[IMG]file:///C:\Users\ARCHIV~1\AppData\Loca l\Temp\msohtmlclip1\01\clip_im age001.gif[/IMG][IMG]file:///C:\Users\ARCHIV~1\AppData\Loca l\Temp\msohtmlclip1\01\clip_im age003.gif[/IMG]
[IMG]file:///C:\Users\ARCHIV~1\AppData\Loca l\Temp\msohtmlclip1\01\clip_im age004.gif[/IMG]
- في هذا الملــــف:
- الجهود الأمريكية لاستئناف عملية السلام
- بقلم: إيهاب وهبة عن الشروق المصرية
- فلسطيني من القدس يتحدى بني إسرائيل
- بقلم: حسن خليل حسين عن السبيل الأردنية
- المصالحة الفلسطينية.. والأصابع الخفية!
- بقلم: علي الطعيمات عن الوطن القطرية
- فلسطين في النص
- بقلم: زياد خداش عن الإمارات اليوم
- رسالة للمسؤولين: لا تتدخلوا!
- بقلم: عماد الدين أديب عن الشرق الأوسط
- من بوش إلى أوباما: اختلف النهج والنتيجة واحدة!
- بقلم: خالد الدخيل عن الحياة اللندنية
- رسائل بالخط العريض... العالم قد تغير
- بقلم: صياح عزام عن الوطن السورية
- ساعة قديمة على توقيت فلسطين
- بقلم: فؤاد خليل عن السفير البيروتية
- أمريكا تدعم موالين لإيران بقصد إشعال حرب بالوكالة!
- بقلم: عبد المنعم ابراهيم عن أخبار الخليج البحرينية
- الدول المسلمة!!
- بقلم: جمال ابوبيه عن المساء الجزائرية
- الدولة العربية المنهارة
- بقلم: نواف عُبيد عن الجريدة الكويتية
الجهود الأمريكية لاستئناف عملية السلام
بقلم: إيهاب وهبة عن الشروق المصرية
لم تكن زيارة أوباما الأخيرة للمنطقة وليدة الخاطر ولا كانت خطوة مرتجلة ينطبق ذلك أيضا على جولات وزير الخارجية جون كيرى التى أعقبت تلك الزيارة. هذا ما تكشف عنه الدراسة القيمة التى صدرت عن مركز جيمس بيكر بجامعة رايس الأمريكية وحملت العنوان الآتى: «إعادة استئناف المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية، لماذا يُعَدُّ الدور الأمريكى لانطلاقها أمرا ضروريا؟»
أجابت هذه الدراسة عن أسئلة عديدة تتعلق بأسباب إقدام الرئيس الأمريكى على تلك الزيارة التى تجنب القيام بها طوال فترة رئاسته الأولى وما فحوى ما يعرضه الأمريكيون حاليا وما هو نصيب هذا الطرح من النجاح؟
لا تستخف الدراسة بحجم المشكلات التى تعترض طريق التفاوض ولكنها تؤكد أن العامل الحاسم لكسر الجمود الحالى لن يتحقق إلا بتدخل فعال ومشاركة أمريكية جادة من قبل الرئيس الأمريكى شخصيا ومن وزير خارجيته.
أرست الدراسة مجموعة من المبادئ التى على الإدارة الأمريكية أن تلتزم بها فى تحركها:
• لابد من تدخل أمريكى نشط ومشاركة أمريكية فعالة ومتواصلة.
• من الضرورى رسم الأفق السياسى المنشود من المفاوضات وتحديد المرجعيات اللازمة للمفاوضات وهذه لابد وأن تشمل مبادئ القانون الدولى وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة ومبادئ مؤتمر مدريد للسلام والمبادرة العربية للسلام لعام 2002، بالإضافة إلى ضرورة الإشارة إلى التقدم الذى تم إحرازه فى المفاوضات السابقة.
• آلية التحرك تقوم على أساس اتباع مسارين، الأول يستهدف التوصل إلى نتائج على المدى القريب، والآخر متدرج، حيث يتم معالجة القضايا التى تحظى بالفعل بقدر كبير من التوافق، ووضعها على الفور موضع التنفيذ. ويضمن المسار الثانى هذا إيجاد البيئة الصالحة للتفاوض حول القضايا الأكثر تعقيدا وتسهيل التوصل إلى حلول لها.
• توفير الدعم الإقليمى والدولى للتحرك، وبصفة خاصة البناء على مبادرة السلام العربية لعام 2002، بحيث تتخذ المبادرة شكل إطار دولى. وفى نفس الوقت العمل على إشراك حماس فى المفاوضات التى تتولاها السلطة الفلسطينية.
• قيام الولايات المتحدة بإبرام مذكرتى تفاهم مع كل من إسرائيل والسلطة الفلسطينية. تؤكد مذكرة التفاهم مع إسرائيل على توفير الدعم الأمريكى اللازم لأمن إسرائيل، وكذلك تنسق السياسات فيما يتعلق بإيران وسوريا ولبنان وغزة. أما مذكرة التفاهم مع السلطة الفلسطينية فتتناول توفير الدعم الإقليمى والدولى لعملية بناء الدولة الفلسطينية وكيفية التغلب على المشكلات التى قد تواجه المفاوضات وضمان استمرار عملية السلام حتى تحقق غايتها مع رفض أية أفكار حول رسم حدود مؤقتة للدولة الفلسطينية.
ثم تتناول الدراسة عناصر التسوية. فبالنسبة للحدود يجب أن تتأسس على خطوط 4 يونيو 1967، مع تبادل للأراضى Swaps متفق عليه وعلى أساس متطابق من حيث النسبة (1:1). ويتم إجلاء المستوطنين الإسرائيليين من الأراضى الفلسطينية المتفق عليها. وفيما يتعلق بالأمن يتعين انسحاب إسرائيل بالكامل من الأراضى الفلسطينية على أن تكون الدولة الفلسطينية محدودة التسليح مع تواجد لقوات متعددة الجنسيات كضمان للأمن. وتتناول الدراسة أيضا مقترحات تتعلق بباقى عناصر التسوية بما فى ذلك قضايا اللاجئين والقدس وغير ذلك من قضايا الحل النهائى.
بقى أن تقول بأن الدراسة المذكورة سبقت من حيث التوقيت زيارة أوباما ووزير خارجيته وتكفى الإشارة إلى بعض ما رشح عن تلك الزيارات والمقترحات للرئيس الأمريكى ووزير الخارجية والتى نقلت عنهما كى يتضح مدى تأثر تلك المقترحات الأمريكية بالأفكار التى وردت فى الدراسة وانسجامها معها:
• أكد أوباما وكيرى فى مباحثاتهما أن التحرك سيتأسس على مبادرة السلام العربية لعام 2002، مع إدخال تعديلين «طفيفين» عليها. ولا نعرف على وجه الدقة ما إذا كان وصف «الطفيف» لهذه التعديلات قد صدرت عن الجانب الأمريكى أم عن طريق أجهزة الإعلام التى نقلت الخبر. على أية حال فإن التعديل الأول المقترح هو إجراء تعديلات على خطوط 4 يونيو 1967 باتفاق الطرفين الفلسطينى والإسرائيلى (تضمنت دراسة معهد بيكر التى استعرضناها فى السابق اقتراح إجراء تبادل للأراضى متفق عليه ومتساوٍ)، والتعديل الثانى يتناول ضرورة توفير ضمانات أمنية قوية (أشارت الدراسة أيضا إلى مجموعة من الإجراءات لضمان توفير أكبر مساحة من الأرض).
• أكد الجانب الأمريكى ضرورة وجود تعاون إسرائيلى فلسطينى لدعم الاقتصاد الفلسطينى وتحسين ظروف المعيشة للفلسطينيين وذلك بالتوازى مع مسار التسوية السياسية.
• هناك إطار زمنى للجهود الأمريكية مدته ستة أشهر يقرر بعده وزير الخارجية الأمريكية ما إذا كان قد تحقق قدر من التقدم يشجع الرئيس الأمريكى على أن ينخرط شخصيا فى الجهود المبذولة من أجل أن تتحقق النتائج المرجوة.
اتخذت القمة العربية الأخيرة التى انعقدت فى الدوحة قرارا هاما بإيفاد وفد وزارى عربى إلى واشنطن من أجل «إجراء المشاورات مع الإدارة الأمريكية حول مجريات عملية السلام المعطلة، من مختلف جوانبها وأبعادها، وعرض الموقف العربى إزاء المنهجية الدولية المتبعة وآلياتها فى معالجة القضية الفلسطينية والصراع العربى الإسرائيلي». يضم الوفد، وفقا لمنطوق القرار أيضا، وزراء خارجية كل من مصر والأردن والسعودية وفلسطين والمغرب والأمين العام لجامعة الدول العربية. وأشارت الأنباء الأخيرة إلى أن الوفد سيجتمع يوم 29 أبريل الجارى مع وزير الخارجية الأمريكى فى واشنطن.
أحجمت العديد من الإدارات الأمريكية السابقة عن التقدم بمقترحات محددة تتعلق بعناصر التسوية السلمية تاركة الأمر إلى الأطراف للاتفاق فيما بينهما حول تلك الموضوعات مع اكتفاء الولايات المتحدة بدور العامل المساعد. ثم جاءت دراسة معهد بيكر لتؤكد أنه بدون دور أمريكى أساسى وفعال ومشاركة على أعلى مستوى فى عملية التفاوض فإن فرص تحقيق تقدم تكاد تكون معدومة. واستجابة إدارة أوباما لذلك الأمر والتقدم بمقترحات محددة بالنسبة إلى مرجعيات وعناصر الحل تعد ولاشك نقلة نوعية ربما تكسر الجمود الحالى فى عملية السلام.
ومن هنا فإن قرار القمة العربية الأخيرة بإيفاد الوفد العربى الرفيع المستوى إلى العاصمة الأمريكية، ووضع أهداف محددة لتلك المهمة، لاشك قد جاء مُوَفَّقا تماما سواء من ناحية التوقيت أو المضمون. ويحدونا أمل كبير، فى ضوء كل ما تقدم، فى أن يوفق الوفد العربى فى مهمته وتشهد مسيرة السلام انفراجة لطالما انتظرناها.
فلسطيني من القدس يتحدى بني إسرائيل
بقلم: حسن خليل حسين عن السبيل الأردنية
شاهدت في فضائية الأقصى برنامجا يتحدث عن حوار بين تاجر مقدسي في الستين من عمره ويهودي في الخمسين من عمره أو أقل قليلا، وكان اليهودي يتبجح بأنه صاحب أرض في القدس ويدعي الشراكة في أرض القدس وسوقها، ويدعي كيهودي بأنه من أهل القدس التي يدعي أنها لبني إسرائيل، وكان هذا الحوار الحاد قبيل أسبوعين تقريبا وكنت قد شاهدت هذا الحوار من قبل ربما بأكثر من سنة، الذي أثارني في هذا الحوار الذي يشبه نزاعا بين الطرفين قولة الرجل المقدسي الذي قال لليهودي المتشنج المتعصب:
أنت غريب عن هذه الديار عد من حيث أتيت، ماذا لك في القدس وأرضها أنت من بلاد رومانيا أو المجر ولا مكان لك في هذه الديار، عد عد من حيث أتيت وسترحلون من القدس غدا أو بعد غد قريبا إن شاء الله.
وسعدت كثيرا وأنا أستمع إلى هذا النقاش خاصة قولة الفلسطيني المقدسي:عد من حيث جئت أنت غريب عن هذه الديار ولامكان لك فيها، وسترحلون منها غدا أو بعد غد!! ولا خائف من اليهودي الذي كان يتبجح ويدعي أنه صاحب الأرض ولكن هذا الرجل طلب منه أن يرحل ويعود من حيث أتى !!
وها أنذا أسمع بين الفينة والأخرى عن هجمات يهودية على القدس بدءا ببيت الجنرال شارون الذي أقامه في أرض القدس المسماة بالشرقية أو العربية، وجعله بؤرة يهودية في مدينة القدس بشقها العربي وما فيها من مقدسات إسلامية ومسيحية حتى تمكن المستوطنون اليهود بعد قرابة عشرين عاما أن يشكلوا أغلبية بين سكان القدس العربية، وبالتالي يستطيعون أن يشكلوا الأغلبية في أي انتخابات محتملة القيام في أرض فلسطين التي استولى عليها اليهود بعد حرب فلسطين عام 1967م، ولولا صمود عائلات الأصل من أيام الأمبراطورية العثمانية وعائلة أحمد حمدي التي تتمسك بدورها في مدينة القدس وآل العلمي وآل أبو السعود وغيرها من عائلات القدس الكبيرة والصغيرة لضاعت كل القدس وبقي العرب والمسلمون منها أقليات مهملة لاقيمة لها، بينما يسيطر اليهود الذين جاؤوا إلى القدس منذ عام 1967م على معظم المدن ويضيقون الخناق على سكانها الأصليين ويمنعونهم من البناء فيها، بل ويمنعون أهل القدس من البناء فوق مساكنهم القديمة أو يرممونها حتى تضيق بهم وترغمهم على الرحيل من القدس لتستوطن فيها في مساكنهم القديمة عائلات يهودية قادمة من الغرب أو الشرق، وإن المؤسسات الاستيطانية اليهودية تقوم بإغراء العائلات المقدسية القديمة ببيع مساكنها الضيقة بباهظ الأثمان، لتغادر المدينة وتسكن في أراض بعيدة عن المدينة المقدسة أكثر اتساعا وأحدث بناء، ربما في رام الله والمدن المحيطة بالقدس وبأثمان أقل من أسعار دورهم في القدس وهكذا يتم تهويد القدس وببطء.
وهأنذا أكتب إعجابا بالرجل المقدسي الذي يتشاجر مع المستوطن الصهيوني في القدس ويرتدي على رأسه طاقية اليهود المثبتة ببكلة في شعره، ويتكلم بغرور المنتصر مع ذاك المقدسي الذي يرد عليه بثبات المعتمد على حقه الأزلي في وطنه الواثق من الانتصار ولو بعد حين يقول لليهود:
أنت من جاء بك ؟ اذهب إلى البلاد التي جئت منها، من أعطاك الحق في المجيء إلى بلادنا المقدسة هذه ؟ روح روح إلى بلادك التي جئت منها ؟
ويرد اليهودي باستهتار: إنت روخ من هنا هذه أرضنا ونحن عدنا إليها ويصرخ الفلسطيني في وجهه: أنت روح من هنا لامكان لك عندنا هذه فلسطين ونحن شعب فلسطين، وسنطردكم منها نحن ورثناها عن آبائنا وأجدادنا وأنتم غرباء وعودوا إلى البلاد التي جئتم منها.
كان حوارا بين صاحب الأرض وبين الغريب الذي جاء ينتزعها منه وسيعود الحق إلى صاحبه مهما طال الزمن إن شاء الله مادام فيه أناس كهذا الرجل يتشبثون بأرضهم بهذا الإصرار وهذا الإيمان!!
المصالحة الفلسطينية.. والأصابع الخفية!
بقلم: علي الطعيمات عن الوطن القطرية
يقف الانسان حائرا امام المصالحة الفلسطينية بالرغم من قناعة الجميع بضرورة اتمام مراحلها التي لم يتضمنها اتفاق القاهرة واعلان الدوحة، حيث لم يترك اي تفصيلة من تفصيلات المصالحة للصدفة، فالاتفاق والاعلان يحيطان بكل متطلبات اعادة اللحمة الى الصف الفلسطيني وتقوية الجبهة الداخلية الفلسطينية في مواجهة كافة التحديات التي تحدق بالمستقبل الفلسطيني.
واللافت انه كلما اقترب طرفا الخلاف من انجاز «المصالحة» وطي ملف الانقسام لادراكهما بخطورته على حاضر ومستقبل الشعب الفلسطيني وقدرته على الصمود امام الهجمة الاستيطانية والتهويدية الشرسة في انحاء الضفة الغربية وبخاصة في القدس الشريف المحتلة، تظهر الادارة الاميركية في «المشهد» لتلعب دورا خطيرا وخبيثا، حيث الارض الخصبة القابلة للانبات، فتضع العراقيل والعقبات عبر «جزرة» هنا واخرى هناك، ووعود، ورسم لوحات سريالية لـ «السلام» و«حل الدولتين».
وذلك ليس تجنيا، ولا وهما او رجما بالغيب، فطرفا «الانقسام» وهما «حماس» و«فتح والسلطة» اقتربا اكثر من مرة من اتمام المصالحة، واتفقا على كل ما يزيل الانقسام ويطوي صفحته، ولكن بعد ايام واحيانا بعد ساعات، تعود الامور الى «سيرتها الاولى»، ويكون دخل على «خط التخريب» تحالف الشر الاميركي الصهيوني، ويبدأ مسلسل الضغوط، و«الاغراءات»، والوعود الهلامية ،بكل اشكالها على والى «فتح والسلطة» عبر رئيسهما، وربما ليس بعيدا المرحلة الاخيرة من مسلسل اللقاءات بين قيادتي حماس و«فتح- السلطة» في القاهرة ولم يفصل بين اتمام المصالحة الشاملة والعرقلة سوى جلسة واحدة او عدة ساعات التي سبقت زيارة الرئيس الاميركي باراك اوباما التي «جمدت» حسب مسؤولين فلسطينيين السير باتجاه الخطوات التنفيذية للمصالحة.
فلسطين في النص
بقلم: زياد خداش عن الإمارات اليوم
خلف معنى الخريطة تكمن الخصوصية الأدبية والسياسية، فقد اتخذت فلسطين خصوصيتها من النصوص التي أنتجتها والنصوص التي أنتجت فيها، ثمة مواقع جغرافية في العالم ذات قداسة وجمال وسحر يفوق معنى فلسطين وقداستها، وهناك معارك ومحارق في التاريخ بعضها ثبت كحالة خاصة، وآخر سقط من التاريخ، والأخريات تم تحريفها وتشويهها.
أمّا فلسطين فبقيت حالة خاصة ناقصة باكتمالها ومكتملة بنقصها، فحكاية فلسطين، كما قال درويش، هي حكاية طروادة التي لم تروَ، هنا تكمن الحالة وهنا تكمن الخصوصية. في نظرة عجلى تظهر فلسطين النصية في كلام ناسها ورواياتهم الشفوية، التي تحولت الى أبجديات الحديث اليومي كحكايات الأجداد التي تحكى على ضوء المواقد وأغراض يومية مثل المفاتيح وشهادات الأرض وأوراق النقد وأوراق شخصية تجاوزت معناها العادي لتدخل في مشهد التاريخ من بواية التوثيق، وذلك كنوع من هوس الهوية من جهة، وكحاجة لسد النقص في الأرشيف واستعماره، حيث لفلسطين ارشفيها هو أرشيف استعمارها، فهي جزء من الأرشيف العثماني والبريطاني والاسرائيلي، ولكي تستقل فلسطين تحتاج الى أرشفيها وتحتاج لنصها، وهنا تكمن الحاجة للارشيف، وتكمن تاريخية الكتابة.
ضمن هذا الإطار ولدت الرواية كنص يجمع التاريخ، كوصف لحياة الناس من جهة، وكصورة لوعي فردي يبحث عن الخلاص بكل ما فيه من عمق وجودي، فكانت النصوص تعكس سيرة الناس وسيرة وعيهم الجميل، في أدب غسان كنفاني، نصوص تقرأ الفلسطيني الذي يرتحل عبر الشمس ويموت ثمناً لرحلة خاطئة، رحلة يستعيدها جبرا إبراهيم جبرا كرحلة في العشق والسفر والحب والعبث وسفر الشعر وسفر الفن الجميل، فلسطين نفسها كانت نصاً ولد ونما تحت مطارق المحتلين فثمة نصوص لدرويش وحبيبي والقاسم ولدت في عتمة الزنزانة والنفي والاعتقال وتحت ضغط الإلغاء القومي ضمن حالة ارهاب دولة عنيف فجاءت فلسطين عنيفة، وفلسطين متنكرة مثل شخصية سعيد أبي النحس المتشائل تلك الحالة المتشائلة التي شكّلت عباءة لنص رسم ميلاد خريطة أخرى، هي فلسطين المقاومة مع أدباء وفناني بيروت في مرحلة الرصاص، وفلسطين التي ترسم نصها في نصوص تعيد إنتاجها، فلسطين الشهيدة فلسطين الأرض والمخيم، فلسطين غير المكتملة لم تنطق كلمتها بعد، لأنها نص دائم الحضور، ودائم الاخضرار، هي كالحياة، تدوم ما دامت خضراء، فلسطين شجرة تمثل النصوص أوراقها المتجددة.
رسالة للمسؤولين: لا تتدخلوا!
بقلم: عماد الدين أديب عن الشرق الأوسط
في الأنظمة الديمقراطية المحترمة دائما يثار السؤال حول حق التدخل المسموح به للحكومة القائمة في شؤون الحياة اليومية.
هنا يبرز السؤال: هل كونك مسؤولا يعطيك سلطة استثنائية في أن تفعل أو تصدر قرارا ليس لغيرك - غير المسؤول - أن يفعله؟
هذا السؤال طرح نفسه بقوة على المجتمع ووسائل الإعلام البريطانية حينما تدخل رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون في مسألة رياضية أثارت الرأي العام. وتبدأ القصة حينما أوقف اتحاد الكرة البريطاني لويس سواريز لاعب كرة القدم في نادي ليفربول الشهير 3 مباريات بعدما عضّ لاعب نادي تشيلسي إيفانوفيتش. وقد أثار هذا القرار أنصار نادي ليفربول الذين اعتبروا أن العقوبة قاسية بينما اعتبرها أنصار نادي تشيلسي أنها مخففة! هنا تدخل رئيس الوزراء كاميرون لدى اتحاد كرة القدم البريطاني لرفع العقوبة ضد سواريز من الإيقاف 3 مباريات إلى 10 مباريات! قد يكون كاميرون قد كسب محبة واحترام نادي تشيلسي الشهير الذي ينافس منذ سنوات على بطولات الدوري والكأس البريطانية، لكنه بالتأكيد أثار أكبر قدر من الجدل السياسي والغضب عليه لاستخدامه نفوذا سياسيا في مسألة غير سياسية من المفروض أن سلطة الثواب والعقاب فيها تقديرية تابعة لجهة غير سياسية.
لا يحق للسياسي أن يستخدم نفوذه إلا في الخير؛ بمعنى جمع تبرعات «ليست له» ولكن للصالح العام، أو دعوة الناس للعمل التطوعي، أو مقاومة شرور الإدمان أو تضامن المجتمع في زمن الكوارث الطبيعية.
ولكن أن يوظف سلطان مقعد الحكم من أجل شؤون انتخابية أو أمور شعبوية أو شخصية فهي أمور أصبح المجتمع العالمي المؤمن بالديمقراطية يرفضها رفضا تاما. لا تستخدم سلطانك إلا فيما يدخل في اختصاصك، أما سوء استخدام حق السلطة والحكم فهو بداية النهاية لأي حاكم في أي نظام يحترم شعبه. وبدأت الصحف في بريطانيا تطرح السؤال حول حجم المصلحة الشخصية أو الاستفادة الذاتية الذي يمكن أن يعود على رئيس الوزراء كاميرون من هذا التدخل المفاجئ في شؤون سلطات اتحاد كرة القدم البريطاني. من هنا أصبح العالم حساسا من أي كارثة هاتفية من مسؤول للتوصية على ملف أو قضية أو شخص ما، وأصبح مذعورا من تدخل رئيس أي حكومة لرسو مناقصة أو مزايدة على شركة بعينها أو تلزيم شركة مقاولات بمشروع بعينه. على المسؤول في دولة تحترم نفسها أن يترك للسلطات المحلية المسؤولة أن تصنع قرارها الإداري في الثواب والعقاب وفي المنح أو المنع بناء على قواعد القانون وحسب لوائحها المنظمة. التدخل السياسي في الحياة اليومية بشكل استثنائي خطر كبير على صاحبه وأمر مرفوض من المجتمع.
من بوش إلى أوباما: اختلف النهج والنتيجة واحدة!
بقلم: خالد الدخيل عن الحياة اللندنية
كان من الأفضل لأميركا ولمنطقة الشرق الأوسط تحديداً، لو أن جورج بوش الابن لم يصل إلى البيت الأبيض، وبقي كما كان، حاكماً سابقاً لولاية تكساس، لكن الذي حصل أنه فاز بالبيت الأبيض لولايتين متتاليتين من 2000 إلى 2008، وأثناء رئاسته دمّر العراق وأفغانستان والاقتصاد الأميركي. جاء بعده باراك أوباما أول رئيس أسود لأميركا منذ تأسيسها في منتصف القرن الـ18. خطيب مفوّه ويملك كاريزما جاذبة. سياسياً هو على النقيض من سلفه. كان بوش متهوراً ومقتنعاً بأن القيم الأميركية هي التي يجب أن تحكم العالم. يتوهم أحياناً أنه يتحرك في قراراته وسياساته بعناية ورعاية إلهيتين. أوباما أكثر تواضعاً من ذلك، يؤمن بالقيم الأميركية، لكنه يميل في سياسته الخارجية للعزلة، وأكثر ما يميزه في هذه السياسة أنه ينفرُ من المغامرة. يبدو كما لو أن مغامرات سلفه ونتائجها المدمرة تلاحقه أمام كل قضية دولية، ولذلك يميل إلى التردد كثيراً، وأحياناً إلى درجة الشلل، وربما أن هذا يعود إلى خصائص شخصية تربى عليها. وربما إلى حقيقة أنه فاز بالرئاسة بعد الفترة العاصفة لسلفه بوش الابن، وربما لكليهما معا. مهما يكن، وعلى رغم أنه بشخصيته وأسلوبه السياسي على العكس من بوش، إلا أنه أيضاً فاز بولايتين رئاسيتين، ونتائج سياسته الخارجية في الشرق الأوسط لا تقل سوءاً عن نتائج سلفه. هل سيأتي يوم يقول فيه الأميركيون كان من الأفضل لأميركا لو أن باراك أوباما بقي سيناتوراً في مجلس الشيوخ عن ولاية إلينوي، ولم يدلف إلى البيت الأبيض؟ إذا نجحت سياسة إدارته الاقتصادية في إخراج أميركا نهائياً من مستنقع الكارثة المالية التي بدأت في 2007، فعندها سيكون رأي الأميركيين في أوباما - على الأرجح - أكثر إيجابية مما هو عليه تجاه بوش، لكن، أمام ذلك أكثر من ثلاثة أعوام من عمر الإدارة قد تكون حبلى بمفاجآت لا تخطر على بال أحد.
في هذا الإطار، يبدو أن انشغال الإعلام الغربي في الأيام الثلاثة الأخيرة بما سيكون عليه موقف أوباما من استخدام النظام السوري للسلاح الكيماوي ليس له ما يبرره. لم يتغير شيء بالنسبة لأوباما. الخط الأحمر الذي رسمه للرئيس السوري لم يتم تجاوزه حتى الآن، وقد أكد ذلك يوم الجمعة الماضي أمام الصحافيين في البيت الأبيض، وبحضور العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، بقوله: «إن المجتمع الدولي لن يقف متفرجاً ويسمح بالاستخدام المنتظم لأسلحة مثل الأسلحة الكيماوية ضد المدنيين». تنطوي هذه الجملة على معنى واحد، وهو أن الاستخدام غير المنتظم أو المتقطع والمحدود للأسلحة الكيماوية لا يشكل تجاوزاً للخط الأحمر، كأن أوباما فهم من استخدام النظام السوري المحدود لغاز «السارين» في حلب اختباراً لمدى مرونة خطه الأحمر. وجاء جوابه بأنه أكثر مرونة مما يعتقد البعض! الأسوأ أن قتل السوريين في عرف الرئيس أوباما، وتدمير مدنهم في شكل منتظم بأسلحة ثقيلة مثل المدرعات والطائرات الحربية والصواريخ والبراميل المتفجرة، كل ذلك جائز بحسب قواعد اللعبة التي يستهدي بها في التعامل مع هذه الأزمة. لن تتغير قواعد هذه اللعبة إلا بالاستخدام المنتظم للسلاح الكيماوي.
هذه نتيجة طبيعية لما تتسم به سياسة إدارة أوباما الخارجية، وبخاصة تجاه الشرق الأوسط، من تردد وبطء في الحركة، وبدرجة كبيرة من الغموض. يفضل أوباما الديبلوماسية والحلول السياسية. هل لهذا الخيار الديبلوماسي من حدود؟ وعلى ماذا يستند هذا الخيار؟ وما هو البديل في حال فشله؟ هل هناك بديل؟ إذا كانت الحرب هي الديبلوماسية بأسلوب آخر، فإن الديبلوماسية هي أيضاً الحرب، لكن بأسلوب مختلف. من الخطأ الاستراتيجي الفادح أن تبدو الديبلوماسية عارية ومترددة، وكأنها الخيار الوحيد المتاح، وهذا تحديداً ما تبدو عليه سياسة أوباما في المنطقة، وهو من أكثر جوانب هذه السياسة خطورة على الجميع.
هناك ميزة أخرى تتسم بها سياسة أوباما تجاه المنطقة: قلة الإنجاز في القضية الفلسطينية وفي العراق والملف النووي الإيراني والثورة السورية. منذ 2009 وحتى الآن لم تحقق إدارة أوباما أي مكسب سياسي لا لواشنطن ولا لأي من حلفائها، بل لم تؤد إلى تخفيف الخسائر التي تسببت بها سياسة بوش الابن، والتي جاءت سياسة أوباما في الأصل كبديل أفضل لها. السجل الأميركي في القضية الفلسطينية معروف. ماذا عن العراق؟ فشل أوباما في الحصول على اتفاق مع حكومة المالكي يتم بموجبه انسحاب القوات الأميركية، فاضطر إلى سحبها من دون اتفاق، وبالتالي بقي مأزق السياسة الأميركية في هذا البلد كما هو. كان بوش هو صاحب قرار الحرب على العراق واحتلاله، وتخليص طهران من صدام حسين ألد خصومها، وجاء أوباما ليصبح صاحب قرار التسليم بالنفوذ الإيراني والتعايش معه في العراق. على رغم اختلاف سياسته عن بوش، إلا أن سياسة أوباما رسّخت النتيجة نفسها: مزيد من النفوذ الإيراني ومزيد من الاحتراب الطائفي.
بالنسبة للملف النووي الإيراني، لم يحقق أوباما أي تقدم طوال فترة رئاسته الأولى. تخصيب اليورانيوم وصل إلى أكثر من 20 في المئة، والمزيد من المحطات النووية يتم إنشاؤه. يفضل أوباما الحل السياسي لهذا الملف، والتفاهم مع الروس للخروج من المأزق. أمضى حتى الآن أكثر من أربعة أعوام يدفع بالخيار الديبلوماسي معززاً ذلك بالعقوبات، إلا أنه لم يصل إلى شيء. يصر على أنه لن يسمح لإيران بامتلاك القنبلة النووية، وأن الخيار العسكري لا يزال على الطاولة لمنعها من تحقيق ذلك. ربما أن هذا صحيح، لكن، كيف يمكن مواءمة ذلك مع ضعف موقفه في العراق، وتردده الواضح أمام الثورة السورية، وتفضيله إشاحة النظر عن مأساة الشعب السوري؟ كيف يمكن الجمع بين خيار عسكري على الطاولة مع إيران، وفي الوقت نفسه التعايش مع نفوذها في العراق، بل مجاراته أحياناً كما حصل في انتخابات 2010؟ آنذاك فازت القائمة العراقية في الانتخابات. تمسكت إيران ببقاء المالكي رئيساً للحكومة على رغم خسارته. وفي الأخير قبلت واشنطن، صاحبة الديموقراطية، وضمّت صوتها إلى صوت طهران، وبقي المالكي رئيساً للحكومة.
ما الذي يمكن أن تستنتجه طهران من سياسة أوباما في مثل هذه الحال؟
عندما نأتي إلى الثورة السورية، أكثر ما يلفت النظر أن سياسة أوباما هنا لا تختلف عنها في العراق: الارتباك والغموض والتردد. على العكس من ذلك تبدو سياسة طهران. تنطلق واشنطن من دوافع مختلفة - أو هكذا يبدو - عن تلك التي تنطلق منها طهران. لكل منهما هدف مختلف عن الآخر تجاه الثورة أو هكذا يبدو. إيران تريد القضاء على الثورة وإبقاء الأسد في مكانه، وإعادة إنتاج النظام السياسي الذي يقف على سدته. من جانبها تفضّل واشنطن تنحي الأسد واحتواء الثورة، وأيضاً إعادة إنتاج النظام السياسي. ربما لذلك تجمعهما نقاط مشتركة تجاه هذا الموضوع. كلاهما يرفض «جبهة النصرة»، وكلاهما يفضل الحل السياسي، وكلاهما يرفض تسليح المعارضة السورية، وكلاهما يتعاون مع موسكو لإيجاد الحل السياسي المنشود. طهران ترسل مستشاريها وجنرالاتها ومساعداتها العسكرية والمالية للرئيس السوري، ومع أن واشنطن ترفض تسليح المعارضة، إلا أنها تبدو وكأنها تغض الطرف عما تفعله طهران. ومع رفضها لتسليح الثوار، لا تفعل واشنطن شيئاً لوقف وصول السلاح الإيراني والروسي إلى النظام السوري. تتمسك موسكو وطهران بأن يحتفظ النظام بالتفوق العسكري على الأرض أمام الثوار، كورقة تفاوضية لهما وللنظام.
من ناحيتها لا تملك واشنطن ما تقوله حتى الآن إلا زيادة مساعداتها الإنسانية والعسكرية غير القاتلة. تضغط على حلفائها السعوديين والأتراك والقطريين لعدم تزويد الجيش السوري الحر أسلحة ثقيلة. الأوروبيون منقسمون حيال الموضوع نفسه، وهو انقسام على صلة بالتردد الأميركي. ربما أن هذه الإدارة تريد أن تستنزف خصميها في الأزمة السورية: روسيا وإيران. هي تعرف أن المآل الأخير للنظام السوري هو السقوط، وبالتالي لا ترى ضرورة لدفع ثمن شيء هو في النهاية تحصيل حاصل. طهران تغذي الحروب الطائفية في العراق وسورية، وهي بذلك تحرق أوراقها. موسكو متمسكة بالأسد، وهي تُجهِز بذلك على آخر مواقع نفوذها في المنطقة. كأن واشنطن تنتظر أن تقضي الحروب الدينية في الهلال الخصيب والشام على خصومها، وأن تنضج عوامل التغيير في المنطقة، لكن، يبدو أنه انتظار العاجز الذي لا يملك شيئاً إزاء مسار الأحداث إلا التمني بأن يأخذ منحى معيناً. هل هو كذلك؟ أياً يكن، هو انتظار سلبي ينطوي على أخطار جسيمة لم تتضح إلا معالمها الأولى.
رسائل بالخط العريض... العالم قد تغير
بقلم: صياح عزام عن الوطن السورية
بات من الواضح جداً أن العالم بأسره يقف على مفترق طرقٍ، وليس فقط منطقة الشرق الأوسط أو المنطقة العربية فقط كما يقول بعض السياسيين، وذلك بدليل التنافس الأميركي- الروسي والأحداث المتلاحقة ومشاهد التوتر في أكثر من بقعة في العالم، فالولايات المتحدة تريد أن تبقى متربعة على زعامة وقيادة العالم كما تشاء ومن دون أن يشاركها أحد في ذلك.
بداية التغيير
وإذا حاولنا تتبع عودة الصراع العالمي الجديد مابين القطبين الأميركي والروسي، فإن القصة، أو قصة البداية تعود إلى تاريخ إدانة موسكو للاتفاق بين الولايات المتحدة وبولندا بشأن إقامة نظام الدرع الصاروخي المثير للجدل على أراضي (بولندا) في العام 2008، والرادارات المنوي نشرها في التشيك، حيث أكدت روسيا في حينه إدانتها لهذا التصرف، وأنه لن يمر دون عواقب وجاءت الإدانة الروسية على لسان الجنرال (أناتولي توغفيتسين) الذي أكد أن العلاقات الأميركية الروسية في وضع صعب، وأنه من المؤسف أن واشنطن اختارت أن (تزيد الطين بلة)، فالدرع الصاروخي الأميركي يشكل تهديداً أمنياً يهدف إلى تقويض قوة الردع النووية لروسيا التي تعهدت بالرد القاسي إذا ما مضت (بولندا والتشيك) في خططهما. ومنذ ذلك التاريخ، وبعد مرور بضع سنوات، وما حملته الولايات المتحدة من مصائب للعالم وتهديدات لمصالح روسيا تحديداً، عاد رئيس روسيا القوي (فلاديمير بوتين) لرئاسة الاتحاد الروسي من جديد بعد أن عمل الرجل خلال رئاسته السابقة وموقعه كرئيس للوزراء على إعادة الهيبة لروسيا.
لقد استطاع بوتين خلال فترة حكمه تسديد ديون خارجية تجاوزت (خمسين مليار دولار)، وترافق ذلك مع تحديث الجيش الروسي، واتباع سياسة (التدخل الناعم) في الأزمات الدولية كسبيلٍ للحفاظ على هيبة روسيا الدولية بعد أن فُقدت تماماً خلال الفترات التي شهدت ضعف، ثم تهاوي الاتحاد السوفياتي السابق، كما استطاع بوتين عبر بضع أزمات عالمية مرت استعادة مكانة موسكو كإحدى القوى العالمية المؤثرة في الخريطة السياسية العالمية.
كل هذه التطورات كانت وما تزال تحت المجهر الأميركي، بعد ذلك، كان القرار المتهور للرئيس الأميركي السابق (جورج بوش) باحتلال العراق والذهاب إلى أفغانستان سبباً رئيساً في انشغال واشنطن سياسياً وأمنياً واقتصادياً، بتداعيات الأحداث في البلدين المذكورين، لاسيما بعد أن ظهرت المقاومة العراقية وحركة طالبان لتستيقظ أميركا المحتلة على حقيقة وهن وضعف قدرتها على تحقيق مشروعها (الشرق أوسطي) عبر بوابة العراق، وعبر وضع قدمٍ لواشنطن على الحدود الروسية من خلال قواعد عسكرية في أفغانستان، الأمر الذي وفّر الفرصة المناسبة لروسيا وبحنكة بوتين لتحقيق قفزات كبيرة في برامج الاقتصاد والسياسة والتسلح وغيرها، مُستفيداً من تورط الولايات المتحدة في هذين البلدين وانشغالها بمحاولات إيجاد مخارج لأوضاعها الحرجة فيهما، في وقتٍ استمر فيه تعرض العلاقات الأميركية الروسية للمد والجزر كما كانت في السابق، لاسيما أن الولايات المتحدة كانت تتدخل في مناطق وأقاليم تعتبرها روسيا ضمن مصالحها التقليدية، وخطاً أحمر لا تقبل بتجاوزه أو حتى الاقتراب منه.
الخداع الغربي
وبعد أن هبت رياح ما يسمى بالثورات العربية تطلعت روسيا إليها في بداية الأمر بأمل إحداث تغيير إيجابي، فتعاطفت موسكو مع أولئك الذين سعوا إلى إصلاحات ديمقراطية حقيقية، لكن سرعان ما تبدل الأمر، حيث اتضح بعد القصف الغربي والأميركي لليبيا والإمعان في تدميرها، وتسليم الحكم في تونس لجماعة الإخوان المسلمين، وكذلك في مصر حيث انقضت هذه الجماعة على الحكم، اتضح أن السيناريو الأميركي الغربي غير متحضر، حيث أدى إلى استبدال هيمنة قوة واحدة بقوة أكثر عدوانية وتطرفاً، الأمر الذي يدل دلالة واضحة على أن ما يسمى بالربيع العربي ما هو إلا خريف مفتعل ومقيت. ومع بداية الأحداث السورية قبل عامين، ظهر الموقف الروسي الحازم جلياً في السياسة الدولية لناحية ضرورة احترام القانون الدولي وسيادات الدول الصغيرة، فكان الدعم الروسي العلني القوي والمباشر لسورية، الأمر الذي وضع روسيا من جديد في دائرة اتخاذ وتحديد القرار الدولي تجاه القضايا الإقليمية، وبالتالي عادت صورة الحرب الباردة إلى الظهور من جديد بين واشنطن وموسكو بعد أن كانت من ماضي الاتحاد السوفياتي السابق، واشتدت صورة هذه الحرب في مواقف البلدين من تطورات الأزمة السورية.
إلى جانب ذلك ظهرت معارضة الولايات المتحدة بشكل سافر وعلني لمسألة (إعادة بناء الوحدة السوفياتية) في صورة (الاتحاد الجمركي) التي جاءت على لسان وزيرة الخارجية الأميركية السابقة (هيلاري كلينتون) في العام الماضي، والتي اعتبرها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أنها (لا تعدو كونها مجرد ترهات فارغة)، vالسورية وتعاونها مع الصين وإيران والعراق، وتكتلها مع (دول البريكس) عوامل فعالة تضعها في اختبار حقيقي على أنها الدولة التي ستعيد توازن القوى في العالم من جديد إلى نصابه، بعد أن احتكرته الولايات المتحدة لأكثر من عقدين من الزمن، وفي الوقت نفسه لمست روسيا أن موقفها هذا يلقى تأييداً واسعاً بين دول العالم التي عانت ولا تزال الأمرّين من التسلط الأميركي عليها لمصادرة قرارها الوطني والاستمرار في نهب خيراتها.
الرسائل الثلاث الجديدة
عندما تعاونت روسيا مع الصين في استخدام حق النقض (الفيتو) المزدوج لثلاث مرات في مجلس الأمن ضد أي عقوبات أو تدخل عسكري في سورية، كانت تهدف من وراء ذلك إلى إيصال رسائل حازمة ومحددة للولايات المتحدة بأن العالم قد تغير، وأن الاستفراد بقيادته وبأحادية القطبية قد انتهى إلى غير رجعة، إلا أن دول الغرب بزعامة الولايات المتحدة أمعنت في تجاهل تلك الرسائل وإهمالها، من خلال عدة إجراءات منها: دفع بعض الدول الغربية والإقليمية إلى إعلان نياتها لتسليح المجموعات الإرهابية في سورية، ثم الإيعاز من قبل واشنطن للجامعة العربية بتسليم مقعد سورية في الجامعة لما يسمى الائتلاف السوري المعارض، بعد أن كانت قد عيّنت أحد حملة الجنسية الأميركية في موقع رئاسة حكومة المعارضة المؤقتة (غسان هيتو).
بناءً على ذلك، جاء الرد الروسي سريعاً متجسداً في ثلاث رسائل هامة:
■ الأولى من خلال بيان قمة (بركس) التي عقدت مؤخراً في جنوب أفريقيا الذي اعتبر أن القرارات التي اتخذت بشأن الأزمة السورية في اللقاء الدولي بجنيف العام الماضي يجب أن تكون وتبقى أساساً لتسوية الأزمة السورية، ورفض القمة لعسكرة النزاع في سورية بإعلانها أنه لا يمكن تأمين عملية سياسية انتقالية يقودها السوريون إلا عبر حوار وطني واسع يتجاوب مع أماني كل فئات المجتمع السوري، ويخدم استقلال ووحدة أراضي وسيادة سورية.
■ الرسالة الثانية تجسدت بالأمر العسكري الذي أصدره الرئيس (بوتين)، وهو على متن طائرته الرئاسية عائداً إلى موسكو من جنوب أفريقيا، بإجراء مناورات عسكرية ضخمة في البحر الأسود بمشاركة عشرات السفن الحربية وسبعة آلاف من مشاة البحرية الروسية لإظهار قوة موسكو وجدية موقفها من الأزمة السورية.
