أفريقيا والهند والحقوق المدنية في مجتمعات شتى. لكل هذا أثر حاسم على نمو الهوية وتطورها. ستؤدي أنماط جديدة للمقاومة المدنية إلى مرحلة جديدة من الكفاح. فالمقاطعة وإحياء الذاكرة، والمقاومة بواسطة الفن والمسرح والسينما والإعلام والأغنية والتعبير والكتابة والتعليم والثقافة والمسيرات المنظمة والإعمار وبناء المؤسسات ودعم الإبداع وزرع الاشجار وتحدي الموانع والحواجز وحماية الحريات والتنوع، قد تكون الشكل الأهم للمقاومة في المراحل المقبلة. في لحظة تحول بامكان هذه المقاومة ان تعزز الهوية وتقويها وتبرز نقاط قوتها، فتهزم أعداءها في فكرهم وأخلاقهم وسلوكهم ومرحلتهم التاريخية قبل أن تهزمهم في ساحة الوغى.

    من رجال تحت الشمس الى رجال وقفوا في باب الشمس
    بقلم: مهند صباح عن القدس العربي
    بين الرواية والرواية، قصة شعب وحكاية.. انها الارادة الشعبية الفلسطينية في التحدي وانتزاع الحق في الارض. مرة اخرى يثبت الشعب الفلسطيني تقدمه على قياداته ويمارس حقه ويأخذ زمام المبادرة بكلتا يداه الخشنتان التي عشقت ملح هذه الارض. باب الشمس انموذجا جديدا في حلقة الصراع مع الاحتلال والمشروع التوسعي الصهيوني على ارض فلسطين. حيث ان هذا النموذج ما هو إلا ارتقاء في تطوير الادوات النضالية الشعبية لأبناء فلسطين الذين سئموا الشعارات والتصريحات الرسمية او شبه الرسمية على مدار اكثر من عشرين عاما وهم يشاهدون بأعينهم قطعان المستوطنين تستولي على الارض شبرا تلو الشبر. وبعد ان تم إشغال قطاعات واسعة من الشعب الفلسطيني بمشاكل ارتفاع الاسعار وربطه بمنظومة قروض بنكية وحنفية المساعدات الدولية ومحاولة ترسيخ سياسة (نصف الرتب) محاولين تشويش البوصلة عن اتجاهها الوطني الصحيح.. سكان قرية باب الشمس قرروا ان يأخذوا زمام المبادرة بأيدهم وان يرسموا معالم الصراع المستقبلي مع المشروع الصهيوني.
    ان الخطوة النضالية الجريئة جدا انما هي تجسيد لمفهوم ان النضال والمناضلين قادرون على الابداع في ايجاد اساليب متعددة تفاجئ الاحتلال كمؤسسة والكيان الصهيوني كحاضن لتلك المؤسسة.
    في الماضي كانت معظم اساليب مقاومتنا وتصدينا لقرارات مصادرة الاراضي تنحصر في صلاة الجمعة او زرع اشجار الزيتون وأخرها خيمة ام كامل الكرد في حي الشيخ جراح في القدس والتي مات زوجها داخل خيمته رافضا الخروج منها إلا على القبر وهذا ما حصل فعلا.
    ان الاحتلال ينظر لمثل هذه الخطوة بخطورة بالغة خصوصا وان المطلوب شعبيا هو استنساخ قرى اخرى في عموم فلسطين، قرى تحاكي بفكرتها وجرأتها قرية باب الشمس التي لا تغيب. لكن ما المطلوب من اجل ذلك؟
    أولا: يجب الارتقاء من التجربة والمبادرة الفردية الى تبني النموذج ليصبح مشروع وطني بدعم سياسي وتوفير كافة الاحتياجات اللازمة لتفعيل وضمان نجاعة المشروع. ولكن الخوف هنا بان يتحول هذا المشروع كورقة ضغط لمفاوضات عبثية لا تسمن ولا تغني من جوع وبالتالي يتم اجهاض المشروع.
    ثانيا: اعطاء مؤسسات المجتمع المدني دورا بارزا في تنفيذ المشروع، الامر الذي يعطي طابعا مدنيا ثوريا في مواجهة الاستيطان و يضمن ايضا تجنيد اكبر عدد ممكن من المتضامنين الاجانب مع القضية التحررية، وبالنتيجة الحتمية فضح ممارسات الاحتلال ومحاصرته دوليا على حد سواء. وربما يؤدي الى تجفيف مصادر الدعم المادي الدولي للاستيطان، من يدري؟
    يجب استغلال الظرف العربي والدولي الراهن لصالح قرى اخرى من باب الشمس وخاصة ان الكيان الصهيوني يعاني نوع من القطيعة الدولية سواء على المستوى الرسمي او حتى على المستوى الشعوب في العالم، هذه القطيعة التي لم يشهد الكيان الغاصب مثلها منذ قيامه على ارض فلسطين، وهنا تبرز مرة اخرى اهمية التبني الرسمي الفلسطيني لمشروع نضالي مثل باب الشمس.
    خطوة باب الشمس تحمل في ثناياها اهمية قصوى ورسالة ذات مدلولات عظيمة، خاصة وانها اقيمت على اراضي القدس. القدس تلك المدينة التي سعى الاحتلال منذ عام 1967 الى عزلها جغرافيا وسياسيا وثقافيا وفكريا عن بعدها الوطني الفلسطيني وعن بعدها الثقافي والديني الاوسع. وآخر خطوات التهويد للمدينة هي تغيير أسماء الاحياء والشوارع العربية في المدينة.
    قرية باب الشمس قد خلقت من الخيام افقا جديدا في الصراع ، ليس فقط في مناطق عام 1967 انما ايضا في مناطق 1948، وهنا دعوة لكل ابناء اللجوء من القرى داخل الخط الاخضر و القرى المهجرة القادرين على الوصول الى قراهم المهجرة بمحاكاة باب الشمس. هنا اود الاشارة الى مجوعة صغيرة من ابناء قرية قالونيا المهجرة والواقعة على بعد 6 كيلومترات غربي القدس قد قاموا بفعل مشابه في الماضي وخيموا في قريتهم ايمانا منهم بأحقيتهم بأراض القرية. و المطلوب تعميم التجربة على عموم ارض فلسطين المحتلة.
    عندما تصبح قرية باب الشمس عقيدة نضالية باحتضان شعبي ورسمي لها يصبح الحلم الفلسطيني اقرب للحقيقة سواء بالمحافظة على الارض وإنقاذها من براثن قطعان المستوطنين وأيضا خطوة اولى للعودة الى قرانا داخل الخط الاخضر.

    الجبهة الأضعف للنضال الفلسطيني
    بقلم: وليد أبي مرشد عن الشرق الأوسط
    كلما تعمقت عزلة إسرائيل الدولية، وكلما نأت بنفسها عن التسوية السلمية.. تسارعت وتيرة تحولها إلى مجتمع يميني شوفيني منغلق على ذاته.
    ذهنية «الغيتو» ليست جديدة على المجتمع اليهودي أينما وجد. ولكن اللافت أن ما كان يهود الشتات يزعمون أنه ضمانة لوجودهم المستقل، أي «الدولة الملجأ» (إسرائيل)، تحولت بدورها إلى «غيتو» كبير تفصله عن الخارج قضبان ذهنية شوفينية، تزداد ترسخا مع مر السنين، عوض أن تكون «تأشيرة» انفتاح اليهود على الآخرين. استنادا إلى إحصاءات إسرائيلية، كانت نسبة الإسرائيليين الذين يصنفون أنفسهم في خانة اليمين السياسي، عام 2010، تبلغ 34%. وبعد أقل من عامين، أي بنهاية عام 2012، ارتفعت نسبتهم إلى 41%.
    عوامل كثيرة ساهمت في هذا الانجراف المتواصل نحو اليمين الشوفيني، أبرزها التبدلات التي طرأت على تركيبة المجتمع الإسرائيلي خلال السنوات الماضية، مثل ارتفاع عدد اليهود من أصول شرقية (السفارديم) ورجوح كفة المتدينين على الليبراليين. إلا أن العامل الأبرز في تنامي هذا التيار، يعود إلى المردود الانتخابي الذي جنته سياسة التصلب الليكودي حيال الفلسطينيين وتجاهلها الممنهج للتسوية السلمية.
