النتائج 1 إلى 1 من 1

الموضوع: اقلام واراء عربي 402

مشاهدة المواضيع

  1. #1

    اقلام واراء عربي 402

    اقلام واراء عربي 402
    19/5/2013

    في هذا الملــــف:
    مفاوضات الدولة الفلسطينية
    بقلم: ناجي صادق شراب عن الخليج الاماراتية

    بكين تحاول حل القضية الفلسطينية! لماذ؟ وكيف؟
    بقلم: عبداالله المدني عن الأيام البحرينية

    القضية الفلسطينية في خطر!
    بقلم: حسين عطوي عن الوطن القطرية

    القدس.. مشاهد دموية من التاريخ
    بقلم: علي سالم عن الشرق الأوسط

    النظام السوري يستنسخ النموذج الإسرائيلي
    بقلم: خالد الدخيل (كاتب وإعلامي سعودي) عن الحياة اللندنية

    العرب... خواطر الربيع والنكبة
    بقلم: خالد شوكات (كاتب تونسي) عن السياسة الكويتية
    إسرائيل تأمر العالم... فيركع
    بقلم: حمود الحطاب عن السياسة الكويتية

    لم يتعلم الإسلاميون شيئاً
    بقلم: عبدالله إسكندر عن الحياة اللندينة

    على جانبي الضفة السورية ـ الفلسطينية
    بقلم: باسل أبو حمدة (كاتب فلسطيني) عن القدس العربي

    عائلة من أجل فلسطين: الأشقّاء عبدالله
    بقلم: أسعد أبو خليل عن الأخبار البيروتية

    روسيا والمحادثات "الإسرائيلية" والأمريكية
    بقلم: د. رحيّل غرايبة عن العرب اليوم الأردنية

    ما وراء الأخبار.. هل ثمة عاقل؟!
    بقلم: شارل كاملة عن تشرين السورية

    من الواقع: أســئلة حـــول سياسة الحكم في مصر
    بقلم: محمد فودة عن المساء الجزائرية

    جمع التوقيعات ليس خروجا على الشرعية والدستور
    بقلم: حافظ أبو سعدة عن اليوم السابع المصرية



    مفاوضات الدولة الفلسطينية
    بقلم: ناجي صادق شراب عن الخليج الاماراتية
    المشكلة لا تكمن في السلام أو في المفاوضات، أو في تعديل المبادرة العربية، أو حتى القبول بمبدأ تبادل الأراضي، المبادرة العربية واضحة ولا تحتاج إلى تأويل . السلام مع “إسرائيل” مقابل قيام دولة فلسطينية فقط، وانسحاب “إسرائيل” من أراضي الدول العربية التي تحتلها، ومن دون التزام بأية قضايا أخرى بما فيها قضية اللاجئين الفلسطينيين . وبعدها يمكن تصور قيام علاقات مع “إسرائيل” .
    باختصار الذي يهم العرب فقط هو التزام “إسرائيل” بهذا الانسحاب وهو ما يشكل الحد الأدنى للمطالب العربية، مقابل تقديم أعلى درجات التنازل .
    ومع التسليم باستحالة الوصول إلى صيغة سلام نهائية لأن البيئة السياسية بكل مستوياتها ومعطياتها ومتغيراتها على مستوى كل الأطراف الرئيسة في هذا الصراع ليست على استعداد أو ليس لديها القدرة على اتخاذ قرار بالسلام ينهي الجذور التاريخية للصراع العربى - “الإسرائيلي”، ومع التسليم أيضاً بعدم جدوى المفاوضات في ضوء تجربة تفاوض تزيد على عشرين عاماً كان يمكن خلالها الوصول إلى تسوية سياسية قد تقود لعملية سلام بعيدة الأمد، رغم كل ذلك هل توافق “إسرائيل” على ما تعرضه المبادرة العربية من سلام وعلاقات واعتراف يصل إلى حد الاعتراف بيهوديتها؟
    ولتوضيح الأمر أكثر ماذا لو تصورنا قبول “إسرائيل” بالمبادرة العربية، وقيام دولة فلسطينية؟ وبعد ذلك ماذا لو أعادت “إسرائيل” تسمية نفسها “دولة يهودية”؟ هل يتم سحب اعتراف العرب وحتى الفلسطينينن بها كدولة؟ هذا الاحتمال غير وارد . أعود إلى القول إنه في ضوء كل هذه التحولات لا يبدو أن “إسرائيل” مستعدة للذهاب أبعد من موقفها من المبادرة ومن قيام الدولة الفلسطينية . والذي لا يشجع على إحياء عملية السلام أن كل الأطراف غير مهيأة . الطرفان الرئيسان، الفلسطينيون من ناحيتهم منقسمون على أنفسهم وأولوية الحكم تسبق حتى أولوية قيام الدولة الفلسطينية وأولوية المفاوضات وعندهم استعداد للتعايش والتكيف مع هذا السيناريو القائم لأنه لا يلزمهم بتقديم تنازلات سياسية قد تفقدهم مصداقيتهم السياسية، وهذا ينطبق على الجميع . و”إسرائيل” تحكمها حكومة متشددة تتبنى الاستيطان، وفكر الدولة الفلسطينية يتعارض مع الفكر الليكودي، ولو اضطرت للذهاب للمفاوضات فستضع شروطاً ومطالب ستكون خارج إرادة الفلسطينيين للقبول بها خصوصاً شرط الدولة اليهودية .
    وأما الأطراف الأخرى، العربية منها لم تعد القضية الفلسطينية قضية أمن عربى، ولم تعد أولوية سياسية للدول العربية، فكلها بما فيها دول التحول العربي منشغلة بقضاياها الداخلية، وبتهديد تفتيت كياناتها السياسية، وهي لن تعارض أي تسوية سياسية يقبل بها الفلسطينيون . وأما الولايات المتحدة ورغم أنها ما زالت تفرض نفسها الراعي الأول لأي عملية سياسية، ولأي مفاوضات فأولوياتها لم تعد كقوة عظمى تنحصر في التوغل في هذا الصراع، وقد تفضل سيناريو فرض الأمر الواقع وخصوصاً على الجانب الفلسطيني الذي قد لا يرى مخرجاً إلا بالذهاب للمفاوضات والقبول بمفاوضات الدولة الفلسطينية فقط .
    الأولويات باتت غير القضية الفلسطينية، أولوية للملف النووي الإيراني والأزمة السورية، وأولوية ملف تحولات الربيع العربي وتداعياته . ولا ننسى أولويات القضايا الداخلية التي تمس وجود الولايات المتحدة كدولة أحادية مهيمنة على القرار الدولي . تبقى لهذه الدولة ثوابتها وأهمها الحفاظ على بقاء أمن وبقاء “إسرائيل”، ولذلك لا مانع لديها من قيام دولة فلسطينية تقبل بأمن “إسرائيل” ومنها إلى الاعتراف ب “إسرائيل” كدولة يهودية من قبل بقية الدول العربية .
    الذي يدفع للعودة لخيار التفاوض هو الإدراك الأمريكي والعربي والفلسطيني و”الإسرائيلي” أن هناك فرصة تاريخية يمكن أن تقوم بها الولايات المتحدة في السنوات المتبقية للرئيس الأمريكي الذي ليس في حاجة لإضافة إنجاز تاريخي جديد له في تاريخ سجل الرؤساء الأمريكيين العظام . ومع ذلك لا ضرر من إنجاز جديد على مستوى الصراع العربى - “الإسرائيلي”، وهنا لا ضرر من الدفع في اتجاه المفاوضات، ودفع كل الأطراف لتسوية سياسية قد تتحقق بفعل العوامل والمعطيات الجديدة، وهي رغم أنها ليست معطيات سلام حقيقي إلا أنها معطيات سلام “إسرائيلي” .

    في هذا السياق يأتي التحرك الأمريكي، الذي حدد الرئيس الأمريكي أوباما خيوطه في زيارته الأخيرة لرام الله وتل أبيب عندما طالب بقبول دولة فلسطينية، مقابل أمن وبقاء “إسرائيل” . والشرط الأخير يضطر الكثير من الفلسطينيين والعرب أن يقدموه ل “إسرائيل” . والسؤال هل الطرفان مستعدان لذلك؟

    بكين تحاول حل القضية الفلسطينية! لماذ؟ وكيف؟
    بقلم: عبداالله المدني عن الأيام البحرينية
    حل مؤخرا في بكين الرئيس محمود عباس في أول زيارة له إلى الصين كرئيس للسلطة الفلسطينية، وكأول زعيم عربي يزورها منذ إنتخاب رئيسها الجديد «شي جينبينغ». وفي وقت متزامن تقريبا بدأ رئيس الحكومة الإسرائلية «بنيامين نتنياهو» زيارة مماثلة للصين. تفاجأ مراقبون كثر بالحدثين، فراحوا يتساءلون عما إذا كان ذلك قد تم بمحض الصدفة، أو أن القيادة الصينية قد رتبت لها عمدا؟
    الاحتمال الثاني هو الأقرب بالطبع. فالصينيون المغضوب عليهم جماهيريا في العالم العربي بسبب موقفهم المؤيد لنظام الأسد في سوريا، ثم محاولاتهم السرية المستمرة لمساعدة طهران لإنقاذها من العقوبات الدولية المفروضة عليها بسبب برنامجها النووي، ناهيك عن مواقفهم المخجلة من ثورة الشعب الليبي ضد نظام العقيد، يحاولون اليوم تجميل صورتهم عبر إتخاذ زمام المبادرة لإيجاد حل لقضية الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، بعدما تقاعسوا عن ذلك طويلا. ويأتي هذا التوجه الصيني في وقت يتراجع فيه اهتمام الأمريكيين بمنطقتي الشرق الأوسط والبحر الأبيض المتوسط وقضاياهما لصالح الإهتمام بمنطقتي الشرق الأقصى والمحيط الباسيفيكي، بحسب السياسات الخارجية المعلنة لإدارة أوباما.
    وتظل هذه هي الحقيقة، مهما ادعت بكين أن ما دفعتها للتحرك من أجل إخراج عملية السلام بين الفلسطينيين والصينيين من حالة الجمود التي تعيشها منذ أكثر من أربعة أعوام هو مسئوليتها كعضو دائم في مجلس الأمن الدولي، ومهما زعم مسئولوها أن تحركهم جاء تطبيقا لسياسة خارجية جديدة رسمها الرئيس «جينبينغ» للعب دور أكبر في الشأن الدولي يتناسب مع المكانة التي بلغتها بلاده.
    أما الأمر الآخر الذي يغفل عنه الكثيرون في سياق الأسباب التي دعت الصينيين للتحرك فهو المخاوف التي تساورهم من الحالة الزئبقية التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط اليوم، والتي قد تفقدهم كل مصالحهم فيها.
    وبعبارة أخرى فطالما أن إيران محاصرة بعقوبات إقتصادية ولا يمكن التعامل معها إلا سرا خوفا من تعرض المصالح الصينية مع دول مجلس التعاون الخليجي للخطر، وطالما أن عراق ما بعد صدام في حالة من عدم الاستقرار والتفسخ، والتفاهم مع تركيا صعب بسبب دعمها لإنفصال مقاطعة «تركستان الشرقية»، وسوريا تعيش حربا مدمرة، وليبيا غير مستتبة أمنيا، ومصر لم يعد لها تأثير بسبب ثورتها التي لم تجلب لها سوى الهزال والكوارث، وطالما أنه لا مكان للصين أن تسرح وتمرح كما تشاء في منطقة الخليج المعروفة تقليديا بارتباطها بالإستراتيجية الغربية، فلماذا لا تراهن بكين على إسرائيل مثلا؟
    صحيح أن إسرائيل دولة صغيرة نسبيا، ولا تملك النفط والمعادن التي يسيل لها لعاب الصينيين، لكنها في المقابل دولة متطورة تكنولوجيا ومتقدمة إقتصادية، وتملك مراكز ومؤسسات بحثية عالية الكفاءة، وبالتالي فإذا ما تمكنت الصين من إيجاد صيغة تنهي بها الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي فإن ذلك سوف يزيد الدولة العبرية قوة ومكانة ويجعلها ثمرة يمكن للصين أن تستفيد منها علميا وتكنولوجيا وصناعيا وتجاريا وسياحيا.
    ومن هنا لم يكن غريبا أن يطرح الرئيس «جينبينغ» أثناء زيارة الرئيس عباس ونظيره الاسرائيلي نتنياهو للصين خطة سلام لحل القضية الفلسطينية مكونة من خمسة مبادئ:
    • اقامة دولة فلسطينية مستقلة.
    • المفاوضات هي الطريق الوحيد نحو تحقيق سلام دائم وشامل.
    • مبدأ الأرض مقابل السلام.
    • ضمانات دولية لدعم عملية السلام.
    • حق إسرائيل في الوجود وضرورة إحترام وضمان أمنها.
    وبكين هنا تعول في قبول الفلسطينيين لخطتها هذه على تاريخ طويل من العلاقات الصينية الفلسطينية التي يرجع تدشينها الى مارس 1965 حينما قام رئيس منظمة التحرير الأسبق المرحوم أحمد الشقيري بزيارة إلى بكين، إلتقى خلالها بالمعلم «ماو» ورئيس حكومته «تشو إن لاي». وعلى الرغم من أن بكين كانت قد سبقت هذه الزيارة بسنوات طويلة تبني حقوق الشعب الفلسطيني ضمن سياساتها الخارجية المبنية (وقتذاك) على دعم قضايا التحرر الوطني ومقاومة الاستعمار والامبريالية والرجعية، وبالرغم من أن بكين كانت قد استقبلت في مارس 1964 المرحومين ياسر عرفات، وخليل الوزير بصفتهما من قادة حركة فتح، وذلك في الزيارة غير الرسمية التي يقال أن الرئيس عبدالناصر توسط من أجل إتمامها كي يتعرف فيها قادة الصين الشيوعية على قادة الكفاح الفلسطيني المسلح، فإن زيارة الشقيري هي التي وضعت حجر الاساس في العلاقات الفلسطينية – الصينية، حيث أعقب الزيارة بيان إعترفت فيه بكين رسميا بمنظمة التحرير كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني، لتصبح أول دولة غير عربية تــُقــْدم على ذلك، بل وسمحتْ للمنظمة بفتح مكتب في بكين. بعد ذلك توالت زيارات القادة الفلسطينيين وإجتماعاتهم مع كبار المسئولين الصينيين بدءا من أول زيارة لأبي عمار كزعيم لمنظمة التحرير إلى بكين في مارس 1970. كما توالى قدوم أعداد كبيرة من كوادر المنظمة وحركة فتح إلى الصين لتلقي التدريبات العسكرية وغير العسكرية، وزارت وفود صينية كثيرة القواعد الفدائية الفلسطينية، وراحت بكين منذ 1970 تزود قوات منظمة التحرير بالأعتدة القتالية.
    وبعد قيام السلطة الفلسطينية دخل الطرفان في إتفاقيات من نوع مختلف. فكانت هناك إتفاقيات إقتصادية في مجالات التجارة والصناعة والزراعة وتربية المواشي والإستثمار المشترك والمشاريع الكهرومائية ومشاريع تطوير البنية التحتية الفلسطينية، واتفاقيات ثقافية لتشجيع التبادل والتعاون في مجال التعليم وتبادل وتدريب الطلبة والاكاديميين والمحافظة على الآثار والمخطوطات، واتفاقيات عسكرية تقدم بكين بموجبها للسلطة أعتدة وذخائر حربية وغير حربية من أجل تعزيز قدرة وكفاءة قوات السلطة وشرطتها.
    أما فيما يتعلق بكيفية استمالة الإسرائليين لخطة السلام الصينية، فإن تعويل الصين هو على ما يربطها بالدولة العبرية من مصالح تجارية واقتصادية وتكنولوجية متشعبة. صحيح أن بكين لم ترد إيجابا على إعتراف تل أبيب بها في يناير 1950 ، والذي سبق إعتراف أول قطر عربي (مصر) بها بست سنوات، ولم تؤسس لعلاقات دبلوماسية كاملة مع إسرائيل الا في 1992 أي بعد مؤتمر مدريد للسلام، إلا أن السنوات الماضية مذاك شهدت تطورات صاروخية في التبادل التجاري (الصين أكبر شريك تجاري لإسرائيل في آسيا وثالث أكبر شريك لها في العالم) وفي مجال الاستثمار المشترك والتصنيع والتكنولوجيات المعقدة وعلوم الفضاء والاتصال والدواء. لذا لم يكن مستغربا أن يبدأ نتنياهو زيارته الأخيرة للصين من شنغهاي(قلعة الصين الاقتصادية)، ويعلن فيها أن إسرائيل يمكن أن تصبح «مختبرا للبحث والتطوير بالنسبة للصين بفضل تكنولوجياتنا المتطورة»، وأنه «بتزاوج التكنولوجيا الاسرائيلية والصناعة الصينية والسوق العالمية يمكننا تقديم التوليفة الرابحة». هذا طبعا قبل ان يصل الى بكين ويطالب مضيفيه بمساعدة إسرائيل في بناء خط حديدي يربط تل ابيب بإيلات أي ربط البحرين الأحمر والابيض لتجنب المرور في قناة السويس المهدد أمنها بسبب حالة اللاستقرار في مصر.