■ أما الرسالة الثالثة فجاءت عن طريق (كوريا الشمالية) الحليف غير المعلن لكل من الصين وروسيا بتهديد زعيمها الشاب بقصف الأراضي الأميركية، وإصدار الأخير أمراً (فاجأ العالم) لقواته المسلحة بإتمام الاستعدادات لتوجيه ضربات صاروخية إلى الأراضي الأميركية والقواعد الأميركية في المحيط الهادئ وكوريا الجنوبية!
إزاء هذا التحرك الروسي والرسائل المشار إليها أعلاه، أعلن الاتحاد الأوروبي حذره تجاه قرار الجامعة العربية بالسماح لدولها بتسليح المعارضة السورية، وأعلنت (كاترين أشتون) المسؤولة عن الشؤون الخارجية والأمنية الأوروبية عن قناعتها بضرورة الحل السياسي في سورية، وضرورة البدء بعملية سياسية لوقف نزف الدماء وتدمير سورية، والتوصل إلى حل سياسي فيها حسب الصراع الروسي، وتراجع هولاند عن اندفاعه لتسليح المعارضة السورية، حيث أشارت جهات في موسكو إلى تهديدات روسية جاءت في مكالمة هاتفية بين (بوتين وهولاند) بعد دعوة الأخير إلى رفع الحظر عن تزويد المعارضة بالسلاح.
ختاماً، قد يكون الغرب بقيادة أميركا فهم أو لم يفهم الرسائل الروسية المتعددة، ولكن من السذاجة ألا تعترف أميركا وحلفاؤها الأوروبيون المأزومون اقتصادياً بأنه ليس باستطاعتهم خوض حروب جديدة، فالأحداث كشفت ضعفهم وتخبطهم، وفي الوقت نفسه عليهم أن يفهموا وأن يدركوا أن وجه العالم قد تغير ورفض أحادية القيادة.
ساعة قديمة على توقيت فلسطين
بقلم: فؤاد خليل عن السفير البيروتية
عمر «السفير» أربعون عاماً أو 12466 يوماً، عداً وحرفاً وحبراً وتعباً ومشقة وأحلاماً وجراحاً. هي ضريبة الالتزام بالقضايا الباهظة التي حملتها الجريدة... ولدت «السفير» على «توقيت القدس» بحسب تعبير الدكتور فؤاد خليل.. كانت قبلتها فلسطين ولبنان قاعدة انطلاقها. ولا تزال ابنة الأربعين على وفائها لفلسطين، ولو غادرها كثيرون واغتربت عنها أقلام، فضّلت طريق العواصم المذهبة فسلكتها بالكلمات الـ...
في هذه الذكرى، استعادة للتجربة، إحصاء للأحلام، ثبت بالخسارات والنجاحات. الحصيلة لم تكن رماداً. كانت جمراً، لا يزال يتقد، وها هو المشرق العربي يشهد على ذلك. انه وقت للأسئلة: أسئلة القضايا وأسئلة الوسائل. انه وقت للمراجعة. ماذا حققنا؟ أين نجحنا؟ لماذا تبدّدنا؟ كيف فشلنا؟ وحتى يحين موعد تحقيق الإنجازات!
هنا، قراءة للدكتور فؤاد خليل، الذي ضبط ساعته لأعوام طويلة على توقيت القدس، و«ها هي بنية بلده وبنية المحيط الأقرب والأبعد تعملان بالمذهبية على تعطيل ساعته».
÷ ليس سهلاً أن يخرج الكاتب ولو مؤقتاً، من حقله الفكري المعتاد، ويكتب شهادة ذاتية في قضية عامة كان أحد حواملها، وعلى ايمان بها في حلّه وترحاله، وبخاصة بعد أن انقلب الأعم الأغلب من أولئك الحوامل على ماضيه، ورأى فيه «خشباً» ينخره السوس ويضربه العفن الأسود. ولئن بدت الكتابة في الذات أو في الحقل الجديد صعبة بعض الشيء، غير أن الشهادة هنا لن تكون سيرة شخصية على جري المألوف والشائع، بل هي سردية كبرى عايشتها الذات في تجربة فكرية وسياسية ردحاً من الزمن، ولمّا تزل تجدّد عهدها مع تلك السردية رغم دخول الذات إلى عتبة خريف العمر والأيام..
÷ عندما نزلت منزلة الشباب، أخذ صوت عبد الناصر يرحّب بي في إقامتي الجديدة، وراح يسكن في هنأة مطلقة في وجداني مثلما كان ذلك الطير يسكن في سفار بيتنا القديم. وعلّمني الصوت الآسر كما أبناء جيلي، ان اقتنص السانحة المؤاتية لكي استحوذ على الراديو الخشبي في بيتنا وانفرد به حتى استمع بشغف لا تصفه لغة إلى خطاب في التحرر من الاستعمار وكسر التبعية، وفي العروبة وفلسطين والعدو القومي والتقدم والاشتراكية والوحدة..
تلكم قضايا منزلتي الجديدة. وقد ألفت سحرها الجميل وتذوقت بها طعم الزهو القومي. فكانت قريتي تمتد بها في جسدها المحدود، وتتوسّع في فضائها إلى حيث يدخل في فضاء القاهرة عاصمة الجمهورية العربية المتحدة. وكان الرائع في فضائها، أن قرية نائية تجاوزت قبل أعمال الفكر المعاصر وجهوده ثنائية العلاقة بين العام والخاص، إذ أضحت قريةً في أمة وأمة في قرية..
لكن الزمن دوّار ما بين وبين. إذ وقعت هزيمة حزيران في 1967. وكان صانعها الأمن الدولتي في مصر والرأسمال الغربي والنفط العربي. فغادرت الدرب إلى آخر جديد، هو اليسار الماركسي وتحديداً إلى منظمة العمل الشيوعي. وقد رأيت أن الجديد يحوز «يوتوبيا» الردّ على هزيمة القديم. بيد أن مأمول الردّ بقي يحمل القضايا نفسها تقريباً ما خلا المضاف إليها من ديموقراطية واشتراكية علمية. وازدهر اليسار اللبناني بين 1968 و1974. فأدار الحراك الشعبي في قطاعات العمل والإنتاج، وانتشر في الجامعات وجذب نخبة واسعة من أهل الفكر والثقافة. فراح زهوه يلمع في نظم الصراع على قواعد سياسية بين يمين ويسار طبعاً الواقع اللبناني دون استتار أو حجاب. وأمست القضايا بداهات تشغل الساحة من الجهات كلها ولا يُسأل المرء في رفضها. وفي هذا المساق كنت أعاملها بلغة المجاز المستقاة من الطبيعة والتاريخ. لذا، كانت العروبة تتألق في كوفية فلاح القرية التي يفخر بها فلاح السودان كما فلاح موريتانيا... وكانت الوحدة تتدفق في ماء نهرها الجاري في مياه الخليج والمحيط. وعنى التقدم حرية الأرض من قيد الملكية المستغلِّة، وتحرير الديار من وطأة بني الأصفر. أما فلسطين فلكل حرف منها قصته في القرية والمدينة:
الفاء: فادي الخلق من الخطيئة.
اللام: لام تقترن بالألف والميم وتنحفر على باب الأقصى.
السين: سيرة مناضل كتبها محمود درويش وغسّان كنفاني.
الطاء: طائر يجوب مع الرسالة ولا يتوقف.
الياء: يدٌ تضرب حجراً على المحيط...
النون: نور قنديل لا ينطفئ في بيت المقدس.
÷ ووقعت الحرب في لبنان، وانفتحت لحظة إمكان التغيير «الثوروي» لنظامه الطائفي (في السنتين الأولييْن). فانغمست كما انغمس جميع الطيف في الحركة الوطنية في تلك اللحظة، كأنها على قاب قوسين أو أدنى. لكن انبهارنا «الطفولي» بها حجب عنّا الوعي الشمولي حول إمكان التغيير بالذات. إذ لم تحتسب أن لا إمكان ثوروياً في لبنان، وفي محيطه نظام عربي تقليدي يقوم على الملة والعصبية والقبلية. فكان أن أجاز هذا النظام وبقرار أميركي، الدخول السوري إلى لبنان بغية كسر الإمكان وتحطيمه. ثمّ توسع السوري في فعل الكسر من خلال التطييف المنظم، وقد سوّغه باسم الوطنية والقومية! ذلك أن العصبية في نواة بنيته السلطوية تستبطن شهوة دفينة ضد أي تغيير يفضح تلك النواة ويفيض عن طبيعتها. وتضرّم الكسر في أرض لبنان، إذ تطيّف الصراع في الأرجاء كلها في الثمانينيات ولم يبق من ذاك الإمكان سوى ومضة مقاومة وطنية سرعان ما أطفأها الغمر الطائفي وحوّلها إلى دفتر من صور تنعش الذاكرة من حين إلى آخر..
÷ ذاك الزمن الطائفي العابث أقصاني كما الكثير من أبناء جيلي من الرفاق والأصدقاء من دائرة العمل الحزبي. فغادرت «المنظمة» واخترت أن أكمل دراستي الجامعية. وقد عزمت من خلال البحث والكتابة أن أتابع العمل الوطني بوسيلة أخرى، أي أن أبقى على عهدي مع سرديتي الكبرى. لكن بأفق منفتح أخذ يتخفف من شحنته الايديولوجية المعهودة في العمل الحزبي، ويتوسع إلى الجديد المعرفي في العلوم الاجتماعية. فرحت أدرس القضايا بعين فاحصة وأعيد إنتاجها من داخل تجربة التحولات العربية وشروطها الواقعية. وذلك من أجل إضفاء معاني جديدة عليها تساعد على فهم أفضل للمجتمعي الملموس..
÷ وانتهت الحرب في لبنان وأعيد تجديد النظام الطائفي بتوازنات جديدة. فأكملت الطبقة السياسة في الطائف ما فعله السوري في مجرى الحرب. إذ تحول التطييف إلى منحى شامل وتهمّش موضوع التغيير، وعُرض البلد في مزاد الحصة الطائفية كأنه سند تمليك خاص. ثم كانت «مأثرة» تلك الطبقة في العقد الأخير، تكمن في «تطوير» التطييف إلى التمذهب. فازدهر التداول في لغة الغريزة، وانتعش التفكير الضيق والمبتذل، وتوزعت الخيارات الكبرى بين آراء متعاكسة، وتحوّلت الحقيقة إلى وجهة نظر، وهبطت السياسة إلى لعبة في اليومي. وتدنى التاريخ إلى العابر والعربي. ومع هذا المسار كانت دينامية التخلّع البنيوي تتنامى في الواقع اللبناني. فتعمّق الانتظام المجتمعي على قاعدة الانقسام التجاوري، وتبدّت وظيفة التعدد على حقيقتها في إعادة إنتاج التخلّع وفي تظهير طبيعة الآحادية البنيوية.
÷ وفي ظل هذا الواقع تهمّشت القضايا الوطنية والقومية. وقد انقلبت عليها نخبة يسارية ووطنية واسعة، وعدّتها في باب القضايا المتقادمة. وكان سبيلها إلى ذلك، اللجوء بالحلف والولاء إلى الطائفية والمذهبية، بعد أن ارتدّت على تاريخها ورأت فيه عبئاً ثقيلاً لا تقبله الأيادي الخفية في الأسواق المعولمة. فراحت تسوّغ الكيانية وتماثلها مع الوطنية. تعلي من شأن التنوع وتخنقه في المذهب والطائفة. تدعو إلى وحدة البلد وتسوّق الصراع الأهلي بين الأحياء في المدينة الواحدة. تمجّد العروبة الحضارية وتلهج بحياد عن صراع (عربي إسرائيلي) لا حياد فيه. تنادي بالنهوض والتقدم وتجد نموذجاً لهما في مجتمعات الخليج النفطي.. تتلفظ بالحرية والديموقراطية وتخرس عن الاحتلال الأميركي وقواعده. تأتي على ذكر فلسطين وتتوسل الكيان الصهيوني للأخذ بمبادرة السلام العربية المطروحة إلى ما شاء الله!...
هو ذا منطق لا يزن قياسه بأي استدلال عقلي. إنه منطق الأيادي الخفية في السوق المفتوحة..
÷ وعلى عكس هذا المشهد بقيت بوصلتي في القضايا تنجذب إلى تاريخي دون أن تقيم فيه. فوجدت أن مقاربتها تفترض مضموناً نظرياً لتجاوز مضمونها النظري الماضوي، ولفهم المتحول والمتغير في الواقع الراهن. ولعلّ الناظر الموضوعي في الحراك العربي يجد فيه أقله حقيقتين: الأولى، وهي أن طغيان المعادلات الجيوستراتيجية على مجراه قدّمت ما ينقض تلك القضايا. ومع نقضها، تهدّد وجود الدولة والمجتمع في البلاد العربية. والثانية، وهي أن النزوع التاريخي الكلي للحراك يحيل بصيغة أو بأخرى إلى القضايا المذكورة ويرسم ضمانتها في الكتلة المدنية الديموقراطية.
أما الضمانة، فلا تتحقق في الملموس من دون ترجمة القضايا إلى مشروع تاريخي نهضوي بمضامين نظرية جديدة، لئلا تتكرّر تجربة رجل مقاوم ضبط ساعته لأعوام طويلة على توقيت القدس. وها هي بنية بلده وبنية المحيط الأقرب والأبعد تعملان بالمذهبية على تعطيل ساعته.
أمريكا تدعم موالين لإيران بقصد إشعال حرب بالوكالة!
بقلم: عبد المنعم ابراهيم عن أخبار الخليج البحرينية
كل المؤشرات تقول إن الولايات المتحدة الامريكية تريد تقليص دورها العسكري في الشرق الأوسط، من دون أن يعني ذلك تقليص دورها السياسي.. فهي تريد تكريس نفوذها السياسي في المنطقة العربية بأقل قدر من الخسائر البشرية والعسكرية، وبالأمس أورد الزميل (محمد مبارك جمعة) معلومة على لسان (كرستوفر هارمر) نائب سابق لمدير العمليات بالأسطول الأمريكي الخامس بالبحرين: (لقد قمنا بالانسحاب من العراق بشكل كلي، ونحن الآن في طور الانسحاب من أفغانستان.. لقد قلصنا وجودنا البحري في الشرق الأوسط بشكل كبير.. هذه الإجراءات تقول لدول مجلس التعاون انه مهما كان الوضع، فإن عليكم التعامل معه من دون مساعدة كبيرة من أمريكا).
بالطبع لا يوجد تهديد عسكري مباشر لدول مجلس التعاون الخليجي سوى من ايران، فهي لا تزال تحتل جزرا إماراتية، وتتدخل في الشئون الداخلية لدول التعاون، وتنشر شبكة خلايا متحركة في البحرين والكويت والسعودية، وتقوم بتدريب العابثين بالأمن الخليجي.. بينما أمريكا تقول لنا (إذا حدثت مشكلة لكم مع إيران.. لا تنتظروا مساعدة كبيرة منا)! والمشكلة ليست في انتظار المساعدة العسكرية الامريكية في حالة الطوارئ، بل فيما تفعله الادارة الامريكية حاليا في دول مجلس التعاون، وبالتحديد في البحرين، حيث ان (الإدارة الامريكية) تدعم جمعيات سياسية (مثل الوفاق في البحرين)، وعناصر أخرى موالية لحكم (ولاية الفقيه) في ايران، وبالتالي فهي لا تكتفي بالنأي بنفسها عن التورط العسكري مع ايران، بل تحاول ان تدعم النفوذ الايراني في دول المنطقة، وتمكين حكم (ولاية الفقيه) في دول الخليج العربي، تماما مثلما فعلت في العراق الذي تدار شئونه السياسية من طهران لا من بغداد!
والقصد من هذه السياسة الامريكية هو إشعال فتيل الحرب بالوكالة بين ايران ودول مجلس التعاون الخليجي.. وبعد ذلك ستتدخل (واشنطن) دبلوماسيا لعقد الصفقات السياسية في مياه المنطقة مع ايران وتمكين نفوذها في الخليج مقابل الاكتفاء بعقد الصفقات التجارية العسكرية والتسليح بمليارات الدولارات مع جيوش دول التعاون!.. يعني باختصار (واشنطن) تقول لنا: (نحن سوف نزودكم بالسلاح وأنتم ادخلوا الحرب ضد ايران بالنيابة عنا)! وإفشال هذا المخطط المدمر للمنطقة لا يتم إلا من خلال (الاتحاد الخليجي) الذي سوف يؤمن قوة وهيبة سياسية لدول الخليج من دون الحاجة إلى دخول حرب.
الدول المسلمة!!
بقلم: جمال ابوبيه عن المساء الجزائرية
مصر طوال عمرها دولة وسطية لا تعرف التطرف.. وبلد الأزهر الشريف.. ولكنها انشغلت هذه الأيام في مشاكل داخلية.. غيبتها - عن عمد - عن مشاكل المسلمين في الدول الأخري المسلمة!!
فلم نسمع أحداً يتحدث عن المجازر التي تحدث ضد المسلمين في بلاد عديدة مثل ميانمار وأذربيجان ومالي وسوريا وفلسطين.. وغيرها الكل انغمس في الشأن الداخلي.. ونسي أن مصر بلد الأزهر لا تكف عن نصرة ومساندة المسلمين في كل مكان!!
لقد كنا مع النظام السابق نكتفي بالدعاء في صلاة الجمعة.. أما الآن وبعد ثورة 25 يناير فإن البعض يخرج في مظاهرات لتحطيم السفارات وكأنهم بذلك أنقذوا المسلمين في هذه البلدان!!
أين لجان الإغاثة التي كانت تملأ الدنيا ضجيجاً أيام النظام السابق وتسارع بجمع الإغاثات وإرسالها للمسلمين في دول العالم كنوع من المساندة والدعم وأن المصريين معهم ولو بإغاثات بسيطة!!
اختفت تلك اللجان الآن.. وتفرغ الجميع للصراعات السياسية وأصبح الكل يحلم بحكم مصر وكأنه المنتهي من رب العباد.. ونسوا التعاون والمحبة وأنه لا يمكن أن يكون الكل حكاماً.. ولابد من وجود حاكم ومحكوم.. وكل له دوره ويكمل الآخر.. ولذلك لا مفر من العودة لجوهر الإسلام ومبادئه ونتحد حتي نكون مثل البنيان الواحد.. والجسد الواحد والدولة الموحدة.. ونتأكد أن الفرقة سبيلنا للضياع!!
الدولة العربية المنهارة
بقلم: نواف عُبيد عن الجريدة الكويتية
كان ما يُعرف بالربيع العربي سبباً في توليد موجة من الأمل بين المناضلين من أجل فرض قيم الديمقراطية على الأنظمة الاستبدادية الحاكمة في العالم العربي، ولكن الآن، بعد تغيير الزعامات في تونس ومصر وليبيا واليمن، وفي ظل حرب أهلية وحشية تدور رحاها في سورية، والأجواء المشحونة على نحو متزايد في البحرين والسودان والأردن والعراق، كَثُر الحديث عن تحول كبير- وأمل في التحسن- في طبيعة الدولة العربية وآفاق نجاحها.
بيد أن الأمل- "ذلك الشيء المكسو بالريش"، كما وصفته الشاعرة الأميركية إميلي ديكنسون- لا يشبه الحقائق على الأرض في كثير من الأحيان إلا قليلا. وبالنظر إلى أرض الواقع فيبدو أن جمال الربيع العربي أخلى السبيل لشتاء قارص يكاد لا يُحتمل.
فعلى الرغم من كل التفاؤل الذي لاح قبل عامين، فإن الواقع السياسي المشؤوم ربما يجعل مفهوم الدولة القومية متضارباً مع العالم العربي الجديد الناشئ، ونتيجة لهذا فقد أصبح السؤال الملح الآن هو كيف تتمكن المنطقة من الحفاظ على استقرارها في غياب دولة قومية مستقرة.
لا شك أن المشاكل التي تواجهها الدول العربية تتفاوت من حيث الدرجة والنوع، فبعض الدول، مثل مصر وتونس، تتمتع بمؤسسات راسخة تاريخياً تساعدها في توجيه عملية بناء المؤسسات في مرحلة ما بعد الصراع وتمنع الانهيار الكامل للدولة، وتبدو دول أخرى، مثل البحرين والأردن، مستقرة نسبيا، ولكن أغلبها تعاني انكماشاً مأساوياً في الناتج وسط قيود مالية شديدة وأنظمة نقدية تكاد تشرف على الانهيار، وهو ما يعمل على تقويض عنصرين متممين من عناصر الدولة القومية الناجحة: الاستقلال الاقتصادي والنمو المدعوم ذاتيا.
وعلاوة على ذلك، فقد انتخبت كل دولة زعماء (أو ثائرين نالوا تأييداً واسع النطاق) تربطهم علاقات بالحركة الإسلامية الثورية المنتشرة على مستوى العالم العربي والمعروفة باسم جماعة الإخوان المسلمين (أو في حالة البحرين، بالأهداف الإسلامية الثورية في إيران). ومن ثَم فقد أصبحت هذه الدول خاضعة لإيديولوجية دينية تسمو على الدولة القومية، ولا تخضع لمنظمات قادرة على وضع خطط قابلة للتطبيق من أجل تحقيق الاستقرار الاجتماعي، والازدهار الاقتصادي، والأمن السياسي داخل الحدود الوطنية.
وبالفعل، أسفر الضعف الناجم عن هذا عن تفكك السودان مؤخراً إلى دولتين، فكان الحكم الاستبدادي والانقسام الاجتماعي القائم على أسس دينية في السودان، إلى جانب المصاعب الاقتصادية والعجز السياسي، سبباً في التعجيل بانهيار سلطة الحكومة المركزية في الجنوب الذي تسكنه أغلبية مسيحية.
ويبدو أن نفس العملية تجري الآن ولو بوتيرة أبطأ في العراق، وسط نضال مستمر من أجل توحيد عرقيتين، العرب والأكراد، فضلاً عن أتباع الإسلام السُنّي والشيعي، في دولة قومية واحدة. وتتآكل السلطة المركزية تدريجياً بفعل انقسام البلاد المستمر إلى مناطق عرقية وطائفية، مع قيام دولة كردية ذات سيادة بحكم الأمر الواقع في الشمال.
ومن ناحية أخرى، تتضاءل في اليمن إمكانية قيام سلطة مركزية قوية، في ظل المشاكل العديدة المستعصية التي تواجهها البلاد- من الانقسامات الداخلية والحركات الانفصالية إلى ظهور أفرع لتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، فضلاً عن الاقتصاد الفاشل. والآن أصبح كل من الجنوب (عدن) والشرق (حضرموت) على مسار نحو الاستقلال، وهو ما من شأنه أن يجر اليمن إلى صراع انفصالي آخر بعد ما يقرب من خمسة وعشرين عاماً من الوحدة الهشة بين شطري البلاد.
وفي ليبيا، كان انهيار نظام العقيد معمر القذافي سبباً في إلقاء البلاد إلى آتون الفوضى والقضاء على القسم الأعظم من سلطة الحكومة المركزية. فلا يزال القانون غائباً عن الجنوب، في حين يتولى المجلس الإقليمي في بنغازي حكم الشرق؛ ويبقى الغرب فقط خاضعاً للحكومة الضعيفة التماسك في طرابلس.
ويتفاقم الوضع سوءاً في سورية، حيث حصدت أكثر الثورات العربية دموية أرواح أكثر من خمسة وسبعين ألف إنسان بالفعل، وهو ما يرجع في الأساس إلى سلوك نظام الرئيس بشّار الأسد المستبد. ومع تلاشي الدولة السورية، فإن الانهيار الحتمي للنظام سوف يؤدي إلى تقطيع أوصال البلاد بشكل دائم، فتنشأ دولة كردية بحكم الأمر الواقع في شمال شرق البلاد، ويتكون جيب مستقل في الشرق تحت سيطرة العلويين الناجين، فضلاً عن كيان منفصل للدروز في الجنوب.
وعلى الرغم من إظهار البحرين والأردن قدراً أعظم من الاستقرار النسبي، فإن أياً منهما ليس محصناً ضد التقلبات. صحيح أن الثورة الشيعية في البحرين، والتي اختطفها فصيل انتهازي انتقامي إيراني، فشلت في استحثاث انهيار نظام خليفة الملكي، وفي الأردن، كانت الشرعية الدينية للنظام الملكي الهاشمي كافية لتدعيم الدولة في مواجهة التحدي المتنامي الذي تفرضه جماعة الإخوان المسلمين، في حين كان الخوف من امتداد العنف الإقليمي إلى المملكة سبباً في كبح شهية عامة الناس في الأردن مؤقتاً إلى التمرد والعصيان.
غير أن الدولتين تفتقران إلى العائدات المحلية اللازمة لدعم المؤسسات القائمة هناك، وإذا كانت كل منهما راغبة في البقاء إلى القرن المقبل، فربما كان لزاماً عليها أن تندرج ضمن اتحاد تدعمه دولة قومية أكبر وأكثر قوة ورسوخا.
وعلاوة على هذا فإن التفكك الذي شهدته المنطقة بالفعل- وسوف تظل تشهده بلا أدنى شك- سوف يتردد صداه خارج الخريطة العربية مع إنشاء دولة كردية ذات سيادة، والواقع أن مثل هذه الدولة، سواء قامت بحكم الأمر الواقع أو باعتراف رسمي واسع النطاق، سوف تخلف تأثيراً دائماً على حدود العالم العربي (سورية والعراق) والشرق الأوسط عموما (تركيا وإيران).
لقد نجح الربيع العربي في الإطاحة ببعض الأنظمة، لكنه فشل في الإطاحة بأنظمة أخرى، بيد أن الأمر الأكثر أهمية هو أن الربيع العربي ألقى بظلال عميقة من الشك، في كل مكان من العالم العربي -وخارجه- على قدرة الدولة القومية على البقاء، والآن ربما ولّت أيام الثورات؛ واقتربت أيام الحساب.


رد مع اقتباس