النتائج 1 إلى 1 من 1

الموضوع: اقلام واراء حماس 368

مشاهدة المواضيع

  1. #1

    اقلام واراء حماس 368

    [IMG]file:///C:\Users\ARCHIV~1\AppData\Loca l\Temp\msohtmlclip1\01\clip_im age001.gif[/IMG][IMG]file:///C:\Users\ARCHIV~1\AppData\Loca l\Temp\msohtmlclip1\01\clip_im age003.gif[/IMG]
    [IMG]file:///C:\Users\ARCHIV~1\AppData\Loca l\Temp\msohtmlclip1\01\clip_im age004.gif[/IMG]


    في هذا الملــــف:

    • هل ما نلاحظه صحيح: الحقيقة الفلسطينية مُختزلة بين عباسيين وإسماعيليين؟
    • بقلم: علي الهيل (كاتب وأستاذ قطري) عن القدس العربي
    • الوصاية الاردنية الهاشمية على القدس ومزاودات الاقليميين
    • بقلم: لؤي منور الريماوي(زميل اكاديمي فلسطيني زائر في جامعة هارفارد ورئيس الماجستير في القانون المالي الاسلامي في جامعة BPP/لندن) عن القدس العربي
    • في ذكرى مجزرة دير ياسين
    • بقلم: فوزي علي السمهوري عن السبيل الأردنية
    • كيري.. وأطراف المؤامرة تحت الاختبار
    • بقلم: أسرة التحرير عن تشرين السورية
    • مهما عَظُمَ الكيان سيُهزم
    • بقلم: فايز رشيد عن الخليج الاماراتية
    • «الإخوان المسلمون» ... الصعود هبوطاً!
    • بقلم: مصطفى الفقي (كاتب مصري) عن الحياة اللندنية
    • الدبابات الأميركية أطْلَقَتْ "الربيع العربي" من بغداد
    • بقلم: جهاد الزين عن النهار البيروتية


    الأمة العربية في خطر
    بقلم: فهمي هويدي عن الشروق المصرية
    هل ما نلاحظه صحيح: الحقيقة الفلسطينية مُختزلة بين عباسيين وإسماعيليين؟
    بقلم: علي الهيل (كاتب وأستاذ قطري) عن القدس العربي
    في البدء أجدني مضطرا إلى أن أوضح أن كلمة قضية ومفهومها العلمي تعنيان أنهما يمكن أن يحتملا الصواب، كما يمكن أن يحتملا الخطأ. وعليه فإن فلسطين عندي ليست 'قضية' وإنما هي 'حقيقة' فلسطينية عربية إسلامية إنسانية. فأنا لا أكترث لا كثيراً ولا قليلاً بتصنيفات ما غدا يُعرف بالمجتمع الدولي، وما ومن يتبع له مثل الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي وغيرهما، لأن كل هذه التسميات فارغة بإجماع الكثيرين في العالم، فو ق أنها منافقة ومرائية ومكيافيلية وتكيل بمكيالين وتقلب المعايير وتجعل الصحيح خطأ والخطأ صحيحاً.
    ولذلك علمتني تربيتي وثقافتي وتجاربي أن لا أخضع لقوانين هذا المجتمع الدولي وإنما أن أخضع لقوانين الحقيقة.
    ولكي لا يُفهم أنني أقوم بقفزات بهلوانية في الهواء أحب أن أبين مثلاً أن المجتمع الدولي من قوانينه أن من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها حتى في مقابل طفل فلسطيني يرمي حجراً، رغم أنها هي صاحبة اليد العليا والسلاح الأقوى، وهي التي تحتل الأرض وتستبيح كل ما ومن فيها، وما ومن عليها وتقتل وتشل وتعوق وتهدم وتعتقل وتنكل وتتعسف وتعربد و..و..و.. وبضوء أخضر مطلق دائم من المجتمع الدولي، ورغم أن الطفل هو صاحب الأرض الشرعي.
    وأما قوانين الحقيقة مثلاً، أن المجتمع الدولي مسمى وكيانٌ ديكتاتوري غير منتخب من شعوب دوله وغير ديمقراطي وغير عادل في المطلق، وأن إسرائيل من الأساس ما كان لهذا المجتمع الدولي أن يسمح لها بأن تقوم على أرض الفلسطينيين العرب والمسلمين والإنسانيين.
    وبعد توضيح 'حقيقة' وليست' قضية' فلسطين نلاحظ أنه على الأقل منذ 2006 تم اختزال الحقيقة الفلسطينية بين قَضَويين عباسيين يقودهم (محمود عباس) في الضفة وهو من خلال خطابه العباسي يقر بأن فلسطين 'قضية' ويؤمن بالتفاوض، وهو يعني التنازل عن شيء أو أشياء و'حقيقيين إسماعيليين' يقودهم (إسماعيل هنية) من غزة، وهو من خلال خطابه الإسماعيلي يقر بأن فلسطين 'حقيقة' وليست 'قضية' قابلة للنقاش حول اقتسامها بين أهلها الشرعيين ومحتلهم الصهيوني. إذا قال ذاك شيئا فنده هذا وإذا اتهم ذاك هذا جادله ذاك والحقيقة باتت متأرجحة بين هذا وذاك.
    ومن أمثلة ذاك وهذا اتهم (هنية) هذا (عباساً) ذاكَ بأن ذاكَ قد رضخ لضغوط إسرائيل وأمريكا، أو أنه تحت تأثير ضغوطهما لتعطيل ما بات يُعرف في الخطاب الفلسطيني الجديد بالمصالحة، وهو من خلال التجارب لا يبدو اتهاما مجانبا للصواب فما كان من (عباس) هذا إلا أن انبرى بتفنيد اتهامات (هنية) ذاكَ.
    والنتيجة أن الشعب الذي يعاني شتى صنوف المعاناة يوميا في الضفة وغزة هو ضحية هذا وذاك، وهو ربما في سواده الأعظم لا يقرهما بذاكَ، بَيْدَ أنه كما يبدو مغلوب على أمره بفعل التجاذب بين هذا وذاكَ.