    في ظل هذا المناخ اليميني، لا يبدو مستغربا أن يتحول حزب شوفيني ناشئ، مثل حزب «البيت اليهودي»، إلى أسرع الأحزاب الإسرائيلية نموا عشية الانتخابات البرلمانية المقبلة، ويصبح رئيسه نفتالي بينيت، «الظاهرة اليمينية الجديدة» في البلاد، كما تسميه وسائل الإعلام الإسرائيلية.
    صعود نجم رئيس حزب «البيت اليهودي» يعود، حصريا، إلى مزايدته على تحالف نتنياهو - ليبرمان، (وربما صراحته) في المطالبة بـ«ضم» كل الأراضي الفلسطينية إلى دولة إسرائيل. واللافت أن دعوته تلاقي تجاوبا ملحوظا، خصوصا في أوساط الناخبين الشبان ممن يستهويهم استغلال ذهنية «الغيتو» اليهودية على خلفية أمنية لا إثنية فحسب.استطلاعات الرأي الإسرائيلية تتوقع فوز هذا الحزب اليميني المتشدد بنحو أربعة عشر مقعدا من أصل مقاعد الكنيست المائة والعشرين، بحيث يصبح الحزب الثالث، عدديا، بعد حزبي «الليكود - بيتنا» و«العمل».
    وهنا، يبرز التساؤل عما يمكن وصفه بتقصير الناخب الفلسطيني في إسرائيل عن لعب دوره الوطني على صعيد الحد من هيمنة اليمين الإسرائيلي على الكنيست.
    نسبة الناخبين الفلسطينيين في الانتخابات الإسرائيلية تبلغ الـ20% من مجموع عدد المقترعين (وهم يشغلون حاليا 17 مقعدا من أصل مقاعد الكنيست الـ120)، مما يعني أن تجمعهم في لائحة واحدة كفيل بتحويلهم إلى الحزب الثاني، عدديا، في البرلمان الإسرائيلي.
    ولكن، بينما يزداد الناخب الإسرائيلي مذهبية وتقوقعا، يتراجع باطراد اهتمام الناخب الفلسطيني بالعملية الانتخابية كلها، بدليل أن نسبة إقبال الفلسطينيين على صناديق الاقتراع، التي كانت تبلغ الـ75% عام 1999، انخفضت إلى 53% في انتخابات عام 2009.
    ورغم أن لكل الناخبين الفلسطينيين قضية وطنية واحدة، فقد فشلوا في جعلها سقفا جامعا لنشاطهم السياسي، وانقسموا على ثلاثة تيارات متصارعة (إسلامية وقومية وشيوعية)، لا تقدم قضيتهم الوطنية بقدر ما تشرذمها. ومع التسليم بصحة وصف المثقفين الفلسطينيين للنظام البرلماني الإسرائيلي بأنه «ديمقراطية لليهود فقط» – الأمر الذي يؤكده الاتساع المطرد للفجوة الاجتماعية الاقتصادية القائمة بين يهود وعرب إسرائيل - فإن فئوية هذه الديمقراطية لا تبرر دعوة بعض الفلسطينيين إلى مقاطعة الانتخابات المقبلة بينما المطلوب عكس ذلك تماما، أي المزيد من الانخراط في اللعبة البرلمانية، بحيث يتمكن فلسطينيو الداخل من تثبيت موقعهم كثاني كتلة برلمانية في الكنيست، وعبرها ممارسة المزيد من الضغوط الانتخابية والبرلمانية على الحكومات الإسرائيلية.. فلا يبقى فلسطينيو الداخل الجبهة الأضعف في معركة التسوية السلمية في المنطقة.

    انتفاضة ثالثة.. تخوف إسرائيلي وتردد فلسطيني
    بقلم: ماجد أبو دياك عن السبيل الأردنية
    الاسرائيليون هذه الأيام متخوفون من انتفاضة فلسطينية ثالثة، ويقولون إنهم استعدوا أمنيا لهذا الاحتمال. صحيح أن هناك تصريحات تدخل في سياق التهديد من إعادة انتخاب نتنياهو الذي سيجر الكارثة على الكيان الصهيوني حسب قولهم، إلا أن تصريحات من مسؤولين عسكريين وأمنيين حذرت من هذه الانتفاضة، مستدلة بتراجع مكانة السلطة الفلسطينية أمام حماس، والإحباط واليأس الذي يسود بين الفلسطينيين؛ نتيجة عدم إحراز أي تقدم في العملية السلمية.
    وفي هذا السياق، جاءت تصريحات القائد العسكري العقيد يانيف الآلوف أمام جنوده قائلا: «لم نعد على شفا انتفاضة ثالثة، إنها قائمة بالفعل، نتوقع الكثير من الاشتباكات من الآن فصاعدا».
    كما جاءت تصريحات رئيس سابق جهاز المخابرات الداخلية الاسرائيلية (شين بيت) يعقوب بيري، الذي قال إن «إسرائيل» تواجه شبح انتفاضة فلسطينية جديدة؛ بسبب الاحباط من الجمود في صنع السلام، معتبرا أن انتفاضة فلسطينية أخرى ليس بالضرورة ان تكون عنيفة، لكنها قد تتطور إلى حركة احتجاجية ضخمة.
    كما صدرت تصريحات مماثلة لكل من بيريز وبنيامين بن أليعزر ورئيسة حزب «الحركة» تسيبي ليفني وغيرهم من المسؤولين السياسيين.
    والمتتبع للتحركات الأمنية الإسرائيلية يجد تصاعدا في وتيرة الاعتقالات في الضفة، ومساندة من أجهزة الأمن الفلسطينية هناك في اعتقال الناشطين، في محاولة للحيلولة دون وقوع انتفاضة جديدة، أو للسيطرة عليها في بدايات تباشيرها التي ظهرت باستعادة حماس وجودها الجماهيري في أثناء العدوان العسكري الإسرائيلي الأخير على غزة.
    ويحاول الرئيس الفلسطيني محمود عباس الحيلولة دون وقوع الانتفاضة التي ستضعضع من سلطته بالضفة؛ عبر التسريع بإنجاز إنجاز المصالحة مع حماس، وإشراكها في العمل السياسي في الضفة لتخفيف حالة الاحتقان بها.
    إلا أن هذا التحرك قد لا يمنع من تململ الشارع الفلسطيني واستثمار أجواء الوفاق الفلسطيني –إن حصل ذلك- لإطلاق انتفاضة جديدة في الأراضي الفلسطينية تشارك فيها كل أطياف الشعب الفلسطيني.
    ويتوفر للفلسطينيين عامل تحفيز خارجي لإطلاق انتفاضة جديدة ضد «إسرائيل»، يتمثل في الربيع العربي وصعود الإسلاميين للحكم في مصر، وتأمينهم الغطاء اللازم للشعب الفلسطيني في مواجهة «إسرائيل».
    قد تجنح الانتفاضة في البداية للطرق السلمية، ولكن بطش الاحتلال قد يدفعها إلى استخدام السلاح، وكل ذلك منوط برغبة الفصائل الفلسطينية وميلها نحو دعم انتفاضة جديدة وتحمل أعبائها، أو تفضيلها الانشغال بترتيب البيت الفلسطيني الداخلي الذي قد يسفر عن نتائج أو يبوء بالفشل.
    وفي نظرنا أن أهم ما يمكن أن يجمع الفلسطينيين ويوحدهم هو تفعيل المواجهة مع الاحتلال، ففضلا عن أن ذلك يعيد تحريك القضية بعد فشل كل الجهود السلمية، فإنه سيوحد الجميع في الميدان، ويؤسس لقاعدة جديدة للمصالحة تقوم على مقاومة المحتل بكل السبل، بدلا من استمرا التعويل على مصالحة لا ترتكز على برنامج سياسي توافقي.
    ولكن العارفين بواقع القضية يرون أن الفصائل إما غير راغبة أو مترددة أو عاجزة عن خيار المقاومة ومنشغلة إما ببرنامج التسوية أو ترتيب البيت الداخلي ما لم تدفعها الأحداث إلى الاندماج في انتفاضة جديدة ضد العدو.

    لماذا مخيم اليرموك ؟
    بقلم: زياد ابوشاويش عن البعث السورية
    هم دخلوا محتلين مخيم اليرموك بتواطؤ بعض الواهمين، أو الذين جرى شراءهم أبخس الأسعار، وبعملية لم يكن لها أية مبررات في ظل وضع المخيم وفي ظل وجود آلاف النازحين إليه من المناطق المجاورة. قصفوا وقتلوا وتقدموا للأمام في غياب أي وجود للجيش العربي السوري، وفي غياب أي مقاومة جدية لهم، وحققوا كما يزعمون، ويتوهمون، انتصاراً على لاجئين فلسطينيين أعلنوا منذ بداية الأحداث أنهم محايدون تجاه الأزمة في سورية، والتي تملأهم ألماً على مايجري في بلد هو أقرب الأشقاء لفلسطين، بلد قرر منذ البداية حمل قضية فلسطين والدفاع عنها، ويتمنون على الجميع وقف إراقة الدماء التي لايستفيد من نزيفها إلا "إسرائيل" المستفيد الأكبر مما يجري في سورية منذ حوالي العامين، اواللجوء لحوار وطني لانجاز مرحلة التحول والإصلاح المنشود، الذي ماتزال المعارضة الخارجية ترفضه.
    لقد فشل مسؤول حركة فتح ومعه السفير الفلسطيني في سورية في إقناع هؤلاء المسلحين بأن يغادروا المخيم بسلام ويسحبوا آلياتهم منه حتى لا يتعرض المخيم للتدمير، ويبقى عشرات الآلاف من نازحيه في الشوارع والحدائق العامة والجوامع وغيرها من الأماكن في هذا الشتاء القارص. المحاورون فلسطينيون معنيون بعودة أهل المخيم لبيوتهم وتسوية المشكلة قبل أن يقع المحذور ويقتل الكثير من الذين بقوا فيها أو عادوا لها نتيجة وعود هؤلاء المسلحين بالانسحاب قبل عشرة أيام، وقبل أن يلحق المزيد من الدمار بالمخيم أو بالأحرى قبل أن يدمر.
    في ظل الحالة الراهنة ووجود الجيش العربي السوري النظامي على أطراف المخيم وتواصل الاشتباكات حوله فالمرجح أن تكون الأيام القادمة عصيبة ومرعبة ويهرب المزيد من السكان من المخيم الذي بات أقرب لمدينة أشباح بعد أن هرب منه الناس بسبب بقاء هؤلاء المحتلين في شوارعه وحاراته، واتضح الآن أن دعوتهم لعودة أهل المخيم إنما قصد بها أمران، الأول هو وضع هؤلاء العائدين والمقيمين في مواجهة الحدث واستدراج الجيش السوري لمعركة يسقط فيها مئات القتلى من الفلسطينيين، وبالتالي إثارة الرأي العام العربي والدولي وبالطبع الفلسطيني ضد القيادة السورية وتلطيخ سمعة الجيش السوري "القاتل للاجئين الفلسطينيين" كما يحلو لبعض الصغار والمتآمرين ترديده بشكل مستمر.
    والأمر الثاني هو وضعهم كدروع بشرية وسواتر ترابية يقصف من خلفها المسلحون قطعات الجيش في محيط المخيم ويتعمدون سقوط قذائفهم من مختلف الأسلحة داخله من أجل تسليط الضوء على نتائج هم الذين صنعوها، مقدرين أن عودة الناس للمخيم تحرف المسألة وتجعل إدانة الدولة باعتبارها مسؤولة عن حماية المخيم أمراً مسلماً به، ناهيك عن التضليل الذي تقوم به آلة التزييف الإعلامي الذي يترافق عادة مع أي اشتباك يجري بين المسلحين وبين الجيش السوري النظامي.
    الحالة التي يعيشها النازحون من المخيم مزرية وتفتقد لأبسط مقومات الحياة الكريمة سواء في الأماكن العامة أو من حالفهم الحظ بإيجاد مأوى لهم هنا وهناك، ولهذا فإن كل دعاوى ومزاعم جبهة النصرة الإرهابية ومعها مسلحي "الجيش الحر" حول حرصهم على حياة الفلسطينيين ومساندتهم في حق العودة، وغيرها من الكلمات الرنانة التي انطلت على بعض السذج والواهمين هي مجرد أكاذيب للترويج لفكرهم التدميري وخداع الناس في الوقت الذي يتشبثون بمخطط كان الكثيرون قد أشاروا له منذ البداية، ينفذون من خلاله أجندة صهيونية لتفريغ المخيمات وتشريد شعبنا مجدداً، توطئة لفرض حل مريح للعدو الصهيوني فيما يخص قضية اللاجئين الذين لا زال العالم يرى وجوب عودتهم لأرضهم وبيوتهم.
    ولعل الأيام القادمة تكشف عن المزيد من الحقائق فيما يخص مخططهم الخطير هذا، لكن رفضهم للمغادرة وعودة الناس لمخيم اليرموك يكشف ولو جزئياً ما يريدون تحقيقه من وراء بقاء احتلالهم وتمركز قواتهم داخل مخيم اليرموك.
    وللإجابة الواضحة عن السؤال الرئيسي حول أسباب رفضهم مغادرة المخيم بالإضافة لمخطط تهجير الفلسطينيين وتفريغ المخيم من سكانه فإننا نلخصها بالنقاط الآتية:
    خشية هؤلاء المسلحين، الذين تتكشف حقيقة ما يقومون به يوماً بعد يوم، من ملاحقة الجيش لهم في المناطق المجاورة، واعتقادهم أن المخيم يبقى أكثر أمناً لهم حتى في ظل هرب الناس منه كما كان ملجأهم في الفترة السابقة لاجتياحهم له وتدميره.
    توريط الجيش النظامي في معارك وعمليات ستنعكس لاشك دماراً هائلاً للمخيم، واستغلال ذلكك مادة إعلامية تحريضية مضللة تم تجريبها في مناطق أخرى وتاجر به الإعلام الغربي وقنوات التضليل إياها في محاولة لإلحاق الأذى بسمعة الجيش العربي السوري وتشويه دوره الوطني في حماية الوطن ومؤسساته.
    التأكيد مجدداً أن مخيم اليرموك هو أرض سورية، وبالتالي فإن الانسحاب منه سيعني من وجهة نظرهم أنهم ممنوعون من دخول أرض مناسبة للتمركز فيها طالما هي كذلك.
    الانتقام من الفلسطينيين وتحميلهم مسؤولية عدم المشاركة في تبني مخططاتهم والهجوم على النظام، وهذا أمر واضح لنا منذ البداية حين كان بعضهم يهتف بكل صفاقة عندما رفض المواطنون الفلسطينيون الانخراط في أفعالهم التدميرية التي من شأنه إعادة سورية عقود إلى الوراء، "بدنا نحكي على المكشوف فلسطيني ما بدنا نشوف".
    اتخاذ مخيم اليرموك قاعدة للانطلاق منها للاعتداء على مدينة دمشق وزعزعة الأمن والاستقرار فيها باعتبارها عاصمة الدولة وركيزة الحكم وتتمركز فيها القيادة السياسية.
    الجانب الإعلامي والتغطية الخاصة والكبيرة لأحداث المخيم واستطراداً لعمليات القتل والتدمير التي يقوم بها هؤلاء المسلحين تغريهم بالبقاء، ونحن نعرف على وجه التقريب متوسط أعمارهم ومستوى ثقافتهم المتدني وميلهم للظهور بمظهر البطولة حتى على حساب أهلهم.
    هذه هي أهم الأسباب التي تحول دون خروج المسلحين من المخيم وتجعلهم يتمسكون بالبقاء فيه، وكل ما قاله المسلحون في السابق وما وافقوا عليه كان للمراوغة وكسب الوقت ليس إلا، لكن هذا الوقت لن يكون مفتوحاً لفترة طويلة وهم يعرفون النتيجة سلفاً، وربما موقفهم الحالي برفض الانسحاب يؤكد ما قلناه وقاله غيرنا حول صحة وسلامة موقف الجبهة الشعبية-القيادة العامة- واللجان الشعبية في مواجهتهم ومنعهم بالقوة من دخول المخيم وتجنيب شعبنا الويلات والتشرد.

    معضلة المصالحة الوطنية الفلسطينية
    بقلم: نفين مسعد (أستاذة العلوم السياسية بجامعة القاهرة) عن الشروق المصرية
    لم أكد ألمس أى اهتمام يُذكر فى الصحافة المصرية بمهرجان « الدولة والانتصار» الذى نظمته حركة فتح فى ساحة السرايا بقلب قطاع غزة وأحيت به الذكرى 48 لانطلاق الثورة الفلسطينية فى مطلع هذا الشهر. أما على المستوى الفلسطينى نفسه فقد كان هذا الحدث موضع اهتمام واسع سواء لجهة الحشد الكبير الذى رافقه إلى حد اعتبره البعض استفتاءً على شعبية فتح فى غزة بعد ست سنوات من سيطرة حماس على مقاليد السلطة، أو لجهة التباين الكبير فى تقييم علاقة المهرجان بالمصالحة الوطنية الفلسطينية سلباً وإيجاباً. ويحاول هذا المقال أن يشتبك مع الجدل الفلسطينى فى تحليل فعاليات المهرجان وآثاره.
    المهرجان المشار إليه هو الأول من نوعه الذى تعقده فتح فى غزة منذ انتهى احتفالها بإحياء ذكرى وفاة أبو عمار فى 13/11/2007 على أرض الكتيبة الخضراء فى القطاع، انتهى إلى مواجهات دامية مع شرطة حماس. وبعد هذا التاريخ حُظِر نشاط فتح فى غزة، ونقلت حماس كل فعالياتها من ملعبى اليرموك وفلسطين إلى الكتيبة الخضراء بقصد تكوين ذاكرة جديدة للمكان. حضر المهرجان مئات الآلاف من أبناء الشعب الفلسطينى، بل قدرتهم بعض المصادر بمليون شخص ضاقت بهم أركان الساحة فملأوا كل الشوارع الرئيسية المحيطة، أكثرهم مقيم فى غزة والبعض الآخر أتاها براً أو بحراً فى قوارب رست على شاطئ القطاع قادمة من رفح وخانيونس، ونافس النقل بواسطة الدواب وسائل النقل الحديثة التى لم تستوعب كل الزاحفين إلى ساحة السرايا. من قُدر له أن يدخل إلى الموقع الإلكترونى لدنيا الوطن هو وحده الذى سوف يُكون تصوراً حقيقياً عن حجم الاحتشاد الجماهيرى فى هذا المهرجان الذى أُطلِق عليه « مهرجان البيوت الخاوية» إشارة إلى أن « حدا ماضل بالبيت» على حد التعبير الفلسطينى . تحولت ساحة السرايا إلى غابة من الأعلام الصفراء رمز منظمة التحرير، وصنعت نساء كثيرات أرديتهن من القماش نفسه وتزينّ بالكوفية الشهيرة، وكان أكثر المشاهد تأثيراً لامرأة عجوز شارفت على التسعين تقوس ظهرها فاتكأت بيمناها على عصا وبيسراها على العلم الأصفر وراحت تدب فى الأرض متجهة صوب الساحة. صدح لأول مرة فى أرجاء المكان نغم جميل منبعث من موسيقى فرقة العاشقين ذائعة الصيت، وامتدت حماسة المحتفلين فى السرايا إلى مختلف المخيمات الفلسطينية فيما مثل مشهداً خلفياً لإحياء الثورة فى ميلادها الثامن والأربعين، هل هى مصادفة التوافق بين عام النكبة 1948 وما اعتبره البعض بعثاً جديداً للثورة بعد 48 عاماً؟
    فى تقييم مهرجان « الدولة والانتصار» ذهب البعض إلى أنه يؤكد الحضور القوى لحركة فتح فى غزة، واعتبره إنجازاً سياسياً يضاف إلى إنجازين سياسيين حققتهما السلطة الوطنية فى العامين الأخيرين، الأول فى 31/10/2011 بحصول فلسطين على عضوية كاملة فى منظمة اليونسكو بموافقة 107 دولة من أصل 194، والثانى فى 29/11/2012 بحصول فلسطين على صفة الدولة المراقب غير العضو بالأمم المتحدة بموافقة 138 دولة ، وذلك رغم استماتة الولايات المتحدة وإسرائيل للحيلولة دون كلتى العضويتين. وفى واقع الأمر فإن تأمل دلالة إحياء الذكرى 48 للثورة الفلسطينية يقتضى التمييز بين أمرين، أحدهما أن حركة حماس ليست الفصيل السياسى الوحيد الناشط على أرض القطاع، والآخر أن الاحتشاد فى ساحة السرايا هو بالضرورة تصويت بنعم على سياسة الرئيس أبو مازن، وذلك أن ثمة تناقضاً منطقياً بين ذكرى الثورة التى هى إعلان لانطلاق الكفاح المسلح وبين الالتفاف حول نهج التسوية السياسية بكل عثراتها منذ انطلاق عملية أوسلو. بعبارة أخرى فإن المشاركين فى إحياء ذكرى الثورة ليسوا محسوبين على التيار السياسى لحماس، لكن ليس مؤكداً بالضرورة أنهم راضون عن النهج السياسى لفتح، كما أن منهم من رأى فى هذه المناسبة بادرة أمل فى بعث المصالحة الوطنية الفلسطينية المجمدة منذ اتفاق الدوحة فى فبراير 2012، وهذا ينقلنا إلى النقطة التالية فى المقال.
    من بين المسميات التى أُطلقت على مهرجان « الدولة والانتصار»، أنه مهرجان « الوحدة الوطنية»، وبالفعل ارتفعت اللافتات التى تحمل هذا فى الاحتفال. وفى تعليق لأحد المحللين الفلسطينيين على هذا التطور، اعتبر أن إقدام حماس من موقع القوة على السماح لفتح بإحياء ذكرى الثورة، وما سبق ذلك من إطلاقها سراح معتقلين للحركة فى سجون غزة، وتقبلها عودة النازحين القادمين من القطاع، اعتبر أن جميعها مؤشرات تمهد للمصالحة وفق خارطة طريق تبدأ بإعادة هيكلة المنظمة وتمر بتشكيل حكومة وفاق وطنى تشرف على الانتخابات التشريعية والرئاسية. أو فإن البديل هو إعلان انتهاء شرعية السلطة الوطنية، خاصة بعد أن أثبت نهج المقاومة أنه الوحيد القادر على تغيير توازنات القوة ، ووصلت صواريخ حماس لأول مرة إلى تل أبيب والقدس لتتحول عملية « عمود السحاب» من فرصة انتخابية لنيتنياهو إلى مأزق سياسى لحزبه . التحليل السابق ينطلق من نقطة مؤكدة هى أن حماس صارت طرفاً يتعين على إسرائيل أن تعد للألف قبل مهاجمته عسكرياً على ضوء تجربة حملة الأيام السبعة الأخيرة، لكن على الجانب الآخر فإن حماس اضُطرت لتأييد تحول فلسطين إلى دولة مراقب غير عضو فى الأمم المتحدة بعد أن لمست زخماً شعبياً وطنياً ودولياً مؤيداً لهذا المنحى. ومؤدى الفكرة السابقة أن الورقة العسكرية بيد حماس ورقة غاية فى الأهمية فى حساب توازنات القوة، لكن الأوراق السياسية بيد السلطة ليست بالقليلة الأمر الذى يفترض التعامل بروية مع فكرة فرض أحد الطرفين رؤيته الأحادية على نهج المصالحة ومسارها.
    إن وراء اختلاف فتح وحماس حول أولويات المصالحة ما بين تمسك فتح بمسار الانتخابات التشريعية والرئاسية أولاً، وإصرار حماس على مسار انتخابات المجلس الوطنى وتشكيل الحكومة أولاً أو فى القليل استيفاء كل هذه الاستحقاقات فى روزمانة واحدة، وراء هذا الاختلاف انطلاق كل طرف فى التقييم من حسابات المكسب والخسارة التى ترتبط بكل مسار، على نحو يؤدى إلى تعطيل حدوث المصالحة رغم بعض المؤشرات الرمزية الإيجابية هنا أو هناك كتنظيم مهرجان لفتح فى غزة أو مهرجانات لحماس فى الضفة إحياء لذكرى تأسيسها. والقضية أنه فيما تجرى هذه المناورات، تتعزز فرص اليمين الإسرائيلى (تحالف الليكود وإسرائيل بيتنا) فى الانتخابات الإسرائيلية الوشيكة، وهو تحالف يضع التوسع الاستيطانى فى الضفة على رأس أولوياته، وقد أقرت حكومة نيتنياهو بالفعل خطة لبناء آلاف الوحدات السكنية فى القدس الشرقية والضفة رشوة للناخب الإسرائيلى. وهكذا تتضح معالم المشهد العبثى الذى تتنافس فيه سياسياً حركتا فتح وحماس حيث تتآكل مساحة الدولة الفلسطينية بانتظام فيما يستمر الخلاف حول أولويات نهج المصالحة، فهل يبقى الاستيطان بعد ما يُختلف عليه؟ تلك المعضلة التى تواجهها المصالحة الفلسطينية كان طبيعياً أن تُفِشل لقاء عباس/مشعل برعاية الرئيس المصرى فى القاهرة، وبينما كان شريط الأخبار يتحدث عن اتفاق الطرفين على تفعيل المصالحة تسربت أنباء من داخل اللقاء عن اختلاف حول ترتيب الأولويات!

    الـ 48 ولعبة الديمقراطية
    بقلم: أمجد عرار عن الخليج الاماراتية
    منذ إنشائها على أرض فلسطين، لم تتردد “إسرائيل” بمخاطبة العرب بلغتهم، بل إنها أنشأت قناة تلفزيونية وإذاعية وصحفاً بالعربية، ومؤخّراً أنشأت مواقع إلكترونية باللغة العربية أيضاً . لكننا للمرة الأولى نشهد نشراً لافتتاحية بالعربية في صحيفة عبرية . هكذا فعلتها صحيفة “هآرتس” على نحو مفاجئ، وهدفها المعلن في متن الافتتاحية دعوة فلسطينيي ال 48 للتصويت في انتخابات “الكنيست” الأسبوع المقبل، وعدم الالتفات للأصوات التي تحث على المقاطعة .
    التفسير الظاهري والسطحي لهذه الخطوة هو التخوف من تراجع نسبة التصويت بين فلسطينيي الداخل، ومن أن يخدم هذا التراجع تزايد قوة أحزاب ما يسمى “اليمين”، على اعتبار أن فلسطينيي الداخل إن صوّتوا فسيمنحون أصواتهم لما يسمى “اليسار” سواء عبر اختيار القوائم العربية أو أحزاب “إسرائيلية” تسمي نفسها يسارية، رغم أنها متشبّثة بالصهيونية شكلاً ومضموناً وفكراً وأهدافاً، بكل ما تعنيه هذه الحركة فكرياً وسياسياً من تضاد مع أي شيء له علاقة باليسار .
    لكن الهدف الحقيقي هو توظيف مشاركة فلسطينيي ال 48 في الانتخابات ترشيحاً وانتخاباً في إخراج مسلسل التضليل المسمى “ديمقراطية” ببصمات فلسطينية . هذا ما يتضمنه قول “هآرتس” في افتتاحيتها إن “الجماهير العربية هي جزء لا يتجزأ من المجتمع “الإسرائيلي” وإن مشاركتها في الانتخابات” تثري الديمقراطية “الإسرائيلية” وتشكّل تحدياً محفزاً لها . هذا هو الأساس، وهذا ما يحمله كل مسؤول “إسرائيلي”، حين يزور أية عاصمة دولية .
    أما كلام “هآرتس” عن إنجازات حققتها “الجماهير العربية” من مشاركتها في صالون التجميل المسمى “ديمقراطية”، فهو مردود عليها وعلى المقتنعين بهذه الأسطوانة، فهذه المشاركة لم تمنع إصدار قانون عنصري واحد ضد العرب، ولم تخفف الهوة الواسعة في الميزانيات المخصصة للمجالس المحلية، حيث تعطى المجالس العربية 17% مما يعطى للمجالس اليهودية . عام 2000 وفي غضون ثلاثة أيام قتلت “إسرائيل” ثلاثة عشر فلسطينياً وجرحت المئات بالرصاص في مناطق ال 48 لأنهم تظاهروا سلمياً تضامناً مع أشقائهم المنتفضين في الضفة وغزة، فماذا فعلت لهم ديمقراطية “إسرائيل”؟ القضاء “الإسرائيلي” برأ القتلة مدّعياً أنه لا أدلة، وكأن الرصاص أطلق من أوروبا .
    لم تأت “هآرتس” ولا نتوقّع منها أن تأتي على التناقض بين دعوة فلسطينيي ال 48 للتصويت، ومطالبة “إسرائيل” للعرب بالاعتراف بها “دولة” لليهود، وهي مطالبة تفضي بالضرورة إلى طرد أكثر من مليون فلسطيني إلى الدول التي تحمل ديانتهم، أي دول “الربيع الإسلامي” . ولم تعرض “هآرتس” بطبيعة الحال حجم التمثيل العربي في “الكنيست” منذ تأسس الكيان، وهو تمثيل لا يمكّن أصحاب منزل صدّعه الرعد، من ترميمه . هذا التمثيل المتناقص أصلاً شأنه شأن ما يسمى “اليسار” الآيل للانقراض لمصلحة أحزاب أكثر سفوراً ووضوحاً في تبنيها لترحيل الفلسطينيين، فضلاً عن رفضها مجرد النقاش في حق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة إلى ديارهم التي طردوا منها بالمذابح والإرهاب .
    بعد هذه التجربة “الديمقراطية” المريرة، بات فلسطينيو ال 48 أكثر قناعة بأن عدداً ممن يصلون إلى “الكنيست” ويؤدون يمين الولاء للصهيونية، تفرّغوا لمد الجسور بين الكيان ودول عربية، بعد أن افتعلوا مسرحيات “الصدام” مع “إسرائيل”، كوسيلة خبيثة للترويج لديمقراطية الكيان، وكمعهد أكثر نجاحاً في تخريج مفكري التطبيع والتلميع والتركيع والتربيع العربي ... للحقيقة، كان غريباً أن نرى افتتاحية عربية في جريدة عبرية، لكننا لن نستغرب إن شاهدنا افتتاحية عبرية في صحيفة عربية .

    الاستيطان مستمر
    بقلم: محمد عبيد عن الخليج الاماراتية
    التغوّل الاستيطاني مستمر، والمخططات تدخل حيز التنفيذ، بعد إقرارها في أروقة حكومة الاحتلال والإحلال “الإسرائيليين”، والهدف كما هو واضح للجميع، استمرار هذا الاحتلال وتوسعه، وضم وسلب المزيد من الأرض الفلسطينية، وقطع الطرق على الشعب الفلسطيني، وإلغاء إمكانات التواصل بين أفراده .
    الاستيطان مستمر، سواء أخذ ذلك شكل المخطط القاضي بإنشاء آلاف الوحدات الاستيطانية في المنطقة التي يسميها الاحتلال “إي 1” الواقعة بين القدس المحتلة ومستعمرة “معاليه أدوميم”، أحد أكبر الأورام السرطانية “الإسرائيلية” المحيطة بالقدس، أو استمرار نثر الخيام والبيوت المتنقلة على رؤوس التلال وقمم الجبال في أراضي الضفة الفلسطينية المحتلة .
    الأحاديث المتناقلة من هنا وهناك، ومنها ما نقل على لسان الرئيس الأمريكي باراك أوباما، عبر شبكة “بلومبيرغ” الإخبارية الأمريكية، حين “أسر” لمحادثيه أكثر من مرة أن رئيس حكومة الكيان بنيامين نتنياهو يقود كيانه المحتل “إلى مزيد من العزلة”، والدعوة “العلنية” لأمين عام الأمم المتحدة بان كي مون لوقف التوسع الاستيطاني المتصاعد، وغيرها من الدعوات والمطالبات، لن تغير في الأمر شيئاً .
    فإسرار أوباما بمثل هذا الحديث، الذي لا يشي إلا بالحرص على “إسرائيل” وبقائها من ناحية، والحرص على عدم إغضاب غلاة متطرفيها بحديث علني في هذا الشأن من جهة ثانية، يكشف أن رئيس القوة العظمى الدولية، المقبل على أداء اليمين لولايته الرئاسية الثانية مرتين الأحد والاثنين المقبلين، لن يغير شيئاً من سياسته تجاه القضية الفلسطينية، وعلى الأغلب سيبالغ في إبداء الدعم والتبني الكامل لجرائم الكيان .
    أما على مستوى المنظمة الدولية، الأمم المتحدة، فحدّث ولا حرج، إذ إنها تؤدي دورها العالمي ببراعة وكفاءة لا مثيل لهما، من خلال التحرك في أرجاء العالم تحت عنوان “النوايا الحسنة”، والاستمرار في وقوعها رهينة قوى كبرى تحمل تاريخاً استعمارياً، ورؤى مستقبلية للهيمنة على الغير، وتوظف هذه المؤسسة أداة لتشريع مخططاتها تحت عناوين مختلفة ليس أقلها شأناً حفظ الأمن والسلم الدوليين، وليس أهمها حماية وصون حقوق الإنسان . فشل ذريع، والسبب أن العالم ككل لا يدار ب”النوايا الحسنة”، بل بالتهديد والوعيد، والحرب والعدوان، وأسلحة الدمار الشامل، وتكالب الأقوياء على قوت وثروات الضعفاء، العالم لا يدار حسب النظريات المثالية في العلاقات الدولية، بل حسب النظرية الواقعية وبناتها من نظريات السياسة، التي وضعها المحافظون الجدد في الولايات المتحدة، وبدأوا تسطيرها من خلال الحروب والتدخلات العسكرية .
    “الواقعية” تقول إن في هذا العالم لا مكان للضعفاء، والمنظمة الأممية تعيّن بشكل يومي تقريباً سفيراً أو سفيرة للنوايا الحسنة، التي تكتسي صبغة سياسية معينة، وتكون على الدوام بعيدة كل البعد عن اسمها، وتحمل في طياتها معالم انحياز القوى العظمى لفئة على حساب أخرى .
    في فلسطين المحتلة مئات البؤر الاستعمارية المنتشرة كخلايا سرطانية، ومئات التجمعات الاستيطانية التي تلغي أي إمكانية لما تصدح به الأمم المتحدة وغيرها من دول ومنظمات، من دعوات تروح أدراج الرياح للتسوية والحل السلمي، فهل من فرق بين دعوة علنية أو ملامة سرية؟



    موسم السياحة 2013: فلسطين المحتلة، زوروها وافرحوا بها
    بقلم: حنين نعامنة ( كاتبة فلسطينية) عن الأخبار البيروتية
    ليس هناك ألطف من أن تكون جماعة ما مُستَعمِرة حضاريّة ومنفتحة. فحينما تتوافر شروط الحداثة بما تشمله من علائم الديموقراطية، والمدنية، والعولمة، والابتعاد السياسي والاجتماعي عن الدين والانفتاح على كافة أنواعه؛ يصير الاستعمار تفصيلاً هامشياً ومتقهقراً أمام كل هذا. يصبح همّ المجتمع أن يحيا التفاصيل اليومية متناسياً أعقاب الماضي، متذكراً خطواته الحاضرة الذاهبة إلى غدها لا غير. وليس أوفى على توثيق تلك الخطى من جرائد هذا الاستعمار، التي لا يقتصر عملها على توثيق وتدوين هذا الواقع، بل أيضاً على إنتاجه وإحالته لأمر مفروغ منه.
    وهذه هي قصة جريدة «هآرتس» الإسرائيلية، الواجهة التقدمية و«اليسارية» للمجتمع الإسرائيلي. عمر هذه الجريدة هو بعمر الحركة الصهيونية، أي عمرها بعمر الاستعمار الذي أنتجها. هي لحم من لحمه. تطوّرها مواز لتطور ونمو المشروع الصهيوني في فلسطين. وإن تكن إسرائيل ظاهرياً «ديموقراطية»، فلا صحافة حرّة ومستقلة فيها. في الحقيقة لا شيء مستقلاً حقاً في إسرائيل، ما عدا ـــ ربما ـــ أجهزة الاستخبارات. فالصحافة الإسرائيلية مكرسة ومبنية ومنصهرة بالكامل في الأيديولوجيا الصهيونية، وإن كانت الصحف الإسرائيلية تختلف في ما بينها بالمواضيع التي تسلّط الضوء عليها، وفي المواقف التي تبرزها دون غيرها.
    ويتطبع الإعلام الإسرائيلي؛ نموذجاً ومحتوىً ولغةً بالإعلام الغربي، وذلك على غرار أشكال التطبع الغربية الأخرى التي يدأب عليها المجتمع الإسرائيلي لتحقيق مشروعه «الديموقراطي» الحداثي ليكتمل نضجه كعضو جدير بالمجتمع الغربي والعالمي. وهكذا تحرص جريدة «هآرتس» (وزميلاتها الأخريات) على تقليد خليلاتها الغربيات مثل «الغارديان» البريطانية و«النيويورك تايمز» الأميركية بتخصيص أقسام مختلفة في الجريدة لفئات مختلفة: طعام، ورحلات وغيرها. وإن كانت هذه التصنيفات والفئات تطلّ علينا بحلة جميلة مثيرة ولمّاعة كعارضات الأزياء، فإنّها ليست كذلك إلا لغرض التمويه والتحوّل عن السياقات السياسية والاجتماعية التي تدور الفعاليات في فلكها.
    فلسطين: زوروها وافرحوا بها!
    كثيرون منا من رأوا الملصق الذي يُظهر القدس بعلامتها الفارقة «قبة الصخرة» في خلفية بألوان تشبه الفترة الوردية لدى بيكاسو، داعياً بالخط العريض (بالإنكليزية) «زوروا فلسطين». لاحقاً، وبعد أن تنهمر دمعتان من العين على الضياع «واللي راح»، نمسحهما لنكتشف أن الملصق الذي رسمه فرانز كراوسز لم يكن إلا واحداً من إصدارات «مؤسسة فلسطين السياحية» ـــ وهي إحدى وكالات التطوير التابعة للحركة الصهيوينة ـــ وذلك سعياً منها لتشجيع الهجرة اليهودية إلى فلسطين في مطلع القرن العشرين لبناء «البيت اليهودي» المستقبلي فيها. إن مرور حوالى قرن من الزمان على تبنّي السياحة مشروعاً عضوياً من صلب المشروع الاستعماري الصهيوني، لم يقلّل أو يغيّر من موقع المنطق السياحي الاستشراقي كواحد من أهم تكتيكات المشروع الصهيوني، وإن باتت مهمته اليوم مضاعفة، فقبيل النكبة كان الهمّ الأساسي هو بناء المستقبل اليهودي ـــ الصهيوني في فلسطين، فيما بعدها (أيّ النكبة)، باتت هناك مهمة إضافية وتلك هي هدم الماضي؛ تحديداً الماضي الاستعماري، بما يعنيه ذلك من تاريخ المكان والزمان والانسان، وما بقي من كل هذا.
    وهكذا في عددها الموسّع كعادتها أيام الجمعة، تنشر جريدة «هآرتس» الإسرائيلية قسماً يدعى «رحلات». ويتخصص القسم بنشر مقالات، تحليلات ونصائح عن أماكن تصلح «لمشاوير» الأفراد والعائلات الإسرائيلية، وفيما تخصص جزءاً من هذا القسم لرحلات في خارج البلاد، فإنها تتخصص بمجملها برحلات في «البلاد»، وذلك لتشجيع السياحة والتعلق بالأرض وحب الوطن.
    «البحث عن الزمن المفقود»
    في عددها الصادر يوم 24 تشرين الثاني 2011، نشرت «هآرتس» مقالة أدرجتها في قسم الرحلات تحت عنوان «في أعقاب القرى الفلسطينية الضائعة». كاتب المقالة، وهو الكاتب المعتمد في هذا القسم، الذي قد يكتب عن زيارة حديقة حيوانات جديدة أو منتجع للتزلج بنفس الروح التي يكتب بها عن زيارة «القرى الفلسطينية الضائعة»، كانت قد وصلت إلى يديه نسخة من الكتاب «حكاية بلد ـــ دليل مسارات»، الصادر أخيراً عن جمعية «زوخروت» (ذاكرات، أي تتذكرن)، وهي جمعية إسرائيلية تسعى إلى رفع الوعي والاعتراف في صفوف المجتمع الإسرائيلي بالنسبة إلى نكبة الشعب الفلسطيني. الكتاب مؤلف من 500 صفحة، ويظهر باللغتين: العبرية والعربية بترجمة لا ترقى لأن تكون صحيحة، بل تكاد تكون ركيكة وهشّة. وهو دعوة للمجتمع الإسرائيلي لزيارة الأماكن التي عادة ما يقوم بزيارتها دونما أي انتباه للمعالم الفلسطينية، التي لا تزال قائمة في المكان. هذا المشروع كغيره من مشاريع «زوخروت» هو مشروع جريء ومهم، لكن في سياقه ولناسه، حيث إن اللغة والدلالات المستعملة من قبل «زوخروت» مهّدت ــــ وإن دون قصد ـــ لقراءة هذا المشروع من قبل هآرتس كمشروع سياحي آخر. فعلاوة على الكتابة عن قرى فلسطينية مهدمة على هيئة «دليل سياحي»، الذي يمثل بحد ذاته صيغة مترددة وإقصائية، والتي لاقت الكثير من النقد عالمياً لكونها جزءاً من أدب الرحلات الاستعماري، هناك أيضاً الفيديو الذي أصدرته «زوخروت» لتسويق ونشر الكتاب، والذي يدعو إلى شرائه كهدية لطيفة وملائمة للأعياد! أضف إلى كلّ ذلك أن اسم الكتاب بالعبرية هو (بالصدفة أو بغيرها) استعارة لعنوان قصيدة للكاتب اليهودي الصهيوني «شاؤول طشيرنوحفسكي»، الذي يعني حرفياً «يقولون هناك بلد». وفي قصيدته هذه يتحدث الشاعر بإلهام من العقيدة الصهيونية عن الطريق إلى «أرض الميعاد»: أين هي الطريق اليها ومن يدّلنا عليها. هذه الاستعمالات جميعها، إن كانت تدل على شيء، فعلى الحاجة إلى اعتماد لغة خاصة «برّاقة» وجذابة لجذب المجتمع الإسرائيلي للتعرف على «غيره»، ورغم أن ذلك تكتيكياً قد يكون مجدياً على المدى القصير، من حيث جذب عدد من الإسرائيليين للتعرف على الجانب الآخر «لإسرائيل»، فإنه يعمل على إنتاج صور ومعرفة ومعلومات طويلة الأمد، تهدف أولاً وأخيراً إلى إقصاء فلسطين عن الحاضر وعن الحيز الذي بات يقتصر على «إسرائيل»، عبر استهلاكها كسلعة سياحية لا غير، وفي ذات الوقت بناء معجم لغوي غربي يتلاءم والصورة التي تسعى إسرائيل إلى تصنيعها عن نفسها، ومن ثم استهلاكها محلياً وعالمياً.
    لشرح هذا المدّ الاستعماري السياحي، يجدر بنا أولاً الوقوف على ما تعنيه هذه المقالات السياحية بطبيعة الحال. فهي تهدف أولاً وأخيراً إلى إغراء القارئ بالذهاب إلى الأماكن الموصوفة والتمتع بها، استهلاكها ورؤيتها بعينَي كاتب المقالة. وبناءً عليه، فإن معجم الكاتب عادة ما يفتقد مفردات سياسية أو اجتماعية أو تاريخية من شأنها أن «تكُش» السائح من الموقع المُراد له زيارته. وعليه فإن تناقضاً كبيراً ـــ للوهلة الأولى ـــ قد يتبدّى من دعوة المجتمع الإسرائيلي عبر قسم «الرحلات» إلى زيارة القرى الفلسطينية المهدومة بما تحمله هذه المواقع من تاريخ وحاضر ومستقبل يستحضر أسئلة سياسية وأخلاقية جمّة.
    وإن قُلت إنّ تناقضاً قد يبدو للوهلة الأولى، فذلك لأنّه لا يمكن الكتابة عن القرى والمدن المهجرة بصفتها السياسية والتاريخية والأخلاقية الفلسطينية، وفي ذات الوقت إقناع القارئ بالذهاب إلى هناك إلا عبر اختيار صيغة من بين اثنتين: سياحية أو سياسية. وتفضيل المعجم الأول لا يتناقض مع المشروع الصهيوني ومواقف غالبية المجتمع الإسرائيلي من فلسطين المحتلة؛ قرى كانت أم مدناً، صامدة كانت أم مدمرّة. بل على العكس، فإن التطبيع مع كونها أصبحت شيئاً من الماضي هو جزء من مشروع الصحيفة كامتداد لمشروع بناء المجتمع الإسرائيلي على كافة أطيافه ومركباته. بل بالإمكان القول إنّ إدراج القرى الفلسطينية المدمرة كجزء من مشروع ترحال «محلي» هو تلميح ينقصه الذوق الرفيع والخجل، لتحديد هوية صاحب البيت.
    فمثلاً يقوم الكاتب بزيارة للمستوطنة اليهودية «دور»، التي أقيمت على أنقاض قرية الطنطورة، وقد اختارها هي تحديداً لكونها المنتجع البحري الأحب إلى والديه، والذي قضى فيه الوقت الكثير من طفولته. إلّا أنّ الكتابة عن الطنطورة تستحضر حالاً الحديث عن المجزرة التي ارتكبتها قوات «الهاغاناه» الصهيونية بحق سكان البلدة في نيسان عام 1948. لا يمكن التغاضي عن مجزرة الطنطورة، التي أثار الكشف عنها الكثير من الضجة والرفض في وسط المجتمع الإسرائيلي، وذلك كما في كل مرة نمسكهم فيها «من يدهم التي توجعهم». ولئلا تعفّ نفس الزائر عن الزيارة، فإن الكاتب يأتي على ذكر المجزرة عن طريق النفي وبلسان الآخر الغائب المتباهي بالعسكرة الصهيونية، ذلك هو والده الذي كان أحد مقاتلي كتيبة إسكندروني التي ارتكبت مجزرة الطنطورة: الوالد يرفض وينفي ويغضب ويتباهى بالإصابة التي تلقاها في تلك «المعركة». ما يؤمّن منفذاً لبقاً وآمناً للكاتب للخروج من ورطة التفاصيل، واستغلالها لتصير ورقة رابحة في يده لجذب الإسرائيلي الصهيوني لزيارة المكان.
    هكذا تصبح الطنطورة موقعاً سياحياً ومنتجعاً ترفيهياً، وذكر المجزرة أو مقبرة القرية التي أقيم عليها موقف السيارات التابع للمستوطنة، لا يمنع ذكر معلم آخر مهم ومثير ـــ وربما أهم وأكثر إثارة ـــ ذاك هو معمل النبيذ الذي أقامه البارون روتشيلد بجوار الطنطورة في أواخر القرن التاسع عشر. هذه الموازنة بين «المعالم» الفلسطينية والمعالم الصهيونية ـــ اليهودية يتكرر في وصف زيارة قرية عين لام المجاورة، فمن يأتِ بامكانه الاطلاع على آثار القرية الفلسطينية المهدمة ـــ ولم يبق منها الكثير ـــ لكنه بالتأكيد سيرى ويشهد المعالم اليهودية، مثل نصب تذكاري تخليداً لمن لقوا حتفهم في المحرقة النازية. كيف نستطيع تفسير هذه المقابلة اللأخلاقية إلا كمحو أثر لإثبات آخر، ليس بأكثر من مقالة سياحية «حيادية».
    إن تهميش «فلسطينية» المكان إن صحّ التعبير، وإقصاءها عن «المعلم السياحي»، يستوجبان استعمال عامل غربي ودخيل، فإن لم يتوافر الصهيوني يُستورد «الغربي» ليحل محله. عين حوض، القرية الجميلة على سفوح جبل الكرمل، احتلتها جماعة من «الفنانين» الصهاينة في خمسينيات القرن الماضي وسكنت في بيوتها التي لم تسوَّ بالأرض كغيرها، وأقامت فيها مستوطنة «فنانين» كأن الفن يشفع لهم استعمارها! أهالي القرية لم يذهبوا بعيداً، فقد أقاموا قرية سموها «عين حوض الجديدة» بعدما منعوا من العودة إلى بيوتهم ـــ ربما لأنهم ليسوا هواة فن أو ثقافة! كاتب المقالة يسرد هذه التفاصيل ثم يوصي بزيارة مطعم «البيت» في عين حوض الجديدة، فهو «مطعم ممتاز يقدم طعاماً عربياً، والمشهد من هناك هو مشهد سويسري»! «والسويسري» هذه ليست من إبداعات الكاتب وحده، بل أصبحت جزءاً من وصف الإسرائيليين لجبل الكرمل، فإحدى أجمل مناطق جبل الكرمل المتاخمة لحيفا حوّلتها سلطة السياحة الإسرائيلية إلى «بارك» قومي، سُمّي جزء منه «سويسرا الصغرى»، كأنّ جمال فلسطين الأصيل والساحر يدقّ على أعصابهم، ما اضطرهم إلى تسميته سويسرا.
    القدس: مملكة الأطعمة!
    لم تمضِ أسابيع قليلة، وإذا بالجريدة المخضرمة (بعلم الاستعمار) تطلّ علينا من جديد، هذه المرة تحت قسم «أطعمة». وروت لنا عن تجربة نشوة لا مثيل لها؛ تلك هي تجربة تذوق أطعمة في «القدس الشرقية». المقالة اسمها «أيام بداية الشتاء في صلاح الدين». شارع صلاح الدين هو من أقدم الشوارع المقدسية التي امتدت إلى خارج أسوار المدينة، لتربط الأخيرة مع العمران الذي ما فتئ يحيط بها. الشارع يعدّ تجسيداً حيّاً للاستعمار، علماً بأنه عقب احتلال عام 1967 سيطر الإسرائيليون على مبنى محافظة القدس، وحوّلوه مركزاً لوزارة العدل، ثم احتلوا مبنى المحكمة وحوّلوه إلى محكمتهم. علاوة على ذلك، فإنّ هناك مخفراً للشرطة الإسرائيلية في أول الشارع!
    تستهلّ الكاتبة مقالتها بوصف «شرق القدس» كمملكة أطعمة أسوة بممالك الأطعمة الأخريات في العالم. من هنا تبدأ الكاتبة بعملية إقصاء القدس عن سياقها السياسي والتاريخي والاجتماعي، الذي يميزها عن «مملكة أطعمة أخرى» كباريس مثلاً! ما يعنيه تحويل القدس المحتلة عام 1967 إلى وجهة طبيعية للسياحة الإسرائيلية، وموقع مثير للكتابة السياحية، هو إشارة إلى نقطة تحوّل غاية في الخطورة، حيث إن مثل هذا التصنيف يرى أنّ القدس قد باتت سهلة المنال من باب «ادخلوها آمنين». هذا التصنيف المنضوي تحت راية السياحة والترفيه هو الانتقال السياسي من فترة عدم هدوء وارتباك أمني إلى اعلان التمكن من المدينة ومن فلسطين عامة. وهنا نسأل هل كان بالإمكان الكتابة عن القدس العربية بهذه الطريقة أثناء الانتفاضة الأولى؟ أو الثانية؟ أو هل بالإمكان الكتابة عن بلعين أو مخيم عايدة أو الخليل أو نابلس بذات الطريقة؟
    إن هذه النقلة (النوّعية) ليست أمنية ـــ لوجيستية فحسب، بل هي أيضاً تستحضر أسئلة عن سياسة التلاعب بالوقت عند المستعمر الصهيوني. إنها تشير إلى تجزئة الحاضر بين أرجاء فلسطين التاريخية المختلفة. فحيفا باتت «مستباحة» بفعل المدة الزمنية الطويلة التي مضت عليها منذ احتلالها، فلا يبدو مثلاً مهرجان عيد الأعياد، الذي تقيمه بلدية حيفا سنوياً في حيّ وادي النسناس العربي بغالبيته، موضع حاجة إلى تعريفه وتسليع حيفا كموقع سياحي، علماً بأنّ حيفا أصبحت في نظر المستعمر الصهيوني حصناً حصيناً، خلافاً للقدس العربية مثلاً.
    بذخ مقابل بذخ؟
    هل من البذخ الكتابة عن السياحة الاستشراقية، ولم يمض سوى وقت قليل من الحرب على غزة؟ هل بات الحديث في الشؤون الفلسطينية مرهوناً بسلم أولويات تحدده حدّة البربرية الإسرائيلية، التي قد تستنزف في أوجها كل ما لنا من معنى على هذه الأرض؟ إنّ طرح هذه الأسئلة يأتي ليغلق الدائرة التي انطلقت منها، التفاصيل الحياتية اليومية للاستعمار قد تختلف من فترة زمنية إلى أخرى، وإن كان حاضر غزة يختلف بشدة عن حاضر جنين، أو القدس، أو حيفا، أو صفد، أو النقب، أو قرى الجليل أو قرى المثلث، فالاستعمار واحد.
    ونحن إذ ننتقد، فليس بهدف تغيير المجتمع الإسرائيلي. فذاك هو المجتمع الاستعماري، تلك هي طبيعته ولا يمكن تغيير تفاصيله دون تغييره كله كمؤسسة. لا، الهدف الأساسي هو عدم السماح للاستعمار بالانسياب بيننا، متخفياً كدليل سياحي أو ذواقة أو صحفي أو محرر. علينا أن نعلم الاستعمار بأننا ندري بوجوده. نعرفه، ونميزه وإن تقنّع وتخفّى. وأن نقف له بالمرصاد عبر إزالة الصدأ عن تاريخ فلسطين، وعن حاضرها لكي لا تصير لقمة سائغة للاستهلاك المحلي الاستعماري.

    نظرية المؤامرة.. «لا يا حج»
    بقلم: إبراهيم الشيخ عن دار الخليج البحرينية
    فلسطين كانت بوابة ناجحة لهم ليعيثوا في ديارنا الخراب، فمذابحهم بها كثيرة، وانتهاكاتهم فيها لا تعدّ ولا تُحصى، لم تكن الأولى، ولم تكن الأخيرة.
    زحفوا على لبنان وعاثوا فيها خراباً وتجزئة، أمّنوا مصر وسوريا والأردن بأنظمة صديقة، ولمّا اطمأنّوا لربيبتهم الصهيونية، ودّعوها إلى حين... استغلّوا الأغبياء، فغزو الكويت، ووضعوا لهم موطئ قدم، توسّعوا بعده كالسرطان في الأنحاء، ومازالوا.
    تركوا مرضهم الخبيث ينتشر في المكان، وبدأوا باستغلال الزمان، تفرّغوا للبوسنة وسراييفو، بعدها كوسوفا، حقّقوا الهدف هناك، ثمّ عادوا أدراجهم، يلتقطون الأنفاس.
    بعد أن اطمأنّوا إلى جريانهم في الدم، بدأوا باستكمال مسيرة جدّهم الأكبر هولاكو في مشرقنا الإسلامي، سطو على أفغانستان والعراق، وأحالوهما خراباً، لا تسمع فيهما إلاّ نعيق الغربان، غربانهم الذين كانوا يربّونهم، لهذا اليوم الموعود.
    بعدها انطلقوا بحروب عابرة للقارات، لتنظيم المستعمرات التي تغلغلوا فيها، حيث سطوا على السودان والصومال، وأمنّوا أريتيريا وأثيوبيا باستخدام ذات الغربان، ولكن من نوع آخر.
    فاجأتهم ثورات الشّعوب ضدّ الاستبداد، وانصدموا بأن محيطهم الذي كان يحمي كيانهم المسخ قد تصدّع.
    خسروا في كلّ الثورات، ولمّا تأكّدوا أنّهم سيخسرون معقلاً من أهم معاقلهم وهي سوريا، أرشدوا شياطينهم إلى سياسة الأرض المحروقة والشعب المذبوح، فقط حتى يضمنوا تدمير كلّ شيء، لأنّ البديل في سوريا سينضم إلى صفوف من سبقه من الدول التي تخلّصت من ربقة الاستبداد... فوجئوا بما حدث في مالي، قام راعي الصليب ليوزّع المهمات على أجناد آخرين: اذهبوا إليهم واسحقوهم.
    تحرّكوا هناك بين يوم وليلة، لكنّهم كانوا كسالى، لا يستطيعون عمل أي شيء في سوريا، لأنّ حامي الصليب لم يأمرهم بذلك... لقد وزّعوا مهمّاتهم بذكاء، فالقتلى من هناك، والدعم من هنا، بمعنى آخر؛ نقتل المسلمين بأموالهم، هل رأيتم صديقاً مخلصاً لصديقه كهؤلاء؟!
    دولنا لا يمكن أن تكون أرضاً لمجازرهم، اليوم على الأقل، لذلك لعبوا بورقتهم الإيرانية، حيث وجدوها ناجحة في لبنان، عمّموها بعد ذلك على العراق والبحرين وسوريا والكويت والسعودية واليمن، حيث أثبتت إيران أنّها ورقة ناجحة في حماية الصليب.
    أرجوكم، لا تقولوا لي إنّها نظرية المؤامرة، فكل الحقائق التي في الأعلى، ليست سوى عمليات تقوم بها دول صديقة، تستوطن دولنا، وتحتلها احتلالاً مهذّبا، وأنظمتنا أيضاً تحترمها احتراماً مهذّبا، إلى درجة إعطائها السلاح والمال والبترول والأجواء لقتل من تريد، حتى لو كان أخاً في الدين والعقيدة...حكمة قرآنية: «فسينفقونها، ثمّ تكون عليهم حسرة، ثمّ يُغلبون».

    الملفات المرفقة الملفات المرفقة

المواضيع المتشابهه

  1. اقلام واراء عربي 286
    بواسطة Haneen في المنتدى أقلام وآراء عربي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2013-01-07, 01:29 PM
  2. اقلام واراء عربي 284
    بواسطة Haneen في المنتدى أقلام وآراء عربي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2013-01-07, 01:27 PM
  3. اقلام واراء عربي 275
    بواسطة Haneen في المنتدى أقلام وآراء عربي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2013-01-07, 01:13 PM
  4. اقلام واراء عربي 274
    بواسطة Haneen في المنتدى أقلام وآراء عربي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2013-01-07, 01:12 PM
  5. اقلام واراء عربي 273
    بواسطة Haneen في المنتدى أقلام وآراء عربي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2013-01-07, 01:11 PM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •