النتائج 1 إلى 1 من 1

الموضوع: اقلام واراء محلي 453

مشاهدة المواضيع

  1. #1

    اقلام واراء محلي 453

    اقلام واراء محلي 453
    21/7/2013

    في هذا الملـــــف:
    مخاضٌ طويل الأمد
    بقلم: عدلي صادق - الحياة
    القرار الأوروبي.. والمخاض الصامت
    بقلم: موفق مطر - الحياة
    كيري أحدث إختراقا..
    بقلم: عادل عبد الرحمن - الحياة
    أي وضع نهائي؟!!
    بقلم: حديث القدس – القدس
    ما بين القدس والوطن العربي شعوب تنزف لجوءا
    بقلم: إبتسام اسكافي – القدس
    الأحد... وكل يوم أحد ... الأسرى... ما قبل أوسلو وما بعدها والمفاوضات... وخياراتنا السياسية
    بقلم: المحامي زياد أبو زياد – القدس
    حن الفلسطينيين نحب مصر كما نحب فلسطين
    بقلم: الدكتور حسن عبدالله - القدس
    .. والآن؟ "اللغوصة الخلاّقة" ؟
    بقلم: حسن البطل – الايام
    كيري .. نجح في خداع نفسه !!
    بقلم: هاني حبيب - الايام
    القدس: الواقع والتاريخ في الرواية العربية
    بقلم: عادل الأسطة - الايام
    دفاعاً عن المقاومة .. لا عن حماس
    بقلم: سامي كليب - معا

    مخاضٌ طويل الأمد
    بقلم: عدلي صادق - الحياة
    نكاد لا نرفع عيوننا عن شاشات التلفزة. فمصير الأمة، يتعلق بالمخاض العسير، في هذه اللحظة، التي تحاول الشعوب العربية فيها، أن تتعرف على الطريق الى صيرورتها المبشّرة بالخير، والى مآلاتها السعيدة!
    إن أسوأ ما فعلته الحركات الإسلاموية، وأعطبت به الحراك الشعبي العربي، الذي بدأ كثورات ضد الاستبداد الفساد في تونس وليبيا ومصر وسوريا؛ أنها نقلت المشهد العام، من الحال الشعبي، الى الحال الشعوبي، وشتان بين الحاليْن. الأولى طيبة وعادلة ومستنيرة ومتسامحة وميّالة الى التقدم والى تحسين شروط الحياة وملئها بالسياسة وقيم المواطنة. أما الثانية، الشعوبية، فإنها عقدية متطرفة ذات غريزة تخوينية وتأثيمية دون بيّنة أو دليل، وهي ـ وهذا الأخطر ـ تقسم المجتمع الى شعوبيات، يناهض كل منها الآخر، دونما إحساس بالحقيقة الاجتماعية والفكرية، التي تؤكد على أن الجميع متدين ويعبد رب العالمين، أو على الأقل ليس كافراً!
    الحراك الشعبي، يسعى بطبيعته، الى إدخال الفئات المهمشّة الى قلب التاريخ العام لمجتمعاتها، وإنهاء اغترابها في أوطانها. وعندما يُستخدم الدين، كسلاح سياسي، يكون القائمون على هذا الاستخدام، وهو أنموذج للعمل التاريخي السلبي قد اقترفوا خطيئة مروّعة، لكي يحققوا رغبتهم في الهيمنة والتمكين المديد. ومن دواعي الحزن، أن مثل هذه الخطيئة، لازمت التاريخ العربي والإسلامي، على مر قرون، مستغلين كون المُعطيات الإيمانية والنفسية في الوعي الجمعي لشعوبنا، قد تراكمت فوقها فوق بعض، وساعدت على إيقاع القوى الحزبية، تأثير حاسم في مسارات التاريخ الذي ظل مطرباً ومؤلماً.
    في الظاهرة الشعبية، يخوض الناس مجتمعين، صراعاً من جنس السياسة، بهدف الاستحواذ على الموارد المادية للمجتمع، ونيل المواطن حصته منها، وترسيخ السلطة الضامنة لهذا الحق، وخلع المشروعية عليها، في إطار يتجاوز المشارب والطوائف والعصبيات والجهات والتراتبيات التقليدية. وهذه هي الثورة الاجتماعية التي تشطب ما كان قبلها، من واقع مُزرٍ، يريد المستبدون والفاسدون، من الجماهير، أن تقنع به. أما الظاهرة الشعبوية الكريهة، فإنها نتاج التفكك المريع، بمفاعيل المستبدين، لشبكات وأطر التضامن بين الناس، وتلاشي الشعور بالهوية الجماعية الوطنية، وهي كذلك نتاج بيوت الصفيح البائسة وتشتت الفقراء وتفشي البطالة والفاقة. فهذه هي التربة الخصبة لزراعة بذور العنف. وعندما يتفجر الحراك الشعبي، يلتحق به البائسون والمهمشون، لكن القائمين على التوجه الشعوبي يأخذون قسماً كبيراً من هؤلاء الى مواقعهم الأيديولوجية، ويلقنونهم مفاهيم وآراء قطعية في الآخرين، بل وفي الدين نفسه وفي التاريخ المعاصر، ويُرضعونهم فرضيات ذات مضامين ومصطلحات وألفاظ، من شأنها كلها، الحيلولة دون التوصل الى الوئام الوطني، في أطر اجتماعية واسعة، على قاعدة مطالب الجماهير الشعبية وحراكها!
    وليت الأمر، في الحال الشعوبي، الذي تنتجه الظاهرة الإسلاموية؛ يقتصر على انتاج الخصومة مع مكونات المجتمع الأخرى. فالظاهرة الدينية نفسها تتشظى وتتخاصم، بممارسات الأوساط الغالبة بينها، ويختص كل قسم لنفسه، بمعجم مفاهيم وأحكام لا يتزحزح عنها، تقطع بينها وبين الآخرين. وبدل أن يتوحد الصوت الشعبي المطلبي والحضاري والسياسي والوطني، يحل الهذيان الجماعي الذي يجلب الخراب والاحتراب، مثلما حدث في ليبيا، وكما بدأ يحدث الآن ـ للأسف الشديد ـ في سوريا.
    إن المنظومات المعرفية (الابستمولوجيا) للقوى التي تستخدم الدين سلاحاً سياسياً؛ لم تعرف، على مر التاريخ، سوى طريق واحد، وهو انتاج الخصومة تلو الأخرى والتردي فيها، دون الرجوع الى المنشأ الأول للدين بروعته وإنسانيته وتسامحه. فبمفاعيل السياسة في لبوس الدين، ظل تاريخ الشعوب الإسلامية يألم كلما نشأت ظاهرة من هذا القبيل، استفادت من بيئات اجتماعية وسياسية خاطئة. لقد مر علينا الخوارج شديدو البأس، والمعتزلة والزيديون والإسماعيليون، وانشطر المسلمون الى سُنّة وشيعه. وما أن جاء الصفويون، مع العام الأول من القرن السادس عشر، حتى عمدوا من موقع السياسة، على تحويل إيران الى المذهب الشيعي، وفصلوا بين مقابر المسلمين الشيعة والمسلمين السُنة، في خطوة ابتعدت عن جوهر الوعي الديني، مثلما تأسس في عصر النبوّة والصحابة الأكرمين.
    المستشرقون الأوروبيون، ظلوا يباهون بالدين المسيحي، على اعتبار أن هذه الديانة، سمحت بالفصل بين العامل الروحي والعامل الزمني، أو بين الدين والدنيا، وقد ساعد على ذلك، توافر شبكة واسعة في القارة الآروبية من المتاحف والمكتبات والجامعات الممتازة، ومراكز البحوث الناشطة التي ترصد كل الظواهر وتحللها وترفد بها الثقافة العامة.
    تكفينا الذاكرة التاريخية، لأن نتعلم الدروس، وأن نصل الى قناعة باستحالة استحواذ حزب ديني على المجتمع، بل ينبغي أن تؤكد الدساتير، وقوانين نشوء الأحزاب، على منع استخدام رمزيات الأمة ومعتقداتها، في المنافسات الحزبية. وطالما أن ذلك لم يحدث حتى الآن، ستظل التناقضات المعرفية ومصاعب التوافق في ظلها، قائمة وجاثمة على صدورنا. بل إن المخاض العربي، سيكون طويل الأمد!

    القرار الأوروبي.. والمخاض الصامت
    بقلم: موفق مطر - الحياة
    هل توكأ وزير الخارجية ألأميركية جون كيري على القرار الأوروبي فتوكل ومدد وجوده في المنطقة ليقنع القيادة الفلسطينية بأن ملامح الاسس المطلوبة لإطلاق عملية السلام قد بدأت تتبلور، أم ان الاسرائيليين استشعروا جدية الموقف الأوروبي وابدوا ليونة محدودة يمكن ان تشكل مخرجا للإدارة الأميركية، بدل السقوط من أعلى جدار العناد الاسرائيلي الى هاوية المنطقة الملتهبة بصراعات طائفية ومذهبية وقومية وسياسية عنفية ؟!
    ان يتغير مؤشر بوصلة طاولة المفاوضات بين ليلة وضحاها ليس مرتبطا بالكتمان او ابقاء الأمور في «بقجة الكبار» « كما أراد كيري، ونعتقد أن «ساعة الصمت» التي تسبق انطلاق المعارك الميدانية التي رغبت الادارة ألأميركية التزام الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي بها ليست هي السبب المباشر للتحول ( المجهول ) الذي بشرنا به جون كيري، وان كنا نعتقد يقينا أن موقف القيادة الفلسطينية الثابت كان الخط الفاصل وكان بمثابة اليقين لدى كيري انه لن يستطيع انجاز نجاح يرضي الاسرائيليين على حساب الفلسطينيين، فالموقف والقرار الفلسطيني بعد اجتماع الرئيس الفلسطيني ابو مازن مع اللجنة المركزية لحركة فتح اتبعه اجتماع مع القيادة الفلسطينية كان بمثابة « مخاض صامت « سبق ولادة القرار الأوروبي باعتبار المستوطنات اليهودية في الأراضي المحتلة منذ الخامس من حزيران عام 1967 غير شرعية، ويُلزم القرار كافة الدول الــ (38) الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بعدم تمويل أو التعاون أو تقديم المنح الدراسية أو منح أبحاث لأي أطراف إسرائيلية في المستوطنات المقامة في مناطق الضفة والقدس الشرقية، كما يلزم القرار بأن يتضمن أي اتفاق مستقبلي مع إسرائيل، بنداً ينص على أن المستوطنات ليست جزءاً من دولة إسرائيل, ولذلك فهي خارج الاتفاق».
    جاء القرار الأوروبي انتصارا جديدا للقانون الدولي، ولنضال الشعب الفلسطيني، ولحكمة وصبر وصمود القيادة الفلسطينية على ثوابت الشعب الفلسطيني، فهذا القرار يؤشر بوضوح الى أن المستوطنات التي أنشأتها اسرائيل في الضفة الفلسطينية والقدس المحتلتين، غير شرعية، وهذا لأنها اقيمت على أراضي دولة فلسطين التي صوتت بعض دول الاتحاد الى جانب قرار الأمم المتحدة برفع مكانتها الى دولة بصفة مراقب على اساس حدود الرابع من حزيران من العام 1967 فيما امتنعت دول اخرى في ذات الاتحاد عن التصويت، لهذا السبب نتفهم صيغة القرار الأوروبي الذي لم ينص صراحة على ان سبب مقاطعة المستوطنات الاسرائيلية هو انعدام شرعية بنائها على أراضي دولة فلسطين المحتلة المعترف بحدودها في قرار الأمم المتحدة.. لكنه في كل الأحوال قرار اوروبي جريء، يمكننا ايضا كفلسطينيين من الارتكاز عليه في عملية تعزيز اوراقنا التفاوضية فالحكومة الاسرائيلية تترنح من مفاعيل القرار الاوروبية على المركز العصبي للائتلاف الحكومي في اسرائيل، وبدأ زبد التهديدات بالانسحاب من الحكومة يغرق الساحة السياسية باسرائيل اذا استجاب نتنياهو لأسس مرجعية اطلاق عملية السلام من جديد على اساس حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران رغم بقاء معالم هذه الأسس التي اعلن كيري اتفاق الطرفين عليها طي الكتمان حتى الساعة على الأقل.. وحصر الكلام عن المفاوضات بثلاثة رموز يمثلون الاقطاب الثلاثة: ليفني اسرائيل، عريقات فلسطين، وكيري الولايات المتحدة الأميركية، ما يعني ان الادارة الأميركية حريصة على اطلاق عملية السلام بأقل اصابات وخسائر قد تصاب بها ان تم تعريضها لوسائل الاعلام ولكثرة التخمينات والتحليلات وهذا ينسجم مع شخصية ومفهوم كيري في العمل الدبلوماسي، أو مواراة فشل تتوقعه الادارة ألأميركية بسبب عناد اسرائيل التي قد تذهب الى انتخابات جديدة اذا اقتنع نتنياهو أن القرار الأوروبي هو الكارت الاصفر قبل يسبق الكارت الأحمر ألأميركي اذا امعن في معارضة توجه الادارة الأميركية بتحقيق انجاز ما في الشرق الوسط بعد جملة الانتكاسات في سياستها بالمنطقة وآخرها حساباتها الخاطئة حول حكم الاخوان بمصر، ومن قبلها الضربة التي تلقتها في ليبيا، واستمرار الفوضى الدموية في العراق بعد انسحابها، وانتقال الارهاب من قاعدة الى اخرى تحت سمع وبصر الادارة ألأميركية ليصبح مجاورا لقواعد المارينز الأميركي والقوات الدولية في سيناء بمصر !!
    قد لا تتحقق جميع الشروط الفلسطينية لإطلاق عملية السلام من جديد، ولا يجوز اغفال الوقائع والظروف الدولية، وتحديدا المتغيرات بالمحيط العربي، وفي خضم هذه المعادلة الصعبة ليس أمام القيادة الفلسطينية إلا التحلي بسمات وصفات وخصائص معدن الذهب، تتمتع بمرونة عالية، تتمدد نحو الشعب عند تعرضها للطرق، وتلمع عاكسة اشعاع حقوق الشعب الفلسطيني الطبيعية والتاريخية، فالسياسة لا تعني اعلان المواقف فقط، وإنما قراءة مخلصة للوقائع والإمكانيات وتحديد برامج العمل لتحقيق ما يمكن من الأهداف التكتيكية والإستراتيجية. فالقيادة التاريخية هي التي ترى الفرص المتاحة في التسلسل الزمني للوقائع، وتوظفها لصنع حدث تاريخي جديد.. حتى لايبقى الندم سمة لصيقة بامتنا وشعوبنا كما كان على مر خمسين عاما عشناها بالمرار إلا من بعض حلاوة انتصارات هنا وهناك.

    كيري أحدث إختراقا..
    بقلم: عادل عبد الرحمن - الحياة
    من يراقب الجهد الاميركي المبذول موضوعيا، لا يسعه سوى الاقرار، بانه جهد مكثف، ويوحي بالرغبة الشخصية (لكيري) وللادارة الاميركية في احداث اختراق في المسار الفلسطيني الاسرائيلي، واعادة الطرفين لطاولة المفاوضات وفق روزنامة زمنية سقفها تسعة اشهر لانجاز حل الدولتين.
    لكن من يدقق في ما حمله الوزير الاميركي للرئيس الفلسطيني لم يرق لمنسوب الجهد المبذول، لا سيما ان كيري لم يحمل موقفا إسرائيليا واضحا، بل حمل ضمانة اميركية شفوية تتحدث عن الدولتين على حدود 67، والقدس تبقى تحت إدارة مشتركة لفترة تمتد لقرابة العقد من الزمن، واعتبار الاستيطان كله غير شرعي، والعودة تكون لاراضي الدولة الفلسطينية، مع حوافز الافراج بالتدريج عن الاسرى المعتقلين قبل عام 1994، ومع بدء المفاوضات يتم الافراج عن (250) اسيرا آخرين... فضلا عن تسهيلات اقتصادية الخ، وكأن الفلسطينيين لم يكتووا من رسالة الضمانات الاميركية وخطة خارطة الطريق زمن الرئيس بوش الابن، التي لم تلتزم بها حكومة اولمرت، التي ابدت استعدادا ما لاحداث اختراق في المسار السياسي، فكيف بحكومة نتنياهو الاكثر يمينية ورفضاً لخيار التسوية من حيث المبدأ. وإجراءاتها الاخيرة باعلان عطاء لبناء (164) وحدة استيطانية، وقبلها اعلان عطاء لبناء (1070) وحدة استيطانية في مستعمرات رام الله، فضلا عن اعلان المواقف من قبل اركان الحكومة الاسرائيلية بدءا من مكتب رئيس الوزراء مرورا بوزير الاقتصاد، نفتالي بينت، ووزير الاسكان، أريئيل، ونائب وزير الخارجية، زئيف الكين، والقائمة تطول، التي جميعها تصب في موقف واحد: اولا رفض خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 67، ورفض عودة القدس الشرقية للدولة الفلسطينية، ورفض خيار عودة اللاجئين على اساس القرار 194، والاصرار على استئجار الغور... الخ.
    الاجتماعات الفلسطينية التي التأمت يوم الخميس الماضي، كانت على اكثر من مستوى وصعيد، الفتحاوي (اللجنة المركزية)، والوطني (اللجنة التنفيذية)، وثالث اجتماع للجنة صياغة مكون من تسعة فصائل، تواصلت في حوار جدي وصاخب حتى الساعة الاولى من فجر الجمعة، لأن الغالبية العظمى من القوى السياسية المشاركة بما في ذلك حركة فتح، شعرت ان رئيس الديبلوماسية الاميركية، رغم جهوده المقدرة، لم يحمل موقفا واضحا وصريحا. وضماناته، التي قدمها للرئيس ابو مازن، غير ملزمة للجانب الاسرائيلي. حتى بدا للعديد من القيادات الفلسطينية، كأن هدف كيري إجلاسهم امام الاسرائيليين على طاولة المفاوضات، والعودة لطاحونة الماء. رغم وضع روزنامة زمنية مدتها تسعة اشهر للمفاوضات. وهي فرصة لاسرائيل لمواصلة مشروعها الاستعماري في تهويد ومصادرة الارض المحتلة عام 1967.
    في حمئة النقاش طرحت ورقتا عمل، الاولى فتحاوية والثانية يسارية، وتم الاتفاق على بلورة وجهة نظر واحدة مشتقة من الورقتين، اساسها ضرورة الالتزام الاسرائيلي بخيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967، والتبادلية تتم وفق معادلة الكمية والقيمة؛ وعدم شرعية الاستيطان بكل اشكاله ومسمياته، والسقف الزمني للمفاوضات يكون ستة اشهر، إلآ انه تم الاتفاق على تحديد السقف الزمني ما بين ستة وتسعة اشهر، بالاضافة للافراج عن الاسرى القدماء، المعتقلين قبل التوقيع على اتفاقيات اوسلو، بالاضافة الى المحددات الفلسطينية المتوافقة مع قرارات الشرعية الدولية، التي حملها الدكتور صائب عريقات للوزير الاميركي، كي يقوم الاخير ببلورة رؤية اكثر وضوحا وحسما مع الجانب الاسرائيلي. الامر الذي دعى الرئيس اوباما للاتصال مع نتنياهو لحثه للاقدام على اتخاذ خطوة جدية للاقتراب من الرؤية الاممية والفلسطينية. هذا وعقد الدكتور صائب اجتماعين مع الوزير كيري لنقاش العقبات الاسرائيلية، وخاصة غياب المرجعيات والمحددات الواضحة للعملية السياسية.
    الملاحظات الفلسطينية الموضوعية أملت على جون كيري تمديد زيارته للمنطقة لاحداث الاختراق المنتظر، وحضر فعلا الى رام الله عصر الجمعة، والتقى به الرئيس محمود عباس مدة ساعتين، كما اجرى حوارا ونقاشا مع نتنياهو لا يقل عن الزمن الذي استغرقه مع عباس حتى أمكنه التوصل الى إحداث إختراق، اعلن عنه في العاصمة الاردنية عمان، اعقاب مغادرته الاراضي الفلسطينية المحتلة. ولم يوضح تفاصيل الاتفاق، الذي تم على اساسه العودة المفترضة للمفاوضات الاسبوع المقبل في واشنطن، حيث سيشارك عن الجانب الفلسطيني د. صائب عريقات ود. محمد اشتية، وعن الجانب الاسرائيلي تسيبي ليفني، وإسحاق مولخو، والمفترض ان يتم الافراج خلال اليومين المقبلين عن عدد من الأسرى القدماء، وتقديم رزمة تسهيلات مترافقة مع الالتزامات السياسية للقيادة الفلسطينية. مع ان الواقع يشير الى ان حكومة نتنياهو ليست جاهزة لدفع الثمن السياسي لبلوغ خيار الدولتين. على سبيل المثال نفتالي بينت، رئيس البيت اليهودي، اعلن انه سينسحب من الائتلاف الحكومي، ان وافق زعيم الليكود على حل الدولتين، والقوى الصهيونية المتطرفة بما في ذلك القطب الاكثر تطرفا في حزب الليكود واسرائيل بيتنا، لن تكون اقل رفضا من بينت، الامر الذي سيؤدي الى خلط الاوراق في الساحة السياسية الاسرائيلية، بهدف إحداث ارباك وتعطيل لجهود جون كيري. رغم ان يحموفيتش، رئيسة حزب العمل، اعلنت استعدادها لتشكيل مظلة أمان لحكومة نتنياهو إن دخل حلبة المفاوضات.
    انسداد الافق امام جهود كيري، تحتم على الادارة الاميركية تعزيز جهودها، ووضع ثقلها لخلق قوة الدفع المطلوبة لجهودها. وما لم تنتهج الولايات المتحدة ذات السياسة، التي انتهجتها دول الاتحاد الاوروبي، وهي فرض عقوبات على دولة الاحتلال والعدوان الاسرائيلية اقتصادية وسياسية، كل الدولة وليس فقط على المستوطنات ومنتجاتها ومؤسساتها، فإن إمكانية وصول مسيرة المفاوضات الجديدة خلال الشهور القريبة المقبلة، هي إمكانية شبه مستحيلة، لأن دولة التطهير العرقي تقف بقوة وبكل امكانياتها وراء الاستيطان، لانه جزء لا يتجزأ من برنامجها الاستعماري، الذي بدأ مع الشروع في تنفيذ المشروع الصهيوني نهايات القرن التاسع عشر. وبالتالي من الصعب رفع سقف التفاؤل في المفاوضات الجديدة. وبالتالي عودة القيادة الفلسطينية للمفاوضات، هي عودة مسؤولة وواقعية، بغض النظر عن المآل الذي ستصل اليه المفاوضات. لكنها بعودتها تكون كشفت مجددا إفلاس إسرائيل الاستعمارية، ووضعت الكرة في مرمى اميركا والاتحاد الاوروبي وباقي اقطاب الرباعية والعرب جميعا. ولن يكون الفلسطينيون خسروا شيئا، لان إسرائيل بوجود الفلسطينيين في المفاوضات او بعدم وجودهم تتابع خيارها الاستعماري، ولكن عندئذ على العالم ان يختار ما بين ارهاب وعدوانية إسرائيل او السلام ووجود الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود الرابع من حزيران عام 1967، وضمان حق العودة للاجئين على اساس القرار الدولي 194.