    الوصاية الاردنية الهاشمية على القدس ومزاودات الاقليميين
    بقلم: لؤي منور الريماوي(زميل اكاديمي فلسطيني زائر في جامعة هارفارد ورئيس الماجستير في القانون المالي الاسلامي في جامعة BPP/لندن) عن القدس العربي
    على الرغم من الاعتراف بفلسطين كدولة مراقبة غير عضو في الامم المتحدة، فان منجزات القضية الفلسطينية ما زالت تشهد تراجعا مستمرا. فبعد اكثر من عشرين عاما من التفاوض، لم يتم تحقيق اي تقدم في حسم الملفات النهائية، في ظل تعاظُم الحملة الاستيطانية وفشل الزيارة الاخيرة للرئيس الامريكي وتعاطفه المتنامي والعلني مع مواقف نتنياهو. وعليه فلقد اختلفت الاراء حول الجدوى الحقيقية والاهداف المرجوة من الاتفاقية الاخيرة الموقعة في عمان، التي في الفقرة الاولى من المادة الثانية تؤكد ان 'يعمل الملك عبدالله بن الحسين بصفته صاحب الوصاية وخادم الاماكن المقدسة في القدس على بذل الجهود المُمكِنة لرعاية والحفاظ على الاماكن المقدسة... وبشكل خاص الحرم القدسي الشريف وتمثيل مصالحها...'.
    ففي ظل ما سبق انتقد البعض هذه الاتفاقية على انها خالية من ذكر الاحتلال الاسرائيلي للقدس، وانها لا تُغير شيئا على ارض الواقع من الناحية السيادية، على الرغم من ان الاتفاقية في الفقرة الاولى من المادة الثالثة تحتوي على الجملة العمومية التي تترك مسألة 'السيادة' على القدس للدولة الفلسطينية 'المستقبلية'.
    كذلك تساءل البعض الاخر عن الاثار القانونية لها. فمن الناحية الشكلية، الاتفاقية جاءت بسيطة في نصوصها من حيث العدد والصياغة وذات اثر معنوي اكثر منه قانونيا، حيث انها كانت خالية من الاثار القانونية ضمن عُرف المعاهدات الدولية في القانون الدولي العام. ويُضاف الى هذا كله الحقيقة التي لا يمكن تجاهلها في مضي اكثر من ثلاث سنوات على انتهاء ولاية محمود عباس كرئيس للسلطة الوطنية الفلسطينية.
    فلقد جاءت هذه الاتفاقية في ظل تفتُت القرار الفلسطيني ما بين فتح وحماس والسلطة الوطنية ومنظمة التحرير والمجلس الوطني والمجلس التشريعي، لا سيما بتقسيم فتح نفسها الى فتح رام الله وفتح العاصفة وفتح الاسلام وفتح الانتفاضة، وتقسيم حماس الى حماس غزة وحماس دمشق سابقا وحماس قطر لاحقا الخ.
    تأتي هذه الاتفاقية كذلك في جو داخلي اردني مشحون، في ظل محاولة الكثيرين لابراز صورة ضبابية ومتخبطة ترتكز على تهويل الحدث في الاردن والمبالغة في التركيز على مواطن الضعف، في محاولات لترويج اجندات متعددة. ولقد تباينت هذه الاجندات لتشمل الاجندات الخاصة والجهوية والحزبية والنقابية وغيرها. ولكن ابغضها الاجندات الاقليمية واصحابها ممن يعتقدون اليوم انهم يملكون القدرة على تركيع النظام الاردني وقطاعات عريضة واساسية من الاردنيين بارهابهم الفكري المُتنكر لمفهوم الدولة الاردنية الهاشمية التي ضمت ضفتي نهر الاردن في ظل وحدة وطنية حقيقية.
    فمن الناحية التاريخية يُعتبر الاردن من الحالات النادرة، التي نجح فيها العرب باستثناء اقتطاع ارض عربية من مؤامرات التهويد وعدم تقديمها لقمة سائغة للصهيونية الدولية. فمنذ انشائها وفي ظل تفاهمات اروقة الوزارات البريطانية الكولونولية المُختصة كان انشاء امارة شرق الاردن اصلا انقاذا للضفة الشرقية من براثن وعد بلفور المشؤوم في ظل الانتداب البريطاني لاحقا، ومبررا للغضب الدائم للدوائر الصهيونية المُتطرفة. هذا مثلا يتجلى بكل وضوح في المحاولات الشرسة لعضو الكنيست الاسبق ارئيه الداد في تحالفه مع اليمين الاوروبي المتطرف لخلق رأي عام دولي لنزع الشرعية عن النظام الاردني الهاشمي.
    فلولا تضافر الجهود وتضحيات الشهداء واتحاد ارادة الشرفاء لتحدث الاقليميون في الاردن اليوم العبرية بطلاقة، ولكانوا انفسهم في عداد 'اللاجئين' او'النازحين' الذين يصدحون عليهم بالمزايدات صباحا ومساء. فكل اقليمي في تحامله الانهزامي يعلم في قرارة نفسه ان اصحاب القضية الاصليين هم مئات الملايين من العرب مع اخوانهم من بقية المسلمين، وانهم قد تنصلوا من مسؤولياتهم الوطنية تحت ذرائع مسميات هوياتهم الاستعمارية، مختبئين تحت ظلالها الاقليمية الوتيرة، مُقنعين الضحايا ان المسؤولية هي مسؤوليتهم وحدهم رغم امكانيات الامة وطاقاتها البشرية والمادية الهائلة. وبلا خجل او ادنى حسٍ وطني كثيرا ما تُركت المسألة لاطفال الحجارة ليحملوا على اكتافهم الصغيرة شرف الامة مُشبعين بذنب هذه الامة وتخاذلها.
    فلو كان قد تم احتلال ارض من الامة الامريكية او الصينية او البريطانية او الفرنسية او الروسية، هل كانوا سيقومون فعلا بالمتاجرة بابناء وبنات امتهم كما يفعل اليوم المختبئون خلف الهويات المُصطَنعة؟ وعند الاحتلال الصليبي هل جلس صلاح الدين في قصره الاميري المريح لان 'هويته' الفرعية لم تُؤهله لغير ذلك تاركا القضية لعرابيها، ام انه زحف مع عشرات الالاف من اشراف الامة ليصنع انتصار حطين في الرابع من تموز عام 1187؟.
    الاقليميون الجُدد لن يُعيدوا صياغة التاريخ الاردني المُشترك، الذي بُني بسواعد كل الابناء، ولن ينجحوا بالاعتداء على البوصلة العروبية الهاشمية للاردن. فكثيرا ما تشدق هؤلاء الاقليميون بشخصيات وطنية امثال الشهيدين وصفي التل وهزاع المجالي مع ان هذه الشخصيات الفذة هي براءٌ من الاقليمية البغيضة. فمثلا فور تكليف المغفور له الملك الحسين بن طلال للشهيد وصفي التل بتشكيل حكومته الاولى عام 1962 اتصل الشهيد التل مع رئيس الوزراء الاردني ورئيس مجلس النواب الاردني لاحقا الدكتور قاسم الريماوي ليخبره عن اختياره له كوزيرٍ في حكومته، التي اضاف الشهيد التل، بعفوية الوطني الاردني الصادق، انها ستكون مناصفة بين ضفتي الوطن الاردني.
