النتائج 1 إلى 1 من 1

الموضوع: اقلام واراء عربي 408

مشاهدة المواضيع

  1. #1

    اقلام واراء عربي 408

    اقلام واراء عربي 408
    26/5/2013

    في هذا الملــــف:
    أحلام… «هنية» !!
    بقلم: محمد خروب عن الرأي الأردنية

    «حماس» العظمى ومصر الصغرى!
    بقلم: محمد أمين عن القبس الكويتية

    وعد العودة لا يموت
    بقلم: علي بدوان عن الوطن القطرية

    هل كان هناك حقاً ربيع عربي؟
    بقلم: خالد الدخيل عن الحياة اللندنية


    حزب الله.. كذبة الإعلام العربي
    بقلم: عبد الرحمن الراشد عن الشرق الأوسط

    رأي البيان: الخطر القادم
    بقلم: أسرة التحرير عن البيان الاماراتية

    أموال وســياســات
    بقلم: أسرة التحرير عن البعث السورية

    مقاطعة العدوّ... شرقاً وغرباً
    بقلم: أسعد أبو خليل عن الأخبار البيروتية

    «الإخوان المسلمون» وسوريا... إنها معركة مصير!
    بقلم: جمال خاشقجي عن الوطن البحرينية

    يكفينا ما فينا !!
    بقلم: محمد أبوكريشة عن الجمهورية المصرية



    أحلام… «هنية» !!
    بقلم: محمد خروب عن الرأي الأردنية
    طريفة ولافتة دعوة الأستاذ (الشيخ) إسماعيل هنية، مصر لإعادة النظر أو إلغاء اتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل، ووجه الطرافة في هذه الدعوة أن الداعي حفظه الله، هو رئيس حكومة مُقالة كان وما يزال ممثلاً لحركة «وليدة» عن جماعة الاخوان المسلمين الأم (المصرية) وعلى علاقة تبدو حتى الآن وكأنها استراتيجية أو قريبة من هذا المفهوم أقله ظاهرياً، ما يعني أيضاً كون سماحة الشيخ رئيس الوزراء، يدرك جيداً أن جماعة الاخوان المسلمين المصرية بكل رموزها بدءاً بالمرشد وليس إنتهاء بمندوبها في قصر الاتحادية الدكتور محمد مرسي، قَدّمت لواشنطن الضمانات (وليس مجرد الوعود) الكافية بأن معاهدة «مقدسة» كهذه، لن تُمسّ ولن يجري عليها مجرد تعديل، إذا ما رفضت إسرائيل فتحها (وقد رفضت تل أبيب ذلك فعلاً، بحسم وغضب)..
    أما أنها لافتة، فقط في كونها جاءت وسط أنباء متواترة تتحدث عن توتر في علاقات حكومة غزة مع مؤسسات مصرية عديدة (ليس منها مؤسسة الرئاسة الاخوانية) وبخاصة بعد ان تكشفت وثائق ومعلومات عن مساهمة أفراد من حركة حماس في مهاجمة السجون المصرية خلال ثورة 25 يناير واخراجهم معتقلي الاخوان وتأمينهم بهواتف الثريا (تحدث محمد مرسي من هاتف ثريا مع قناة الجزيرة مباشرة بعدما اخرجه عناصر حماس) ناهيك عمّا يُشاع حول وجود عناصر من حماس لحماية قادة الاخوان..
    دعوة هنية إذاً تفوح منها رائحة الاستهبال، استهبال الجمهور الفلسطيني أولاً، ففضلاً عن اندراجها في خانة المزايدة التي نحسب أنها بغير مردود لأسباب عديدة أقلها أن هنية (كما قادة حماس) يعلم أن التعهد الاخواني لواشنطن وتل ابيب، كان الثمن الذي دفعه الاخوان كي يصلوا الى حكم مصر حتى من خلال الصناديق التي لم تكن نسبة الـ 7,0% التي قدّمته على الفريق احمد شفيق سوى صناعة وتدليس المجلس العسكري بعد طول التباس (واحتباس للصناديق) واعلان حال الطوارئ وغيرها من الاجراءات التي ارادت «تأمين» قبول المصريين بالنتيجة، رغم ان قوى قومية ويسارية وناصرية صوتت لصالح مرسي ليس حباً فيه او بجماعته بل رفضاً لمرشح الفلول وكراهية لكل ما مثله عهد حسني مبارك من استبداد ورعونة وتبعية واذلال لمصر وشعبها واهدار لمواردها ودورها الاقليمي ناهيك عن افقار المصريين والتنكيل بهم..
    هنا تحضر اجواء «خطبة» الجمعة التي دعا هنية من خلالها مصر «الاخوانية» الى اعادة النظر والغاء معاهدة كامب ديفيد، وكأني بالرجل يريد «التمايز» عن استراتيجية حركته الجديدة او النأي بنفسه عن النهج «التفاوضي» الذي يقوده خالد مشعل، مُنافِسُهُ على رئاسة الحركة والذي كاد (هنية) ان يفوز بها لولا ضغوط عربية ومصرية (رغم ان اخوان مصر انحازوا لمرشحهم المفضل موسى ابو مرزوق) أفضت الى تقاسم «الادوار» والصلاحيات ومنحت «حماسيي غزة» بعضاً من «المجد» الذي حصده خالد مشعل شخصياً فيما الذي صنع ذلك المجد (او الانتصار الذي يصر حماسيو غزة على انه تحقق) هم اهل غزة وفصائل المقاومة الاخرى وفي مقدمتها الجهاد الاسلامي وليس حماس وحدها التي تلتزم حرفياً وحتى الأن باتفاق «الهدنة» الذي وقعته مع اسرائيل برعاية اخوانية مصرية، على نحو بدا للجميع في غزة وفلسطين والعالم العربي، أن لا شيء تغير في مصر بعد ثورة 25 يناير عمّا كان نظام مبارك يقوم به في «القناة» الاسرائيلية الفلسطينية، بل ربما تكون اجراءات نظام مبارك اقل «قسوة» مما يقوم به نظام الاخوان في مصر تجاه «الانفاق» الذي يغرق بعضها بالمياه العادمة وينسف غيرها..
    اسماعيل هنية ليس محمود الزهار، قد يكون اكثر استقلالية واعتداداً بالنفس وغير منخرط في كواليس السياسة ولعبة المحاور والبروتوكول الرئاسي الذي بات جزءاً من سلوك خالد مشعل منذ ان اعترفت عواصم اقليمية «مؤثرة» وحركات مقاومة ذات وزن في معادلات المنطقة... بزعامته، لكنه (هنية) في «مزايدته» الواضحة على مصر الاخوانية، يبدو كمن يُعاقب نفسه أو يطلق النار على رجليه لأن «ثعابين» الاخوان وأنصارهم (فضلاً عن التيار الانعزالي الكاره لفلسطين والفلسطينيين والعرب في العموم) سيخرجون من جحورهم، وينقضون على «أبو العبد»، وربما يطالبون بعزله أو وضع اسمه على القوائم السوداء ومنعه من دخول مصر عبر معبر رفح الذي بات اغلاقه اعتيادياً كما كانت الحال في عهد حسني مبارك.
    أين من هنا؟..
    دعوة هنية ليست هفوة أو زلّة لسان، قد يكون الرجل قالها في لحظة انفعال أمام جموع المصلين الذي كانوا ينصتون إلى خطبته، لكنها تعكس موقفاً سياسياً لا تشاركه فيه من أسف قيادات حماس الأخرى، التي لا تتوقف عن دعوة الغرب الاستعماري الداعم الأبرز لإسرائيل وسياستها العنصرية، الى الاعتراف بحماس ورفع اسمها عن قائمة الحركات الإرهابية وتقارن ذلك بالانفتاح (والاعتراف) الذي تُبديه واشنطن تجاه جماعة الاخوان المسلمين الأم (المصرية)، فلماذا لا يعاملون البنت أو الحفيدة كما يعاملون الأم؟
    سؤال برسم الأستاذ هنية الذي اجتاز الخط الأحمر وعليه أن يعتذر عن ذلك أو يواصل «أحلامه» التي لن تتحقق في ما نحسب ونظن.