    القضية الفلسطينية في خطر!
    بقلم: حسين عطوي عن الوطن القطرية
    تأتي ذكرى النكبة الفلسطينية الخامسة والستون هذا العام والقضية الفلسطينية تمر في ظروف غاية في الخطورة، تهدد بتصفيتها، فإسرائيل اليوم أصبحت في أحسن أحوالها. مشروعها الاستيطاني التوسعي التهويدي في ارض فلسطين يتقدم بخطى سريعة، ويقضم المزيد من الأرض، لاسيما في القدس وبعض المناطق الاستراتيجية في الضفة الغربية . وقد شكل الهجوم الأخير للمستوطنين في البلدة القديمة من القدس واجتياحها بـ 60 ألف مستوطن، وتدنيس ساحات المسجد الأقصى، مؤشراً على مدى الاستباحة التي تتعرض لها الأرض والمقدسات الإسلامية والمسيحية في المدينة المقدسة، التي كانت إلى وقت غير بعيد بمثابة خط احمر عربي إسلامي، لا يجرؤ العدو على المس به، ويحاذر الإقدام على ذلك خوفا من نتائجه وانعكاساته السلبية عليه، أما اليوم فإنه تجرأ على ذلك، لأنه تيقن من أنه لن يواجه مثل هذه الانعكاسات، وأن الظروف مواتية له على كل المستويات الفلسطينية والعربية والإسلامية، وهو ما ظهر عملياً، حيث تم اجتياح واستباحة القدس ومقدساتها في ظل صمت عربي رسمي وغياب رد فعل شعبي عربي بمستوى خطورة الحدث، فيما رد الفعل الفلسطيني كان ايضا ضعيفاً.
    ويعود ذلك إلى الأسباب الآتية:
    أولاً: على مستوى الواقع الفلسطيني:
    استمرار واقع خضوع السلطة الفلسطينية للاحتلال والولايات المتحدة الاميركية، أمنيا واقتصاديا وماليا، وبالتالي غياب أي استقلالية في قرارها السياسي نتيجة اتفاق أوسلو الذي كبلها، ويجرى استخدامه من قبل الكيان الصهيوني وسيلة لتكريس سياساته الاحتلالية، والاستيطانية التوسعية من دون حتى أن ينفذ التزاماته الواردة في الاتفاق، وقد عرف كيف يجعل هذه الالتزامات ملتبسة وقابلة للتأويل لتبرير عدم تنفيذها، ومع ذلك فإن السلطة الفلسطينية لم تتعظ من التجربة الكارثية لهذا الاتفاق، ومخاطر الاستمرار بالتمسك به، وأنها تحولت إلى مجرد سلطة وظيفتها توفير الغطاء والشرعية لمواصلة إسرائيل عملية احتلالها للأرض، وتنفيذ المزيد من مشاريع التهويد، طالما أن الأرض ، في القدس والضفة، حسب الاتفاق هي موضوع تنازع بين الطرفين، وان تحديد مصيرها مرتبط بالمفاوضات النهائية .
    إلى جانب هذا الواقع السيئ والخطير، فإن السلطة تقوم بدور قمع المقاومة في الضفة ومنع أي عملية ضد الاحتلال.. وتواصل سياسة استجداء استئناف المفاوضات واستعدادها لتقديم المزيد من التنازلات إرضاء للاحتلال وللإدارة الأميركية، وهو ما يشجع العدو على التصلب والتعنت وطلب المزيد من التنازلات، بالمقابل فإن الفصائل الفلسطينية الاخرى تبدو سلبية في أدائها، فهي أوقفت عمليات المقاومة المسلحة التي تشكل سلاح الشعب الفلسطيني الوحيد في مواجهة الاحتلال ومخططاته، والعمل على منعه من تحقيقها .
    ثانياً: على صعيد الواقع العربي:
    فإن الفوضى تعم الدول العربية، فثورات ما سمي بالربيع العربي التي راهن عليها الشعب الفلسطيني والعربي، لم تؤدِ إلى تغيير الأنظمة المتخلية عن قضية فلسطين ومقاومتها لصالح الإتيان بأنظمة تلغي الاتفاقيات مع الكيان الصهيوني وفي مقدمها اتفاقية كامب ديفيد، وتقطع العلاقات مع كيان العدو، وتعيد الاعتبار للسياسات القومية الداعمة والمساندة لقضية فلسطين، وتشكل خلفية لدعم المقاومة، بل إن ما حصل كان مخيباً للآمال، فالربيع العربي تحول إلى فوضى والأنظمة لم تتغير سياساتها بل تغير الأشخاص لا غير، فيما تم إدخال المجتمعات العربية في صراعات طائفية مذهبية وعرقية أشغلتها عن أولوية مواجهة العدو الصهيوني ومخططاته.
    ثالثاً: على صعيد الواقع الإسلامي:
    أما الدول الإسلامية فإنها وفي ضوء الموقف الفلسطيني الرسمي المتهاون والمسترخي في مواجهة الاحتلال، وفي ضوء التخلي العربي الرسمي عن قضية فلسطين، والانشغال الشعبي في صراعات داخلية ثانوية، فإن موقفها ليس أفضل حالاً، وهي بالأصل كانت مضطرة إلى اتخاذ مواقف داعمة ومساندة عندما كان الموقف العربي والفلسطيني موحداً ومتمسكاً بالحقوق ويرفض التنازل عنها للكيان الصهيوني والاعتراف بوجوده، إلا انه بعد التراجع الفلسطيني والعربي والهوان، والتخاذل المستمر وتقديم التنازلات للكيان الصهيوني، والاعتراف به فان هذه الدول لم تعد ترى أنها معنية بأخذ مواقف تكون فيها ملكية اكثر من الملك.
    وهكذا فإن المعطيات والوقائع تؤكد إن فوضى الربيع العربي وفرت الغطاء للكيان الصهيوني لتنفيذ مخططاته في تهويد فلسطين وصولاً إلى اعلان الدولة اليهودية، حتى أصبحت فوضى الربيع العربي بمثابة البيئة التي أنتجت ربيعاً استيطانياً يهودياً حيث ضاعف الكيان الصهيوني من مشاريعه الاستيطانية أربعة أضعاف ما كانت عليه عام 2011 .
    ولهذا فإن هذا الواقع الفلسطيني والعربي شكل الفرصة الذهبية لإسرائيل لتسريع وتيرة مشروعها الاستيطاني لاستكمال عملية تهويد الأرضي الفلسطينية، وفرض الحل الصهيوني القاضي بتصفية القضية الفلسطينية على قاعدة الاعتراف بإسرائيل دولة يهودية، وهو ما ظهر كمطلب أساسي إسرائيلي بعد الموافقة العربية على عرض تبادل الأراضي، مما يكشف أن الهدف الإسرائيلي هو ابعد من ذلك بكثير، أنه يريد تطويبا عربيا وفلسطينياً بكامل فلسطين، وليس أجزاء منها فقط، وذلك عبر الاعتراف بدولته دولة يهودية، والتي يعني الاعتراف بها، أن الشعب الفلسطيني ليس له حق في فلسطين، وأن فلسطين، إنما هي ملك لليهود، وأن الفلسطينيين لا حق لهم بإقامة دولة ذات سيادة، وإنما فقط الحصول على حكم ذاتي في بعض مناطق الضفة الغربية، وغزة.
    وبالتالي عكس الصورة تماماً، فالاعتراف بالدولة اليهودية يعني منح إسرائيل سلاحاً خطيراً يتهم النضال الفلسطيني على مدى العقود الماضية بأنه إرهاب ولا ينطلق من أي حق في مقاومة احتلال، وانه اعتداء على اليهود وأرضهم، وبالتالي بدلا من مطالبة الشعب الفلسطيني بحقه بالعودة إلى أرضه، والتعويض عما لحق به من جراء العدوان الصهيوني المتواصل، يصبح الكيان الصهيوني هو من يطالب بالتعويض، بالمقابل فإن كل ذلك يوفر الغطاء والمبرر لقادة إسرائيل بتهجير وترحيل العرب الفلسطينيين الذين تمسكوا بأرضهم المحتلة عام 48، على قاعدة أن الدولة دولة يهودية، وأن وجودهم فيها يتناقض مع حق اليهود.
    من هنا فإن مناسبة ذكرى النكبة هذا العام تأتي في ظل تزايد كل هذه المخاطر التي تهدد بتصفية القضية في ظل غياب المقاومة، والتراجع العربي والفلسطيني الرسمي المستمر أمام الكيان الصهيوني، ولهذا فإن السبيل لإحباط مخطط العدو لتصفية القضية الفلسطينية يتطلب:
    1 ـ وقف مسار أوسلو الكارثي والعودة إلى التمسك بالثوابت الوطنية والقومية للقضية الفلسطينية، وبالتالي إحياء منظمة التحرير الفلسطينية كحركة تحرر وطني على أساس برنامج نضالي تحرري كما كانت عليه في بدايات انطلاقتها، ذلك ان تجربة المفاوضات ومسار التنازل أمام العدو أكد ان الطريق الوحيد هو طريق الثورة الشعبية المسلحة الذي سلكته كل الشعوب التي خضعت للاحتلال وتمكنت عبره من تحرير ارضها ونيل حريتها.
    2 ـ استئناف المقاومة الفلسطينية لعملياتها المسلحة لمنع الاحتلال من الشعور بالاستقرار وتنفيذ مشاريعه ومخططاته.
    3 ـ تحرك الحركات والقوى الوطنية والقومية العربية التحررية لأجل إعادة البعد العربي للقضية الفلسطينية بدءاً من إسقاط الاتفاقيات الموقعة مع الكيان الصهيوني.

    القدس.. مشاهد دموية من التاريخ
    بقلم: علي سالم عن الشرق الأوسط
    أقل من أربعمائة شخص وقفوا هاتفين أمام إدارة الأزهر طالبين الذهاب إلى القدس بالملايين، هذا العدد القليل أزعج بعض المعلقين الذين طالبوا قبلها بإلحاح بأن يكون الراغبون في الذهاب إلى القدس بالملايين، عدم تلبية الدعوة على النحو المطلوب، جعلهم يعيدون تذكير المصريين بأن ما تفعله بهم الجماعات الفلسطينية المسماة بالجهادية من قتل وخطف للجنود المصريين في سيناء، يجب ألا ينسيهم أن القضية الفلسطينية هي القضية المركزية للعرب جميعا. طبعا، قتل الجنود المصريين وخطفهم أمر شنيع، ولكنه لا يشكل قضية مركزية.
    المشهد استدعى في ذهني عدة مشاهد من الحروب الصليبية، تلك الحروب الدموية التي اشترك فيها كما يقول ول ديورانت: «وانضم آلاف من المتشردين إلى القائمين بهذه الرحلة، وأقبل كثيرون من الأتقياء المخلصين ليخلصوا الأراضي التي ولد بها المسيح ومات، منهم رجال سئموا الفقر الذي كانوا يعانونه، ومنهم المغامرون التواقون إلى الاندفاع في مغامرات جريئة في بلاد الشرق، ومنهم الأبناء الصغار الذين يرجون أن تكون لهم إقطاعيات في تلك البلاد، ومنهم التجار الذين يبحثون عن أسواق لبضائعهم، والفرسان الذين غادر أرضهم أرقاؤها فأصبح لا عمل لهم، ومنهم ذوو النفوس الضعيفة الذين يخشون أن يرميهم الناس بالجبن وخور العزيمة».
    ليكن المشهد الأول هو سقوط القدس بعد حروب طويلة طاحنة، «النساء كن يقتلن طعنا بالسيوف والحراب، والأطفال الرضع يختطفون بأرجلهم من أثداء أمهاتهم ويقذف بهم من فوق الأسوار أو تهشم رؤوسهم بدقها بالعمد، وذبح السبعون ألفا من المسلمين الذين بقوا في المدينة، أما اليهود الذين بقوا أحياء فقد سيقوا إلى كنيس لهم، وأشعلت فيهم النار وهم أحياء. واحتشد المنتصرون في كنيسة الضريح المقدس، وأخذ كل منهم يعانق الآخر ابتهاجا بالنصر، وبتحرير المدينة، ويحمدون الرحمن الرحيم على ما نالوه من فوز». وأنتقل بسرعة عابرا الزمن لأنقل لك مشهدا عند تحريرها واستردادها بعد معركة حطين 1187م، تقدم صلاح الدين بثبات إلى القدس، وبعد أن اقترب منها، خرج إليه أعيانها يعرضون عليه الصلح. فقال لهم إنه يعتقد كما يعتقدون هم أن هذه المدينة بيت الله، وأنه لا يرضيه أن يحاصرها أو يهاجمها، وعرض على أهلها أن تكون لهم الحرية الكاملة في تحصينها، وأن يزرعوا ما حولها من الأرض إلى ما بعد أسوارها بخمسة عشر ميلا دون أن يقف أحد في سبيلهم، ووعدهم بأن يسد كل ما ينقصهم من المال والطعام إلى يوم «عيد العنصرة»، غير أنهم رفضوا عرضه فهاجم المدينة واستولى عليها بسهولة، وقرر عليهم فدية، وطلب العادل أخوه أن يهدى إليه ألف عبد من الفقراء العاجزين عن دفع الفدية، وعندما أجابه إلى طلبه أعتقهم جميعا.
    وانتهت الحروب الصليبية وانتهت معها القرون الوسطى، وانشغل الناس بالتفكير لماذا لم ينصرنا الله ونحن على حق، لا بد أن فينا خطأ ما.. ما هو؟ لا بد أننا أرسلنا في هذه الحملات بشرا خاطئين ارتكبوا كثيرا من الذنوب، حسنا لتكن حملتنا القادمة من الأطفال، الأطفال ملائكة أطهار. سيحررون القدس حتما. وفي عام 1212، قال شاب ألماني اسمه نيكولاس، إن الله قد أمره أن يقود حملة صليبية مكونة من الأطفال، عارضه رجال الدين وغيرهم، ولكن فكرته انتشرت كالنار في الهشيم، وحاول الآباء منع أطفالهم من الاستجابة لدعوته بغير جدوى، ولعلهم قد سرهم أن ينجوا من استبداد البيت إلى حرية الطريق. ثلاثون ألف طفل ساروا بإزاء نهر الراين وفوق جبال الألب، غير أنهم عجزوا عن الوصول إلى القدس بعد أن أهلك الجوع والذئاب عددا كبيرا منهم.
    لنترك الآن أطفال ألمانيا، ولنتجه إلى فرنسا التي كان أطفالها أسوأ حظا، فقد قال غلام اسمه ستيفن يعمل راعي غنم، إن المسيح ظهر له وهو يرعى غنمه وأمره أن يقود حملة من الأطفال إلى فلسطين، وأمره الملك فيليب أن يعود إلى غنمه، غير أن دعوته استجاب لها عشرون ألف طفل، واجتازوا فرنسا إلى مرسيليا، ولن يكونوا في حاجة إلى سفن تنقلهم إلى فلسطين، سينشق البحر ويذهبون إلى هناك سيرا على الأقدام، غير أن البحر لم ينشق، سيدنا موسى فقط هو القادر على ذلك، ولكن أصحاب القلوب الرحيمة كثيرون، اثنان من أصحاب المراكب الكبيرة عرضا عليهم أن ينقلاهم إلى فلسطين بغير مقابل يدفعونه. ازدحم الأطفال في سبعة مراكب أقلعت بهم وهم ينشدون أناشيد النصر، وتحطم اثنان وغرق كل من كانوا فيهما، وجيء بالباقين إلى تونس ومصر حيث بيعوا في أسواق الرقيق.
    هذه هي مشكلة الشعار الديني عندما يرفعه بعض الناس بدافع من الرغبة في السيطرة على الآخرين وسوقهم إلى حتوفهم. ابدأ باعتناق بعض هذه الشعارات الوهمية وسينتهي بك الأمر حتما لتكون عبدا رقيقا.
    في العصر الحديث، لا حاجة بنا لمؤرخين، فقد عشنا أحداثه؛ تمكن الملك عبد الله، ملك الأردن، بجيشه المدرب جيدا من الاحتفاظ بالضفة الغربية والقدس الشرقية بعد هزيمة كل الجيوش العربية، وكانت تلك هي جريمته الوحيدة التي وصمته بالخيانة طوال حكمه، من لم يهزم معنا فليس منا، غير أننا تمكنا من إصلاح خطئه في يونيو (حزيران) 1967، وذلك عندما فقدنا الضفة والقدس الشرقية. أما الشخص الثاني الذي عوقب بعد الملك عبد الله في هذه التراجيديا التي لا يريد أحد وضع نهاية لها، فهو محمد أنور السادات الذي انتزع أرض سيناء كما انتزع، بالحرب والتفاوض، السلام من أكثر الحكومات الإسرائيلية تشددا، هو أيضا وجهت له تهمة أنه أفقد المصريين السيادة على سيناء، ترى ماذا في عقولنا يدفعنا لتمجيد المهزومين والخاسرين.
    والآن، خبر جميل، اتفق الطرفان الحاكمان للشعب الفلسطيني على أن يقيموا حكومة موحدة خلال تسعين يوما.. فقط. الحمد لله، فقد كان من الممكن أن تكون المدة تسعين سنة. أي مراقب للأحداث يستطيع أن يرى بوضوح أن الطرفين أكثر إخلاصا لمشاكلهما، وإلا لكانوا وصلوا لحكومة موحدة في عدة أيام. حكومة موحدة تبدأ على الفور التفاوض للوصول إلى دولة فلسطينية. نستطيع أن نهتف إلى الأبد (رايحين يا فلسطين.. على القدس بالملايين)، وهو الهتاف الذي يثبت لكل سكان الأرض أننا لسنا جادين، نحن فقط مستمتعون بالهتاف ومستمتعون بخسارة كل قضايانا. غير أن المزيد من ضياع الوقت في خلافاتنا بعضنا مع بعض، يجعلنا نخسر كل يوم احترام العالم لنا.
    بنقاش وتفاوض جادين مع الإسرائيليين والعالم كله، نستطيع أن نطلب أن تكون القدس عاصمة لشعبين ودولتين، هذا هو رأي عدد كبير من المثقفين الإسرائيليين وعلى رأسهم الروائي عاموس عوز، ولن يكون من الصعب العودة لكل مفردات التفاوض بين صلاح الدين والصليبيين، لأن الهدف في كل الأحوال أن يعيش سكان هذه المنطقة في سلام، لست أرى الطريق إليه مستحيلا.

    النظام السوري يستنسخ النموذج الإسرائيلي
    بقلم: خالد الدخيل (كاتب وإعلامي سعودي) عن الحياة اللندنية
    كيف يمكن تفسير هذه القدرة السياسية والنفسية للنظام السوري بأن يتجاوز حدود الاستبداد والقمع السياسي لمواطنيه، ليكون شرساً في طغيانه ودمويته إلى حد تدمير الأحياء والقرى والمدن على رؤوس أهلها؟ ولماذا يحتاج نظام سياسي يمتلك جيشاًَ من بين أكبر الجيوش في المنطقة إلى ميليشيات مسلحة (شبيحة) للتعامل مع المتظاهرين والمحتجين؟ بل لماذا يحتاج هذا النظام إلى مقاتلين من «حزب الله» و «الحرس الثوري» الإيراني؟ هل يمكن حتى بالنسبة إلى أعتى الذهنيات إجراماً تفسير تورط النظام السوري في مسلسل مجازر متنقلة في حق مواطنين مدنيين عزل من مختلف الأعمار والأجناس والمناطق؟ لا تمكن الإجابة عن أي من هذه الأسئلة على أساس سياسي صرف، وقبل محاولة الإجابة، تأمل في الأسئلة قليلاً، وستجد أنك يمكن أن تطرحها أيضاً في حال النظام الإسرائيلي. الإجابة في الحال الإسرائيلية معروفة: دولة احتلال استيطاني في مواجهة سكان أصليين، وهدف إسرائيل دفع أكبر عدد ممكن من هؤلاء السكان إلى النزوح حتى يمكنها الاستيلاء على أكبر جزء من الأرض. العلاقة بين الفلسطينيين وإسرائيل علاقة عداء مستحكم سببه النازية الصهيونية.
    لكن كيف يمكن تفسير السلوك الدموي للنظام السوري؟ النظام هنا لا يقتل من يعتبرهم أعداء. ألا يعتبرهم أعداء حقاً؟ هو يقتل مواطنين ويدمر حياتهم بالوحشية نفسها التي تمارسها إسرائيل في حق من تعتبرهم أعداء وجوديين لها، والأغرب أن النظام السوري أكثر «تعقلاً» مع إسرائيل، إذ يتلقى غارات هذا العدو المتكررة بجملته الشهيرة «نحتفظ بحق الرد في الوقت والمكان المناسبين»! تتمسك دمشق بهذه السياسة منذ اتفاق فصل القوات عام 1973. أما الأسد الابن فقد بدأت تجربته مع الغارات الإسرائيلية في الأسبوع الأول من آب (أغسطس) عام 2003. حينها حلقت مجموعة من الطائرات العسكرية الإسرائيلية على ارتفاع منخفض حول قصر الرئاسة الصيفي في مدينة اللاذقية. كان الرئيس في القصر، وكان هدف التحليق، وفق صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية إيصال رسالة إلى الرئيس بضبط سلوك «حزب الله» في الجنوب اللبناني. لم يستجب الرئيس لمضمون الرسالة، لكنه لم يفعل شيئاً لانتهاك الطيران الإسرائيلي أجواء سورية وتهديد قصر الرئاسة. بل تجاهلت وسائل الإعلام السورية هذا الحدث تماماً. يبدو أن الرئيس اعتبر رفض الرسالة تعويضاً عن عدم الرد. استمرت الغارات الإسرائيلية بعد ذلك، وكان أبرزها تدمير ما يقال إنه مفاعل نووي في عام 2008. ثم في شهر كانون الثاني (يناير) الماضي استهدفت الطائرات الإسرائيلية مركزاً عسكرياً للبحوث العلمية في دمشق. وقبل أسبوعين تكررت العملية نفسها.
    الآن قارن هذا الموقف «المتعقّل» مع رد فعل النظام على احتجاج المواطنين في مدينة درعا. بدأت الاحتجاجات في منتصف آذار (مارس) 2011 مع أطفال كتبوا على الجدران تحت تأثير أجواء الربيع العربي عبارات بعضها ينتقد النظام، والبعض الآخر يطالب بإسقاطه. اعتقل الأطفال فوراً، وأُخذوا إلى مقار الأمن، ثم انتشرت قصة تعامل أفراد الأمن مع أهالي هؤلاء الأطفال بطريقة صادمة ومهينة. عندها بدأت التظاهرات، وقتلت قوات النظام عدداً من الأفراد. بعد ذلك بدأت مفاوضات بين أعيان المدينة وممثلين عن النظام، كانت من بين مطالب الأهالي، وفق صحيفة «السفير» اللبنانية «إقالة محافظ المدينة ورؤساء الأجهزة الأمنية، ومحاكمة المسؤولين عن القتل، والاعتذار للأهالي، إضافة إلى عدم ملاحقة أي من المشاركين في الاحتجاجات الحالية، وإطلاق سراح المعتقلين قبل أحداث الجمعة. كما طاولت الطلبات رفع حال الطوارئ وعودة المنفيين وإطلاق سراح عامة المعتقلين وعودة المنقبات إلى التدريس، إضافة إلى المطالبة بإلغاء القانون 60 الذي يحارب البناء المخالف، والسماح بحفر الآبار وبيع الأراضي المحاذية للحدود، من دون موافقات أمنية، وخفض أسعار المحروقات والمواد الغذائية». لم يتعقّل النظام في رد فعله مع مواطنيه كما يفعل مع إسرائيل، هذا مع ملاحظة أن إسرائيل تمارس عدواناً وحشياً على سورية، في حين أن المواطنين لم يطالبوا بأكثر من حقوقهم، ولا أقل من تخفيف حال القمع التي تكشف مطالب مواطني درعا مدى حيفها وبشاعتها. ومع ذلك تصاعدت وحشية رد فعل النظام مع انتشار الاحتجاجات إلى المدن والأرياف في أنحاء سورية، حتى وصلت إلى حد استخدام الدبابات والمدرعات والطائرات والبراميل المتفجرة، وأخيراً الصواريخ. كل الترسانة العسكرية التي تقول دعاية النظام إنه أعدها لمواجهة العدو استخدمت ضد المواطنين، بل إن هناك تقارير تفيد بأن النظام استخدم السلاح الكيماوي، ويبدو أن الذي يردعه عن التمادي في ذلك هو الذهاب بعيداً في تجاوز الخط الأحمر الذي رسمته له واشنطن.
    وعلى رغم الاختلاف بين «تعقّل» النظام أمام الاعتداءات الإسرائيلية المدمرة، وبين غياب هذا «التعقّل» تماماً أمام مطالب المواطنين، هناك خيط واحد يجمع رد الفعل هنا ورد الفعل هناك، وهذا الخيط هو بقاء النظام، وبقاء رئيس النظام في الحكم. بعبارة أخرى، ما يمنع النظام من الرد على الاعتداءات الإسرائيلية خشيته من ضربة إسرائيلية مدمرة تأتي عليه هو أولاً، وقيادة النظام السوري تعرف جيداً منذ ما قبل حافظ الأسد طبيعة النظام الإسرائيلي، وتعرف القدرات التدميرية التي يملكها. وكان وزير خارجية سورية السابق إبراهيم ماخوس قال جملته الشهيرة في أعقاب هزيمة حزيران (يونيو) 1967: «إن إسرائيل لم تنتصر في الحرب لأنها لم تقض على النظام السياسي»، وهو ما يعني أن النظام أهم من الدولة ومن الشعب والأرض.
    في السياق نفسه، تدرك قيادة النظام السوري أن أمنها وبقاءها في الحكم مرتبط بسلوكها السياسي والأمني على حدودها المباشرة مع إسرائيل. إذا هدأت الجبهة في الجولان فيمكن دمشق أن تتمتع بالهدوء ذاته، والعكس صحيح أيضاً. وهذا ما يفسر تحريم أي عمل مقاوم في الجولان منذ 1973. أما حديث النظام أخيراً عن فتح هذه الجبهة للمقاومة فليس إلا مجرد كلام للاستهلاك، والدليل أن الدوائر الإسرائيلية والغربية لم تأخذه على محمل الجد. الوحيد الذي يتظاهر أنه يحمل هذا الكلام على محمل الجد هو حسن نصرالله الأمين العام لـ «حزب الله» اللبناني.
    في المقابل، يمسك النظام بموازين القوة أمام الشعب. لا يسمح بأدنى شكل من أشكال الاحتجاج، وهذا واضح، لكن هناك ما هو أعمق من فكرة التوازن هذه لتفسير سلوك النظام السوري مع شعبه. يشبه هذا السلوك إلى حد التطابق تقريباً السلوك الإسرائيلي مع الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال. كانت إسرائيل الدولة الوحيدة في المنطقة التي ارتبط اسمها بالاستخدام الشرس والوحشي للقوة في حق المدنيين، وبالتطبيق الممنهج للعقاب الجماعي باجتياح المدن والقتل وهدم المنازل وقصف الأحياء. الآن يشترك النظام السوري مع إسرائيل في تطبيق المنهج ذاته. يعكس تشابه السلوك تشابه الأساس الاجتماعي لكل منهما، وهو أساس أقلية قومية أو مذهبية تحكم أكثرية ضد إرادتها. ينقل الكاتب البريطاني الإسرائيلي آفي شلايم (Avi Shlaim) عن الأب الروحي لحزب الليكود الإسرائيلي، زئيف جابوتنسكي، قوله عام 1923: «لا يمكن تصور أن نتوصل مع العرب (الفلسطينيين) إلى اتفاق طوعي، لا الآن ولا في المستقبل المنظور».
    ما هو الحل في هذه الحال؟ يجيب جابوتنسكي: «يجب أن نجمد جهودنا الاستيطانية، أو نستمر بها من دون أن نأخذ في الاعتبار مزاج السكان الأصليين، يمكن أن يتطور الاستيطان تحت حراسة قوة لا تعتمد على السكان المحليين، خلف جدار حديدي لا يستطيع هؤلاء السكان اختراقه» (The Iron Wall, 2001, p. 13). وهذا الجدار هو تحديداً السياسة الإسرائيلية المتوحشة التي تعاملت بها إسرائيل مع الفلسطينيين. الغريب أن الموقف نفسه تكرر في مكان آخر وبيئة مختلفة، وانتهى إلى النتيجة ذاتها. عندما قرر حافظ الأسد توريث الحكم داخل عائلته بعد 1980، وبعد تحالفه مع إيران، كان يدرك أنه بذلك يفرض حكم عائلة تنتمي إلى أقلية صغيرة على نظام جمهوري وأغلبية كبيرة. يبدو أنه كان يفكر بأن هذه الأغلبية لن تبقى صامتة إلى الأبد. في الوقت نفسه لا يمكن التوصل إلى اتفاق معها على هذا النوع من الحكم طوعاً واختياراً.
    ولمواجهة ذلك اعتمد الأسد الأب سياسة داخلية تعتمد على مرتكزات ثلاثة: كسب تجار دمشق وحلب إلى جانب النظام، والإبقاء على تحالف إقليمي يؤمن له غطاء يعوض غطاء الداخل، وتطبيق سياسة الجدار الحديدي نفسها مع أي احتجاج، وقد طبق هذه السياسة في حماة في 1982، وابنه ينفذ الشيء نفسه في كل سورية منذ أكثر من عامين. بعبارة أخرى نحن أمام نظام يستنسخ النموذج الإسرائيلي، فيرفع شعار «العروبة» ثم «المقاومة»، ويطبق على الأرض دائماً سياسة الأقلية ضد إرادة الأكثرية، وهي السياسة التي نقلت سورية أخيراً في عهد الأسد الابن من مرحلة البعث وعروبته العلمانية، إلى مرحلة تحالف الأقليات في المنطقة تحت مظلة «ولاية الفقيه».

    العرب... خواطر الربيع والنكبة
    بقلم: خالد شوكات (كاتب تونسي) عن السياسة الكويتية
    يصعب تحديد منطق للتاريخ على وجه الدقة, فمن حيث تتوقع أن يفضي حدث ما مزلزل إلى كارثة فإنه يقود إلى منجز عظيم غير متخيل, تماما مثلما تعجز غالبية البشر على استشراف نهاية واضحة لحالات طارئة قد تستمر ردحاً من الزمن يفوق أعمارهم القصيرة, ومن هنا فإن "النكبة" التي طالما طعنت العرب في كبريائهم القومي, وأشعرتهم بالألم الجارح وأفقدتهم الثقة في النفس, قد تكون من منظور تاريخي صحوة, تماما كما يمكن أن يكون هذا "الربيع" الذي بدا لكثيرين أنه تحول إلى "صيف قائض" أو "شتاء قارس" احدى تجليات هذه الصحوة الأممية.
    ويضرب مثل الأندلس في هذا السياق, إذ لطالما أبدى المسيحيون في القارة العجوز مخاوفهم من انغلاق الدائرة وتحول المتوسط إلى بحيرة إسلامية, خصوصا بعد أن دق سلاطين بني عثمان أبواب فيينا, لكن منجز التاريخ جاء بما لم يشته المسلمون, فقد ساهم الأندلسيون ومن دون تخطيط مسبق منهم في ترجمة اليونان ونقلها إلى أوروبا القرون الوسطى, وساهمت الرشدية في نفض غبار التخلف عن العقل الغربي, ومن تلاميذها توما الإكويني الذي نقل الإصلاح إلى لوثر وكالفن ثم فلاسفة الأنوار وصناع الثورة الفرنسية والثورات المنبثقة عنها, حتى تتويج المسار بما وصل إليه الغرب اليوم من عنجهية واعتبار.
    وقد بدا غرس "الدولة اليهودية" في جسد الأمة العربية والإسلامية فسادا في الأرض وبؤرة استيطانية استعمارية ظالمة, لكن العجينة "الأشكنازية" الغربية التي صنعت نكبة عام 1948 ليست في واقع أمرها سوى عصارة التقدم العلمي والتقني والعسكري الذي أدركته الحضارة الأوروبية, ورغم كونها نشازا في فضائها الجغرافي والديموغرافي والثقافي, فإنها لم تعمل طيلة 65 عاما من قيامها سوى على تطوير خلايا المناعة في جسم المقاومة ورفع مستوى اللعب مع طرف الصراع الآخر, العربي والإسلامي في المنطقة.
    ولن تعوز المتابع حجة في تقييم أوضاع المجابهين للمشروع الصهيوني في دوائر المواجهة الفلسطينية واللبنانية, ليخلص إلى أن حالة التقدم الحاصلة جديرة بالرصد والمتابعة, وكان تيودور هيرتزل مؤسس الحركة الصهيونية ومؤلف كتاب "الدولة اليهودية" قد أشار إلى بعض من ذلك, إذ حاول إغراء السلطان عبدالحميد بما سيجلبه الكيان الإسرائيلي المرتجى على أراضي السلطة المحيطة من ازدهار ورخاء, غير أن ما كان متوقعا تحققه بالصداقة ربما تحقق ولو بدرجة أقل عبر الجفاء والعداء والمقاومة.
    ولا يجد المؤمن بقوة التاريخ بدا من التنبيه إلى تهافت حل الدولتين, ففلسطين التاريخية يجب أن تظل موحدة بأكملها, في ظل الاحتلال غير مجزأة أو منقوصة, رغم الجدران العازلة والحواجز المانعة, ولن يكون أمام ساكنتها المتعددة من مسلمين ومسيحيين ويهود إلا النضال لإسقاط دولة "ألابرتهايد" كما فعل الأفارقة, فالأرض لا تتسع لأكثر من دولة, والاثنيات والأديان والقوميات والمذاهب والطوائف والأحزاب والحركات قادرة, إذا ما حضر العقل واعتصم بحبل القيم الانسانية والإبراهيمية الجامعة على تحويل القدس إلى مدينة للسلام فعلا بدل الحرب الأبدية, وإلى تحويل بلاد الأنبياء إلى بلاد للتلاقح الحضاري والبناء بدل أن تكون بلاد الحرمان والشقاء.
    ويدرك الإسرائيليون قبل غيرهم, وخصوصا المثقفين والمبدعين المستنيرين منهم, أن العنصرية لا مستقبل لها, وأن الدولة اليهودية وسائر الدول الدينية مقولة لا مكان لها في رحم تاريخ البشرية الموحد المتدافع نحو الدولة المدنية الديمقراطية الإنسانية المؤمنة إيمانا عميقا بوحدة الجنس البشري وكرامته وحقوقه, وأن اليهود لن يفقدوا حقوقهم أو هويتهم أو ديانتهم إذا ما قبلوا بالشراكة التاريخية مع أبناء عمومتهم في فضاء غير قابل للتجزئة وإن فرضت عليه بقوة السلاح وقساوة المشروع المقبل من خارجه.
    ورغم انقلاب الطقس الربيعي الذي بدا مبشرا بصحوة عربية, وتدحرج المنطقة إلى عاصفة من الخراب الإنساني والحروب الطائفية والفوضى الجماعية, فإن القاعدة التاريخية الأنفة لا ترى إلا سارية مفعولها, ففي باطن كل محنة تلوح منحة في الأفق, ومن حيث تبدو قيادة الدولة اليهودية مغتبطة بما يجري من انقلاب حال العرب من أمل في الديمقراطية إلى يأس من الثورة, فإن المتغيرات المتوقعة لن تذهب إلا في مجرى عقارب الساعة الثابتة, ولا ضير من التذكير بالدرس اللبناني عندما تمكنت الحلقة الأضعف عربيا من الناحية النظرية من تمريغ وجه الدولة العبرية أكثر من مرة في وحل الهزيمة الساحقة, فما البال بتناسل حلقات من الصنف والطينة نفسيهما إن لم تكن أشد عصفا?
    و سيكون من عبر المرحلة أن تمحص تجارب الربيع الحقائق من الأساطير البالية, ومن حيث ظنت جماعات الإسلام السياسي أنه زمن الانتصار ستقف بأم عينها على تجارب الانكسار, وستتفتح أمام الأمة آفاق العقلانية والديمقراطية والروحانية الحقة الرقراقة الصافية, تماما كما تولدت جل حركات الإصلاح والتصحيح والنماء من مخاضات أزمات حارقة عاصفة, وبعد غبش الضباب الذي حط مع فجر الربيع ستبزغ على الشرق الكبير شمس الحقيقة البائنة التي ستظل أقوى من أي عقيدة ممكنة, وسيكتشف المؤمنون بقوة التاريخ وزخمه أن النكبة موقتة زائلة وأن الفصول أبدية دهرية فاعلة.

    إسرائيل تأمر العالم... فيركع
    بقلم: حمود الحطاب عن السياسة الكويتية
    قصفت إسرائيل مخازن السلاح السوري الفاصل في المعركة, والذي عجزت عن حمايته القوات النظامية السورية, وذلك عندما أصبحت تلك المخازن قاب قوسين أو أدنى من أيدي الثوار لتحرمهم كما تتصور من تحقيق تفوق نوعي في المعارك الدائرة بين النظام السوري المتهالك وبين الشعب الذي أعلنها أن لا توقف قبل اسقاط ذلك النظام ,فمن يلومه?
    وتيرة الحمى الدولية وانفعالات الدول العظمى ارتفعت مؤشراتها لقرب الحسم الحربي الشعبي السوري ضد نظامه الجائر.ومن هنا كثرت الاجتماعات واللقاءات والاتفاقات الدولية والتي هي مستعدة للتنازل عن كل خلاف بينها مقابل الاتفاق على عمل مشترك لطمأنة إسرائيل التي تريد بقاء النظام السوري الحالي الذي أهدى اليها مرتفعات الجولان الستراتيجية.
    هناك أدلة قوية على قرب حسم المعارك لصالح الشعب السوري وجيشه الحرومنها فزع إيران من سقوط نظامها السوري الذي أسقطت إيران من خلاله براميل قنابلها الحاقدة على الشعب, وبعنصرية لا مثيل لها في التاريخ الحاقد. إيران تريد اجتياح العراق لنصرة النظام السوري ,وبإذن من العراق بالطبع فالخوف على المصير العنصري واحد والهدف واحد ,ومتى اجتاحت ايران العراق فلقد استخدمت -كما أتصور- الأموال الكويتية التي ذهبت للعراق للتنمية كما زعمنا في الكويت ,فهناك 132 مليار دينار كويتي تضخ في العراق كما اذيع في محطة "العربية" وبلسان قيادي ستراتيجي كويتي, الثقة في الأمانة العراقية بقيادة "المالكي" معدومة. واهتزاز إيران يؤكد أن لديها معلومات موثقة عن قرب هزيمة حليفها.
    العالم حتى الآن رغم كل الجرائم الحربية ضد الإنسانية لم يجرم نظام سورية بل ويدعو الجزار للجلوس مع الضحية في تفاوض يمليه النظام المجرم ;وتبقى العدالة في الحضارة الإنسانية مرهونة بأمن الكيان الصهيوني. وهي مجرد دعاية لا ترضاها الشعوب الحضارية نفسها. اللوبي الصهيوني يتحكم في إرادة العالم السياسي. ولن يقف العالم ولو اجتمع إنسه وجنه وشياطينه أمام المد الشعبي السوري وأمام الإباء للظلم الذي يتميز به تاريخيا شعب الشام.

    لم يتعلم الإسلاميون شيئاً
    بقلم: عبدالله إسكندر عن الحياة اللندينة
    مرة جديدة يثبت الإسلاميون، خصوصاً جماعة «الإخوان المسلمين» الحاكمة في مصر وحركة «النهضة» في تونس، أنهم غير قادرين على الخروج من قمقم الأيديولوجيا وعلى الاستفادة من تجارب الماضي، أو أنهم غير راغبين في ذلك ما داموا قادرين على التمسك بالحكم.
    لا أحد يشكك بأن الجماعة و «النهضة» وصلا إلى الحكم عن طريق صناديق الاقتراع التي أعطتهما الغالبية. لكنهما لم يفهما من هذا الانتداب الشعبي الذي جاء في ظروف غير طبيعية، وفي إطار مرحلة انتقالية تؤسس لطبيعة النظام المقبل بعد إطاحة السابق، سوى أنه شرّع لهما الحكم. ومن دون أي اعتبار للقوى الأخرى في البلاد، بتكويناتها وتلويناتها المختلفة، ومن دون اعتبار أن المرحلة المقبلة هي مرحلة تأسيس لنظام لا يمكنه أن يتمتع بأي نوع من الشرعية إذا لم يضمن أساساً عدم العودة، بأي شكل كان، إلى أي نوع من أنواع ممارسات الديكتاتورية السابقة.
    هذا هو الشرط الأساسي لإقامة نظام جديد، والذي يتضمن في ذاته أوسع الاعتراف بالقوى الاخرى التي ساهمت في إسقاط النظام السابق، وأيضا مشاركة كل القوى المدنية والديموقراطية في المرحلة الانتقالية وتأسيس النظام الجديد.
    لكن الإسلاميين، سواء الحاكمين في القاهرة أو في تونس، نسفوا منذ اليوم الأول هذا الشرط الأساسي. لا بل اعتبروا أن خصومتهم السياسية ينبغي أن تنصب على القوى المدنية والديموقراطية والليبرالية. ومع استحضار تهمة «الفلول» لوصم بعض هذه القوى واستبعادها من المشاركة في المرحلة الانتقالية، راح الإسلاميون يزايدون في «أسلمة» الدستور والقوانين، وصولاً إلى «أسلمة» الدولة ومؤسساتها، معتبرين أن ذلك هو الطريق من أجل بقائهم في الحكم واستمرارهم فيه. وفي هذه «الأسلمة»، والمزايدة فيها، افترضوا أنهم يمكنهم أن يستقطبوا حلفاء من الإسلاميين الآخرين، من سلفيين وجهاديين، وأن يكسبوا مزيداً من الأصوات في صناديق الاقتراع، يوظفونه في تمسكهم بالحكم، وإبعاد الآخرين.
    في هذه السيرورة التي أرادها الإسلاميون للحكم، زادت الهوة بينهم وبين المكونات المدنية والديموقراطية في المجتمع، والتي وجدت نفسها في دائرة التهميش نفسها التي دفعها إليها النظام السابق. وذلك ليس لمجرد وجودها في المعارضة وعدم رغبة الحكم في مشاركتها بالمرحلة التأسيسية، وإنما أيضاً لأن الإسلاميين سعوا إلى نظام جديد لا يتسع لسواهم، عبر سيطرتهم كغالبية على آليات التشريع في المرحلة الانتقالية.
    في موازاة ذلك، ربما ما هو أخطر من ذلك، أن الإسلاميين «شجعوا» بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، خصوصاً عبر مواقفهم وتحالفاتهم عشية الانتخابات، قوى إسلامية متشددة راحت هي الأخرى تمارس الإقصاء في حق القوى المدنية أولاً ومن ثم الحكم الجديد الذي ليس «إسلامياً» بما يكفي في نظرها.
    هكذا نرى أن حوادث عنف قد تكون متشابهة تتكرر في مصر وتونس، من اغتيالات واستهداف قوى أمن. ويتكرر أيضاً الكشف عن خلايا إرهابية مرتبطة بـ «القاعدة». أي أن أسلوب إدارة الحكم، عبر استبعاد القوى المدنية والتقرب من الأصوليين، أدى في النهاية إلى انقلاب السحر على الساحر.... هذا ما حصل مع حكم «جبهة التحرير» الذي قضى على المجتمع المدني، فلم يبق أمامه سوى الإسلاميين الذين قاتلوه قبل أن يتقاتلوا في ما بينهم عبر «جبهة الإنقاذ» و «الجماعة الإسلامية». وتكرر شيء مماثل مع الحكم الإسلامي في السودان، ومن ثم في اليمن مع الرئيس السابق علي عبدالله صالح الذي ذهب إلى حد لعب ورقة «القاعدة» ليمنع التغيير في بلاده.
    اليوم تواجه جماعة «الإخوان» في مصر عنف الجماعات الأصولية والمتشددة من قديمة ومتجددة. وبات هؤلاء يشكلون التحدي الأمني الأول لها، مع ما ينطوي عليه ذلك من مخاطر على الشعارات التي رفعت خلال الثورة، وعلى الحد الأدنى المتبقي من الدورة الاقتصادية، والعودة إلى حكم ديكتاتوري بذريعة «التصدي للإرهابيين». والأمر نفسه يتكرر مع الجماعات المتشددة في تونس حيث راح قادة «النهضة» يعلنون «الحرب على الإرهاب».
    هكذا يعتمد «الإخوان» و «النهضة» الإجراءات الأمنية لمواجهة العنف، تماماً ما كانتا تأخذانه على حكمي حسني مبارك وزين العابدين بن علي... إنهما لم يتعلما شيئاً.

    على جانبي الضفة السورية ـ الفلسطينية
    بقلم: باسل أبو حمدة (كاتب فلسطيني) عن القدس العربي
    أقسى ما يثير الدهشة ويفتح الباب واسعا على طيف من الأسئلة الضالة في المشهد السياسي السوري بعد اندلاع ثورة 15 اذار (مارس) 2011 هو حالة الاستقطاب السياسي والفكري المصاحبة لها، التي نجحت حتى الآن في استمالة الأنظمة والمنظومات السياسية الرسمية، اقليميا ودوليا، لكنها لا تزال بعيدة كل البعد عن امكانية تشكيل محور للمقاومة الشعبية ضد أنظمة الاستبداد، لا بل ان هذه الأنظمة نفسها، وعلى رأسها النظام السوري طبعا، هي التي تمكنت، في المقابل، في غفلة من الزمن والعقل معا، من جر مواقف كثيرة تتبناها قوى عديدة تدعي التقدمية والعلمانية والقومجية إلى حظيرتها مشكلة نوعا من الرأي العام، الذي راح يتبلور، رغم هشاشته، باتجاه سرد رواية داعمة لأنظمة لطالما اعتبرتها تلك القوى، التي بدت في سبات طويل، ضمن المعسكر المناهض لها ومن ألد أعدائها.
    الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين تصلح كعينة يمكن سحبها من النسيج الهش للقوى ‘الغيورة’ على العروبة والتقدمية والحالة الثورية، التي انبثقت بوصفها بدائل لأنظمة الاستبداد في المنطقة العربية والعالم، التي خاضت غمار عملية نضالية قالت إنها طويلة الأجل، وحاولت أن تشكل لأجلها أذرعا سياسية طويلة في كل بلد عربي استطاعت إليه سبيلا، على أرضية شعار ناظم يفيد بأن الطريق إلى القدس تمر بالضرورة بالعواصم العربية مهما باعدتها المسافات عن المدينة المقدسة، فمن ينسى، على سبيل المثال، نقطة الخلاف الجوهرية بين النظامين الداخليين لحركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح، التي تدعو إلى عدم التدخل في الشأن العربي من جهة وللجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، التي تدعو إلى استنهاض الشارع العربي والانقلاب على أنظمته الاستبدادية، لإزالة عقبة كأداء أمام تحرير فلسطين، فضلا عن تحرر الشعوب نفسها من تلك الأنظمة.
    ما الذي تغير إذا ودفع قيادة فصيل فلسطيني يساري إلى هذا المنزلق الخطير، بينما كان في وسعه على أقل تقدير اعتماد ما يسمى مبدأ النأي بالنفس عن صراع دام ضحيته الأولى والأخيرة أحد الشعوب العربية، الذي لطالما رفد الثورة الفلسطينية بالكوادر والمقاتلين والأقلام، وسالت دماء أبنائه مدرارة من أجل نصرة القضية الفلسطينية؟ وهل نسيت دوائر الجبهة وأوساطها ما تعرضت له قياداتها وكوادرها وتنظيمها منذ انطلاقتها حتى قبل عام 1967، من قمع وتنكيل وحرمان من العمل السياسي على الساحة السورية حتى عام 1980، حيث لا يشكل زج جورج حبش نفسه في سجن الشيخ حسن المخصص للسجناء السياسيين، الذي يفوق بسمعته المخيفة سجن المزّة سيئ الصيت، سوى نقطة في بحر ما أذاقه النظام السوري من ويلات للشعب الفلسطيني وفصائله الفدائية، وما وجهه من طعنات في الظهر لقضيته الوطنية العادلة؟
    في محاولة الاجابة على سؤال كبير من هذا النوع وأسئلة كثيرة أخرى لا تزال الطبقة المثقفة تحاول عبثا الاجابة عنها منذ انهيار المنظومة الاشتراكية بقيادة الاتحاد السوفييتي، من البداهة بمكان أن تتبادر للذهن جملة من العوامل الكبرى التي راحت تطغى على المشهد السياسي العالمي إثر ذلك السقوط التاريخي المدوي، من أهمها التغيير في موازين القوى العالمية وسيطرة القطب الأحادي عليها، وما إلى ذلك من مقولات راحت تظهر تباعا مغيبة إرادة الشعوب ورغبتها في التغيير وتوقها إلى الحرية وتحقيق العدالة الاجتماعية لصالح سيطرة السياسات الرسمية للدول، خاصة في منطقة الشرق الأوسط، فلا بد من الاشارة هنا إلى أن الكثير من شعوب العالم تمكنت خلال هذه الفترة بالذات من تحقيق نوع من التغيير الديمقراطي في أنظمتها السياسية في غير بلد من أمريكا اللاتينية والجمهوريات السابقة للاتحاد السوفييتي.
    في هذا السياق، يمكن رؤية خروج صارخ لكثير من قوى التحرر والتغيير والديمقراطية في فلسطين والبلدان العربية عن جادة مشاريعها ومنطلقاتها الثورية، التي أسست لظهورها على مدار القرن العشرين وأعطتها مشروعيتها كونها بدت حبلى ببديل من شأنه أن يشكل بديلا حقيقيا عن الأنظمة الرسمية، التي باعت فلسطين وقهرت شعوبها في آن، ذلك أن هذه القوى سعت جاهدة إلى ضبط ايقاعاتها السياسية والفكرية والنفسية على أنغام النظام الرسمي العربي، كل حسب مكان وجوده ووفقا لمطلبات حياته وحياة أفراد أسرته، وهذا ما يفسر تأخر فصيل، مثل حركة حماس في الاجهار بموقفه المنحاز لقضية الشعب السوري في كفاحه المرير للتخلص من نظام الاستبداد، الذي بقي يعد عليه أنفاسه منذ أكثر من أربعين عاما، بينما لا تزال فصائل فلسطينية عديدة أخرى تعيث تشويها لطبيعة الصراع السياسي القائم في سورية وتأبى أن تسمي الأشياء بمسمياتها.
    يقودنا هذا إلى معضلة لطالما شكلت بدورها، بوصلة لحراك مجمل فصائل الثورة الفلسطينية، وكلمة السر فيها هي الجغرافيات السياسية التي تتحرك في إطارها هذه الفصائل والأوضاع المالية، التي شكلت ايضا جزءا من تلك البوصلة، الأمر الذي راح يفعل فعله في انفصالها عن قضاياها التحررية والتقدمية، فظهرت بقوة حركة ‘تفريغ’ المناضلين وجعلهم يعتمدون بصورة مطلقة على الموارد المالية التي تستقيها الفصائل الفلسطينية من هذا النظام أو ذاك، فأصبح المعلم والطبيب والمهندس والعامل والمزارع، وحتى الطالب متفرغا غير منتج وطفيليا وعالة على المجتمع والقضية الوطنية، ما أدى إلى انسلاخ كامل لفئة واسعة ومهمة من الشعب الفلسطيني ليس عن واقع قضيتها الوطنية فحسب، وإنما حتى عن مجتمعها بحيث اصبحت منظومة الانتماء والولاء والانقياد تعتمد منظومة تقديس ما يتلقاه أفرادها من رواتب آخر كل شهر، فأغلقت العيون وسدت الآذان وأغلقت الأفواه وراحت لا ترى ولا تسمع ولا تتكلم إلا بما تقتضيه المصلحة الفردية، بينما طويت، مرة وإلى الأبد، صفحات النضال المجيدة في إطار أخلاقيات مريضة ومنظومة عنوانها الفساد الوجداني وغياب الضمير الوطني.
    وربما هذا ما يفسر ظاهرة تفوق أعداد المتظاهرين من جيش المتفرغين وأفراد عائلاتهم، الذين يخرجون للاحتجاج في مدن الضفة الغربية وقطاع غزة عندما تقرر احدى الجهات المانحة إغلاق صنبور الدولارات على الفلسطينيين، قيادة وموظفين وعناصر، على نظرائهم الذين يخرجون للاحتجاج على الاعتداءات المتكررة التي تشنها قوات الاحتلال على البلاد والعباد كلمـــا راق لها ذلك، وربما هنا يمكن أن تنجلي ولو قليلا دوافع الدهشة من سلوكيات بعض الفصائل الفلسطينية حيال ثورات الربيع العربي وفي مقدمتها الثورة السورية، فمن تراجعت في ذهنه قضيته الوطنية، فإن قضية شعب آخر ستتراجع بالضرورة بدورها، ذلك أن فاقد الشيء لا يعطيه، كما يقال.
    على ضفة أخرى من القضية، ثمة منظرون كثر، يعدون الأخطر في هذه المعادلة النادرة، يحاولون التغطية على هذه المسلكيات المدمرة باتجاه خلط أوراق استحقاقات التغيير الحتمي في النظم السياسية المستبدة، معيدين مقولات أكل عليها الدهر وشرب من نوع تقديم التحرير على الحرية وفصلهما قيصريا ووضعهما قبالة بعضهما بعضا في محاولة بائسة لايهام الناس بوجود تناقض بينهما، بينما الحقيقة الساطعة هي أنهما مترابطان حتى العظم ولا يمكن فصلهما بأي حال من الأحوال، لأن شرط الحرية مقترن بمنجز التحرر والتحرير، وهما توأمان لا انفصام في عراهما، أخذا في الاعتبار تلك المقولة القديمة والمحقة التي اطلقها المفكر عبد الرحمن الكواكبي حين بين في كتابه ‘طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد’ وبطريقة لا تدع مجالا للشك مدى خطورة ما وصفه بداء الاستبداد السياسي، موضحا طبيعة العلاقة العضوية بين الاستبداد والاستعمار بوصف الأول جاذبا للثاني وليس العكس، ومبينا عبثية الفصل بينهما.
    طريق الفلسطينيين إلى ديارهم المقدسة تمر بالضرورة بكل عاصمة عربية ودرب العرب إلى الكرامة والعدالة الاجتماعية والحرية، يمر بالضرورة أيضا بالعاصمة الفلسطينية المنشودة.. دربان في درب واحدة وما المسميات هنا إلا لضرورات التوضيح، وفي ظني أنه لا داعي للتذكير هنا بأن الخارطة السياسية العربية ارتبطت من نشوئها الأول بالمشروع الصهيوني العالمي، الذي يستهدف المنطقة بأسرها ولا يفرق بين فلسطيني وسوري أو بين عراقي ومصري، فالجميع يتساوون في ميزان استعمار ما كان له أن يكون لولا تغول أنظمة الاستبداد.
    عائلة من أجل فلسطين: الأشقّاء عبدالله
    بقلم: أسعد أبو خليل عن الأخبار البيروتية
    ي قبع جورج عبدالله في زنزانته بأمر من الحكومتيْن الأميركية والإسرائيلية. إنّ الحكومات الأوروبية ما عادت إلا مُنفّذة للإرادة الأميركية، كائنة من كانت إدارتها، حتى لو «ميكي ماوس». حتى الحكومة الكنديّة التي كانت تتمتّع بهامش من التنوّر في سياساتها الخارجية مقارنةً بالحكومة الأميركية اعتنقت في العقد الأخير سياسة أميركا الصهيونية بالكامل. في التسعينيات من القرن الماضي، كانت الأجهزة الكندية التي تتعاطى شؤون الهجرة والسياسة الخارجية، تستعين بأصدقاء فلسطين للمشورة، فيما هي اليوم مُلزمة باستشارات الليكود الأميركي والكندي. جورج عبدالله لا تريده أميركا حرّاً حتى لو قضى كل سني عقوبته، وزيادة عليها. إسرائيل لن تسمح بإطلاق سراحه أيضاً. الحكومة الفرنسية مسؤولة عن الأمر، لكنها مُنفّذ صغير. العنوان هو تل أبيب ــ واشنطن. إن الحكومات الغربية تتحدّث كثيراً عن العدالة وتتشدّق في الحديث عن حكم القانون، لكنها تضرب به عرض الحائط متى أرادت هي، ومتى أرادت إسرائيل. والحكومة اللبنانية كاذبة في وعودها وفي اهتماماتها. تتعاطى مع الملفّات بالمداورة والنفاق. الرئيس اللبناني المتجوّل يتماشى مع سياسات قطر والسعودية في ما يتعلّق بالمقاومة والشأن الداخلي اللبناني بناءً على قناعة فكريّة فقط، وليس بناء على رشى كما يزعم مغرضون. صحيح أن كل رئيس لبناني يتلقّى مبلغاً كبيراً من المال من آل سعود ومن آل نهيان عندما يصل إلى السلطة، لكن هذا يدخل في باب الإكرام والتكريم الديبلوماسي. من يصدّق أن ميقاتي أو سليمان أو برّي أثاروا ملفّ عبدالله مع أحد من حكومتيْ فرنسا أو أميركا؟ الأمر لا يعنيهم، مثل أمر المخطوفين اللبنانيّين في أعزاز. لا يتجرّأ مسؤول لبناني على إثارة موضوع مخطوفي أعزاز مع حكومتيْ قطر والسعودية، مثلما لا يجرؤ أهالي المخطوفين أنفسهم وأنفسهنّ على الاحتجاج امام سفارتيْ قطر والسعودية.
    إن عدداً من الأشقاء عبدالله من القبيّات قد نذروا حياتهم لفلسطين. لا جدال في ذلك. ويرتدي الأمر معنى كبيراً في زمن التنصّل من فلسطين، وفي زمن افتضح فيه أمر الطوائف اللبنانيّة: أنها ما كانت تستعين بالثورة الفلسطينيّة إلا لأغراضها ومصالحها الطائفية الصغيرة. حركة «أمل» تلقّت سلاحاً وتدريباً من المقاومة الفلسطينية في بداياتها، ثم عادت ومارست التدريب الفعلي والقتل الفعلي ضد المخيّمات الفلسطينية في لبنان. هذا هو عهد الطوائف المسلحة في لبنان. الأخوة عبدالله لا ينتمون إلى الطوائف في لبنان. هؤلاء من خارج الزمن والتقويم الطائفي. هؤلاء لا «حصّة» لهم ولهذا تبقى قضية جورج عبدالله المنسية والمغيّبة.
    قد يكون هو التقى جورج عبدالله عندما كان فتى، يقول لنفسه، لكنه ليس متأكداً. بعض الصور القديمة تشحذ ذاكرته ويتأكد أحياناً أنه كان يراه في تلك المكاتب الحزبيّة الثوريّة بين الطريق الجديدة والمخيّمات الفلسطينيّة خصوصاً في برج البراجنة وشاتيلا. حتما كان يرى أخا جورج، جوزيف إبراهيم عبدالله. كان يلتقيه في المكتب الحزبي الصغير ويلتقيه في شارع الحمراء عندما كان الأخير يهمّ بركوب سيّارة الفولفو القديمة، أو كان يقودها وتعابير وجهه الصارمة وراء المقود. كان يسرّه أن هذا الشخص الذي تبدو على محيّاه الصرامة والثورية والجدية هو رفيق له. لكنه لم يجرؤ يوماً على تحيّته. ضرورات العمل الحزبي. وهو قد شاهد رفيقاً آخر تعرّض للتقريع لأنه كان لا يستطيع إلا مبادلة التحية عندما كان يلتقي رفيقاً له خارج نطاق العمل الحزبي في الشارع أو الدكان. لكن ضرورات العمل الحزبي السرّي كانت مضحكة أحياناً: يذكر في مخيّم تدريب كيف هرع رفيق وهو يصيح: من هو عبدالله...؟ إن عمّتك تسلّم عليك وبالها مشغول. شتم الرفيق العمل السرّي ومسرحياته يومها.
    عندما كان يرى جوزف عبدالله، كان يشعر بصغر حجمه النضالي. كان يشعر أن ذاك المناضل هو الحقيقي الذي لا يلين. لم يره يبتسم مرّة واحدة، لكنه كان واثقاً أنه لم يكن من جماعة «البوزات الثورية» المنتشرين في المقاهي والمكاتب الحزبية (وأكثر هؤلاء «تحوّلوا» لمجرّد أن خرجت قوّات المقاومة في لبنان). كان يبدو أنه منهمك دوماً بأعمال نضالية سرية كبيرة، وهو لا يزال يحتفظ بكرّاس ــ اندثر زمن الكراريس الجميلة ــ يحمل اسمه الحركي.
    عرف شقيقاً آخر من الأشقاء عبدالله في مخيّمات التدريب جنوب لبنان. كانت دورة مكثّفة وطويلة، غير تلك الدورات السريعة التي كانت تُعد لأبناء المدارس النخبوية وبناتها. كانت معسكرات التدريب آنذاك تعجّ بمتطوعين عرب (وبعض الأجانب، وبعضهم كان مشبوهاً حتماً) من كل الدول العربية ومن المنفى أيضاً. كان زمناً آخر، غير الزمن الذي يتقاطر فيه المتطوّعون بالأجرة إلى مضارب النفط والغاز لتقديم الطاعة والولاء. ذلك كان زمناً لا يدري به من تعوّد على الزمن الحريري والفتن المذهبيّة الصاعدة. الشقيق الآخر، «إ.»، كان يدرس الهندسة في بلغاريا وعاد في عطلة الصيف، عبر حثّ من جورج وجوزيف ومن الحمية الثورية العائلية، كي يُكمل تلك الدورة ويقوم بالمهام النضاليّة. سمع باسمه في الثمانينيات عندما اتهمته الحكومة الفرنسية بشتّى التهم، وكادت أن تحمّله مسؤولية الاحتلال النازي لفرنسا أثناء الحرب العالمية الثانية. عاد إ. بعد الاجتياح الإسرائيلي عام 1978 عندما ساد شعور بضرورة الإعداد العسكري الجيّد (والذي كان يحاربه ياسر عرفات الذي لم تكن الثورة عنده إلا ورقة تفاوضيّة، فلا هو أجاد الثورة ولا هو أجاد الديبلوماسية، كما حكم عليه ذات مرّة زبغنيو برجنسكي). كان الطلاب العرب يأتون من البحرين والكويت وتونس ومن سائر الدول الأوروبية للتدرّب في مخيمات الثورة الفلسطينية. كانت دورة مرهقة وشابتها خلافات كادت أن تصل إلى مرحلة الاشتباك المُسلّح، وانقسم الأعضاء فريقيْن، وكان هو والشقيق من عائلة عبدالله في فريق واحد ينبذ الطائفية والشللية والصبيانية التي حكمت أداء المدرّب اللبناني. وصلت القضيّة إلى القيادة في بيروت وانتدبت «الرفيق لطفي»، وهو واحد من أنبل المناضلين في رحم الثورة. كان «لطفي» هذا يجلس تحت الشمس ويجعلك تدرك أنه سئم الانتظار لبدء معركة تحرير فلسطين.
    عرفه بالاسم الحركي فقط، لكن صداقة نمت واعترف له باسمه وتحدّث عن عائلته من دون زهو ثوري ومن دون الاستعانة بوساطة شقيقيْن له منغمسيْن في نضال كبير. يذكر أن بعض الرفاق اشتبه به في البداية لأن لـ«إ.» ملامح أوروبيّة. الحريصون على السرية الثورية تحادثوا في ما بينهم: ماذا يفعل هذا الأوروبي بيننا، وأي جهاز استخبارات أرسله، قبل أن يعلمه أنه واحد من العائلة الثورية كان معروفاً من قبل المتمرّسين في النضال على المستوى القيادي. ثم هذه اللهجة العكارية الثقيلة ليست أوروبية إطلاقاً. مرّ الكثير من الأحداث في ذلك الصيف. يذكر في ما يذكر ذلك الرفيق الصادق من بعلبك الذي كان يطلب منه إعطاءه نماذج من اللهجة البعلبكية، خصوصاً كلمة «جورد» (أو جرْد)، كما يذكر رفيقاً آخر قامت القيامة عليه لأنه ضُبط هو ورفاقه المتزمّتون يستمعون إلى ترتيل قرآني. طالبوا بإخراجه الفوري من المعسكر، وصاحوا في وجهه باستشهادات من ماركس ولينين. لكن ما يذكره عن الرفيق إ. أنه كان مثل شقيقيْه: ذروة في التفاني والإخلاص والصدق والابتعاد عن الزهو الثوري، بالإضافة إلى شراهة في التدخين.
    قضيّة جورج إبراهيم عبدالله لا علاقة لها بالقانون. إسرائيل وأميركا تريدان الانتقام على الطريقة القبليّة القديمة للاقتصاص من كل من رفع صوتاً أو سلاحاً يوماً ضد الصهاينة. لهذا ترحّل كندا رجلاً فلسطينياً وهو جَدّ فقط، كي تلبّي رغبات إسرائيل في الانتقام التاريخي. على عكس العرب، أو بعضهم، ترحّب حكومات العرب بمجرمي الحرب الإسرائيليّين بعد أشهر فقط، أو أسابيع في السرّ، من ارتكابهم لجرائم الحرب. نتنياهو تناول الفطور مع حسني مبارك بعد مجازر ضد العرب، الواحدة ضد الأخرى. وحكومة «حماس» ترحّب ولكن سرّاً بمجرمي الحرب الإسرائيليّين: هذا هو الجهاد المقيت الذي سمعنا عنه لعقود في الخطاب الإسلامي لكنه يُختزل اليوم بعبارة «ضرورة احترام الاتفاقات الدولية» ــ مع العدوّ الإسرائيلي.
    لا تريد إسرائيل وأميركا أن يعود جورج إبراهيم عبدالله إلى وطنه وأرضه. تعرفان أن هذا الرجل من صنف آخر: ليس من هؤلاء الذين ينبذون ماضيهم وتاريخهم. ليس من طراز أحمد قعبور الذي ــ في حديث لموقع «مدن الملح والغاز» ــ ينفي أن تكون أنشودة «أناديكم» عن فلسطين، وكأن الشاعر، توفيق زياد، كتبها عن نضال آل سعود وآل الحريري. تعلم أميركا وإسرائيل أن جورج إبراهيم عبدالله ليس من صنف مثقّفي الليبرالية وبعض اليسارية المتشتتي الذهن، الذين يغيّرون العقائد والسياسات بناء على اتجاهات الوسيلة الإعلاميّة التي يكتبون فيها. لا، جورج إبراهيم عبدالله ليس من هؤلاء.
    وجورج عبدالله لم يكن من الذين يعرّضون حياة المدنيّين للخطر. لم يكن مثل هؤلاء الذين يضعون العبوات في أماكن مكتظّة بالآهلين ــ مثل الصهاينة ومثل حلفاء الصهاينة في الضفة وغزة من الذين تلقّوا الصفح الإسرائيلي مكافأة لهم على خدماتهم الأمنيّة وجهودهم في خدمة العدوّ بأي طريقة كانت. جورج عبدالله كان من مدرسة وديع حدّاد الذي استهدف العدوّ «في كل مكان»، ومن دون أن يقصد استهداف أي مدني قطّ. ليس من مدرسة جهاد السيّارات المفخّخة أو من مدرسة اغتيال ياسر عرفات لناجي العلي. لم تكن تلك مدرسة جورج عبدالله.
    الزمن تغيّر والمقاييس تغيّرت والمعايير عُكست. لكن الأخوة عبدالله لم يتغيّروا. الثلث المعطّل لا يعنيهم، ولا يعنيهم القانون الانتخابي. بالمعيار الانتخابي هؤلاء ينتمون إلى الزمن الخشبي الجميل، لكن حكم هؤلاء لا يعنيهم: الزمن الجميل عند هؤلاء هو الزمن الخشبي الثوري وليس زمن كميل شمعون وسليمان فرنجية ومؤامراتهما ضد عبد الناصر وضد الثورة الفلسطينيّة في لبنان. في الزمن الخشبي كان ولا يزال تحرير فلسطين هو الشغل الشاغل. بعض رفاق عبدالله تغيّروا كثيراً. لا أريد لـ«إ» عبدالله أن يعلم أن بعض من كان معه في الخيمة نفسها بالمعسكر التدريبي تغيّر كثيراً وبات من مؤيّدي رونالد ريغان ويباهي بحبّه للرأسماليّة وهو ينحني إذا ظهر شيخ إماراتي على شاشة التلفزيون. لا أريد أن أشوّه مخيّلة «إ.» الثوريّة. لكن الأخوة عبدالله ثبتوا. كل من مرّ في تجربة الثورة الفلسطينيّة في لبنان مدين للأخوة عبدالله: هم ثبتوا ولم يتغيّروا ولم يقصّروا ولم يتباطأوا. هم الكبار، ونحن ــ الذين ثبتوا والذين تراجعوا ــ صغار، صغار. نحن نصغر في كل يوم يقبع فيه جورج عبدالله في سجنه، والأخوة عبدالله يكبرون، في الأسر وخارجه.

    روسيا والمحادثات "الإسرائيلية" والأمريكية
    بقلم: د. رحيّل غرايبة عن العرب اليوم الأردنية
    شهدت الأيام السابقة محادثات روسية – أمريكية، ومحادثات روسية – "إسرائيلية"، كانت محل اهتمام المراقبين السياسيين على مستوى العالم، في ظل الأزمة السوريّة المتفاقمة، وكانت هناك توقعات أن تسفر هذه المحادثات عن اتفاق روسي أمريكي، يؤدي إلى انفراج ما على صعيد ما يجري في سوريا.
    كانت المفاجأة أن روسيا أقدمت على تزويد سوريا بأسلحة متطورة تشمل على صواريخ روسية حديثة، وأعلن وزير الخارجية الروسي أن تزويد سوريا بهذه الأسلحة المتطورة لا تخل بالاتفاقيات الدولية، مما يؤشر بوضوح الى أن هذا التصريح يعتبر رسالة تطمين إلى "اسرائيل" ومن ورائها أمريكا.
    الأحداث تتكشف مرة أخرى على أن المحادثات السابقة التي تمت لم تكن إلا تعبيرا عن تواصل الجهود الدولية من أجل ضمان أمن "إسرائيل"، وأن هناك ضمانات يعدم استخدامها ضد اسرائيل، وهي فقط موجهة إلى الشعب السوري وإلى صدور المقاتلين المعارضين للنظام فقط، مما يدلك بوضوح على معالم اتفاق دولي، تشترك فيه روسيا وأمريكا واسرائيل، إلى الاستمرار في مخطط الإنهاك والتدمير للدولة السورية والشعب السوري، وأصبح الخيار الواضح لدى هذه الأطراف الدولية أن بقاء نظام الأسد على هذا النحو يمثل مصلحة دولية ومصلحة إقليمية ومصلحة "اسرائيلية" بالدرجة الأولى.
    بقاء النظام يمثل مصلحة اسرائيلية، لأنه يتبنى نظام الممانعة الناعم الذي ضمن أمن حدود الجولان لمدة تزيد على أربعين سنة بنجاح منقطع النظير، والنجاح بتحقيق الأمن على الحدود الأخرى بعشرات الأضعاف. وهو يتبنى نظاماً للممانعة يحول دون خروج السلاح الجوي السوري ضد "إسرائيل" ولو لمرة واحدة، ويحول دون اعتراض الطيران "الإسرائيلي" الذي يستبيح الأجواء السورية طولاً وعرضاً، ولا يطلق عليه طلقة واحدة، رغم أنه قام بالتحليق فوق قصور الأسد بطريقة تحمل أعلى مستويات الإذلال والإهانة.
    لقد حوّل الطيران "الإسرائيلي" مركز الأبحاث السوري ومخزن الأسلحة السورية إلى جهنم، وحولها ركاماً، في عملية تدميرية قبيل الفجر، تذكرنا بعملية تدمير الطيران المصري بشكل كامل عام (67)، دون إلحاق الأذى بأية طائرة صهيونية، ودون محاولة إطلاق قذيفة واحدة ولو من باب بياض الوجه، ومثلت هذه الضربة رسالة صهيونية قوية لكل الأطراف وعلى رأسها إيران!!
    هذا النظام الذي يستخدم الأسلحة الاستراتيجية ضد شعبه لم يفكر مرة واحدة بتوجيه ضربة واحدة ولو من باب الخطأ نحو اسرائيل، رغم أنه يحتفظ بحق الرد في المكان والزمان المناسبين.
    لقد اختار النظام الرد "الاستراتيجي" وليس الرد التكتيكي المنفعل ضد العدو الصهيوني، فهل الأمور تسير فعلاً نحو تهديد أمن اسرائيل المستقبلي، وهل يعدنا النظام بأنه يعد لضربة ماحقة ساحقة ضد الكيان الصهيوني الذي يحتل الجولان منذ (46) عاماً، وهل أصبحت الجولان على وشك التحرير.
    لقد انسلخ نصف قرن من عمر الشعب السوري والشعوب العربية، وهم يستمعون للإعلام السوري الذي يتغنى بالممانعة، ورضيت بحياة الذل والهوان والمطاردة وكبت الأنفاس، ونهب المقدرات وافقار شرائح الشعب من أجل أن يكتشف المرة تلو المرة، أن الأسلحة الروسية المتطورة المستوردة، والطيران العسكري والمروحيات، والأسلحة الكيماوية ما هي إلا لقتل الشعب السوري وافنائه، وتحويل سوريا إلى ركام، وأن هناك قيودا وضوابط دولية على هذه الأسلحة الحديثة المستوردة أن لا يتم توجيهها إلى "اسرائيل"، وإلا فإنها تمتلك حق تدميرها في الأعماق السورية في أي وقت من ليل أو نهار مع توفير ضمانات سلامة الطائرات الصهيونية التي تقوم بالغارات، وعودتها دون أن تصاب بأي أذى!!!
    القدرة على مواصلة عملية التضليل والخداع لمدة نصف قرن دون ملل أو كلل تستحق الحسد فعلاً، وإن القدرة الفائقة التي يملكها بعض الكتّاب على قلب الحقائق طوال هذه السنوات بهذا النفس الطويل أمر يستحق الحسد أيضاً، وقدرة بعض الفئات على ممارسة الانتظار سنة بعد سنة، وجيلاً بعد جيل، وعقداً بعد عقد، وهم يعيشون الهزيمة تلو الهزيمة، ويشهدون النزيف المستمر بالدم والمال والكرامة.. أمر مدهش، تستحق أن تدخل كتاب "جينس" في مستوى بلادة الحس والسبات الطويل الممتد.

    ما وراء الأخبار.. هل ثمة عاقل؟!
    بقلم: شارل كاملة عن تشرين السورية
    يخطئ كثيراً من يظن أن ما يجري الآن من حشد إعلامي وسياسي وعسكري ضد بعض الدول العربية وبخاصة سورية هو لفرض مبادئ أخلاقية مثالية, أو فقط لشن حروب مدمرة صغيرة على «دول خارجة على القانون» وفق تصنيف غربي أعرج, أو «الدول الخارقة لمبدأ حقوق الإنسان, أو لغياب حق الحرية والاختيار» وغيرها من التوصيفات والتصنيفات الغربية التي قسمت الدول إلى فئات متناحرة تمهد لذريعة تتطلب تدخلاً دولياً بزعم إعادة ترتيب الأوضاع..
    بماذا أنبأ حراك أروقة الجمعية العامة للأمم المتحدة في نعيق بعض دولها حين مناقشة شأن سوري, ليس فقط لا يفترض أن يناقش إلا وفق أخلاقية متزنة وعقلانية وواقعية.. بل استناداً إلى حقائق كانت ناضجة تماماً وتم تغييبها, وصارخة تم إسكاتها, وواضحة وتم إظهار نقيضها..؟

    بماذا أنبا ذاك الحراك الشيطاني..؟ لم ينبئ إلا بصورة تؤكد استمرار سيطرة رؤى الشيطان ومعه طبول الحرب التي لا تكف عن القرع.. جو سياسي عالمي يصر على التلوث والتغول بأدخنة الحروب وروائح البارود, بؤر تأزم سياسي وعسكري تعصف بالأهواء والمصالح... آليات تغييب الوعي تفاقم ضروب الالتباس في العلاقات السياسية, والإنسانية.. هل ثمة عاقل متزن يعيد التوازن إلى الأعراف الدبلوماسية المختلة بين الدول والمنظمات الكونية بعيداً عن لغة التخاذل وتسويق الحروب والموت؟.
    ثمة مقاربات في هذا الاتجاه تلزمها مخالب أكثر قوة وأنياب أكثر حدة للجم هذه الاندفاعة الكونية نحو الخراب والدمار.. هل تستطيع.؟
    ما جرى في الأروقة الأممية لا ينبئ بأن رياحاً ستأتي يؤمل أن تغير صورة المشهد الآتي...
    منذ عقد ونيف تعاهدت دول الشيطان والمصالح على أن تغير الجغرافيا السكانية والمذهبية, كان العراق مسرح التجربة القريبة إلى الأذهان اليوم.. فثمة احتلال وقتل, تجويع, وترويع, وتمزيق العراق ونهب لخيراته وإحراق ثرواته وحضارته, إشعال الفتن وزرع الرعب والخوف وشرعنة القتل, الموت متربص في كل زاوية.. ملايين من المنكوبين والمشردين. نعرف أن الهوس المصالحي والمادي لا يعرف اللمسة الحانية.. يسير غير عابئ بالخراب, هل يتكرر المشهد.. وقائع وحقائق وواقع كلها تؤكد أن لحظة صدام اقتربت, بين حق وحياة وبين من يحارب باسم القضاء على الظلم وتحقيق العدالة.. ونعرف أنها ذرائع تتشكل وفق إملاءات تنفيذ ذلك الهوس الشيطاني ولم تهمهم يوماً الدماء التي تسفك مادامت تنبت أرصدة تملأ البنوك ومن خلفهم آلات إعلامية يضج صوتها بالكذب والنفاق والتضليل!
    مشهد طويل ويمكن الاستفاضة فيه أكثر, لكن ثمة سؤال يغيب: من المستفيد الأكبر.. وتجري عروض إخفائه وإظهار ما يريدون.؟ لماذا تغيب «إسرائيل» اليوم وهي في أعلى سلم العنصرية.. وهي من تستحق اعتبارها كياناً مارقاً, والتعامل معه دولياً وأممياً على هذا الأساس وعزله ومساءلته ومعاقبته, لو كانت هناك شرعية دولية حقاً, وليس ما يفرض بالحديد والنار واللاعقل من شريعة الغاب التي تسود في زمننا هذا.؟ ألم نتساءل: هل ثمة عاقل في هذا الزمن؟
    من الواقع: أســئلة حـــول سياسة الحكم في مصر
    بقلم: محمد فودة عن المساء الجزائرية
    لكل تصرف أو فعل أو سياسة ينتهجها الإنسان علي المستوي الفردي أو الجماعي فلسفة وهدف يمكن فهمه بسهولة وتفسير مقاصده وتحليل فعله وردود هذا الفعل إلا ما يجري في مصر حالياً فقد عجز التفكير عن الفهم وربط الأحداث ببعضها وبالتالي عجز عن الوصول إلي فلسفته.
    ما من شك أن أي إنسان في مصر غير راض عما يجري من أحداث.. وأي إنسان لا يدري ما تخبئه له الأيام القادمة.. كلنا نعيش في أجواء ضبابية بل معتمة ننتظر المجهول.. فاليوم لم يكن أفضل من الأمس.. ولا نتوقع أن يكون الغد أفضل من اليوم.
    كل الدول في العالم لها خطط واضحة وبرامج محددة ترسم لشعوبها حياتهم المستقبلية.. ويتم التنفيذ تدريجياً طبقاً لهذه الخطط والبرامج ويشعر الناس أن حياتهم تسير إلي الأفضل إلا نحن في مصر.
    الرئيس الدكتور محمد مرسي يعدنا بالأفضل. ولا نشك لحظة واحدة في نياته الطيبة وحرصه علي ذلك.. فالرئيس وصل إلي الحكم وربما لم يكن ذلك في تخطيطه أو حسبانه قبل عدة سنوات.. ولكن الأقدار حملته إلينا ليكون حاكماً ضمن سلسلة حكام مصر. وهو يريد أن يترك لنفسه بصمة وأثراً طيباً يسجله له التاريخ. فلا يوجد إنسان علي وجه البسيطة يتولي مسئولية حكم بلد ويرضي بالفشل ويسجله التاريخ في صفحاته غير الناصعة.
    ولكن السؤال: هل الأجواء المحيطة بالرئيس تساعده علي أن ينهج سياسة إيجابية تحقق له نياته الطيبة ويصل بهذا الشعب إلي حياة أفضل وتكون صفحته مشرقة في سجل التاريخ؟
    قد يقول البعض: هناك أيد وقوي داخلية وخارجية لا تريد لمصر الاستقرار. ولا تريد لها أن تنهض. ويحمل هذا البعض سبب فشل ما نحن فيه الآن علي هذه القوي.
    ما من شك أن القوي الخارجية لا تستطيع أن تخترق بلداً وتحقق فيه مآربها إذا كان هذا البلد متماسكاً في جبهته الداخلية ويلتف حول مصالحه العليا.. فإذا انفرط عقد هذا البلد لابد أن نسأل ونتساءل عن الأسباب والعلل.
    ومن الطبيعي أن المعارضة تشدد حملاتها علي النظام الحاكم وتركز علي كشف سياساته الخاطئة وتتوجه بها إلي المواطنين للعمل علي تقويضه لتحل هي محله.. وهذه طبيعة كل معارضة في أي بلد.. إذن عملية الشد والجذب بين النظام الحاكم والمعارضة أمر طبيعي.
    ويأتي الدور للحديث عن القوي المؤيدة للنظام الحاكم وللرئيس بالذات لأنه رمز هذه القوي.. فهل هذه القوي تعمل علي تهدئة الأجواء من حول الرئيس لتتيح أو تهيئ له الأرضية الممهدة التي يسلكها للوصول إلي تحقيق سياساته وأهدافه؟!
    لن استرسل في تعديد العقبات التي توضع أمام الرئيس وتعرقل سرعة الوصول إلي أهدافه رغم ما يبذله من جهد علي المستوي الخارجي للحصول علي الدعم الذي يخرج مصر من أزمتها الاقتصادية. وسوف أركز علي موضوعين اثنين فقط في صيغة سؤالين.
    * أولاً: ما هو الهدف من العمل علي توتر العلاقة بين مؤسسة الرئاسة والسلطة القضائية؟! وهل أعضاء الأغلبية في مجلس الشوري الذين ينتمي إليهم الرئيس حريصون علي إزالة هذا التوتر؟! أم أنهم يعملون علي تصعيده؟!
    وأرجو ألا يظن أحد أن أعضاء السلطة القضائية الذين يبلغ عددهم نحو 15 ألفاً ليس وراءهم قطاع كبير من الشعب يتعاطف معهم ويؤيدهم. وأنهم بوضعهم وتاريخهم يمثلون ضلعاً قوياً من ضلوع نظام الحكم.
    * ثانياً: إن تنمية محور قناة السويس مشروع قومي بكل المقاييس. والمشروعات القومية لا ينفرد بها نظام أو فصيل أو جماعة ولكن لابد من اشراك النخبة وأصحاب الاختصاص من كل القوي ليخرج المشروع متكاملاً يحقق الهدف منه بدلاً من اللغو الذي يدور حوله والتشكيك فيه.
    ونعود إلي سؤال النهاية: من المسئول عن الأوضاع المقلقة التي تحيط بالرئيس؟ وما هي الفلسفة المستهدفة من هذه الأوضاع؟

    جمع التوقيعات ليس خروجا على الشرعية والدستور
    بقلم: حافظ أبو سعدة عن اليوم السابع المصرية
    بعد نجاح حركة تمرد فى التواصل مع المواطن المصرى البسيط وخلق حالة من الحراك السياسى والاجتماعى الفعال على الساحة السياسية للتعبير عن الرغبة فى تغيير النظام، على أساس أنها حركة سلمية تعلن احتجاجها لممارسات الرئيس ومؤسسات الدولة وعدم قدرة مؤسسة الرئاسة على الوفاء بتعهداتها باحترام حقوق المواطن المصرى البسيط وتحقيق الديمقراطية التى خرجت الجماهير للمطالبة بها فى ثورة الخامس والعشرين من يناير.. الغريب أن محاميا تقدم ببلاغ للنائب العام يتهم فيه مؤسس الحركة «تمرد» بالدعوة لقلب نظام الحكم، والتى تشترط فى قانون العقوبات أن يكون تنظيما أو عصابة تسعى لقلب النظام أى القفز على السلطة بغير الطرق الديمقراطية السلمية، ويرد استخدام العنف أو القوة، وهو معلم تطالب به الحركة التى تدعو إلى إعلان الرأى فى النظام وليس قلبه.
    ثار تساؤل فى غاية الأهمية داخل الشارع المصرى وهو هل يعد جمع توقيعات للإطاحة بالرئيس مرسى خروجا على الدستور والشرعية وقواعد الديمقراطية، أم أن هذا الأمر يأتى متسقا مع الديمقراطية؟ وللإجابة على هذا السؤال فإن الأمر يتطلب منا أن نشرح مواد الدستور المصرى فى بداية الأمر، إذا يؤكد الدستور فى متن مادته الخامسة على أن «السيادة للشعب يمارسها ويحميها، ويصون وحدته الوطنية، وهو مصدر السلطات؛ وذلك على النحو المبين فى الدستور»، وهذا معناه أن الشعب المصرى من حقه وفقا لقواعد العملية الديمقراطية أن يعبر عن إرادته بكل الأشكال فى التعبير، بما فى ذلك حقه فى جمع توقيعات خروج على القانون، وكذلك نص المادة 152 من الدستور والخاصة بمحاكمة رئيس الجمهورية والتى تعطى مجلس النواب الحق فى اتهام رئيس الجمهورية، وبالتالى فإذا كان هذا الحق أعطى لمجلس النواب وهو ممثل الشعب وعليه فإنه بالتبعية حق أصيل للشعب المصرى.. وهنا فإن الشرط الوحيد الذى يتطلبه القانون هو أن تكون هذه الحركة فى إطار من السلمية ولا تدعو إلى أى شكل من أشكال العنف أو استخدامه أو القوة، وإنما تعتمد على الإقناع والتأثير على الرأى العام لتبنى مواقف معينة وسياسات محددة، خاصة بعد فشل الرئيس المنتخب فى تنفيذ وعوده التى قطعها على نفسه للشعب المصرى.
    وفى هذا الإطار يجب التأكيد على أن عدم احترام الآليات الديمقراطية وحقوق الإنسان والاستبداد والديكتاتورية يعطى الشعوب وفقا للإعلان العالمى لحقوق الإنسان الحق فى الخروج والتمرد، بل الثورة على الحكام طالما فشلوا فى إرساء قواعد الديمقراطية، وبالتالى على مؤسسة الرئاسة وحزب الحرية والعدالة بدلا من الطعن على قانونية هذا التحرك السلمى من الأفضل أن تبادر إلى عمل حوار وطنى مع كل القوى السياسية والمجتمعية للخروج من المأزق الراهن، ووقف سياسات العناد والتكبر والتعالى على الشعب وعلى القوى السياسية، وإلا فإن القيادة الحالية لم تتعلم بأى حال من الأحوال من دروس الماضى القريب والتى خرج فيها الشعب المصرى للثورة على الرئيس السابق بعد انغلاق كل طرق التعبير السلمى عن الرأى، والإصرار على تحدى إرادة التغيير.

    الملفات المرفقة الملفات المرفقة

المواضيع المتشابهه

  1. اقلام واراء عربي 367
    بواسطة Aburas في المنتدى أقلام وآراء عربي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2013-04-15, 10:43 AM
  2. اقلام واراء عربي 277
    بواسطة Haneen في المنتدى أقلام وآراء عربي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2013-01-07, 01:14 PM
  3. اقلام واراء عربي 276
    بواسطة Haneen في المنتدى أقلام وآراء عربي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2013-01-07, 01:14 PM
  4. اقلام واراء عربي 275
    بواسطة Haneen في المنتدى أقلام وآراء عربي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2013-01-07, 01:13 PM
  5. اقلام واراء عربي 274
    بواسطة Haneen في المنتدى أقلام وآراء عربي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2013-01-07, 01:12 PM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •