اقلام واراء اسرائيلي 342
15/5/2013
في هــــــذا الملف
رسالة مركبة من نتنياهو لدمشق وبيروت
بقلم: دان مرغليت،عن اسرائيل اليوم
حانت ساعة النهاية
بقلم: جاكي حوري،عن هآرتس
من يخشى دولة ثنائية القومية؟
بقلم: موشيه آرنس،عن هآرتس
زيادة في رداء تقليص
بقلم: اليكس فيشمان،عن يديعوت
التقليص الذي لم يكن
بقلم: عمير ربابورت،عن معاريف
الجيش هو اقوى نقابة عمال باسرائيل
بقلم: يوآف ليمور،عن اسرائيل اليوم
مرة اخرى يطلقون علينا مبادرة سلام
بقلم: ايلي فوده،عن هآرتس
رسالة مركبة من نتنياهو لدمشق وبيروت
بقلم: دان مرغليت،عن اسرائيل اليوم
إن سفر بنيامين نتنياهو العاجل شيئا ما الى فلادمير بوتين هو عمل في وقته، بل قد يكون تأخر عن موعده شيئا ما. إن تسليم روسيا صواريخ حديثة الى سوريا كان اشكاليا في حد ذاته في كل سنوات حكم عائلة الاسد. وهو أخطر بأضعاف مضاعفة في هذه السنوات التي تجري فيها في سوريا حرب أهلية، وينقل فيها بشار الاسد طوعا أو بارغام ايراني هذا السلاح الحديث الى حزب الله على ارض لبنان.
وتزداد المشكلة الدولية حدة بازاء ما أصبح سبب حرب بالنسبة لاسرائيل. فقد أوضحت بلغة لا تحتمل التأويل أنها لن تسمح بنقل وسائل قتالية حديثة الى منظمة ارهابية كحزب الله. واذا لم يكن الاسد تناول التهديد الاسرائيلي بجدية فقد جاءت هجمات سلاح الجو (بحسب مصادر اجنبية) في كانون الثاني وأيار 2013 ومنحت التهديد الاسرائيلي الصدق.
ولن يكون عند الجيش الاسرائيلي مفر لتحقيق التحذير الاسرائيلي سوى منع نشر الصواريخ الروسية التي قد تصل الى الاسد وقد تقع بعد ذلك في أيدي المنظمات الارهابية أو في أيدي ورثة متطرفين، وربما يحاول الهرب معها الى حزب الله في لبنان. إن اسرائيل التي هاجمت قوافل سلاح كهذه في كانون الثاني وأيار لن تستطيع ولن تريد الكف عن ذلك لأن الحديث عن سلاح روسي حديث. لم تشأ اسرائيل قط أن تواجه الدب الروسي حتى حينما ظهر الاتحاد السوفييتي في ميدان ‘المياه الدافئة’ في البحر المتوسط قبل اربعين سنة حاميا لمصر وسوريا. وقد تعامت اسرائيل آنذاك عن عمليات سلاح الجو السوفييتي وكان موشيه ديان هو الذي واجه قيادة الجيش الاسرائيلي التي هبت لاعتراض طائرات ‘الميغ’ التي تحدت السيطرة الاسرائيلية التامة على صحراء سيناء.
‘علينا ان نلصق الآذان بالارض وننصت الى الاصوات الآتية من مسار الفيلة’، زعم ديان آنذاك، وسمح بصعوبة كبيرة فقط بالمواجهة الجوية التي انتهت الى اسقاط الطائرات الروسية.
لم يتغير المنطق الذي وجه ديان برغم ان الواقع السياسي والعسكري مختلف. إن روسيا ليست هي الاتحاد السوفييتي الذي زال من الوجود، والعلاقات السياسية والاقتصادية بين موسكو والقدس تختلف عما كانت عليه في الماضي، وليس للجيش الاسرائيلي مع كل ذلك أي اهتمام بمواجهة عسكرية. إن عمل نتنياهو الرئيس هو ان ينقل الى بوتين رسالة مزدوجة وهي ان اسرائيل تلتزم بمنع انتقال سلاح حديث جدا الى حزب الله ونشره لاعتراض طائراتها على ارض سوريا الممزقة والتي ليس فيها حكم مركزي مستقر، ولذلك فانها ستصر على تحقيق واجبها مع كل الرغبة في الامتناع عن مواجهة عسكرية مع روسيا.
وهذه رسالة مركبة وثقيلة ومعقدة ولطيفة وكثيرة التهديدات لكن ليس عند اسرائيل شيء آخر تعرضه على بوتين. ويحتاج الكرملين ايضا الى اعادة التفكير.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
حانت ساعة النهاية
بقلم: جاكي حوري،عن هآرتس
تحطمت جميع التنبؤات واحدة بعد اخرى. منذ نشبت المظاهرات في سوريا في آذار 2011، أُثير ما لا يحصى من السيناريوهات المتعلقة بمستقبل الرئيس السوري بشار الاسد. وتحطم أكثرها كما يمكن ان نقول بعد أكثر من سنتين. فالذين قدّروا ان حكم الاسد لن يبقى أكثر من بضعة اسابيع أو أشهر معدودة في الأكثر ـ مثل زعماء سائر دول الربيع العربي ـ ظهر وهمهم. لم يتحقق النموذج التونسي ولا النموذج المصري، فلم يسقط الاسد في الميادين ولم يؤتَ به ليحاكم. وهذا ما حدث ايضا لمصير النموذج الليبي، مع عدم وجود معارضة متحدة وعدم رغبة غربية في التدخل العسكري.
لكن بعد أكثر من سنتين من حرب استنزاف بين النظام والمعارضة فان ثلاثة أحداث حدثت بصورة متوازية تقريبا في الاسبوعين الاخيرين قد تضع شروطا جديدة في الميدان وهي: المذبحة التي وقعت في مدينة بانياس غرب الدولة، والهجوم المنسوب لاسرائيل في العمق السوري وزيارة وزير الخارجية الامريكي جون كيري لموسكو.
فيما يتعلق ببانياس، اتهم وزير الخارجية التركي احمد داود اوغلو الاسد هذا الاسبوع بتطهير عرقي في غربي الدولة وذلك كما قال بغرض انشاء دولة لجوء لأبناء الطائفة العلوية. وبدأ جيش الاسد بحسب ما قال اوغلو في المنطقة بين مدينة حمص الى الشريط الساحلي، خطة التطهير بقتل وإجلاء أبناء الطائفة السنية وتأمين أكثرية علوية واضحة. وزعم وزير الخارجية التركي ان هذا هو حل الاسد الاخير بعد ان فشل في قمع الثورة بجميع الوسائل التي يملكها.
ويوافق على هذا التقدير الدكتور إيلي كرمون، الباحث في معهد سياسة مكافحة الارهاب في المركز المتعدد المجالات في هرتسليا، فهو يقول إن الاسد سيسعى الى انشاء دولة علوية بين تركيا ولبنان حدودها ساحل البحر في الغرب ومدينتي حلب وحمص في الشرق ـ مع محاولة الابقاء على ممر الى العاصمة دمشق.
ويذكر كرمون أن أكثر أبناء الطائفة العلوية مُركزون في منطقة الجبل ويضيف ان السلوك في السنتين الاخيرتين يشهد على تجميع أكبر للعلويين في ذلك المكان. ويقول إن المعارك التي تجري في منطقة الحدود الشمالية الشرقية مع لبنان تقوي هذا السيناريو ايضا لأنها تشير الى رغبة حزب الله والنظام السوري في الحفاظ على ممر الى لبنان ولا سيما في التجمعات السكنية الشيعية. وذكر مع ذلك ان امكانية ان تبقى دمشق تحت حكم الاسد في هذا السيناريو ضعيفة جدا.
إن انشاء دولة كهذه قد ينقض عُرى سورية ويجعلها دويلات، وسيريد الاكراد انشاء دولة في الطرف الشرقي الشمالي، والدروز في الجولان السوري، وبين ذلك ستقوم دولة سنية كبيرة. ومع ذلك فان الوضع الجغرافي السياسي في المنطقة، والطائفة المسيحية الكبيرة في الدولة التي لا يمكن تجاهلها ومعارضة المتمردين تجعل احتمال ان يكون هذا السيناريو حلا قائما، تجعله ضئيلا جدا.
بحسب كلام الدكتور سمير عيطة ـ وهو محرر النسخة الالكترونية باللغة العربية من صحيفة ‘لاموند’ الفرنسية، وهو معارض محسوب في مجموعة مثقفين سوريين مستقلين ـ فان معظم جهد الاسد اليوم هو جمع انجازات عسكرية على الارض قبل ان تفرض عليه القوى الكبرى حلا. ‘يدرك الاسد جيدا ان الساحة السورية أصبحت ساحة دولية’، قال عيطة في حديث مع صحيفة ‘هآرتس′. ‘إن القوى الكبرى وفي مقدمتها الولايات المتحدة وروسيا غير معنية بأن تنتقل المواجهة الى دول المنطقة ولا سيما لبنان والعراق والاردن ـ وستعمل على منع ذلك’. وقال إن الهجوم الذي نُسب الى اسرائيل في العمق السوري في نهاية الاسبوع الماضي، ‘كان اشارة خفية الى الطرفين أنهما اذا أرادا تدخلا خارجيا فان اسرائيل ستكون في هذه اللعبة ولهذا يُفضل ان يُظهر الطرفان مرونة’.
ولهذا كما يقول يمكن الاسد ان يتوجه الى تسوية سياسية بحسب الخطة التي عُرضت في مؤتمر جنيف في الثلاثين من حزيران 2012 والتي قد تكون صياغتها الغامضة فرصة ذهبية للرئيس السوري، فهو نفسه لن يُنحى فورا وفي مقابل ذلك ستنشأ حكومة وطنية يقبلها الطرفان تُنقل اليها صلاحيات الجيش النظامي وأجهزة الأمن. ويقول عيطة إن الموافقة على تسوية سياسية كهذه يمكن ان تكون حاسمة لحل الازمة. ‘سيكون رئيسا بالفعل لكن دون سيطرة على الجيش والحكومة، وستضطر المعارضة الى التخلي عن طلب تنحيه باعتباره شرطا لكل تسوية في المستقبل مقابل حكومة تحكم بالفعل’، ذكر. ‘وهذا سيتضح في المؤتمر الدولي الذي تم الاتفاق عليه بين كيري ونظيره الروسي سيرجيه لافروف في موسكو’. ومع ذلك لا يبدو في الأفق الى الآن عقد هذا المؤتمر بسبب الاختلاف في هوية المشاركين فيه.