    «حماس» العظمى ومصر الصغرى!
    بقلم: محمد أمين عن القبس الكويتية
    عندما يقال ان حماس هي التي جاءت بالاخوان المسلمين إلى الحكم في مصر، متغافلين عن ثورة 25 يناير، فهذا يعني أن الهدف مغرض يقصد به توريط الفلسطيني والإساءة إليه.
    فجأة اكتشف بعض عباقرة الاعلام المصري ان حركة حماس دولة عظمى، وتمتلك قوة تضاهي ما كان عليه الاتحاد السوفيتي السابق في اوج عظمته! فــ «حماس هي التي جاءت بالاخوان المسلمين إلى الحكم في مصر»، هذا ما اتحفنا به ابراهيم عيسى في برنامجه مساء الثلاثاء الماضي.
    هكذا، ألغى السيد عيسى ثورة 25 يناير العظيمة، وازدرى الملايين من المصريين الذين خرجوا ضد الدكتاتورية والفساد، وأساء لدماء المئات من شهداء الثورة، وتجاهل الانتخابات التي جاءت بمحمد مرسي الاخواني، رئيسا للجمهورية.. وكل ذلك من أجل الزج بالفلسطيني في مشكلات مصر الراهنة فقط. فهو لم يكتف باتهام حماس، بل أقحم عددا آخر من الفصائل والاجنحة العسكرية التي تقاوم الاحتلال، بالشأن المصري. إذن، ليست حماس هي المستهدفة فقط، بل المطلوب رأس الفلسطيني - أي فلسطيني - خاصة إذا كان يقاوم الاحتلال، أو «يضع القنابل في المقاهي (الاسرائيلية)» على حد تعبير عيسى نفسه.
    فالفلسطيني هو الذي قاد معركة الجمل، والفلسطيني هو الذي هاجم السجون واطلق السجناء، والفلسطيني هو الذي تسبب في اندلاع احداث ميدان محمد محمود. والفلسطيني هو الذي قتل المتظاهرين في ماسبيرو. والفلسطيني هو الذي دبر مجزرة بورسعيد وكل مجزرة وقعت أو ستقع في مصر إلى ما شاء الله. والفلسطيني يقف وراء انهيار الجنيه المصري. والفلسطيني هو السبب في خروج منتخب مصر من نهائيات كأس العالم وكأس الأمم الافريقية! وقبل ذلك الفلسطيني نفسه، هو الذي فجر الكنيسة القبطية في الاسكندرية! الفلسطيني هو الشيطان الذي يتربص بمصر الدوائر، أما المصري فهو الملاك الطاهر حتى لو ارتكب جريمة أو انتهك القانون، لانه لم يكن ليفعل ذلك لولا ان فلسطينياً دفعه لارتكاب الجريمة.
    في محضر للتحقيق مع رئيس مباحث سجن طرة، حيث كان مرسي وقادة آخرون من الاخوان محتجزين، وبثته احدى القنوات المصرية قبل اسبوعين، سأله وكيل النيابة مباشرة: «هل رأيت أو سمعت بعناصر من حماس أو حزب الله هاجمت أو شاركت في اقتحام السجن غداة 25 يناير»؟ فرد بعدم علمه بوجود أي شخص غير مصري مع المهاجمين.
    وفي مقابلة مع مساعد وزير الداخلية لشؤون مصلحة السجون اللواء محمد نجيب في احدى القنوات المصرية أخيرا، قال انه «بالرغم من كل ما يقال عن مشاركة هذه الجهة او تلك في اقتحام السجون، فإننا لا نملك أي أدلة حول الجهة أو الجهات التي قامت بهذا العمل حتى الآن».
    ومن البديهي ان يقوم الأهالي، كما حدث في كل ثورات العالم من الثورة الفرنسية حتى الثورة التونسية والليبية، مروراً بثورات أوروبا الشرقية وأميركا اللاتينية، بتحطيم السجون وإطلاق المعتقلين فيها. لكن عند الأستاذ إبراهيم عيسى الخبر اليقين، فهو أعرف من الدولة وأدرى من أجهزة الأمن ومن المخابرات الحربية والمباحث والأدلة الجنائية، وهو يظن أن الصوت العالي يمكن أن يمحو الحقيقة وتجعل الباطل حقاً.
    بعض وسائل الإعلام المصرية، لا سيما بعض مقدمي البرامج التي يمكن أن نطلق عليها اسم مونو شو، أو المونولوج الحواري mono-shows بمعنى أن يقوم مقدم البرنامج بمحاورة نفسه، بدل استضافة من يحاورهم talk - shows.
    للأسف ان بعض المتصهينين في الإعلام المصري ينفثون سمومهم على الفلسطيني حتى حولوه من ضحية للاحتلال إلى مُجرم يعيث الفساد هنا وهناك، فهم يعثرون تحت كل حجر يقلبونه على فلسطيني، ويحددون هوية الجاني (الفلسطيني) من دون أدلة أو محاكمة أو حتى شهود. وحين تُظهر الأدلة عدم وجود أثر لذلك الفلسطيني، ويُلقى القبض على الجناة الحقيقيين، يكون الضرر بتشويه صورة الفلسطيني في أعين المواطنين المصريين قد وقع، ولكن في مصر أيضاً، نجد إعلاميين يكابدون نار الحقيقة ويمسكون بجمرة الموضوعية في غمرة هذه الأجواء المحمومة التي يحاول بعضهم في خضمها، فرض ثقافة القطيع!
    وليس ابلغ من وقوع هذا الضرر، من تذمر شقيق أحد الجنود المختطفين في مقابلة على الهاتف مع «بي بي سي»، من أن «مرسي يهتم بمعابر غزة أكثر من الجنود المخطوفين»! أو هتاف أحد الجنود الذين اعتصموا احتجاجاً على خطف الجنود «لن نسمح بفتح المعابر قبل عودة الجنود»! طبعاً، يمكن فهم ذلك الربط الضمني بين خطف الجنود ومعابر غزة، في ما قاله شقيق الجندي المخطوف، وما قاله الجندي المعتصم، من دون أن يصرحا به، وهو ان الفلسطيني هو المسؤول عن خطف الجنود، بل إن بعضهم روّج إلى أن الجنود المخطوفين قد نُقلوا الى غزة! والآن، وبعد انجلاء الحقيقة، لن يتراجع هؤلاء، بل سيبحثون عن جريمة أخرى لإدانة الفلسطيني، وسيعثرون على جنازة أخرى لمواصلة اللطم.
    إنها عمليات تحريض رخيصة بأساليب تذكرنا بأبشع ما في المكارثية والنازية والشوفينية والعنصرية، وتستهدف شيطنة الفلسطيني وتحميله المسؤولية عن كل مشكلات مصر. فخذ مثلاً، ذلك «المستشار» الذي رد على قول محاوره في قناة دريم 2 قبل أيام، بأن القوات المسلحة اعلنت ان خاطفي الجنود كلهم مصريون، قائلا «انهم ربما يكونون فلسطينيين متزوجين من مصريات»! تخيلوا الى أي حد بلغت؟ وإلى أي درجة وصلت؟ وإلى أي مستوى انحدرت اخلاقيات ومنطق الحوار الدائر على بعض الفضائيات المصرية؟

    وعد العودة لا يموت
    بقلم: علي بدوان عن الوطن القطرية
    مرت قبل أيام قليلة الذكرى الخامسة والستون لنكبة فلسطين وولادة المأساة الكبرى التي مازالت تجرجر ذيولها في المنطقة والعالم بأسره، بعد فقدان الكيان الوطني والقومي للشعب العربي الفلسطيني، وإقامة الدولة العبرية الصهيونية على أنقاضه بعد أن كان كياناً عامراً بشعبه ومدنه وقراه في حيفا ويافا وعكا واللد والرملة وبيسان والناصرة وصفد وطبريه وفي كل زاوية من أرض فلسطين التاريخية.
    كما مرت ذكرى النكبة الخامسة والستين، والأسى يعتصر كل لحظة جموع اللاجئين الفلسطينيين في الشتات وفي دياسبورا المنافي، الذين حرموا من رؤية النور تحت شمس وطنهم وبلادهم، وقد ولدت غالبية أجيالهم المتبقية على قيد الحياة خارج فلسطين في مخيمات وتجمعات المنافي.
    على حدود الوطن الفلسطيني
    اللاجئون الفلسطينيون يشكلون الآن أكثر من (65 %) من أبناء فلسطين، وغالبيتهم تقيم خارج أرض فلسطين التاريخية وعلى مقربة منها في سوريا والأردن ولبنان. فأبعد مخيم أو تجمع فلسطيني في دول الطوق (لبنان، سوريا، الأردن) هو مخيم (حندرات) الذي يقع قرب مدينة حلب وعلى بعد نحو (500) كيلومتر من حدود أرض فلسطين التاريخية، فيما تقع غالبية المخيمات والتجمعات الفلسطينية على مسافات قريبة من أرض فسطين وبعضها عدة كيلومترات كمخيمات الرشيدية والبص والبرج الشمالي والقاسمية جنوب لبنان، ومخيمي درعا وخان الشيخ في سوريا ...
    وفي هذ الصدد، تشير المعطيات الموثقة بأن تعداد الشعب العربي الفلسطيني بات يفوق احد عشر ونصف مليون نسمة، منهم بحدود خمس ملايين ما بين الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس وداخل المناطق المحتلة عام 1948، فيما يقيم خارج حدود فلسطين التاريخية نحو خمسة ملايين ونصف مليون نسمة من اللاجئين الفلسطينيين الذين تعود أصولهم الى المناطق المحتلة عام 1948 في الجليل والمثلث والنقب والساحل.
    كما أن أعداد المواطنين الفلسطينيين المسجلين في قيود وسجلات وكالة (الأونروا) يبلغ الآن نحو (5.1) مليون لاجئ مع نهاية العام 2012 وبداية العام 2013، وهو الحد الأدنى لعدد اللاجئين الفلسطينيين. علماً بأن اللاجئين الفلسطينيين في الضفة الغربية والمسجلين لدى الوكالة يشكلون ما نسبته (17.1 %) من إجمالي اللاجئين الفلسطينيين المسجلين لديها، مقابل (23.8 %) في قطاع غزة غزة، ونحو (40 %) في الأردن، و (9.1 %) في لبنان، و (10 %) في سوريا.
    كما تقول المعطيات إياها، بأن غالبية هؤلاء اللاجئين الفلسطينيين، مازالوا يقيمون على حدود الوطن الفلسطيني في سوريا ولبنان والأردن، على آمل العودة الى فلسطين طال الزمن أم قصر، يشحذهم في هذا إيمانهم العميق بأن الحق لا يموت، مهما تَجَبّر الطغاة، ومهما إختلت موازين القوى. فموازين القوى ليست حالة استاتيكية سكونية وثابتة لا تتغير لأبد الأبدين، بل هي دوماً في حالة تحوّل وتبدل خصوصاً مع تعاظم المد الوطني والتحرري في العالم وتعالي أصوات الحق والعدالة بالرغم من هذا الإجحاف والظلم الذي تُعامل به قضية فلسطين من قبل بعض القوى النافذة في المجتمع الدولي، والتي لولاها لما استمرت الدولة العبرية الصهيونية في الوجود سوى لزمن محدود.
    قوة الحق في مواجهة حق القوة
    إن جموع المواطنين الفلسطينيين الموجودين في العمق وفي القلب داخل الجزء المحتل عام 1948 والذين يُطلق عليهم بعض الاعلام العربي والغربي زوراً وبهتاناً مسمى «الأقلية العربية في اسرائيل» أو «عرب اسرائيل» يخرجون كل عام وهذا العام في ذكرى نكبة وطنهم في فعاليات استثنائية، منها على سبيل المثال زيارة القرى والأوابد والبيوت المدمرة عام 1948، وقد أقيمت على أجزاء كبيرة من أراضيها المستعمرات الصهيونية لليهود الذين تم استجلابهم من بقاع المعمورة المختلفة للإقامة والاستيطان على أرض فلسطين. فالمسيرات إلى تلك القرى المدمرة ومنها قرية (الطيرة) في قضاء حيفا، ليست سوى تأكيد على أن الشعب الفلسطيني والأجيال الشابة منه التي لم تعاصر أحداث النكبة متمسكين بحقهم العادل في العودة إلى ديارهم ولم ينسوا أرض آبائهم وأجدادهم وقراهم التي دمرها الاحتلال والغزو الكولونيالي الاستيطاني الاحلالي الإجلائي الصهيوني لفلسطين.
    في هذا السياق، إن دعاة تحطيم الآمال الوطنية، وأصحاب الخيبات، يرون بأن عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم التاريخي ليست سوى أضغاث أحلام، وأن العودة باتت امراً طوباوياً خيالياً، بينما يراها اللاجئون الفلسطينيون في سوريا ولبنان والأردن حُكماً مقدراً، وأمراً لامفر منه حتى وإن طال زمن الشتات. فاللاجئون الفلسطينيون يقولون إن نصرهم قادم.
    الآخرون يرونه بعيداً ويراه اللاجئون الفلسطينيون «قريباً، فالنصر صبر ساعة» وصبر ساعة في حياة الشعوب يعني مرحلة فاصلة قد تكون مديدة ومديدة، ولكنها تنتهي وإن طالت بانتصار (قوة الحق على حق القوة).
    إن فلسفة (حق القوة) تتهاوى اليوم كما تهاوت في الماضي عندما انهارت إمبراطوريات وقامت دول، واستقلت قوميات، وعاشت الشعوب حرة في معظم بلدان العالم في عصر أفول الاستعمار التقليدي. وتلك الفلسفة إياها ستنهار في فلسطين فـ (قوة الحق) هي القوة العليا مادامت إرادة أصحابها باقية ومتقدة، وهو حال الشعب الفلسطيني الذي لم يتوقف عن إدامة كفاحه الوطني منذ وعد بلفور اللئيم عام 1917، حيث استمر شلال الدماء ينزف دون توقف حتى اللحظة على أرض فلسطين وفي كل مواقع العمل والتواجد الوطني الفلسطيني.
    إن صرخات الأسرى في سجون الاحتلال تترافق هذه الأيام مع احياء يوم النكبة، لا كذكرى بل كيوم أسود في تاريخ الشعب الفلسطيني، لايتم شطب سواده إلا باستمرار العملية الوطنية الفلسطينية، وعلى طريق عودة كل الفلسطينيين إلى أرض وطنهم التاريخي.
    إن قوة الحق لا يمكن أن تكون فلسفة أو فكرة طوباوية، بل هي قوة الحياة ذاتها التي لايستطيع كائن مخلوق في دنيا الوجود أن يفرملها أو أن يوقفها عن الدوران، أو أن يلجم حركتها الأبدية. والشعب الفسطيني في هذا المضمار يواصل مسيرته المعبدة بالتضحيات والضحايا، وكله أمل بأن فجر الانتصار سينير سطعاً في سماء فلسطين، هناك في قلب الوطن المغتصب عام 1948 وفي عموم الوطن المحتل عام 1967 .
    إن العبرة في يوم النكبة، تُحتم على الجميع في الساحة الفلسطينية ضرورة العودة لإعادة بناء الوضع الذاتي الداخلي الفلسطيني، وطي صفحة الانقسام الأسود، وإسدال الستار عليه، فلا انتصار مع وجود حالة التمزق والانقسام، ولا إنجاز ممكن مع بقايا الوضع الفلسطيني متشظي ومنقسم على حاله. فنداء الوحدة الوطنية بات الآن يَصُمُ الأذان وهو يدوي وينطلق على لسان الشارع وعامة الناس في فلسطين والشتات.