    بالتأكيد لقد اختلط الحابل بالنابل اليوم وتعقد المشهد الاردني الداخلي في ظل تفاقم الضغوط الاقتصادية الشديدة والعنف المجتمعي الخطير والتطورات الجيوسياسية المتقلبة، لا سيما في ظل فشل الاساليب الالتوائية والتقليدية في احتواء الازمات عقب هبة الربيع العربي. هذا كله مدعاة الى تقييم اردني استراتيجي مُمنهج يأخذ كل العوامل السابقة بالحسبان في نظرةٍ مستقبلية ترتكز في شموليتها على الحفاظ على الثوابت الوطنية الاردنية، التي في مقدمتها هوية عروبية حضارية هاشمية مُؤتمنة على مقدسات الاردن في ضفتيه التوأمتين، التي هي اصلا الممتلكات الوطنية لكلِ اردني واردنية، سواء اكانوا من شرق النهر او غربه.

    في ذكرى مجزرة دير ياسين
    بقلم: فوزي علي السمهوري عن السبيل الأردنية
    شاءت الأقدار أن يتعرض الشعب الفلسطيني إلى سلسلة من المجازر منذ النصف الاول من القرن العشرين وحتى الآن.
    ففي التاسع من نيسان عام 1948 امتدت يد الغدر والإرهاب يد العصابات الصهيونية لارتكاب مجزرة في دير ياسين، طالت المدنيين العزّل بهدف دب الرعب في قلوب وعقول الشعب الفلسطيني؛ لإرغامهم على مغادرة منازلهم وقراهم ومدنهم الفلسطينية، وذلك لاستكمال المؤامرة الاستعمارية بإقامة الكيان الصهيوني على الأرض الفلسطينية «وعلى أنقاض الشعب الفلسطيني»، وما كانت هذه المجازر المتعددة ليكتب لها النجاح لولا الدعم العسكري والسياسي والمعنوي من رائدة الاستعمار بريطانيا وحلفائها.
    إن هذه الجرائم الصهيونية بل المجازر ما هي إلا صورة حيّة واقعية للسياسة الصهيونية القائمة على ممارسة الإرهاب في ظل الدعم المباشر وغير المباشر من القوى الكبرى، التي خططت لإقامة الكيان الصهيوني على أرض فلسطين، لما شكله من موقع استراتيجي يمثل مكانة القلب للوطن العربي، ولتكون اليد الضاربة لأي قطر عربي يتمرد على أوامر وتعليمات القوى الاستعمارية، بعد أن نجحت في تقسيم الوطن العربي إلى دويلات متناحرة وفقا لاتفاقيات سايكس بيكو وسان ريمو.
    ولم تكتف العصابات الصهيونية بارتكاب المجازر وأعمال القتل بحق الشعب الفلسطيني الأعزل من السلاح، بل عمدت مدعومة من رائدة الاستعمار بريطانيا إلى طرد الشعب الفلسطيني خارج وطنه؛ ليعيش حياة اللجوء والمنافي في ظل أوضاع لا إنسانية في محاولة لتركيعه والنيل من إرادته وصموده، بل والنيل من الايمان الراسخ بحقه في وطنه فلسطين، وبحقه النضال من أجل تحرير الارض المغتصبة والعودة إلى أرض الآباء والأجداد.
    ولكن المخطط الصهيوني فشل فشلاً ذريعاً في النيل من إرادة الشعب الفلسطيني بالرغم من تواطؤ عدد من الأنظمة لمنع قيام الشعب الفلسطيني بواجبه، والنضال من أجل تحرير وطنه وإقامة دولته المستقلة، فهب الشعب الفلسطيني بقيادة رائدة الثورة الفلسطينية حركة فتح في الأول من كانون الثاني لعام 1965 معلنة انطلاقة الثورة الفلسطينية، بالرغم من كافة اشكال اغلاق الحدود أمام ثوارها.
    ومما شجع دولة الاحتلال استمرار احتلالها لفلسطين ليس الدعم الدولي فحسب؛ بل التخاذل الرسمي العربي والفرقة والشرذمة التي اتسمت بها الانظمة العربية، مما أدى إلى غياب الارادة للاعداد، لامتلاك عناصر القوة لاجهاض المخطط الصهيوني وما نتج عن احتلال لمباني فلسطين وللجولان وسيناء، إثر هزيمة حزيران عام 1967.
    تلك الهزيمة التي رفضها الشعب الفلسطيني فالتف حول ثورته، مما فاقم من حجم المؤامرات الإقليمية والدولية التي استهدفت القضاء على ثورة الشعب الفلسطيني طليعة الشعب العربي، وبلغت المؤامرة والاستهداف استخدام القوة العسكرية واستخدام الأسلحة المحرمة دولياً، وفرض العقوبات الجماعية، والقيام بسلسلة من الاغتيالات لرموز من قيادات الثورة الفلسطينية. ففي العاشر من نيسان عام 1973 قامت قوات الإرهاب الإسرائيلية بعملية الفردان التي أسفرت عن اغتيال ثلاثة من القادة وهم الشهداء كمال ناصر وكمال العدوان وأبو يوسف النجار، على أرض لبنان غير آبهة بميثاق الأمم المتحدة، بل وبدعم من القوى النافذة في مجلس الأمن بقيادة أمريكا.
    إن مجزرة دير ياسين ما هي إلا مثال واحد لسلسة المجازر التي ارتكبت؛ من مجزرة مسجد دهمش في اللد إلى مجزرة كفر قاسم، إلى مجزرة مخيم جنين إلى مجزرة قطاع غزة عام 2008/2009، إلى استمرار فرض الحصار الجماعي والتي تشكل وفقاً للشرعة الدولية جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
    وإذ تمر هذه الذكرى الحزينة هذه الأيام التي تشهد القضية الفلسطينية مؤامرة دولية لتصفية القضية وتمكين «اسرائيل» من إبقاء احتلالها وسيطرتها على المدن الفلسطينية، في ظل انقسام سياسي وجغرافي بين أراضي السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية من نهر الأردن وقطاع غزة.
    فالمطلوب من قادة الشعب الفلسطيني وخاصة فتح وحماس العمل المخلص والجاد لإنهاء الانقسام، والتوافق على برنامج الحد الأردني الوطني الهادف لإنهاء الاحتلال للأرض الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967 «وهذا أضعف الإيمان»، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، دون التنازل عن حق العودة للاجئين الفلسطينيين بالعودة إلى وطنهم وأراضيهم التي طردوا منها عام 1948، وعلى الجميع أن يتذكر بأن التاريخ لن يرحم..؟!

    كيري.. وأطراف المؤامرة تحت الاختبار
    بقلم: أسرة التحرير عن تشرين السورية
    أسئلة كثيرة تطرح نفسها بالتزامن مع زيارة وزير الخارجية الأميركي جون كيري إلى المنطقة,
    ولعل من أهم تلك الأسئلة: هل أتى كيري إلى المنطقة لإيجاد صيغة مثلى للتعاون التركي ـ الإسرائيلي, مع جمع القوى المتآمرة على سورية للاستمرار في عدوانها الظالم على الشعب السوري أم لإطلاق عملية تفاوض عبثية بين الفلسطينيين والإسرائيليين للإيحاء بأن أميركا وسياساتها العدوانية تجاه سورية وتجاه المنطقة قد عادت إلى رشدها لتلعب دور الوسيط في مفاوضات أطلقتها قبل ثلاثة عقود لكنها لم تثمر عن شيء سوى عن بناء عشرات الآلاف من المستوطنات في الأراضي العربية المحتلة, وبشكل مخالف ليس لأسس عملية السلام فقط وإنما مخالف لميثاق الأمم المتحدة ولقرارات مجلس الأمن ذات الصلة بالصراع العربي - الإسرائيلي..
    وتحت غبار التعمية التي يمكن أن تنشرها زيارة كيري إلى المنطقة يمكن تقييم النتائج التي يمكن أن يحققها عملاء أميركا في العدوان على سورية لتوزيع الأدوار والمهام الجديدة على «إسرائيل» وتركيا وقطر والسعودية وغيرها من دول غارقة حتى أذنيها في التآمر على العروبة والإسلام.. نعم هذه أبرز الاحتمالات حول زيارة وزير خارجية دولة تسيطر على خيوط التآمر على الشعب السوري وعلى شعوب المنطقة، من دون أن يلغي احتمالاً قد يشير إلى قناعة الولايات المتحدة الأميركية بأن إسقاط سورية بات مستحيلاً، وأن انتهاج الحلول السياسية استناداً إلى وثيقة جنيف بات الطريق الأفضل الذي يجنب المنطقة والعالم انفجاراً كارثياً تهدد شظاياه الأمن والسلم الدوليين، كما تعود بالضرر على مصالح جميع دول العالم وفي مقدمتها المصالح الأميركية..
    ومع أننا لانثق بالنيات الأمريكية تجاه المنطقة لكننا نتمنى أن تكون الإدارة الأميركية قد اقتنعت بأن استمرارها في صب الزيت على نار الأزمة السورية سيحرق أصابع الكثيرين ممن ساهموا ويساهمون في تأجيجها وفي مقدمة هؤلاء أميركا ذاتها.
    إن سورية التي اتخذت كل ما يلزم لانطلاق مؤتمر الحوار الوطني لتجاوز هذه الأزمة، تأمل من الجميع إعادة النظر في مواقفهم وإلا فإن المستمرين في التآمر سيجدون أنفسهم أمام فاتورة ربما يعجزون عن دفع تكاليفها.
    مهما عَظُمَ الكيان سيُهزم
    بقلم: فايز رشيد عن الخليج الاماراتية
    من يستمع إلى خطابات وتصريحات نتنياهو ومعظم القادة “الإسرائيليين” يلمس بلا أدنى شك مدى الغرور والفوقية وشعور العظمة فيها، إنهم يهددون كل دولة وكل زعيم أو سياسي ممن يقفون ضد “إسرائيل” . إنهم يتبجحون كثيراً، ينطلقون من أنهم يقودون دولة كبرى، دولة عظمى ولا يرون كل الآخرين إلا من خرم إبرة . لكن الحقيقة أن “إسرائيل” قويت بسبب عوامل الضعف العربي ليس إلا . بنيان “إسرائيل” من داخلها سيظل هشا حتى لو امتلكت كل عوامل القوة والتدمير . هي دولة كانت وستظل مصطنعة مهما عظمت .
    إن كل الحروب التي خاضتها “إسرائيل” ضد الفلسطينيين والعرب حرصت فيها على نقل المعارك إلى أراضي العدو، بعيداً عن جبهتها الداخلية والمناطق التي تحتلها في منطقة 48 . ذلك ليس مصادفة بالطبع وإنما أصبح معروفاً للقاصي والداني . بالمعنى الاستراتيجي فإن الجبهة الداخلية “الإسرائيلية” لا تحتمل حرباً تُشن عليها .هي لم تتعود تحمل تداعيات الحرب لأسباب عديدة من أبرزها، أن ارتباط “الإسرائيلي” بالأرض الفلسطينية التي يعيش عليها هو ارتباط هش وغير عقائدي (حتى وإن بدا كذلك بالنسبة لمعسكر القوى الأشد تطرفاً) .
    “الإسرائيليون” يدركون حقائق الولادة القسرية ل”إسرائيل”، ويعرفون أن أصحابها الأصليين كانوا، ومازالوا وسيظلون يطالبون بها ويناضلون من أجل تحريرها .
    في أحد استطلاعات الرأي “الإسرائيلي” كانت أجرته صحيفة “هآرتس” فإن 40% من “الإسرائيليين” يفضلون الهجرة منها . مهما جرى في تفسير أسباب ذلك ومنها الاقتصادي بالطبع، لكن أحد العوامل المستقرة في أذهانهم أن “إسرائيل” تفتقد إلى عنصري الأمان والاستقرار التاريخيين . لذلك أيضاً فإن الإحصاء الذي جرى نهاية العام الفائت من قبل جامعة “تل أبيب” أظهر ارتفاعاً كبيراً في نسبة الحاصلين على جنسية ثانية من “الإسرائيليين” . سامي ميخائيل الباحث “الإسرائيلي” في الشؤون الاستراتيجية والأديب (العراقي الأصل) الذي ترجمت بعض كتاباته إلى العربية، قال في مداخلة له في مؤتمر الرابطة الدولية للدراسات “الإسرائيلية”، الذي عقد في حيفا أواخر أكتوبر/تشرين الأول الماضي: “بإمكان “إسرائيل” أن تتفاخر بلقب الدولة الأكثر عنصرية في العالم المتطور . يوجد خطر حقيقي على “إسرائيل”، إذا لم تدرك القيادة الحالية بحقيقة أن “إسرائيل” ليست موجودة في شمالي أوروبا، وإنما في المركز النشط للشرق الأوسط المعذب، هذا الذي ليس لنا مكان فيه بعد أن جعلنا كل المحيط يكرهنا . وشددنا ليل نهار على أن هذا المحيط مكروه منا أيضاً . قد نفقد كل شيء، ودولة “إسرائيل” ستكون ظاهرة عابرة مثل الهيكل الأول والهيكل الثاني” .
    أبراهام بورغ ابن الحاخام يوسف بورغ الذي كان مقرباً من ديفيد بن غوريون، رئيس الكنيست بين الأعوام 1999-2003 المنافس لإيهود باراك مراراً على زعامة حزب العمل، الذي تولى مناصب وزارية عديدة في “إسرائيل” ومنصب رئاسة الوكالة اليهودية في سنوات طويلة ، قال لصحيفة “يديعوت أحرونوت” في المقابلة التي أجراها معه الصحافي أري شاليط ونشرت يوم 8 يونيو/حزيران 2007: “إن يهودية دولة “إسرائيل” ستقرب نهايتها . . .إن “إسرائيل” دولة فاشية وهي قوة استعمارية شبيهة بألمانيا عشية صعود النازية إلى الحكم . . .إن أكثر من نصف النخب “الإسرائيلية” لا يريدون لأبنائهم العيش في دولة “إسرائيل” وفي النهاية نصح الإسرائيليين باستصدار جوازات سفر أجنبية . تصريحاته أحدثت هزة في “إسرائيل” بأرقام خيالية من مقياس ريختر .
    كثيرون من الكتاب “الإسرائيليين” تطرقوا إلى الارتباط الهش بين “الإسرائيلي” ودولته منهم: إسرائيل شاحاك، إيلان بابيه، ومن الشخصيات العامة: المحامية التي اشتهرت بدفاعها عن المعتقلين الفلسطينيين في السبعينات وبداية الثمانينات فيليتسيا لانغر، التي هاجرت مع عائلتها في ما بعد إلى ألمانيا الغربية (آنذاك وقبل توحد شطري ألمانيا) . معروف أن بابيه يقيم في لندن .
    إن من الأسباب التي تجعل “إسرائيل” حريصة على خوض المعارك في أراضي الغير (العدو) هي افتقادها إلى المدى الجغرافي الاستراتيجي، فهي موجودة في ارض فلسطين التاريخية، في وسط من العداء الشعبي العربي لها بسبب من عدوانيتها وعنصريتها وفاشيتها وجرائمها وقبل كل شيء اغتصابها فلسطين .
    من ناحية ثانية: فإن المسافة بين شرق فلسطين المحتلة حيث نهر الأردن، والبحر الأبيض المتوسط ناحية الغرب (الخط الذي يمر من نابلس) لا تتجاوز 72 كم ، وفي الجنوب 117 كم، وبالتالي فإن هذا يسهل من هزيمتها في موازين الحروب الرسمية إذا ما جرت (هذا وفقاً لآراء العسكريين الاستراتيجيين) .
    من الأسباب التي تقف وراء الحرص “الإسرائيلي” على نقل المعارك إلى أرض الغير، أن “إسرائيل” بنت استراتيجيتها على الحرب السريعة والخاطفة، فهي لا تحتمل الحروب الطويلة . وذلك حين تم توجيه الصواريخ في عدوانها على لبنان وغزة في عامي ،2006 و2012 إلى جبهتها الداخلية، فإنها بادرت إلى طلب التهدئة أو الهدنة من خلال الوسطاء .
    من الأسباب أيضاً، افتقاد الشارع “الإسرائيلي” إلى “البنية المجتمعية” التي في الغالب تكون موحدة في تاريخها وتراثها وحضارتها . كل ذلك ينطبق على دول العالم كافة باستثناء “إسرائيل” التي أنشئت قسراً واغتصاباً للأرض الفلسطينية . بالتالي جرى تجميع اليهود من دول العالم، من أمريكا إلى إثيوبيا (ويعتزمون إحضار مهاجرين ممن يدّعون أنهم يهود من الهنود الحمر في أمريكا) من دون وجود روابط حقيقية مشتركة في ما بينهم سوى الانتماء للديانة اليهودية (التي كانت وهي كذلك وستظل ديانة بعيدة كل البعد عن مفاهيم الشعب، القومية، الأمة مثلما تحاول “إسرائيل” تسييد هذه الأوصاف على شارعها) .
    هناك مقولة تحتاج إلى نوع من التوضيح وهي، أن “الإسرائيليين” يتوحدون في عدائهم للعرب أثناء الأزمات، هذا صحيح في الأزمات أو في أوقات الحروب السريعة، التي يكون موقعها خارج “إسرائيل” .
    أما في الحروب الطويلة التي تصبح الجبهة الداخلية “الإسرائيلية” جزءاً منها، فإن التناقضات داخل “إسرائيل” تتفاقم ليس بالضرورة أن يكون عنوانها: العداء للعرب لأن هذه المسألة مفروغ منها، وإنما التناقضات التي تكون واجهتها: التناقض بين مفهومين: الأمن والاستقرار الموعودين وحقيقة الواقع المتمثل في حروب مستمرة تخوضها “إسرائيل” .
    إن المعتقدين بإمكانية هزيمة “إسرائيل” من الفلسطينيين والعرب، لا يبنون وجهة نظرهم هذه على أوهام بل على حقائق موضوعية وليست عاطفية أو غيبية . لذا فإن هزيمة “إسرائيل” لمرة واحدة تعني نهايتها، ومهما تعاظمت “إسرائيل” فستُهزم .


    «الإخوان المسلمون» ... الصعود هبوطاً!
    بقلم: مصطفى الفقي (كاتب مصري) عن الحياة اللندنية
    ظلت جماعة «الإخوان المسلمين» تمثل لي، منذ طفولتي، صورة التنظيم الديني الذي تسلل إلى السياسة بحكم احتكاكه بالشارع ورغبته في التأثير على الناس، وتوهمت دائماً أن لدى الجماعة كوادر علمية راقية في التخصصات كافة، وزاد من هذا الوهم في عقلي أنني التقيت شخصيات متميزة من الجماعة، مثل الدكتورين أستاذ القانون توفيق الشاوي وأستاذ الاقتصاد محمود أبو السعود. وتجسد لدي الشعور بأهمية الجماعة ربما لأن مولدي ونشأتي كانا في المنطقة نفسها التي خرج منها الإمام حسن البنا -ونائبه لفترة معينة- أحمد السكري، إضافة إلى تعرفي بعد ذلك على أسماء لامعة في الجماعة، مثل صالح أبو رقيق وأحمد سيف الإسلام البنا وعصام العريان، ثم بعد ذلك أسماء أخرى من التجربة البرلمانية، مثل محمد مرسي وسعد الكتاتني وحسين إبراهيم وغيرهم، كما كان من حظي أن أكون على صلة طيبة بالمرشد العام السابق محمد مهدي عاكف، وقبله المرشد الأسبق المستشار مأمون الهضيبي، لذلك شعرت دائماً أنه على رغم اختلافي مع فكر الجماعة إلا أنني أتعاطف مع حقها في العمل السياسي بكل أشكاله البرلمانية والحزبية والمجتمعية، وعندما قفزت الجماعة إلى السفينة الجديدة لتصل إلى الحكم في بلد المنشأ كواحدة من أهم الدول الإسلامية والعربية، وأعني بها مصر، فإننا جميعاً تابعنا ما جرى بمزيج من القـلق والدهشة، وانتهى الأمر بـوصول رئيس إخواني للحكم في مصر. ويهمني هنا أن أطرح النقاط الآتية:
    أولاً: إنني لا أعترض أبداً على وصول الجماعة إلى سدة الحكم في أكبر دولة عربية، وهي مصر ما دامت تلك إرادة صندوق الانتخاب، رغم كل الملابسات والملاحظات التي أحاطت بظروف الفترة الانتقالية بعد ثورة 25 يناير 2011، وهي التي أطاحت بالنظام السابق وغيرت الخريطة السياسية للبلاد. ولكنني أريد أن أقول صراحة إنني كنت أتمنى على جماعة «الإخوان المسلمين» أن تقدم نفسها للمجتمع المصري والعربي والإسلامي بصورة مختلفة عمَّا حدث، كنت أريد من قياداتها مزيداً من الانفتاح السياسي على القوى الأخرى ومحاولة فتح حوار معها من دون تصنيف أو تعميم أو تجاوز أو إقصاء، بدلاً من الدخول في سباق تصفية الحسابات السياسية التي تخفي وراءها أحياناً مظاهر الكيدية والاستهداف والرغبة في إبعاد الآخر ونفي فكر الغير وتطبيق «العزل السياسي» على مئات من المصريين والمصريات من ذوي الكفاءة تحت مسميات واهية مثل «الفلول» و «قوى الثورة المضادة» و «بقايا النظام القديم» الذي كان نواب جماعة «الإخوان المسلمين» جزءاً حيوياً منه في البرلمانات المصرية الأخيرة.
    ثانياً: يخطئ من يتصور أن «الإخوان المسلمين» جماعة تنضوي تحت مسمى «دراويش السياسة»، فـ «الإخوان» جماعة سياسية «براغماتية» أمضت ما يقرب من خمسة وثمانين عاماً في الشارع السياسي المصري وانتشر أتباعها في أنحاء العالم، وعرفت قياداتها السجون والمعتقلات حيث جرى التضييق عليهم في كل العهود تحت ظل الحكم الملكي والجمهوري على حد سواء، ولم يكن ذلك أمراً من جانب واحد، فعلى الجانب الآخر مارس أعضاء التنظيم الخاص من خلال الجناح السري في الجماعة كثيراً من الممارسات خارج إطار العمل السياسي المشروع باعتماد العنف أسلوباً لمواجهة كثير من المواقف على النحو الذي وصل إلى حد الاغتيال السياسي كما ظهر في حقبة الأربعينات من القرن الماضي! ونحن نرى أن فكر جماعة «الإخوان المسلمين» يحتوي على ثمانين في المئة سياسة وعشرين في المئة دين، بينما يختلف الأمر بالنسبة إلى التيارات السلفية التي يشغل الدين فيها نسبة الثمانين في المئة بحيث لا يبقى للسياسة إلا عشرون في المئة فقط، ولذلك فنحن نقول دائماً إن «الإخوان المسلمين» يتميزون بالواقعية ويجيدون التعامل على الأرض وحشد الأنصار والوصول إلى صندوق الانتخاب، خصوصاً في المناطق الفقيرة، وما أكثرها، والبقاع المحرومة، وما أتعسها!
    ثالثاً: ربما لم يفطن أشقاؤنا في جماعة «الإخوان المسلمين» إلى أن قيادة دولة أمر يختلف بالضرورة عن «إدارة جماعة»، فالدولة تحتاج إلى خبرات متمرسة وكفاءات مستنيرة ورجال دولة يعرفون كيفية الاحتكاك بالآخر ويفهمون المجتمع الدولي ويدركون صراع القوى الإقليمية ويفرزون القوى الاجتماعية داخلياً والفئات الوظيفية محلياً، كما أنه لا بد أن تكون لديهم جدولة واضحة لبرامج محددة على المدى القصير واستراتيجيات مدروسة على المدى الطويل، لأن «فقه الأولويات» يتحكم إلى حد كبير في مسار العمل الوطني والحياة السياسية، فكان يتعيَّن على الذين يحكمون في مصر أن يبدأوا بتحقيق نجاحات ملموسة وإنجازات مطلوبة قبل أن يتجهوا إلى إعادة هيكلة الدولة. إن رجب طيب أردوغان في تركيا لم يتقدم صفوف القوات المسلحة «الأتاتوركية» ولم يتمكن من السيطرة على مرافق الدولة ومؤسساتها إلا بالتقدم الاقتصادي الذي حققه أولاً قبل أن يضع يديه في «عش الدبابير» بحيث تكون لديه أوراق اعتماد شعبية تمكنه من الهدف الذي يريد، وفي مصر يعتبر الفقر قنبلة موقوتة، لذلك فإن مكافحته هي المقدمة الطبيعية لمشروع النهضة الحقيقية، وإذا نظرنا إلى الوضع في مصر سنكتشف أن شيئاً من ذلك لم يحدث، لذلك ظل التوتر والقلق والانفلات الأمني والأخلاقي مستمراً حتى الآن!
    رابعاً: لا بد أن السياسيين في جماعة «الإخوان المسلمين» يدركون بحصافتهم أن من يتغطى بالولايات المتحدة الأميركية هو في النهاية «عريان»، وأنا قلت ذلك منذ سنوات قبل الثورة، وأضفت أن الولايات المتحدة وإسرائيل ترصدان باهتمام بالغ نظام الحكم في مصر ورئيسها القادم، باعتبارها أكبر دولة عربية ولأنها أيضاً ركيزة «السلام المرحلي» في الصراع العربي-الإسرائيلي. إن الولايات المتحدة تريد من حكم «الإخوان المسلمين» مطالب وأمنيات لو سعت الجماعة إلى تحقيقها أو المضي فيها فإنها تفقد شخصيتها التاريخية وهويتها الإسلامية، خصوصاً في ما يتصل بالقضية الفلسطينية والمواجهة مع «المد الشيعي» والحوار مع ايران. إن «الزواج» الأميركي-الإخواني جاء على «ورقة طلاق»، فـ «الإخوان المسلمون» كانوا من طلائع الفدائيين منذ العام 1948 كما أنهم لن يقبلوا السقوط في مستنقع الصراع الطائفي بين السنة والشيعة، ولقد بدأ الأميركيون يدركون شيئاً من ذلك وأفلتت منهم تصريحات متناثرة تعكس شيئاً من خيبة الأمل تجاه توقعاتهم السابقة حول أداء الجماعة في أكبر دولة عربية وعلاقاتها بالدول العربية الأخرى، خصوصاً في منطقة الخليج، فضلاً عن تأرجح العلاقات المصرية - الليبية، بل والمصرية -السودانيـة أيضاً!
    خامساً: إن جماعة «الإخوان المسلمين» التي تمرست بالعمل السياسي لأكثر من ثمانين عاماً، ليست لديها تفرقة بين التواجد في الشارع كمعارضة وبين دخول القصور كحكام. إن الأمر مختلف تماماً، فالحكم مسؤولية والمعارضة نجومية! والوصول إلى السلطة يمكن أن يكون نهاية المطاف ليصبح بحق صعوداً يمهد للهبوط. إن حيازة الحكم يمكن أن تكون نعمة ونقمة في الوقت ذاته، ويمكن أن تكون نهاية البداية كما يمكن أن تكون بداية النهاية، والأمر يتوقف دائماً على وجود الرؤية البعيدة لدى رجال الدولة الحقيقيين المتمرسين في الحياة السياسية والمدربين على أصول الحكم! إننا أمام ظاهرةٍ تستحق الاهتمام، لأن محورها هو العلاقة بين السياسة والحكم، فالأمر شديد الاختلاف بينهما!
    سادساً: إننا لا نعادي الجماعة، بل نراها فصيلاً إسلامياً مصرياً، ولكننا نقلق كثيراً من مظاهر البداية التي لا توحي بالارتياح، لأن فيها تراجعاً عن القرارات وتداخلاً في الإجراءات، ويبدو بعض رموزها أحياناً وكأنهم يحكمون من «الزنازين» التي عانوا فيها على مر العقود الأخيرة! إننا أمام معادلة معقدة لن تقوى على حلها إلا قيادات الجماعة ذاتها، فهم محتاجون إلى مزيد من الشفافية ووضوح الرؤية والقدرة على استشراف المستقبل من بين سحب الماضي وضباب الحاضر.
    سابعاً: يتعين على قيادات الجماعة توسيع دائرة المشاركة السياسية وفتح صدورهم برحابة واتساع للقوى الأخرى كافة، بلا رواسب للماضي أو عقد في الحاضر، فقد فتح الله عليهم مصر فلا بد أن يحافظوا عليها وأن ينهضوا بها لأنها كنانة الله التي عانت طويلاً وتعبت كثيراً وآن لها -بعد ثورة شعبها- أن يأتي من يأخذ بيدها ويعالج جراحها ويحقق آمالها.
    هذه رؤية محايدة في تقويم حكم «الإخوان المسلمين» في مصر بما له وما عليه، ونحن نريد في النهاية أن يقيل الله مصر من عثرتها، وأن يحقق لها النهوض والتقدم على يد إخوانيٍّ أو سلفي أو ليبرالي أو يساري، فالمهم هو أن تمضي القافلة، وأن تستقر مصر، وأن تهدأ الدلتا والوادي، وأن يتوقف نزيف الدم، ويسود السلام أرض المحروسة، ونؤكد في النهاية أننا نحترم شرعية الرئيس المنتخب، فمن جاء بالصندوق لا يبرح موقعه إلا بالصندوق.

    الدبابات الأميركية أطْلَقَتْ "الربيع العربي" من بغداد
    بقلم: جهاد الزين عن النهار البيروتية
    اليوم 9 نيسان 2013 تكون قد مضت عشر سنوات كاملة على سقوط بغداد في 9 نيسان 2003. كان ذلك السقوط هو البداية الحقيقية لما سيُسمّى لاحقا "الربيع العربي"، البداية التي لا يحب أن يعترف بها "المثقّفون الوطنيّون " العرب!
    في الأول من تشرين الثاني 2002 أي قبل بضعة أشهر من الغزو الأميركي للعراق وإسقاط صدام حسين كتبتُ على هذه الصفحة من "النهار" مقالا بالعنوان الحرفي التالي: ("المشروع الثوري" الوحيد للمنطقة هو المشروع الأميركي). أثار لي المقال والعنوان يومها العديد من المتاعب مع العديد من الأصدقاء اللبنانيين والعرب. اليوم وبعد عقد كامل على سقوط بغداد تبقى واحدةٌ من أهم ظواهر سلوكِ جزءٍ كبيرٍ من النخب العلمانية العربية التي لم تنل ما تستحقّه من الرصد والنقاش هي أن هذه النخب المنخرطة عميقا في ثورات "الربيع العربي" في تونس ومصر وليبيا التي أدت إلى سقوط ثلاثة ديكتاتوريين عرب مع أنظمتهم، هي نفْسُها هذه النخبُ ترفض التغييرَ الذي حدث في 9 نيسان 2003 في العراق والذي أدّى إلى سقوط أول وأعنف هؤلاء الديكتاتوريين مع نظامه.
    السبب المعلن لهذا التناقض هو أن التغيير العراقي تمّ عبر الدبابات الأميركية حتى لو أن هذه الدبابات كانت "متحالفةً" يومها مع معظم مكوّنات الشعب العراقي وهي الأكراد ومعظم الشيعة وجزءٌ لا يُستهان به من السُنّة نشأت مخاوفُه الطائفية بعد التغيير لا قبله.
    هذه الظاهرة في "سلوك" النخب العربية لها طبعا تفسيرها في الثقافة الوطنية أي بكونها ضد الغزو الأميركي. وقد فوجئتُ وكنتُ انتهيتُ لتوّي من كتابة هذا المقال بوجود مقال نُشر في "النيويورك تايمز" يوم السادس من نيسان الجاري لكنعان مكّية الكاتب العراقي المهاجر يحمل تقريبا العنوان نفسه: "الربيع العربي بدأ في العراق". وهو توارد أفكار مفهوم في موضوع بهذه الأهمية.
    المعضلة العميقة التي ستُطرح لاحقا على هذه الحقبة من تاريخ منطقتنا هي أنه، أحببنا ذلك أم رفضناه، فإن مشروع التغيير الديموقراطي الأشمل في المنطقة منذ تأسيس إسرائيل عام 1948 (التي أدّى وجودُها إلى ولادة شبكة من الأنظمة العسكرية الاستبدادية في المنطقة (وهذه حقيقة لا يحب أن يعترف بها معظم الغربيين)... هذا المشروعُ التغييريُّ أطلَقَتْهُ الولايات المتحدة الأميركيةُ بالقوة العسكرية عام 2003. ما هي أهداف واشنطن الحقيقية؟ هذا سؤال ليس مطروحا فقط على ما حدث عسكرياً في بغداد بل أيضا على ما حدث ب "القوة الناعمة" في تونس والقاهرة وبمزيج القوتين الصلبة والناعمة في طرابلس الغرب وحاليا في سوريا، لا سيما السؤال الخطير عن هل هو هدف تفكيك دُولِنا أكثر مما هو الهدف الديموقراطي؟ لكن كل علامات الاستفهام هذه المطروحة للنقاش لا تستطيع أن تخفي حقيقة جوهرية هي أن مشروع التغيير الديموقراطي في المنطقة قادته واشنطن. ولكي تكون الحقيقةُ مزعجةً أكثر يجب التذكير بأن "المحافظين الجدد" حول الرئيس جورج بوش الإبن هم الذين وضعوا نظريّته وقادوه.
    كل العناصر الداخلية كانت موجودة في حالة التغيير العراقي وهي عناصر استندتْ عليها القوةُ العسكرية الأميركية. الرفض الشيعي والكردي الكاسح لصدام حسين. رفض مدعوم برفض ضحايا صدام الكثيرين بين السُنّة العراقيين ومع كل هؤلاء رفضٌ متراكمٌ وعميقٌ لنظام صدام من معظم النخبة اليسارية والليبرالية العراقية في الداخل والمنفى الذي اتسع في سنوات حكم صدام ليصبح حوالى أربعة ملايينِ عراقيٍّ مشتّتين في العالم ومنهم نخبة كبيرة جدا في دول الغرب لم تعد لها مصلحة في العودة إلى العراق بالمطلق.
    في مصر أشعلت هذه النخبة الثورةَ وبالوسائل الديموقراطية لأنها كانت موجودة على أرض بلدها وكانت قد تطوّرت وسائل الاتصال الاجتماعي التي كان التنسيق "القِيمي" قائما فيها بينها وبين الغرب سياسيا وثقافيا وإلى حدٍ ما اقتصاديا بالنسبة للكوادر الواسعة من الطبقة الوسطى المصرية التي ساعدت على تعزيزها برامج التدريب الأوروبية والأميركية بعد سقوط الاتحاد السوفياتي. في تونس الوضع نفسه ولو كان عدد الناشطين والقياديين المعارضين للنظام الديكتاتوري العائدين من الخارج أكبر من العائدين المصريين. ففي مصر تميّزت الديكتاتورية المباركية بمنع أي تداول للسلطة مستندةً إلى نهب اقتصادي لثروات الدولة لكن مع قدر ملموس ومسموح به من حريات التعبير. هذا لم يكن موجودا في تونس وفي ليبيا وفي سوريا وفي العراق حيث الديكتاتوريات استئصالية بالكامل ولو أن صدام حسين والعقيد معمّر القذافي كانا الأبشع في تطبيقها. فالديكتاتورية المصرية وخصائصها بل واختلافاتها المهمة، لا سيما سماحَها بحرية التعبير، عن الديكتاتوريات العربية الأخرى موضوعٌ يحتاج إلى درس ضروري ولكن لسنا بصدده هنا.
    الغرب موجودٌ عميقا في كل تحوّلاتنا. إنْ لم يكن عسكريا كما في العراق ولاحقاً بصيغة أخرى في ليبيا واليوم بصيغة ثالثة في سوريا... فهو موجودٌ ثقافيا وسياسيا واقتصادياً طبعا. والعامل الثقافي أساسي وعميق بحكم انتصار القيم الديموقراطية الليبرالية التي عادت تتبنّاها معظم نخبنا العربية بما فيها التيار الأساسي في الحركات الإسلامية. أليست هذه ما سُمّي "نهاية التاريخ"؟
    المشهد - النتيجة الأهم كقاسمٍ مشتركٍ يجمع بين بغداد 2003 والقاهرة 2011 هو بدون أدنى شك مشهدُ وجودِ كلٍّ من صدام حسين وحسني مبارك في قفص الاتهام داخل محكمة على أرض العاصمة التي حكمها عقودا.
    هل كان يمكن لمشهد حسني مبارك في القفص أن يحصل بدون مشهد صدام حسين المماثل الذي سبقه؟ أليست هذه ديناميّة التاريخ التي أطلقت موجةً تغييرية من بلدٍ إلى بلدٍ ضمن منطقة واحدة كما حدث في أوروبا الشرقية مع سقوط جدار برلين وقبل ذلك بشكلٍ مختلف في أميركا اللاتينية؟ إنها قوّةُ "السابقة" التي لم يكن ممكنا تصوُّرها بدون الاحتلال الأميركي الذي فتح أفق الديموقراطيةِ في المنطقة وتفكّكِ دولنا... معاً؟ كيف نفرّق بين النتيجة الرائعة والنتيجة الوخيمة على ملعبٍ واحد؟
    لقد كانت هناك، بعد بغداد، بدايةٌ ثانيةٌ مثيرةٌ لـ"الربيع العربي" بكل التباساته التي عرفناها لاحقا هي الحركة الاعتراضية المستندة إلى تيار شبابي واسع في طهران والمدن الإيرانية ضد النظام الديني الإيراني وبقيادة رموز سابقة من النظام لكنها انتهت إلى الفشل بعدما نجح النظام رغم مشروعيّتها الديموقراطية في حصارها وجعلها "غير وطنية".
    تيارات دينية حاكمة في كل مكان: سنّية في تركيا ومصر وتونس وشيعية في إيران والعراق ومقاومات ليبرالية وعلمانية مختلفة الأحجام لكل منها. وصل "حزب الدعوة" في العراق، النسخة الشيعية لـ"الإخوان المسلمين" السُنّة. ووصل "الإخوان " في مصر وتونس وليبيا. أحزابٌ لم "تسرق الثورة" عكس ما يردد أصدقاؤنا الليبراليون واليساريون المصريون وإنما كانت في جهوزية شعبية وسياسية لقطف ثمارها السلطوية بسبب تاريخ طويل دؤوب من المواجهة مع الأنظمة العسكرية لم يكن فيها "الإخوان" دائماً ضحايا إرهاب السلطة بل كانوا أحيانا صانعي هذا الإرهاب ضد السلطة وضد أخصامهم السياسيين والفكريين.
    انفراط العِقد المتماسك والرهيب للاستبداد العسكري… بدأ في بغداد 2003.
    مخاضٌ هائلٌ داخليٌّ وخارجيٌّ متلاطم... في بعضه لا يُعاد تركيب السلطات فقط بل يُعاد تركيب الدول، وفي بعضه يُعاد تركيب المجتمع.

    الأمة العربية في خطر
    بقلم: فهمي هويدي عن الشروق المصرية
    إذا كان القلق على مصر واجبا فى المرحلة الراهنة، فهو على العرب أوجب. ولئن كانت مصر تواجه أزمة فالعرب على أبواب كارثة.
    المنطوق أعلاه خلاصة لمحاضرتين دعيت إلى إلقائهما بالمملكة المغربية، إحداهما بمعرض الكتاب عن الربيع العربى فى الدار البيضاء، والثانية عن سيناريوهات المستقبل فى منتدى للمثقفين بمدينة المحمدية، لم أفاجأ بالقلق الذى عبر عنه كثيرون ممن التقيتهم فى المغرب، فنحن فى مصر نعيش ذات القلق بدرجة أخرى. ذلك أنهم هناك يرون مصر من خلال شاشات التليفزيون التى تعطى للمشاهد الخارجى انطباعا بأن مصر تنتحر، فى حين أن الصورة من الداخل تشى بشىء آخر، خلاصته أن مصر تتعثر فى مسيرتها ولا تعرف بالضبط إلى أين هى ذاهبة وسط الأنواء التى تضربها من كل صوب.
    وجدت أن هناك تداخلا فى التقييم بين الثورة والحكم. وسواء كان ذلك متأثرا بالحملات الإعلامية التى ما فتئت تنفر الناس من الثورة وتنسب إليها كل نقيصة، أو أنه كان طغيانا من جانب أخبار أزمة الحكم أنسى الناس ما أنجزته الثورة. فالشاهد أننى وجدت من المفيد أن أذكر السامعين بأن الثورة لم تنه حكم الفساد والاستبداد فقط، ولكنها أيضا أعادت مصر للمصريين ممن اغتصبوها ونهبوها. ثم إنها انهت عصر الفرعون وأطلقت حريات المجتمع. كما انهت حكم الأقلية وأعادته إلى الجماهير، لكى تقرر من جانبها وبكامل حريتها من الأجدر بحكمها.
    كان السؤال الذى حاولت الإجابة عليه هو: لماذا تعثر الحكم الذى جاء بعد الثورة؟ فى الرد قلت إن عقود الاستبداد لم تدمر حاضر البلد السياسى والاقتصادى فحسب، وإنما دمرت بصورة تلقائية مستقبله أيضا. وتجلى ذلك فى إقصاء الجميع عن السياسة واحتكارها من جانب جماعة أو فرقة واحدة. تخيرها الرئيس وظل يستخدمها طول الوقت. وكان من نتيجة ذلك الاحتكار أن الطبقة السياسية لم تتح لها فرصة التأهل لإدارة الدولة، فلا هى شاركت فى الإدارة، ولا هى مارست السياسة من حيث هى عمل مشترك للنهوض بالأمة من خلال مؤسساتها المختلفة.
    فى ضوء هذه الخلفية أرجعت أزمة الحكم إلى عوامل عدة فى مقدمتها ما يلى: التوتر التقليدى الذى يحل فى أعقاب أى ثورة أسقطت نظاما وسعت إلى إقامة نظام بديل ــ التركة الثقيلة التى خلفها النظام السابق جراء تدميره للسياسة والاقتصاد فضلا عن مؤسسات الدولة والمجتمع ــ الإدارة غير الناجحة من جانب الرئيس محمد مرسى وفريقه ــ الأداء المفتقد إلى النضج من جانب عناصر المعارضة ــ انقسام الجماعة الوطنية ونشوب حرب أهلية باردة بين مكوناتها ــ دور بقايا النظام السابق المتحالفة مع أركان الدولة العميقة ــ الانفلات الأمنى الذى له دوره الأكبر فى التأثير على النشاط الاقتصادى ــ الضغوط الخارجية التى مورست من خلال قنوات عدة كان أبرزها الحصار الاقتصادى والحملات الإعلامية.
    أغلب هذه العوامل كان متوقعا ومنها ما كان مفهوما، أما ما كان مفاجئا فقد تبدى فى نهج إدارة الدولة، الذى قلت إنه لم يحقق النجاح المرجو منه. حيث اتسم بالبطء والتردد، كما أنه لم يمارس بالشفافية المطلوبة، الأمر الذى أحدث فجوة بين السلطة والمجتمع، استثمرت فى تعكير الأجواء ومن ثم تعطيل المسيرة. إضافة إلى ذلك فان التردد فى القرارات والنكوص عن الوعود فاقم من أزمة الثقة، الأمر الذى كان له دوره القوى فى حدوث الاستقطاب الذى أوصل الخلاف إلى درجة مطالبة البعض بعودة حكم العسكر مرة أخرى. وكان هؤلاء المطالبون هم أنفسهم الذين هتفوا قبل أشهر قليلة بسقوط العسكر!
    لقد أدرك الجميع فى مصر الآن ان الإخوان إذا كانوا قد نحجوا فى تسيير الجماعة خلال العقود التى خلت، فإن النجاح لم يحالفهم فى تسيير المجتمع وإدارة شئونه، وهذا هو جوهر الأزمة الراهنة التى أوصلت مصر إلى حالة أقرب ما تكون إلى الانسداد السياسى. وتلك حالة متقدمة للأزمة، يتطلب حلها درجة عالية من الحكمة والجرأة وبعد النظر. إلا أن شواهد الحال لا توحى بتوافر تلك العناصر، فى الأجل المنظور على الأقل.
    كررت أكثر من مرة أن تلك المثالب تحسب على الحكم وليس على الثورة. وأضفت أن الحكم إذا كان قد تغير أو بسبيله إلى التغير فى بعض الأقطار، إلا أن الثورة تظل أعمق وأبعد مدى بكثير من الحكم. فتجلياتها تجاوزت حدود الأقطار الأربعة أو الخمسة التى تغير فيها الحكم أو تزلزل، تماما كما أن تجلياتها التى ظهرت إلى السطح أقل بكثير من تلك التى استقرت فى الأعماق. وما ظهر على السطح رآه الكثيرون ويتابعه سيل الأخبار والتقارير التى تروج لها وسائل الإعلام ليل نهار. أما ما هو تحت السطح ــ وما أعتبره الأهم والأكثر فاعلية ــ فهو روح التمرد التى سلحت المواطن العادى بجرأة دفعته لأن يرفع صوته عاليا محتجا على القهر والفساد والظلم الاجتماعى.
    هذا التمايز دفعنى إلى التفرقة بين ما أسميته بالربيع الصاخب ونظيره الصامت. وقلت إن الصاخب هو الذى أعلن على الملأ وأدى إلى تغيير الأنظمة السياسية فى بعض الأقطار. أما الربيع الصامت فهو ذلك الذى يعبر عن نفسه من خلال وسائل التواصل الاجتماعى التى يتم تداولها فى هدوء، ودون أى صخب معلن، وهدفه إصلاح الأنظمة وليس تغييرها. وهو ما يسوغ لنا أن نعتبرها نموذجا للربيع الإصلاحى وليس الثورى.
    فى هذا السياق تبرز الرسالة التى وجهها فى الشهر الماضى الداعية السعودى المعروف الدكتور سلمان العودة، والتى بثها من خلال 64 تغريدة، استهدفت مناصحة النظام ودعوته إلى تحقيق الإصلاح السياسى من خلال إطلاق سراح المعتقلين والكف فى استخدام الأساليب البوليسية فى التعامل مع المواطنين الذين ضاقوا ذرعا بالكثير من الممارسات والأوضاع السلبية، وشاع بينهم الاحتقان جراء معاناتهم من الفقر والبطالة والفساد الإدارى والمالى وتراجع الاهتمام بالصحة والتعليم.
    رسالة الدكتور العودة هى الأهم والأبرز فى الآونة الأخيرة. وقد سبقتها فى المملكة رسائل ودعوات عدة للمناصحة، كما أنها ليست الوحيدة فى بابها فى منطقة الخليج، لأن ثمة رسائل مماثلة عبر عنها الإصلاحيون فى سلطنة عمان ودولة الإمارات العربية والكويت والبحرين.
    كثيرة هى القرائن الدالة على أن ثمة متغيرا مهما فى الوجدان العربى يتعين الانتباه إليه واستثمار ايجابياته، الأمر الذى يعنى أن ما سمى بالربيع العربى هو بمثابة إعلان عن متغير تاريخى فى المنطقة، يضعها على عتبات طور جديد فى مسيرتها، يتجلى فيه إصرار المواطن العربى على الدفاع عن كرامته وحقه فى المشاركة والعدل الاجتماعى.
    من هذه الزاوية زعمت أن الأمة تواجه بدورها مأزقا يتعين الاعتراف بوجوده والتعامل معه. وهو يتمثل فى أنه فى الوقت الذى تتبدى فى الأفق قرائن ذلك التحول التاريخى، فإن الفراغ يخيم على الساحة العربية. بحيث إن الباحث لا يكاد يرى للعرب رأسا يلتفون حوله أو مشروعا يدافعون عنه. وعند النظر فى الساحة فإنه لا يرى سوى ثلاثة مشروعات أولها تركى والثانى إيرانى والثالث إسرائيلى تقف وراءه الولايات المتحدة الأمريكية، الأتراك يتمددون اقتصاديا، والإيرانيون يتمددون سياسيا والإسرائيليون يتمددون استيطانيا.
    لا يقف الأمر عند ذلك الحد، لأن هناك تحولات مهمة تحدث على أرض الواقع توحى بأن المنطقة يعاد رسم خرائطها من جديد، وأنها بصدد الدخول فيما يمكن أن نسميه سايكس بيكو جديدة. وفى الوقت الراهن تتبدى أمامنا الملاحظات التالية:
    ● العراق يتعرض للتقسيم بعد التهديم الذى مارسه الاحتلال الأمريكى. فالإقليم الكردى انقسم تقريبا ولم يعد أمامه لتحقيق الاستقلال إلا أن يمنع رفع العلم العراقى على منشآته، وان يعلن ذلك على الملأ. ثم هناك دعوة قوية الآن لتقسيم العراق إلى ثلاثة أقاليم واحد للأكراد والثانى للشيعة والثالث للسنة.
    ● سوريا متأهبة للدخول فى المرحلة ذاتها، خصوصا فى ظل الاهتزازات الشديدة التى أصابت أركان النظام، وفى الوقت الراهن على الأقل فالاستعدادات تجرى على قدم وساق للتحسب لأسوأ الظروف التى قد تؤدى إلى تأسيس دولة علوية على الساحل فى حالة سقوط نظام الأسد. وحسب المعلومات المتوافرة فقد تم نقل موجودات البنك المركزى إلى اللاذقية، ويجرى تجهيز المطار والميناء لهذا الغرض.
    ● التقديرات متعددة لتداعيات سقوط النظام السورى، لأن ذلك سيحدث تأثيرا مباشرا على موازين القوى فى لبنان، وقد يؤثر سلبا على حزب الله، علما بأن الوضع الجديد فى سوريا سيكون مخاصما لإيران بشكل خاص. ثم إنه قد يشجع السنة فى العراق على الانتفاض ضد النظام. علما بأن تركيا استبقت وتوصلت إلى اتفاق مصالحة مع الزعيم الكردى المعتقل عبدالله أوجلان، كى تضيع فرصة استخدام الورقة الكردية فى إثارة القلاقل فى الداخل التركى (أكراد تركيا حوالى 13 مليونا). ومعروف أن إسرائيل اعتذرت لتركيا وأعادت العلاقات المقطوعة معها منذ ثلاث سنوات، استعدادا لمواجهة موقف ما بعد سقوط النظام السورى. أخيرا فهناك علامات استفهام كثيرة حول وضع إيران فى مرحلة ما بعد سقوط الأسد. واحتمالات تعرضها لضربة عسكرية من جانب إسرائيل لم تستبعد حتى الآن.
    ● أضف إلى ما سبق ضعف الوضع الفلسطينى أمام التغول والعربدة الإسرائيلية، وأن جنوب السودان انفصل عن شماله، وأن دعوات الانفصال قوية فى جنوب اليمن أيضا، وأن الحركة الأمازيغية تشهد تطورات فى المغرب توحى بأن الإنجازات التى تحققت لها فى الساحة الثقافية (بعد الاعتراف باللغة الأمازيغية فى الدستور المغربى الجديد)، بصدد الانتقال إلى طور التوظيف السياسى.
    هذه المؤشرات كافية فى التدليل على أن العالم العربى مرشح للانفراط، وان عملية إعادة تشكيله تمضى فى هدوء، فى حين يبدو العالم العربى لاهيا ومنصرفا عما يجرى.
    فى ظل هذه الخرائط تلوح فى الأفق احتمالات متعددة. إذا قسم العراق وأقيم الإقليم فى الجنوب فإنه سيلحق عمليا بإيران، سواء سقط النظام السورى أم لم يسقط. وفى كل الأحوال فإنه يخشى من تنامى مظاهر المواجهة بين السنة والشيعة فى ظل الخرائط الجديدة، كما أن ثمة حربا مكتومة بين دول الاعتدال العربى الجديد والدول العربية التى شهدت ثورات أسقطت فيها أنظمتها، وهذه المواجهة حاصلة الآن على الصعيدين السياسى والاقتصادى. ثم إنه فى تونس الآن مواجهة بين السلفيين وحركة النهضة كما أن فى مصر توترا بين السلفيين والإخوان، وفى الجزائر ثمة مواجهة بين السلفيين والدولة. ذلك كله غير المواجهة المحتدمة بين التيارين الإسلامى والعلمانى، والتى لها طابعها الحاد فى مصر وتونس وبدرجة ما فى المغرب. وفى الساحة الفلسطينية توقع دائم باحتمالات انفجار انتفاضة ثالثة فى وجه الحكومة الإسرائيلية الجديدة، الأكثر تعصبا وتطرفا.
    فى مواجهة هذه الأعاصير المحتملة تتفاهم تركيا مع إسرائيل، وتثور تساؤلات حول احتمالات التفاهم بين طهران وواشنطن، خصوصا أن وزير الخارجية الأمريكى الجديد من دعاتها. وهو تفاهم قد تتوافر له ظروف أفضل بعد خروج السيد أحمدى نجاد فى الانتخابات الرئاسية القادمة (خلال شهر يونيو). وفى حالة تمامه فإن العرب سيصبحون فى موقف أضعف. هذا إذا لم يتم الاتفاق على حساب مصالحهم.
    السيناريوهات متعددة، وأخطر ما فيها أنها تتم فى غياب العرب ودون أى اعتبار لمصالحهم، وهو غياب سيظل مستمرا ما استمرت أزمة مصر وتواصل تغييبها، وللأسف فإن المتعاركين فى مصر مستغرقون فى تجاذباتهم وذاهلون عما يمثله ذلك من خطر كارثى على الأمة العربية جمعاء.

    الملفات المرفقة الملفات المرفقة

المواضيع المتشابهه

  1. اقلام واراء حماس 300
    بواسطة Aburas في المنتدى أقلام وآراء حماس
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2013-03-31, 09:07 AM
  2. اقلام واراء حماس 299
    بواسطة Aburas في المنتدى أقلام وآراء حماس
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2013-03-31, 09:06 AM
  3. اقلام واراء حماس 298
    بواسطة Aburas في المنتدى أقلام وآراء حماس
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2013-03-31, 09:05 AM
  4. اقلام واراء حماس 297
    بواسطة Aburas في المنتدى أقلام وآراء حماس
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2013-03-31, 09:05 AM
  5. اقلام واراء حماس 269
    بواسطة Aburas في المنتدى أقلام وآراء حماس
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2013-02-26, 10:28 AM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •