أقــلام وآراء إسرائيلي (318) الاربعاء- 17/04/2013 م
|
- في هــــــذا الملف
- الثورات في العالم العربي وآثارها على اسرائيل
- بقلم: مارك هيلر،تقدير استراتيجي ـ مركز بحوث الامن القومي، جامعة تل أبيب
- بين رؤيا ثورية اسلامية ومصالح رسمية
- بقلم: راز سيمت، مركز موشيه ديان لدراسات الشرق الاوسط وافريقيا
|
الثورات في العالم العربي وآثارها على اسرائيل
بقلم: مارك هيلر،تقدير استراتيجي ـ مركز بحوث الامن القومي، جامعة تل أبيب
مزايا عامة
موجة الاحتجاجات، المظاهرات الشعبية والانتفاضات، التي تحمل عنوان ‘الربيع العربي’، والتي اندلعت في تونس في أواخر العام 2010 وانتشرت الى أجزاء واسعة من العالم العربي، ولدت بدورها موجة من التحليلات والتقديرات بالنسبة للتطورات المستقبلية. وتركزت هذه التحليلات أساسا على العوامل المقدرة لما بدا كخروج حاد عن الاستقرار او السلبية التي ميزت السياسة الشرق أوسطية في العقود الماضية. كما تركزت هذه التحليلات والتقديرات على الاثار المحتملة لهذه الاحداث على المنطقة بأسرها.
وبدلا من مواصلة الانشغال في المواضيع التي سبق ان بحثت، ركزت مجموعة العمل في معهد بحوث الامن القومي على الاثار المحتملة لما يسمى الربيع العربي على اسرائيل، على أساس بعض فرضيات العمل بالنسبة لطبيعة الظاهرة. اولها هي انه رغم أوجه الشبه المشتركة، فان الانتفاضات في المنطقة ليست ظاهرة مصنوعة من مادة واحدة. وكنتيجة لذلك فان تعميمات قليلة فقط هي ذات مدى عمومي. فالتعميمات التي تخلق عطفا واسعا تتعلق بالتعابير التي اعطيت للمشاعر الشعبية، القدرة الاعلامية والتنظيمية التي اكتسبها معارضو النظام بشأن استخدام التكنولوجيات الحديثة (الشبكات الاجتماعية)، كما تتعلق ايضا بازالة حاجز الخوف.
الفرضية الثانية ـ مصادر الاضطراب التي وجدت تعبيرها في المظاهرات الشعبية لا تنحصر فقط بالاطاحة بحكم الطغيان، بل تتضمن عوامل سياسية/نفسية (انعدام كرامة الانسان، الغضب من الفساد الواسع، احساس الظلم الشخصي والعام، بمعنى، العرقي أو الطائفي)، وعوامل اقتصادية/مادية (الجمود الاقتصادي او التوزيع غير العادل لثمار النمو الاقتصادي). الى جانب ذلك، الخليط الدقيق لهذه العوامل مختلف في كل دولة، كونه يوجد لكل واحدة من هذه الدول مزايا تاريخية، سياسية، اجتماعية، ثقافية، اقتصادية وديمغرافية خاصة بها.
الفرضية الثالثة ـ معنى المصادر المختلفة للاستياء والتطلعات المتنوعة، هو انه في حالات عديدة لا يكون فيها تعزيز ‘قوة الشعب’ موازيا بالضرورة للتحول الديمقراطي؛ احيانا تجد ‘قوة الشعب’ تعبيرها بتثبيت هويات جماعية ‘عرقية’، أو حتى تنمية ‘رؤى اخروية’ بدلا من الكفاح في سبيل الحريات الفردية، وبالتالي تخلق خوفا عميقا في اوساط الاقليات العرقية/الدينية أو في اوساط النساء.
ليست كل التغييرات النابعة من هذه الالية تبعث على آثار سلبية بالنسبة لاسرائيل، ولا سيما في كل ما يتعلق بالساحات الاقليمية. ومع ذلك، فان التقلبات تشير بالفعل الى تهديدات ومخاطر جوهرية. بطبيعة الحال، ليس بوسع اسرائيل ان تقرر ماذا ستكون عليه نتائج الالية الداخلية في جوهرها، او حتى التأثير على سياقها واتجاهها. ومع ذلك، فان بوسعها أن تتخذ خطوات لتلطيف حدة آثارها المهددة أو مخاطرها المحتملة. بعض الوسائل بهذه الروح تندرج ضمن التوصيات المطروحة لاحقا.
آثار عامة
في ضوء الطبيعة متنوعة الاطياف للشرق الاوسط، ليس مؤكدا أن تشهد الدول ثورات جدية (خلافا لتعابير الاستياء وحدها). ففي الدول التي اندلعت فيها او ستندلع فيها انتفاضات جديدة، لا تكون نتائج الصراعات الداخلية قابلة للتوقع بحكم طبيعتها. وحتى بعد أن ظهرت البوادر الاولية لـ ‘الربيع′ في تونس، فان قلة من المحللين توقعوا ظهور حركات احتجاج واسعة في مصر أو في سوريا، وعندما تحقق هذا السيناريو بالفعل، فوجئ الكثيرون سواء من السقوط السريع جدا لحسني مبارك عن الحكم في مصر، أم من أن بشار الاسد في سوريا لم يسقط بسرعة مشابهة. عمليا، واجب التاريخ لا ينطبق على نتائج هذه الصراعات. فتحدي أنظمة الطغيان ليست واجبة الواقع، فما بالك اسقاطها بالفعل؛ فمصيرها منوط بقدر كبير بوجود أو انعدام وجود تدخل أجنبي نشط (ولا سيما التدخل العسكري)، والذي كان عاملا حاسما في قدرة البقاء (حتى الان على الاقل)، للاسرة المالكة في البحرين، مثلا، وكذا عدم قدرة معمر القذافي على قمع الانتفاضة في ليبيا.
ما بدا أكثر تأكيد هو أن الانظمة الباقية الناجية من التحديات الداخلية (بل وتلك التي اعفيت من تحديات من هذا النوع) ستكون اكثر انصاتا لمشاعر الجمهور، حتى وان كانت لا تبدي استعدادا اكبر للتخلي عن الحكم.
كما أن ذات الانظمة التي لا تنجو لن تستبدل بالضرورة ببدائل أقل طغيانا. وبالفعل في الظروف التي لم تتثبت فيها بعد ثقافة التسامح، فان الفراغ السياسي الناشئ جراء اسقاط الانظمة القائمة كفيل بان تستغله بالشكل الافضل القوى الاسلامية و/أو القومية، التي لا تبدي ميلا أكبر من أسلافها لتشجيع أو السماح بالثقافة السياسية التي تقبع في أساس الديمقراطية الحقيقية. بتعبير آخر، فان الانظمة التي تتشكل، والتي تعكس باخلاص المصالح، الهويات او المعتقدات لدى الاغلبية كفيلة مع ذلك بان تعمل بشكل لا يتناسب وطرق عمل الديمقراطية الليبرالية. إمكانية اخرى هي ألا يحسم الصراع على الحكم بشكل عام على مدى فترة زمنية طويلة، وان النزاع الداخلي الطويل سيؤدي الى فترة طويلة من الاضطراب، والاضعاف أو حتى التفكك لوحدات اقليمية معروفة (نتيجة كانت متوقعة منذ الان في السودان، ومثلها لا يمكن استبعادها تماما في سوريا وفي العراق).
وأخيرا، فان منظومات اقليمية وتوازنات قوى كفيلة بان تخضع لتغييرات ذات مغزى، وفقا لنتائج هذه التحولات الداخلية. المثال الابرز على مثل هذا التغيير (الايجابي من زاوية نظر اسرائيل) هو اخراج العنصر السوري من ‘محور المقاومة’ برئاسة ايران، وان كانت تغييرات اخرى، أكثر سلبية، ممكنة هي ايضا.
الاثار على اسرائيل
الخطر الاكبر المحدق باسرائيل هو امكانية أن يتبين صحيحا تحذير مبارك للولايات المتحدة بالنسبة لمصر في أن البديل الواقعي الوحيد لاستمرار نموذج حكمه الدكتاتوري هو حكم دكتاتوري إسلامي ليس فقط في مصر، بل وفي المنطقة بأسرها. خطر واضح يحدق جراء صعود أنظمة إسلامية متطرفة مصممة على تطبيق أولوياتها الايديولوجية، عديمة الحساسية تجاه الموازين العسكرية أو حبيسة آلية سياسية من التصعيد من فعل أيديها. خطر من درجة ثانية هو أن يتيح إضعاف المرجعية المركزية لمنظمات الارهاب استغلال الفراغ السلطوي في المناطق الحدودية لتطوير قدراتها العملياتية، وتصعيد الهجمات على اسرائيل بناء على تفكرها الخاص. هذا السيناريو تحقق منذ الان في جنوب لبنان وفي شبه جزيرة سيناء (حتى قبل سقوط مبارك)، ومن شأنه بالتأكيد أن يحصل في جنوب شرق سوريا بل وفي غور الاردن. كل واحد من هذين السيناريوهين أو كلاهما معا سيخلقان محيطا اقليميا أكثر توترا وأقل أمنا يوميا بقدر أكبر، مثل المواجهة المقصودة أو التفكير الاستراتيجي المخلول. كما توجد حتى امكانية، وإن كانت باحتمالية متدنية، أن يتعاون الاسلاميون المتطرفون في البلدان العربية السنية مع ايران، وإن كان لاسباب تكتيكية قصيرة المدى؛ شائعات عنيدة بشأن جس نبض نحو المصالحة بين ايران والاخوان المسلمين في مصر تحتاج الى تأكيد، وبالاحرى، عرض نتائج ملموسة، ولكن مجرد حقيقة أنه نشأت اتصالات جديرة بالذكر.
هذه المخاطر تتوازن، في قسم منها، مع تغييرات ايجابية محتملة في المنظومات الاقليمية، بمعنى، ضعف المحور برئاسة ايران في حالة سقوط نظام الاسد في سوريا.
فضلا عن ذلك لا يمكن استبعاد امكانية أن تتصرف انظمة بقيادة اسلامية بضبط اشد للنفس مما يلوح من خطابها او من منظومة معتقداتها بسبب قيود داخلية و/أو دولية على حكمها. وكمثال على ذلك، فانه بعد انتصاره في الانتخابات في تونس، خرج حزب النهضة الاسلامي عن طوره كي يطلق رسائل تهدئة للتونسيين القلقين والى الجهات الاجنبية ذات المصلحة، عن أن ليس له اي نية في أن ينفذ جدول أعمال اجتماعي ليستند الى قمع من النوع المستحب على الاصوليين الحقيقيين. كما أنه توجد عدة مؤشرات محتملة، وان لم تكن قاطعة، على أن مرشح الاخوان المسلمين، محمد مرسي، الذي انتخب للرئاسة في مصر، ملتزم (طوعا أم بغير طواعية) بخطوة داخلية مشابهة، وبموقف عدمي بالنسبة لاتفاق السلام مع اسرائيل، أكثر مما كان يمكن الافتراض استنادا الى موقف الاخوان المسلمين في هذا الشأن من قبل. مفهوم أنه من السابق لاوانه التقدير اذا كانت هذه نوايا صادقة أم أنها مجرد نوع من التظاهر الذي يرمي الى صد ضغوط من الداخل ومن الخارج، ولكن لا يمكن استبعاد الامكانية الاولى استبعادا تاما.
الاستنتاجات
بتعابير عديدة، غيرت الظاهرة التي حظيت بلقب ‘الربيع العربي’ على نحو ذي مغزى المشهد السياسي للمنطقة. ومع ذلك، من المهم عدم المبالغة في شمولية التغيير. فمثلا، يقظة ‘قوة الشعب’ معناها أن الرأي العام أصبح قوة أكبر ينبغي اعطاء الرأي فيه. ومع ذلك، فقد شكل ‘الشارع العربي’ دوما عاملا اضطرت سواء الحكومات أم اللاعبين الاجانب، وعن حق، الى أخذه بالحسبان. وعلى نحو مشابه، لا ريب أن انعدام اليقين الداخلي والاقليمي احتدم، ولكن لا يعني هذا بالتالي أن المظاهرات الاولى في تونس ضعضعت فجأة وضعا من الاستقرار وقدرة التوقع للسياسة الداخلية والاقليمية في الشرق الاوسط.
في مثل هذه الظروف، لا تجد اسرائيل نفسها اليوم في وضع غير مسبوق يتعين عليها فيه أن تفكر بامكانيات عمل وآثار سياسية لم يسبق لها أن اضطرت الى التفكير فيها في الماضي. فقد كانت اسرائيل منذ الازل غرسا غريبا في المنظومة الاقليمية، تجمع، لشدة الراحة، احاسيس الظلم السياسي والاجتماعي فيها. هذا الواقع لم يتغير. وأغلب الظن، لن تصبح إسرائيل أبدا عاملا مقبولا وجزءاً لا يتجزأ من المنطقة، وهذا الكشف من شأنه أن يتعاظم كلما تواصل الاضطراب وعدم الاستقرار بالتعاظم (بما في ذلك في ضوء حقيقة أن التحديات الاجتماعية والاقتصادية تتطلب بشكل منطقي انتباها أكبر للشؤون الداخلية، وتضع تحديات أكثر، ستجد الانظمة القائمة وكذا مواصلة دربها صعوبة شديدة جدا للتصدي لها ـ وربما بالذات لهذا السبب). وكنتيجة لذلك، على اسرائيل أن تفحص بتفكر أعمالا لتقليص شدة وسحر الديماغوجية المناهضة لاسرائيل، حتى في ظل الوعي العام في أن الالغاء المطلق للعداء الاقليمي (الاصيل، وبالتالي الاستعمالي ايضا) سيبقى هدفا بعيدا بل وغير قابل للتحقق.
توصيات سياسية.. تشديدات عامة
الاعتراف بقيود القوة. فضلا عن السيناريوهات التي ينطوي عليها التدخل العسكري المباشر، فانه حتى القوى العظمى غير قادرة على أن تحسم نتيجة الهزة السياسية في الدول العربية. فما بالك اسرائيل. بل إنها غير قادرة على أن تساعد على تحريك الاحداث في الاتجاهات المرغوب فيها (ربما باستثناء بعض الحالات الشاذة). وبالفعل، في حالات معينة (سوريا بالاخص)، ليس واضحا على الاطلاق ما هي النتائج المرغوب فيها أو هل توجد لها أي صلة بالواقع. اضافة الى ذلك، فان الصورة الاشكالية لاسرائيل معناها أن حتى مظهر تفضيل طرف على طرف آخر في النزاعات الداخلية من شأنه أن يؤدي الى أثر عكسي.
الاعتراف بذلك بانه لا يدور الحديث عن صيغة للشلل. في نفس الوقت اسرائيل كفيلة بان تحتوي أو تقلص التأثير السلبي المحتمل للتطورات في العالم العربي، بل وان تستغل الفرص الكفيلة بان تبرز.
الامتناع عن المنطق ثنائي القيمة. الجدال بين المؤيدين للسلبية في ظل الاستعداد لاسوأ الشرور، وبين المتبنين للفاعلية من أجل منع أسوأ الشرور، يستند الى تضارب وهمي؛ فممكن وموصى به التقدم في نفس الوقت على المسارين، في قنوات مختلفة.
مبادرات محتملة
اتخاذ وسائل مبادر اليها ومغطاة إعلاميا لتحفيز البحث عن حل للنزاع مع الفلسطينيين أو على الاقل لتقليص مستواه. لقد عولجت المسألة الفلسطينية في إطار مجموعة عمل منفصلة في معهد بحوث الامن القومي، بصفتها المسألة الاكثر حدة وألما في المواقف العربية (والاسلامية غير العربية) تجاه اسرائيل، حتى قبل ‘الربيع العربي’. وبالتالي، فان مجموعة العمل في موضوع العربي لم ترى حاجة الى التطرق اليها بالتفصيل، باستثناء الاشارة الى اهميتها العليا في كل جهد لتقليص ‘التسرب’ السلبي المحتمل لموجة الاضطرابات التي وقعت، ولا تزال مستمرة. فالخلافات الداخلية في الدول العربية حول مسألة السياسة تجاه اسرائيل لن تسوى بشكل حصري، او حتى بالاساس، من خلال الاقناع الفكري. ومع ذلك، سيكون لمعارضي تبني مناهج اكثر عدوانية تجاه اسرائيل احتمال افضل على الاقل في طرح حججهم، اذا ما توفر لهم بعض ‘الذخيرة’ ضد المنطق، المقبول من المؤيدين للمواجهة، لاتخاذ أعمال التصعيد.
تأييد مبادىء مبادرة السلام العربية واقتراح البحث فيها مع مجموعة اتصال الجامعة العربية. منطق مشابه يقبع في أساس هذه التوصية. إسرائيل غير ملزمة بان تقبل دون تحفظ مضمون مبادرة السلام العربية، ولكن يمكنها أن تستمد منفعة من كل مبادرة من جانبها تدحض الادعاء بأنها تواصل رفض المبادرة العربية أو تجاهلها. محاولة فتح قنوات اتصال مع القوى السياسية المتشكلة في العالم العربي وعلى رأسها الاسلامية. لا ضمان في أن تنجح اسرائيل في فتح مثل هذه القنوات (مثلما فعلت الولايات المتحدة)، فما بالك ان تنجح في تجنيد العطف الكبير لها. ولكن لا ريب أن كل جهد للتقليص على الاقل لسوء الفهم وضعضعة الاراء المسبقة الضارة، هو بلا ريب مجدٍ.
عرض المساعدة الانسانية
من شبه المؤكد أن عروض بمثل هذه المساعدة سترفض، بل حتى لو قبلت، فمن غير المتوقع أن تحظى بتقدير مشابه للمساعدة التي قدمتها دول، مستعدة وقادرة على أن تعرض مساعدة في شكل ملجأ آمن للفارين من آثار حقيقية أو متوقعة للعنف، ولا سيما في سوريا. اضافة الى ذلك، فان عروضا بهذه الروح، فضلا عن تأثيرها العملي، كفيلة بان تساعد في تقليص الفكر السائد من العداء الاسرائيلي المطلق تجاه العرب.
عروض لخطوات مركزة
محاولة الفحص (بمساعدة أمريكية) اذا كان التوتر بين تركيا وايران الذي يتركز في سوريا وفي العراق، ولكنه يعكس الشك الاوسع بين السُنة والشيعة – قد خلق اجواء أكثر وعدا للمصالحة بين تركيا واسرائيل.
تطبيق وسائل أكثر نشاطا للمساعدة في تقليل الضغط الاقتصادي في الاردن (احد العوامل المساهمة في عدم الاستقرار في هذه الدولة)، ولا سيما في مجالي الماء والطاقة.
تسريع الاعداد للخطط الاحتياط، في حالة تحقق السيناريوهات الأسوأ، ولا سيما في شبه جزيرة سيناء، وعلى رأس ذلك تعزيز الدفاع على الحدود والاقامة المسبقة لمباني القيادة، إطر القوة وخطط التدريب التي يحتمل أن تكون مطلوبة وفقا للتطورات المستقبلية المحتملة. كما أنه يجب بلورة ردود فعل محتملة لطلبات مصرية لاعادة فحص شروط اتفاق السلام. هذه الاعمال يجب أن تتم بالتشاور مع الولايات المتحدة، وبالقدر الممكن ايضا مع محافل عسكرية في دول مجاورة (لتقليص الافكار المغلوطة والتصعيد غير المقصود)، الى جانب عروض علنية للتعاون الاقتصادي/التكنولوجي، مثلما في المشاريع المشتركة مع هذه الدول.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
بين رؤيا ثورية اسلامية ومصالح رسمية
القومية والاسلام الشيعي والمصالح في سياسة ايران الخارجية وامكانية تحقيق الهيمنة على المنطقة
بقلم: راز سيمت، مركز موشيه ديان لدراسات الشرق الاوسط وافريقيا
في الثالث عشر من شباط 2008 بعد يومين فقط من الذكرى السنوية التاسعة والعشرين للثورة الاسلامية، خطب آية الله علي أكبر هاشمي رفسنجاني، رئيس ايران السابق الذي يتولى اليوم رئاسة مجلس تحديد مصلحة النظام ورئاسة مجلس المختصين، خطب خطبة عرض فيها رؤيا ايران الثورية. فقال رفسنجاني ان الوحدة الاسلامية هي الطريق الى احراز نصر الاسلام. وان على الأمة المسلمة ان تمنع الانقسام وتحافظ على وحدتها لمواجهة مؤامرات العدو.
وعاد رفسنجاني فذكر في خطبته التزام ايران بالتأييد الشامل للمسلمين في أنحاء العالم. وقد اعتمد هذا الالتزام الذي أكده منشيء الثورة الاسلامية آية الله روح الله الخميني، على تصور في الاسلام يرفض وجود الشعوب والدول عن طموح الى انشاء وحدة شاملة بين جميع مركبات جمهور المؤمنين. وهو يرى القومية مؤامرة استعمارية ترمي الى اضعاف العالم الاسلامي ووسيلة للاستمرار في استغلاله. وان تولي السلطة في ايران يرمي الى ان يكون المرحلة الاولى في الطريق الى احراز الوحدة الاسلامية المأمولة.
في الشهر الذي خطب فيه رفسنجاني خطبته نشبت ازمة شديدة بين ايران والدانمارك على أثر تكرار نشر الرسوم الكاريكاتورية التي تمس بالنبي محمد في الصحف الدانماركية. ودُعي سفير الدانمارك الى جلسة توبيخ في وزارة الخارجية الايرانية، بل ان جماعة من اعضاء مجلس النواب الايرانيين طلبوا في رسالة أرسلوها الى الرئيس احمدي نجاد قطع العلاقات السياسية والاقتصادية مع الدانمارك.
قبل ذلك ببضعة اشهر في حزيران 2007 نشبت ازمة بين ايران وبريطانيا في أعقاب منح الملكة اليزابيث الثانية الأديب سلمان رشدي لقب نبيل. وقد اتُهم رشدي مؤلف كتاب ‘الآيات الشيطانية’ بالكفر وحكم عليه بالموت في 1988 بفتوى أصدرها فيه آية الله الخميني. وندد متحدث وزارة الخارجية الايرانية بمنح رشدي اللقب وعرّفه بأنه تعبير عن كراهية المؤسسة في بريطانيا للاسلام وحذر من ان ذلك سيفضي الى مواجهة بين بريطانيا والعالم الاسلامي.
ومع ذلك وقعت في شباط 2008 حادثة سياسية مهمة اخرى. في السابع عشر من شباط أجاز مجلس النواب في بريشتينا اعلان استقلال اقليم كوسوفو عن جمهورية الصرب. وكان يمكن وفق رؤيا قيادة ايران الثورية ان نتوقع ان يُستقبل اعلان استقلال كوسوفو الواقعة في قلب اوروبا والتي 90 في المائة من سكانها مسلمون بالمباركة في ايران. بل ان انشاء دولة مسلمة جديدة في قلب البلقان كان يمكن ان يُمكّن ايران من محاولة زيادة تأثيرها في القارة الاوروبية وإن لم تقُدها سلطة اسلامية دينية. لكن وبازاء معارضة روسيا الشديدة لاستقلال كوسوفو ودعم الولايات المتحدة للدولة الجديدة اختارت ايران تفضيل المصالح السياسية على الرؤيا الاسلامية الثورية. فتم تلقي اعلان استقلال كوسوفو من طرف واحد في طهران بقدر كبير من التحفظ. واكتفى متحدث وزارة الخارجية الايرانية الذي طُلب اليه ان يرد في مؤتمره الصحافي الاسبوعي على التطورات في البلقان بالدعوة الى حفظ السلام والاستقرار في اقليم كوسوفو، وذكر ان ايران تتابع من قريب التطورات في البلقان وستعلن موقفها من هذا الشأن في المستقبل.
وتم التعبير عن رد أكثر تحفظا في المقالات التحليلية التي نشرت في الصحف الايرانية. فقد نشرت وكالة الانباء المحافظة ‘فارس′ التي أدت تقارير عن التطورات في البلقان، نشرت مقالة تحليلية عنوانها ‘استقلال كوسوفو ـ أهو مواجهة عسكرية اخرى في البلقان؟’. وورد في المقالة ان استقلال كوسوفو هو الجزء الأخير من بازل الأهداف التي أرادت الولايات المتحدة احرازها من نقض عرى يوغوسلافيا، وهو بمنزلة خطوة الى الأمام بالنسبة للادارة الامريكية في البلقان.
ما تزال ايران برغم مرور ثلاثين سنة على الثورة الاسلامية ظاهرة غير مُفسرة. ويبدو في احيان كثيرة انه توجد تناقضات لا تمكن التسوية بينها في سياسة ايران.
وتثور في هذا السياق عدة اسئلة وهي: هل تخلت ايران عن قيم الثورة أو أنها ما تزال مخلصة لها؟ وهل تلتزم ايران بالثورة الاسلامية أم المصالح السياسية؟ وهل تلتزم ايران بالتكافل مع المسلمين في العالم أو ان سياستها تؤكد التصورات القومية خاصة؟.
بازاء الصعوبة الكبيرة في فهم التقديرات التي توجه السلطات الايرانية في صوغ استراتيجية الدولة، هناك من يرون القيادة الايرانية طائفة من رجال الدين المتطرفين الذين يعملون وفق رؤيا استراتيجية ثورية تقوم على الطموح الى انشاء مجتمع مثالي اسلامي في كل مكان، وبكل ثمن. ويرى آخرون استراتيجية القيادة الايرانية تعبيرا عن تهكم سياسي. وهكذا مثلا يفسر عدد من الباحثين مواقف الرئيس احمدي نجاد من قضية الصراع الاسرائيلي العربي على أنها تعبير عن ايديولوجية اسلامية خلاصية متطرفة ترفض وجود سيادة يهودية. ويعتقد آخرون في المقابل ان رئيس ايران يستعمل المشاعر المعادية لاسرائيل الغالبة على الرأي العام في الشرق الاوسط استعمالا ساخرا من اجل الدفع الى الأمام بأهدافه السياسية وأهداف ايران في سعيها الى الهيمنة الاقليمية. في الجدل في شأن ايران الذي تطور في الثلاثين سنة الاخيرة كان هناك من أكدوا البعد الديني الاسلامي في سياستها واعتماد هذه السياسة على رؤيا ثورية اسلامية. وأكد آخرون بخاصة تفضيل سياسة ايران لتقديرات سياسية ومصالح سياسية. لكن سياسة ايران ليست ذات بعد واحد ولا تقوم فقط على رؤيا ثورية اسلامية أو على تقديرات سياسية داخلية أو خارجية فقط وتعبر عن تصور عام اسلامي شيعي وعن تصور عام قومي.
مصالح سياسية في مقابل رؤيا ثورية، وهوية اسلامية في مقابل هوية قومية
في ذروة عملية ‘الرصاص المصبوب’ وقعت في مطار مهرباد في طهران حادثة لا مثيل لها لم تكد توجد لها أصداء في وسائل الاعلام. فقد أتم بضع مئات من طلاب الجامعات من اعضاء الباسيج، وهي ذراع المتطوعين من الحرس الثوري، مدة ستة ايام متواصلة اضرابا في المطار. وأرادوا ان يعبروا عن احتجاجهم على ‘جرائم الصهاينة’ وأرادوا في الأساس الاحتجاج على ان حكومة ايران تمنعهم من الخروج والقتال في غزة.
وفي رسالة أرسلها المتظاهرون الى الرئيس احمدي نجاد طلبوا ان يُرسل اليهم مندوب من الحكومة يسلم اليهم تقريرا يتعلق بنشاطات الحكومة في أعقاب الاحداث في غزة. وأُرسل هذا المندوب آخر الامر في الحقيقة وهو داود احمدي نجاد شقيق الرئيس والذي يعمل مستشارا له ايضا. وقد خطب في الطلاب خطبة قصيرة عبر فيها عن تأييد احتجاجهم على اسرائيل وحليفاتها. لكن طلابا اندفعوا نحوه بعد ان أنهى كلامه وانتقدوا عجز الحكومة التي لا تُمكّنهم من الخروج للقتال في غزة انتقادا شديدا. وطلب الطلاب الى الرئيس ان يحقق دعوة الزعيم الأعلى آية الله علي خامنئي الى الجهاد ضد اسرائيل. وكان رد شقيق الرئيس شديدا. وقد قال احمدي نجاد ان رؤساء النظام والرئيس ليسوا أقل اخلاصا من المتظاهرين، لكن الطلاب يخطئون اذا ظنوا انه يمكن ارسالهم للقتال في فلسطين، وقال ان تأييد ايران لسكان غزة تأييد روحي.
بعد هذه الحادثة ببضعة ايام تطرق الزعيم الأعلى نفسه ايضا الى قضية تأييد ايران لسكان غزة ولحماس. وشكر خامنئي عشرات آلاف الطلاب الجامعيين الذين أرادوا الخروج للقتال في غزة وأثنى على جرأتهم، لكنه ذكر مع ذلك ان يدي ايران في هذه الحلبة مكبلتان ومنع خروج المتطوعين.
وأوضحت خطبة خطبها الرئيس احمدي نجاد في مؤتمر القمة في الدوحة في قطر ايضا ان الرؤيا الثورية والمصالح الرسمية قد تتساكنان معا.
وهاجم احمدي نجاد في خطبته الدول العربية المعتدلة لسلوكها مع الفلسطينيين وصدرت عنه تصريحات متطرفة تتعلق باسرائيل والولايات المتحدة. لكن حينما سئل في مؤتمر صحافي عن احتمال استعمال سلاح النفط لمواجهة دول غربية تتعاون مع اسرائيل، قال احمدي نجاد ان هذه الامكانية غير مطروحة للنقاش.
عبر توجه ايران من حماس زمن عملية ‘الرصاص المصبوب’ اذا عن تعقيد سياستها بالنسبة للرؤيا الثورية والمصالح الرسمية. وعبر في نفس الوقت عن تعقيد سياستها بين تصور عام يؤكد الوحدة الاسلامية وتصور عام يؤكد الخصوصية الاسلامية الشيعية.
عملت ايران منذ كانت الثورة الاسلامية على نشر نظريتها الثورية. ولم تحصر جهودها في المسلمين الشيعة ولم تشترط المساعدة التي قدمتها للحركات والمنظمات المسلمة في العالم باستعدادها للتمذهب بالاسلام الشيعي، ولهذا لم تمنع حقيقة ان حماس حركة مسلمة سنية من تقوية العلاقات وتعميق التعاون بينها وبين ايران في السنين الاخيرة وهي علاقات قامت على التقارب العقائدي وعلى المصالح المشتركة.
ومع ذلك فان ايران بعد الثورة الاسلامية فضلت ترسيخ مكانتها وتأثيرها بين جهات مسلمة شيعية كانت ترمي الى ان تكون رافعة راية فكرة الثورة. ولوحظ ذلك في جملة ما لوحظ في العلاقات الخاصة لايران بمنظمة حزب الله في لبنان وبالحركات الشيعية في العراق.
منذ مستهل عملية ‘الرصاص المصبوب’ حاولت دوائر محافظة في ايران احداث صلة بين نضال الفلسطينيين في غزة، ولا سيما نشاط حماس، والاسلام الشيعي. وبرزت هذه المحاولات في مستهل ايام الحرب في غزة حيث ذُكر في ايران كما في العالم الشيعي كله يوما تاسوعاء وعاشوراء وهما يوما الحداد على استشهاد الامام الحسين في معركة كربلاء في القرن السابع الميلادي. ولقصة عاشوراء دور مركزي في تنمية ثقافة التضحية بالنفس في ايران، وتذكار ايام الحداد في ذروة القتال منح الاحداث في غزة معنى رمزيا دينيا خاصا استغله ساسة كبار ورجال دين ووسائل اعلام في الدولة استغلالا جيدا. فقد تطرق رفسنجاني مثلا في خطبة يوم الجمعة في جامعة طهران الى الاحداث في غزة وشبهها بالمذبحة التي قام بها الأمويون في الامام الحسين وأنصاره. وقال رفسنجاني ان الاحداث في غزة تمثل جوهر الجهاد الذي يرمي الى مكافحة الشر؛ والعدو الصهيوني شر كأعداء الامام الحسين، بل هو شر منهم. وشبه رفسنجاني بايمائه الى الدول العربية التي تقف الى جانب اسرائيل، شبه مؤيدي الهجوم على غزة باولئك الذين عاضدوا الخليفة الأموي يزيد في معركة كربلاء.
وجند الاعلام الايراني نفسه ايضا لتثبيت الصلة بين الاحداث في غزة وروح عاشوراء وموقعة كربلاء. ففي مقالة افتتاحية في الصحيفة اليومية المحافظة ‘جمهوري اسلامي’ عنوانها ‘كل يوم هو عاشوراء’ تم تأكيد ان الجرائم التي ينفذها الصهاينة في غزة تشير بوضوح الى ان مقولة ‘كل يوم هو عاشوراء وكل ارض هي كربلاء’ ليست عبارة فقط بل واقعا لا يمكن انكاره وان هذا الوضع كان مستمرا طوال التاريخ في كل مكان في العالم. ان سكان فلسطين ليسوا شيعة في الحقيقة، لكنهم في الثلاثين سنة الاخيرة ولا سيما سكان غزة، تربوا على قيم الثورة الاسلامية وتراث انتصارات حزب الله في لبنان والصلة بينها وبين عاشوراء.
وبعد ان انقضت ايام عاشوراء ايضا استمرت ايران في جهودها لاحداث صلة بين الفلسطينيين والشيعة. ففي مقالة نشرت في عدد من المواقع على الانترنت المؤيدة للتيار المحافظ في ايران زُعم ان دين واعتقادات حماس والفلسطينيين قريبة من الاسلام الشيعي وذلك لأن أكثر الفلسطينيين ينتمون الى المذهب الشافعي في الاسلام السني الذي يعتبر أقرب المذاهب من بين المذاهب الاربعة في الاسلام من الشيعة بسبب احترامه لذرية علي. وعُدت في المقالة مساجد في قطاع غزة والضفة الغربية تُنسب الى ناس مركزيين في الاسلام الشيعي منهم علي بن أبي طالب وفاطمة الزهراء زوجة علي والحسين بن علي. واقتُبس في المقالة ايضا من كلام آية الله مرتضى مُطهري وهو من أبرز مفكري الثورة الاسلامية الذي رفض في خطبة خطبها في 1970 الدعاوى التي تقول ان الفلسطينيين هم أعداء الشيعة. بل انه جاء بمثال ليلى خالد، المخربة الفلسطينية عضو الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، التي شهدت على نفسها في خطبة خطبتها في مصر أنها شيعية.
في محاولات ايران لاحداث صلة بين الفلسطينيين بعامة وحماس بخاصة، وبين الاسلام الشيعي أرادت ايران ان تضيف لبنة الى علاقاتها بالحركة الفلسطينية تُمكّنها من زيادة تأثيرها في الساحة الفلسطينية وتنتهز فرصا اخرى لدخول قطاع غزة.
بخلاف علاقات ايران بعدد من الحركات الاسلامية في الشرق الاوسط أكدت فيها العنصر الاسلامي الشيعي في هويتها أكدت بعلاقاتها بالجمهوريات المسلمة في وسط آسيا العنصر القومي الحضاري الايراني.
على أثر انتقاض الاتحاد السوفييتي في 1991 نشأت ست جمهوريات مسلمة شمالي ايران. وأتاح هذا التطور للنظام الايراني فرصة لتوسيع تأثيره والدفع قدما بطموحاته العقائدية والاقتصادية والاستراتيجية، لكنه عرض النظام لتحديات جديدة.
ان علاقات ايران مع اذربيجان هي الأشد تعقيدا، فبين الدولتين حدود برية يزيد طولها على 600 كم وحدود بحرية كذلك في بحر قزوين. واذربيجان هي الدولة الوحيدة بين الجمهوريات المسلمة من الاتحاد السوفييتي السابق التي فيها أكثرية شيعية وهي عضو في منظمة المؤتمر الاسلامي. لكن ذلك لم يكن كافيا لانشاء علاقات متقاربة بين الدولتين. فقد زاد تقوي الوعي القومي عند الأقلية الاذربية الكبيرة في ايران التي لا تحظى بحقوق قومية خوف السلطات الايرانية من الانشقاق الاذربي وأثر ذلك تأثيرا سيئا بالعلاقات مع اذربيجان المستقلة.
بقيت العلاقات بين ايران واذربيجان متوترة برغم انه بدأ تقارب بينهما في السنين الاخيرة وذلك بخلاف علاقاتها بدول مسلمة اخرى مجاورة لها مثل طاجاكستان المسلمة السنية التي لها معها علاقات ممتازة وذلك بفضل الهوية الايرانية المشتركة في الأساس. في المواجهة العسكرية التي نشبت في 1988 بين اذربيجان المسلمة الشيعية وبين أرمينيا المسيحية بشأن اقليم نغورنو كاراباخ عملت ايران محور إمداد مركزيا لارمينيا وساعدت بذلك الجهد الحربي الارمني في الصراع مع اذربيجان.
وقد استخدمت ايران في عدة حالات العنصر القومي في الخلاف مع اذربيجان. ففي كانون الاول 2008 رد موقع اخبار ايراني على مقابلة صحافية أجراها رئيس اذربيجان الهام غلاييب دعا فيها الى انشاء حكومة اذربية موحدة بالتعاون مع الدول التي تتكلم التركية في العالم ومنها جارات اذربيجان. وزعم الموقع ان كلام الرئيس اخلال واضح بسيادة ايران وتدخل في شؤونها الداخلية. وهدد الموقع بأن ايران ستطلب في الرد على التآمر الاذربي اعادة اراضي القفقاس التي سلبت منها باتفاقي غولستان وتوركمنشاي اللذين وقعا بين ايران وروسيا في القرن التاسع عشر، ومنها مدينة باكو عاصمة اذربيجان ـ وسُمعت قبل ذلك ببضعة اشهر في ايران مطالب باعادة اراضي القفقاس الى ايران بعد مرور 180 سنة على اتفاق توركمنشاي. وينبغي ان نذكر ان هذه الدعوات صدرت خاصة عن حلقات دينية محافظة في ايران كان يفترض في الظاهر ان تؤكد التعاطف الديني مع اذربيجان الشيعية . بل ان موقع رجا نيوز الموالي لحلقات دينية محافظة متطرفة، نشر مقالة جاء فيها انه كما انهار الاتحاد السوفييتي يتوقع ان تنهار الولايات المتحدة واسرائيل ايضا وبهذا سيبدأ فصل جديد تُحرر فيه الاراضي الايرانية في القفقاس ايضا.
التأليف بين عناصر الهوية باعتباره مركز قوة ايران
يوجد اذا في سلوك قيادة ايران منذ حدثت الثورة الاسلامية ولا سيما بعد موت آية الله الخميني تضارب وتناقض: فالى جانب تأييد المنظمات الارهابية تؤكد ايران الحاجة الى استعمال ‘القوة اللينة’ لتقوية تأثيرها في المنطقة؛ وتسعى ايران الى جانب توجه براغماتي يؤكد مصالح الدولة الايرانية السياسية والاقتصادية، تسعى الى تحقيق مُثل اسلامية ثورية؛ والى جانب تأكيد الوحدة الاسلامية ترفع ايران راية القومية الايرانية المحددة. وتُحدث هذه التناقضات احيانا انطباع ان ايران دولة تُدبر تدبيرا غير عقلاني على يد قيادة مجنونة.
لكن هذه التناقضات في سياسة ايران ظاهرية فقط وهي في الواقع تأليف بين عقيدة اسلامية ورؤيا ثورية اسلامية وبين تصورات قومية ايرانية ومصالح رسمية. وهذا التأليف هو الذي يُمكّن ايران من ان تحقق في أنجع صورة طموحها التاريخي الى احراز هيمنة وسيطرة على المنطقة والتحول الى قوة اقليمية بل عالمية. وتفضل قيادة ايران في ظروف ما مصالح الدولة الايرانية على تصورات عامة عقائدية ثورية واسلامية. وتفضل قيادة ايران في حالات اخرى العمل بحسب الرؤيا العقائدية والسعي الى تغييرات ثورية والى انشاء نظام اقليمي ودولي جديد. وتفضل ايران في حالات ما ان تؤكد العنصر الثقافي الايراني في هويتها القومية، وتفضل في حالات اخرى ان تؤكد العنصر الاسلامي الشيعي في هويتها.
ويفخر الايرانيون أنفسهم بقدرتهم على التأليف بين الرؤيا العقائدية والمصالح السياسية؛ وبين العنصر الاسلامي والعنصر القومي. وفي مؤتمر عقد في كانون الاول 2007 في طهران خطب واحد من كبار مسؤولي النظام هو علي لاريجاني الذي يتولى اليوم رئاسة مجلس الشعب وهو مندوب الزعيم في المجلس الاعلى للامن القومي، وانتقد الذين يعتقدون انه لا يجوز في العلاقات الدولية التعبير عن ‘سلوك عقائدي’.
وتحدث متحدث آخر في المؤتمر هو مسؤول كبير في حرس الثورة عن تصور ‘القوة اللينة’ في سياسة ايران الخارجية وذكر انه يشتمل على عدة عناصر ومنها: ماضي ايران التاريخي؛ ومكانتها الاستراتيجية في المنطقة؛ واللغة الفارسية المستعملة في طاجاكستان وافغانستان وأجزاء من الهند وباكستان وتركيا؛ والثورة الاسلامية والقيم التي تجسدها؛ والحضارة الايرانية التي يمتد مجالها من الصين وكشمير الى تركيا.
وتناول الزعيم خامنئي ايضا في حزيران 2007 في خلال لقاء مع اعضاء الحكومة، صلة الرؤيا الثورية وقال انه كان في الماضي من اعتقدوا ان شعارات الثورة الرئيسة كالعزة الاسلامية والعدل الاجتماعي ومكافحة الاستكبار العالمي لم تعد ذات صلة. لكن بفضل سياسة حكومة محمود احمدي نجاد أصبحت هذه الشعارات مهيمنة مرة اخرى.
ان القدرة على التأليف بين عناصر مختلفة في الهوية الايرانية وبين الرؤيا الثورية والمصالح الرسمية وتأكيد كل واحد منها بمقتضى حاجات متغيرة، هي مصدر قوة لقيادة ايران وهي تُمكّنها من ان تحافظ على قدرة مداورة أكبر وان تُكيف سياستها للظروف المتغيرة وتقدم حلولا مركبة لمواجهة واقع لا يقل عنها تركيبا.
احتفل مواطنو ايران في آذار 2009 بالنيروز وهو رأس السنة الايرانية. في السنين الاولى بعد الثورة الاسلامية طمحت السلطات الايرانية الى الغاء مراسم رأس السنة الايرانية التي أصلها الديانة الزردشتية. وعُدت المراسم من الفترة التي سبقت الاسلام كفرا بالتراث الاسلامي، وكانت محاولة الغائها جزءا من توجه السلطة الجديدة الى التحول الاسلامي. وفي السنين الاخيرة ايضا دعا رجال دين متطرفون الى الغاء النيروز، فقد عاد رجل الدين آية الله أبو القاسم خزعلي ودعا مرة اخرى الى الغاء النيروز وجعل عيد الغدير الشيعي مكانه، وهو الذي عين فيه النبي محمد بحسب التراث الشيعي علي بن أبي طالب خليفة له، لكن لما كانت مراسم النيروز راسخة الجذور بين الشعب الايراني فشلت جهود السلطات فشلا ذريعا فاضطرت الى التسليم للمراسم من العصر قبل الاسلام. وتعبر تهنئة الرئيس احمدي نجاد بعيد النيروز في السنين الاخيرة عن التأليف بين التراث الذي سبق الاسلام وبين التصور العام الاسلامي. وبدل محاولة الغائه يجهدون اليوم في جعله اسلاميا. ووصف احمدي نجاد النيروز في تهنئته به بأنه شهادة على الفضل الالهي وعيد يبشر ببدء حكم الامام في العالم ويوم الاستعداد لتحقيق سيادة الله في العالم. وقال الرئيس ان معنى النيروز هو انتظار عودة الامام الغائب.
تم على عهد الحكم الفهلوي في القرن العشرين تأكيد القومية الايرانية وجُعلت في مركز الهوية الايرانية. وبعد الثورة الاسلامية أراد النظام الثوري ان يجعل الدين في مركز الهوية الايرانية. ويبدو ان ايران بعد ثلاثين سنة من الثورة تجد التوازن المناسب بين تراث الاسلام والموروث القومي، وبين الرؤيا الثورية والمصالح القومية الرسمية.
لم يلاحظ في الاضطرابات في مصر في الحقيقة مشاركة كبيرة من دوائر اسلامية وفي مقدمتها حركة ‘الاخوان المسلمين’. وبرغم ذلك زعمت جهات ايرانية رسمية وجود صلة بين الثورة الاسلامية في ايران (1979) وبين الاضطرابات الاخيرة في العالم العربي، بل أكدت القاعدة الاسلامية التي تقف من ورائها في ظاهر الامر. وتناول خطيب الجمعة في طهران، آية الله احمد خاتمي، في خطبته في الثامن والعشرين من كانون الثاني التطورات في العالم العربي وقال انها ‘رجفات ثانوية’ للثورة الاسلامية في ايران. وذكر ان الحكام الذين يقاومون الدين كالطاغية المصري حسني مبارك يتوقع ان يسقطوا في آخر الامر كما يقول القرآن. وقال خاتمي ان القوى العظمى تحاول ان تخفي القاعدة الدينية التي تقف من وراء الهبات الشعبية في تونس ومصر وتزعم أنها تنبع من تصورات عامة ديمقراطية وليبرالية. وزعم خاتمي ان الاسلام هو الذي يوجد في أساس التطورات في العالم العربي، وأتى بدليل على زعمه هو حقيقة ان المتظاهرين في تونس هتفوا بهتاف ‘الله أكبر’ في اثناء المظاهرات وان أول عمل عملوه بعد اسقاط الرئيس أنهم أقاموا صلوات جماعة في المساجد. وذكر رجل الدين الكبير ان الاحداث الاخيرة تعبر عن نشوء شرق اوسط جديد يقوم على الاسلام وعلى الديمقراطية الدينية (فارس، 28 كانون الثاني).
وأشار رجل الدين المحافظ جدا آية الله محمد تقي مصباح يزدي الى علاقة بين الثورة الاسلامية والتطورات في تونس ومصر. وقال مصباح يزدي في لقاء مع طلاب شريعة انه بفضل الثورة الاسلامية في ايران تثور اليوم ايضا الشعوب المسلمة في تونس ومصر ودول عربية اخرى على الاستعمار والنظم القمعية بحسب نموذج أرشدتهم اليه الثورة الايرانية (إسنا، 27 كانون الثاني).
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