    هل كان هناك حقاً ربيع عربي؟
    بقلم: خالد الدخيل عن الحياة اللندنية
    يعكس سؤال العنوان مواقف كثيرين، في مقدمهم رجال الحكم الذين قامت ضدهم ثورات الربيع. استنجد هؤلاء بمخزون المؤامرة المعتق منذ سايكس بيكو، وفي مقدم رجال الحكم يأتي قادة النظام السوري وحلفاؤهم في طهران، ثم «سادة المقاومة» في الضاحية الجنوبية لبيروت. هناك من شكك، وهو لا علاقة له بالحكم، انطلاقاً من قناعاته الفردية. هناك أيضاً فئة كانت مع الربيع عندما بدأ، ثم عندما طال بها الزمن، ولم يحن قطاف الربيع بدأ الشك يتسرب إليها، وبدأ إيمانها بحتمية التغيير يهتز. أصبح الربيع بالنسبة لكل هؤلاء مربكاً، يحمل في طياته أكلافاً إنسانية وسياسية تثير الشك في جدواه وفي توقيته.
    ومما زاد الأمر سوءاً أن الثورة تعثرت في كل البلدان الخمسة التي حصلت فيها، خصوصاً في مصر. كانت الأخيرة هي النموذج للثورة الشعبية في شكلها غير المعهود عربياً. لكنها بعد بدء العملية السياسية، وفوز «الإخوان»، دخلت الثورة في نفق مظلم، يزداد كل يوم ظلمة وإرباكاً. بات واضحاً أن القوى التي استولت على الثورة في مصر، وأولها «الإخوان المسلمون»، أفرغوا الثورة من محتواها، وأدخلوا مصر في حال توهان سياسي واجتماعي لا أحد يعرف كيف ينتهي. تكرر الشيء نفسه في تونس وليبيا واليمن. ثم جاءت مأساة الثورة السورية لتؤكد عند البعض انقلاب النظرة المتفائلة إلى نظرة تشاؤمية سوداوية. بدأ البعض يستبدل كلمة الربيع بكلمة «الشتاء» أو الصيف. هل كانت هناك ضرورة لهذه الثورات؟ وهل تبرر هذه الأكلاف الكبيرة حدوث ثورات مثل هذه؟ لقد انقلبت هذه الثورات، أو هي في طريقها للانقلاب إلى حروب أهلية طائفية. وما يحصل في سورية منذ أكثر من سنتين هو قمة هذه الحروب، وينذر بما هو أسوأ من ذلك.
    هل هناك ما يبرر مثل هذه النظرة؟ لا بد أولاً من استبعاد رجال الحكم وحلفائهم الذين قامت ضدهم الثورة لأن موقفهم متوقع، ولا يعكس شيئاً مهماً أكثر من مصالحهم، وانحيازاتهم الاجتماعية والسياسية. بعد ذلك تبدو النظرة المتشائمة محكومة بمنطق الاستعجال السياسي، وهو منطق تشكل على الأرجح في ظل ثقافة الاستبداد التي ترتكز على ثالوث المحرمات السياسية والدينية والاجتماعية. وليس بعيداً هنا تأثير نموذج التغيير السريع الذي كان يتحقق بعد كل انقلاب عسكري من الانقلابات التي عرفتها كثير من البلدان العربية في خمسينات وحتى سبعينات القرن الماضي. وهذه كانت تغييرات سطحية وشكلية، وهو ما يفسر سرعة حدوثها. هناك أيضاً منطق الاستعجال لثقافة مجتمعات لم تعرف تغيرات حقيقية منذ زمن بعيد جداً. لم تعرف هذه الثقافة إلا الكثير من الخيبات والانكسارات. أصبح شعور اليأس جزءاً من منظومة قيم هذه الثقافة. وربما أن هذا مرتبط أيضاً بثقافة القبيلة، وميلها السوسيولجي إلى الاستعجال الذي يعبر عنه قول المثل الشعبي «ربي ارزقني وعجل».
    هناك أيضاً حقيقة تاريخية وهي أن عمر الاستبداد العربي بمحرماته الثلاثة يمتد لقرون طويلة، وأن الفكر الديني بمفاهيمه القديمة هو المهيمن على الثقافة العربية، وأن الأيديولوجيا القبلية لا تزال تمثل مرتكزاً أساسياً للبنية الاجتماعية والسياسية في المجتمعات العربية. وعندما نأخذ كل ذلك في الاعتبار، يصبح من الممكن القول إن النظرة التشاؤمية للربيع العربي هي انعكاس لتيار محافظ معتبر بحجمه وانحيازاته. ومن ثم، فإن هذه النظرة المتشائمة المحكومة بمنطق استعجال النتيجة السهلة والمأمونة العواقب إنما تعبر عن شعور مبطن ومتأصل يتسم بمحافظة متجذرة تحاذر التغيير، خصوصاً التغيير المصحوب بالعنف.
    على الجانب الآخر من القضية، أو جانب ثورات الربيع، ما الذي تنطوي عليه، ولا يوفر مستنداً لتلك النظرة التشاؤمية؟ أولاً: إن حدوث الثورات بحد ذاته يعني أن التيار المحافظ بتعبيراته السياسية والدينية والاجتماعية، ومع أنه مهيمن، إلا أنه لم يعد بمفرده، أو بمنأى عن تحدي تيارات أخرى تدفع باتجاه التغيير، وتجاوز مرحلة الانسداد السياسي والفكري الذي رزحت تحته المجتمعات العربية لقرون مديدة. وأول وأهم ما حققته هذه الثورات من هذه الزاوية ثلاثة أمور: تأكيد مفهوم الدولة الوطنية. ثانياً: فرض مفهوم الفرد وحقوقه الإنسانية والسياسية. ثالثاً: إنها فجرت التناقضات الاجتماعية والدينية، وجعلتها موضوعاً مكشوفاً للصراع والتقاتل حولها، بعد أن كانت تعتمل تحت سطح المحرمات بصيغها الثلاث. لا يمكن القول طبعاً إن هذه الثورات نجحت في تحقيق أهدافها المباشرة والنهائية، وتجسيدها على الأرض. هذا لن يتحقق خلال أقل من ثلاث سنوات هي عمر الربيع. لكن يمكن القول باطمئنان إن هذه الثورات اجترحت خطاً سياسياً فاصلاً في العالم العربي بين ما قبل وما بعد. وذلك لأنها فرضت أجندة اجتماعية وسياسية مختلفة، وأسست لواقع سياسي سيكون مختلفاً بالتأكيد، وإن كنا لا نعرف على وجه التحديد الآن طبيعة هذا الاختلاف وحجمه. ربما أن ثورات الربيع العربي تشبه إلى حد ما في مرحلتها الحالية ما حصل في أوروبا في أواخر النصف الأول من القرن الـ19، أو ما يعرف في الأدبيات السياسية بثورات 1948. بدأت هذه الموجة في فرنسا، ثم انتشرت في غالبية أنحاء أوروبا وأميركا اللاتينية. وتولت قيادة هذه الثورات تحالفات عفوية من الإصلاحيين، والطبقات المتوسطة، والعمال، لكنها تحالفات لم تلبث أن انحلت بالسرعة التي تشكلت بها. وقتل في هذه الثورات عشرات الآلاف، وتهجر أكثر من ذلك. في حينها لم تحقق ثورات 1948 أهدافها المباشرة، ما عدا بعض النجاحات في بلدان مثل الدنمارك والنمسا وفرنسا. لكن، من الواضح أن أهمية هذه الثورات لم تكن في تحقيق أهدافها المباشرة، بمقدار ما أنها كانت استمراراً للثورات التي حصلت في بريطانيا وفرنسا في القرنين الـ17 و18 وفي ما أسست له لتعميق التغيرات الفكرية والسياسية الكبيرة التي شهدتها أوروبا بعد ذلك.
    هناك أمور كثيرة كشفتها ثورات الربيع العربي، وتتعارض مع النظرة التشاؤمية. منها مدى ضعف الطبقة المتوسطة في المجتمعات العربية، وأن هذه الطبقة ضعيفة وهشة، لا تسيطر على رأسمالها، وتفتقد بالتالي لاستقلالها الاقتصادي والفكري، بسبب اعتمادها شبه الكلي على الدولة، على رغم أنها تشتكي من فساد هذه الدولة واستبدادها بالرأي وبالقرار. كان الدور السلبي لهذه الطبقة واضحاً في كل الدول الخمس. لكن دورها الأسوأ هو في الثورة السورية، وتحديداً في دمشق. وذلك بسبب ارتباطها التجاري بالنظام السياسي، وهو ارتباط نفعي خالص لطرفيه، وليس ارتباطاً يستند إلى مشتركات أيديولوجية وسياسية. والأرجح أن خوف هذه الطبقة في سورية نابع من أمرين: أن الثورة كانت في بدايتها ريفية، والثاني دموية النظام السياسي وتطبيقه سياسة العقاب الجماعي ضد كل من يعترض عليه. يتحدث السوريون كيف أن التاجر قبل حكم البعث كان يتمتع بمكانة كبيرة داخل أروقة مؤسسات الحكم. أما بعد البعث، فقد انقلبت العلاقة. بحيث أصبح التاجر ملزماً بشراء ولاء الضابط العسكري لتسهيل أموره داخل بيروقراطية الحكومة.
    ومن أهم ما فجرته ثورات الربيع وأخطره الصراعات الاجتماعية، وأبرزها الصراعات الطائفية خصوصاً في سورية، وتداعيات ذلك على العراق ولبنان. هذا يعني أن منطقة الشام والهلال الخصيب تنزلق إلى حروب دينية بشعة. يشبه تفجير هذه الصراعات تفجير الورم الذي يختبئ تحت أردية اجتماعية وسياسية تراكمت مع الزمن، الأمر الذي سيضع الجميع أمام بشاعة واقعهم السياسي المزري، وبالتالي يفرض ضرورة التغيير. سيكتشف الجميع أن مصدر خطورة الطائفية هو أنها أبشع أشكال العلاقة بين الدين والدولة، وهو ما يقتضي وضع حد لهذه العلاقة. هناك أطراف مستفيدة من هذه العلاقة، لكن على حساب المجتمعات واستقرارها. والأرجح أن الثورات وتداعياتها ستكشف هذه العلاقة وأكلافها على الجميع.
    ماذا يعني كل ذلك؟ ثلاثة أشياء: أن الحكم على فشل ثورات في مجتمعات قديمة بتاريخها وطوبوغرافيتها الاجتماعية والثقافية يتسم بالتسرع البسيط. ثانياً: أن طول عمر التركيبة الاجتماعية للمجتمعات العربية الذي يمتد لقرون لا يبرر توقع تغيرها في غضون سنوات قليلة. ثالثاً: والأهم أن طبيعة الأجندة التي فرضتها هذه الثورات تتطلب أكثر بكثير مما حصل فيها ولها حتى الآن.

    حزب الله.. كذبة الإعلام العربي
    بقلم: عبد الرحمن الراشد عن الشرق الأوسط
    الجرائم في معارك منطقة القصير بسوريا، حيث يشارك في تطهير طائفي بشع، زادت حنق العرب وكراهيتهم لحزب الله. وبسبب ذلك اضطر رئيسه حسن نصر الله إلى الظهور أمس للدفاع عن سمعته الملطخة بدماء الأطفال والنساء وآلاف الأبرياء المذبوحين.
    من أجل استمالة جمهوره الكاره له اجتر خطبه القديمة، الموجهة أمس للسنة العرب، بالحديث عن الجبهة الموحدة ضد إسرائيل والغرب، وأنه حارب من أجل الفلسطينيين رغم أنه ليس بينهم شيعة، وحارب في البوسنة في التسعينات وهم أيضا مسلمون سُنة!
    هل أقنع نصر الله ملايين السوريين، ومائتي مليون عربي، أنه يقاتل في سوريا إلى جانب قوات الأسد حقا من أجل فلسطين والقدس، كما يزعم؟ أستبعد أن يكون قد أقنع أحدا، لأن أخبار المجازر والقتل على الهوية الطائفية في سوريا أصبحت أعمق من أن يعطرها بأحاديث الماضي المشترك المزور.
    الحقيقة أن حزب الله اليوم هو حزب الله الأمس، لكن ما تغير هم معظم العرب، الذين اكتشفوا الحقيقة متأخرين جدا. حزب الله، عندما ولد في عام 1982، هو حزب الله اليوم مشروعا وبرنامجا وأهدافا، لكن لأن العرب المحبطين مستعدون لتقبيل رأس كل من يرفع علم فلسطين، فإنهم ساروا وراء هذا التنظيم الإيراني، الذي رُسم في قم، وبني في لبنان كجزء من أدوات الصراع الإقليمي المتعدد الأقطاب.
    في نفس عام ميلاد حزب الله دخلت قوات الجزار الإسرائيلي إريل شارون لبنان، وفاجأت الجميع بتوجهها إلى بيروت العاصمة، حيث حاصرتها ودمرتها، وأخيرا قضت على القوة الفلسطينية الوحيدة، فتح، التي حاربت 88 يوما صعبة، وأخيرا استسلمت وأبحر رئيسها ياسر عرفات مهزوما مكسورا على سفينة إلى قبرص، ثم إلى المنفى الأخير تونس. حزب الله ولد بديلا لمنظمة التحرير الفلسطينية، وكان الإيرانيون قد قرروا استخدام القضية الفلسطينية مدخلا للعالم العربي، والرد على دعاية صدام حسين، الرئيس العراقي الذي كان يشكك في نيات إيران، ويقاتلها على الحدود.
    ولو راجعنا بذهن صاف ما فعله حزب الله في ثلاثين عاما لوجدنا أنه كان يعمل ككتيبة إيرانية ضمن صراع إيران مع دول المنطقة بما في ذلك ضد اللبنانيين والعرب وإسرائيل. لقد ألغى القوى الوطنية اللبنانية، والفلسطينية، وصار سدا يحمي إسرائيل، باستثناء بضع مواجهات معها، كانت الغلبة فيها لإسرائيل. أما لماذا كان حزب الله دائما يبدو منتصرا وقلعة صامدة في وجه إسرائيل؟ السبب في الدعاية العربية المزورة التي اعتادت على تزوير الحقائق وقلبها. ومعظم حروبه كانت لصالح إسرائيل..
    في عام 85 قامت حرب المخيمات واشتركت القوات السورية مع حزب الله و«أمل» في ارتكاب مجازر ضد الفلسطينيين، إلا أن الإعلام العربي وقف إلى جانب المجرمين ضد الضحية. وكرر المجمع نفسه ارتكاب المجازر ضد الفلسطينيين في العام التالي. وتكررت أيضا عمليات التأديب الإسرائيلية ضد حزب الله في معركتين، عام 93 و96، وحسمت باتفاقيات قدم فيها حزب الله تنازلات وتعهدات لإسرائيل، لكن الإعلام العربي زعم أن حزب الله ينتصر. حتى عندما قررت إسرائيل الانسحاب من الجنوب في عام 2000 بعدما صار هادئا لم يكن الحزب طرفا، بل هدد بأنه لن يسمح بانسحابها، ثم اخترع قصة مزارع شبعا ليبرر احتفاظه بسلاح، كما يسميه، سلاح المقاومة، وهو كان ولا يزال سلاحا ضد اللبنانيين، والآن ضد السوريين.. الدليل أن السنوات اللاحقة صارت كلها حروبا ضد القوى اللبنانية الوطنية؛ باغتيال الحريري وآخرين من زعامات البلاد في مخطط للهيمنة الإيرانية على لبنان.
    أعرف أنه يصعب على الذين رضعوا ثلاثين سنة من الأكاذيب فهم ما أقوله، أو تصديقه، لكن ما يجري في القصير وبقية سوريا ليس إلا فصلا آخر من تاريخ حزب الله السيئ.





    رأي البيان: الخطر القادم
    بقلم: أسرة التحرير عن البيان الاماراتية
    تحاول قوى إقليمية، ولغايات خاصة بها، توسيع النزاع السوري إلى عموم المنطقة وتحويله إلى صراع طائفي، وإفراغه من مضمونه الذي انطلق من أجله، وهو الوصول إلى سوريا ديمقراطية ينعم جميع أبنائها بحرية وكرامة على قدم المساواة، بمعزل عن أي دين أو عرق أو مذهب.
    ويبدو أن هذه القوى الإقليمية المعروفة للجميع، نجحت إلى حد كبير في هدفها، عندما سوقت أن الصراع هو مذهبي الطابع وأن الحرب طائفية، والسبب في هذا النجاح هو موقف المجتمع الدولي البارد حيال هذا الصراع الساخن، وإطلاق يد هذه القوى لتعبث في الملف السوري وتعيث فساداً في عموم المنطقة، بغية تحقيق مصالحها القائمة أساساً على احتلالها موقع قوة إقليمية كبرى بحكم الأمر الواقع.
    ومن الواضح أن هذه القوة الإقليمية استغلت توقيت الانكفاء الأميركي الذي فرضته ظروف داخلية وتحولات دولية، لتملأ الفراغ معتقدة أن الفرصة الذهبية لاحت لها لكي تحكم قبضتها على الأمور، مستغلة عجز الأمم المتحدة عن التحرك بسبب الخلافات في مجلس الأمن الدولي.
    من غير المقبول أن يتم العبث بالأمن العربي بهذا الشكل، دون أن تتحرك الجامعة العربية والعالم، ويفعلوا شيئاً يوقف هذا التدخل السافر في شؤون الدول العربية من قبل قوة غير عربية. فلبنان بات قاب قوسين أو أدنى من الانفجار الكبير الذي لن يبقي ولن يذر، وما تحذيرات الرئيس اللبناني ميشيل سليمان إلا ناقوس خطر لا ينبغي تجاهله أو التعامل معه بوصفه مجرد عنوان صحافي.
    لبنان في خطر بقدر ما هي سوريا في خطر، والسبب هو الدور المدمر الذي تقوم به هذه القوة الإقليمية على حساب دماء السوريين واللبنانيين.. ولئن كان الخطر الأول يحيق بهذين البلدين العربيين، فإنه لن يتوقف عندهما وسيطال دولا عربية أخرى.
    في وجه هذا التمادي لا بد من موقف عربي موحد، يؤدي إلى قرار في مجلس الأمن يمنع التدخل في شؤون الدول العربية والعبث بمصائرها وتحويلها إلى أوراق تفاوضية في هذا الملف أو ذاك.. ولن يتحقق ذلك إلا بتوافق عربي بات مطلوبا أكثر من أي وقت مضى.

    أموال وســياســات
    بقلم: أسرة التحرير عن البعث السورية
    لايمكن لمن تابع ما كشفت عنه الصحافة الإسرائيلية في الآونة الأخيرة، في معرض تناولها للانتخابات الأخيرة ومادار في كواليسها، من قيام /79/ تسعة وسبعين من أثرياء رأس المال الكبير في "إسرائيل" بتقديم الدعم لحزب «يوجد مستقبل» وزعيمه يائير ليبيد في انتخابات الكنيست الأخيرة، إلا ويربط بين دعم كبار الأغنياء هؤلاء، وتولي ليبيد وزارة المالية في الحكومة الصهيونية التي شكلها بنيامين نتنياهو نتيجة للانتخابات، التي مثّل ليبد وحزبه الجديد على الساحة السياسية الإسرائيلية مفاجأتها الأكبر، بحصوله على /19/ مقعداً في الكنيست متقدماً على أحزاب وقوى سياسية لها باع كبير في اللعبة السياسية الإسرائيلية.
    وبحسب تقارير صحفية تناولت مسألة توفير التمويل للوجه الجديد الصاعد في "بازار" السياسة الإسرائيلية، فإن حزب ليبيد، الذي لا يملك تجربة سياسية سابقة ولا رصيداً سابقاً في الشارع الإسرائيلي، استطاع الحصول على 5ر2 مليون دولار من بنوك تجارية لتمويل حملته الانتخابية مقابل كفالات مصرفية تراوحت قيمتها بين 20 إلى 35 ألف دولار لكل كفالة، قدمها هؤلاء الأثرياء الذين كان بينهم عدد من كبار الممولين في قطاعات التقنيات العالية /الهاي تيك/ والإعلام والاتصالات والسوق المالية، والذين راهنوا على نتيجة سيحققها ليبيد القادم من الإعلام، الذي أسهمت أضواؤه في تلميع ليبيد كنجم جديد في السياسة الإسرائيلية، التي بدت بحاجة لوجوه جديدة، بسبب الترهل الذي اعتراها، والصدأ الذي كسا وجوهها التقليدية.
    وبالفعل، لم يأتِ موعد انتهاء هذه الكفالات، والذي حلّ بعد شهر من الانتخابات حتى كان الحزب الجديد يحصل على 6ر7 ملايين دولار من الخزينة العامة الإسرائيلية تغطية لتمويل حملته الانتخابية، لنجاحه في الحصول على مقاعد التسعة عشر في الدورة الجديدة للكنيست.
    وتبين صحيفة "ذي ماركر" الاقتصادية "الإسرائيلية" في تقريرمطوّل لها حول الظاهرة التي مثلها ليبيد وحزبه كيف قام اثنان من كبار الأغنياء بجلب أثرياء آخرين، لم يلبثوا بدورهم أن استقطبوا أثرياء آخرين، لتغطية الكفالات المطلوبة للحصول على المبالغ التي طلبها ليبيد.. يقول دوف موران، أحد ممولي حملة ليبيد: «التقيت ليبيد وزملاء له في لائحته الانتخابية، وطلبوا مني مساعدتهم، فوافقت. إني أدعم ليبيد ولائحته، فهم أناس طيبون!!، وحتى لو خسرت مبلغ الكفالة 130 ألف شيكل (ما يعادل 35 ألف دولار)، فلن تكون كارثة، لأن الهدف كان جيداً». لكن رهان موران ورموز رأس المال الآخرين، ، على ليبيد وحزبه، كان رهاناً محسوب المخاطر، فأحفاد شايلوك لا يمكن لهم أن يلقوا بدولاراتهم وشيكلاتهم جزافاً، ويرموها في مغامرة غير محسوبة النتائج ولا في مجازفة خطرة.
    المثير أن حزب «يوجد مستقبل» كان أول حزب في إسرائيل يموّل حملته الانتخابية بهذه الطريقة، فالأحزاب كانت تتبع أسلوب جمع التبرعات، لكن القانون يقيد حجم التبرعات بـ600 دولار للفرد الواحد، الأمر الذي كان سيقف عائقاً حقيقياً أمام تمويل حملة انتخابات ليبيد الذي كان متأكداً أن لحزبه مستقبلاً، إن تمكن من بناء وشائج وثيقة مع المال الكثير في إسرائيل، ويبدو أنه حقق نجاحاً ملحوظاً في سعيه هذا، محققاً اختراقاً في ميدان يسيطر عليه اليمين واليمين المتطرف، لاسيما وأنه يدعي أنه يعبر عن الشرائح المتوسطة، ويدافع عن مصالحها المهددة من الأغنياء وممثليهم في الحكومة والكنيست.
    هذه المعطيات التي كشفت عنها الصحافة الإسرائيلية، وهي تتابع مادار في كواليس الحملات الانتخابية الأخيرة، بينت بوضوح ارتباط ليبيد وحزبه برأس المال الكبير في إسرائيل، ما يناقض كل ما كان يصرح به من أنه يمثل الشرائح الوسطى، وأنه يعكس الاحتجاجات الكبيرة التي شهدتها إسرائيل الصيف الماضي، والتي كانت العدالة الاجتماعية الشعار الرئيسي لها.. ليتأكد مرة أخرى، أن النخبة الأشكنازية الغنية تمسك تماماً بمفاتيح اللعبة السياسية في إسرائيل بكل وبالمشروع الصهيوني برمته.. لقد كان مثيراً أن يكتب أحد المحللين الاقتصاديين في صحيفة تروّج لرأس المال الكبير، وبعد أيام فقط من الانتخابات، داعياً إلى تعيين ليبيد وزيراً للمالية في حكومة يقودها نتنياهو، حدث هذا قبل أن يكلف نتنياهو بتشكيل الحكومة؟! فما الذي يعنيه هذا؟!
    إنها «حكومة الأغنياء»، كما وصفتها شيلي يحيموفيتش، رئيسة حزب العمل، ومن الواضح أن أي سياسة مالية سيديرها ليبيد في حكومة الأغنياء هذه، لن ترى الفقراء أبدا.

    مقاطعة العدوّ... شرقاً وغرباً
    بقلم: أسعد أبو خليل عن الأخبار البيروتية
    بينما ترتفع أصوات المطالبة الوقحة بوقف مقاطعة العدو الإسرائيلي في لبنان، تحت عنوان «الحريّات»، من أوساط قوى تتدثّر بعباءة أنظمة من مخلّفات القرون الوسطى، وفي الوقت الذي يطالب فيه الفنّان الحسّاس زياد دويري الحكومة الفرنسية بالضغط على لبنان من أجل فرض منع مقاطعة العدوّ الإسرائيلي في لبنان باسم الحرية للصهيونية الفنية، وبينما تحوّل فريق 14 آذار إلى «لوبي» وقح وعريق للعدوّ الإسرائيلي في قلب الجسم السياسي اللبناني، وتعتنق أجهزة إعلام لبنانية بصفاقة لافتة العقيدة الصهيونية بكل عناصرها، تتكثّف في الدول الغربية وتتعاظم حركات مقاطعة العدوّ تحت اسم «بي.دي.إس.» _ في ترميز إلى حركة مقاطعة العدوّ وسحب الاستثمارات منه وفرض العقوبات عليه.
    أي أن حركات سياسية غربية، انضم إليها أخيراً العالم البريطاني، ستيفن هوكنز، تنشط وتتعاظم ضد المقاطعة، فيما يفرض النظام العربي الرسمي (نظام تحالف قوى النفط والغاز) مصالحة شاملة مع العدوّ الإسرائيلي مع وعد وزير الخارجية القطري بتقديم المزيد من الأراضي الفلسطينية لإسرائيل كي تحتفظ بها كجائزة مكافأة لها على وداعتها. وفي لبنان، كالعادة، تبرز قوى تحاول أن تدفن إلى غير رجعة منطق المقاومة والمقاطعة أو حتى تقطيب الحواجب ضد إسرائيل. لهؤلاء، أجندة لم تختف في لبنان منذ عام 1948: هي عقيدة فؤاد شهاب الدفاعيّة التي تتحالف مع إسرائيل بالسرّ، وتخون عهد الدعم العربي للمقاومة (كان ذلك في سنوات الناصرية وليس اليوم طبعاً) في كل مفصل.
    وحركة المقاطعة في الغرب تعتمد على تغييرات دراماتيكية في وجهات الرأي العام الغربي نحو الصراع العربي _ الإسرائيلي عبر العقود. فقد استفاق الرأي العام الغربي بصورة خاصّة من هول صدمة الحرب العالمية الثانية، والتي أهّلت واحتضنت دعاية صهيونية فظّة استغلّت فيها هول المحرقة الفظيعة لأسباب سياسية، كما شرح بيتر نوفيك في كتابه، وكما شرح بعده نورمان فنكلستين _ الذي خرج عن حركة المقاطعة رسمياً _ في كتابه. إن نسب تأييد العدوّ الإسرائيلي في الصراع العربي _ الإسرائيلي في دول أوروبا الغربية قد تغيّرت بصورة جذرية على مرّ العقود، إلى درجة أن فلسطين تحوز تعاطفاً أكثر من إسرائيل في الصراع، حسب استطلاعات رأي منشورة (باستثناء روسيا والتي يعبّر فيها الرأي العام _ والحكومة _ عن تعاطف مع إسرائيل، لكن إعلام الممانعة يعامل روسيا، حكومة وشعباً، على أنها نصير جورج حبش ووديع حدّاد). وحتى في ألمانيا، التي كانت نصيرة أساسية للعدوّ في حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية، والتي أغدقت المليارات على إسرائيل وكأن في ذلك تعويضاً عن المحرقة، فإن التعاطف مع العدوّ يتناقص باستمرار لحساب دعم قضية فلسطين. لكن المفارقة الفظيعة _ وهذه معضلة (لا) ديموقراطية في النظم الغربية: إن الحكومات الغربية مُرتهنة في سياساتها الخارجية بالكامل للولايات المتحدة في مواضيع الشرق الأوسط بصورة خاصّة ولا تعبّر عن أهواء جماهيرها. وقد كرّرت القول للجمهور الألماني إنهم وهم يحتفون بما يسمّونه «الربيع العربي» يحتاجون إلى إطلاق «ربيع أوروبي» لتحسين شروط الديموقراطيّة هناك. (طبعاً، في أميركا الأمر مختلف، لأن سياسة الحكومة الصهيونية تتماشى مع صهيونية الرأي العالم الأميركي _ الذي على الأرجح لا يعرف إلى اليوم معنى الصهيونية ولا يستطيع تبيان موقع الشرق الأوسط على الخريطة).
    تعرّفت في ألمانيا (خلال المؤتمر الذي أعدّه الرفيق عطيّة رجب وزوجته فيرينا) على سيّدة ألمانية يهودية ثرية تكرّس حياتها وأموالها لصدّ الدعاية الصهيونية في أوروبا ولدعم مقاطعة العدوّ. وقد قصّت السيّدة، إيفلين هيكت _ غالنسكي، علينا في حفل عشاء قصّتها. سألتُها ما الذي دفعها إلى مناصرة القضية الفلسطينية بهذه الحدّة لأن الأمر غير مألوف. روت أنها نشأت في كنف عائلة ميسورة، وكان والدها زعيماً للجالية اليهودية في ألمانيا بعد الحرب، وكان صهيونياً عنيداً وصديقاً للإعلامي الألماني الصهيوني، سبرنجر. قالت إن الأمر كان بسيطاً ومنطقياً بالنسبة إليها. نفرت باكراً من الديانة التي نشأت عليها ومن الجو الصهيوني الذي أحاط بها. سألتها: هل كان هناك حدث ما أثّر عليكِ في هذا الصدد؟ قالت: لا. تحوّلت يساريّةً في سنوات الدراسة، وكان من الطبيعي أن أنحو ضد إسرائيل. بالنسبة إليها، إن الغرابة هي الجمع بين الصهيونيّة واليسارية، لكن الياس عطا الله جمع بين الحريرية ونسق طائفي غريب من اليسارية، فلمَ العجب؟ لكن إيفلين مجهولة في العالم العربي ربما، لأن الإعلام العربي مشغول هذه الأيام بثدييْ أنجلينا جولي، واللذين نالا من التغطية أكثر مما ناله الشعب السوري في معاناته. إيفلين هيكت _ غالنسكي لا تحظى باهتمام السفارات العربية في برلين، لأنها مشغولة _ أي السفارات _ بالتملّق للصهاينة ولأميركا. لكن قصّة إيفلين ضرورية كي يتعرّف العرب على بعض الغربيّين لأن التعميم النمطي ضد الغربيّن وحتى ضد اليهود منهم يتجاهل حقيقة الواقع الغربي بصرف النظر عن المعايير الأخلاقية (ومن الصدف أن المعتوه الذي طعن أستاذاً جامعياً أميركياً في القاهرة، لم يدرك أن ضحيّته، الرفيق كريس ستون، هو مناصر عنيد للقضيّة الفلسطينيّة في أميركا وناشط ضد الصهيونية). إن إيفلين اليهودية _ على الأقل في المولد _ أكثر نشاطاً ضد العدوّ الإسرائيلي في ألمانيا من سفير السلطة الفلسطينية المتوائم مع إسرائيل بحكم منصبه.
    والحديث عن المقاطعة حديث طويل ويحتاج إلى نقاشات نظرية وعملية. وقد ألقى الرفيق جوزف مسعد في المؤتمر كلمة عن تاريخ الصهيونية وعن تعاونها مع النازية. نشر جوزف الكلمة على موقع «الجزيرة» الإنكليزية قبل أن تسحب إدارة الموقع المقالة بعد أيّام فقط نتيجة الضغوط الصهيونية التي تعرّضت لها (يزداد تملّق الحكم القطري لإسرائيل ليس فقط بسبب تنسيق السياسات حيال سوريا، بل أيضاً لفتح أبواب أميركا الصهيونيّة أمام شبكة «الجزيرة» الجديدة في أميركا). لكن كلمة جوزف لم تُقابل بالاعتراض في البلد الذي وقعت المحرقة على أرضه، صهاينة أميركا يريدون أن يتستّروا على العلاقة المشينة بين القيادة الصهيونية والدولة النازية. استغلّوا لقاءً أو لقاءين بين الحاج أمين الحسيني وهتلر، ونشروا عدداً من الكتب عن هذا اللقاء وجعلوا من الحاج أمين _ لا بل جعلوا من الشعب الفلسطيني برمّته _ مسؤولاً أخلاقياً وحتى قانونياً عن فعل المحرقة. مسموح لهم ذلك، لكن فضح العلاقة بين الصهاينة والدولة النازية من المحرّمات. وعندما نشر ليني برينر، وهو اليهودي الأميركي، كتابه عن العلاقة بين الطرفيْن، تعرّض لشتى التهم وصُنّف _ كعادة صهاينة الغرب _ كـ«يهودي كاره لذاته». كما أن جوزف تحدّث عن العداء للسامية من قبل المسؤولين الصهاينة في الغرب ليس كأمر عرضي _ مثل حالة اللورد بلفور الذي كان مُجاهراً في 1905 بمعاداته لليهود، فيما أصبح اسمه في ما بعد متلازماً مع صعود الحركة الصهيونيّة _ بل كدافع مهم في تحفيز قادة الدول في الغرب على دعم الحركة الصهيونية، وينطبق هذا على فرانكلين روزفلت وعلى هاري ترومان، والاثنان كانا من كارهي اليهود.
    لكن حركات مقاطعة العدوّ في أوروبا تختلف من بلد إلى آخر. تنمو باطّراد في بريطانيا: لمست ذلك عن كثب العام الماضي عندما جلتُ في الجامعات البريطانية للمحاضرة ضد وجود إسرائيل بحدّ ذاته. لكن هناك فروقات إقليمية: اسكتلندا، مثلاً، أقرب إلى مثال الدولة التي تُجمع على مقارعة إسرائيل وعلى رفضها بالمطلق. في جامعة أدنبره، علمتُ أن تلميذة زارت إسرائيل لأيّام تعرّضت للتشهير في الجامعة وتعامل معها أترابها بازدراء. وفي إيرلندا، تنشط حركة المُعارضة في الجامعات، ويرى الجمهوريّون توازياً بين نضالهم ونضال الشعب الفلسطيني (زار الرفيق الأسير المُحرّر، جبر وشاح _ وكان معنا في مؤتمر شتوتغارت _ إيرلندا، وهو يفكّر في إقامة صلات قويّة بين الحركة الوطنية الفلسطينية والجمهوريّين الإيرلنديّين). لكن هناك ما لفتني: لماذا تستقطب حركة المقاطعة في بريطانيا الشباب والشابات، فيما كان معظم حضور مؤتمر المقاطعة في شتوتغارت من الشيوخ؟ لكن هناك ما هو مؤلم: لماذا بات الحضور العربي في مؤتمرات مقاطعة العدوّ أو حتى في تظاهرات عن فلسطين هزيلاً أو معدوماً؟ لماذا تركنا القضية الفلسطينية للفلسطينيّين وحدهم وهم عرضة للاحتلال والقمع والشتات؟ لم تعد تجد في المناسبات الفلسطينيّية في الغرب إلا غربيين وغربيات وفلسطينيّين وفلسطينيات، وعدداً قليلاً من اللبنانيّين الشيوعيّين والشيوعيات والقوميّين السوريّين. كم أخجل عندما ألتقي بغربيّين حريصين على قضيّة فلسطين أكثر من الكثير من العرب.
    لكن الراحل إلياس شوفاني شرح ذلك في سيرته: كيف أن عرفات ومحمود عبّاس في السبعينيات، وتحت شعارات زائفة عن استقلالية القرار الفلسطيني (الذي رهنه عرفات مقابل المال عند آل سعود)، تقصّدا فصل العمل الطلابي العربي عن العمل الطلابي الفلسطيني. كان النشاط العربي في المهجر الغربي حتى السبعينيات ينضوي تحت لواء التنظيمات الطلابية العربية. لكن عرفات عزل الفلسطينيّين، فخسر التضامن العربي الشعبي وما كسب ذرّة من استقلالية القرار الفلسطيني المزعوم. وكان وجود سفير سلطة رام الله في المؤتمر في شتوتغارت مثيراً للاعتراض في المؤتمر، وقد اعترضت أنا والرفيق جوزف عليه. وأنا _ ومن أنا، صراحةً _ أطالب بتطبيق مبدأ المقاطعة على سلطة أوسلو التي ليست أكثر من ذراع ضاربة للاحتلال الإسرائيلي. والعدوّ الإسرائيلي يتدخّل في وساطة مع أميركا دورياً لإنقاذ السلطة من الانهيار عبر حثّ دول النفظ والغاز على تنفيذ مشيئة إسرائيل بتعويم النموذج الفلسطيني عن جيش أنطوان لحد. ما عاد مقبولاً وجود أي ممثّل لسلطة أوسلو، ولو كان ابن حيدر عبد الشافي، في أي تجمّع لمقاطعة العدوّ. ما كان ممكناً أن يدعو تجمع للمقاومة الفرنسيّة ضد الاحتلال النازي ممثّلين عن سلطة بيتان. إن مقاطعة العدوّ تسري على إسرائيل وعلى السلطة التي نصّبتها كذراع لها في الضفة الغربيّة. كما أن سلطة سلام فيّاض تحاول تمييع المقاطعة عبر إدراج مفهوم مشبوه للمقاطعة يفصل بين مقاطعة المستوطنين ومنتجاتهم وبين مقاطعة إسرائيل بحدّ ذاتها.
    لكن أجندة حركة المقاطعة تحتاج إلى نقاش عاجل: آن الأوان كي يتبلور إجماع حول تحرير كل فلسطين (وهناك موضوع يحتاج الى نقاش منفصل عن الفارق بين شعار تحرير فلسطين وشعار الدولة الواحدة، وأنا أشتبه بالشعار الأخير) كي ينتهي التمييع المقصود في الهدف المنشود وذلك من أجل جذب عدد أكبر من المناصرين والمناصرات. إن الجمع المُنفّر بين جماعة (لا) حلّ الدولتيْن وبين جماعة الدولة الواحدة وبين جماعة تحرير كل فلسطين (أو تحرير كل ميليمتر مربّع من فلسطين، على قول الراحل العظيم جورج حبش) يحمل تناقضات حبلى بالتفجّر في أي وقت. إن تماسك الحركة حول شعارات وأهداف منسجمة مع الميثاق غير المُعدّل لمنظمة التحرير الفلسطينيّة أهم من حجم الحركة، وخصوصاً إذا جذبت إليها أعداء لهدف التحرير.
    لكن هناك جدليّة معكوسة في العلاقة بين تنامي حركة المعاطعة في المهجر، وازدياد فرض التطبيع في العالم العربي من قبل ليس فقط الحكومات، وإنما من قبل منظمات المجتمع المدني التي تتلقّى التمويل الأوروبي والأميركي. إن كل الدعم المالي الأوروبي والأميركي وذلك الصادر عن الأمم المتحدة له أفق تطبيعي: ليست المطالبات بـ«السلام» وإطلاق أغنيات «السلام» وإقامة ندوات وورش عمل (ما أبشع بعض الترجمات العربيّة عن لغات أجنبيّة مثل «ورش عمل» أو «تطبيقات» على الهاتف (من دون بصل) وكأن اللغة العربيّة فقيرة بالمفردات وتحتاج إلى ترجمات حرفيّة متحجّرة من قبل عاملين وعاملات من أصول عربيّة يعملون في الغرب ويستعينون بالقاموس من أجل وضع مفردات تقنيّة بالعربيّة) عن ثقافة السلام. وهناك ما هو جديد: محاولة تسويق التطبيع مع العدوّ الإسرائيلي تحت شعارات ليبراليّة عن «قبول الآخر» أو عن حريّة التعبير وكأن حريّة التعبير مكفولة في العالم الغربي ضد أعداء تلك الدول.
    هذه ليست الأيام الذهبية للحركة الصهيونية. في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات، كان نجوم هوليوود يتسابقون لإقامة حفلات جمع تبرّعات لإسرائيل. كان ذلك زمن وهج فيلم «الخروج» المبني على قصّة الصهيوني العنصري، ليون أورس. اليوم، إن معظم دعم إسرائيل في هوليوود هو سرّي أو مبني على بيانات تصدر عن اللوبي الصهويني ويُطلب من الفنانين اليهود التوقيع عليها. لكن لا نذهب بعيداً هنا: لا تزال أميركا، حكومة وشعباً، صهيونية وعنصرية ضد العرب والمسلمين. غير أن تغييراً حقيقياً حدث في الغرب وأثمر تنشيطاً في حركة مقاطعة إسرائيل ومناهضتها.
    لكن حركة المقاطعة ليست بديلاً _ كما كرّرتُ في ألمانيا _ من مقاومة العدوّ. إنها تترافق معها وتكمّلها ولا تستبدلها. مقاومة العدوّ تتخذ عدداً كبيراً من الأشكال، تحدّث ميثاق منظمة التحرير القديم عن وسائل متعدّدة من النضال لتحرير فلسطين. المعادلة معروفة في كل نماذج مقاومة الاحتلالات الأجنبية. لكن الصهيونية، التي شنّت حملة مقاطعة ضد ألمانيا في الحقبة النازية (وحتى بعدها) تريد اليوم وبأفواه وأقلام عربية أن تجعل من مقاطعة إسرائيل صنو الكراهية ومعاداة اليهود. ولبنان، كعادته، يحتضن حركة صهيونية ناشطة تبدأ من المطالبة بنزع سلاح مقاومة العدوّ ولا تنتهي بطلب إهمال مقاطعة العدوّ في الثقافة والفنّ. غير أن المقاطعة تنمو وعليها أن ترفد المقاومة العسكرية ضد إسرائيل _ هذا إذا عاد المقاومون الفلسطينيّون إليها، وخصوصاً أن حركة «حماس» تستمتع بالسلطة (غير الحرّة والمحاصرة) أكثر مما استمتعت من تجربتها الفاشلة في المقاومة العسكرية.

    «الإخوان المسلمون» وسوريا... إنها معركة مصير!
    بقلم: جمال خاشقجي عن الوطن البحرينية
    «إخوان» سورية يحتاجون إلى الشروع في إعادة هيكلة التنظيم الآن، على رغم أنهم في وسط معركتهم التاريخية لإسقاط النظام.
    «إخوان» مصر يحتاجون سياسة جديدة حيال الأزمة السورية، تتفق مع موقع مصر، وتنفي شكوك الجيران، وتمنع توتّراً مستقبلياً مع إخوانهم في سورية. باختصار، يجب أن يصطفوا مع المنتصرين.
    «إخوان» الأردن يحتاجون إلى التحرر من عقدة المؤامرة الأميركية، وأن يطوروا موقفهم تجاه القضية السورية من مجرد دعم أعمال الإغاثة، إلى دعم سياسي يوجهون بعضه نحو حكومتهم التي يعارضونها.
    ما يحصل في سورية ثورة شعب حقيقية لم يخطط لها «الإخوان» أو حتى يتوقعوها، وبالتالي يمكن تفهم تخبطهم هنا أو هناك، والأمر يسري على كل «لإخوان»، وليس «إخوان» سورية فقط، ولكن اقتربت لحظة الحقيقة هناك، التي تتطلب أن يكون «الإخوان» مستعدين هم أيضاً لليوم التالي. لقد حصل أمر مهم لـ «الإخوان» أخيراً، وأمر آخر لا يقل أهمية خلال الأيام المقبلة، الأول هو أن السعودية فتحت لهم قلبها أخيراً. ليس مهماً كيف حصل هذا، ومن اقتنع بضرورة ذلك؟ ولكن المهم هو أنه سيخدم بقوة الوصول إلى الهدف الذي تسعى له المملكة و»الإخوان» معاً، إسقاط النظام ووقف هذه المذبحة التي يتعرض لها الشعب السوري، ثم -وهذا مهم جداً- الالتزام بحلف لا تغيير فيه ولا تبديل بإعادة رسم شرق عربي جديد من دون إيران، يمتد من شط العرب وحتى المتوسط، وقد التزم «الإخوان» بذلك في الاجتماعات التي جرت في جدة أخيراً.
    لقد أحسن «إخوان» سورية فعلاً عندما اشتركوا مع كل أطياف الشعب السوري في جعل القضية «وطنية» لكل السوريين، وذلك عندما تشاركوا مع الجميع في تأسيس «المجلس الوطني» ثم «الائتلاف»، ثم الحكومة الانتقالية، ولكنهم اتُهموا مراراً بأنهم يسعون إلى السيطرة على كل هذه الهيئات، فأحسنوا صنعاً أيضاً عندما تخلوا عن فكرة الحكومة الانتقالية ورئيسها غسان هيتو حينما وجدوها سبباً للانقسام وسوء الظن، ولكنهم في حاجة الآن إلى أن يحافظوا على مكتسباتهم، ويمنعوا حصول أزمات سياسية وتناحراً في سورية الجديدة بإعادة هيكلة تنظيمهم الذي عاش مغترباً لأكثر من 30 عاماً، مع قدر من الانقسام بين «إخوان» دمشق و»إخوان» حلب، وقبل ذلك انقسامات بين التنظيم الأم وشباب الطليعة المقاتلة التي فجرت أول مواجهة مع النظام من دون رضا التنظيم، ثم انقسامات بين قادة في العراق تحت تأثير نظام صدام حسين ومخابراته، وقادة أكثر استقلالاً في الأردن والسعودية والخليج وأوروبا. في هذه الأجواء نشأ جيل شاب من «الإخوان» أكثر فعالية وليبرالية واستقلالاً، وسط جالية سورية هائلة ربما تزيد على الـ 100 ألف تعيش «دياسبورا» حقيقية حول العالم، فشكلوا جمعيات تهتم بشأن الوطن بعيداً عن التنظيم الأم، من دون أن يقطعوا حبال الود والاحترام مع «الشيوخ». بعضهم أثرى في الخارج، والبعض الآخر بنى علاقات خاصة مع حكومات عربية وغربية، ولكنهم لم يعودوا شباباً عندما دهمتهم الثورة السورية قبل عامين، فمعظمهم تجاوز الأربعين، وبعضهم يقترب من الستين. عندما نشطوا في أروقة الثورة السورية من مجلس وطني وتنسيقيات، حسبهم البعض «إخواناً»، ولذلك كثر الحديث عن سيطرة «الإخوان»، ولكنهم تركوا التنظيم منذ زمن، والأفضل لشيوخ «الإخوان» أن يعيدوا هؤلاء الشباب إلى هيكل الجماعة، بل إلى مواقع القيادة، حتى لا يكرروا خطأ «إخوان» مصر الذين انشق عنهم بعض من ألمع رجالهم «الشباب» مثل أبوالعلا ماضي أو عبدالمنعم أبوالفتوح، اللذين نافحا عن التنظيم وحكومة «الإخوان» ببراعة في ساعة العسرة، حتى أحسب أن المرشد تمنى لو بقي هؤلاء معه في المقطم.
    أما في مصر، فليس سراً أنه حتى «إخوان» سورية عاتبون على إخوانهم في مصر، وغير مقتنعين بقولهم إن لديهم ما يكفيهم من المشاق والتحديات. لقد أثارت «براغماتية الإخوان» الشهيرة شكوك السعودية وغيرها، ولم يعد مقنعاً موقف حكومة مرسي التي تريد أن تؤيد الثورة السورية بخطب رنانة ووعود، من دون أن تترجم ذلك بشراكة كاملة مع الحلف النشط الساعي إلى إسقاط النظام، بل تريد أن تبقي الباب مفتوحاً مع إيران، فالصراع في سورية ليس طويل الأجل، ولن يترك من دون حسم، فلا مجال للبراغماتية وأنصاف الحلول. يجب أن يختار «الإخوان» معسكر الثورة السورية بالكامل في حرب الشرق العربي الدائرة التي حمي وطيسها، إن لم يكن لدوافع أخلاقية ومبدئية، فلكي يحفظوا لأنفسهم ولمصر مقعداً في صف المنتصرين. هذه الحرب ستفرز منتصراً لا محالة، وخطأ جسيم أن تغيب مصر وبخاصة في زمن «الإخوان» عن ذلك المشهد.
    في الأردن، لا يقل «الإخوان» هناك تخبطاً، فهم ضد النظام ومع الثورة وموجودون في ساحة العمل الإغاثي بقوة، ولكنهم يثيرون غباراً حول الحل الوحيد الممكن، وهو التدخل الدولي، إذ انتقدوا علانية عمليات التدريب والتسليح التي يقوم بها الأميركيون هناك، والذين أرسلوا من دون إعلان عناصر من الجيش الأميركي يتعاونون مع نظرائهم الأردنيين والمخابرات هناك. ومنطلق «الإخوان» في ذلك موقفهم التقليدي المؤمن دوماً بوجود «مؤامرة أميركية»، مذعنين لرأي الشارع الفلسطيني الذي لا يحب الأميركيين لأسباب معروفة، عوضاً عن أن يقودوا الشارع في ما فيه خدمة للقضية السورية، فيكرروا خطيئتهم السابقة في حرب تحرير الكويت عندما انتقدوا الاحتلال ورفضوا التدخل الدولي لإزالته، فأحدثوا شرخاً لم يندمل بينهم -هم وشتى فصائل «الإخوان»- وبين حلفائهم التقليديين في المملكة والخليج، بما في ذلك «إخوان» الكويت الذين أعلنوا انسحابهم احتجاجاً من التنظيم الدولي لـ «الإخوان» (كنت انفردت بنشر هذا الخبر في الصفحة الأولى من هذه الصحيفة في ذروة الأزمة).
    الشارع العربي والإسلامي يريد إسقاط النظام بأي ثمن، وترك القرار في يد كهول الحركة الإسلامية الذين نشأوا جيلاً بعد جيل، يتغذى ويتشكل بخطاب المواجهة مع الغرب والاستعمار الذي رحل، من دون إدراك للتحولات السياسية التي حصلت في الغرب، سيضيّع فرصة ثمينة على الحركة الإسلامية في المنطقة، ويحولها إلى مجرد حركة احتجاجية تشبه «حزب السعادة» التركي، وريث أحزاب بطل الحركة الإسلامية الراحل نجم الدين أربكان، الذي أصبح اليوم بخطابه المعادي للغرب في حجر النظام السوري.
    ثمة تاريخ يُصنع، وشرق أوسط جديد يتشكل، فادفعوا بشبابكم إلى الصدارة يا شيوخ حركة «الإخوان» في سورية ومصر والأردن، فهم أدرى بالواقع والمتغيرات.

    يكفينا ما فينا !!
    بقلم: محمد أبوكريشة عن الجمهورية المصرية
    كاد قلبي يتوقف وتدفق الدم في رأسي وأنا أقرأ الآية الكريمة رقم 167 من سورة الأعراف: "وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلي يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب.. إن ربك لسريع العقاب وإنه لغفور رحيم".
    والله العظيم كأني أقرأها لأول مرة.. أصابتني رجفة وزلزلت زلزالاً شديداً وقلت بصوت مرتفع وكأنني أهذي.. أو كمن لدغه عقرب: يا رب سلِّم سلِّم.. يا ساتر.. يا حفيظ.. رحمتك يا رب.. وعدت سريعاً إلي الآية التاسعة والخمسين بعد المائة من نفس السورة.. وقرأتها مراراً: "ومن قوم موسي أمة يهدون بالحق وبه يعدلون".. ثم الآيات التي بعدها: "وقطعناهم في الأرض اثنتي عشرة أسباطاً أمماً.. وأوحينا إلي موسي إذ استسقاه قومه أن اضرب بعصاك الحجر فانبجست منه اثنتا عشرة عيناً.. قد علم كل أناس مشربهم.. وظلننا عليهم الغمام وأنزلنا عليهم المن والسلوي.. كلوا من طيبات ما رزقناكم.. وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون".
    وعدت إلي تلاوة الآيات وأخذت أكرر كمن أصابه هذيان الحمي: ومن قوم موسي.. قوم موسي.. قوم موسي.. ولم أجد في الآيات الكريمات كلمة "اليهود".. "احنا يا أولاد ولا إيه؟!".. ومَن غير المصريين قوم موسي؟!.. ومَن غير المصريين بنو إسرائيل؟!.. الحكاية كلها عندنا في مصر.. في سيناء.. في عيون موسي.. في الطور.. "ما خرجتش بره مصر".. والتقطيع في الأرض.. يعني علي حد علمي "مصر".. ومصر ذُكرت كثيراً في القرآن بكلمة "الأرض".
    وتذكرت قول صديقي المسيحي إن في إنجيل برنابة آية تشبه الدعاء علي مصر من أحد الحواريين: "لن يحكمك حاكم عادل يا مصر".. الطف بنا.. يا لطيف.. يا عليم.. يا خبير.. ارحمنا يا رحمن.
    "إيه ده؟!".. يعني.. مصر والعدل ضدان لا يجتمعان؟!.. ومصر والعذاب والقهر والاستبداد والظلم والفساد أشقاء لا يفترقون.. ولا حياة لمصر بدون كل أشقائها.. أو واحد أو اثنين منهم؟!.. وما يظلم ربك أحداً.. فالعذاب في الدنيا قد يكون رحمة في الآخرة لمن يهدون بالحق وبه يعدلون.. وربما هو عذاب في الدنيا والآخرة للآخرين الذين أعقبهم الله نفاقاً في قلوبهم إلي يوم يلقونه.. وهم كثير في بلادنا.
    "إن تحرص علي هداهم فإن الله لا يهدي من يضل. وما لهم من ناصرين".. يعني لا جدوي "خلص الكلام".. الذين يضلهم الله.. إذا تركت لهم حرية الاختيار فإنهم يختارون عذابهم.. ويختارون ظالمهم.. ويختارون مستبدهم وجلادهم. ويختارون أن يكونوا عبيداً أرقاء أذلاء.. يختارون أكثرهم نفاقاً وفساداً وتجبراً.. يختارون أكذبهم.. يختارون أشدهم غلظة وجفاء. وأقواهم في الضرب علي القفاء.. وإذا قلت لهم: كفاكم ضرباً علي قفاكم.. يقولون: "كمان.. وانت مالك".. يختارون أثقلهم دماً و"أغلسهم".. يختارون الوجوه الكالحة الزرقاء.
    مصر لم تشهد حاكماً عادلاً. ولن تشهد.. "سيبكم من حكاية اليهود" فليسوا المعنيين بهذا كله.. وإنما المعنيون هم بنو إسرائيل.. اليهود في فلسطين سرقوا إسرائيل.. وسرقوا بنوتهم لإسرائيل منا نحن المصريين. قوم موسي.. الحكاية كلها هنا.. اللجاج هنا.. والجدل هنا. وأحفاد "بتوع البقرة.. وبتوع العجل الجسد الذي له خوار هنا".. ومازالوا يمارسون نفس أساليب أجدادهم في الثرثرة والنفاق والكذب والمراء. وعنجهية شعب الله المختار.. والشعب العريق.. والشعب العظيم.. وهم الذين تأذن ربك ليبعثن عليهم إلي يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب.. "خللي بالك يا عم الحاج".. ليبعثن عليهم.. ولم يقل فيهم. أو منهم. أو لهم.. عليهم.. يعني الحاكم.. يعني الوالي.. يعني السلطان.. يعني الملك.. يعني الرئيس.. وعلي هنا تعني الفوقية. والاستعلاء.. يسومنا الحاكم سوء العذاب إلي يوم القيامة.. سواء جاء غازياً. أو جاء مفروضاً. أو جاء بانقلاب. أو جاء وارثاً. أو جاء بالصندوق والديمقراطية. أو جاء بالاستفتاء وبنسبة تسعة وتسعين في المائة.. اخترناه أو فرض علينا بسيف المعز وذهبه.. ليبعثن عليهم.. تعني كل نجومنا وكل الذين يؤثرون في أدمغتنا الخربانة.. تعني الإعلاميين والسياسيين والحكومة والمعارضة والدعاة والفنانين.. تعني النخبة.. كل هؤلاء يسوموننا سوء العذاب إلي يوم القيامة. جيلاً بعد جيل!!
    * * * *
    * حياتنا كلها عذاب "بعيد عنك وقريب منك حياتي عذاب".. ظالم يتسلم الراية من ظالم.. كذاب يرث كذاباً.. منافق يعقب منافقاً.. مسرحية سخيفة ومهلهلة ومملة مستمرة حتي يوم القيامة.. لا عهد ولا ذمة.. ولا وعود.. مسلسل تركي أو مكسيكي مقرف. ومع ذلك لا يريد هذا الشعب أن يزهق.. لا يريد أن يفيق.. أدمن الضرب علي القفا.. ولا يستجيب لندائك: "كفي".. أي بني آدم عنده بعض الوعي يدرك تماماً أنها مسرحية هزلية سخيفة منذ فرعون إلي يوم القيامة.. "يا راجل ده حتي مش عارفين يمثلوا.. مش عارفين يتقمصوا الدور.. ممثلين.. ماشي.. كمان ممثلين خايبين؟!".. لكننا قوم في غيبوبة محبوسون في بطوننا وفروجنا.. في لقمة عيشنا.. والحجة دائماً والمخدر أننا شعب عظيم وصبور.. يخدعوننا ويطالبوننا بالصبر.. يمثلون علينا ويطالبوننا بالهتاف لمسرحيتهم السخيفة.. يا ناس.. انتهكتم آدميتنا وكرامتنا منذ فرعون إلي يوم يبعثون. "طب حد يحترم عقلنا!!".. اتعبوا في رسم أدواركم لتنطلي علينا.. بدلاً من أفلام المقاولات الرخيصة والمقرفة التي تسلقونها في "قعدة".. كل حكامنا ونخبتنا والملأ من فرعون إلي يوم القيامة راهنوا علينا وكسبوا الرهان.. راهنوا علي خيبة أملنا.. وغفلتنا وبلاهتنا وكسبوا الرهان.. خدعونا وانخدعنا بالرأسمالية والاشتراكية والصحوة والنهضة والإسلامية.. وفي كل مرة لا نفيق.. خدعونا بالثورة أو بحاجة صفراء اسمها الثورة.. خدعونا بالعلم والإيمان والانفتاح والسلام والتعددية الكاذبة والليبرالية والعلمانية واللحي والجلابيب.. وليس منا رجل لبيب. ولا امرأة لبيبة.
    "اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضاً يخل لكم وجه أبيكم وتكونوا من بعده قوماً صالحين".. هذه هي الصرخة المصرية.. والهتاف المصري علي مر العصور.. بعد القتل والإلقاء في البئر.. يخلو لنا الجو. ونتسلم السلطة ونكون قوماً صالحين مصلحين.. اخلعوا مبارك ونظامه وارموه في السجن.. يخل لكم الجو وتكونوا قوماً صالحين.. اخلعوا الملك فاروق.. اقتلوا عبدالناصر.. اغتالوا السادات.. وبعد هذا يصفو لكم الجو. وتكونون صالحين ومصلحين.. ودائماً نصدق.. دائماً ننتظر ما لا يأتي.. دائماً يحدث الشق الأول فقط "اقتلوا.. واطرحوا أرضاً.. واخلعوا.. ثوروا.. أسقطوا".. ولكن بعد ذلك لا شيء.. لا يأتي الصالحون والمصلحون. وإنما يأتي المستبدون. والظالمون والمفسدون. والكذابون والمنافقون تباعاً.. لا يأتي القوم الصالحون أبداً. لأن ربك تأذن ليبعثن علينا إلي يوم القيامة من يسومنا سوء العذاب.. لأن الدعوة كانت مستجابة "لن يحكمك حاكم عادل يا مصر".. لم يعدل فيها أحد حتي عمرو بن العاص.. حتي الولاة الذين عينهم الخلفاء الراشدون والأمويون والعباسيون.. والحكاية تتكرر دون أن نمل أو نزهق أو نقرف.. لا أحد يمكنه أن يكون عادلاً في مصر.. التربة المصرية لا تجود فيها زراعة العدل والعدالة.. الناس كما قال المؤرخ الكبير الراحل عبدالرحمن الجبرتي.. يستضعفون العادل.. ويسخرون ممن يرحمهم ويرأف بهم.. وكانوا يطلقون علي الملتزمين والكشاف والعمد والصرافين العدول والرحماء أسماء "نسوان".. حتي المحتسب الذي يمر في الأسواق ليراقب الأسعار والموازين والمكاييل ويبدو عليه التساهل والرحمة كان التجار يستضعفونه ويوغلون في الغش ورفع الأسعار.. فإذا استخدم المحتسب العسف والجور والظلم.. التزم التجار وتسابقوا لإرضاء الظالم المستبد.
    * * * *
    * "يا حبيبي".. نحن الشعب المصري منتج.. والعيب ليس في المنتج. ولكنه في الآلة أو الماكينة التي تصنع المنتج.. الآلة رديئة.. فلابد أن يكون المنتج رديئاً.. نحن نستحق حكامنا لأن الطينة من العجينة.. لأن رقعة الثوب منه فيه.. لأن الحكام إفراز شعوبهم.. لأن الشعب هو الجواب. والحاكم هو العنوان.. "والجواب يتقري من عنوانه".. لا تبحث عن فرق بين حاكم وآخر في مصر. لأن الشعب هو هو لم يتغير.. لا تبحث عن فروق بين نظام وآخر.. لأن الشعب كما هو.. لا يحزنك جنود خطفوهم. ولا تحزنك طريقة الإفراج عنهم.. ولا تفرح لهذه أو لتلك.. الشعب كله مخطوف منذ فرعون إلي يوم القيامة.. كلنا رهائن لكل الأنظمة.. لكل الحكومات والمعارضات.. لكل التيارات والفصائل والأطياف والحركات.. لكننا رهائن مختلفون عن أي رهائن في العالم.. نحن ندفع فدية ليخطفنا الخاطفون.. ندفع دم قلبنا لنبقي رهائن.. نحن نكره الإفراج عنا.. نكره الحرية.. نكره العدالة.. ونحب العيش ولو مغموساً بالذل والهوان.. نحن أحفاد لنسوه المدينة اللائي قطعن أيديهن شغفاً بيوسف عليه السلام. وكن قبل قليل يطلقن ألسنتهن ضد امرأة العزيز. ويرينها في ضلال مبين.. "وبعد كده الضلال المبين حلو لهن".. نحن أحفاد امرأة العزيز التي أرادت أن يكون الزني بها أمراً ملكياً. لا ينبغي أن يرد.. كل الحكام من امرأة العزيز إلي فرعون إلي يوم القيامة يراودوننا عن أنفسنا. لكننا لا نستعصم.. ولا يريد الحق عندنا أن يحصحص.. ولا نريد أن نتوب أو نفيق. ولا نريد أن نشعر بالظلم.. بل أدمناه وألفنا الجور والاستبداد. والمسرحيات الهزلية والكذب ومواعيد عرقوب. والعهد المغدور. والخصومة الفاجرة. وخيانة الأمانة.. قتلنا وطرحنا أرضاً وخلعنا وأسقطنا. ولا نريد أن نكون قوماً صالحين.. يا قوم.. أليس منا رجل رشيد؟!!.. يا قوم.. أما كفانا ضرباً علي قفانا ويكفينا ما فينا !!
    نظرة
    * قال لي: أخبرني عن قوم إذا شبعوا بطروا. وإذا جاعوا أشروا.. يبنون القبور كأنها قصور.. وقصورهم قبورهم.. عبدوا البشر.. واختلفوا علي البقر.. وعبدوا العجول وعطلوا العقول.. خيرهم كثير. لكن شرهم أكثر.. ماؤهم وشل أي "كثير" ولصهم بطل.. يقولون: من عندنا خرج العلم.. فنقول: ولكنه لم يعد إليكم.. بأسهم بينهم شديد وتحسبهم جميعاً وقلوبهم شتي.. إذا كثر عددهم جاعوا. وإذا قل عددهم ضاعوا.. مدعون يقولون إنهم مبدعون.. أذلة علي أعدائهم.. أعزة ضد بعضهم.. والبغاث بأرضهم. يستنسر.. والجرذ عندهم يستأسد.. يرفعون الوضيع ويضعون الرفيع.. كلهم حكام. ولا توجد رعية.. وكلهم أمير ولا يوجد من يربط الحمير.. يتكلمون جميعاً ولا يوجد بينهم من يسمع.. يجيدون الفرقة. وليس بينهم من يجمع.. يرقصون في السياسة "علي واحدة ونص".. وإذا تتبعت أمورهم "تخس النص".. مشغولون بالحديث عن غيرهم.. ولا يصل إليك خبرهم.. مشاريعهم وهم. وأوضاعهم تستعصي علي الفهم.. أعلاهم مجدب. وأسفلهم مثمر.. مثل هند بنت أسماء بن خارجة. لا فرحت بزواج. ولا حزنت لطلاق.. فقد أرسل إليها الحجاج بن يوسف الثقفي زوجها.. رسولاً هو ابن القرية وقال له: اذهب إلي هند فطلقها مني بكلمتين وأعطها عشرة آلاف درهم متعة.. فقال لها: ابن القرية: إن الحجاج يقول لك: كنت فبنت وهذه عشرة آلاف متعة لك.. فقالت هند: قل له: كنا فما حمدنا.. وبنا فما ندمنا.. والعشرة آلاف لك ببشارتك إياي بطلاقي.. قلت لمحدثي: هؤلاء القوم أنا منهم!!!

    الملفات المرفقة الملفات المرفقة

المواضيع المتشابهه

  1. اقلام واراء عربي 369
    بواسطة Aburas في المنتدى أقلام وآراء عربي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2013-04-15, 10:44 AM
  2. اقلام واراء عربي 279
    بواسطة Haneen في المنتدى أقلام وآراء عربي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2013-01-07, 01:21 PM
  3. اقلام واراء عربي 278
    بواسطة Haneen في المنتدى أقلام وآراء عربي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2013-01-07, 01:15 PM
  4. اقلام واراء عربي 277
    بواسطة Haneen في المنتدى أقلام وآراء عربي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2013-01-07, 01:14 PM
  5. اقلام واراء عربي 276
    بواسطة Haneen في المنتدى أقلام وآراء عربي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2013-01-07, 01:14 PM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •