أقلام وآراء عـــــــــــــربي
|
في هـــذا الملف:
عيون وآذان (العقل نائم، وأراه في غيبوبة)
بقلم جهاد الخازن عن الحياة اللندنية
قرية تدخل التاريخ اسمها 'باب الشمس'
رأي القدس
مبادرة أوروبية جديدة .. هل يصلح العطار؟!
بقلم عريب الرنتاوي عن الدستور
الربيع... و"الموقّعون بالدم"
بقلم راجح الخوري عن النهار
خطورة العراق
بقلم حازم صاغيّة عن الحياة اللندنية
العصر الذهبي لتنظيم القاعدة
بقلم عبد الباري عطوان عن القدس العربي
"أمناس" قصة كل منطقتنا
بقلم طارق الحميد عن الشرق الاوسط
دكتاتورية الإسلاميين بعد الثورات!!
بقلم ياسر الزعاترة عن الدستور
استخدام "القاعدة" في سوريا
بقلم عبد الرحمن الراشد عن الشرق الاوسط
"لعبة كراسي" متكرّرة هنا
بقلم مازن حايك عن النهار
|
عيون وآذان (العقل نائم، وأراه في غيبوبة)
بقلم جهاد الخازن عن الحياة اللندنية
الولايات المتحدة نصحت بريطانيا بأن تبقى عضواً في الاتحاد الأوروبي، وفي اليوم التالي صرح رئيس الوزراء ديفيد كاميرون بأن من الجنون أن تنسحب بريطانيا من الاتحاد.
الموقف الأميركي هذا وفّر لي شيئاً من العزاء، ففي السنتين الأخيرتين فقط أعلنت الإدارة الأميركية أن على حسني مبارك أن يرحل ثم غيّرت رأيها وقررت أن يبقى، وعادت فقررت أن يرحل. وهي طالبت برحيل معمّر القذافي، والآن تريد رحيل بشار الأسد، ولها موقف من كل دولة عربية بين المحيط والخليج. وقد اعترضتُ دائماً على ان تنصّب أي إدارة أميركية نفسها وصيّة علينا. شعب كل بلد عربي وحده له حق القرار ان يرحل الرئيس أو يبقى.
الآن الولايات المتحدة تقرر بالنيابة عن بريطانيا، أي أن المستعمرة السابقة تقرر للدولة التي استعمرتها قروناً، ما يجعلني أجد العزاء في وضع عربي تقرر فيه إدارة أميركية ما نفعل أو لا نفعل.
يحدث كل ما سبق ومراجع التكنولوجيا العالمية والاستخبارات الأميركية تتفق على ان العالم يتجه شرقاً وآسيا تحصد سبعة مراكز من العشرة الأولى من براءات الاختراعات. وقد نشرت «الحياة» التفاصيل في مقال لمحررها العلمي أحمد مغربي قبل أيام. كما نشرت «الغارديان» هذا الأسبوع ملحقاً عن نزوح الأكاديميين الغربيين الى الشرق. لم أجد أي عزاء هذه المرة وتكنولوجيا العصر تنتقل من الغرب الى الشرق، أي تمر فوق رؤوسنا في الشرق الأوسط، من دون ان تتوقف عندنا ولو لإعادة التزود بالوقود للرحلة الطويلة.
أين كنا والتكنولوجيا ترتحل شرقاً؟ ربما كان الأمر انها عبرت بعد الظهر ونحن نيام. وبعضنا يقول اننا نيام حتى وعيوننا مفتوحة لأن العقل نائم، وأراه في غيبوبة.
الكونغرس الأميركي لا ينام فهو العين الساهرة مع الإدارة على السلام العالمي وما ينفع شعوب الأرض وما يضرها. الكونغرس هذا الذي اشتراه لوبي اسرائيل ووضعه في الجيب الصغير للبنطلون (السّيْلة بلغة أهل لبنان) أصدر قراراً والعالم كله مشغول بمتابعة حافة الهاوية الاقتصادية يتحدث عن «الوجود العدائي المستمر وأفعال إيران في نصف الكرة الغربي»، ويطلب من وزارة الخارجية الأميركية التصدي لها.
ايران أهون شأناً من ان تتحرش بالعالم الغربي، إلا انها موجودة أمام بلادنا وأدين سياستها الفارسية إزاء دول الخليج كلها، وتدخّلها في الشؤون الداخلية لليمن، ونفوذها في العراق، ووجودها بالنيابة في لبنان، ومحاولتها منافسة مصر على زعامة المنطقة، وهي تمثل أقلية دينية إقليمياً وعالمياً.
أقول لمجلسي الكونغرس الأميركي من شيوخ ونواب «اسمحوا لي فيها»، فقد أصدرا قراراً إسرائيلياً آخر يدين السياسة الأميركية لا إيران.
عطفاً على ما سبق قـــرأت مقالاً ليكودي الهـــوى في «نيويورك تايمز» عنوانه «كيف نوقف قطــــار فلوس الإرهاب»، والجواب انه يقف عندما توقــف الولايات المتحدة المفلسة دفع ثلاثة بلايين دولار كل سنة على شكل مساعدات اقتصادية وعسكرية للإرهاب الإسرائيلي وبلايين أخرى غير معلنة، وحماية هذا الإرهاب بالفيتو في مجلس الأمن الدولي. أرى أن هذا هو الجواب الصحيح الوحيد على السؤال في عنوان المقال، إلا ان الكاتب يتحدث عن أموال مهربي المخدرات المكسيكيين وإيران وحزب الله وكل شيء غير إسرائيل الإرهابية التي أطلقت كل إرهاب آخر.
لولا ان الأميركيين يشترون مخدرات المكسيك لربما كان شعبها اكتفى بطبخ تاكو وفاهيتا.
اخيراً، كان وزير خارجية اليمن الأخ أبو بكر القربي في لندن الأسبوع الماضي لحضور مؤتمر عن اليمن، واتفقتُ والزميل غسان شربل، رئيس تحرير «الحياة»، على غداء مع الوزير وسفير اليمن الأخ عبدالله الرضي.
لنراجع أخبار اليمن والأمة. قلت للوزير أن تلفزيون «سكاي نيوز» زعم أن في اليمن نفطاً من مستوى ما عند المملكة العربية السعودية، وثمة تنافس دولي غير معلن عليه. كان الصديق أبو بكر سمع الخبر ولم يبد عليه انه يصدق التفاصيل. وقلت له انني أرجو أن أكون من نفط اليمن ما كان كالوست غولبنكيان من نفط العراق، أي «مستر خمسة في المئة». وهو لم يمانع ربما لأنه لا يصدق الخبر اصلاً.
أعد كل قارئ بأنني إذا أصبحت غولبنكيان اليمن فسنقبر الفقر معاً. قولوا إن شاء الله.
قرية تدخل التاريخ اسمها 'باب الشمس'
رأي القدس
من الطبيعي ان تنجح القوات الاسرائيلية المدعومة بالعربات المدرعة ومئات الجنود المدججين باحدث الاسلحة في تفكيك مخيم 'قرية باب الشمس' الذي اقامه قبل اسبوع ناشطون فلسطينيون في موقع مخصص لتنفيذ مشروع استيطاني يهودي، ولكن هذا لا يعني ان المقاومة المدنية السلمية لهؤلاء الشباب الشجعان التي لفتت انظار العالم باسره الى جرائم الاستيطان الاسرائيلية ستتوقف.
المؤسف ان المحكمة الاسرائيلية العليا في دولة اسرائيل 'الديمقراطية' اعطت الضوء الاخضر لتفكيك هذا المخيم الذي اقيم على اراض فلسطينية محتلة تعتزم السلطات الاسرائيلية مصادرتها لاقامة مشروع استيطاني عليها سيكمل عزل مدينة القدس عن الضفة الغربية المحتلتين.
اي عدالة يمكن ان تصدر عن محكمة كهذه تقر مصادرة الارض، وتشريد اهلها واقامة مستوطنة عليها، تقطع التواصل بين ابناء الارض الحقيقيين، وليس الاصليين فقط، ومدينتهم المقدسة؟
فعندما تقول هذه المحكمة وقضاتها ان مخاطر حصول اضطرابات في النظام العام الناتجة عن هذا المخيم اقوى من الحجج التي جرى تقديمها بشأن حقوق الملكية كما جاء في بيانها، فان هذا يعني ان آخر شيء تفكر فيه هذه المحكمة هو العدالة والانصاف، وانها محكمة منحازة بالكامل للاستيطان الذي يعتبر جريمة كبرى، وانتهاكا لمعاهدات جنيف والقانون الدولي.
هذا الارهاب الاسرائيلي، العسكري المغطى بعدالة ظالمة مغشوشة، بل ومفضوحة، لن يعطل قطار استراتيجية المقاومة السلمية الخلاقة الذي انطلق من مخيم قرية 'باب الشمس'، بل سيزيده سرعة وقوة.
بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الاسرائيلي يقدم خدمة عظيمة للشعب الفلسطيني وقضيته المشروعة في استعادة ارضه واقامة دولته المستقلة عندما يطلق العنان لمشاريعه الاستيطانية المتغولة، فهو يفضح الوجه العنصري لاسرائيل، ويزيد من عزلتها الدولية، والاهم من ذلك يدمر حل الدولتين، ويسرع في انفجار الانتفاضة الثالثة في الاراضي العربية المحتلة.
اسرائيل اقامت 17 مستوطنة في قطاع غزة عندما كان خاضعا بالكامل لاحتلالها، واجبرتها المقاومة الشرسة على تفكيكها جميعا، وسحب جميع المستوطنين فيها، ومن طرف واحد، تقليصا للخسائر بعد ان فشلت كل وسائلها الارهابية في بقاء احتلالها للقطاع.
الضفة الغربية ستحذو حذو القطاع حتما، وستنطلق فيها المقاومة المشروعة باشكالها كافة، والسلمية على وجه الخصوص، وسيدرك المسؤولون الاسرائيليون، مثلما ادرك سابقوهم في قطاع غزة وجنوب لبنان وحتى في سيناء، كم هي خاطئة وغبية وعنصرية سياساتهم الاستيطانية، وكم هو قصير عمر الاحتلال.
مبادرة أوروبية جديدة .. هل يصلح العطار؟!
بقلم عريب الرنتاوي عن الدستور
يستعد الاتحاد الأوروبي، بالتنسيق مع واشنطن، لإطلاق مبادرة سياسية جديدة (في آذار القادم كما يُعتقد)، تقوم على استئناف المفاوضات وفق جدول زمني محدد، ينتهي نهاية العام الجاري، وتستند إلى مرجعيات عملية السلام المعروفة، و”حل الدولتين”، على أن يجري تنظيم مؤتمر دولي لتتويج هذا المسار، ينتهي بقيام دولة فلسطينية وفقاً لحدود الرابع من حزيران عام 1967، مع تبادل للأراضي.
حتى الآن، يبدو الأمر جيداً تماماً..لكن الأسئلة التي تقفز إلى الأذهان تتكاثر باطراد: إذا كانت واشنطن عاجزة عن ممارسة ضغط حقيقي على إسرائيل لدفعها للانسحاب عن القدس الشرقية والضفة الغربية، فهل سيستطيع الاتحاد الأوروبي أن يفعل ذلك؟..هل ثمة في إسرائيل قوى مؤثرة ونافذة، قادرة على الالتزام بقواعد العملية السلمية ومبادئها ومرجعياتها؟..هل يمكن لأوروبا أن “تقنع” حكومة اليمين واليمين المتطرف التي ستنبثق عن الانتخابات الإسرائيلية القادمة (الثلاثاء المقبل) بضرورة الجنوح للسلام و”حل الدولتين”؟
في ظني، أن ما يتردد في كواليس الأوساط السياسية والدبلوماسية حول “انطلاقة جديدة لمسار التفاوض وعملية السلام”، لن يكون في أحسن الأحوال، سوى محاولة أخرى فاشلة، تجريها أطراف دولية، بتشجيع عربي، “علّ وعسى” أن يحدث الاختراق الذي طال انتظاره لأكثر من عشر سنوات، أو بالأحرى لأكثر من 14 سنة، أي منذ أن انتهت سنوات أوسلو الخمس الانتقالية في أيار 1999.
والحقيقة أننا هنا لا نشكك في “النوايا” الكامنة وراء المحاولة الأوروبية، بل ولا يساورنا في أن أوباما في ولايته الثانية، يبدو راغباً في تحقيق الاختراق الذي عجزت عن تحقيقه إدارات أمريكية متعاقبة..لكن العقبة الكؤود التي اعترضت وستعترض المسعى الأوروبي، والمتمثلة في جنوح المجتمع الإسرائيلي للأصولية والتطرف واليمين، سوف تسقط هذه المحاولة كما أسقطت محاولات سابقة، اتسمت بدورها بكثيرٍ من الجدية.
إذا كان ثمة من “مسؤولية” يمكن إلقاؤها على كاهل الأوروبيين والأمريكيين، فإنما تتجلى أساساً في عجز القوتين الدوليتين عن ممارسة ضغط حقيقي على إسرائيل..مع أن هذه الأطراف تمتلك من أوراق القوة والضغط، ما يمكنها من “ليّ” الذراع الإسرائيلية..وإرغام تياراتها اليمينية والاستيطانية المتطرفة، على الجنوح لـ”حل الدولتين”، وتمكين الشعب الفلسطيني من استرداد حقوقه الوطنية المشروعة.
وإذا كان من غير المتاح للفلسطينيين أن يديروا ظهورهم للتحرك الأوروبي، الذي قد تقفز واشنطن إلى صدارته، إلا أن الأمر الذي لا يحق للفلسطينيين أن “يتورطوا” فيه، هو العودة لوهم “الحل السياسي/ التفاوضي” مع إسرائيل..فإسرائيل، كياناً ومجتمعاً ورأياً عاماً، ليست ناضجة الآن، ولم تكن ناضجة من قبل، والأرجح أنها لن تنضج في المدى المنظور، لإنتاج “شريك موثوق” في أية تسوية سياسية.
إن التمييز بين “ضرورات” العمل الدبلوماسي والحرص على تفادي العزلة وتجنب المخاطر بالظهور بمظهر من “يقف حجر عثرة” في وجه هذه المحاولات من جهة، وبناء استراتيجية تقوم على هذا الرهان من جهة، هو أمر بالغ الأهمية والضرورة للعمل الوطني الفلسطيني ولمشروعه الوطني في هذه المرحلة..فالأولوية يجب أن تُعطى لبناء استراتيجية وطنية بديلة، تنهض على المصالحة وإعادة بناء الحركة الوطنية، وتعزيز الصمود وإطلاق المقاومة الشعبية والانفتاح على معسكر أصدقاء شعب فلسطين وحشد وتنشيطه، هي الأولوية الأولى للشعب وحركته الوطنية وقواه الشعبية المناضلة..وفي هذا السياق، وفي إطاره فقط، يمكن التعامل مع أية مبادرات أو محاولات، بغرض فضح النوايا والأهداف الإسرائيلية الخبيئة والخبيثة.
وفي مطلق الأحوال، فإن انطلاق هذه المبادرات أو تكاثرها، لا يجب أن يكون سببا لتعطيل مسار المصالحة أو إرجاء التفكير بابتداع استراتيجية وطنية بديلة..طالما أنها لن تتعدى هدف تقطيع الوقت وتأجيل دفن “جثة عملية” الهامدة، التي تتنقل من مبادرة إلى أخرى، ومن عاصمة إلى أخرى، ومن عام إلى آخر، فيما أرض الشعب الفلسطيني وحقوقه، تُستلب وتغتصب بصورة منهجية منظمة.
الربيع... و"الموقّعون بالدم"
بقلم راجح الخوري عن النهار
ليس كافياً الحديث عن "نهاية مأسوية" لعملية احتجاز الرهائن في المنشأة النفطية الجزائرية في "إن ميناس" قرب الحدود الليبية ربما لأن الواقع على الحدود بين الجزائر وليبيا والتشاد والنيجر ومالي التي تشهد هجوماً فرنسياً على الاسلاميين لطردهم شمالاً، يرسم "مستقبلاً مأسوياً" لتلك المنطقة التي تهدد معظم الدول الافريقية وتفرض تحديات مقلقة على الجيران الاوروبيين في الشمال!
كان مثيراً لا بل مقززاً ان يتعامل الجيش الجزائري مع الخاطفين بهذا الاسلوب القاتل، فيرسل وحدات برية وجوية لاقتحام المنشأة لينتهي الأمر بمقتل 34 رهينة و11 من الخاطفين الذين ينتمون الى كتيبة "الموقعون بالدم"، وليتبين ان الحكومة الجزائرية صاحبة الخبرة الطويلة في التعامل مع الارهاب هي التي وقّعت بالدم على عملية "إن ميناس"!
لكن المسألة لا تنتهي عند هذا الحد، فعندما يعلن وزيرالداخلية الجزائري ان المجموعة المسلحة التي نفذت العملية "جاءت من ليبيا وحضّرت لها هناك"، وعندما نعرف ان هذه العملية حصلت رداً على الهجوم الفرنسي على تحالف المتشددين من "انصار الدين" و"جماعة التوحيد والجهاد" و"القاعدة في بلاد المغرب"، الذين يحاولون بسط سيطرتهم على مالي، ثم اذا عرفنا ان الاسلحة الثقيلة والمتطورة التي تملكها هذه التنظيمات جاءت من ليبيا الغارقة حتى الآن في فوضى السلاح والمسلحين، يمكن عندها فعلاً ان نتخيّل "المستقبل المأسوي" للمنطقة ما لم تتمكن الحكومات من فرض سيطرتها على الارض وبسط هيبة القانون، وهو امر ليس بالسهل لأنه يتطلب تنسيقاً عابراً للحدود بين دول المنطقة ترفده بالضرورة مساعدات دولية جادة. واذا كان تصاعد النشاط الارهابي في تلك المنطقة يرسم معالم صوملة تتهدد دول الشمال بدليل ما حصل في المنشأة الجزائرية، فان ترك الفرنسيين حتى الآن يواجهون وحدهم تحالف المتشددين الاسلاميين في مالي، يمكن ان يعمق المخاوف من ان يتحول المربع الحدودي الذي اشرت اليه اعلاه، افغانستان افريقية تتهدد ايضاً دول الشريط الساحلي الجنوبي الذي يشكل قبلة المصالح والاستثمارات الغربية!
نزول الفرنسيين في مالي ليس سبب العملية الارهابية في المنشأة المنكوبة، فالخبراء يقولون انها كانت مدبرة سلفاً، اما تقارير الاستخبارات الجزائرية فتقول ان العملية تؤكد مدى تغلغل الارهابيين في الصحراء الجزائرية وانها لا تمثل انذاراً للفرنسيين والاوروبيين وحدهم بل للجزائر والدول المحيطة، ولتأكيد جدية هذه المخاوف لعل من المفيد ان نعرف مثلاً ان "أنصار الدين" الذين يقاتلون في مالي هم الذين اقتحموا القنصلية الاميركية في بنغازي وقتلوا السفير كريس ستيفنس وثلاثة آخرين.
ان الارهاب يقترب، فالمسافة بين افغانستان في الشرق واوروبا في الغرب أبعد من المسافة بين الغرب والصحراء الافريقية في الجنوب حيث تزدهر منظمات العنف والارهاب مستغلة "الربيع العربي"... للتوقيع بالدم!
خطورة العراق
بقلم حازم صاغيّة عن الحياة اللندنية
جمعت ثورات «الربيع العربيّ» بين وجهين: طلب الحريّة وكسر النظام الاستبداديّ من جهة، و«تحرّر» التناقضات الأهليّة، الطائفيّة والدينيّة والإثنيّة، من قبضة ذاك النظام نفسه. وبدا، ولا يزال يبدو، أنّ الوجه الثاني هو الكلفة الباهظة التي نيط بالوجه الأوّل أن يتكبّدها.
في هذا المعنى يجوز القول إنّ العراق كان سبّاقاً إلى «الربيع العربيّ»: ففيه أطيح الاستبداد وأُحرزت الحرّيّة في 2003، مع إسقاط صدّام، وفيه انفجر الصراع الطائفيّ في 2006 من دون أن يصل إلى سويّة الحرب الأهليّة المفتوحة.
وهنا لا يقدّم النقاش حول الدور الأميركيّ في تغيير العراق أيّ مساهمة ذات نفع يتجاوز الديماغوجيا: ذاك أنّ حصول التغيير من الداخل ما كان ليغيّر شيئاً في التنازع الطائفيّ الذي عرفناه، كما أنّ التغيير من دون تدخّل خارجيّ في البلدان العربيّة الأخرى لم يحل دون انفجار ذاك التنازع. ولربّما جاز القول إنّ الدور الأميركيّ السابق في العراق قد عمل على إبطاء التنازع المذكور وتخفيفه، وهذا كان المصدر الأكبر للتحفّظ عن الانسحاب الأميركيّ والخوف منه.
أين يقع الانفجار العراقيّ الحاليّ، المتجدّد بوتيرة مرتفعة، قياساً بزاوية التلاقي الربيعيّ بين حرّيّة «الشعب» وتحرّر التنازع في داخله؟
لقد جاء التحوّل العراقيّ في 2003 ليزيح الرموز السنّيّة عن السلطة ويضع الأخيرة في أيدي رموز شيعيّة. وقد اكتملت العمليّة هذه باكتمال الانسحاب الأميركيّ الذي رافقه توسّع النفوذ الإيرانيّ في بلاد الرافدين. هكذا اعتُبر العراق جائزة متأخّرة استحقّتها «الثورة الشيعيّة» التي ظهر إرهاصها مع حكم حافظ الأسد، لتبلغ تتويجها في الثورة الإيرانيّة في 1979 وليكون «حزب الله»، منذ 1982، أحد أبرز تداعياتها الإقليميّة.
غير أنّ تأخّر هذه الجائزة ثلث قرن جعلها تتزامن مع هبوب «الثورة السنّيّة». وبالنظر إلى التداخل الوثيق بين سوريّة والعراق، كان لاندلاع الثورة السوريّة أن ترك أثره الواضح على سنّة العراق رفعاً لمعنويّاتهم وتشجيعاً لهم على التجرّؤ على «حكم شيعيّ» غير مقبول منهم.
هكذا يبدو التنازع العراقيّ اليوم صريحاً وواضحاً وفجّاً، يملك من الأغطية الايديولوجيّة الحديثة أقلّ ممّا يملكه أيّ تنازع آخر في بلدان «الربيع العربيّ». هنا تقال الأشياء بأسمائها بأقلّ قدر من التزويق والمداورة. مثل هذا الوضوح، وإن بدمويّة أقلّ كثيراً، يرسم التنازع العربيّ – الكرديّ أيضاً، حيث غدا «العيش المشترك» كذبة يتعفّف عنها أكثر إيديولوجيّي الطرفين تزويقاً وتعمية.
بيد أنّ التزامن بين تقديم الهدية لـ»الثورة الشيعيّة» وبين هبوب «الثورة السنّيّة» في عموم المنطقة يجعل أمر العراق حسّاساً جدّاً وخطيراً جدّاً، إذ يصعب أن يحتمل مكان واحد احتفالين صاخبين ومتعارضين في وقت واحد. فإذا ما توسّع الانفجار الذي انطلق من الأنبار فإنّه بالتأكيد سوف يجرف في طريقه بشراً كثيرين وأشياء كثيرة. ولا يفوتنا التذكير بأنّ التنازع السنّيّ – الشيعيّ في بلاد الرافدين، والذي يقيم قريباً من كردستان العراقيّة في الشمال، ويجاور الالتهاب السوريّ المتعاظم، غير بعيد عن الاستعدادات الخصبة والمتضاربة لدى الإيرانيّين والأتراك والخليجيّين في وقت واحد.
وأسوأ ممّا عداه أنّ الشيعيّة السياسيّة العراقيّة تحاول اليوم أن تفتدي بنفسها مشروعاً غير عراقيّ، على رغم قيامه على شراكة مذهبيّة مع شيعة العراق، وأنّ السنّيّة السياسيّة العراقيّة، المهجوسة باستعادة زمن انقضى، قد تبثّ في «الربيع العربيّ» قدراً متضخّماً من الوعي الرجعيّ والماضويّ.
العصر الذهبي لتنظيم القاعدة
بقلم عبد الباري عطوان عن القدس العربي
تنظيم 'القاعدة' الذي بشّرنا الرئيس الامريكي باراك اوباما بأنه بات في حكم الماضي، وشبه منقرض بعد اغتيال زعيمه الشيخ اسامة بن لادن قبل عام ونصف العام تقريبا، في عملية نفذتها فرقة العجول الامريكية على مخبئه في مدينة ابوت اباد قرب العاصمة الباكستانية، هذا التنظيم يعود بقوة هذه الايام في اكثر ثلاث جبهات سخونة في العالم: سورية ومالي والعراق.
هذه العودة القوية للتنظيم، والجماعات الجهادية التي تعمل تحت مظلته، الى صدارة الاحداث في العالم تأتي نتيجة لسوء تقدير القوى الاقليمية والعالمية لقوة هذا التنظيم، والعوامل السياسية، والاخطاء الاستراتيجية التي ترتكبها هذه القوى في مناطق عديدة من العالم الاسلامي غزوا وقتلا وتدخلا، وتجاهلا لمظالم الشعوب، والشعب الفلسطيني على قمتها.
فإذا كان الغزو الامريكي للعراق جاء بمثابة انقاذ للتنظيم من النكسة الكبرى التي تعرض لها بعد تدمير بناه التحتية في حرب افغانستان، بعد احداث الحادي عشر من ايلول (سبتمبر) عام 2001 والهجوم الامريكي الانتقامي، فإن التورط العسكري الفرنسي في مالي قد يقدم له هدية كان ينتظرها بشغف منذ سنوات من اجل محاربة 'الصليبيين' على ارضه وملعبه، على حد تعبير ادبياته وبياناته.
القاعدة الاساسية التي تخدم تنظيم 'القاعدة' وتزيد من قوته وتوسع فروعه، انه في كل مرة يتدخل الناتو عسكريا في دول عربية او اسلامية، بشكل مباشر او غير مباشر، يخلق حالة من الفوضى، ويحوّل دولا مستقرة الى فاشلة، وهذه الدول الفاشلة تشكل دائما دعوة مفتوحة للتنظيم لتجميع صفوفه، والهجرة اليها لنصب خيامه، والتوسع بطريقة مدروسة، مجندا الآلاف في صفوفه لتحقيق طموحاته في اقامة المجتمع الاسلامي الجهادي، الذي يعتبر العمود الفقري لاستراتيجيته التي وضعها زعيمه وشيخه بن لادن.
' ' '
طائرات الناتو لم تتدخل في ليبيا من اجل حقوق الانسان والديمقراطية ومصالح الشعب الليبي في العدالة والتخلص من ديكتاتورية فاسدة، فهذه اهداف شكلية، وانما من اجل النفــــط والغـــاز، وقد اعترف سيلفيو برلسكوني رئيس وزراء ايطاليا السابق وأحد الشركاء الرئيسيين في هذا التدخل، بأن نيكولا ساركوزي رئيس فرنسا السابق 'فبرك' الاسباب لهذا التدخل، وبدأت طائراته تقصف ليبيا قبل صدور قرار مجلس الأمن، والطائرات الفرنسية التي تقصف الاسلاميين الجهاديين في شمالي مالي لم تتدخل حرصا على وحد الشعب المالي، وانما من اجل تأمين مصادر اليورانيوم في دولة النيجر المجاورة والمصالح النفطية في ليبيا، وهزّ استقرار الجزائر.
تنظيم 'القاعدة' يتوسع، ويستفيد بطريقة ذكية من اخطائه واخطاء الغرب معا، بينما لا يتعلم الغرب مطلقا من اخطائه، والا لاستفادت فرنسا من دروس افغانستان والعراق وليبيا وامتنعت عن الوقوع في مصيدة مالي التي نصبها التنظيم لها ببراعة، وهي التي اعترفت بالهزيمتين في افغانستان والعراق مسبقا وقررت سحب قواتها تقليصا للخسائر، وانتقدت الغزو الامريكي لهما صراحة او على استحياء.
التقارير الاخبارية الواردة من سورية تؤكد هذه الحقيقة، ونعني هنا نجاح جبهة النصرة في اقامة علاقات وثيقة مع الاهالي في شمالي سورية، وحلب وادلب ومعرّة النعمان على وجه الخصوص. فبينما يعاني الجيش السوري الحر من انقسامات واتهامات بالفساد، والاقدام على تجاوزات ازعجت الاهالي واثارت سخطهم، تعزز الجبهة وجودها، وتقدم خدمات جليلة للسكان وتحمي اعمالهم التجارية، وتفصل بين نزاعاتهم من خلال محاكم شرعية، وتنتصر للمظلومين وتبت حتى في الخلافات الزوجية وقضايا الإرث، اي انها تعلمت ان لا تكون عبئا على مضيفيها.
وجاء في تقرير في صحيفة 'الغارديان' البريطانية امس ان جبهة النصرة تقوم الان ببرامج مساعدات للمجتمعات التي تعاني من الحرب، وتلعب في ذات الوقت دورا في الجبهات والعمل المدني، حيث تقوم بملء الفراغ في المناطق التي خرجت من يد النظام السوري.
ومؤخرا شعرت جبهة النصرة بالجرأة الكافية وخرجت للعلن حيث اقامت عددا من المكاتب في المدن والقرى الممتدة من حلب حتى الحدود مع تركيا تحت راية النصرة السوداء اللون. وتستقبل كوادر النصرة في هذه المكاتب المواطنين الذين يريدون فضّ النزاعات، او الذين يطلبون بطاقات اعانة من الغذاء والوقود.
لا نبالغ اذا قلنا ان الدول الغربية التي دعمت الثورة في سورية ستجد نفسها تواجه عدوا اخطر من النظام السوري التي تعمل على اطاحته، عدو يريد ان يقاتل اسرائيل، ويسعى للحصول على العتاد والاسلحة بما في ذلك الاسلحة الكيماوية اذا تمكن من الوصول اليها.
' ' '
ولا نبالغ ايضا اذا قلنا ان الغرب ودولا عربية متحالفة معه، ستلجأ الى تكوين قوات صحوات على غرار ما حدث في العراق لمحاربة تنظيم القاعدة، ولكن مع فارق اساسي وهو ان تجربة العراق لا يمكن ان تتكرر في سورية، فمن الصعب خداع الناس مرتين وفي منطقتين متجاورتين، فصحوات العراق منيت بهزيمة مريرة، وجرى التخلي عنها وبيعها لحكومة المالكي بأرخص الاثمان، بعد انسحاب القوات الامريكية من العراق، حيث تركها الجنرال بترايوس تواجه مصيرها المظلم وحيدة، اي انتقام تنظيم القاعدة من جهة، وحكومة المالكي التي اعتبرتها 'خائنة' لا يمكن الثقة فيها، وبالتالي عدم استيعابها في قوات الامن والجيش من جهة اخرى.
تنظيم القاعدة في المقابل تعلم من تجربته في العراق، ولم يعد يقطع اصابع المدخنين، بالصورة التي كان عليها الحال في العراق، وبدأ يتبنى تجربة حركة طالبان في بداية انطلاقتها في قندهار افغانستان، عندما طبقت الشريعة وطردت لوردات الحرب وفرضت الامن والامان، الامر الذي دعا الافغان الى تكرار الشيء نفسه في مدنهم الاخرى.
عندما قلنا في مقالات سابقة ان تنظيم القاعدة سيكون من اكثر المستفيدين من 'الربيع العربي' اختلف معنا الكثيرون، وها هي الايام تثبت كم كانت صادقة هذه المقولة، ولنا في ليبيا ومالي وسورية واليمن بعض الأدلة في هذا الخصوص.
الدكتور ايمن الظواهري زعيم التنظيم استشعر هذه الحقــــيقة من مخبــــئه، واصدر بيانه يوم امـــس يطالب جميع الجماعات الجهادية بالانضواء تحت خيمة القاعدة. انه العصر الذهبي لهذا التنظيم، اختلفنا معه او اتفقنا.
نحن مع الربيع العربي، وضد الانظمة الدكتاتورية الفاسدة دون اي تحفظ،ولكننا نشرح الواقع دون مواربة، فهذا من واجبنا حتى لو ازعج هذا الكلام الكثيرين.
"أمناس" قصة كل منطقتنا
بقلم طارق الحميد عن الشرق الاوسط
القراءة الأولية لعملية تحرير الرهائن التي تقوم بها السلطات الجزائرية في الموقع الغازي أمناس في ولاية ايليزي، جنوب شرقي الجزائر، تقول إن أحداث منطقتنا جميعها متشابهة، وعلتها الأساسية إنكار الواقع، وإهمال معالجة المشاكل، والاعتقاد بأن ما يحدث في دول الجوار أمر لا علاقة له بالدولة المعنية، أيا كانت.
عملية احتجاز الرهائن في الجزائر جاءت على أثر العملية العسكرية الفرنسية في مالي، وأحد أبرز مطالب الإرهابيين هي ضرورة وقف تلك العملية العسكرية، والمعلومات المنشورة تقول إن الأسلحة والمجاميع الإرهابية قد جاءت من ليبيا، وهذا يعني أن ما يحدث في مالي، أو الجزائر كله يقول إن هذه نتيجة الفوضى، والتلكؤ في مواجهة الأزمات.
فمع الربيع العربي كان من الواضح أن بن علي قد رحل من تونس، والقذافي في الطريق، أي أن الواقع السياسي يقول إنه لا بد من تعامل جزائري واقعي مع الأحداث، صحيح أن الجزائر لا تبارك تلك التغييرات، لكن هذا هو الواقع الذي لا يمكن تغييره، أو تجاهله.
والأمر نفسه كان في عراق ما بعد صدام حسين، حيث كان هناك واقع لا يمكن تجاهله، فحريق الجار سينتقل إلى منزلك لا محالة، في حال قررت أن تقف متفرجا. وها هو العراق يعاني إلى اليوم، ويشكل خطورة على كل جيرانه، ولسنوات قادمة.
وهناك نموذج آخر وهو اليمن، وما يحدث في كل مناطقه، من وجود لـ«القاعدة»، والحوثيين، والحراك الجنوبي، وكل تلك المجاميع تعد وصفة دمار جاهزة للانفجار في أي لحظة، ولن يكون انفجارا داخليا بالنسبة لليمن، وإنما لجيرانه، وبشكل عام الخليج العربي ككل، وتحديدا السعودية، وخصوصا مع الدور السلبي الذي تلعبه إيران في اليمن..
والأمثلة بالطبع لا تنتهي، فهناك ما يحدث أمام أعيننا اليوم في سوريا، ويهدد الدولة السورية ككل، والجيران، بل وأمن المنطقة عموما، ورغم ذلك فإن التحرك ليس بالمستوى المطلوب، وقد يصار إلى تحرك ما في وقت ما، ولكن حينها سيكون التحرك قد تأخر مطولا، وسيكون ثمنه أكثر كلفة من التدخل الآن، وحماية السوريين، وسوريا ككل. وهنا يكفي تأمل مفارقة عجيبة وهي أن الإدارة الأميركية قد أعلنت اعترافها بالصومال الآن، وبعد عقدين من الزمان، وبعد أن انهار الصومال تماما، وبات نموذجا للدولة الفاشلة في منطقتنا.
وعليه، فإن السؤال هو: هل ننتظر إلى أن يصل حال سوريا إلى حال الصومال؟
لذلك، فإنه يجب عدم أخذ أحداث مالي، أو ما يدور في أزمة الرهائن في أمناس الجزائرية، بمعزل عن أحداث المنطقة، بل هي استمرار لنفس قصة المنطقة التي تقول لنا إنه من الواجب أن تتعاون الدول العربية فيما بينها، ولو بالحد الأدنى، وهو الأساس، ومنه عدم المساس بالأمن، ومكافحة الإرهاب، والابتعاد عن كل ما يعرض مفهوم الدولة للخطر.
درس ما يحدث في عملية الرهائن في الجزائر، أو حرب مالي، أنه لا مناص من التعاون، وأن الحريق في بيت جارك سيصلك ما لم تشارك في عملية الإطفاء. هذا هو الدرس بكل بساطة، وبعيدا عن التفاصيل.
دكتاتورية الإسلاميين بعد الثورات!!
بقلم ياسر الزعاترة عن الدستور
بوسع الإسلاميين أن يسردوا الكثير من الوقائع على دكتاتورية النماذج العلمانية والقومية واليسارية في المنطقة العربية طوال العقود الماضية، بل أبعد من ذلك بكثير، وهي نماذج بائسة إلى حد كبير؛ جمعت الدكتاتورية مع الفساد؛ وهما يجتمعان في أغلب الأحيان. وبوسع الأطراف الأخرى أن تشير إلى نماذج إسلامية مماثلة تنطوي على قدر من البؤس يتفاوت بين تجربة وأخرى، من إيران إلى السودان، فضلا عن تجربة حركة طالبان، مع أن من خلفوها في السلطة لم يختلفوا كثيرا، الأمر الذي له صلة بالمجتمع الأفغاني وبنيته الدينية والقبلية والاجتماعية.
نذكّر بهذا الأمر، لأن هناك من لم يتوقف كما كان يفعل منذ ثلاثة عقود عن ترديد ذات المقولات عن الإسلاميين، وميلهم إلى ديمقراطية (مرة واحدة)، ومن ثم الانقلاب عليها، ما يذكرنا بانحياز كثير منهم لانقلاب العسكر في الجزائر على الخيار الديمقراطي، مستشهدين بمقولة خطيب جمعة هامشي حول شطب الديمقراطية بعد الفوز، ومتجاهلين في الآن نفسه تأكيدات قادة جبهة الانقاذ على قبولهم بالتعددية.
اليوم يبدو المشهد مختلفا إلى حد كبير، فهذه الثورات التي تندرج تحت ما يسمى الربيع العربي لها ظروفها الموضوعية المختلفة كليا عما سبقها من تجارب، أكانت ثورية كما هو الحال في إيران، أم انقلابية كما هو الحال في السودان، أم سيطرة تدريجية عبر السلاح (ثورة مسلحة تقريبا) كما كان الحال في أفغانستان. ولا ننسى هنا تجربة جديدة لا يلتفت إليها أحد في سياق تقييم موقف الإسلاميين من التعددية والتداول على السلطة تتمثل في الصومال، في حين لن نعدم من يشير في المقابل إلى النموذج الإسلامي الآخر في ذات البلد ممثلا في حركة الشباب المجاهدين، وقد يضيفون إليها تجربة مالي أيضا!!
الربيع العربي حكاية مختلفة، إذ يتمثل في ثورات سياسية واجتماعية عنوانها الحرية والتعددية؛ كانت الطبقة الوسطى عمادها الأساسي أكثر من الفقيرة، وإن انحازت الأخيرة إليها تبعا لكفرها بالأوضاع القائمة. وجماهير هذه الثورات، وإن انحازت تاليا في الانتخابات للقوى الإسلامية، فذلك لا يعني قبولا بما تفعله تلك القوى بصرف النظر عن تفاصيله ومضمونه.
هي ثورات عنوانها الحرية والتعددية في ظل ثورة إعلامية ووعي متقدم لن يسمح لأي طرف مهما كان، ومهما قدم من شعارات أن يستحوذ على السلطة بغير رضا الشعب، كما أن فوزه لا يمنحه تزكية لأكثر من أربع سنوات سيعرض نفسه بعدها على الشعب من جديد، وقد يختارونه، وقد يختارون سواه، وقد يترددون بينه وبين خيارات أخرى.
من العبث والحالة هذه الحديث عن دكتاتورية مقبلة بثوب إسلامي، لأن الجماهير لن تقبل بذلك، بمن فيها قطاع عريض من المتدينين الذين لم يعودوا يرون الدين والتدين حكرا على قوى ما يسمى الإسلام السياسي، كما أنهم لا يرونه بديلا عن الحرية والتعددية وخدمة الناس بأفضل السبل الممكنة.
ربما كان من الصعب اعتبار ما جرى في مصر خلال الشهور الماضية جزءا من هذه النظرية التي نتحدث عنها ممثلة في استحالة أن يتمكن الإسلاميون حتى لو أرادوا من فرض دكتاتورية على الناس، والسبب أن الحملة ضدهم قد تداخل فيها ثوار مع فلول مع عناصر خارجية، لكن وجود قطاع ما من الثوار في المعركة يؤكد بدوره أن أحدا لن يتمكن من تجاهل رأي الناس، بدليل أن مرسي قد اضطر إلى التراجع عن كثير من قراراته تحت وطأة الاحتجاج الشعبي، لاسيما أن بعض القرارات كانت تنطوي على قدر من الخطأ.
إن ميل أية قوة إسلامية إلى خيار استعادة الدكتاتورية سيصطدم من دون شك بإرادة الجماهير التي ترفض استعادة الوضع القديم تحت أي شعار كان، وهي تريد أن يكون القرار لها وحدها في تحديد من يحكمها ويدير شؤونها. ونضيف هنا أن الإسلاميين ليسوا فصيلا واحدا، بل فصائل متعددة تتنافس فيما بينها على ثقة الجماهير (في مصر 16 حزبا إسلاميا مرخصا وتحت الترخيص).
المؤكد أن هذا الوضع الجديد لا يصب فقط في خدمة الشعوب التي ستبقى صاحبة الولاية على حكامها، بل سيصب أيضا في صالح الإسلاميين الذين سيكون عليهم الاستماع إلى نبض الجماهير بشكل دائم، ويدركوا تبعا لذلك أن الشعار الإسلامي ليس قابلا للتسويق إذا لم يلتحم بقضايا العدل والحرية ونبذ الفساد، وها هو النموذج السوداني، فضلا عن الإيراني شاهد حي على ذلك، ولو جرت انتخابات حرة ونزيهة في البلدين، فإن خسارة النخبة الحاكمة فيهما ستكون مؤكدة.
على الجميع والحالة هذه أن يقبلوا بحكم الصناديق، وأن يدركوا حقيقة أن التنافس الحقيقي ينبغي أن يكون على خدمة الناس وكسب ثقتهم، وواهم من يعتقد أنه سيكسب ثقة الناس من خلال الكذب والتزوير، ولو آمن الشارع المصري على سبيل المثال أن الدستور الذي عُرض عليه هو محطة للدكتاتورية لما صوت له بنعم، مع أن الآخرين لم يصوتوا بلا إلا في ظل حشد سياسي لا صلة للجزء الأكبر منه بمضمون الدستور نفسه.
نعود إلى القول إننا إزاء مخاض تاريخي في هذه المنطقة، وهو مخاض سيفضي إلى ممارسة سياسية تعلي من قيمة الحرية والتعددية، ولا تسمح بنشوء دكتاتوريات مهما كان الثوب الذي تلبسه، ولا حاجة تبعا لذلك في استمرار هذه المعزوفة المملة التي تزدري شعوبا صنعت ثورات رائعة لن تسمح لأحد بأن يسرقها ويعيد عقارب الساعة إلى الوراء من جديد.
استخدام "القاعدة" في سوريا
بقلم عبد الرحمن الراشد عن الشرق الاوسط
لا بد أنها من المرات القليلة التي يضحك فيها الرئيس السوري بشار الأسد عندما ظهر منتمون لإحدى الجماعات السورية المتطرفة على إحدى محطات التلفزيون العربية يهددون ويتوعدون بأن تنظيمهم يعتزم إقامة نظام إسلامي متشدد محل نظام الأسد. كانت تلك المقابلات كفيلة بإخافة الدول المترددة والقلقة، لتبرهن على صحة روايات النظام السوري للعالم، ويرددها خلفه السياسيون الروس، الذين قالوا إن الغرب سيندم على إسقاط نظام الأسد لأنهم يكررون غلطة أفغانستان، وسيعودون للحرب لمقاتلة «القاعدة» في سوريا هذه المرة. ونحن نرى الفرنسيين الآن يشنون واحدة من أكبر حروبهم في أفريقيا، في شمال مالي، لمقاتلة الجماعات المتطرفة هناك.
ولا شك أن الغرب، وبعض العرب أيضا، في خوف شديد من أن تتحول الثورة السورية إلى أفغانستان أخرى بسبب تدفق الجهاديين للمشاركة في القتال. وبدل أن يدعموا الثوار الوطنيين، ويلجموا نظام الأسد، فإنهم يكتفون بمشاهدة القتال ورصد الجماعات المتطرفة.
والنظام السوري يريد أن يقبل الغرب بفكرة أنه صمام الأمان ضد الإرهابيين وإحباط الثورة وسيكثف من الحديث عن الجماعات المتطرفة، وبكل أسف هي حقيقة موجودة، وبعضها صنيعة النظام نفسه لهذا الغرض، وبعضها يروج النظام لأعمالها وصورها لتخويف العالم من أفغانستان المقبلة.
وقد سبق له أن استخدم نفس التكتيك من قبل عندما كان تحت ضغط دولي شديد بسبب جرائمه في لبنان.. ففي نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2008 زعم عبر وكالته الرسمية للأنباء (سانا) أن تنظيم «فتح الإسلام» المتطرف فجر سيارة في أحد أحياء دمشق، وأن تيار المستقبل اللبناني المناوئ لسوريا هو وراء التنظيم الإرهابي، وأن الانتحاري الذي فجر السيارة سعودي الجنسية!
طبعا لم يصدق أحد الكذبة السورية، لأن تيار المستقبل اللبناني، ممثلا في رئيس الوزراء حينها فؤاد السنيورة، كان هو من قاد الحرب قبل عام ضد تنظيم «فتح الإسلام» في مخيم نهر البارد.
وثقوا أن الجماعات المتطرفة التي تقاتل على الأرض السورية المحروقة، بعضها فتحت لها سجون الأسد لتخرج عناصرها للقتال، كدليل على أن الثورة السورية ليست إلا جماعات إرهابية، وبعضها تنتمي بالفعل للتنظيم وترفع علمه الأسود.. لكن الغالبية الساحقة من الثوار في سوريا ينتمون للجيش الحر، فالأسد يريد أن يشوه سمعتهم، ويخوف دول المنطقة العربية منهم، ودول الغرب أيضا. ومن صالحه الترويج لصورهم وفيديوهاتهم وبطولاتهم، في حين أنهم دخلوا على خط الثورة قبل عشرة أشهر ولا يمثلون سوى نسبة صغيرة من الثوار.
"لعبة كراسي" متكرّرة هنا
بقلم مازن حايك عن النهار
في بيروت، ينشغل الجميع في الاستعداد للانتخابات النيابية، المرتقبة مبدئياً هذا الربيع، فيما تقبع الأولويات الوطنية في الأدراج، ويَطوي النسيان الملفات الأساسية الضاغطة والملحّة. أما في أبو ظبي، فينهمك عدد من قادة الدول والرؤساء التنفيذيين لكبرى الشركات العالمية والمسؤولين غير الحكوميين والخبراء وغيرهم، في "أسبوع أبوظبي للاستدامة"، و"القمة العالمية لطاقة المستقبل"، و"القمة العالمية للمياه"، و"مؤتمر الطاقة المتجدّدة". مرّة جديدة، يجد لبنان نفسه مهمّشاً وبعيداً عن مناقشة العناوين المستقبلية ومعالجة الملفات الحيوية، ليس لأنه غير معني بها، أو لأنه لا يتأثّر بانعكاساتها والتداعيات، أو لأن مصادر الطاقة لديه في أفضل حال، وكذلك بيئته وموارده الطبيعية والمائية والكهربائية... بل، ببساطة، لأن "تجار السياسة" في بلد الأرز منهمكون إلى درجة الهوس في لعبتهم المفضّلة، "لعبة الكراسي"، على حساب حاضر لبنان ومستقبل أبنائه وبناته.
من وحي المناسبة، وفي تغريدة على موقع "تويتر" للتواصل الاجتماعي، كتب الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم: "نقدّم الى العالم نموذجاً يمكن البناء عليه، ونؤمن بأن ضمان استدامة الطاقة عالمياً يتحقق ببناء الشراكات بين الدول، وبالاستثمار الجاد في مشاريع الابتكار"... ما يؤشّر إلى أن هاجس القادة الذين تتكلّم عنهم رؤيتهم وروح القيادة وأفعالهم وانجازاتهم، كما تُدين لهم شعوبهم بالحكم الصالح والأمل والازدهار ومواكبة العصر، هو بناء المستقبل والتقدّم نحوه بكل ثقة... لا البحث عن مستقبل بلدانهم ومجتمعاتهم وشعوبهم في الماضي، كما يحصل في لبنان، حيث يُمعن "تجار السياسة" في إطلاق الشعارات، والمزايدات، ولَوم الآخرين على أخطائهم وخطاياهم والإخفاقات... لتكون النتيجة: تكدُّس خيبات الأمل، وتراكُم الديون والمآسي الإنسانية والخسائر، واستفحال البطالة والفقر والهجرة، وفقدان ثقة المواطن بمستقبله، وتَراجُع منسوب الأمل لدى الشباب... إضافة إلى تعثُّر تطبيق القانون، وشغور الإدارة العامة وفسادها، وشبه غياب الخدمات، من مياه وكهرباء واتصالات واستشفاء وصرف صحّي وصيانة طرق ومنشآت ومرافق وغيرها. أما البيئة والهواء النقي والمساحات الخضر والنظافة و"إعادة التدوير" والمحافظة على الموارد الطبيعية وغير الطبيعية... فحدّث ولا حَرَج! كيف يُمكن الذهنية السائدة، المرتكزة على ولاءات "تجار السياسة" المتعدّدة ومصالحهم الآنية وحساباتهم الشخصية، أن تُنقذ البلد حقا من الكارثة الاقتصادية – الاجتماعية المحتمَلة؟ وهل الانهماك في قانون الانتخاب، على حساب غيره من الأولويات، يُوصل تلقائياً إلى حلول مؤسساتية تُحدث اختراقات ملحّة في جسم الدولة التنفيذي والقضائي والتنظيمي والرقابي والمالي؟ وهل بالانتخابات وحدها يحيا الأنسان في لبنان، ويُبنى المستقبل؟!