عارضوا في المعارضة الى الآن أن يبقى الاسد في منصبه، لكن في هذه الايام مع ادراكهم أنه لا يتوقع ان يتدخل الامريكيون كما يبدو عسكريا فيما يجري في الدولة، أصبحوا يتباحثون في هذه الخطة السياسية. ويوجد امكان آخر يحاول الاسد بحسبه البقاء في منصبه الى الانتخابات الرئاسية على الأقل التي حُددت في آذار 2014 لكن هذا يبدو ضعيفا لسببين وهما: الزمن الذي سيمر حتى ذلك الحين، والصعوبة الكبيرة في اجراء انتخابات في سوريا في وضعها الحالي، وقد فُقدت السيطرة في مناطق واسعة منها.
ومهما يكن الامر فان المسؤول الكبير في المعارضة السورية الذي اعتبر واحدا من رموز المعارضة حتى في فترة حكم حافظ الاسد، يرفض السيناريوهين معا. ‘إن دولة علوية هي انتحار للاسد ـ لأنها لن تبقى في الوضع القائم ـ وأما الحل السياسي الذي يشتمل على تخلي عن السلطات ولا سيما السيطرة على الجيش فهو انتحار لن يساعد النظامُ عليه’.
وقال إن الاسد يرى سيناريو واضحا واحدا فقط، هو الرهان على الصندوق كله، وسيفعل ذلك باستعمال قوة أكبر على السكان المدنيين والمتمردين من جهة، وبابراز اخفاقات المعارضة من جهة ثانية ولا سيما سيطرة المنظمات السلفية والقاعدة على الدولة.
وذكر أن الاسد معني بسوء الوضع هذا وانتقال المعارك الى الدول المجاورة كي يضطر دول العالم الى التدخل لمساعدته. ‘يحاول الاسد ان ينشئ جبهة داخلية في مواجهة المعارضة، وهذا يعني المس بالثورة من الداخل’، يقول، ‘وذلك بتقسيم الموارد والحصول على تأييد حلقات دينية وسياسية، وبعرض اصلاحات ومحادثات، وباستعمال قوة أكبر ونيران المدافع والطائرات والصواريخ على من يعارضون، في المقابل’. ‘ويؤسفني أن المعارضة تساعده على ذلك بانقسامها ولأنها لا تنجح في تجنيد المجتمع الدولي. وكذلك ايضا قوة المنظمات السلفية وفي مقدمتها أذرع القاعدة’، ذكر ايضا المسؤول الكبير في المعارضة وأضاف ان الرد السوري الرسمي على الهجوم الذي نُسب الى اسرائيل في عمق الدولة كان ايضا جزءً من محاولته هذه، بأن عرض اسرائيل والمنظمات المتطرفة بأنها في الجانب نفسه. وقال في تقديره إن هذا الوضع قد يستمر شهورا طويلة اذا لم يحدث تدخل عسكري من الغرب يُخضع الاسد.
إن هذا التدخل قد يعيد الى الأذهان امكانا آخر عُرض في عدة فرص في السنتين الاخيرتين وهو فرار الاسد من الدولة. تعلمون ان الاسد لم يستقر رأيه بعد على خطوة كهذه، لكن حسما عسكريا للمتمردين ـ سواء أكانوا وحدهم أم بمساعدة الغرب ـ قد يغير هذا الوضع. وقد غادرت في الصيف الماضي أم الاسد أنيسة الى دبي بحسب أنباء منشورة مختلفة بعد التفجير الذي وقع في مقر الأمن القومي في دمشق ـ وقُتل فيه صهره الجنرال آصف شوكت الذي كان يسمى آنذاك أقوى رجل في سوريا، ووزير الدفاع داود راجحة ـ وذلك بعد ان بيّن التفجير الذي وقع مبلغ عمق التغلغل الى الحلقة المقربة منه. وتم الحديث في تلك الفترة عن أن الامارة الغنية ستكون هي التي ستستقبل الاسد وعائلته مع سقوط نظامه، وذُكرت فنزويلا وروسيا وايران باعتبارها خيارات فرار. لكن هذا السيناريو تبخر كغيره مع الوقت.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
من يخشى دولة ثنائية القومية؟
بقلم: موشيه آرنس،عن هآرتس
إن الخشية من انشاء دولة ثنائية القومية في ارض اسرائيل كلها يبدو أنه القوة الدافعة في اليمين واليسار، الى تقديم مقترحات كثيرة لترك تلال يهودا والسامرة لقوى ليست معروفة بقدر كافٍ ولا يتضح مستقبلها ألبتة. لكن الحقيقة هي ان اسرائيل قد أصبحت دولة ثنائية القومية يعيش فيها شعبان ، اليهود والعرب.
إن من يؤيدون انشاء دولة فلسطينية في يهودا والسامرة يعارضون ببساطة زيادة عرب آخرين على سكان اسرائيل. ويكمن وراء شعار النفاق ‘دولتان للشعبين’ شعارهم الحقيقي الذي ليس هو سليما من جهة سياسية وهو ‘لا عربي آخر ألبتة’.
عرف الصهاينة جميعا منذ ايام ثيودور هرتسل انه سيكون عدد كبير من المواطنين العرب في الدولة اليهودية التي ستنشأ، وكان شرط انشاء دولة يهودية كما قال زئيف جابوتنسكي أن توجد أكثرية يهودية. لكن ما مبلغ كبر هذه الأكثرية؟ وكم ستكون الأقلية العربية في داخل حدود الدولة دون ان يُبطل ذلك صبغتها اليهودية؟ ولا يوجد جواب كمي عن هذا السؤال. هل أقلية عربية تبلغ 17 في المائة كما هي الحال اليوم هي الحد الأعلى؟ أم ربما 20 في المائة، وهو ما سيحدث اذا أراد كل السكان العرب في شرقي القدس الحصول على جنسية اسرائيلية؟ وهل سيكون 30 في المائة اجتيازا للحد الأعلى؟ وكيف ستتغير النسبة العددية بين اليهود والعرب في الدولة على مر الزمن؟ وبأي قدر يمكن الاعتماد على التنبؤات السكانية؟ وهل تتوقع هجرة كبيرة؟.
ما هي المخاطرات التي يجب ان نخاطر بها اذا أخذنا في الحسبان كل الاسئلة التي لا توجد عنها اجابة محققة؟
هل علينا ان نترك الى الأبد أجزاءً كبيرة من يهودا والسامرة ونقتلع عشرات آلاف الاسرائيليين من بيوتهم؟
أو ربما نخطط لشمل اراضي يهودا والسامرة في دولة اسرائيل ونوافق على قبول العرب الذين يعيشون فيها مواطنين في الدولة؟ وكم بقي لنا من الزمن لجمع معطيات كي نضائل عوامل عدم اليقين التي تغطي على تنبؤنا بالمستقبل، الى ان نضطر الى اتخاذ قرار مصيري بهذا القدر؟ وهل يعمل الزمن في مصلحتنا أو في غير مصلحتنا؟.
وفي اثناء ذلك ينبغي ان نعمل اعمالا تُحسن الوضع على كل حال وإن لم نعلم على نحو دقيق النتيجة في المستقبل وهي ان نتقدم نحو إدماج المواطنين العرب في المجتمع الاسرائيلي، وتشجيع الهجرة الى البلاد. وإن مقدار إدماج الأقلية العربية متصل اتصالا مباشرا بسؤال هل يمكن ان تعيش أقلية كبيرة في سلام في اسرائيل. إن أقلية تتنكر للدولة وتعادي ما تمثله هي مشكلة. أما الأقلية التي تندمج فيها جيدا وتراها بيتها فيمكن ان تكون كنزا.
برغم معارضة جهات عربية متطرفة كالحركة الاسلامية، توجد علامات في السنوات الاخيرة على اندماج كثيرين من العرب تدريجيا في المجتمع الاسرائيلي. ويتم ذلك بصورة عفوية بلا مساعدة كبيرة من الحكومة. وكان يمكن التقدم أكثر في هذا الشأن لو ان الحكومة تبنت هذه المهمة لتكون هدفا ذا أفضلية رفيعة. وقد يتضح مع الوقت ان المشكلة السكانية تختلف عما تُعرض عليه اليوم.
أما الوجه الآخر للمسألة السكانية فهو الهجرة. جاء المهاجرون الى اسرائيل في الماضي من دول كانت الطوائف اليهودية فيها في أزمات. وسيُجذب المهاجرون في المستقبل الى هنا بحسب ما يوجد عند الدولة تقترحه لا عن طموح الى اللجوء. إن تقدم اسرائيل الاقتصادي الكبير في العقد الأخير جعلها ارض فرص ومستوى العيش فيها مرتفع كالمستوى في كثير من الدول التي فيها عدد كبير من السكان اليهود. فهل تمكن مضاعفة معدل الهجرة الحالي الذي هو الآن نحو من 20 ألف مهاجر كل سنة؟ وهل يمكن ان يهاجر نصف مليون يهودي الى اسرائيل في السنوات العشر القادمة؟ قد يكون هذا ممكنا اذا تبنت الحكومة سياسة أكثر فاعلية لدفع الهجرة الى الأمام.
وربما يكون الزمن الى جانبنا مع كل ذلك.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
زيادة في رداء تقليص
بقلم: اليكس فيشمان،عن يديعوت
خرج لبيد من المعركة على ميزانية الأمن مع شعور طيب لكن بوغي خرج مع المال.
هكذا الحال عندنا: في اللحظة التي يُجيز فيها المجلس الوزاري المصغر للجيش الاسرائيلي خطة عمل لخمس سنوات، يعلن في الحقيقة أن ميزانية الامن ستكون أكبر من الميزانية التي تظهر في الكتب. وهذه حقيقة تاريخية ـ اقتصادية لا تمكن مجادلتها. وفي السنوات الخمس ستوجد تحولات أمنية وتحولات اقتصادية وتحولات سياسية واجتياحات وعمليات عسكرية كبيرة وأنصاف حروب واستعدادات ـ وستعبر ميزانية الامن عنها كلها وهي التي ‘ستلائم نفسها’.
لا يُحتاج هذه المرة حتى الى انتظار تغييرات سياسية ـ أمنية مصيرية ـ لأن المجلس الوزاري المصغر وافق أمس في واقع الامر على زيادة نحو من 11 مليار شيكل على ميزانية الامن في السنوات الخمسة القريبة. كيف حدث ذلك؟ إنه بسيط جدا: فقد كانت ميزانية الامن لسنة 2012 تقف، من غير العناصر الخارجية كارتفاع الاسعار أو الأرباح من مبيعات الصناعات الامنية، على 54 مليار شيكل. وأعلن نتنياهو أنه سيقتطع في السنة القادمة 3 مليارات شيكل وهكذا ستقف الميزانية في 2014 على 51 مليار شيكل. بيد ان المجلس الوزاري المصغر وافق للجيش الاسرائيلي على ميزانية لخمس سنوات تُقسم على النحو التالي: 52 مليار شيكل في 2015، و55 مليار شيكل في 2016، و57 مليار شيكل في 2017 و59 مليار شيكل في 2018. وهكذا تعرض الخطة المتعددة السنوات في واقع الامر زيادة 4 مليارات شيكل في السنوات الخمس القريبة على ميزانية الامن في رداء اقتطاع 3 مليارات شيكل ـ واقتطاع 5 مليارات شيكل في السنتين القادمتين لكن مع زيادة 9 مليارات شيكل في السنوات الثلاث التي ستليها. وهذا بحسب الميزانية التي تمت الموافقة عليها في الكتب.
وكذلك يوجد على هذا الأساس زيادات آلية هي بمنزلة ارتفاع اسعار في الجهاز الاقتصادي، وليس الحديث فقط عن زيادة غلاء على الأجور سيحصل عليها العسكريون ككل عمال الدولة. إن لوزارة الدفاع امتيازا وهو أنها الوزارة الوحيدة التي تحصل على تعويض من ارتفاع الاسعار من اجل الشراء. ومع افتراض ان الحديث عن معدل تضخم يبلغ 3 في المائة في السنة فان ميزانية الأمن قد وُعدت بزيادة نحو من 7 مليارات شيكل. وهكذا بلغنا الى زيادة 11 مليار شيكل، ولم نتحدث بعد عن توترات محتملة مع ايران أو مع سوريا، أو عن فرص شراء نادرة توجب زيادات على الميزانية.
والى ذلك ايضا استقر رأي المجلس الوزاري المصغر على عدم المس بأجور أصحاب الخدمة الدائمة، لا مخصصات التقاعد ولا شروط ترك العمل. وفي هذه الحال لا سبب يدعو الجيش الى تغيير خطة عمله المتعددة السنوات. قد تكون 2014 أقل لطفا لكن هذا كل شيء. إن ميزانية المساعدة الخارجية الامنية أصلا مستعبدة منذ زمن لكل خطة العمل المتعددة السنوات القريبة بسبب شراء طائرات ‘اف35′ والاستعداد لشراء تشكيلة طيران ثالثة في الخطة المتعددة السنوات التي ستليها.
إن ميزانية الامن تسير في صعيدين مختلفين: صعيد الكنيست التي تسن القوانين وتوافق على الميزانية، وصعيد خطة العمل المتعددة السنوات للجيش الاسرائيلي الذي يمكن ان نسميه ايضا ‘صعيد الاتصالات’ بالصناعات الامنية.
وسيمكن في صعيد قانون الميزانية ان نرى اقتطاع 3 مليارات شيكل ويكون الجميع راضين. أما في صعيد الاتصالات في المقابل فان هذا الرقم غير ذي موضوع لأن الجيش يخطط الشراء لنفسه لخمس سنوات ويستطيع ان يقرر ان يشتري في 2014 بمبالغ تؤدي بالميزانية الى 57 مليار شيكل وأن يغير فقط ترتيب الدفعات. وبهذا المعنى فان الاقتطاع الحالي من الميزانية الامنية ليس أكثر من حيلة مالية والتي ستدفع الثمن هي الصناعات الامنية الصغيرة والمتوسطة التي تستعمل آلاف العمال، والتي ستضطر الى مواجهة تأجيل الدفعات سنتين والى مواجهة ‘قروض جسر’. ستكون هناك إقالات، لكن ما العجب؟ أليسوا أصلا من الطبقة الوسطى؟ فليدفعوا اذا.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
التقليص الذي لم يكن
بقلم: عمير ربابورت،عن معاريف
كيف يعقل ان يخرج الجميع راضين من النقاش الماراثوني عن ميزانية الدفاع؟ لقد حصل هذا لان الجميع يخدعون: وزارة المالية لم تتوقع حقا تقليص 4 مليارات شيكل، أما الجيش الاسرائيلي ووزارة الدفاع فلم يتكبدا حقا تقليصا بـ 3 مليار شيكل في السنة مثلما أعلن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بسيماء متكدرة.
إذن ما الذي حصل؟ الجيش الاسرائيلي سيجتهد ليوفر بعض المال هنا وهناك، وبالاساس سيلعب بحساب البنك (دفعات تنتقل من السنتين القادمتين الى السنوات التالية لهما)، بحيث أن ما سيكون ـ الجيش الاسرائيلي سيواصل التصرف بالضبط حسب خطته متعددة السنوات.
كي نفهم معنى القرار الذي اتخذ يجب أن نذهب سنتين الى الوراء. عمليا، يتصرف الجيش دون خطة متعددة السنوات منذ الخطة الخماسية السابقة له، ‘تيفن’، والتي انتهت في العام 2011.
في ذروة العام 2011 اعدت في الجيش الاسرائيلي خطة ‘حلميش’ للخماسية التي كان يفترض أن تبدأ في 2012، ولكنها سحبت بسبب الاحتجاج الاجتماعي. وفي السنة الماضية اعدت في هيئة الاركان خطة ‘عوز′ التي كان يفترض أن تبدأ في كانون الثاني 2013، ولكن هي ايضا سحبت ظاهرا بسبب تقديم موعد الانتخابات.
ما حصل في الاشهر الخمسة الاولى من هذا العام هو أن الجيش الاسرائيلي واصل العمل حسب القسم النسبي من ميزانية الدفاع من العام 2012 54 مليار شيكل، رغم أن المالية طالبت بتخفيض 4 مليار شيكل على الميزانية. وادعى جهاز الامن بان مثل هذا التقليص غير معقول.
حسب المواقف الاولية كان يفترض ان تدور هذا الاسبوع رحى حرب عالمية في غرفة مداولات المجلس الوزاري. اما عمليا فالطرفان المعاديان ـ المالية والجيش الاسرائيلي فقد عقدا اتفاقا غير محرر بموجبه لا يشهران الواحد بالاخر ولا يطلقان الى الاعلام معطيات وهمية، كما هو دارج في كل سنة مداولات على الميزانية. وبدلا من حرب العناوين في الصحف، جرى في الحكومة نقاش موضوعي عرض فيه قادة الجيش وعلى رأسهم رئيس قسم التخطيط، اللواء نمرود شيفر، خطة ‘عوز′.
لم تكن للوزراء أي امكانية لفحص المعطيات التي عرضها الجيش الاسرائيلي في العروض الالكترونية المستثمر فيها جيدا ولا الارقام التي القتها المالية في الفضاء. إذن لماذا ذكرت المالية مبلغ 4 مليارات شيكل؟ اساسا كي يكون لها ما تساوم عليه. ولماذا بدا قادة الجيش امس مسرورين؟ لان التقليص العميق الذي اعلن عنه بعيد عن أن يكون حقيقيا.
ما اتفق عليه أمس هو أن تبلغ ميزانية الدفاع هذه السنة 52.5 مليار شيكل، وفي 2014 ستكون 51 مليار شيكل، ولكن في السنوات التالية لذلك ستزداد بشكل تدريجي: 52 مليار شيكل في 2015، 55 مليار شيكل في 2016، 57 مليار شيكل في 2017 و 59 مليار شيكل في 2018. عمليا، صادق الجيش الاسرائيلي أمس في الحكومة على خطة التسلح ‘عوز′ بكاملها تقريبا.
وخدعة اخرى: المالية والجيش على حد سواء عرفا أمس بانه لا يمكن الاعتماد على الصيغة متعددة السنين لميزانية الدفاع، التي اتفق عليها ظاهرا أمس. فبعد ثلاث أو أربع سنوات بالتأكيد سيكون وزير مالية يطالب مرة باخرى بالتقليص. ومن جهة اخرى، في الجيش الاسرائيلي أيضا يعرفون بان الميزانية الرسمية التي اتفق عليها هي أيضا جزء فقط من الصورة. فالجيش الاسرائيلي سيحصل في كل سنة على علاوات خاصة خارج الميزانية. مثلا: في الخمس سنوات القادمة سيحصل الجيش الاسرائيلي على 3 مليار شيكل اخرى لشراء سفن ووسائل بحرية اخرى لغرض حماية ابار الغاز. واذا كانت حرب، فستأتي علاوات خاصة.
بقينا مع خطة ‘عوز′ التي تنطلق على الدرب. ما الذي ستتضمنه بعد قرارات أمس؟ في السنتين القادمتين سيقلص الجيش الاسرائيلي قليلا كمية التدريبات وتجنيد الاحتياط. وسيكمل اقالة 4 الاف من رجال الخدمة الدائمة من الوحدات البرية اساسا، الى جانب استيعاب الف من رجال الخدمة الدائمة الشباب. وسيغلق وحدات برية مع وسائل قتالية قديمة. من جهة اخرى سيواصل تطوير وانتاج دبابات مركباه ومجنزرات من طراز ‘نمر’ حديثة وبكميات محدودة. كما أن تطوير وانتاج الطائرات بدون طيار لن يتضررا.
لقد أصر وزير الدفاع ورئيس الاركان على عدم المس بشروط الخدمة والتقاعد لرجال الخدمة الدائمة وسيواصلان وضع سلاح الجو ووسائل الانصات والاستخبارات في رأس سلم الاولويات وكذا ايضا القتال الالكتروني ‘السايبر’.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
الجيش هو اقوى نقابة عمال باسرائيل
بقلم: يوآف ليمور،عن اسرائيل اليوم
أن المعطى الأكثر تشجيعا في الجدل الذي انتهى أمس في ميزانية الامن (الى المرة التالية) هو أن وزارتي المالية والدفاع نجحتا في التصرف من اجل التغيير في نضج. بلا حيل دعائية وبلا سكاكين وبلا ألاعيب قذرة. فقد كان التباحث موضوعيا وناجعا وأعلن الطرفان في نهايته أنهما يحترمان الاتفاق الذي تم احرازه (الى المرة التالية).
وبعد ان قيل هذا الكلام نبقى مع التفصيلات. تكشف هذه مرة اخرى عن ان الجيش الاسرائيلي هو أقوى نقابة عمال في دولة اسرائيل. فلا يوجد مس بحقوق ولا يوجد تغيير لشروط التقاعد ولا يوجد تغيير لسن ترك العمل. ويا لسهولة الأمر، فقد أعلن رئيس هيئة الاركان تحت جنح الظلام انه مستعد هو وهيئة القيادة العليا للاقتطاع بتطوع لنسبة من أجورهم بشرط ان يفعل مثلهم قادة الجهاز العام. ومن العجب ان لا أحد من كبار مسؤولي المالية تطوع للانضمام اليهم وسقط الاقتراح ومعه المس بأجور أصحاب الخدمة الدائمة والشروط المصاحبة.
ما الذي تم الاتفاق عليه اذا؟ تم الاتفاق على اقتطاع ما معقول من ميزانية الامن التي تُظهر شيئا وتخفي شيئين.
واتفق الطرفان على ان أساس التباحث هو ميزانية الامن في 2012 وهي 54 مليار شيكل. وسيُقتطع من هذه الميزانية مليار ونصف مليار شيكل هذه السنة، وثلاثة مليارات شيكل في السنة القادمة، وآنذاك ستبدأ زيادة تدريجية على الميزانية حتى سنة 2018 وهي السنة التي ستبلغ فيها ميزانية الامن رقما قياسيا وهو 59 مليار شيكل.
ويدل الحساب البسيط على انه بخلاف الاعلان الرسمي فان الاقتطاع السنوي لثلاثة مليارات شيكل من أساس الميزانية غير موجود هنا بل توجد زيادة في السنوات الخمس ونصف السنة حتى نهاية 2018 حيث سيُزاد على ميزانية الامن 2.5 مليار شيكل.
إن الاتفاق يُمكّن المالية من الانطلاق في طريقها مع خطة الاقتطاعات الكبيرة مع علم بأن الجيش الاسرائيلي يشارك فيها بنصيب. أما بالنسبة لوزارة الدفاع فتم الحفاظ على اطار ميزانية معقول يُمكّن من تأسيس خطط متعددة السنين مستقرة مع خيار ارتباطات بعيدة الأمد، وأهم من ذلك ـ مع عودة الى خطة بروديت.
قلنا من قبل انه اتفاق معقول، لكن يوجد الى جانبه تنبيها تحذير:
1 ـ ستحدث ثورة حقيقية فقط اذا نفذ الجيش الاسرائيلي خططه بتغيير بنيوي عميق في الجيش البري، ويشمل ذلك حل أطر قتالية واقتطاعا حادا من عدد من يخدمون الخدمة الدائمة مع تقديم نظم تقنية متطورة في المقابل توجب صرف ميزانيات اليها وقوة بشرية مختصة.
2 ـ تقتضي السنة ونصف السنة القريبان اللذان سيكون الاقتطاع فيهما حقيقيا وعميقا، خفضا ما للتدريبات والاحتياطيات في المستودعات والخدمة الاحتياطية، وهذه مخاطرة محسوبة لكنها توجب رقابة وثيقة ـ داخلية وخارجية ـ للتحقق من ألا نجد أنفسنا في هذا الوضع القابل جدا للانفجار في الشرق الاوسط ندفع ثمنا باهظا عن التوفير.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
مرة اخرى يطلقون علينا مبادرة سلام
بقلم: ايلي فوده،عن هآرتس
أحد الادعاءات التي طرحت في الجانب الاسرائيلي منذ اندلاع ‘الربيع العربي’ هو ان مبادرة السلام العربية التي نشرت لاول مرة في اذار 2002 في قمة الجامعة العربية، لم تعد ذات صلة. ولكن الاعلان الاخير الذي صدر عن أعضاء لجنة المتابعة في الجامعة العربية، إثر لقائهم بوزير الخارجية الامريكي جون كيري بشأن تمسكهم بالمبادرة، يدحض تماما هذا الادعاء الاسرائيلي. وليس هذا وحسب، فقد اضاف اعضاء لجنة المتابعة تنازلات في الموقف العربي، إذ أعربوا عن الاستعداد باجراء تعديل متفق عليه على حدود 67.
لقد كان رد الفعل الاسرائيلي حتى الان مخيبا جدا للامال. فرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو امتنع عن التطرق للمبادرة. وكان رد فعل ‘محافل سياسية’ في القدس باردا للغاية، بل ولم يتطرق مباشرة الى الاقتراح العربي. ردود فعل أكثر ايجابية جاءت من جانب رئيس الدولة، شمعون بيريس، ووزيرة العدل تسيبي لفني، ولكنهما الاثنان أعربا عن موقف ايجابي منذ المباحثات السابقة على المبادرة، وبالتالي فلا يوجد ما هو جديد في ذلك. النقطة الهامة هي اختراق تحصينات موقف الرفض الاسرائيلي واقناع الجمهور، وكذا اصحاب القرار، بان مبادرة السلام العربية، حتى في صيغتها الحالية، تتضمن عناصر ايجابية لاسرائيل يمكنها أن تكون اساسا مناسبا لاختراق الطريق السياسي المسدود مع الفلسطينيين ومع العالم العربي باسره.
منذ عرضت المبادرة تناولها معظم اصحاب القرار والجمهور في اسرائيل بشك واشتباه. وهذا الموقف ليس نتيجة دراسة عقلانية للامكانيات الكامنة في المبادرة. هذا رد فعل عاطفي: فالعالم العربي والاسلامي يتصل عندنا بشكل عام بصور التهديد والخطر: وعندما ‘يطلقون’ علينا مبادرة سلام فاننا لا نعرف كيف نرد. السلوك العدواني من الطرف العربي يعتبر في نظرنا متوقعا ومنطقيا، اما السلوك المتصالح فيثير تساؤلات على دوافعه وشكوك على مصداقيته.
أحد المقاييس الهامة لفحص مدى جدية الطرف الاخر هو الاصرار والعناد الذي يبديه في مواقفه. فأنور السادات مثلا بدأ ‘هجوم السلام’ الذي شنه منذ العام 1971، حين كانت الذروة في زيارته الى القدس في العام 1977. وعشية الزيارة كان هناك من لا يزال يعتقد بان هذه مجرد حيلة عربية اخرى. بتعبير آخر، كان التوقيع على اتفاق السلام مع مصر في 1979 وليد ثمانية سنوات استمرت فيها المحاولات المصرية للوصول الى السلام. ومبادرة السلام العربية هي الاخرى تجمع حتى الان 11 سنة من الغبار. حقيقة أن الجامعة العربية عادت لتصادق على المبادرة كل سنة في لقاءاتها، هي دليل على أنها ثابتة في موقفها.
لشدة الاسف، اسرائيل هي الاخرى ثابتة في موقفها، ولكن في الاتجاه المعاكس. فهي تواصل الاصرار على عدم رؤية المبادرة كاساس هام في احداث اختراق سياسي مع كل العالم العربي، وتواصل البحث على عناصر سلبية في صيغته.
تعرض المبادرة على اسرائيل فضائل عديدة: اولا، اعتراف وشرعية من جانب المحيط الاقليمي العربي؛ ثانيا، امكانية التعاون مع جهات عربية في مواجهة مخاطر اقليمية مشتركة مثل ايران، محافل الارهاب مثل القاعدة بل وحتى منظمات شيعية كحزب الله؛ ثالثا، في ضوء الانقسام في المعسكر الفلسطيني بين فتح وحماس، تعرض المبادرة على ابو مازن ‘مظلة’ تمنحه شرعية عربية للتنازلات في المسائل المعقدة للقدس واللاجئين؛ واخيرا، تحسين مكانة اسرائيل في الساحة الدولية مثلما ايضا في اوساط منظمات المجتمع المدني في العالم العربي، التي تؤدي اليوم دوما أهم مما في الماضي في تصميم الخطاب السلطوي. التغيير الوحيد يتعلق باخراج سوريا من دائرة محتملة للمفاوضات في ضوء الحرب الاهلية الجارية فيها. ولكن سوريا، التي طردت من الجامعة، لا يمكنها أن تدق العصي في عجلات المبادرة، مثلما فعلت في الماضي.
ان إقرار المبادرة العربية من اعضاء لجنة المتابعة في الجامعة، ولكن بشكل خاص الموافقة الجديدة على تعديلات طفيفة في حدود 67 هما أمران هامان للغاية، لانهما يظهران بان الطرف العربي ثابت في موقفه رغم عدم الاستجابة المواظبة من الجانب الاسرائيلي. ومنذ نشرت، رفض العرب ادخال اي تعديلات ـ حتى وان كانت طفيفة ـ على المبادرة، وذلك لانهم رغبوا في ان يحصلوا أولا على رد ايجابي رسمي من حكومة اسرائيل. وقد قالوا مرات عديدة ان ‘الكرة توجد في الملعب الاسرائيلي. ولهذا فيجب أن نرى في التعديل تعبيرا عن بادرة طيبة ترمي الى ان تكون حافزا جذابا لاسرائيل. اما عدم الاستجابة، او اظهار اللامبالاة من جانب اسرائيل تجاه العرض العربي، فسيكون خطأ لانه يتعارض ومصالحها. ان مثل هذا السلوك سيشكل اهانة للطرف العربي وسيعزز الاصوات الداعية الى سحب المبادرة عن جدول الاعمال السياسي بسبب عناد اسرائيل.
ان قصة مبادرة السلام العربية هي قصة تفويت متواصل للفرصة من جانب اسرائيل. بعد حرب لبنان الثانية نشأ زخم ادى الى احياء المبادرة: ايهود اولمرت من جهة وبيرس من جهة اخرى كانا هما من قادا التغيير، ولكنه اختفى مع انتخاب حكومة نتنياهو ـ ليبرمان التي عارضت المبادرة بشدة. تحت قيادة وزير خارجية نشط يعين لتوه في منصبه، فان مبادرة السلام العربية قد تكون في بداية زخم جديد، الكرة بالفعل توجد في الملعب الاسرائيلي؛ حان الوقت لقبول التحدي ورد الحرب عفوا، السلام.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ


رد مع اقتباس