    أي وضع نهائي؟!!
    بقلم: حديث القدس – القدس
    على خلاف ما كان متوقعاً وفي اللحظات الأخيرة تم الاتفاق على استئناف المفاوضات الاسرائيلية الفلسطينية ابتداء من الاسبوع القادم في واشنطن. ولم يقل احد ما هي الشروط او الظروف التي أدت الى ذلك سوى الاعلانات غير الرسمية وغير المكتوبة التي تتحدث عن ضمانات أميركية بأن حدود ١٩٦٧ هي حدود الدولة الفلسطينية وان هناك احتمالاً بأن تفرج اسرائيل عن عشرات الأسرى قبل عام ١٩٩٣.
    لقد أكد شعبنا منذ اتفاقات اوسلو وتعديل الميثاق الوطني والاعتراف المتبادل بين اسرائيل ومنظمة التحرير والاتفاقات الأخرى السلمية، أنه راغب في تحقيق السلام ويتطلع الى الأمن والاستقرار بالمنطقة بما فيه خير الانسان على مختلف الأديان والتوجهات السياسية وقدم التضحية الكبرى حين اكتفى بحدود الرابع من حزيران ١٩٦٧ لإقامة الدولة وليس على كامل التراب الفلسطيني التاريخي، وبتبادل مناسب ومتناسق للأراضي.
    فما الذي حدث منذ اتفاق اوسلو عام ٩٣ حتى اليوم سوى مضاعفة أعداد المستوطنين أربع مرات بحيث صاروا اليوم أكثر من ٦٠٠ ألف وكانوا نحو ١٥٠ الفاً فقط، وكذلك ازدادت عمليات تهويد القدس وتغيير طابعها الجغرافي ومحاولة تزوير تاريخها وتهجير أبنائها بالجدار وعمليات الهدم، وبالحفريات تحت الحرم القدسي والمخططات لتقسيم الزمان والمكان فيه.
    مقابل كل هذه التضحيات الجسيمة الفلسطينية نجد اسرائيل تؤكد بوضوح وصراحة ان لا عودة لحدود ٤ حزيران ١٩٦٧ ولا تراجع عن توحيد القدس باعتبارها عاصمة لاسرائيل ولا وقف للاستيطان وضرورة بقاء الأغوار تحت سيطرتها الأمنية بالاضافة الى منطقة اللطرون والقرى المدمرة فيها.
    هذا الواقع الصادم يجعل أي حديث أميركي او غير أميركي بأن حدود ١٩٦٧ هي حدود الدولة الفلسطينية المقترحة مجرد خداع او أوهام لا قيمة حقيقية لها ولا امكانية لتنفيذها بسبب الممارسات والمخططات الاسرائيلية الواضحة قولاً وفعلاً ووقوف الولايات المتحدة موقف الوسيط المراقب او المتفرج وليس المؤثر او الضاغط، لجعل إمكانية تحقيق الحدود النهائية امراً ممكناً.
    ان للسلام ثمناً كبيراً وقد دفعنا وما نزال ندفعه، ولا خيار اليوم سوى إجبار الجانب الاسرائيلي بوقف أطماعه وغطرسة التوسع والسيطرة التي تملأ عقل وفكر قادته، حتى لا تسير المنطقة باتجاه مزيد من التطرف والكراهية ونحو هاوية الانفجار.

    ما بين القدس والوطن العربي شعوب تنزف لجوءا
    بقلم: إبتسام اسكافي – القدس
    لم تخل قناة تلفزيونية أو إذاعية او كاتب أو صحفي من الخوض في قضية ما تسمى بالثورات العربية سواء في تونس او ليبيا او اليمن وحالياً مصر كونها القضية الاكثر إلحاحاً بفعل التغيرات الحاصلة، وهذا الامر ادى إلى ازدحام الآراء والافكار والتفسيرات الفلسفية حول المستقبل المتعلق بالحكومات والسلطة والحكام ومرسي والكرسي وكل ما له علاقة بتولي السلطة الحاكمة منذ ان بدأت تلك الثورات في تونس.
    تلك الوسائل المادية والبشرية تباغتنا ليل نهار بأقوالها الانسانية عن إنسانية الديمقراطية والمبادئ الانسانية حول حقوق الانسان وتقديم شخوص على شخوص أخرى في قدرتها على احقاق الحق الانساني وكأن تلك الحكومات او الحكام او الشخوص وخطاباتهم الرنانة اساس منظومة الحياة الكريمة الفاضلة التي اساسها الدستور والقانون القائم على العقل في مدينة الفضيلة الفاضلة التي حدثنا عنها أفلاطون وأرسطو.
    هي الوسائل المادية والبشرية والزعاماتية ذاتها التي تتعامل بحياد قاتل مع من قتل من الشعوب ومن شرد وهجر وطرد، حياد حولهم إلى ارقام معدودة كالمتتاليات الحسابية كمجموعة ارقام تضاف إلى مجموعة اخرى من الارقام المادية المجردة في تطبيق غير انساني يعكس حقيقة التعامل مع الانسان على اعتبار انه تركيب قابل للجمع من خلال العامل القابل للقياس، أي الرقم كعنصر مادي ذو بُعدِ واحد ينحل خلاله التركيب الانساني المتعين والمتكون في الحياة الانسانية والاجتماعية المشتركة إلى عالم الارقام ومعدلات العد والطرح والضرب والقسمة وهذه اعلى مستويات الاستلاب والتجريد من الانسانية متناسين عن عمد ان اللاجئين والقتلى والمشردين لهم منظومة حياة في اطار حياة متكاملة فيها الاب والاخ والاخت والام والزوجة والاطفال وان لهم احباء وجيران ومعارف واقارب وآمال وأحلام وخصوصية حياة تشكل اساس هوية خاصة كما هي عامة تتكون في البيئة الوطنية المحيطة لكل منهم.
    الاعتياد على الاعداد والارقام بات عادة تاريخية بل اعتياداً في الحياة اليومية العربية فمنذ عهد الانتداب البريطاني وما تلاه من نكبة فلسطينية ادت إلى تطهير ممنهج لفلسطين بشراً وتاريخاً وحضارة وما نتج عنها من تهجير قسري للفلسطينيين واستيطان يهودي في الأرض جاء على حساب ثلاثة أرباع الفلسطينيين البالغ عددهم أحد عشر مليونًا هم لاجئون؛ ثلثهم قد شرِدوا منذ عام 1948، ويضاف إلى ذلك العدد من نزحوا بعد هزيمة عام 1967 واحتلال الضفة وقطاع غزة، كانت النتيجة أن ثلاثة أرباع الشعب الفلسطيني لاجئون تستنزفهم الهموم والقهر والفقر وفقدان الامل بالعودة يصارعون في مخيمات ومناف في دول الشتات المختلفة، وتشريد دائم من دول عربية من لبنان في الثمانينيات والاردن في السبعينيات على سبيل المثال..
    ولمن يملك قوة الملاحظة فإنه خلال سبع سنوات تقريباً أي منذ عام 2003 وحتى عام 2009 تسببت الانتهاكات التي لحقت باللاجئين الفلسطينيين في العراق بمساعدة رسمية واطراف خارجة عن الصف العربي والاسلامي الى هروبهم من العراق والمناطق الأخرى إلى مخيمات في الصحراء العراقية أي على الحدود الاردنية السورية حتى بعد ما اسمي بالربيع العربي (التسمية غربية) لم تكن القضية الفلسطينية وتحديداً اللاجئين على جدول اعمال تلك الثورات الفاقدة للقيادة الثورية لبعدها عن عمقها العربي وقربها من عمقها القطري بامتياز.
    الاعتياد سواء بالارقام او الاعتياد على الابعاد القطرية من الناحية الثورية او الرسمية حيث يمتلك الوطن العربي رؤوسا تاريخية فارغة من الزعماء المأمورين والمستفيدين الرأسماليين والمتسلقين على المراحل من افراد وحكومات، بالاضافة إلى العوامل الداخلية والخارجية الكثيرة والمتعددة وسع دائرة الاستفراد بالشعوب ووسع دائرة اللجوء التي باتت مجرد ارقام تضاف إلى ما سبقها من ارقام تجتاح العالم العربي.
    الاعتياد على الارقام، لم يقف عند اللجوء الفلسطيني في الوطن العربي بل تواصل وانتشر تراكمياً في دول ومع شعوب عربية أخرى ورغم تعدد المرجعيات حول الارقام فإننا ننظر على سبيل المثال إلى واحدة من الإحصاءات التي قدمتها الوكالة الدولية للاجئين ووكالة الغوث الدولية (الأونروا) خلال اليوم العالمي للاجئين حيث بلغ عدد اللاجئين العراقيين في سوريا 1.4مليون لاجئ، إضافة إلى 750ألفا في الأردن، و 200ألف في الخليج، و 80ألفا في مصر. أما اللاجئون في داخل العراق فيبلغ تعدادهم 2.2مليون. أما اللاجئون الفلسطينيون فإن أكثر من 20ألف فلسطيني منهم تركوا قطاع غزة إلى الضفة الغربية ومصر، وحتى لجأ البعض إلى إسرائيل منذ اندلاع المعارك بين حركتي "فتح" و"حماس".
    أما في لبنان فقد اضطر أكثر من 28ألفا من اللاجئين الفلسطينيين في مخيم نهر البارد إلى الهروب منه إلى المخيمات المجاورة بعد أن اندلعت المواجهات بين تنظيم "فتح الإسلام" المتطرف والجيش اللبناني، وفي ظروف أصعب يعاني أكثر من 15ألف لاجئ فلسطيني أوضاعا مهولة في العراق. أما أعداد اللاجئين السودانيين في إقليم دارفور فقد ارتفع بشكل ملحوظ خلال هذا العام رغم كل الضغوط الدولية حيث تجاوز عدد اللاجئين السودانيين في الإقليم 1.2مليون لاجئ، وقرابة 200ألف آخرين في تشاد المجاورة. أما في الصومال حيث تدور حرب أهلية لأكثر من عقد ونصف، فهناك 400ألف لاجئ مشتتون حول العالم، ويقبع أكثر من 78ألفا في اليمن فقط عدا عن ليبيا وتونس والقائمة تطول بشكل يومي مستمر.
    ففي زماننا زمن العلم والعلوم والعولمة ورغم ارتفاع نسبة المتعلمين والعلماء والمثقفين والفاهمين والدارسين..الخ لم نرق إلى مستوى أبطال الماضي الذي شهد نماذج بطولية لم تسمح بأن يكون حال الشعوب العربية بهذا الحال حيث باتت قضية اللجوء طعنة نازفة بل قاتلة في خاصرة الامة العربية كونها قضية وجود وهوية خاصة لشعب يستكمل وجوده بحقوق وطنية قبل كونها سياسية مشروعة قضية قائمة على الارض..
    قضية فُقِد الشعور بها بعد ان تخدرت الشعوب والزعامات على موسيقى وصوت مبادئ الحرية والحقوق الزائفة التي يتم ترويجها للشعوب، باتت قضية أسمى بحجمها ومعناها من قضية الامن والحدود والنفط والطعام والماء والتنمية...الخ، باتت أزمة أخلاقية على مستوى العالم العربي وانعدام الحقوق السياسية المشروعة، حيث يتعرض عشرات الآلاف بل الملايين من اللاجئين العرب إلى ظروف معيشية وإنسانية مؤلمة لا تقف ولا تبدأ عند حدود احتلال اسرائيل للاراضي الفلسطينية عام 1948، ولكنها باتت مخروزة في عمق الدول العربية، وفي قلب ومن قلب العمق العربي وهذه النكبة الاكثر عمقاً ومعنىً حين تكون من القلب إلى القلب.
    وعليه باتت العديد من الاسئلة تطرح نفسها لمن اراد التفكر ومحاسبة الضمير الذاتي العربي من ابناء عدنان منها: ما هي المعايير التي يجب التعامل من خلالها او على أساسها في طرح قضية اللاجئين العرب وأين نحن من شعوب العالم العربي في الزمن الماضي فهذا الذبح اليومي للشعوب يؤشر لنا بمدى جهالة وقسوة الذات العربية على الذات العربية.

    الأحد... وكل يوم أحد ... الأسرى... ما قبل أوسلو وما بعدها والمفاوضات... وخياراتنا السياسية
    بقلم: المحامي زياد أبو زياد – القدس
    أصبح موضوع إطلاق سراح الأسرى المعتقلين منذ ما قبل إعلان أوسلو موضوعا ً موازيا ًفي أهميته لوقف الاستيطان والتفاوض على أساس حدود الرابع من حزيران1967 ، مما قد يعطي الانطباع بأن التركيز عليه إنما يستهدف كسب عواطف الشارع وكسب دعمه للخطوات الأخرى التي ستقوم بها القيادة . ومع ذلك فإنه لا بد من التوقف قليلا هنا للاشارة إلى نقطة ربما كانت غائبة عن أذهان البعض وهي التساؤل: لماذا التركيز على أسرى ما قبل الاتفاق على إعلان مبادىء أوسلو.
    لقد بدأ تداول هذه التسمية في السنوات التي أعقبت بدء العملية التفاوضية بعد عام 1994 وكان القصد منه التمييز بين من اعتقلوا قبل ما سمي آنذاك بعملية السلام وبين من اعتقلوا بعدها. فالذين اعتقلوا قبلها كانوا جزءا من المواجهة الوطنية العامة التي كانت ضد الاحتلال ، أما الذين اعتقلوا بعد أوسلو فقد عرفوا آنذاك بأنهم ينتمون إلى الفصائل التي تحاول إجهاض أو التخريب على استمرار " العملية السياسية " . فهل ظل الحال كذلك ؟
    والجواب هو بالطبع لا. فبعد سنين قليلة من بدء المفاوضات وتعثرها بعد فترة وجيزة ، ثم اندلاع الانتفاضة الثانية انتفت هذه التفرقة وأصبحت الاعتقالات تشمل كل الفصائل بما فيها حركة فتح التي وقعت إعلان مبادىء أوسلو وقادت العملية التفاوضية التي أعقبته.
    وما أريد أن أقوله هنا بأنه لم يعد هناك أي معنى للتمييز بين من اعتقلوا قبل أوسلو ومن اعتقلوا بعدها ، فالحديث يجب أن يتمحور حول بند واضح وقوي وهو إطلاق سراح الأسرى بغض النظر عما إذا كانوا قد اعتقلوا قبل أو بعد أوسلو لأن الأخيرة لم تعد تشكل فاصلا في تاريخ الصراع.
    وإذا كنت أطالب بالتوقف عن التمييز بين ما قبل أوسلو وما بعدها ، فإنني أدرك أن هناك أسرى قدامى أمضوا عشرات السنين في المعتقلات الاسرائيلية وأن الفترة الزمنية التي تفصل بين اعتقال بعضهم ومن اعتقلوا قبل أوسلو لا تتجاوز الشهور أو الأيام وبالتالي فإنني أطالب القيادة الفلسطينية بالتعامل مع موضوع إطلاق سراح الأسرى بعموميته مع إعطاء الأولوية والأهمية لأطلاق سراح الذين أمضوا فترات طويلة في الأسر سواء من اعتقلوا قبل أوسلو أو بعدها.
    وعلى القيادة أن تضع القوائم حسب الفترة التي تم قضاؤها في السجن وأن تصر على جدولة إطلاق سراح جميع الأسرى الذين أمضوا أكثر من عشر سنوات في الأسر كخطوة أولى تعقبها جدولة إطلاق سراح جميع الأسرى الآخرين إذا ما قيض للعملية التفاوضية النجاح . ولا شك بأن هناك حالات لا بد من التعامل معها بإلحاح مثل العديد من قادة الفصائل والحالات المرضية ، والمطالبة بإلغاء الاعتقالات الادارية واعتقال القاصرين.
    وعلى أية حال فقد يعتقد البعض بأن ما أقوله هو من قبيل الشطط أو الترف ذلك لأن لا أمل في تقدم العملية التفاوضية وأن الحديث عن إطلاق سراح الأسرى بقرار طوعي إسرائيلي يبدو مستبعدا. والرد على مثل هذا القول هو أننا بحاجة في جميع الأحوال إلى استراتيجية واضحة بخصوص الأسرى الذين تم تجاهلهم في الاتفاقات السابقة ولقد آن الأوان لأن يكونوا على رأس جدول الأعمال بشكل ممنهج ولو على الأقل من الناحية النظرية لحين توفر الظروف التي ستحقق إطلاق سراحهم .
    اما بخصوص الحديث الذي يدور عن إمكانية استئناف المفاوضات فقد لاحظت من خلال متابعة ردود الفعل سواء من قبل قادة بعض الفصائل أو الصحفيين والسياسيين أو حتى عامة الناس أن أحدا ً لا يعتقد بأن هناك أية جدوى من استئناف العملية التفاوضية لأن إسرائيل لا تدخر وسيلة أو مناسبة لاعلان رفضها الانسحاب لحدود 1967 أو التفاوض بشأن القدس أو إخلاء المستوطنات. وأكثر من ذلك فإن استئناف المفاوضات في ظل المعطيات الحالية إنما سيجهض التحرك الدولي الذي بدأ بالقرار الأوروبي بمقاطعة منتجات المستوطنات ، وسيعطي الشرعية لاستمرار البناء في المستوطنات بحجة أن منظمة التحرير توافق على البناء في التجمعات الاستيطانية التي ستضمها إسرائيل في إطار تبادل الأراضي دون تحديد حدود هذه التجمعات الاستيطانية.
    فالحديث يدور عن تجميد غير معلن للاستيطان في المستوطنات النائية الموجودة في عمق الضفة الغربية واستمراره في الكتل الاستيطانية أرئيل ، وغوش عتسيون ، ومعليه أدوميم. والذي يعرف الموقع الحغرافي لهذه التجمعات يستطيع أن يفهم بسهولة أنها ستلتهم شمال الضفة وجنوبها والمنطقة المحيطة بالقدس من الجهة الشرقية حتى أريحا !
    لست ضد حقن الدماء وتحقيق أهدافنا الوطنية بالطرق السياسية إن أمكن ، ولكنني أعتقد بأن مثل ذلك أصبح في حكم المستحيل وأن القرار الفلسطيني أصبح رهينة المساعدات الخارجية الأمريكية والأوروبية ، من جهة والمصالح والحسابات الداخلية والدولية لبعض الدول العربية التي لا يهمها أن تضحي بنا ككبش فداء لتحقيق أهدافها وحماية مصالحها.
    وفي ظل هذه المعطيات فإن أحدا ً لا يستطيع أن يدعي بأن لديه توكيل قانوني من الشعب الفلسطيني للتفاوض وتقديم التنازلات القاتلة نيابة عنه وباسمه. إن المخرج الوحيد من المأزق الحالي هو تعليق العملية السياسية وعدم اتخاذ أي قرار بشأنها والعودة إلى الشعب ليختار قيادة تحمل توكيلا ً شرعيا ً منه للعمل باسمه وتنفيذ خياراته. ومثل هذه العودة للشعب تستدعي تحقيق المصالحة وإجراء الأنتخابات بأقرب وقت ممكن ، والعمل في نفس الوقت على تكريس وجود القضية الفلسطينية في حضن الشرعية الدولية من خلال السعي لاكتساب عضوية الهيئات والمؤسسات الدولية وخاصة تلك التي تنبثق عن الأمم المتحدة واستغلال كل وسائل المساندة التي توفرها لنا عضوية تلك المؤسسات.
    إن الاصرار الأمريكي على التزام القيادة الفلسطينية بالتوقف عن السعي للحصول على عضوية مؤسسات الأمم المتحدة ، والذعر الذي أصاب إسرائيل من قرار المقاطعة الأوروبي ، كلها تعكس مدى أهمية هاتين الخطوتين وضرورة تفعيلهما لا إجهاضهما وإنقاذ إسرائيل من العزلة الدولية التي سيضيق خناقها حول إسرائيل إن نحن عرفنا كيف نتحرك ونعمل على الساحة الدولية ، وكيف نحتفظ بأصدقائنا لا أن نخذلهم عند أول خطوة يخطونها لنصرة قضيتنا العادلة.

    حن الفلسطينيين نحب مصر كما نحب فلسطين
    بقلم: الدكتور حسن عبدالله - القدس
    العلاقة الفلسطينية المصرية تضرب جذورها في القدم ، وهي علاقة قومية ذات حلقات متصلة ، اجتماعيا ووجدانيا وجغرافيا واقتصاديا وثقافيا وتعليميا.
    ولو اردنا أن نحصي عدد الفلسطينيين الذين تخرجوا من الجامعات المصرية لوجدنا قائمة طويلة طويلة من الخريجين في التخصصات كافة. أما تأثرنا بالإعلام والفن والثقافة والفلكلور المصري، فهو واضح للعيان وبصماته دامغة، لا سيما ونحن شعب عانى ويعاني من الإحتلال والحصار والتهميش، وكانت في كل المراحل الأبواب المصرية مفتوحة لنا على مصارعها ، لننهل من المنجز الثقافي والإبداعي المصري، ونروي تعطشنا لكل ما يغذي ويعزز ويدعم عروبتنا.
    فالعلاقة اذن ليست عابرة أو محكومة بظرف اوحاكم او مزاج. إنها تشبه العلاقة الأسرية، علاقة الأخ الصغير باخيه الكبير، فيها من الاحترام والمحبة والتقدير ما يوفر لها اسس التواصل والاستمرار.
    ولم يكن الزعيم الراحل جمال عبد الناصر أباً للمصريين فحسب، وانما للفلسطينيين ايضاً الذين ما زالوا يحتفظون بصوره ويحفظون مقولاته وشعاراته، وينظرون بحنين الى ذاك الزمن الجميل الذي كان العالم فيه يقدر العرب ويحسب لهم الف حساب. ولم تضعضع هذه النظرة التبجيلية لناصر حينما طحنتنا نكسة حزيران العام 1967م ، بل آمن الفلسطينيون بنهوض مصر، وفرحوا وانتشوا عندما نهضت، لأن قوتهم من قوتها وعزتهم من عزتها، أُسوة بكل العرب من المحيط إلى الخليج.
    إننا في فلسطين نتطلع للتقدم والإزدهار والكرامة لكل الشعوب العربية، ونفرح لأي إنجاز إقتصادي أو تنموي يتحقق في الأردن أو الجزائر أو المغرب او الخليج ونباهي به وكأنه انجازنا، استنادا إلى إنشدادنا لقوميتنا العربية، فهي هويتنا وعنواننا ومستقبلنا، والتي بدونها نصبح كالايتام على مائدة اللئام، رغم اعتزازنا بوطنيتنا وتضحياتنا الجسام من اجلها، حيث قدم شعبنا كل ما يستطيع في سبيل الحفاظ على وطنيته وقوميته، لذلك كم يعتصرنا الحزن والأسى عندما نستمع الى اتهامات وحملات تحريضية تشن ضد الشعب الفلسطيني تنطلق من محطات فضائية مصرية، ومن إعلاميين مصريين كبار نحبهم ونعتز بهم، لأن في هذا ظلما لشعب بأسره وخلطا للأوراق وضياعاً للبوصلة.
    إن أمن مصر من أمننا، وأمننا من الأمن المصري، ونحن ضد من يعبث بهذا الأمن او من يحاول الاساءة للاوضاع الداخلية لهذا البلد.
    من هنا فان القاء القبض على عنصر فلسطيني او عشرة بتهمة المساس بالأمن المصري، ينبغي ان لا يجعل الإعلاميين والمحلليين السياسيين المصريين يتعاملون مع القضية بردود أفعال غاضبة تعميمية تصور الشعب الفلسطيني بانه ضد شقيقه المصري.
    وبناءً على ما تقدم فاننا ندعو الأشقاء الإعلاميين المصريين لإعادة تصويب الأمور ووضع القضية في سياقها الصحيح والكف عن خلط الاوراق، لأن الفلسطينيين ليسوا لونًا واحدًا ولانسخة فكرية كربونية واحدة. إنهم مجموعة من الإتجاهات السياسية والفكرية، حتى قطاع غزة ليس لوناً واحداً ولا يجوز تصنيفة كذلك، فالقطاع ليس امارة وليس اقطاعية معزولة. إنه جزء لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية وأن الإنقسام هو عابر في التاريخ الفلسطيني، حيث ان شعباً بمثل هذه الإرادة والتضحية والتصميم لا يمكن أن يقبل تشظية وطنه وتمزيق جغرافيته وتشتيت هويته.
    إننا نتوقع أن تنهض مصر سريعاً، ونهوضها هو مصلحة فلسطينية من الدرجة الأولى، وعندما تستعيد مصر مكانتها وتتصدر المشهد العربي، وعندما يتسنى لها العودة القوية الى الساحة الدولية، سنشعر بالتأكيد ان قضيتنا في مأمن، ولن تستطيع اية قوة على وجه الأرض ان تمسحها او تمحوها.
    واخيرا اننا لا نحصر مصر في حاكم بعينه او في نظام معين، انما نرى فيها تلك الثقافة التي تشربناها من الازهر ومن الجامعات المصرية وأُم كلثوم وعبد الوهاب وعبد الحليم ويوسف ادريس والقعيد وطه حسين والعقاد وسيد درويش واحمد فؤاد نجم والشيخ امام ومحمد حسنين هيكل والشيخ عبد الباسط والشيخ محمد رفعت ونجيب محفوظ ونور الشريف وفردوس وعبد الحميد ورضوى عاشور وكل المبدعين المصريين الذين لا مجال لاستعراضهم وتعدادهم في مقالة كهذه.
    فلا تظلموا الفلسطينيين فهم يحبون مصر كما يحبون فلسطين.

    .. والآن؟ "اللغوصة الخلاّقة" ؟
    بقلم: حسن البطل – الايام
    "مَزَطتْ"؟ عمود ظهر الخميس طلع صالح للقراءة صباح السبت.. ولن أُهنئ نفسي أو قلمي، مع أن "دراما" الخميس ـ السبت كانت أشبه بالمثلثلات (المسلسلات) والتمسيليات (التمثيليات) الرمضانية التي تحتل الشاشات.. و"سلّي صيامك" عن المنغّصات المصرية والسورية!
    في ختام جولته السادسة لم يعد جون كيري إلى بلاده "بخفّي حنين" أي بمفاوضات على المفاوضات، بل باتفاق على محاولة الاتفاق. شو يعني؟ ستة شهور (وست جولات) للمفاوضات على المفاوضات، ستليها ستة شهور لمفاوضات الاتفاق على محاولة الاتفاق.. وربما ستليها ست سنوات لتنفيذ الاتفاق. (تذكروا اتفاقية سيناء وطابا).
    كانوا يحكون عن "الغموض الخلاّق"، أي "استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان".. وسيقولون عن دبلوماسية كيري (المعدّلة والمنقّحة عن دبلوماسية كيسنجر) ربما: استعينوا على النجاح.. باللغوصة.. وسائط الإعلام ليست كما كانت!
    مفهوم أو غير مفهوم، وحتى يكون مفهوماً فإن كيري حصل على نصف قرار فلسطيني بالموافقة على شروط بدء التفاوض، ونصف قرار إسرائيلي بالموافقة غاية التفاوض. بمعنى؟
    لم يوافق الفلسطينيون على يهودية دولة إسرائيل، ولم يوافق القادة الإسرائيليون على دولة فلسطينية وفق خطوط 1967 المعدّلة.. ومن ثم قام كيري بالتجسير على الموقفين بموقفه: إسرائيل يهودية وفلسطين فلسطينية، أي أميركا ضامنة يهودية دولة إسرائيل، وضامنة لدولة فلسطينية على خطوط 1967؟
    بدها شوية مزاح؟ تذوّق أوباما الحمّص والفول من إعداد إسرائيلي، ثمّ الحمّص والفول وورق العنب من إعداد فلسطيني.. وأما كيري فقد تذوّق الشاورما في البيرة ـ رام الله.. والآن؟
    .. بعد نصف قرار فلسطيني وآخر إسرائيلي للاتفاق على محاولة الاتفاق بدء (مفاوضات عريقات ـ ليفني في واشنطن بإشراف كيري شخصياً) صار الأمر أشبه بوجبة "سباغيتي" (أندومي) أندونيسية أو آسيوية، أي إضافة ماء ساخن أميركي على مكوّنات الوجبة الجاهزة والرخيصة، التي لا تُسمِن .. ولكن تغني عن جوع!
    منذ هنري كيسنجر، وفكّ الارتباط العسكري، ثم اتفاقية الفصل الأولى والثانية في سيناء، لم يمرّ علينا وزير خارجية أميركي في عناد ودأب الوزير جون كيري. إنه أنجح رئيس سابق للجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس منذ رئاسة سلفه وليم فولبرايت.
    يبدو كيري في الموضوع الفلسطيني ـ الإسرائيلي حمامة سلام أو صانع سلام، لكنه ليس كذلك في الموضوع السوري، فهو يؤيد تدخلاً عسكرياً أميركياً في سورية، مع مستشارة الأمن القومي سوزان رايس، بينما يعارض وزير الدفاع هاغل ورئيس الأركان وامبسي..وفي الوسط الرئيس باراك أوباما.. لكن، في الموضوع الفلسطيني يعمل أركان الإدارة الأميركية بتوافق تام.
    زمان، في دبلوماسية كيسنجر، كان هناك قادة إسرائيليون "حمائم" وآخرون "صقائم" صقور ـ حمائم، لكن في دبلوماسية كيري هناك في حكم إسرائيل صقور أو "صقائم" ما عدا هذا البلبل في قفص المسمى تسيفي ليفني، الذي سيفاوض عريقات في واشنطن.. ومن ثم يعود كيري في جولة سابعة.. مع نهاية شهر التمثيليات والمسلسلات الرمضانية، ليعلن مع عيد الفطر السعيد اجتراح معجزة النجاح!
    ما هو الفارق بين "مفاوضات كامب ديفيد 2000" و"مفاوضات عمان 2013"؟ في الأولى كان الرئيس كلينتون يثق بايهود باراك ولا يثق بياسر عرفات، وفي مفاوضات 2013 يبدو أن عباس يثق بكيري، بينما نتنياهو لا يثق بالاثنين.. ولا بالرئيس أوباما!
    تقول مصادر نتنياهو إن المفاوضات إذا بدأت، سوف تستغرق لا أقل من ستة شهور، وخلالها قد يجد نتنياهو فرصة للتملُّص، كما فعل في قمة "واي ريفر" 1998، مع عرفات وكلينتون أو مفاوضاته مع عباس 2010.." ويخلق الله في ستة شهور ما لا تعلمون".
    الانهيار في "دول الربيع العربي" ذريعة نتنياهو، وليس إلاّ دافعاً لواشطن لحل الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي. فهل يهرب نتنياهو إلى الحرب مع إيران للخلاص من "اللغوصة" الأميركية في الموضوع الفلسطيني ـ الإسرائيلي؟
    خوف نتنياهو من دولة مشتركة يفوق خوفه من دولة فلسطينية محتواة، لكن خوف بعض حلفائه من دولة فلسطينية مستقلة يفوق خوفهم من دولة مشتركة.
    صحيح أن الاحتلال مرض مشترك لفلسطين وإسرائيل، وكلما أزمن المرض صعب الشفاء، لكن أميركا ترى أن الشعبين ملتصقان بالبطن وليسا توأماً سيامياً بقلب واحد أو دماغ واحد، ومن ثم يمكن الفصل دون أن يموت أي واحد منهما.
    ملاحظة أخيرة: طالما اشتكى عرفات من "الزمن الرديء" العربي، وبعد أوسلو توالت علينا أزمان رديئة: الانهيار العراقي والسوفياتي، ثم ضربة البرجين في نيويورك.. ثم هذا "الربيع العربي".
    ما هو السرّ في أن فلسطين تتقدم مع ذلك، رغم كل زمن رديء عالمي وعربي.. وإسرائيلي؟


    كيري .. نجح في خداع نفسه !!
    بقلم: هاني حبيب - الايام
    وفي الجولة السادسة لجون كيري، اكتشفنا المزيد من مزايا وقدرات هذا الرجل، وزير الخارجية الأميركية، فلديه قدرة هائلة على التصميم والعناد والمثابرة يحسده عليها كل من عمل في مجال السياسة الخارجية وحطّت رحاله في المنطقة وعلم مدى تعقيد قضاياها، خاصة تلك المتعلقة بالملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي، بشكل حثيث ومتواصل، كان كيري لا يغادر المنطقة إلاّ كي يعود إليها، لقد وضع نصب عينيه تحقيق هدف محدد، كان وراء هذا التصميم والعناد والمثابرة.
    لكن الميزة الجديدة التي اكتشفناها لدى كيري أثناء جولته السادسة، هي الأهم في سياق مزاياه المتعددة التي ذكرنا جانباً منها، نقصد هنا، قدرة هذا الرجل الهائلة على الخداع، نعم الخداع، ولا نقصد في هذا السياق، أيضاً، خداعه للآخرين، بل خداع نفسه أولاً وقبل كل شيء، فهذا الرجل، يتوهم أنه نجح في جمع شمل المفاوضين الفلسطينيين والإسرائيليين، وأنه حقق هدفه في دفعهما إلى استئناف العملية التفاوضية المباشرة بعد أن تعطلت لأكثر من ثلاث سنوات.
    خلال أسبوع، ستتوجه تسيبي ليفني، وزيرة العدل الإسرائيلية ورئيسة فريق المفاوضين الإسرائيليين إلى واشنطن، لتبدأ مفاوضات جديدة مع نظيرها الفلسطيني، صائب عريقات. المفاوضة الإسرائيلية ظلت عاطلة عن العمل منذ تبوّأت هذا المنصب، وستجد فرصتها في إثبات جدارتها التفاوضية التي لم تكتشف بعد، في قدرتها على التفاوض بلا كلل أو ملل، وبلا أمل أو هدف، بعكس نظيرها الفلسطيني، "المفاوض الفلسطيني الوحيد" الذي ظل منشغلاً بالتفاوض طوال الوقت، مختلساً لحظات ودقائق بين وقت وآخر، ليؤلف كتباً عن المفاوضات، بعد خبرته الطويلة في هذا المجال، وذهابه إلى واشنطن لاستئناف التفاوض، ما هو إلاّ شكل من أشكال العمل اليومي بالنسبة له، خاصة وأنه أكثر من يعلم، أن لا هدف من هذه المفاوضات سوى المفاوضات بحد ذاتها، وعلى خلاف نظيرته الإسرائيلية، فإنه ليس بحاجة إلى إثبات جدارته، والدليل على ذلك، أنه المفاوض الفلسطيني "الوحيد" .. الذي ظل كذلك، رغم كل المتغيرات والأحداث والكوارث!
    مفاوضات واشنطن المرتقبة، ستبدأ وقد تستمر، ليس بسبب تراجع الطرفين عن اشتراطاتهما، أو نظراً لتقديم طرف أو الطرفين، لتنازلات مكنت من استئناف العملية التفاوضية، إذ من الواضح أن هذه الاشتراطات ظلت كما هي، من دون أن يتزحزح أي طرف عن اشتراطاته، هذه المفاوضات التي ستجري في الولايات المتحدة، ما هي إلاّ شكل من أشكال إرضاء جون كيري ومساعدته على إقناع نفسه على أنه نجح في دفع الجانبين إلى المفاوضات، وشكل من أشكال العرفان بالجميل، لكل ما تكبّده من حراك بين واشنطن وتل أبيب والقدس وعمان.. وقليلاً على رام الله، ولكي لا يذهب عناده وتصميمه سدى، وستتشبث كل الأطراف الثلاثة "بالسرية" كمبرر لعدم إنجاز أي تقدم حقيقي، إذ ليس هناك ما يمكن التفاوض بشأنه طالما ظلت حكومة نتنياهو على موقفها إزاء الملفات الرئيسية الثلاثة: الحدود والاستيطان والأسرى، وإزاء تمسك الجانب الفلسطيني بالحصول على إجابات إيجابية بشأن هذه الملفات.
    لوحظ أن الرئيس الأميركي باراك أوباما قد هاتف رئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو لحثّه على إزالة العقبات من أمام مهمة كيري، الأمر الذي يشير ضمناً إلى أن واشنطن تعلم ـ كما يعلم الجميع ـ الطرف الذي يضع العراقيل أمام جهودها، لكن، وعلى الجانب الآخر، رأينا أن جون كيري وفي اللحظات الأخيرة، يغادر عمان إلى رام الله للاجتماع بالرئيس أبو مازن، وهي إشارة ضمنية بالمقابل، أن الحل هنا، في رام الله، عند أبو مازن، عند الجانب الفلسطيني، كما لو كان هو الذي يعرقل الجهود الأميركية بهذا الصدد، وكأنه ـ جون كيري ـ يخدع نفسه من جديد.
    قصة عودة الجانبين إلى المفاوضات هي قصة كفاح جون كيري، كفاح لم يعرف اليأس أو التردد، قصة التعلق حتى الرمق الأخير بالأمل المفقود، لكنها، أيضاً، قصة العاجز عن إحداث متغير حقيقي حين يعلم الطريق والوسيلة، لكن من دون أن يقوم عليها، كيري يعلم أن العقدة عند نتنياهو، لكنه يعلم بالمقابل، أن لا سبيل لحلها طالما ظلت الإرادة الأميركية عاجزة عن التحقق عندما يتعلق الأمر بإسرائيل!
    وخلال تنقلات كيري بين عمان والقدس المحتلة ورام الله، عقدت القيادة الفلسطينية سلسلة من الاجتماعات الليلية الرمضانية الطويلة، بينما انشغل بعض القادة نهاراً بالإدلاء بالتصريحات التي توحي بموقف فلسطيني صلب والتمسك بمرجعيات الشرعية الدولية، حتى أن أحد القادة انبرى ليشير إلى ثلاثة سيناريوهات في حال فشل المفاوضات، نتوقف عند إحداها والمتعلق "بالإسراع في تحقيق المصالحة الوطنية" وكأنما السلطة في رام الله هي التي تعيق هذه المصالحة! وأنها متوقفة "بقرار" إلى حين التعرف إلى مدى نجاح المساعي الأميركية بتحقيق تقدم في العملية التفاوضية!
    رغم كل تلك التصريحات، ما كان مقرراً قد تقرر، وتم تجاهل وقف أو تجميد الاستيطان كاستحقاق لبدء المفاوضات، مقابل وعود شفهية لا قيمة لها، وكل ما عمله هؤلاء القادة، أنهم "سلّو صيامهم" نهاراً، وسهروا إلى السحور فجراً، وكل عام وأنتم بخير!

    القدس: الواقع والتاريخ في الرواية العربية
    بقلم: عادل الأسطة - الايام
    "القدس: الواقع والتاريخ في الرواية العربية" (2012) هو عنوان كتاب أ. د. حسن عليان المدرس بجامعة فيلادلفيا في الأردن، وقد دعم الكتاب من الجامعة نفسها، وصدر عن دار نشر "البركة" في 439 صفحة.
    وجاء الكتاب في مقدمة وتسعة فصول تناول فيها تسع روايات هي: "أورشليم الجديدة" لفرح أنطون (1904) و"برج اللقلق" لديمة السمان ـ سيقع الدارس في أثناء إيراد الهوامش في خطأ حيث التبس الأمر عليه، فخلط بين الكاتبة الفلسطينية ديمة والكاتبة السورية غادة السمّان ص416/417/418/419 ـ ولعلّ هناك خطأً مطبعياً في قائمة المصادر، فقد ذكر أن "برج اللقلق" صدرت في 1973، علماً بأنها صدرت في بدايات ق21 ـ و"ارض اليمبوس" لإلياس فركوح (2009) و"سوناتا لأشباح القدس" للجزائري واسيني الأعرج (2009) ـ يعتمد الكاتب ط2011 ـ و"مدينة الرصاص" لسهير أبو عقصة (2002) و"عائد إلى القدس" لعيسى بلاطة (1998) و"مصابيح أورشليم" رواية عن إدوارد سعيد" للعراقي علي بدر (2006) وثلاثية فلسطين "حارة النصارى" لنبيل خوري (1967) ـ هكذا ورد في قائمة مراجع الكاتب/ الهوامش، وفيما أعرف صدرت الرواية في 1974 ـ و"مدينة الله" لحسن حميد (2009).
    وقد بذل المؤلف في كتابه جهداً يُشكر عليه، فأضاف إلى الدراسات السابقة عن المدينة وحضورها في الأدب دراسة مفصلة عن تسع روايات صدرت ما بين 1904 و2009، لكتّاب من فلسطين وآخرين من العالم العربي. وربما أثار قارئ الكتاب العديد من الأسئلة حوله، منها ما يتعلق بالمنهج، ومنها ما يخص الدراسات السابقة التي لم يأتِ الدارس على ذكرها، وإنما اكتفى بإشارة عابرة إلى بعضها.
    يلاحظ قارئ الكتاب أن مؤلفه لم يدرس الروايات حسب صدورها، فقد قدم وأخر لأمر ما. حقاً إنه بدأ كتابه بتناول رواية فرح أنطون (1904)، وكان يفترض ـ لو اتبع منهجاً تاريخياً تعاقبياً ـ أن يتبعه بدراسة نبيل خوري، فرواية عيسى بلاطة، فرواية علي بدر... إلخ. لو كان الدارس فعل هذا لأعطانا صورة عن مدى الاهتمام بالمدينة وسر فنونه في 70 و80 و90 ق20، وسبب ازدهاره في العقد الأول من ق21. ويلاحظ، أيضاً، أن صاحب الكتاب لم يميز بين كاتب عرف المدينة، فكتب عنها، وآخر لم يزرها، ولو زيارة قصيرة، فكتب عنها من خلال الكتب والمواقع الإلكترونية. ولو كان الدارس اطلع على الدراسات السابقة كلها ـ التي أنجزت عن حضور المدينة في النثر والشعر ـ لأفاد من أصحابها الذين توقف قسم منهم أمام هذا، فميز بين شاعر عرف المدينة وشاعر كتب عنها دون أن يزورها، بل إن الدارس لو اطلع على المقالات التي أنجزت عن الروايات المدروسة ـ وقد أغفلها الكاتب كلها، علماً بأنها منشورة على مواقع إلكترونية عديدة ـ لأغنى دراسته في جوانب عديدة، فليست كل دراسة طويلة جيدة وكل مقال صحافي سيئا، فثمة مقالات فيها من الأسئلة الغنية والمهمة ما تخلو منها كتب لا دراسات. في الأسابيع القليلة القادمة سيناقش أحد طلابي ـ وهو محمد الطحل ـ رسالة ماجستير عنوانها "رواية القدس في الأدب العربي في القرن الحادي والعشرين"، وسيرى قارئها المنهج الذي سار عليه الطالب، وهو ما اقترحته عليه، وربما وجد فيها الدارسون ـ بل من المؤكد ـ شيئاً مختلفاً عن كتاب أ. د. حسن عليان ـ هنا أذكر بمقولة نظرية التلقي الألمانية : "إن قراءة نص واحد من قارئين مختلفين تؤدي إلى قراءتين مختلفتين"، علماً بأن طالبي سجل موضوعه قبل ثلاث سنوات، وهو مدرج على الإنترنت من عمادة الدراسات العليا في جامعة النجاح الوطنية. وعلماً بأنني شخصياً أنجزت مقالات عديدة عن روايات القدس: عيسى بلاطة، وعلي بدر، وحسن حميد، وأثرت أسئلة عديدة عن الكتابة عن المدينة من قرب ومن بعد، وجدلي مع حسن حميد يعرفه القراء المهتمون جيداً.
    في كتابه/ دراسته يعالج الكاتب د. حسن عليان الروايات. يقدم عرضاً لها ولأحداثها ويأتي على جماليات المكان، أيضاً، مستفيداً من كتابات غالب هلسة، ومن ترجمته لكتاب (غاستون باشلار) عن جماليات المكان، وكنت أتمنى لو أنه اطلع على كتاب حسن نجمي الكاتب المغربي "شعرية الفضاء" وأفاد منه، فقد كتب نجمي دراسة مفصلة طويلة عن نظرية المكان والفضاء، وتوقف أمام ترجمة هلسة لكتاب (باشلار) وعدم دقتها، فهلسة ترجم (باشلار) عن الانجليزية، لا عن الفرنسية التي صدر بها الكتاب.
    ثمة روايات من الروايات المعالجة، وتحديداً رواية علي بدر "مصابيح أورشليم" تتكئ في تشكيلها لصورة القدس على روايات كتّاب يهود/ إسرائيليين، وهي بذلك تعيد، جزئياً، تقديم صورة للقدس كما قدمها أولئك الكتّاب. الصورة هنا تختلف عن تلك الصورة التي ظهرت في رواية حسن حميد "مدينة الله"، وعن تلك الصورة التي أبرزها واسيني الأعرج في "سوناتا لأشباح القدس". حميد قرأ عن المدينة في الأدبيات العربية، لا العبرية، وما من شك في أن الصورة ستكون مختلفة لأن المرجعيات الكتابية مختلفة. وهذا جانب جدير بالدراسة لم يطلعنا عليه د. عليان.
    هل اطلع الدارس على الكتب كلها التي أصدر أحكاماً حولها؟ يأتي الدارس في ثنايا بحثه على رواية ناصر الدين النشاشيبي "حفنة رمال" (ص15، سطر 2) وعلى رواية رشاد أبو شاور "شبابيك زينب"، وأيضاً على كتاب فاروق وادي "منازل القلب"، ويوحي لنا بأنها روايات عن القدس." وقد حاول بعض الكتّاب العرب تناول مدينة القدس والقضية الفلسطينية في القرن الماضي ـ العشرين، مثل ناصر الدين النشاشيبي في رواية (حفنة رمال)... ورواية (شبابيك زينب) لرشاد أبو شاور، وفاروق وادي في رواية (منازل القلب)....". علامَ اعتمد الدارس في رأيه؟إن حفنة رمال رواية أحداث، لا رواية مكان، ورواية شبابيك زينب رواية عن نابلس وذكر القدس فيها عابر، وأما منازل القلب، فعدا أنها ليست رواية، فهي عن رام الله، لا عن القدس. ربما ما يشفع للدارس أنه استخدم الفعل حاول. ربما!
    ينطلق د. عليان في كتابته من تصور مسبق للآخر، يحكم دراسته كلها، وعلى الرغم من قسوة الاحتلال، وفظاعة ما قامت به الحركة الصهيونية وما ارتكبته من مجازر، إلاّ أن المرء يتساءل أمام الآراء التي لا تخلو من تعميم. إنها آراء دينية مسبقة تؤثر على الدراسة وتحكمها بخاصة في الكتابة عن الآخر المتعدد: اليهودي/ الإسرائيلي/ الصهيوني، إذ يبدو هؤلاء كلاً واحداً. ولا يختلف الأمر حين يكتب عن الفلسطيني. الفلسطيني واحد على الرغم من تعدده واختلافه وهكذا تقرأ: "وتبدو وحدة الفلسطيني أيا كان معتقده ومذهبه في تآخي القباب والمآذن وتداخلهما وتحاورهما عَبر حقب التاريخ" (ص347).
    وتبدو الروايات في نظر الدارس مكتملة لا تشوبها شائبة. أنظر إليه وهو يصدر الحكم التالي بخصوص رواية حميد "مدينة الله": "وقد جسدت رواية "مدينة الله" لحسن حميد الحقائق القائمة على أرض المدينة بأدواتها الفنية عالية الجودة والقيمة وبلغتها الشعرية الدافقة.." (ص346). ما هي المعايير التي يعتمدها الدارس حين يصدر حكماً مثل هذا؟ ما الأدوات الفنية عالية الجودة والقيمة؟ ربما وجب عليه أن يظهرها لنا، حتى نعرفها، فنأخذ بما ذهب إليه.
    ولا أريد أن أنتقص، بهذه الملاحظات، من كتاب د. حسن عليان، فهو جهد يُشكر عليه، ولكن كنت أتمنى لو التفت إلى الأسئلة التي أثيرت حول الروايات السابقة، فقد يكون أغنى دراسته، وكنت أتمنى لو تأكد من أسماء الكتب والروائيين، ولو أنه راجع كتابه نحوياً.. كنت أتمنى عليه هذا.

    دفاعاً عن المقاومة .. لا عن حماس
    بقلم: سامي كليب - معا
    حركة المقاومة الإسلامية حماس متهمة بالتورط في أحداث مصر دفاعاً عن «جماعة الإخوان المسلمين» ومتهمة بالقتال في سوريا، ومتهمة بتخفيض سقف المواجهة مع إسرائيل. قد يكون كل ذلك صحيحاً وقد لا يكون، لكن في منطق خصومها لا بد للحركة من العودة إلى مكانها الطبيعي في غزة. لا بد من تحجيمها أكثر لتضيق عليها سبل الدعم وتهدم الأنفاق. تدفع حماس ثمن سياسة «الإخوان المسلمين» في المنطقة.
    لماذا وصلت حماس إلى هذا الوضع؟
    عاشت الحركة نشوة كبيرة بعد وصول «الإخوان» إلى عدد من المواقع في دول «الربيع العربي». صار رئيس المكتب السياسي في الخارج خالد مشعل يُستقبل كرؤساء الدول من مصر إلى قطر إلى تونس وصولا إلى تركيا. اختفت أصوات كانت تجاهر بشكر إيران وسوريا. علا صوت مادحي قطر وأنقرة ومصر محمد مرسي، برغم أن من طالهم المديح لم يوصلوا في تاريخهم صاروخاً إلى المقاومين، وإنما أبقوا على علاقات علنية مع إسرائيل في عز قتلها لأطفال وأمهات ومقاومي فلسطين.
    غالباً ما تدفع النشوة إلى أخطاء في القراءة. بعض الأخطاء قد يكون قاتلاً أو يكاد. لم تكن حركة حماس بحاجة مثلا لتخفيض منسوب الخطاب المقاوم والحديث عن حدود العام 1967 والاتفاق مع الرئيس محمود عباس على وقف الأعمال المسلحة (وفق ما يروي عباس نفسه، واستناداً إلى بعض خطابات خالد مشعل). يروي الكاتب المصري محمد حسنين هيكل أن «حماس تعهدت، عبر الوساطة التي قام بها محمد مرسي مؤخراً، بعدم إطلاق أي صواريخ على إسرائيل، وهو ما مكن خالد مشعل من زيارة غزة والتحرك فيها بحرية»، برغم أن الناطق باسم حماس سامي أبو زهري نفى ذلك في حواره مع قناة «الميادين» قبل يومين.
    لم تكن حماس مضطرة أيضاً إلى قطع كل الجسور مع سوريا وإيران و«حزب الله» قبل أن تستعيد العبور على بعض هذه الجسور كي لا تفقد الدعم المادي والعسكري...
    لكن هل بدأت مشكلة المحور الإيراني- السوري و«حزب الله» مع حماس في مطلع «الربيع العربي» أم أن لها جذوراً أبعد وأعمق كرستها انعطافة حماس مع رياح «الإخوان المسلمين»؟
    تدور بعض الحكايات حول حرب غزة الأولى أواخر العام 2008 ومطلع العام 2009. لم تكن طهران آنذاك مرتاحة لغياب أي شكر في كلام خالد مشعل لها بعد الحرب. شكر الجميع تقريباً إلا هي. تكرر الأمر برغم أن البعض نصحه بأن يفعل، خصوصاً أن إيران كانت تقدم المال والسلاح للحركة. كان مقربون من القيادي الحمساوي الأكثر نشاطاً في الخارج يقولون إن مثل هذه الالتفاتة إلى إيران قد تؤثر على العلاقة مع عدد من الدول الأخرى، وبينها مصر والخليج.
    تكرر ذلك بعد حرب غزة الثانية. شكر مشعل الجميع وغيّب عمداً إيران وسوريا. جاءه النصح نفسه، لكنه تجنب ذلك، فتولى الأمر رمضان عبدالله شلح من على رئاسة الجهاد وبعض قادة حماس وبينهم محمود الزهار. وصل الأمر بمشعل وبعض قادة حماس إلى رفع علم الثورة السورية ضد النظام الذي دعم طويلا حماس. اشترط مشعل قبل مغادرته سوريا أنه إذا التقى الرئيس بشار الأسد فلا بد أن يغيب الإعلام. سارع الرئيس السوري إلى طي الصفحة معه برغم أنه أعطى تعليمات بعدم التعرض لمكاتب الحركة. سارت الرياح بما لا يشتهي احد. تعددت التقارير الأمنية السورية حول تورط بعض رجال حماس في الحرب. انقطعت العلاقة نهائياً. غادرت حماس إحدى ابرز ساحات دعمها وتحركها. وصل الأمر بالحركة إلى حد مطالبة «حزب الله» بالانسحاب من سوريا. يبتسم احد المقربين من الحزب. يقول «ماذا لو أقدم حزب الله اليوم على مطالبة حماس بالانسحاب من مصر؟».
    لعل خطأ الحركة مع «الربيع العربي» أنها وضعت كل أوراقها في أمكنة أخرى، تعرف مسبقاً أنها لن تقف إلى جانبها ضد إسرائيل في أحوال الحرب، وإنما قد تدفعها دفعاً صوب التسويات. ولم تكن حماس مضطرة لأن تجاري تيار «الإخوان المسلمين» في كل سياستهم، لأن تلك السياسات محكومة بقوانين الدول والاتفاقيات الدولية، بينما حماس ليست دولة. ولم تكن حماس أخيراً مضطرة للإيحاء للشريك الفلسطيني بأنها صارت بغنى عنه. لعل الحياد مع دول الأزمات العربية كان أفضل لإبقاء الحركة دائرة في هامش أوسع.
    ربما لدى حماس ما يبرر كل هذا. لها الحق مثلا في أن تفكر في لحظة النشوة بأنها انتظرت عقوداً طويلة قبل أن تجد السجاد الأحمر مفروشاً لها. ولها الحق في أن تقرر في لحظة الثورات أن الوقت حان لكي تعود «درة تاج الإخوان» وتستفيد من هذا الموقع لتحسين شروطها ضد إسرائيل، ولها الحق ربما في أن تقرر في لحظة فورة انعدام الرؤيا العربية والإسلامية، أنها لا تستطيع إلا أن تدافع عن أهل السنة ضد نظام سوري صورته أنظمة «الإخوان» وبعض الأنظمة الأخرى على أنه يقاتل أهل السنة. ساءت العلاقة ثم انقطعت مع سوريا، ولكل طرف أسبابه التي شرحها بالتفصيل، لكن دمشق راحت تنعت حماس بصفات تصل إلى مستوى «الخيانة»، وانقطع بالتالي كل دعم سوري أو إيراني لأكثر من عامين.
    ومع ذلك، فإن ما يحدث اليوم هو اخطر من هذا وذاك. هو أبعد من كل القراءات الآنية عند هذا الطرف أو ذاك. فبعد أن نجح أعداء المقاومة والعروبة والسيادة في تفكيك عدد من الدول العربية الكبيرة التي دعمت فلسطين وقضايا الأمة، يشعر هؤلاء بأن الفرصة مؤاتية الآن للقضاء على المقاومة العربية. وما لم ينجح بالفتنة المذهبية ضد «حزب الله» قد ينجح بتأليب حماس ومصر على بعضهما البعض فتضيع القضية في خلافات الأشقاء.
    لا شك أن حماس مطالبة بإعادة قراءة إستراتيجيتها، وأنها بحاجة للعودة إلى المربع الذي هو مجالها الأفضل والأرحب، أي مقاومة المحتل الإسرائيلي الغاصب والغاشم. ولن يضيرها مطلقاً الاعتراف بأنها أخطأت في بعض الإستراتيجيات، ولكن لا شك أيضاً أن الآخرين بحاجة إلى قراءة صحيحة لما يجري في حماس وحولها، لنفهم أن رأسها مطلوب وأن الخطط المقبلة تريد القضاء على كل شيء اسمه مقاومة في الشرق الأوسط.
    ربما وقعت حماس في فخ النشوة وفي أفخاخ من زين لها أن الطريق معبدة لخيارات أخرى، وهي بصدد دفع أثمان غالية عنها وربما عن مجمل تيار «الإخوان المسلمين»، لكن هل ثمة أكثر من إسرائيل فرحاً بما يجري لحماس اليوم؟
    في مرحلة العض على الجروح، تبدو اللقاءات التي استؤنفت بين حماس وإيران و«حزب الله» مهمة للطرفين في الوقت الحالي، أولاً للتخفيف من الشحن المذهبي، وثانياً لإعادة تجميع محور يراد له أن يضعف في زمن تسويات تبادل الأراضي وغيرها، والتي يتم تمريرها تحت جنح الظلام. أما علاقة حماس بالنظام السوري فهذه قصة أخرى وجرح غائر من الصعب تصور بلسمته في وقت قريب، وقد لا يبلسمه شيء في المدى المنظور. الحركة قررت أن النظام آيل للسقوط، والنظام قال إنها خانته. لا شيء يوحي بأن احدهما قد يغير رأيه برغم تقارب حماس مجدداً مع إيران والحزب.
    والسؤال الأهم اليوم، بعد أن اشتدت هجمة الخليج على «الإخوان»، وسلمت قطر مقاليد القيادة مجددا للسعودية، وصار عند رئيس الحكومة التركية رجب طيب اردوغان ما يكفي من المشاكل، وساءت علاقة الغرب مع «الإخوان»، هل ثمة مخرج لحماس اليوم؟ وماذا لو جرى في وقت إضعافها تمرير لعملية سلام مجحفة؟ ماذا لو أقدمت إسرائيل على حرب جديدة ضد غزة. من سيقف في وجهها؟ أي نظام عربي؟
    أسئلة لا شك مقلقة. ومن غير المستبعد مطلقاً قراءة جديدة لحماس، وتغييرات في الإستراتيجيا والقيادة. حينها يصبح من الضروري العودة إلى استيعاب الحركة، لأن المقاومة تبقى الأساس.

    الملفات المرفقة الملفات المرفقة

المواضيع المتشابهه

  1. اقلام واراء محلي 417
    بواسطة Haneen في المنتدى أقلام وآراء محلي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2013-06-10, 10:35 AM
  2. اقلام واراء محلي 416
    بواسطة Haneen في المنتدى أقلام وآراء محلي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2013-06-10, 10:34 AM
  3. اقلام واراء محلي 415
    بواسطة Haneen في المنتدى أقلام وآراء محلي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2013-06-10, 10:33 AM
  4. اقلام واراء محلي 396
    بواسطة Haneen في المنتدى أقلام وآراء محلي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2013-05-14, 09:40 AM
  5. اقلام واراء محلي 360
    بواسطة Aburas في المنتدى أقلام وآراء محلي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2013-04-03, 09:31 AM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •