النتائج 1 إلى 1 من 1

الموضوع: اقلام واراء عربي 478

مشاهدة المواضيع

  1. #1

    اقلام واراء عربي 478

    اقلام واراء عربي 478
    21/8/2013

    في هذا الملــــف:

    1. هكذا كانت ستحكم مصر؟!

    الشرق الاوسط / عبد المنعم سعيد

    1. الاضطرابات من سوريا إلى ليبيا

    الشرق الاوسط / عبد الرحمن الراشد

    1. فضيحة مصلحة الضرائب الأميركية تتخذ منحى خطيرا

    الشرق الاوسط / غريغ سارجنت

    1. ما الذي يحدث لأردوغان؟

    الشرق الاوسط / طارق الحميد

    1. مخاطر غياب الدولة!

    الشرق الاوسط / ميشيل كيلو

    1. أنقرة ـ القاهرة الدراما ـ الميلودراما

    الشرق الاوسط / سمير صالحة

    1. انقلاب أحبطته الثورة

    الشرق الاوسط / علي سالم

    1. هل «الرجل المفرد» هو تركيا أم إيران؟

    الشرق الاوسط / آيلين كوجامان

    1. «الإخوان» وتركيا وإيران

    الشرق الاوسط / عثمان ميرغني

    1. هل يستفيد الأسد من أحداث مصر؟

    الحياة اللندنية / الياس حرفوش

    1. حملة «أضعفني وأضعفك» ستؤدي إلى انهيار العراق

    الحياة اللندنية / حميد الكفائي

    1. كيف تتصدى لتهمة «الإخونجية»؟!

    الحياة اللندنية / زياد الدريس

    1. نفط ليبيا والأمن المفقود

    الحياة اللندنية / رندة تقي الدين

    1. تهريب قيادات القاعدة من العراق الى سورية لشق الجيش الحر

    القدس العربي / أحمد الفراجي

    1. العرب لا يحتاجون للوصاية التركية

    دار الخليج / فيصل جلول

    1. عنصرا اليقظة: الحرّية والقانون

    دار الخليج / عبدالحسين شعبان

    1. السياسة الخارجية تبدأ من قوة البناء في الداخل

    دار الخليج / عاطف الغمري

    1. جنرالات مصر يقتلون الإخوان ويشنقون الديمقراطية

    القدس العربي / د. سعيد الشهابي

    1. إطلاق سراح مبارك وسجن مرسي

    رأي القدس

    1. الملك يستنهض علماء الأمة لمواجهة الفتنة

    رأي الدستور

    1. شعبهم وشعبنا.. وجماعتهم وجماعتنا

    اليوم السابع / أكرم القصاص

    1. تحية جديدة للموقف السعودى

    اليوم السابع / سعيد الشحات


    هكذا كانت ستحكم مصر؟!
    الشرق الاوسط / عبد المنعم سعيد

    الأزمة بطبيعتها كاشفة، والحالة المصرية ليست استثناء، ومن يغرق في التفاصيل سوف تتوه منه الحقائق الكبرى وأهمها في هذه اللحظة أن فض اعتصامي رابعة والنهضة في القاهرة أظهر بوضوح شمس نهار صيف، كيف كانت ستحكم مصر لو أن الرئيس المعزول محمد مرسي وجماعته بقيا في السلطة. الجوهر هو دولة فاشية نازية اختبرتها مجتمعات ودول أخرى تحت أقنعة شتى من قومية أو مذهبية أو دين، ولكن رغم تعددها كانت في النهاية واحدة. في المعمل المصري كانت علامات الساعة آتية كما هو حال هذه الدول، فالبداية فيها الكذب المستمر والخداع الذي لا تطرف له عين. كانت السلطة قريبة بمجرد الإطاحة بحكم حسني مبارك، ولم تكن هناك صدفة في التفاوض الفوري مع نائب الرئيس عمر سليمان في الوقت الذي جرت فيه عملية الإطاحة به والتعامل مع المجلس العسكري.

    وعندما انتهت صلاحية هذا الأخير بانتخابات الرئاسة، جرى استغفال الجماعة الوطنية باتفاق «فيرمونت» حتى أطيح بالأحزاب اليسارية والليبرالية، ومن بعدها القوات المسلحة بإعلان الدولة مدنية بالإطاحة بالمجلس العسكري.

    هكذا جرى الانفراد بالسلطة في مصر، وبدأ التحضير للدولة الشمولية بدستور ثيوقراطي قام على جمعية تأسيسية غير شرعية، مع محاولة استمالة قوى الشرطة والأمن لعلها ترغب في أن تكون عصا النظام الغليظة. الإشارة كانت واضحة أن مظهر وجوهر الدولة الإيرانية قد هبط على مصر، ولكن الأمر كان يحتاج لاعتصامات رابعة وفضها بعد ثورة 30 يونيو (حزيران) لكي تسفر الجماعة عن أن وجهتها دولة دينية. لم يكن شعار دولة «إسلامية.. إسلامية» حبا في الإسلام، ولكن كراهية وإلغاء للدولة الوطنية المصرية.

    لم تعد مصر التي يرفعون أعلامها هي القضية، فقد تجاورت الأعلام التي وضعت من أجل كاميرات التلفزيون مع أعلام القاعدة. وفوق المنصة كانت الصراحة كاملة، فالتهديد بالعنف والدماء السائلة كالنهر كثيفة، ويعيد التذكير بما جرى قبل إعلان نتيجة انتخابات رئاسة الجمهورية عندما كانت الشواهد تقول: إن استبعاد بطاقات «المطابع الأميرية» المزورة يمكنها أن تعطي الرئاسة للفريق أحمد شفيق. ساعتها جرى التهديد الصريح بحمامات الدم، والصراع حتى آخر نفس، والاستشهاد حتى آخر «شهيد»، وحرق الوطن حتى آخر مؤسسة. انكشف المستور كله أثناء اعتصام رابعة والنهضة وما جرى عند فضهما، فتهديدات المنصة لم تكن مجرد انحراف لغوي من جماعة متشددة لا دخل بالإخوان بها، وإنما هي كانت لب الموضوع. فما فعلته الجماعة لم يكن أقل من حريق آخر للقاهرة في مؤسسات عامة، وفي محطات للوقود، وكل ما طالته يد من مصادر للسلطة أو خدمة لمواطنين. كان نيرون يحرق روما لأنها لم تحقق له ما يريد، ولا بأس ساعتها من تطبيق ما بشر به صفوت حجازي من أن من يرش بالماء يرش بالدم.

    ببساطة فإن التنظيمات الفاشية لا تصبح فاشية دائما في عامها الأول، فهو عام الخداع وترتيب الأوضاع وتحييد الخصوم، والقضاء على المحايدين. المهم أن تتولد حالة من الخوف العام، ومن بعده تبدأ الدولة «الأرويلية» عملها، فالأخ الأكبر يبدأ في تطبيق فاشيته الكبرى. المعمل كان في الاعتصام حيث تسير عمليات التعبئة والحشد بالطريقة ذاتها التي يتم بها تعبئة معلبات الطعام حيث كل علبة تماثل الأخرى في الشكل والوزن والطعم. في «رابعة» و«النهضة» الميدانين في قلب القاهرة والجيزة، لم يكن فيهما من صوفية رابعة العدوية شيء، ولا كان فيهما من نهضة مصر جوهر. كانت الأناشيد والشعارات والأغاني والخطب تسير في انتظام لكي تجري عمليات غسل وكي العقول والأفئدة. لم يكن هناك ندوات أو مناقشات أو حوارات حول قضية الاعتصام، أو أي محاولة للمراجعة لما جرى، أو بحث أسباب لماذا غضب المصريون كل هذا الغضب وهم الذين فرحوا بمرسي في ميدان التحرير حينما ذهب لكي يقسم قسم الولاء للوطن فيحمي أراضيه، والشعب فيرعى مصالحه. أيامها فتح مرسي سترته مدللا على أنه ليس مرتديا واقيا للرصاص وسط مئات الآلاف من المتظاهرين، هؤلاء ذاتهم كانوا هم الذين تظاهروا لكي «يسقط حكم المرشد»، فلم يكن ممكنا أن تحكم البلاد عن طريق تنظيم سري.

    ولكن الإخوان لا يستطيعون العيش من دون تنظيم سري، وكان هذا التنظيم هو الذي يسير أرض الاعتصام بعد أن سير الدولة من قبل.
    كان التنظيم في رابعة والنهضة يسفر عن أنيابه ليس فقط في تعليب مواطنين، وإنما في خلق تنظيم إرهابي متعدد الأطراف يكون جاهزا للحرق والقتل. كان النموذج حاضرا في جماعات إرهابية عرفت القتل والإرهاب، ولها جماعاتها التي تعمل على تقييد الجيش المصري في سيناء، وكان جمع السلاح صناعتها منذ خرجت من السجون. ولكن الإخوان لا يحبون أن يكونوا أسرى لإخوان من نوع آخر، فالوظيفة هي تقديم النموذج، أما ما تبقى فهو وظيفة خلق الكراهية ضد الدولة المدنية، وضد المسيحيين، وضد اليسار والليبراليين، فهؤلاء هم «الكفار» الجدد. ولذلك لم تكن هناك صدفة في أن عمليات حرق الكنائس ودور العبادة المسيحية والمؤسسات الملحقة بها كانت في مقدمة أهداف ما بعد فض الاعتصام. والآن نستطيع أن نعرف من قام بحرق الكنائس من قبل في الإسكندرية أو في أطفيح؛ ومن قام بالتحريض ضد المسيحيين وخلق حربا دينية تحطم أعمدة الدولة الوطنية. تلك الدولة التي تعاديها الجماعة كما لا تعادي كيانا آخر، لأنها عبر السنوات والعقود كانت هي العقبة الكبرى أمام الفاشية والنازية والدولة الشمولية التي تسيطر وتهيمن.

    كانت مصر ستحكم كما حكمت دولة الاعتصام، فالمعترضون فيها، والدخلاء عليها، مصيرهم القتل والإعدام بعد تعذيب وتشويه كما حدث لأفراد عثر على جثثهم داخل اعتصام رابعة، أما من بقوا خارجها من الشعب، فهؤلاء مصيرهم الترويع والتهديد، وغياب الحياة المستقرة، ولا بأس من تقسيم دولة، أو شن حرب على دولة أخرى تعطي الحاكم القوة والطاقة للسيطرة والهيمنة. ولكن ذلك لا يحدث دون القضاء على السلطة الوطنية، أو رموزها، ولذلك كان الهوس بأقسام الشرطة وحرقها، والتمثيل بجثث ضباطها وجنودها. ولكن ولحسن الحظ كان للشعب المصري رأي آخر، وجاء الإبداع بجمع التوقيعات، ثم جاء الخروج الكبير بالملايين، وتجمعت القوى الحية في الدولة لكي تنتصر في مواجهة من يحاولون إهدارها. وربما كانت الأيام الراهنة صعبة، والليالي شاقة، والخوف والشك على مصر مقلقا؛ ولكن أحدا لا ينبغي له أن يتجاهل كيف أن حكما يفلس تماما بعد عام واحد في السلطة ربما لا ينبغي له أن يخيف أحدا.

    الاضطرابات من سوريا إلى ليبيا
    الشرق الاوسط / عبد الرحمن الراشد
    حزامها يمتد من سوريا إلى ليبيا، وبينهما تونس ومصر واليمن والبحرين. ست دول عربية يلفها ربيع التغيير وينتظرها ظلام المستقبل. والربيع هنا ليس إيجابا أو سلبا، بل فصل مهم في تاريخ هذه الدول، ولا بد أن ينتقل إلى فصل آخر يليه.

    أقساها سوريا، وأكثرها إيلاما، أما البقية فتعيش حالة غليان يصعب معها أن نتنبأ كيف ستنتهي. خريطة الحدود والحكومات منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، تغيرت في كثير من مناطق العالم، وخريطة العالم العربي رسمت ما قبل ذلك، منذ «سايكس بيكو». فكيف يمكن أن تنتهي عليه سوريا، بعد أن أثبت أهلها أنهم يزدادون إصرارا على التغيير من أي شعب عربي آخر، رغم ضخامة الثمن الذي يدفعونه وطول زمنه؟ وليس طول الحرب الأهلية أو قصره سببا في التقسيم، بخلاف ما يقوله البعض، فالصومال مزقت إلى ثلاث دول ثم التأمت في دولة واحدة، لأن المجتمع الدولي رفض الاعتراف بتقسيم أمراء الحرب هناك. أما سوريا، فلا تزال دولة واحدة يتصارع فيها الفرقاء على الحكم، لكن من يدري إن تعقدت الخلافات الخارجية عليها قد ترتضي القوى الكبرى أخيرا حلا تقسيميا، أو يصبح التوزيع طائفيا وعرقيا أمرا جغرافيا واقعا، هنا تنتهي سوريا إلى دويلات، كما آلت إليه يوغسلافيا. وكما دمر نظام بشار الأسد الشرير سوريا، فإن الجماعات الجهادية المتطرفة قد توحد السوريين لمحاربتها، وتنتهي الحرب بإقصاء الفريقين الشريرين، الأسد والقاعدة.

    أما البحرين، فأزمتها تعكس جزئيا الصراع المذهبي والإقليمي في المنطقة، وجزئيا نتيجة التغيير البطيئ الذي تمر به المملكة.. تختلف عن بقية دول الخليج أنها ليست نظاما ريعيا يعيش على مداخيل النفط السهلة. تخيلوا، سكان البحرين خمس مرات عدد سكان جارتها قطر، وخُمس مداخيلها فقط! من دون مصالحة سياسية وطنية سيكون من الصعب التغلب على التدخلات الإيرانية، ولجم الجماعات الطائفية سنية وشيعية.

    اليمن كان يمنين إلى قبل عشرين سنة، ولا تشبه وحدته وحدة دولة مقسمة سابقا مثل ألمانيا، لأنه لم يكن موحدا من قبل، مع هذا تجمع الجغرافيا والتاريخ اليمنيين، وتفرق بينهم السياسة. ولو نجح اليمن وبقي موحدا، فإن الوحدة ستعزز حظ شعبيهما في الخروج من التخلف الاقتصادي والتنموي الذي يلام عليه كثيرا النظام السابق. والمفارقة أن ديكتاتورية صالح وحدت اليمن، وديمقراطية الثورة تهدد بتقسيمه. فبعض الجنوبيين يعتبرون الوحدة كانت مجرد عنوان مزور لاستيلاء نظام علي عبد الله صالح على بلدهم وهذا صحيح، إلا أن معظم الوحدات في العالم مثلها، بدأت كحالات استيلاء، من وحدة الولايات الأميركية إلى الاتحاد الروسي الحالي، وبفضل الزمن تشفى الجروح. والجنوبيون الذين يظنون أن الانفصال بلسم جراحهم سيكتشفون لاحقا أن الوحدة، إن حافظوا عليها، ستكون قارب النجاة، تعزز من قوة اليمن موحدا، أما التقسيم فيتحول إلى دويلات متعددة متناحرة وليس كما يظنون، تعود العقارب إلى الوراء بنفس الحدود!

    مصر، رغم مظهرها المضطرب، تبقى أكثر البلدان العربية استقرارا. والسر في ذلك أولا يكمن في تماثل النسيج الاجتماعي المستمر منذ زمن الفراعنة. والثاني، مؤسستها العسكرية التي تمثل القوة الحقيقية في الدولة، في ظل ضعف الطبقة الوسطى، وهشاشة القوى السياسية. وهي ستمر بمرحلة تغيير لا شك في ذلك، إنما تدريجيا إذا أحسن العسكر إدارة الأزمة والانتقال الديمقراطي التدريجي. الخطر على مصر ليس من «الإخوان» أو غيرهم، بل من الاقتصاد الذي يزداد فشلا.

    وتونس، هي أكثر الشعوب العربية تطورا، في أحزابها، ونقاباتها، وأنظمتها، وتبدو أكثر قدرة على معالجة أزماتها. بدليل أنها نجحت جزئيا في تحجيم الجماعات المتطرفة، كما يحدث حاليا من خلال ضغط الشارع والدستور.

    وتبقى ليبيا الحالة الصعبة. لا ندري في أي اتجاه ستأخذها رياح التغيير، هل ستتفكك، هل ستحكمها قوى متطرفة، أم إن إرهاق الصدام والمصالح المشتركة سيدفع الجميع نحو دولة مدنية دستورية؟ فهي أغنى دول الربيع العربي، وشعبها أكثر الشعوب العربية سعادة بإسقاط نظامها، نظام العقيد معمر القذافي. لكنها اليوم بلد ممزق مناطقيا وقبليا وفكريا. بمثل هذه الجروح القديمة والجديدة يوجد المزيد من الطاقة للمزيد من الاختلاف والصراعات، وهو ما يخيفنا، خصوصا أن تجربة التغيير البرلماني والدستوري الأخيرة فرضت، والسيارات المحملة بالمقاتلين والرشاشات تقف خارج جدران البرلمان، فصوت النواب تحت تهديدها.


    فضيحة مصلحة الضرائب الأميركية تتخذ منحى خطيرا
    الشرق الاوسط / غريغ سارجنت

    في خطاب ألقاه في معهد «أميركان إنتربرايز»، انتقد ميتش ماكونيل إدارة أوباما لفشلها في دحض الادعاء بأن البيت الأبيض قام بالتنسيق في قضية استهداف مصلحة الضرائب الأميركية لمجموعات محافظة لأسباب سياسية.

    وقال ماكونيل: «الآن لدينا إدارة تحاول جاهدة إثبات عدم تورط أي شخص من القيادات العليا في أي من هذه الأشياء، ويأملون أن لا تهتم وسائل الإعلام بهذه الفضيحة وتنساها».

    وكما قال جوناثال تشيت: «يعد هذا بمثابة اعتراف من ماكونيل بأن فضيحة مصلحة الضرائب الأميركية قد انتقلت رسميا إلى مرحلة (ما بعد الحقيقة)».

    ويعد خطاب ماكونيل بمثابة محاولة لإعادة صياغة المشكلة بالطريقة التي تثبت التهمة على أوباما. واعتمد ماكونيل في ذلك على عدة أساليب، من بينها الالتفاف حول عبء الإثبات.. قبل إثبات الجمهوريين بأن إدارة أوباما كانت متورطة في تلك الفضيحة.

    وتشير كل الأدلة إلى عدم تورط إدارة أوباما في ذلك، ولذا فإن ماكونيل يحاول إعادة صياغة المشكلة واختزالها في أن أوباما يحاول إثبات أنه لم يتورط في الفضيحة.

    ويضيف تشيت أن هذا يعد «نوعا من التراجع المبطن»، مما يشير إلى تحول فضيحة مصلحة الضرائب إلى مجرد مجاز غامض بأن المحافظين يستخدمون أعضاء آخرين للإشارة إلى بعض المعتقدات الغامضة.

    وفي أماكن أخرى من الخطاب، يتحدث ماكونيل عن ذلك بصراحة، ويعترف علنا بأن هذه الفضيحة لم تعد تدور حول سلوك معين (فضيحة أم لا)، مضيفا: «بقدر خطورة تلك الفضيحة، فإن ما نتعامل معه هنا هو أكبر من الإجراءات التي تتخذها أي وكالة أو أي مجموعة من الموظفين. هذه الإدارة قد أضفت الطابع المؤسسي على تأليب العاملين على الشعب الذي يفترض أنهم يقومون بخدمته، ويجب أن يتوقف ذلك. لا أعتقد أن الرئيس قد استخدم الهاتف لكي يطلب من أي شخص أن يجعل مصلحة الضرائب تستهدف فئة معينة، ولكن الحقيقة هي أنه لم يكن بحاجة لذلك، لأن الرسالة كانت واضحة تماما».

    وفي بداية هذه الفضيحة، قام البعض بالإدلاء بتصريحات تشبه تصريحات ماكونيل، حيث قال النائب الجمهوري مايك روجرز، وإن كان بكلمات أكثر دهاء: «المشكلة هنا لا تكمن في الفضائح الفردية المحدودة، ولكن في الفكرة الأوسع بوجود هذا النمط من هذا النشاط».

    كانت الفكرة حينئذ هي تهيئة مناخ من الفضائح، على أمل دفع الصحافة إلى وضع كل حقيقة جديدة عن الأخبار التي تم الكشف عنها في إطار، دون أي نوع من التوازن أو رؤية حول مدى الأهمية الحقيقية لكل معلومة جديدة. أجدى هذا نفعا لفترة من الوقت، لكن اتساع نطاق فضيحة الحزب الجمهوري أدى بالفعل إلى رد فعل معادٍ من جميع الأنواع، من وسائل الإعلام، مع قيام الصحافة بمهمة جيدة ممثلة في الانتقاء من بين الأخبار المتعددة وفصل الجوانب عالية القيمة من الفضائح عن تلك ذات القيمة الأدنى. (هؤلاء الذين يتذكرون فترة التسعينات من القرن العشرين يجب أن يشد عزمهم ما قد رأيناه، على الأقل حتى الآن).

    إن نشر داريل عيسى الانتقائي لسجلات، تبعها نشر ديمقراطيين في لجنة المراقبة التابع لها عيسى لأقوال شهود كاملة تقوض مزاعم عيسى، يبدو أنه قد أثار غضب الإعلام من روايات الحزب الجمهوري المبالغ فيها عن أخطاء رئاسة نيكسون. ونظرا لتلاعب عيسى، وأيضا لأن المخاوف شديدة الخطورة التي أثارتها وكالة الأمن القومي قد تدخلت، يبدو أن الصحف السياسية قد قررت أن المحققين الجمهوريين لم يتوصلوا إلى شيء من شأنه أن يربط استهداف مصلحة الضرائب بالبيت الأبيض، وأن تلك التسريبات الأولية لم تعدُ أن تكون أكثر من مجرد جهد للتلاعب.

    حتى الآن على الأقل، يبدو أن وسائل الإعلام قد مضت قدما. ومن ثم، بإمكان ميتش ماكونيل الآن إسقاط كل الادعاءات والتحدث بشكل مباشر إلى القاعدة فقط باللغة التي يمكنهم فهمها.
    * خدمة «واشنطن بوست»

    ما الذي يحدث لأردوغان؟
    الشرق الاوسط / طارق الحميد

    يقول رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان إن لديه دليلا على أن إسرائيل تقف خلف إسقاط الرئيس المعزول مرسي! فما الذي يحدث للسيد أردوغان؟ هل قرر، وبناء على ما يردده البعض، أن يسد الفراغ الناجم عن رحيل الرئيس الإيراني السابق نجاد؟

    من المفهوم أن يعارض أردوغان إسقاط مرسي لأسباب آيديولوجية أو خلافها، لكن ما صدر ويصدر عن أردوغان منذ عزل مرسي وسقوط «الإخوان» فاق المعقول والمقبول، حيث أصبح يصرح وكأنه مجرد متحدث إخواني على شاشة قناة «الجزيرة»، وليس رئيس وزراء تركيا! صحيح أن للسيد أردوغان «شطحات» حول الأزمة المصرية، لكن قوله إن ما حدث بمصر هو من تدبير إسرائيل، بينما رأى العالم أجمع أعداد الملايين من المصريين الذين تظاهروا ضد مرسي و«الإخوان» لا يمكن وصفه بـ«شطحة»، بل هو العبث بعينه، فهل يعقل أن تحرك إسرائيل أكثر من ثلاثين مليون مصري؟ وهل يمكن إغفال ما فعله «الإخوان» بمصر في فترة حكم مرسي؟ نقول «عبث» لأن المصريين تحركوا لحماية دولتهم، ورغما عن المواقف الأميركية والغربية، وليس كما فعل أردوغان عندما قبل وساطة أوباما في زيارته الأخيرة لتركيا واستأنف العلاقات مع إسرائيل رغم قتلها مواطنين أتراكا على متن السفينة «مرمرة» التي كانت متوجهة لغزة! ولذا فإنه لا مجال للمزايدات، وخصوصا مع الضغوط الغربية على المصريين الآن، حيث يدافع الغرب عن مصدر الإرهاب الحقيقي في الوقت الذي يدعون فيه إلى محاربة الإرهاب!

    الحقيقة أن تصريحات السيد أردوغان، الحالية أو السابقة، تجاه الأزمة المصرية لا تصب بأي حال من الأحوال في مصلحة تركيا وعلاقاتها مع دول المنطقة، فما لا يدركه أردوغان الآن هو أن مواقف حكومته تجاه مصر باتت تمثل قلقا لا يقل عن القلق من إيران، فعدو عاقل خير من صديق جاهل، كما يقال، وما يصدر عن أردوغان الآن يقلص كل فرص تعزيز التعاون الإقليمي بين العرب المعتدلين وتركيا، كما أنه يلغي وهم «النموذج التركي»، أو وهم «أردوغان الإخوان» الذي انطلى على كثر بالمنطقة.

    وكان من الأحرى بالسيد أردوغان، بدلا من اتهام مصر والمصريين بأنهم يتحركون بتخطيط إسرائيلي، دعوة «الإخوان المسلمين» أنفسهم لمراجعة مواقفهم ونهجهم وحث شبابهم على الثورة على الفكر المتطرف في جماعتهم إنقاذا لأنفسهم وتنظيمهم، وقبل كل شيء إنقاذا لمصر الدولة، وخصوصا أننا نرى ما يحدث لـ«الإخوان المسلمين» في تونس، فهل رفض التوانسة لـ«الإخوان» مدفوع أيضا بمخطط إسرائيلي؟ الواضح أن أردوغان لا يكترث بمصر، وغير قادر على رؤية الصورة الكبيرة بالمنطقة، والتي تقول إن هناك رفضا جماعيا لـ«الإخوان»، لأن أردوغان يرى في أحداث مصر خطرا على مستقبله السياسي في تركيا نفسها، حيث تواجهه تحديات داخلية حقيقية، وبرز ذلك في مظاهرات «تقسيم» التي هزت الصورة المثالية لأردوغان داخليا وخارجيا، مثلما هزت مواقفه الحالية تجاه مصر صورته في كل المنطقة.


    مخاطر غياب الدولة!
    الشرق الاوسط / ميشيل كيلو

    الدولة التي أعنيها هي دولة الثورة وليست دولة بيت الأسد، التي لم تكن دولة في أي يوم من أيام حكمها الأسود لسوريا. أعني دولة الثورة، الغائبة إلى الآن، مع أن غيابها يعني افتقار الشعب السوري إلى مؤسسات سيادية، ووجود نقص جوهري في كيانيته الخاصة والوطنية: الخاصة باعتباره حامل الدولة ومجسد شرعيتها، والوطنية بما هي تعبير شرعي عن واقع يكون الشعب مصدر السيادة فيه، وصاحب إرادة جامعة لا تقوم دولة من دونها، والبرهان ما نراه من لا دولة بيت الأسد، التي قامت بإلغاء الشعب وأية إرادة وطنية جامعة، وأحلت محلهما سيادة وإرادة عصابة مركزية عليا تفرعت إلى عصابات دنيا نشرتها في كل مكان، جسد وجودها حجم اختراق العصابة العليا للمجتمع، والمدى الذي بلغه تحكمها بمقدراته، وقدرتها على منعه من إقامة دولة شرعية هي دولته، التي لن تنجح ثورة في غيابها. والآن، والثورة تقضم منذ نيف وعامين عصابات الأسدية الدنيا وتلغي وجودها في منطقة بعد أخرى، وتقوض سلطة وقدرات العصابة العليا، يغدو قيام الدولة السورية أمرا حتميا يرتبط بإنجازه سقوط نظام العصابات.

    ما الذي يجعل قيام الدولة ضروريا على صعيد تعبيراتها السياسية؟ ثمة ظواهر عديدة تفرض قيامها تتظاهر اليوم في حالين بارزتين:

    - تمزق المعارضة وعجزها عن قيادة الحراك الثوري بإرادة موحدة تضبطه وتوجهه بفاعلية ونجاح نحو هدفه الرئيس: الحرية، مع ما يترتب على ذلك من خلافات مستشرية لا تني تتفاقم وتنتقل من فوق إلى تحت: من أحزاب وتشكيلات المعارضة الحزبية إلى الشارع الثائر، الذي تتحول خلافات وتناقضات المعارضة إلى خلافات وتناقضات خاصة به تعطل انتصاره، لكونها تحول دون توحيد إرادته ونضاله من أجل الحرية. يعني تمزق المعارضة بالضرورة عجزها عن تأدية دور إيجابي، متماسك وواضح، لصالح الشعب، وغيابها عن ساحة العمل الثوري العام، مع ما يترتب على ذلك من فراغ تقوم السلطة بملئه حسبما تريد، وبالإفادة منه كي تستعيد حضورها لدى فئات اجتماعية وقطاعات وطنية عارضتها عند بدء الثورة، لكن تمزق وضعف المعارضة أديا إلى زعزعة موقفها وجعلها حائرة حيال المآل النهائي للحراك الثوري، رغم أن خيارها كان الحرية ورغبتها في الديمقراطية كانت واضحة عند معظم من ينتمون إليها.

    - بروز قوى معادية لفكرة الدولة ذاتها، ترفض مبدأ الحرية وتنشر قدرا من الفوضى يأخذ سوريا إلى خراب شامل هو نقيض ما يريده شعبها ويناضل من أجله. هذه القوى نشرت قدرا من الإرهاب في المناطق التي تنشط فيها أو تسيطر عليها دمر حياة سكانها، وكيف لا يدمرها إن كان بعضها قد قام بقطع أصابع شبان شوهدوا يدخنون السجائر، بذريعة أن التدخين حرام ومن الكبائر. وللعلم، فإن جهد هذه القوى ينصرف إلى مقاتلة الجيش الحر واغتيال ضباطه وعناصره، ووضع يدها على الممتلكات العامة، ونهب الثروات الوطنية، فهي تلاقي اللادولة الأسدية بلا دولة فوضوية، وهي تخدم النظام الذي درب قسما كبيرا من قياداتها وساعدها بالمال والسلاح، كي تقاتل من يقاتلونه وتنشر قدرا من الإرهاب يساوي ما ينشره النظام أو يتفوق عليه، أما الهدف في الحالتين فيبقى واحدا: إنه الشعب، حامل الثورة والدولة الشرعية ومادتها.

    - بالتمزق والفراغ من جهة، وبالامتلاء المخابراتي الرسمي والقاعدي من جهة مقابلة، يصير من الحتمي البدء في بناء الدولة الوطنية السورية، انطلاقا من هيئة تنفيذية تعمل لوضع حد لتمزق الصف المعارض ولفوضى اللادولة: أسدية كانت أم قاعدية، وتخرج سوريا من مأزق عصيب ينحدر بها إلى مهاوٍ تفتيتية يدفع شعبها ثمنها الفادح، بينما ينمو بالتكامل مع السرطان الأسدي السلطوي سرطان أسدي قاعدي بدأت تنشئته قبل الثورة، وتسارع نموه معها، وشرع يؤتي ثماره بعدها، مثلما نشاهد اليوم في الاغتيالات التي تستهدف الجيش الحر والقوى الديمقراطية، وفي اعتماد مبدأ التكفير لإلغاء أي حقوق أو مشتركات وطنية أو إنسانية.

    ثمة في سوريا خطان رئيسان: واحد يقوده النظام، بين مساراته الجهد القاعدي لقتلة محترفين يمكنون النظام من وضع العالم أمام أحد خيارين: هو كنظام علماني مزعوم، أو هم كقاعدة نظام جهادي يعادي العالم. وآخر تجسده دولة تعبر عن الشعب، تبدأ من هيئة تنفيذية أو مجلس مفوضين يعبر عنها ويحلها محل اللادولة الأسدية ولا دولة الفوضى القاعدية، فلا يبقى أمام العالم من خيار غير أن يفاضل بينها وبين إرهاب اللادولة الأسدي - القاعدي المتكامل. هذه المهمة يتوقف على إنجازها وجود سوريا كوطن لشعب حر ودولة سيدة ومستقلة، فلا مفر إذن من وضع أسسها وتحقيق مرتكزاتها بأقصى قدر من التفاني والجدية، وإلا أكلتنا الفوضى وقتلنا الإرهاب، واختنقت ثورتنا تحت وطأتهما، كما نلاحظ في أكثر من مكان!.

    أنقرة ـ القاهرة الدراما ـ الميلودراما
    الشرق الاوسط / سمير صالحة

    يبدو أن الجني غادر فانوس العلاقات التركية المصرية وبات من الصعب إعادته إلى مكانه خصوصا أن الجانبين لا يرغبان في ذلك.

    الكثير من المرارة المصحوبة بالقليل من الغضب هي التي تتحكم في مسار العلاقات اليوم، لكن المهم الآن هو أن لا تتحول المسألة إلى الكثير من الغضب والقليل من المرارة حتى لا يستحيل تداركها والالتفاف عليها.

    تطورات المشهد في مسار الأزمة المصرية واستحالة العودة بالأمور إلى ما قبل شهرين مثلا كما تريد حكومة العدالة والتنمية سيعقد القضية أكثر فأكثر، وهذا ربما ما قد يدفع البلدين للمضي في أسلوب التصعيد على كافة الجبهات. إشارة رابعة العدوية التي رفعها أردوغان من مدينة بورصة تحية للذين سقطوا هناك قابلها على الفور تذكير القاهرة للأتراك بضرورة دفع ثمن المجازر المرتكبة ضد الأرمن في مطلع القرن المنصرم.

    خيبة أمل أنقرة كبيرة في ضرب تحالف كانت تعد له بصبر وهدوء مع قيادة الإخوان المسلمين في مصر، وغضبتها أبعد من المساس بالديمقراطية والصناديق وكلمة الأكثرية. أنقرة قلقة أن تصل ارتدادات ما جرى في مصر إلى الداخل التركي نفسه فتطال التجربة والنموذج والإلهام التركي الذي جرى الحديث عنه عربيا وإسلاميا منذ أكثر من عقد. ما يجري لن يؤثر فقط على الموقع والدور والصعود التركي الإقليمي بل له علاقة مباشرة بانتشار وتمدد ووصول الإسلام السياسي إلى الحكم في الكثير من البلدان. بعض الساسة في تركيا يرددون أنه لو سكت الجميع، فنحن لن نسكت على ما جرى ويجري في مصر، لكن البعض يستعد لتذكير أنقرة أنها تدفع ثمن سياستها المصرية كما يحدث الآن بسبب مواقفها من سوريا وليبيا وتونس.

    تصلبنا وهذا ما لا نريد أن نراه قد يحمل الإخوان أعباء وخسائر وأضرارا قد نكون نحن هنا في تركيا من تسبب بها نتيجة مواقفنا وتشددنا خصوصا أننا نتحرك في تحديد المواقف قبل الجميع مما قد يتركنا في منتصف الطريق كما حدث في أكثر من مكان في العامين الأخيرين تحديدا.

    الحملات المتواصلة عبر الفضائيات، استدعاء السفراء، قرار إلغاء المناورات العسكرية المشتركة، الحديث عن فرعون وموسى والرد بالتلويح بمواقف عدائية تتجاوز قضية التدخل في الشؤون الداخلية، هي مقدمات انفجار لن يمكن تلافيه بهذه السهولة.

    تأزم العلاقات وتدهورها بهذه السرعة سيتجاوز الدعوات التي أطلقها مجموعة من المثقفين والفنانين المصريين باتجاه مقاطعة مسلسلات الدراما التركية الزاحفة في كل مكان ومحاولات حماية الميلودراما المصرية ومساعدتها على استرداد تاريخها العريق، فحكومة العدالة والتنمية نفسها غير راضية عن مضمون وسيناريوهات هذه البرامج التي لا تمثل الأعراف والتقاليد ونمط عيش المجتمع التركي، بل تم تحريك رجال الأمن والقضاء قبل أسبوعين لتنفيذ حملة اعتقالات واسعة في صفوف كبار نجوم هذه المسلسلات بتهمة الاتجار بالمخدرات أو الترويج لها أو تعاطيها مما يعني أن ما قد يقوم به المصريون يخدم ما يريده بعض الساسة الأتراك قبل غيره.

    تراجع العلاقات التركية المصرية التي كانت متراجعة أصلا بالمقارنة مع العلاقات التركية الخليجية أو التركية الإيرانية لا يعني حرمان البلدين من فرص التعاون الإقليمي لتحديد المعالم ورسم السياسات، وهو أكثر ما عانتا منه في العقود الماضية، بل قد يدفع بحلفاء وشركاء وأصدقاء الجانبين للاصطفاء في خندقين متقابلين، وكأن عدد الخنادق المحفورة حتى الآن بسبب الأزمة السورية واللبنانية والعراقية لا يكفينا.
    تراجع العلاقات بين أنقرة والقاهرة لا يعنيهما وحدهما ولن يحرمهما من فرص استراتيجية كثيرة بحثا عنها وعملا من أجلها لسنوات، بل سيؤثر على مسار علاقاتهما مع دول الجوار التي بدأت منذ الآن تختار مواقعها وأماكنها في مواجهة محتملة من هذا النوع.
    هل بمقدور أنقرة وأمام التهديدات الداخلية اليومية بالاستعداد لخريف غضب جديد، أن تفتح جبهة مواجهة أخرى ومع دولة بحجم وقوة مصر؟ طبعا هي قادرة على فعل ذلك، لكن حسابات الربح والخسارة ينبغي أن تدرس جيدا إضافة إلى جبهاتها الحالية مع النظام السوري والحكومة العراقية وتل أبيب؟
    خطوة تركية إلى الوراء سيقابلها حتما خطوة مصرية خصوصا في غياب الوسيط العربي أو الإسلامي الراغب أو القادر على طرح التهدئة في هذه الظروف، من دون التذكير طبعا بأكثر من سبب يدفع أوروبا والولايات المتحدة الأميركية لعدم التحرك باتجاه تخفيف حدة التوتر بين من يصفانهما بالشريكين الأساسيين لهما في المنطقة وبأن خصومة من هذا النوع والتجارب في سوريا والعراق تعكس حقيقة ذلك ستحمل لإسرائيل وإيران المزيد من الفرص لجني ثمار المرحلة.
    قرار إرجاء موعد القمة المقررة بين رئيس الجمهورية عبد الله غل ورئيس الوزراء أردوغان إلى الخميس المقبل لدراسة مستجدات الأزمة في مصر وتحديد الخطوات المقبلة، ربما هي خطوة باتجاه انتظار ما سيقوله الاتحاد الأوروبي وعودة الرئيس الأميركي أوباما من عطلة الغولف.
    وهم الذين اختاروا التطويل والمماطلة لأكثر من سبب قد يكون أهمها توريط تركيا في الكشف عن كافة أوراقها وإحراقها قبل أن تبدأ اللعبة في مصر.

    انقلاب أحبطته الثورة
    الشرق الاوسط / علي سالم

    أعتقد أن ثورة 30 يونيو(حريزان) أحبطت انقلابا كانت تعده جماعة الإخوان المصرية، للقبض على كل قيادات المؤسسة العسكرية، وتعيين قيادات أخرى سابقة التجهيز بدلا منهم. كما أعتقد أن تحقيقا جادا سيثبت ما أقول وذلك في اللحظة التي يصل فيها المحقق للإجابة على السؤال:

    الملابس العسكرية التي تماثل تلك المصرية والتي كان يقبض عليها كل عدة أيام في كل منافذ مصر وموانيها، مهربة مع مسافرين، أو مستوردة في حاويات على مراكب، بالإضافة لذلك المصنع الذي تم العثور عليه في مدينة المحلة الكبرى والذي كان يقوم فقط بتصنيع هذه الملابس. عنصر الإصرار كان واضحا في هذه العمليات. وكان البديهي هو ذلك التفسير بأن هذه الملابس ستستخدمها جماعة من البشر، تتنكر في هيئة أفراد في القوات المسلحة. وتوقف التفسير عند ذلك، لم يمض أحد بتفكيره قدما إلى الأمام محاولا التعرف على نوعية هذه العملية التي تتطلب هذا النوع من التنكر بالإضافة بالطبع لنوعيات الأسلحة المقبوض عليها التي تصلح فقط في المعارك العسكرية الكبيرة.

    لا بد أن هذا الأمر كان يسبب أيضا هاجسا بالنسبة لرجال القوات المسلحة؛ بدليل ذلك الخبر الذي عرفناه منذ شهور من أن القوات المسلحة أجرت تغييرا سريعا ومفاجئا في ملابس قواتها.

    في الوقت الذي كانت فيه الجماعة الحاكمة تمارس عملية التمكين بسرعة محمومة، لا بد أنها كانت تعرف أن التمكين سيتوقف عند أسوار القوات المسلحة بما يجعل عملية التمكين ذاتها خرافة لا أهمية لها. وأنها ستظل عاجزة إلى الأبد عن الإمساك برقاب المصريين جميعا في وجود جيش يدين بالولاء للشعب المصري ولا يدين بالسمع والطاعة لأحد. أعتقد أن مكتب الإرشاد في هذه اللحظة اتخذ قراره بعملية جريئة مفاجئة يتخلص فيها من قيادات الجيش. ربما يكون ذلك حدث في شهر مارس (آذار) الماضي عندما كان الفريق السيسي يقدم تقريره لقصر الرئاسة منتقدا ومنبها لخطورة ما يفعله النظام وما يرتكبه من حماقات. عندما تنتقد شخصا متطرفا، يضعك على الفور في خانة الأعداء ثم يبدأ في الإحساس بالرعب منك ومما يمكن أن تفعله به، وهنا تفعل الميثولوجيا أفعالها، فتطفو على السطح في عقله المقولة الشهيرة، أن يتغدى بك قبل أن تتعشى به. غير أن أحدا لم يتغد أو يتعش بأحد، تدخلت الصدفة التاريخية ممثلة في حركة تمرد التي جاء أصحابها من بين سحب الثورة ليطلبوا من الناس الخروج إلى الشارع وليطلبوا إجراء انتخابات مبكرة ثم توالت الأحداث على النحو الذي تعرفه.

    أعترف بأن كل ما قلته لك حتى الآن داخل في باب الاستنتاجات وليس المعلومات.. حسنا، أنا الآن في انتظار المعلومات، أن يقول لي أحد، لماذا كانت كل هذه الملابس الخاصة بالجيش المصري تهرب إلى داخل البلاد بهذه الكميات والكثافة، ولماذا لم تصل التحقيقات إلى الزبون الذي طلبها؟

    أعرف بالطبع أن من يقبض عليه في هذا النوع من القضايا سيجيب في أقواله: «واحد اسمه الحاج عبده أداهالي.. وقال لي إن واحدا اسمه الحاج أحمد سيتصل بك ويتسلمها منك.. وأنا لا أعرف الحاج عبده ولا الحاج أحمد، والذي عرفني بهما هو الحاج إبراهيم الذي لا أعرفه أيضا..».

    هل «الرجل المفرد» هو تركيا أم إيران؟
    الشرق الاوسط / آيلين كوجامان

    «تحولت تركيا من الرجل المريض إلى الرجل المفرد».. كان هذا هو عنوان الرسم الكاريكاتيري الذي نشرته وكالة «فارس» الإيرانية للأنباء عن تركيا منذ أيام قليلة، وادعت الوكالة الإيرانية أن تركيا قد أصبحت معزولة عن العالم بسبب سياستها الخارجية. ويبدو أن تشبيه «الرجل المريض» الذي أطلق على تركيا إبان انهيار الإمبراطورية العثمانية ما زال ماثلا لدى من يريدون أن يتناسوا، حيث تناسوا جمهورية تركيا القائمة منذ 90 عاما وباتوا يتحدثون عن تركيا التي تحولت من رجل مريض إلى رجل وحيد.

    السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: هل تركيا وحيدة حقا؟ والإجابة هي: نعم، تركيا دولة وحيدة ومتفردة في موقفها الذي يتسم بالشجاعة والتصميم بالشكل الذي يجعل العديد من الدول تحسدها على ذلك. لقد تعرضت السياسة الخارجية التركية لانتقادات من دوائر عديدة في الآونة الأخيرة. ويرى البعض هنا أن علينا أن نتصرف وفقا للمواقف الغربية، لأنهم لا يرغبون في أن يفقدوا التأييد الغربي. ويرى هؤلاء أنه يتعين على تركيا أن تغض الطرف عما يحدث في منطقة الشرق الأوسط وألا تتدخل في الشؤون الأفريقية وإعطاء امتيازات للمنظمات الشيوعية الإرهابية مثل حزب العمال الكردستاني من أجل تحسين العلاقات مع الأكراد. ويرون أيضا أن تركيا تحت قيادة الغرب سوف تحقق قدرا أكبر من الرفاهية، ونسوا أن تركيا تحت إمرة الغرب كانت تعاني من انهيار اقتصادي وسياسي واجتماعي واسع النطاق في التسعينات من القرن الماضي.

    وأعتقد أن موقف تركيا تجاه بشار الأسد يستحق التقدير والثناء، ولو كانت تركيا قامت بشيء عكس ذلك، لغامرت بتاريخها ووجودها. إن معارضة تركيا للأسد قد كلفها الكثير من الناحية المادية والسياسية، حيث خسرت تركيا عائدات سنوية تقدر بنحو ملياري دولار، علاوة على أنها قد فتحت المدن التركية أمام 400 ألف سوري وتعهدت بتلبية احتياجاتهم. والآن، تحمل جماعات متشددة تركيا مسؤولية احتجاز لبنانيين من قبل المعارضة السورية، وقامت باختطاف اثنين من الطيارين الأتراك!

    وكما تحدثت بالتفصيل في مقال سابق، فإن التهديد الذي تمثله الجماعات الشيوعية الكردية على الحدود التركية قد جعل تركيا تتخذ موقفا دفاعيا. ويشجع الأسد حزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي الإرهابيين على الوجود على حدودنا الجنوبية الشرقية.

    لقد أدى انفتاح تركيا على قارة أفريقيا إلى غضب بعض الدول الأوروبية، ولا سيما تلك البلدان التي تسعى لاستغلال أفريقيا لتحقيق أهدافها الخاصة. ولفتت تركيا فجأة انتباه العالم إلى الصورة الرهيبة في أفريقيا، وفتحت سفارات في بلدان لم تشهد ذلك من قبل وعقدت مؤتمرات حول المساعدات والوعي وأرسلت أطباء ومتخصصين في التعليم وعلماء إلى هناك. لقد نجحت تركيا من خلال هذه المبادرات في القيام بما لم تقم به أي دولة منذ العصور الاستعمارية. وماذا حدث ردا على ذلك؟ وقع هجوم بالقنابل ضد سفارتنا لدى الصومال! ويعني هذا أن وجود تركيا هناك يؤرق جهة ما!

    وفي الوقت الذي يجري فيه إلصاق كل شيء بتركيا، بدءا من الاضطرابات في الشرق الأوسط وحتى الاحتجاجات في البرازيل، لم يعد من الصعب علينا أن نرى الآن أن تركيا قد باتت لاعبا محوريا على الساحة الدولية. في بعض الأحيان، تضطر تركيا للدخول في رهانات خطيرة وتحمل مخاطر كبيرة، وقد أخذت تركيا هذه المخاطر على عاتقها وتدفع ثمن هذه المخاطر من سياستها الخارجية. ولكن لماذا تقوم بذلك؟ إنها تقوم بذلك من أجل الإنسانية والحقيقة والحق، وهذا هو السبب الذي يجعل تركيا وحيدة.

    الموقف التركي لا يتسم بالكمال بالطبع، وهناك بعض المواقف غير الصحيحة التي كلفت تركيا كثيرا أيضا، وهناك العديد من الأشياء التي يجب أن تتغير، فلا تزال الدولة بحاجة إلى تهدئة بعض المواقف القاسية والاتجاه بصورة أكبر نحو الديمقراطية، لأن الديمقراطيات لا تبقى ساكنة، بل تتغير وتنمو باستمرار.

    وبالعودة إلى تقرير وكالة «فارس» للأنباء، فإن أكثر شيء أثار دهشتي هو أن مثل هذه الانتقادات قد جاءت من بلد مثل إيران، التي تعد بالفعل «الرجل المفرد»، ليس فقط في الشرق الأوسط بل في جميع أنحاء العالم، ومنذ سنوات عديدة! ودائما ما لعبت إيران ببطاقة التهديد النووي، ليس فقط ضد الغرب، ولكن حتى ضد جيرانها العرب، كما تحرض على الانقسام بين الشيعة والسنة بدلا من تشجيع الوحدة الإسلامية، علاوة على أنها دائما ما تهدد باستخدام حزب العمال الكردستاني وحزب الله، حتى ضد الدول الصديقة مثل تركيا. وقد عززت إيران التطرف الشيعي ضد التطرف السني، كما أن «إيران المكروهة» لديها مشاكل مع جميع جيرانها تقريبا، باستثناء نظام الأسد ولبنان، ومع معظم بلدان العالم، باستثناء عدد قليل من الأنظمة الشيوعية مثل كوريا الشمالية، وهو ما يعني أنها دولة معزولة منذ سنوات.

    وحتى الشعب الإيراني ليس سعيدا داخل بلاده، ويعيش معظم السكان في هذا البلد الذي يعد من أكبر منتجي النفط والغاز في العالم في فقر مدقع، ووصل معدل التضخم في شهر يونيو (حزيران) إلى 106 في المائة، علاوة على أن عدم المساواة في الدخل والحظر التجاري بسبب البرنامج النووي والفساد والرشوة والمحسوبية قد خلقت صعوبات جمة للشعب الإيراني. وبينما لا تشعر النخبة بارتياح إزاء التهميش منذ زمن الشاه، أصبح المتشددون الأقوياء أكثر تشددا من ذي قبل، وأصبح شيوعيو إيران الماركسية أكثر قوة، وهو ما يجعل الشعب الإيراني غير راض عن ذلك مطلقا.

    إيران هي «الرجل المفرد» بالفعل، لأنها البلد الذي يبدو أن سياسته الخارجية تقوم على تهديد الآخرين وإظهار الغضب. تحتاج إيران إلى اعتماد الود والتصالح، بدلا من أن تستثمر كل ما تملك في البرامج النووية، كما أنها بحاجة إلى التقرب من الآخرين، بدلا من فرض الإملاءات والعقوبات عليهم، وإيجاد حلول بـ«المودة»، بدلا من خلق المزيد من المشاكل من خلال تصنيع الأسلحة. إيران بحاجة إلى أصدقاء وليس أعداء.

    خلال أدائه اليمين الدستورية، قال الرئيس الإيراني الجديد حسن روحاني كلمات لافتة للنظر: «الكلمة الأهم هي الاعتدال. الاعتدال لا يعني التخلي عن القيم الدينية، ولا يعني المحافظة المتطرفة، ولكنه يعني حماية الشخص من التطرف. التغيير يتطلب الاعتدال». في الحقيقة، تدعو هذه الكلمات إلى الأمل، وتجعلنا نعتقد أنه قد يحدث تغيير في وجه إيران الغاضب من الآن فصاعدا. وربما تدعو إيران العالم الإسلامي إلى التوحد بدلا من الانقسام، وربما تعمل على الإخاء بين السنة والشيعة، بدلا من تحريضهم ضد بعضهم البعض، وربما تؤمن بأن شعبها يمكنه البقاء من خلال الحب، وتعمل في نهاية المطاف على القضاء على التطرف وجميع طرق التفكير الضارة. قد يجعل ذلك إيران دولة محبوبة وربما يسعد الشعب الإيراني ويجعله يشعر بالحرية. إن إيران دولة قوية وتستطيع ذلك، وسيكون أمرا طيبا أن نصبح أصدقاء!

    «الإخوان» وتركيا وإيران
    الشرق الاوسط / عثمان ميرغني
    لا يمكن وصف موقفي تركيا وإيران من الأحداث الجارية في مصر، إلا بالنفاق. فهذان بلدان شهدا قمع النظامين الحاكمين فيهما للمظاهرات السلمية باستخدام العنف والترهيب، ومع ذلك يملآن الدنيا ضجيجا هذه الأيام بسبب استخدام الحكومة المصرية القوة لفض اعتصامات الإخوان المسلمين.

    لو كانت الإدانات الصادرة من بعض رموز نظام الملالي في طهران أو من بعض الساسة في أنقرة نابعة من موقف مبدئي أو أخلاقي، أو أنها كانت متماشية مع سجلهما في التعامل مع المتظاهرين والمعارضين، لوجد المرء لهما العذر أو المبرر، لكن الطرفين كانا يتصرفان من منطلق مصالحهما السياسية وحساباتهما الإقليمية، وليس من أجل مصلحة الشعب المصري الذي قالت غالبيته كلمتها بوضوح عندما خرجت إلى الشوارع تطالب برحيل مرسي وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة. فالمناحة من النظامين التركي والإيراني سببها أنه مع سقوط حكم «الإخوان» في مصر، تداعت رهاناتهما السياسية وأحلام راودت كلا منهما في تعزيز نفوذهما مع تغير التحالفات السياسية في المنطقة وصعود حركات الإسلام السياسي على ظهر الربيع العربي. فحزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا يرى في «الإخوان» وحركات الإسلام السياسي حليفا طبيعيا في العالم العربي، لذلك هلل لصعود هذه الحركات ووصول بعضها إلى الحكم، ورأى في ذلك فرصة لتمدد النفوذ السياسي التركي في المنطقة، وإنشاء تحالف قوي مع الأحزاب الإسلامية الحاكمة وتلك التي تنتظر فرصتها للصعود إلى الحكم أو البروز في الساحة كقوة معارضة أساسية. من هنا، كانت الصدمة قوية للحزب الحاكم في تركيا، لأن خسارة الحليف الإخواني في مصر، تعني ضياع فرصة تركيا للعب دور أكبر في المنطقة، وتبخر حلمها في أن تكون النموذج الذي تتبعه الأحزاب الإسلامية في العالم العربي.

    إيران من جانبها، ولحساباتها الخاصة، رأت أيضا في الربيع العربي فرصة لمد نفوذها وإنشاء تحالفات جديدة مع بلدان كانت أنظمتها السابقة في حالة عداء معها، لذلك جاء ترحيبها حارا بالثورات العربية، بل وذهبت إلى حد اعتبارها استلهاما للثورة الإيرانية. وعندما صعدت الأحزاب الإسلامية على ظهر الربيع العربي ووصل بعضها إلى سدة الحكم، تحركت طهران لتعزيز علاقاتها ونفوذها، وبشكل خاص مع نظام «الإخوان» في مصر، على أساس أن كسب حليف في القاهرة سيغير معادلات كثيرة في المنطقة، وسيعطي دفعة للطموحات الإيرانية ولمخططاتها وتدخلاتها، وبالذات في دول الخليج. لذلك، كان إحساسها بخيبة الأمل كبيرا بعد إطاحة نظام «الإخوان»، لا سيما بعدما رأت السعودية والإمارات والكويت والبحرين ترحب بالتغيير في مصر وتتحرك لدعمه، لتعود بذلك خريطة التحالفات كما كانت قبل سقوط نظام مبارك.

    الخطاب الإيراني الحاد تجاه التطورات الأخيرة في مصر، كان انعكاسا لحجم «الخسارة» التي أحستها طهران لسقوط النظام الإخواني الذي كانت ترى أنه حتى ولو لم يصبح حليفا قويا لها، فإنه سيشكل على الأقل صداعا لدول الخليج ولخصومها الآخرين مثل الأردن. هكذا، خرج النظام الإيراني ليهاجم بشدة ما اعتبره انقلابا عسكريا، وليدين ما وصفه بالمجزرة ضد المعتصمين من «الإخوان»، محذرا من «إمكانية نشوب حرب أهلية» في مصر. المشكلة لطهران أن خطابها هذا لم ينجح في التغطية على حقيقة موقفها، بل كشف ازدواجيتها أمام كثير من الناس الذين ما زالوا يذكرون كيف قمع النظام الإيراني الثورة الخضراء، والعنف المفرط الذي استخدمه ضد المتظاهرين.

    ما يقال عن الموقف الإيراني يمكن أن يقال مثله وأكثر عن موقف أردوغان وحزبه، لأن أحداث ميدان «تقسيم» لا تزال قريبة وحية في ذاكرة الناس، وصور القتلى برصاص قوات الأمن لا تزال عالقة في الأذهان. فأردوغان عندما يخرج اليوم ليصف التصدي لمعتصمي «الإخوان» في مصر بالمجزرة وليدعو مجلس الأمن للتدخل العاجل، فإنه يظهر ازدواجية فاضحة في المواقف. فقبل أسابيع قليلة، كان يصدر الأوامر لقوات الأمن التركية لكي تتصدى للمتظاهرين في ميدان «تقسيم» ومتنزه جيزي بعد أن توعد بسحقهم ووصفهم بالخارجين عن القانون والإرهابيين واللصوص، كما سمعه الناس وهو يهدد باستخدام القوة لإخراج المحتجين من الميدان الذي اعتبره «ملكا للشعب وليس للقوة التي تحتله». وبعد كل ذلك، يريد أردوغان من الناس تصديقه أو الوثوق بنياته عندما يجيز لنفسه انتقاد الحكومة المصرية الجديدة التي صبرت على اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» أكثر مما صبر هو على المحتجين في ميدان «تقسيم»!

    الحكومة التركية، مثل الحكومة الإيرانية، مصدومة لسقوط حكم «الإخوان» لأنه يعني ضربة لحساباتها السياسية والإقليمية، وهي عندما ترفع عقيرتها بالإدانات والتحذيرات من حرب أهلية، فربما تريد صب الزيت على النار لكي تنشغل مصر بقلاقل ومشاكل داخلية تبعدها عن المعادلات الإقليمية.


    هل يستفيد الأسد من أحداث مصر؟
    الحياة اللندنية / الياس حرفوش
    تستدعي تطورات الازمة المصرية اسئلة كثيرة تتعلق بارتداداتها المحتملة على حركة التغيير التي شملت عدداً من الدول العربية، وكان يؤمل ان تؤدي الى ثبات عملية التحول الديموقراطي في هذه البلدان. غير ان السؤال الاكثر إلحاحاً اليوم يتصل بتأثير هذه التطورات في مسار الثورة السورية.

    ومثلما ينظر كل من الاطراف الداخلية في مصر الى تطوراتها الاخيرة من زاوية مصلحته، اذ يعتبر الفريق الموالي للجيش أن حركته جاءت تصحيحاً كان لا بد منه للاهداف من وراء عملية التغيير الذي حصل في 25 كانون الثاني (يناير) 2011، واستعادة لتلك «الثورة» من يد المتطرفين و «الارهابيين» (كما يصفهم النظام الحالي) الذين ارادوا سرقتها، بينما ينظر فريق «الاخوان المسلمين» وأنصارهم الى التطورات الاخيرة على انها تراجع عن اهداف تلك الثورة، كذلك تختلف اطراف المشهد السوري في قراءتها لما حدث في مصر وانعكاساته عليها.

    كان النظام السوري في طليعة المسارعين الى اعتبار انهيار حكم «الاخوان المسلمين» في مصر تأكيداً لشرعية المواجهة التي يخوضها مع من يسميهم «الارهابيين» في بلده. لم يتأخر الرئيس بشار الاسد في التعليق على احداث مصر الاخيرة ليؤكد نهاية الاسلام السياسي في المنطقة، مستفيداً من الحملة القائمة على فشل الرئيس المعزول محمد مرسي بعد سنة في الحكم. فالرئيس السوري يعتقد ان عقارب الساعة عادت الى الوراء، الى ما قبل آذار (مارس) 2011، وأكدت بالتالي صدق تحليله لأسباب انفجار الازمة في بلده على انها مواجهة بين النظام و «المجموعات الارهابية». فهو يجد في بعض اللغة التي يستخدمها قادة الجيش المصري، ما يعزز صدق تحليله هذا. ويزيد من اعتقاد الاسد بصحة موقفه، المواجهة القائمة بين الجيش المصري والحكومات الغربية على خلفية موقف هذه الحكومات من التطورات الاخيرة. فالاسد يرى نفسه، هو ايضاً، في موقع المدافع عن سيادة بلده وعن حرية قرارها، اسوة بالشعارات المرفوعة في مصر هذه الايام، والتي تطالب الحكومات الغربية بعدم التدخل في الشأن المصري.
    غير ان الرئيس السوري، في سعيه الى توظيف الحدث المصري لمصلحة بقاء نظامه، يتجاهل التناقض الواضح بين اهداف العملية التي قام بها الجيش المصري، والتي قال انها كانت استجابة للتظاهرات الحاشدة التي خرجت تطالب بإنهاء حكم «الاخوان»، وبين ما قام به الجيش السوري منذ بداية الثورة ولا يزال، من اعمال قمع للتظاهرات الحاشدة التي خرجت في المدن السورية تطالب بإسقاط النظام. بكلام آخر، كان رد الفعل الشعبي على نطاق واسع في مصر هو الترحيب ودعم عملية التغيير التي قام بها الجيش، فيما ادت اعمال العنف التي يرتكبها الجيش السوري ضد شعبه الى نقمة واسعة على هذا الجيش والى انشقاق عدد واسع من كبار ضباطه عنه. هكذا وبقدر ما سعى الجيش المصري الى اعطاء نفسه صورة «الجيش الشعبي»، زادت اعمال القمع والمجازر التي ارتكبها الجيش وقوات الامن السورية من فقاعة الصورة التي تكونت عنها كقوات تعمل في خدمة الحزب الحاكم والطائفة المهيمنة ضد مصالح البلد وأهله.
    لا يلغي ذلك حقيقة ان النظام السوري يجد نفسه مستفيداً من الضربة التي تلقاها «الإخوان المسلمون» في مصر. فقد شكلت الصورة السائدة في المنطقة عن فشل هذه التجربة هزيمة لا شك فيها لـ «الاخوان» في سورية. ومع ان «الاخوان» السوريين لم يعلقوا على تطورات الاحداث في مصر، فإن المخاوف من مشروعهم في سورية لا تقتصر على النظام الذي عاداهم وحاربهم لعقود كما فعل النظام المصري، بل إن أطرافاً واسعة في المعارضة السورية، تمتد من الذين يصفون انفسهم بالعلمانيين الى الحركات الاسلامية المتطرفة، تعادي «الاخوان»، كل لحساباته ومصالحه. فضلاً عن ان هناك شكوكاً في اتساع حجم القاعدة الشعبية لـ «الاخوان» في سورية، بالمقارنة مع الحجم الذي لا يستهان به لـ «اخوان» مصر، والذي سيكون صعباً تجاهله في اي معادلة مقبلة سيرسو عليها الوضع المصري.

    قد تكون للنظام السوري حساباته وقراءته الخاصة للحدث المصري، غير ان توظيف هذا الحدث لمصلحة هذا النظام يبقى بعيداً عن الواقع، في ظل اتساع حجم المعارضة في وجهه وازدياد الضغوط الدولية التي تحاصره وتطالب برحيله. يضاف الى ذلك ان التغييرات الاخيرة التي تمت داخل «الائتلاف» السوري كفيلة بتوحيد صفوف المعارضة وبرنامج عملها، بما يقطع الطريق على سيطرة فئة واحدة عليها، وهو ما يعتبر استدراكاً للهيمنة التي انتهى اليها حكم «الاخوان» في مصر على شؤون البلد ومقدراته.

    حملة «أضعفني وأضعفك» ستؤدي إلى انهيار العراق
    الحياة اللندنية / حميد الكفائي

    كيف يمكن أن نتحدث عن أي نجاح في بلد تتفجر فيه السيارات المفخخة والأحزمة الناسفة يومياً في العاصمة وباقي المدن لتحصد أرواح المدنيين في الأسواق والشوارع والمقاهي والمساجد. ومن السهل جداً أن نضع اللوم في هذا التراجع والفشل على رئيس الوزراء، نوري المالكي، وحكومته التي فشلت في صد معظم الهجمات الإرهابية، بل لم تستطع أن تبقي حتى عتاة الإرهابيين وراء القضبان، إذ تمكن ما يقارب الـ 800 منهم من الهرب، لكن من التبسيط المفرط أن نلوم شخصاً أو مجموعة محددة من دون النظر إلى المشكلة العراقية من أبعادها الأخرى.
    هناك قوى سياسية واجتماعية واقتصادية مؤثرة في الوضع العراقي ولا يتحكم بها نوري المالكي، وهذه القوى لم تنخرط كلياً في عملية إرساء دعائم الاستقرار. وهناك لاعبون في الساحة العراقية، محليين ودوليين، يجب أن يتحملوا مسؤولياتهم أيضاً، فالأمن لا يحققه شخص واحد أو حزب واحد من دون مشاركة الآخرين.
    تشترك في الحكم في العراق معظم الكتل السياسية الممثلة في البرلمان، ويتولى الكثير من أعضائها مناصب أمنية وخدمية مهمة، وهذه القوى يجب أن تتحمل مقداراً من اللوم، ليس فقط لاحتمال تقصير هؤلاء في أدائهم، بل لأن بعض هذه القوى لا يسعى الى دعم الاستقرار في العراق لئلا يحسب هذا «الإنجاز» لخصومه السياسيين في الحكومة. بينما يساهم البعض الآخر بقوة في تأجيج الصراع الطائفي وإذكاء التناحرات والانقسامات بين شرائح المجتمع العراقي للغرض نفسه.
    مثلاً لا حصراً، أصدرت كتلة «متحدون» بزعامة رئيس البرلمان أسامة النجيفي قبل أيام بياناً يتهم القوات العراقية التي تحارب الجماعات الإرهابية بارتكاب ممارسات طائفية في بعض المحافظات السنّية! لا شك في أن بياناً كهذا يقود إلى تأجيج الانقسام الطائفي مع عدم إبرازه الدليل على تلك الممارسات الطائفية المزعومة. الهدف من هذا المنحى واضح وهو التحشيد الطائفي للانتخابات المقبلة. يبدو أن كتلة «متحدون» لا تأمل في الحصول على تأييد وطني عابر للطوائف، بل أصبح تركيزها منصبّاً على مناطق معينة على أمل أن تساندها في المستقبل لأسباب طائفية. إنه أمر محزن أن ينتهي الأمر بهذه الكتلة إلى أن تتبنى أهدافاً وخطابات طائفية بدلاً من برامج سياسية وطنية كما كانت تسعى سابقاً.
    وفي وقت يشارك فيه رئيس جبهة الحوار الوطني، صالح المطلك، في الحكومة كنائب لرئيس الوزراء، يسعى الناطق باسم الجبهة، حيدر الملا، إلى إضعاف موقف الحكومة في كل مناسبة ويشن هجوماً متواصلاً على رئيسها. وبينما يتعرض العراق لحملة إرهابية هي الأشرس منذ 2005، يحتدم الجدل بين السياسيين العراقيين حول قضايا لا هدف منها سوى إضعاف الطرف الآخر.
    مثلاً، أقر مجلس الوزراء قبل أيام مشروع قانون يمنع العراقيين الذين يحملون جنسيات أخرى من شغل المناصب العليا في الدولة، من مدير عام فما فوق. وهذا القانون سيحرم العراقيين الذين عارضوا النظام السابق واضطروا للهجرة إلى الخارج هرباً من القمع والملاحقة، من الخدمة في الدولة. كما سيحرم البلد من كفاءات وخبرات هو في أمسّ الحاجة إليها. وقد سمعت من سياسيين آخرين أن هناك مسعى من جهات سياسية أخرى لاستثناء العراقيين الذين يتمتعون بإقامات في الدول العربية من شغل المناصب العليا أيضاً.
    دول العالم تسعى في العادة لاستقطاب الكفاءات الوطنية والأجنبية إليها، عبر تقديم الحوافز المادية المجزية، كي تستفيد من خبراتها في البناء والإعمار. وفي العراق يحصل العكس تماماً، إذ يحاول سياسيوه النشامى تجريد بلدهم حتى من أولئك المهاجرين الذين تطوعوا للخدمة من دون حاجة إليها. لا بد من أن يشعر الذين ناضلوا من أجل إسقاط الديكتاتورية واضطروا بسبب ذلك إلى الهجرة بخيبة أمل كبيرة بعد أن أمضوا جل حياتهم يحملون هموم بلدهم، فيكافئهم بلدهم بالتشكيك بإخلاصهم والانتقاص من وطنيتهم.
    من الأسباب التي يبرزها المطالبون بسن هذا القانون أن الفاسدين الذين يمتلكون جنسيات أجنبية يتمكنون من الهرب بسهولة! طبعاً هذا التبرير أسوأ من الفعل نفسه، فالمهاجرون لم يحملوا جنسيات أخرى عندما غادروا العراق ابتداء، ما يعني أن من يريد الهجرة لا يحتاج إلى جنسية. وما أكثر الفاسدين الذين تمكنوا من الهرب إلى الخارج ولم يحملوا سوى الجنسية العراقية. دول العالم ترحب بالأثرياء، ولا يهمها كيف حصلوا على الأموال، وتمنحهم الإقامة من دون عناء، وتسمح لهم بحمل جنسيتها بعد مرور فترة من الزمن على وجودهم فيها. هناك الآن ملايين العراقيين ممن يحملون جنسيات أخرى ومعظمهم يعملون في العراق لأسباب وطنية بحتة وهم متضررون مالياً من العمل في العراق، لأن في إمكانهم الحصول على أجور أكبر وظروف عمل أفضل في الخارج. مشروع القانون الذي أقره مجلس الوزراء في هذا الخصوص يعتبر طعنة في الخلف لكل الذين عارضوا الديكتاتورية ووقفوا مع مطاليب شعبهم في الحرية والديموقراطية والكرامة، إضافة إلى كونه يلحق ضرراً كبيراً بالعراق لأنه يحرمه من طاقات هو في أمسّ الحاجة إليها.

    لقد أصبح السياسيون العراقيون يركزون على قضايا هامشية بينما يهملون قضايا مهمة ومصيرية، وهدفهم من ذلك هو إضعاف الخصوم الذين يتبنون بدورهم قضايا تهدف إلى إضعاف خصومهم. ومع اشتداد حملة «أضعفني وأضعفك»، فإن العراق كله ماض في طريق الضعف والتدهور. فلا القوى الأمنية قادرة على مواجهة الجماعات الإرهابية التي اندحرت في سورية فتوجهت إلى العراق لظنّها أن المعركة واحدة، ولا السياسيون قادرون على التعاون في ما بينهم لبناء الدولة العصرية التي يتحدثون عنها.

    لقد بذل خصوم المالكي جهوداً حثيثة ومضنية منذ الانتخابات الماضية لإقصائه عن السلطة ولكن من دون جدوى. إن كانت هناك مبررات في السابق لمثل هذا العمل، وهي كثيرة من دون شك وقد تكون مشروعة، فإن الوقت لم يعد مناسباً لاستمرار هذه المحاولات، لأن البلد يواجه خطر الإرهاب الذي ينذر بتمزيقه وانهياره، وثانياً لأن ولاية المالكي الثانية توشك على الانتهاء والمطلوب هو إسناد الحكومة كي تتمكن من دحر الإرهاب وفرض هيبة الدولة. يجب أن يعلم خصوم المالكي أنه لن يغادر السلطة مهزوماً، وهذا، إن حصل، ليس في مصلحة أحد. لكنه سيغادرها طوعاً إن شعر بأنه حقق بعض الإنجازات.

    كيف تتصدى لتهمة «الإخونجية»؟!
    الحياة اللندنية / زياد الدريس

    1تعرفت البشرية منذ القدم على نوعين أساسيين من حملات الاستعداء والتأليب، يروم منها المستعدي ليس الإضرار بشخصٍ ما فقط، بل والانتفاع له من ذلك الإضرار، باعتبار أن «بضدّها تتميز الأشياء»!
    النوع الأول: ديني يستخدم أداة «التكفير»، والثاني: وطني يستخدم أداة «التخوين» للقضاء على خصومه.

    ولم يسلم من الخوض والتورط في حملات التأليب طوال التاريخ العربي الإسلامي، لا علماء الدين (العارفون بالله) ولا المثقفون والشعراء (إنسانيو المشاعر) ولا السياسيون (قادة الأمة) .
    كما لم يسلم من هذه الخصلة البشرية الوضيعة أيّ جنس أو دين من الشرق العاطفي أو من الغرب المستنير، بل إن أشهر حملتي استعداء يتداولها الخطاب الثقافي حتى اليوم هما حملتان غربيتان، الأولى محاكم التفتيش، وهي حملة دينية بدأت في القرون الوسطى واشتدت في القرن الخامس عشر الميلادي مع سقوط الأندلس وامتدت حتى عصور النهضة الأوروبية، والثانية هي المكارثية التي استخدم فيها النائب الأميركي جوزف مكارثي في العام ١٩٥٠ عصا الوطنية من أجل تصفية خصومه المنافسين له في الكونغرس، من خلال إلصاق تهمة الانتماء للشيوعية بهم... التي كانت آنذاك شماعة التخوين!

    ٢ مرّت المنطقة العربية خلال العقود القليلة الماضية بمجموعة من الأزمات التي سببت احتقاناً وتوتراً بين الناس، سواء أخذت تلك الأزمة لبوساً دينياً شرعياً أو لبوساً سياسياً وطنياً، وقد كاد بعض تلك الأزمات أن يصل حد المكارثية أو محاكم التفتيش.
    سأسوق من ذاكرتي نموذجين عشتهما في محيطي، أحدهما مكارثي والآخر تفتيشي. الأول: الحملة التي أعقبت اعتداء جهيمان الإجرامي في العام ١٩٧٩ على الحرم المكي الشريف وتخويف الآمنين فيه، حيث انتهز التيار الليبرالي الفرصة آنذاك لإلصاق تهمة التطرف «الجهيماني» ليس بالمتطرفين فقط، بل بكل إنسان ملتحٍ أو ملتزم بسمات التدين، من خلال تخوينه واعتباره خطراً يهدد الوطن. الثاني: الحملة التي أعقبت الهجوم على الحداثة في العام ١٩٨٧ وما صاحبها من تكفير، حيث لم تتوقف الحملة ضد المنتمين الحقيقيين للحداثة الفكرية «المنحرفة» فقط، بل شاطت ألسن التيار الإسلامي لتجعل كل من كتب نصّاً رمزياً أو شعراً غير مقفى هو حداثي ضالّ عن الدين!
    قلّة قليلة أكرمهم الله بالنجاة من الخوض في تلك الحملات الاستعدائية / التحريضية باسم الدين أو باسم الوطن، بل إن هناك من التيارين المتناحرين مَن تجاوز فضيلة عدم الخوض مع الخائضين إلى نَبالة الدفاع عن المستهدَفين المظلومين والإسهام في إضعاف حملات التأليب... تكفيراً أو تخويناً.

    ٣ الآن .. تجري حملة جديدة للاستعداء والتأليب، لكنها من نوع مختلف هذه المرة، إذ هي ليست موجهة من التيار الإسلامي ضد التيار الليبرالي أو بالعكس، كما كان يجري في الحملات السابقة، ففي حالة نادرة يتحالف فصيل من التيار الليبرالي مع فصيل من التيار الإسلامي لصنع حملة استعداء ضد خليط آخر مغاير من الإسلاميين والليبراليين. وبعيداً من الوقوع في مأزق المسميات، بوصف ذلك التحالف بالوطنيين وهذا التحالف بالإصلاحيين، فإن هذه الحملة الفريدة من نوعها تركن إلى استخدام تهمة «الانتماء إلى تنظيم الإخوان المسلمين» ليس فقط ضد أناس ليسوا من «الإخوان» بل وضد أناس ليسوا من المسلمين! (كما حدث مع بعض الأقباط أو الليبراليين الذين لم يخطر في بالهم يوماً أن يصنفوا ضمن فصيل إسلامي لمجرد أنهم وقفوا ضد الانقلاب في مصر!).
    وقد حاول في البدء، بعض الذين اتُّهموا بـ «الإخوانية» عبثاً أن يدفعوا عنهم التهمة بالقرائن والدلائل، ظناً منهم أن الطرف الآخر يبحث حقاً عن دلائل أو قرائن لنفي أو إثبات التهمة، حتى فطنوا إلى أن تهمة الانتماء إلى «الإخوان» هي الآن تهمة توزع على الناس جاهزة ومعلبة، ولا حاجة إذاً لبذل الجهد في فتح علبة فارغة لفحص محتوياتها!
    يتعاون الإسلامي والليبرالي، المتحالفان جزئياً الآن فقط، في صنع وثيقة الاتهام بـ «الإخونجية» لمثقفين وكتّاب، حيث يقوم الأول بوضع ما يُشبع ذريعة التكفير الديني ويقوم الآخر بوضع ما يشبع ذريعة التخوين الوطني، فتطفو على سطح المجتمع حملة استعداء وتأليب فريدة في كونها تجمع بين صيغتي المحاكم-تفتيشية والمكارثية في آن.
    كنت أحلم دوماً أن يتحالف التياران الإسلامي والليبرالي في بلادي حقاً، فلا نعود بحاجة لتسمية «المسلم» بالإسلامي أو الليبرالي، لكن حلمي أصبح كابوساً بهذا التحالف المشوّه، هو كابوس موقت بإذن الله وسأعاود الحلم من جديد.
    ما هي سبل التصدي لهذه الحملة الاستعدائية/ التأليبية؟
    الجواب يحتاج إلى مقال مستقل، لكني سأذكر سبيلاً واحداً أساسياً للكاتب والمثقف، هو أن لا تتوقف عن قول وكتابة رأيك بكل حرية واتزان، لأن هدف إلصاق التهمة بك هو تخوينك أو تخويفك وبالتالي إيقافك عن التعبير عن آرائك، فإذا أنت لم تتوقف فهذا يعني ببساطة أن التهمة ضدك قد فشلت، وباء الذين يوظفون الدين والوطن لمنافعهم بالخسران، أما علماء الدين الصادقون ورجال الوطن المخلصون فهم يجيدون الفرز بين الوطني الحقيقي والوطني المؤقت!

    4 في الأزمات والمحن تظهر الأخلاق الحقيقية.

    نفط ليبيا والأمن المفقود
    الحياة اللندنية / رندة تقي الدين

    يشير إعلان وزير النفط الليبي عبد الباري العروسي ان بلاده خسرت ١.٦ بليون دولار من العائدات النفطية منذ ٢٥ تموز (يوليو) الماضي بسبب اغلاق المرافئ النفطية الأساسية نتيجة الإضرابات وتحذيره من ان استمرار الوضع على ما هو قد يغرق ليبيا في الظلام ويدهور الأوضاع في ليبيا. لقد ساد الارتياح في العالم عند تخلص هذا البلد الغني في شمال افريقيا من ديكتاتور حكمه اكثر من اربعة عقود ودمر كل معالم الدولة فيه. فقد ترك معمر القذافي ليبيا من دون مؤسسات ومن دون جيش. وارتكز نظامه على حكمه الذاتي مع جماعته وإبداعه فكرة استبدال مؤسسات الدولة بلجان شعبية تصفق لحكمه المجنون ولكتابه الأخضر التافه. ان ارثه انتهى بليبيا ما بعد الثورة الى بلد انتشر فيه السلاح اينما كان وأصبح في حوزة عصابات تفرض نظامها بالسلاح مع حكومة لا يمكنها ان تعمل اي شيء سوى الكلام او الاستقالة. كانت ليبيا قبل الثورة تصدر اكثر من مليون ونصف مليون برميل من النفط في حين ان الإضرابات وإغلاق الموانئ التصديرية ادت الى انخفاض صادراتها النفطية الى ٣٣٠ الف برميل في اليوم. وكل الشركات النفطية التي تعمل في ليبيا من ألمانية وإيطالية وفرنسية تتوقع المزيد من المشاكل في قطاع النفط بسبب الإضرابات وأيضاً بسبب عدم توافر الأمن في البلد. فليبيا ما بعد الثورة لم تنهض بسبب العصابات المسلحة التي تمسك بزمام الأمور بدل ان تكون هناك حكومة قوية وشرطة وجيش ينزع السلاح من هذه العصابات.

    صحيح ان التدخل العسكري نجح في اطاحة القذافي. ولكن الثورة فشلت في ارساء خطة سياسية لدولة قوية تبدأ بتأمين سلامة المواطن الليبي عبر تأسيس جيش نظامي او شرطة تتمكن من نزع سلاح العصابات التي تفرض حكمها على البلد. كان الأمل كبيراً لدى اطاحة القذافي بأن المعارضة الليبية التي تمكنت بمساعدة الغرب من قلب نظامه ستعمل على بناء جيش قوي يستطيع تسلم امن البلد وإطاحة العصابات وقادتها. الا انها فشلت في ذلك. وبلغ مستوى انعدام الأمن في ليبيا حداً خطيراً. فالعصابات الموجودة مكونة من جهاديين ارهابيين نصابين يزعمون الحديث باسم الإسلام بينما هم دعاة ارهاب وتخويف وسرقة لثروة بلدهم. ان القطاع النفطي في ليبيا هو العصب الأساسي لاقتصاد البلد وإذا تدهور هذا القطاع سيستمر تراجع البلد الى الأسوأ. فمن الضروري ان يتمكن الليبيون من الاستفادة من ثروتهم الطبيعية ومن ثورة افرجت عنهم ولكنها ما زالت تحول دون نهوضهم وخروجهم من ظلام حكم القذافي. والمطلوب من الدول الغربية التي ساعدت على اطاحة القذافي أن تساعد الحكومة على تدريب قوة ليبية تسيطر على هذه العصابات وتنزع السلاح منها. والمهمة صعبة ومعقدة في بلد غابت عنه المؤسسات وأي نظام دولة منذ اكثر من أربعة عقود.
    ولكن عائدات النفط ينبغي ان تكرس في هذه المرحلة لتأسيس جيش او قوة حقيقية تتسلم الأمن وإلا تحولت ليبيا الى دويلات تسيطر عليها هذه العصابات.
    وينبغي التنبه الى ان الأوضاع في سورية وفي مصر ليست مماثلة. فالثورة السورية تواجه نظاماً وحشياً ولكن للبلد مؤسسات دولة لم تكون موجودة في عهد القذافي. وفي مصر هناك جيش ومؤسسات دولة لعبت دوراً في قلب الرئيس مرسي بطلب من المعارضة التي ملأت شوارع مصر مطالبة برحيله. فالثورات تختلف ولكن مما لا شك فيه ان استقرار البلدان بعدها كما حصل في اوروبا يأخذ وقتاً طويلاً قبل ان يسود شرط الا يتفكك البلد وألا يقوم الحاكم بالسعي الى ذلك مثلما يفعل الأسد في سورية.

    تهريب قيادات القاعدة من العراق الى سورية لشق الجيش الحر
    القدس العربي / أحمد الفراجي

    على مدى الأشهر الأخيرة تتصدر أخبار ‘القاعدة’ والأجندة الأخرى المتحالفة معها في العراق نشرات الأخبار المحلية والدولية لمعظم الأحداث الجارية وأهميتها على الساحة العراقية المضطربة والتي خضبت بالدم وكان آخرها وأهمها الهجوم الكبير على سجني التاجي وأبو غريب وفرار أكثرمن 500 إلى 1000 سجين بينهم قيادات في القاعدة والتنظيم أعلن مسؤوليته عن العملية والتي شكلت نجاحاً عظيماً يحسب لصالح التنظيم وفشلاً ذريعاً للقوات الأمنية العراقية لصد مثل هكذا هجوم وكذلك تصدرت معها أخبار الميليشيات ومن ثم الأبرز هو نشاط القاعدة غير المسبوق والإعلان عن تنفيذ سلسلة هجمات متنوعة بشكل منظم ودقيق ذات طابع طائفي مناطقي، والملاحظ إن هذه الورقة يمكن لعب عليها كلما تعكر مزاج البيت السياسي العراقي وتخاصم ساسة العراق حيث نشهد تطورات جساما من قتل وترويع بحق العراقيين.

    وتظل الأنبار المحافظة التي بشرت بالقضاء على تنظيم القاعدة، فبعد حرب ضروس دارت رحاها بين جماعات مسلحة من أبناء العشائر القسم الأكبر المعتصم اليوم المنادي بالحقوق والقسم الآخر من بعض فصائل المقاومة بعد تشكل الصحوات والانخراط فيها لمقاتلة القاعدة، آنذاك تلك الصحوات التي لعبت دوراً هاماً ورئيسياً حاسما ًفي انتشال الأنبار بشكل خاص والعراق بشكل عام من افكاره الهدامة التسلطية الشيفونية العنفية وعودة الحياة من جديد لعموم العراق.

    ظهور تنظيم القاعدة مع الميليشيات بهذا التوقيت له ابعاده وقراءته خصوصاً وأن الظهور جاء بعد إنطلاق التظاهرات في المحافظات الست المنتفضة.

    القراءة الأولى: محاولة إحداث شرخ بين العراقيين أنفسهم بأن القاعدة عادت من جديد لتستهدف مناطق شيعية و خلال الأسابيع الماضية بالفعل ضربت سلسلة تفجيرات بسيارات مفخخة عدداً من المناطق الشيعية وتنظيم القاعدة تبنى سلسلة التفجيرات تلك في بيان والمشكلة أن هنالك جدلاً حادا ً لا بل قناعة بين العراقيين بخصوص تنظيم القاعدة والمتعارف عليه عند قسم من الشيعة وبالتحديد الحكومة العراقية، إن التنظيم يضم في صفوفه عراقيين من العرب السنة وأن القاعدة تحظى بدعم سني والأهم إعطاء صورة غير مكتملة مشوهة للرأي العام أن ساحات الاعتصام كانت مصدراً لإنطلاق القاعدة والتظاهرات ليست سلمية وهدفها تمزيق وحدة الصف الوطني العراقي وأنهم متمردون متآمرون طائفيون ويجب القضاء عليهم وقد لا يعلم الجميع ولم يعد سراً أو خافياً على أحد إن تنظيم القاعدة هو تنظيم عقائدي عالمي يُباع ويشترى لتنفيذ مآرب وأجندة خاصة خارجية والقاعدة قتلت من العرب السنة أكثر من الشيعة وهذا معروف.

    القاعدة لها خطان رئيسيان 1- الخط الإيراني وهذا الخط يعمل بشكل فاعل بالمناطق ذات الغالبية السنية يمتثل إلى أوامر طهران من تفجيرات واغتيالات ويعمل على خلط الأوراق والدليل إن أغلب قيادات القاعدة قبل احتلال العراق كان تدريبهم إيرانياً والأهم أن إيران هي محطة إستراحة للكثير من قيادة القاعدة وهذا الكلام ليس تجنياً على إيران بل هي حقائق معروفة لدى الجميع .

    2- الخط الحكومي وقد يستغرب الكثير عن علاقة القاعدة بالدولة العراقية، فالأحداث الأخيرة تُشير الى ان سلسلة الهجمات قام التنظيم بها بنقل سيارات مفخخة إلى مناطق ذات تركيز أمني عالي وتفجيرها بالأسواق والأماكن العامة وأن هذا الخط يعمل أيضاً على إثارة النعرات الطائفية بين مكونات الشعب العراقي من خلال شن هجمات عنيفة ذات صبغة طائفية بمناطق شيعية منتخبة وهذا تم لمسه بعد ظهور التظاهرات مباشرةً لإعطاء رسالة واضحة أن السنة هم وراء العملية والعكس هو الصحيح بإستهداف مساجد وبمناطق سنية والدليل الأكبر هو إتهام مكتب القائد العام للقوات المسلحة بتهريب عدد من كبار قيادات القاعدة خارج العراق والخطر هو الإتهام الذي جاء على لسان رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية أحمد العاصي الجربا متهما المالكي بأنه قد يكون وراء تهريب قيادات التنظيم من سجني التاجي وأبو غريب في بغداد قبل أسابيع والعودة بهم مجدداً إلى الأراضي السورية لشق صفوف الجيش الحر ومساندة نظام بشار الأسد، وعلى الأرض فعلاً هذا الذي يحصل الآن هو يشبه إلى حد كبير ما حصل في العراق قبل سنوات عندما فرض تنظيم القاعدة سطوته على بعض من فصائل المقاومة العراقية، لكن الخوف يسيطر بجله على قول الحقيقة من بعض المحللين والباحثين.

    وتر يلعب عليه الكثير من ناحية للهجوم لفك ساحات الاعتصامات وخلط الأوراق والعمل على إعادة العراق إلى أيام القتل على الهوية والفوضى والأهم حتى تصبح ساحات التعبير عن الرأي هدفاً سهلاً للقوات الأمنية لمزيد من إرتكاب المجازر على غرار ماحصل في الحويجة وهذا الذي بدأ يلوح به المالكي في آخر ظهور له مستشهداً بتجربة الجيش المصري لفض اعتصام رابعة العدوية قائلاً: إنه يستطيع أن يفعل بالاعتصامات والمعتصمين مثل ما فعله السيسي بالمعتصمين في مصر في ساعة واحدة.

    أما القراءة الثانية هو العودة ‘بالمناطق السنية ‘ إلى مربع القتل والخراب وتحطيم البنى التحتية وهلك الحرث والنسل وموت الوازع الإنساني والديني وجعل هذه المناطق مستقبلاً أعشاشاً للإنطلاق في مشروع هدم كبير وحرف التظاهرات عن مسارها النبيل والهدف الحقيقي لهذه الأفعال تدمير سنة العراق تحديداً كأمة تشكل محوراً مهما للعالمين العربي والإسلامي.

    ما تشهده الآن أغلب المناطق السنية من عمليات تفجير مروعة وآخرها كان تفجيراً مروعاً قد هز أحد ملاعب مدينة الغزالية ذات الغالبية السنية وسقوط عشرات القتلى والجرحى في ملعب لكرة القدم اغلبهم من الشباب العزل، ويبدو أن فرصة التعبير عن الهوية السنية بمظلوميتها بأن العرب السنة أمام مفترق طريق فاما هم مع الحكومة أو يواجهون الموت أو البقاء مع المشاعر الملتهبة كانت فرصةً سانحةً لظهور تلك الجماعات من جديد لكي يستعدوا لمخطط جديد قديم باشاعة أن السنة إرهابيون، وما يجري الآن من حملات اعتقال واسعة تنفذها الأجهزة الأمنية على حزام بغداد الذي يضم قبائل ذات غالبية سنة اشبه بتطهر عرقي بحجة ملاحقة الإرهاب والحجة في ذلك لدى القوات الأمنية إن أغلب التفجيرات الأخيرة منطلقها هذه المناطق فلا بد من تطهيرها من العناصر الإرهابية ما أثار غضباً عارماً وسط تلك المناطق معتبرين هذه الإجراءات تطهيرا سنيا.

    أما القراءة الثالثة والأهم هو شغل الإعلام العراقي والعربي عن ما يحدث من مأساة حقيقية ومجازر مروعة ترتكب يومياً بحق أغلب العراقيين والتغطية على الفشل الحكومي بقيادة المالكي وإستحداث خبر جديد للإستهلاك الإعلامي، وظهور ورقة تنظيم القاعدة أعطى فرصةً جديدةً لبعض من السياسيين العراقيين للمقامرة بها مجدداً على حساب دماء العراقيين خصوصا وأن العراق مقبل على إنتخابات.

    أما القراءة الرابعة لتداعيات المشهد العراقي هو ان ما يجري في العراق هذه المرة ليس ككل الأيام التي مرت على العراق فهي حرب قد سخرت لها كل الامكانيات المعنوية والمادية البشرية على ما يبدو لإعادة العراق إلى المربع الأول مربع القتل والتهجير والخراب والدمار لكنها هذه المرة بصورة جديدة.

    العرب لا يحتاجون للوصاية التركية
    دار الخليج / فيصل جلول

    في اواخر يوليو/تموز الماضي ذهلت وسائل الاعلام البريطانية جراء تصريحات عدوانية تلقتها صحيفة “التايمز” من رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان الذي وصف الصحيفة ب “المأجورة” وهدد بملاحقتها قضائياً لأنها نشرت رسالة مفتوحة موقعة من عدد من المثقفين الدوليين ومن بينهم بعض فناني هوليوود شأن دايفيد لنش وشون بن والمؤرخ البريطاني المعروف دايفيد ستاركي، وآخرين، وقد ورد في الرسالة التي صيغت دفاعا عن متظاهري “ساحة تقسيم” ان رئيس الوزراء التركي يستخدم اساليب هتلرية في التصدي لمعارضيه .

    ليست مقارنة اردوغان بالهتلرية حكراً على الرسالة المذكورة فقد سبق أن أطلق عليه هذه التهمة زعيم المعارضة كمال اوغلو وهو الأدرى بشؤون بلاده من أية جهة خارجية . ولو قيض لأوغلو أن يذكر مستندات هذه التهمة لما اقتصر على المتظاهرين المقموعين في “تقسيم” فأردوغان فاز بزعامة حزبه في انتخابات العام الماضي بطريقة “بونابرتية” اذ لم يترشح أي منافس له وحصل على1421 مندوبا من اصل ،1424 أي بامتناع أو تغيب 3 مندوبين، وألقى خطاباً امتد لساعتين ونصف الساعة . تبقى الاشارة الى ان السجون التركية تضم 200 صحافي، ويضع هذا الرقم تركيا عملياً بين اكثر الدول عداء لحرية التعبير . واذا كان صحيحاً أن رجب طيب أردوغان لا رسم بأصابعه تحية دكتاتوريين عبروا من قبل في مهرجاناته وتصريحاته فالصحيح ايضا انه اعتمد مؤخراً تحية مميزة بأربع أصابع منسوبة ل “رابعة العدوية” حيث اعتصم “الاخوان المسلمون” في مصر قبل ان تطردهم الاجهزة المصرية منها ومن ميدان النهضة المجاور .

    و يسير اردوغان على خطى المتسلطين الذي يغيرون شروط اللعبة الانتخابية بعد انتخابهم فيأتون بدستور جديد وقواعد لعبة جديدة لضمان بقائهم في الحكم إلى أجل غير مسمى، فقد ذكرت بعض وسائل الاعلام التركية في سبتمبر/أيلول العام الماضي ان اردوغان سيترشح لرئاسة الجمهورية السنة المقبلة وفق دستور جديد شبيه بدستور الجمهورية الفرنسية الخامسة قبل تعديله والذي يحدد الفترة الرئاسة بسبع سنوات يمكن تجديدها لمرة واحدة وإن تم له ذلك يكون اردوغان قد مارس الحكم رئيسا للوزراء وللجمهورية لمدة تفوق الربع قرن وهو ما فعله بعض الديكتاتوريين .

    والبادي ان الصدف لا تعمل لمصلحة رئيس الوزراء التركي فقد سبق له أن خاض معركة شهيرة مع الفنانين المسرحيين في تركيا وذلك على اثر خلاف نشب في احدى المسرحيات مع ابنته سمية اردوغان التي اشتكت لأبيها فكان ان شن حملة على اهل المسرح “سكارى ومتغطرسين” وهدد بقطع المعونة الرسمية عن مسارح اسطنبول قائلاً: “لا يمكن للمسارح ان تتلقى دعماً من الحكومة ثم تنتقد اليد التي اطعمتها” الأمر الذي ربما يعكس في مخيلته صورة للمسرح المداح الذي يسبح بحمد السلطان .

    ولأن اردوغان يخيف أهل الثقافة والفن في بلاده فقد بادر النجم التركي المعروف باسم “مهند” الى دعم متظاهري “ساحة تقسيم” وقد سار على رسمه آخرون، ولعلهم محقون، فقد سبق لأردوغان ان ساق عازف البيانو التركي الشهير “فاضل ساي” أمام القضاء، فعاقبته احدى المحاكم بحكم قاس جراء تغريدة ارسلها عبر “تويتر” انتقد فيها اداء الحكومة التركية، الأمر الذي تسبب بضجة هائلة أدت الى إلغاء الحكم واحتفاظ الموسيقي بتغريدته .

    كان يمكن للمرء ان يعتبر النزعة التسلطية لدى اردوغان شأناً تركيا خالصاً لولا أن الرجل يحشر انفه في شؤون عالمنا العربي ويدعم القتلة والتكفيريين أو يرعاهم في غير بلد، وقد وصل به الحال الى حد تصنيف تاريخنا وزعمائنا وكأنه وصي علينا، اذ اعتبر ان جمال عبدالناصر بمثابة فرعون مستبد، في حين يشبه الرئيس المعزول محمد مرسي ب “النبي موسى” وطلب من المصريين العودة الى عهد الرئيس السابق الذي فقد ثقة شعبه عبر نزول عشرات ملايين المصريين الى الشارع للمطالبة برحيله . في هذا الوقت لا تتردد وسائل اعلام مقربة من حزبه في تصنيف زعماء عرب في محور للشر جراء تأييدهم للحكومة المصرية الانتقالية الراهنة .

    يحتاج رئيس الوزراء التركي لمن يذكّره بأننا خرجنا من جبة السلطنة العثمانية منذ قرن تقريباً وبالتالي ما عاد الباب العالي مرجعنا وما عاد الاسلام السياسي يجمعنا طالما أن الاتراك قد ألغوا الخلافة الاسلامية للمرة الأولى منذ أن تأسست في المدينة المنورة .

    ما عادت بلداننا ولايات تابعة للصدر الاعظم يقول لنا ما ينبغي وما لاينبغي، ولسنا رعايا مدينين بالطاعة لجناب السلطان حتى نقف او لانقف ضد أو مع هذا الزعيم العربي أو ذاك، ولسنا في افضل الحالات حلفاء لأنقرة يستدعي تحالفنا تبادل الطاعة بل لا نحتاج حتى الى النصيحة من رئيس الوزراء التركي الذي تلاحقه في بلاده تهم الديكتاتورية والتسلط وقمع الحريات وسجن الصحافيين، والمساواة بين المواطنين بغض النظر عن أصولهم الاثنية .

    على الرغم من نبرته العالية و من ادعاءته الخطابية المنفرة بتمثيل قوة اقليمية يهابها الغرب وتهابها أوروبا، على الرغم من ذلك فإن الواقع يفصح عن دولة تركية بنت استراتيجيتها منذ عقدين للانخراط في الاتحاد الاوروبي، أي للاندراج في هرمية غربية من باب التبعية واسفل الهرم، وعليه فليس لدى العرب ما يربحونه من تبعية مفترضة للتابع التركي، فهم يحتفظون بكل الاوراق المطلوبة لاحتلال موقع اقليمي سيد ومستقل و عالمي يليق بهم، وفي كل الحالات هم لا يحتاجون لأردوغان اذا ما أرادوا اتباع الغربيين واعتماد ديمقراطيتهم .
    عنصرا اليقظة: الحرّية والقانون
    دار الخليج / عبدالحسين شعبان

    طرحت التغييرات التي حصلت في العديد من أقطار الوطن العربي موضوع الحرية مجدداً على بساط البحث، ليس في سجالاتها السابقة ووجهتها الاجتماعية، مثلما هي قضية المسؤولية والالتزام وحدود الحرية وأين تبدأ وأين تنتهي؟ ولكن علاقتها بالقانون وبحكم القانون، حيث تصبح هذه العلاقة مدماكاً أساسياً وجوهرياً للتغيير والانتقال الديمقراطي المنشود، إذ لا يمكن الحديث عن تحوّل ديمقراطي حقيقي دون حكم القانون والشرعية الدستورية واستقلال القضاء .

    للحرية موقع مهم في منظومة الحقوق الأساسية للإنسان، وخصوصاً الحقوق المدنية والسياسية، فبعد حق الحياة والعيش بسلام ، الذي هو حق مقدس لا يمكن الحديث عن أي من الحقوق دون توفره .

    هناك أربعة حقوق وحرّيات أخذت بها المعاهدات والاتفاقيات والمواثيق الدولية التي تنظم حقوق الانسان، وهو ما نطلق عليه اسم “الشرعة الدولية” ونعني بها: “الإعلان العالمي لحقوق الإنسان” الصادر عام 1948 وما بعده “العهدين الدوليين” الأول عن الحقوق المدنية والسياسية والثاني عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية” الصادران عن الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1966 واللذان دخلا حيّز التنفيذ في عام ،1976 وغيرها من المواثيق والمعاهدات الدولية .

    ويعد ميثاق الأمم المتحدة وما أعقبه من تقنينات وإضافات تطويراً معاصراً لما بدأته الثورة الفرنسية منذ ما يزيد على قرنين من الزمان عام ،1789 وقبلها ما تضمنه الدستور الأمريكي عام 1776 بخصوص حقوق الإنسان وبشكل خاص الحقوق والحريات الأساسية، والذي أعقبه الدستور الليتواني الذي صدر قبل الدستور الفرنسي بنحو أربعة أشهر، يوم كانت ليتوانيا تضم بيلاروسيا (روسيا البيضاء) وأوكرانيا وأجزاء مهمة من بولونيا وتعد من الدول الأوروبية الكبرى .

    وعندما نقول الحرّيات الأساسية ، فإننا نعني:

    1- حق الرأي والتعبير

    2- حق الاعتقاد

    3- حق التنظيم الحزبي والنقابي والمهني

    4- حق المشاركة السياسية في ادارة الشؤون العامة

    وقد ورد في ديباجة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ما يلي: ولمّا كانت الأمم المتحدة قد أكدت في الميثاق . . . إيمانها بحقوق الإنسان الأساسية وبكرامة الفرد وقدره، وبما للرجال والنساء من حقوق متساوية، وحزمت أمرها على أن تدفع بالرقي الاجتماعي قُدماً وأن ترفع مستوى الحياة في جو أفسح من الحرية . . . فإن الجمعية العامة تنادي بهذا الإعلان العالمي لحقوق الإنسان” .

    ونصّت المادة الأولى على ما يلي “يولد جميع الناس أحراراً متساوين في الكرامة والحقوق . وقد وهبوا عقلاً وضميراً وعليهم أن يعامل بعضهم بعضاً بروح الإخاء” .

    وذهبت المادة الثانية إلى التأكيد أن “لكلّ إنسان حق التمتع بكافة الحقوق والحريات الواردة في هذا الإعلان، بدون تمييز، كالتمييز بسبب العنصر أو اللون أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي، أو الاصل الوطني أو الاجتماعي أو الثروة أو الميلاد، أو أي وضع آخر بدون أي تفرقة بين الرجال والنساء” . وأكدت المادة 18 أن “لكل شخص الحق في حرّية التفكير والضمير والدين ويشمل هذا الحق، حرية تغيير دينه أو عقيدته وحرية الإعراب عنهما بالتعليم والممارسة وإقامة الشعائر ومراعاتهما سواء أكان ذلك سراً أم مع الجماعة” .

    أما المادة ،19 فقد التزمت قضية الدفاع عن حرية الرأي والتعبير، باعتبارها حقاً أساسياً للانسان لا يمكن تقييده أو التضييق عليه، فما بالكم بإلغائه وقد نصّت على أن “لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير . ويشمل هذا الحق حرّية اعتناق الآراء دون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقّيها وإذاعتها بأي وسيلة كانت، دون التقيّد بالحدود الجغرافية” .

    ولهذا الغرض تشكّلت منظمة خاصة لحقوق الإنسان وفقاً للمادة 19 تُدعى “Article 19” المركز الدولي ضد الرقابة”، التي تؤكد حرّية التعبير وتناقل المعلومات، التي هي حقوق أساسية لا يمكن بدونها الدفاع عن أي من الحقوق الأخرى، بما فيها حق الحياة .

    ومن المفارقات أن يكون بعض ضحايا حرّية التعبير عن الرأي أنفسهم الوجه الآخر للاستبداد ومنع الرأي الآخر، حين تقوم بعض منظمات التطرّف بارتكاب وممارسات عنيفة تحت زعم “إقامة الحد” باسم مخالفة بعض تعاليم الدين، في محاولة لتنصيب نفسها فوق القانون، مشيعةً نوعاً من الإرهاب الاجتماعي، مبرّرة للسلطات (التي تعد أعمالها غير مبررة أصلاً في منع الصوت الآخر وحرية التعبير) الإيغال في عمليات التشدّد والتضييق على الحريات وممارسة الارهاب، بحجة مقاومة جماعات التطرف وأعمال الارهاب الفردية، في حين تمارس هي إرهاباً حكومياً سافراً .

    وباعتقادي، أن الفكر لا يقابل بالعنف أو الاغتيال أو إخفاء الصوت الآخر، كما لا يحسم بالقضاء . الفكر يُرد بالفكر، وسماحة الحوار تتسع لصراع الأفكار . أما جعجعة السلاح فلا تنتج طحيناً، بل تجعله خليطاً برائحة البارود . والحوار يجب أن يتّجه أولاً وقبل كل شيء إلى إقرار حق الغير “الآخر” في التعبير وفي التعايش وفي المنافسة السلمية، ثم لاستخلاص ما هو ضروري لإدامة السلام الأهلي واحترام حقوق الجميع .

    وبتقديري أن مكان حرّية الفكر والبحث العلمي والأكاديمي، هو قاعات الجامعات وأروقة الكليات والمعاهد وحلقات الدرس والبحث والمنابر الفكرية والثقافية، وفي إطارها يتم النقاش والجدل، فهي المكان الطبيعي والرحب لتبادل الأفكار واستمزاج وجهات النظر وقرع الحجة بالحجة والدليل بالدليل والشك بالشك والبرهان بالبرهان .

    وفي الجامعات ومراكز الأبحاث والدراسات تبدأ الأسئلة والشكوك وتثور الانتقادات ويتم البحث والاجتهاد في محاولة الوصول إلى أجوبة مقنعة وبراهين .

    أما محاكمة الفكر أو محاصرته اجتماعياً لدعاوى سياسية أو اعتبارات لا علاقة لها بالدين . فهي ليست سوى إصدار حكم بالموت المدني دون محاكمة، وهو مناقض لروح الإسلام وجوهره الذي يقرّ بمبدأ التسامح . فعدم التسامح يعني منع الاجتهاد وتحريم وتكفير أي رأي حرّ وجديد، بحجة المروق .

    وتزداد اللوحة قتامة في ظل الدين الواحد حين يتم التمترس الطائفي والمذهبي وحين يُنظر إلى الآخر على أنه خصم وعدو، بل أشد عداوة من العدو الحقيقي أحياناً، وتجري محاولات لإلغاء الفِرَق والمذاهب والاجتهادات وتعميم نظرة أحادية الجانب وفقاً للأفكار الشمولية التي لا تعترف بالآخر .

    ولا أظن أن مجتمعاً من دون اختلافات أو اجتهادات متعارضة مختلفة أو انقسام في الرأي أو معارضة، موجود أو أنه، وِجدَ في الكون منذ الخليقة، بل أستطيع القول إن مجتمعاً بلا اختلاف أو تمايز أو خصوصيات، هو من صنع الخيال، ولا وجود له على أرض الواقع، بل إنه مجتمع ميت إنْ وجد، فالتماثل ضربٌ من المحال .

    التعددية والتنوّع وحق الاختلاف والاجتهاد هي بعض عناصر يقظة الوعي ومن أركان تنشيطه بما يساعد على التطوّر والتجدّد ولا تستقيم هوية “الأنا” من دون هوية “الآخر” .

    وجاء في القران الكريم “ . . . واختلاف ألسنتكم وألوانكم لآيات للعالمين”، سورة الروم -آية 22 . والاختلاف لا يلغي الائتلاف بالطبع “ولو شاء ربّك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين” سورة يونس - الآية 99 ، وجاء في سورة البقرة -الآية 256 ، “لا إكراه في الدين قد تبّين الرشد من الغيّ . . .” وجاء في سورة الكهف - الآية ،29 “وقل الحقّ من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر . . .” .

    وسمح الإسلام بحرية الخطأ إذا لم يكن مقصوداً، خصوصاً إذا استهدف الاجتهاد الفكري واستنباط الحلول والأحكام، حين أكدّ الفقه الإسلامي أن “المجتهد إنْ أصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر الاجتهاد” بمعنى أن الخطأ مع الاجتهاد يتحوّل إلى حسنة، لأنه محاولة لاستخدام العقل . وكانت بعض الفرق الإسلامية قد أكدت دور العقل، بموازاة النقل خصوصاً فيما يتعلق بكل ما له علاقة بشؤون الحياة كالمعتزلة والصوفية وغيرهما .

    وذهب الإمام الشافعي للقول “رأيي على صواب ولكنه يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ، ولكنه يحتمل الصواب” . وهو ردٌ بليغ على أفكار التعصب والانغلاق والعنف وعقلية التحريم والتجريم وفرض الرأي، التي قادت من الناحية السياسية إلى احتكار الحكم وتبرير مصادرة حقوق الآخرين تارة باسم القومية أو بحجة الصراع العربي - “الإسرائيلي”، وأخرى باسم الطبقة العاملة ومصالح الكادحين، وثالثة باسم الدين، لإسكات أي صوت ولتسويغ فكرة الاستئثار وادعاء امتلاك الحقيقة .

    السياسة الخارجية تبدأ من قوة البناء في الداخل
    دار الخليج / عاطف الغمري

    قبل حوالي عشرين سنة، أدخل تغيير ملموس على مفهوم السياسة الخارجية في العالم، عقب نهاية الحرب الباردة، وانتهاء الصراع بين القوتين العظميين (الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي) . وقتها كانت الأيديولوجية، هي المحرك للسياسة الخارجية، فالسوفيت يحركهم اقتناع بأن خلاص البشرية هو في نشر الفكر الشيوعي في العالم، والأمريكان يرون أنهم أصحاب رسالة للإنسانية، توجب عليهم نشر فكرهم وقيمهم، وكلاهما يقيم التحالفات والقواعد العسكرية ويتسلح للقضاء على الجانب الآخر ونفوذه .

    وحين انتهى الصراع بينهما، استبدلت القوتان، الباعث والمحرك للسياسة الخارجية، بمبدأ المنفعة، كما أطلقوا عليه في البداية، ثم تفسيره بعد ذلك، بالمصالح والقدرة الاقتصادية، من ثم أخذ مسمى القدرة الاقتصادية التنافسية، يصعد إلى قمة مكونات استراتيجية الأمن القومي، والسياسة الخارجية .

    أي أن السياسة الخارجية، لم تعد تبنى على أساس، قدرة الدولة على التوسع والنفوذ في الخارج، بل إن السياسة الخارجية الناجحة تبدأ من الداخل، بإقامة بنيان قوي، اقتصادياً واجتماعياً، وفي إطار دولة القانون .

    وهو ما ظهر في مراجعة الرئيس الأمريكي أوباما لاستراتيجية أمريكا للسياسة الخارجية في عام ،2010 والتي أعلنت تحت عنوان “تجديد أمريكا وقيادة العالم” والتي أكدت أن البناء المتين للدولة والمجتمع في الداخل، هو مصدر قوة أمريكا ونفوذها في الخارج، وأن الأمن القومي للولايات المتحدة، يقوم على ثلاثة أعمدة، هي: الاقتصاد والأمن الداخلي وتحسين صورة النموذج الأمريكي في نظر العالم .

    وقد أفاض في شرح هذا التفكير، كثير من المفكرين السياسيين، منهم المفكر السياسي الأمريكي ريتشارد هاس، الرئيس الحالي لمجلس العلاقات الخارجية، والذي شغل من قبل مناصب في الدولة، منها مساعداً للرئيس الأسبق جورج بوش (الأب)، ثم مديرا للتخطيط بوزارة الخارجية، كما عمل مديرا لبرنامج الشرق الأوسط بمعهد بروكنجز في واشنطن .

    هاس عرض وجهة نظره في كتاب أصدره عام 2013 بعنوان “السياسة الخارجية تبدأ من الداخل” ويقول في كتابه “إن الولايات المتحدة لا تستطيع المحافظة على سيطرتها ونفوذها في الخارج، إذا لم تتحرك نحو استعادة عناصر القوة في الداخل، واستثمار العوامل الإيجابية داخلياً، والتي تبنى على نتائجها سياسة خارجية قوية” .

    وهذا التحول في التفكير بالنسبة للسياسة الخارجية يمثل تغييراً مهماً عن الاتجاه الذي كان قد اختاره الرئيس جورج بوش وجماعة المحافظين الجدد، والذين كانوا يديرون سياسته الخارجية، والتي أعادت الحافز الأيديولوجي كمحرك للسياسة الخارجية، باعتبار أن المحافظين الجدد حركة أيديولوجية، يسيطر عليها فكر الهيمنة، على العالم ولو بالقوة، وهو ما كشفت عنه استراتيجية الأمن القومي الجديدة، التي أعلنها البيت الأبيض في 20 سبتمبر/أيلول 2002 وعرفت باسم مبدأ بوش للسياسة الخارجية .

    وهو توجه مضاد لحركة التاريخ، ومنفصل عن الواقع المتغير عالمياً، وكانت نتيجته، ما جلبه حكم بوش للولايات المتحدة، من متاعب مالية، واقتصادية في الداخل، وتراجع نفوذها في الخارج .

    كان الوعي بأن القدرة الاقتصادية هي مفتاح النهضة في الداخل، والقوة والنفوذ في الخارج، هي الدافع للدولة التي صعدت في آسيا، وأمريكا اللاتينية، نحو إطلاق خطط واعية للتنمية الاقتصادية، مرتبطة بالعدالة الاجتماعية، وهي خطط نجحت في النهوض بهذه الدول داخلياً، وإنعاش اقتصادها، وتوسيع قاعدة طبقتها الوسطى، وقدرتها على أن تضيف إلى إجمالي الإنتاج العالمي، منتجاً متميزاً من إبداعها، وعليه طلب في السوق العالمي، ونتيجة لذلك برز بقوة في الفكر السياسي العالمي، مفهوم كفاءة الحكومة، كعامل أساس في تمكين أي دولة، من قهر حواجز الفقر والتخلف، والقفز إلى أعلى مستويات التقدم والثراء .

    ولوحظ أن دولاً متجاورة إقليمياً وسعت من إطار نجاحها الاقتصادي، بإقامة تكتلات إنتاجية مشتركة، بحيث كانت مجموعة من هذه الدول تنتج منتجاً أساسياً مشتركاً، تتخصص كل دولة في تصنيع جزء من هذا المنتج النهائي، وبتكلفة إجمالية أقل من مثيله الذي تنتجه دول متقدمة في الغرب . وهو ما فتح أمامها أبواب المنافسة مع الغرب المتقدم داخل أسواقه، وهو ما طبق فيما يسمى الحلقة الإنتاجية الآسيوية، التي تحتل الصين مركزها .

    كانت الدروس المستفادة من تجارب بناء الداخل أولا، قد حفزت هذه الدول على مراجعة مدروسة علمياً وعملياً، لما لديها من موارد، والبحث في وسائل تعظيمها، وحتى لا تبقى مجرد دول مستهلكة لما ينتجه الآخرون .

    وحين تحقق لهذه الدولة متانة بنائها الداخلي، وفرض نفسها عملياً كدول صاحبة نفوذ في مناطقها الإقليمية، فإن نفوذها السياسي، امتد إلى المجال الأوسع عالميا، وبدأت المؤسسات السياسية، والاقتصادية، ومراكز الفكر الاستراتيجي، تدرج أسماء هذه الدول الصاعدة، لتكون شريكاً في إدارة النظام العالمي الجديد، الذي كان حكراً على الدولتين العظميين في سنوات الحرب الباردة، ثم انتقل إلى الولايات المتحدة بعد ذلك، وهو الآن يتهيأ لنظام دولي قائم على تعددية القوى التي تديره .

    وفي هذا العصر المتغير، لاتزال هناك أنظمة لديها قصور في الفكر الاستراتيجي، تتصور أن الطريق إلى حل مشاكلها في الداخل، يبدأ من التوجه نحو الخارج أولاً، لإقامة علاقات وتفاهمات، تدعم موقفها الداخلي، بينما هذا التفكير لا يصلح في عصر تغيرت فيه الأفكار والنظريات السياسية، والاقتصادية، وسيطر مبدأ المنفعة على سياسات الدول، فضلاً عن إحلال مبدأ المشاركة، كمكون أساس لعلاقات التحالف والتعاون .

    والمشاركة تعني أن كل دولة تتوقع من الأخرى، أن يكون لديها ما تقدمه، حتى تبادر هي بتقديم ما تحتاجه منها الدولة الأخرى . ومفهوم المشاركة، أو الشريك كان قد دخل في السنوات القليلة الماضية، كمبدأ أساس للسياسة الخارجية، بتأثير متغيرات عالمية منها: تزايد ندرة الموارد، خاصة المواد الغذائية وتعدد مصادر التهديد للأمن القومي، والكثير منها عابر للحدود، لا يمكن ردعه من دون مشاركة الدول مع بعضها في مواجهتها، وبحيث تقدم كل دولة إسهاماً في التصدي لهذا الخطر المشترك، كذلك سهولة انتقال عناصر التهديد المتنوعة من دولة لأخرى، كالجريمة المنظمة، والإرهاب .

    وقبل ذلك كله، فإن التنمية الاقتصادية، لم تعد عالماً مغلقاً على كل دولة على حدة، بل أصبحت ميداناً يحكمه تبادل الخبرات والمعرفة، حتى تنجح كل دولة في إكمال مشروعاتها للتنمية الاقتصادية، خاصة أن البحث العلمي، وإنتاج وسائل التكنولوجيا الحديثة، صارت جزءاً لا غنى عنه، في الإنتاج الاقتصادي، وهو ما يعتمد على التعاون والمشاركة .

    وفي سياق هذه التوجهات، يحدث تفاعل بين القدرة على البناء في الداخل، وبين إدارة سياسة خارجية ناجحة، تدعم ما يحدث في الداخل، ومن هنا كانت استراتيجيات الأمن القومي لأي دولة ناجحة في هذا الزمن، متسعة الأبعاد، شاملة لمفاتيح إحداث الصحوة، في كافة مواقع البناء الداخلي والتحرك في العلاقات الدولية .

    جنرالات مصر يقتلون الإخوان ويشنقون الديمقراطية
    القدس العربي / د. سعيد الشهابي

    النشطاء البحرانيون الذين دعوا للتمرد في 14 اغسطس ضد نظام الحكم في بلدهم قد ادركوا بواقعية ان شل الحياة العامة والاحتجاجات الكثيرة التي حدثت لن تحظى باهتمام اعلامي كبير مقارنة بالجريمة الكبرى التي ارتكبها جنرالات مصر ضد المعتصمين السلميين المعارضين للانقلاب الذي قاموا به. فما جرى في ذلك اليوم يختلف شكلا وجوهرا ومعنى عن كافة جرائم انظمة الاستبداد التي تحكم بلدان العالم العربي.

    واصبح واضحا ان الهدف من فتح النيران على المعارضين السلميين لم يهدف لتفريقهم وانهاء اعتصامهم فحسب، بل لقتل اكبر عدد ممكن منهم، وكأنهم أعداء جاؤوا من بلد آخر لاحتلال ساحتي مسجد رابعة العدوية والنهضة. وفي ظل احكام الطوارئ التي فرضها العسكريون على مصر تواترت الانباء عن احتمال اطلاق سراح حسني مبارك من السجن. وترددت ايضا انباء عن احتمال تنصيب نجله،جمال، رئيسا، لتنتهي بذلك اكبر ثورة عربية في العصر الحديث، وعودة الاستبداد والظلام والديكتاتورية الى العالم العربي. فما الرسالة التي اراد عبد الفتاح السيسي، قائد الجيش المصري، ابصالها لمعارضي انقلابه وللعالم؟ وهل اتخذ القرار مع جنرالاته فحسب؟ ام بدفع من احد داخل مصر وخارجها؟ الامر الذي اتضح ان الحكومة التي شكلها العسكر ربما اطلعت على قرار تفريق المعتصمين وليس على تفصيلات العملية العسكرية التي اودت بحياة ما يقرب من الف من جماعة الاخوان المسلمين والمتعاطفين معهم. ولذلك جاءت استقالة الدكتور محمد البرادعي، نائب رئيس الوزراء ومن ثم مغادرته مصر، احتجاجا على القرار العسكري وجريمة القتل، لتؤكد ان لدى عسكر مصر اجندة اخرى تختلف عما لدى النشطاء المدنيين الذين عارضوا حكم الاخوان، وشاركوا في الاطاحة بالرئيس المنتخب، محمد مرسي. وقد ادرك الكثيرون من النشطاء خطأ قرارهم بدعم الجنرالات، فالعسكريون والديمقراطية لا يجتمعان، والعقلية العسكرية حادة وصدامية ومتشددة وحاسمة لا تقبل النقاش، لا تنسجم مع ثقافة التعددية والحوار والتفاهم. فالسلاح هو لغة العسكر، بينما الكلمة هي سلاح الديمقراطية. ولذلك فما ان انقلب عسكريو الجزائر في 1992على العملية الديمقراطية حتى سالت الدماء انهارا ودخلت البلاد نفقا أسود استمر اكثر من عشرة اعوام وحصد ارواح اكثر من 150 الف انسان. فمن يسعى للديمقراطية مطالب بوعي مفاهيمها وقيمها، واستيعاب ضرورة عدم السماح للعسكريين بممارسة السياسة، لان مهتهم حماية البلدان من الاعتداءات الخارجية، وليس ادارة شؤون البلاد الداخلية او الخارجية.

    مرة اخرى يعود المشهد المصري لحالة اكثر استقطابا مما كانت عليه في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، عندما كان زعماء الاخوان المسلمين، ومن بينهم الرئيس مرسي، يرزحون في السجون بعد اصدار المحاكم العسكرية قراراتها الظالمة ضدهم بسبب معارضتهم استبداد مبارك وهيمنة العسكر. وقد يبدو للبعض ان العسكريين حسموا المعركة السياسية بشكل نهائي، ولكن الامر المؤكد ان قرارهم تصفية معارضيهم بالطريقة الوحشية التي مارسوها ستؤدي، في وقت غير بعيد، لانهاء الدور السياسي للمؤسسة العسكرية المصرية. وبعد ما ارتكبوه من مجازر لن يكون هناك حل سياسي الا اذا استثنى العسكريين من العمل السياسي واجبرهم على العودة للثكنات، والتخلي عن الاطماع السياسية لدى الجنرالات. فالجيش مؤسسة وطنية يجب ان تحظى برعاية الدولة وتنميتها بشكل يلبي الاحتياجات الامنية ويوفر الهيبة اللازمة للحكم. ولكن من الخطأ الكبير السماح للعسكريين ممارسة السياسة والتدخل فيها بالشكل الذي يمارسونه في الدول التي عانت من الاستبداد مثل تركيا وباكستان والجزائر ومصر. فالعقلية العسكرية استئصالية بجدارة، خصوصا في البلدان المحكومة بالاستبداد.

    والديكتاتور لا يؤمن الا بمنطق القوة الذي يوفره العسكريون، ولذلك يصبح اكثر اعتمادا عليهم، ويقربهم حتى يصبحوا اعوانه ومستشاريه، ويزينون له الاستبداد حتى تتعمق الازمة بينه وبين شعبه فتحدث الازمات وتزداد المشاكل السياسية تعقيدا. وقد كان لقوى الثورة المضادة مجتمعة دور اساسي في توفير الارضية المناسبة لحراك شعبي ضد حكم الاخوان، بالمبالغة في الحديث عن ‘أخطائهم’ وتصوير ادائهم بـ ‘انه كارثة لمصر’. ومن المهازل توجيه تهمة لرئيس مصر، الدكتور محمد مرسي، بـ ‘التخابر مع جهة اجنبية’ يقصد بها حركة حماس. انه استسخاف لمصر وشعبها وعقولها وكرامتها. كما استغلت المشاعر الغاضبة لدى بعض الساسة والنشطاء بسب الخلاف الايديولوجي مع الاخوان وما يمثلونه من مشروع يتبنى ‘الاسلام السياسي’، فاستدرجوا لمشروع قوى الثورة المضادة بالاجهاز على الاخوان واسقاط نظامهم. وقد التفت بعضهم الى هذه الخدعة وسعوا لتصحيح موقفهم،كما فعل الدكتور محمد البرادعي الذي سفكت دماء مئات المصريين باسم الحكومة التي يمارس دور نائب رئيس وزرائها.

    مصر ما بعد المجزرة التي ارتكبها العسكريون بزعامة عبد الفتاح السيسي، الى اين؟ لقد انطلقت الدعوات للمصالحة الوطنية، فهل يمكن ذلك؟ لقد كانت الدعوة غير مؤهلة للنجاح في الاسابيع الخمسة التي اعقبت الانقلاب العسكري ضد الرئيس مرسي والاخوان الذين أصروا على ان اية مصالحة غير ممكنة الا بعد عودة ‘الرئيس الشرعي’ حسب قولهم. فهل تحسنت حظوظ المصالحة بعد مجزرة الاربعاء الاسود؟ فقد بلغ شهداء الاخوان قبلها 300 شخص، وتضاعف العدد بعد ذلك. فما أفق المصالحة المزعومة؟ ما ارضيتها؟ وما شروطها؟ الامر المؤكد ان مستقبل مصر القريب لن ينطلق على اساس المصالحة بين الطرفين. خصوصا ان العسكريين يواصلون سياسات القمع واستخدام القوة ضد معارضيهم. ومن المتوقع ان تصل ايديهم الى السياسيين من غير الاخوان. وحتى البرادعي لن يكون بمأمن من الاعتقال اذا لم يستجب لما يريدون، خصوصا بعد استقالته من منصبه وما نجم عنه من اهانة للعسكريين واضعاف منطقهم وموقفهم.

    الغربيون دعوا للمصالحة بعد شجب المجزرة، ولكنهم لم يتخذوا مواقف جادة ضد الجيش الذي انقلب على الشرعية الشعبية. فلم يطرد اي من سفرائهم من العواصم الغربية، ولم تصدر قرارات حاسمة بوقف الدعم الغربي للمؤسسة العسكرية. كما لم يتحدث احد من زعماء الغرب عن الجرائم ضد الانسانية التي ارتكبها العسكريون. انه موقف غير متوازن ولا يتسم بشيء من الذوق او المبدئية، خصوصا مع إصرار العسكريين على الالتزام بأحكام الطوارىء وعدم التخلي عنها في المستقبل القريب. واشنطن ولندن، على وجه الخصوص، لم تنأيا بمواقفهما عن القرار العسكري ضد الاخوان المسلمين. كما ان قوى الثورة المضادة لم تقطف اجنحتها او تحتوى اطماعها. وفي الوقت نفسه فان الاخوان المسلمين ما يزالون تحت تأثير الصدمة المفاجئة التي لم يتوقع احد حدوثها بهذه القسوة والشراسة.

    الامر المؤكد ان هذه الجماعة اصبحت في مواجهة مفتوحة مع العسكريين الذين كرروا تجربة الجزائر وبدأوا حمامات الدم في ارض مصر التي عرف اهلها بالهدوء والنزعة للسلام ورفض العنف. مع ذلك فمن المتوقع ان يقوم العسكريون وقوى الثورة المضادة باجراءات وخطط تهدف لتشويه صورة الاخوان واظهارهم بعدم الصلاحية للمشاركة في العملية السياسية بسبب مواقفهم ازاء القضايا التي يختلف المجتمع المصري ازاءها، كدور المرأة في الفضاء السياسي العام، والعلاقات مع الكيان الاسرائيلي وقوى الثورة المضادة، ومبدأ الانقضاض على الحكم واسقاط الرئيس المخلوع.

    ثمة مؤشرات سلبية اكثر إيلاما يمكن استشرافها من الانقلاب العسكري على الكيان السياسي الناجم عن تلك الانتخابات. اول هذه المؤشرات ان تجربة الانقلاب ضد الشرعية لن ينحصر بمصر، بل ستلحقها تونس ايضا، خصوصا ان بعض قادتها لم يستوعبوا بعد الدرس الاساسي من التجربة المصرية متمثلا برفض اسلحة قوى الثورة المضادة وفي مقدمتها السلاح الطائفي. وما يزال بعض قادتها مرتهنا لذلك المنطق الذي روجه اعداء الثورة والتغيير لافشالهما. ولن يكون الوضع الليبي او المغربي او السوداني او العراقي بمنأى عن خطط الانقلاب ضد المشروع الاسلامي.

    ويكفي ما فعلته السعودية مؤخرا لتوضيح حقيقة موقفها ازاء الدول العربية والاسلامية الاخرى. فقد منعت طائرة الرئيس السوداني، بعد اسقاط الرئيس مرسي، من عبور المجال الجوي المصري بينما كان متوجها الى ايران لحضور حفل تنصيب الرئيس المنتخب الدكتور حسن روحاني. ولم تكن السعودية لتقدم على تلك الخطوة لو لم يحدث الانقلاب العسكري في مصر، الذي شجعها لاتخاذ قرارات ومواقف غير معتادة. ثاني المؤشرات: ان الغرب تواطأ مع الانقلابيين الذين كانوا على علم بخطتهم قبل تنفيذها، ولم يتخذ موقفا آخر بعد تنفيذ الانقلاب ثم ارتكاب المجزرة برغم بعض التصريحات التي تطلق لاحتواء الاصوات المناوئة للانقلاب العسكري.

    ثالثا: ان الغربيين اظهروا في البداية استنكارا، ولكنهم لم يشجبوا الانقلاب العسكري ولم يطالبوا باعادة الرئيس المنتخب الذي خلعه العسكريون، واكتفوا بالتصريحات الجوفاء التي لم يصاحبها قرارات بوقف التعاون مع العسكريين الذين انقلبوا على السلطة الشرعية. رابعها: تخاذل الموقف الشعبي العربي ازاء الانقلاب العسكري والمجزرة التي لحقت بالاخوان. كما لوحظ غياب مواقف الاخوان المسلمين في بقية البلدان العربية التي تشجب الانقلاب والمجزرة.

    فالعديد من هذه التنظيمات يخشى ردة فعل سلبية من انظمة الحكم التي يعيش بكنفها والتي باركت الانقلاب وربما شاركت فيه. خامسا: توقف العقل العربي عن سبر اغوار الانقلاب وما يعنيه، واساليبه التي استخدم الطائفية فيها سلاحا ضد الرأي العام لوقف التعاطف مع الاخوان المصريين الذين تجاوز عدد شهدائهم في بضعة ايام جميع شهداء الثورة في 18 يوما. سادسا: ان ثمة توافقا غربيا عربيا على التصدي لمشروع الاسلام السياسي وان سقوط الاخوان اضعف وهج التجربة الاسلامية واعاد الاوضاع الى ما كانت عليه قبل ثورات الربيع العربي.

    ان من الخطأ الاستراتيجي الكبير الاعتقاد بامكان حسم مشكلة مصر بانقلاب عسكري دموي ادى واعتقال الرئيس المنتخب. كما ان صمت طلائع التغيير وشباب الثورات عما حدث في مصر سيشجع انظمة بلدانهم على تكرار تجربة الجيش المصري خصوصا مع غياب الموقف الشعبي الموحد بين ابناء دول العالم العربي.

    الامر المؤكد ان الشرق الاوسط لن يكون مستقبلا كما كان ماضيا من حيث الاستقرار والامن وتوحد الشعوب ورفض التمزيق والتفريق بين ابنائه. الامر الثاني ان قوى الثورة المضادة استعجلت الاحتفاء بسقوط حكم الاخوان، واتضح لهم ان العسكر المدعومين باجهزة الامن الغربية، فعلوا ذلك ضمن خطة اخرى تهدف لسلب بلدان المنطقة استقلالها وامنها، وهما ضروريان لوأد الفتنة وكسر شوكة المتعصبين من الطرفين، والحماس لتفعيل مشروع اسلامي حضاري يوسع آفاقه حتى يصبح شريكا سياسيا في العالم. ولعل ما حدث في القاهرة في الرابع عشر من اغسطس بداية انطلاق آخر لثورات الربيع العربي لاكمال مشوار التغيير الذي لم يكتمل بعد. فمن المرجح ان تتجه الشعوب العربية والاسلامية لجمع كلمتها واخماد اصوات الفتنة والعودة الى حالة الوئام والحب حسب التعليمات الالهية للمسلمين والبشر عامة. فالشعوب العربية امام خيارين: فاما القبول بانصاف حلول مع بقاء انظمة الاستبداد حاكمة، او التحرك لاحداث تغييرات اوسع في اغلب الدول العربية، على غرار ثورات الربيع العربي، وما احدثته من تغيير في النفسية العربية. الاخوان هنا مطالبون برفع شعار وحدة المسلمين ووحدة مصيرهم وموقفهم ازاء التحديات الخطيرة والمشروع الاسلامي الذي قامت تلك الوجودات بهدف تحقيقه في المجتمعات العربية، واخماد الاصوات النشاز التي دعمتها قوى الثورة المضادة واحدثت شروخا في جسد الامة مكنت اعداءها من التأثير عليها. فالدماء التي اريقت انهارا في شوارع القاهرة لن تجف بسرعة، بل ستحاصر نظام العسكر وتسقطه عما قريب لانه حكم عسكري دموي تصفوي استئصالي، لا يقبل بتقاسم السلطة مع احد، بل يصر على انفصاله الكامل عن الشعب واستئثاره بالحكم بدعم القوى المضادة للثورة. فمنذ الانقلاب سالت انهار الدماء وفتحت الزنزانات وقتل السجناء في غرف التعذيب، وصمت الجميع، بمن فيهم الغرب الذي طالما ادعى ترويجه الديمقراطية وحمايته حقوق الانسان. هذه المرة حول العسكر مصر الى زنزانة سوداء مظلمة معتمة، تنضح بالدماء وتسحق فيها الكرامة ويمحق الاخيار، بينما اصبح صمت علماء البلاط وفقهاء السلطان وتملق النخب الليبرالية مشجعا لقوى الثورة المضادة ودافعا لها لاستهداف الربيع العربي ونحره بدم بارد على مشرحة الحرية والكرامة. الثورة المضادة تعتقل محمد مرسي ويجدد المدعي العام يوم امس حبسه 15 يوما اخرى، بينما تستعد مصر للافراج عن حسني مبارك، وربما تنصيب نجله، جمال، رئيسا، أليست هذه هي الثورة المضادة التي شارك الكثيرون في دعمها ضد حكم الاخوان؟ ولكن الثورة، برغم ذلك، لم تجهض، والشعوب لم تسحق، والعسكر لم ينتصروا، واساليبهم لن تحقق مبتغاها، وربهم فوقهم جميعا يمهلهم ليزدادوا إثما، ثم يأخذهم أخذ عزيز مقتدر.
    ‘ كاتب وصحافي بحريني يقيم في لندن

    إطلاق سراح مبارك وسجن مرسي
    رأي القدس

    أصدر القضاء المصري قراراً بحبس الرئيس المعزول محمد مرسي بتهم تضم ‘الاشتراك في احتجاز وتعذيب مواطنين’، و’الشروع في قتل’ و’البلطجة واستعراض القوة وترويع المواطنين’، إضافة الى تهم أخرى سابقة بينها ‘اقتحام السجون’ وقضايا ‘تخابر وقتل وشروع بالقتل والسعي والتخابر مع حركة حماس′ اضافة الى قائمة طويلة أخرى من التهم.

    في الوقت عينه قرر القضاء نفسه اخلاء سبيل الرئيس المصري المخلوع الأسبق حسني مبارك في قضية فساد متهم بها وتوقع محاموه خروجه من السجن هذا الأسبوع، كما تعاد حالياً محاكمة وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي وستة من كبار مساعديه اتهموا أيام انتفاضة 25 يناير بتهم تتصل بقتل المتظاهرين.

    كانت إقالة النائب العام عبد المجيد محمود مطلباً شعبياً عاماً بعد ثورة 25 يناير المصرية، فالنائب المذكور كان من أعمدة حكم الرئيس حسني مبارك ويده القضائية التي يضرب بها أعداءه.

    غير ان قرار محمد مرسي بتعيين طلعت عبد الله بدلاً من محمود لقي انقساماً في الرأي بين أوساط الشعب المصري ونخبه، لأنه صدر بموجب اعلان دستوري صدر في غياب البرلمان، الأمر الذي اعتبرته قوى المعارضة ‘تغوّلاً على سلطة القضاء’، وسرعان ما ارتفعت أصوات واحتجاجات مطالبة بإقالة النائب الجديد.

    بعد الحركة التي أطاحت بمرسي واستهدفت جماعة الأخوان المسلمين أصدر القضاء المصري قراراً ببطلان تعيين طلعت عبد الله واعادة عبد المجيد محمود.

    بذلك عادت قبضة مبارك القضائية للعمل، دون هوادة، على اعادة الساعة المصرية الى الوراء، لكنّ عملها، هذه المرّة، محمّل بطعم الانتقام المرير.

    واذا كان عمل هذه الآلة الهائلة للنظام القديم لتبرئة رموزه التاريخيين وتحطيم أعدائه الجدد القدامى (الذين تجرأوا على تسيّدها بعد أن كانوا، لعقود من السنين، مظلوميها وضحاياها وسكان سجونها) مفهوماً، فمن غير المفهوم ولا المعقول أن تختار توقيتاً واحداً لتبرئة دكتاتور مثل مبارك الذي انحسرت فجأة تهم القتل والفساد ضده، وتجريم رئيس منتخب مثل مرسي الذي لا تني قائمة تهمه و’جرائمه’ تزيد يوماً بعد يوم.

    فيما ينفتح المشهد المصري يوماً بعد يوم على مجازر ويغوص أكثر فأكثر في الدم، في انخفاض مطرد في منسوب السياسة والعقل والمبادئ الأخلاقية، يفتّش العربيّ الذي كان يبحث دائماً عن أية بارقة أمل تقول ان من يتحكمون (أو يظنون أنهم يتحكمون) بهذا المشهد قادرون على العودة الى حقائق الواقع والاقتصاد والجغرافيا والتاريخ بدل أوهام الانتصار على الآخر الذي ليس سوى هم أنفسهم.

    في استغلال أتباع النظام القديم حالة الاستقطاب الهائلة لدى الشعب المصري لتصفية حساباتهم بهذه الطريقة الاستفزازية إساءة كبيرة للقضاء المصري الذي كان، بالمقاييس العامّة العربية، ملجأ من ملاجئ الشعب المصري ضد توحّش سلطاته التنفيذية وأدواتها الأمنية.

    أملنا مستمر بأن القضاء المصري، مثله مثل مصر وشعبها العظيم، قادر على استعادة البوصلة.


    الملك يستنهض علماء الأمة لمواجهة الفتنة
    رأي الدستور
    بإحساس غامر بالمسؤولية، وخطورة المرحلة التي تمر بها الأمة، استنهض جلالة الملك عبدالله الثاني علماء الأمة لمواجهة خطاب الفتنة في سوريا، ومنع انتشارها في العالمين العربي والاسلامي، لحقن دماء المسلمين والحفاظ على وحدة القطر السوري ووحدة الأمة العربية والاسلامية.

    وفي هذا السياق أكد جلالته في كلمة له خلال استقبال المشاركين في المؤتمر السادس عشر لمؤسسة آل البيت “ان الغلبة ليست جوهر الديمقراطية، بل إحساس الجميع بأنهم ممثلون، وهذا هو جوهر الاجماع السياسي في الاسلام”، داعيا الجميع وفي هذه المرحلة الخطيرة التي تمر بها الأمة الى “التفكير في الديمقراطية كغاية بحد ذاتها، وليس مجرد أرقام ونسب تستخدمها الأكثرية السياسية ضد الأقلية”.

    جلالة الملك وهو يدعو الى وقف العنف الطائفي والمذهبي لأن فيه خراب الأمة، قرر التحذير من خطورة استغلال الدين لأغراض سياسية، وبث الفرقة الطائفية البغيضة، والتي من شأنها تقسيم الأمة الى شيع وأحزاب متصارعة متناحرة، كما هو الحال اليوم في سوريا، ما يهدد وحدة القطر الشقيق: أرضاً وشعباً، واقامة دويلات طائفية متناحرة متنازعة، تصل نيرانها الى دول الجوار، وما يحدث في العراق ولبنان ومصر وليبيا دليل واضح على وصول تداعيات الفتنة الطائفية الى الدول الشقيقة، بعد ان وجدت القوى المعادية في هذه المستجدات الفرصة المناسبة للعودة الى المنطقة، فقامت بصب الزيت على النار، لتعم الفوضى الوطن العربي كله من أقصاه الى أقصاه.
    إن علماء الأمة وهم يتجمعون اليوم في عمان، مدعوون الى وضع اليد على الجرح ووصف الدواء الكفيل بإطفاء نيران هذه الفتنة البغيضة التي تهدد كافة الاقطار الشقيقة، وذلك بالتشديد على نبذ خطاب العنف الطائفي، وخطاب الفرقة المذهبية، والتصدي للفكر الزائف وللجماعات المتطرفة التي خطفت الإسلام الحنيف، وأساءت له.. بعد أن استباحت دماء المسلمين الأبرياء ناسين ومتناسين أن “دم المسلم على المسلم حرام”، وان هدم الكعبة حجراً حجراً أهون عند الله من قتل مسلم بريء.

    لقد تصدى الأردن مبكراً لخطاب الجهلة التكفيريين، من خلال رسالة عمان ومحاورها الرئيسة الثلاثة التي ركزت على تعريف من هو المسلم، والتصدي للتكفير، وتحديد من هو أهل للإفتاء، التي ساهمت بالتقريب بين أتباع المذاهب، وتعزيز الاحترام بينهم، كسبيل وحيد لدرء هذه المصيبة التي تهدد الأمة كلها، وتوشك أن تدفعها إلى المجهول.

    مجمل القول: وضع جلالة الملك عبدالله الثاني النقاط على الحروف وهو يخاطب علماء الأمة، في ظل المنعطف الخطير الذي تمر به ويهدد وجودها ومستقبلها بالكامل، بعد أن أطلت الفتنة الطائفية البغيضة برأسها فأشعلت حرباً قذرة في سوريا والعراق، ولبنان، وها هي نيرانها تعبر الحدود الى ليبيا، واليمن ومصر، والى الباكستان وافغانستان ما يفرض على علماء الأمة - وكما دعا جلالة الملك التصدي لهذه الفتنة وإطفاء نيرانها الملتهبة من خلال نبذ خطاب العنف والتصدي للتكفيريين الجهلة الذين خطفوا الاسلام الحنيف وأساءوا لهذا الدين العظيم، دين الوسطية والاعتدال والكلمة الطيبة والجدال بالحسنى، فاستباحوا دماء المسلمين الابرياء كما فعل التتار والبرابرة، عبر التاريخ، ولدعاة الفتنة الطائفية الذين يحطبون في حبال أعداء الأمة.
    “وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون”.
    صدق الله العظيم
    شعبهم وشعبنا.. وجماعتهم وجماعتنا
    اليوم السابع / أكرم القصاص

    مشكلة أى حاكم سابق أو قادم مع الشعب، وأى سلطة تأتى اليوم أو فى المستقبل، قضيتها الرئيسية مع الشعب، الذى يحدد قبوله ورفضه مدى النجاح والفشل. وعندما يهدأ الغبار، سوف يقف الجميع معا، ليتحاسبوا. ويعيد كل طرف النظر فى أفعاله، ومواقفه بمعيار الصواب والخطأ. وإذا كان من الصعب تقديم تصور مؤكد للمستقبل القريب أو الأبعد لمصر، فى ظل الحالة الحالية والتصادم والاستقطاب فإن اللحظات الحاسمة سوف تأتى فى حال استقرت الأوضاع قليلا.. جماعة الإخوان تعلن أنها تتعرض لهجمات وتواجه تحديا لوجودها، وهو أمر قد يترجم داخل كثيرين ممن يؤمنون بالجماعة من دون تفكير مزيدا من التحدى وانتظارا للانتصار على كل ما هو قائم. ويترجم لدى بعض خصوم الجماعة بضرورة الانتصار عليها. لكن الواقع أن الأغلبية لا تتصور نهاية تخلو من هذا الطرف أو ذاك.

    قطاعات ليست قليلة من شباب الإخوان لا يمكن القول إنهم يتحركون بالمال. وإنما فى معركة وجود. بينما القيادات العليا فى الجماعة والأقاليم والصف الأول والثانى يدافعون عن مصالح الجماعة والتنظيم والمصالح الخاصة وما حصلوه من وجودهم فى السلطة. حول هؤلاء جماعات كانت تربح من الإخوان أو تصدق ما يقال لها عن إن القضية حرب على الإسلام. وتظن أن وجودها مهدد بما يهدد الإخوان.

    كل هذه الجموع منقسمة بين تابعين لا يعلمون ما يجرى وينفذون الأوامر بلا مناقشة كطبيعة التنظيمات السرية التى تنفذ تعليمات التنظيم الخاص، حيث خمسة أو عشرة يحركون آلافا، وعشرات يفكرون بعيدا عن التوجيه الأيديولوجى، وربما بعد أن تهدأ الأمور يعيدون التفكير فى كل ما حدث، بعيدا عن الشحن والشماتة. فمن بين من سقطوا من الإخوان من يرتبط بعلاقات مع من هم ضد التنظيم، ومن بين شهداء رفح من تربطه علاقة ما مع إخوان أو أى من التنظيمات، ربما يضحى الأيديولوجى بهذه العلاقة تماما، لكن المواطن العادى من بينهم سوف يعيد التفكير فيما جرى.

    قيادات الإخوان يتعاملون مع القضية متجاهلين الشعب من المعادلة، وأغلب مساعيهم ورهاناتهم على الخارج فى أمريكا وأوروبا، وهم يعتقدون أن الأوراق كلها فى الخارج، متجاهلين أن ملايين الشعب خرجت ضدهم وضد الفشل والتسلط والغرور. وهى قضايا لا يحسمها الخارج، فالقضية الرئيسية للإخوان مع الداخل ومع الشعب، وبالطبع لو كان للإخوان ظهير شعبى حقيقى غير التنظيم لما جرؤ أحد على التحرك ضدهم، وهنا القضية الأساسية، أن مشكلة الإخوان مع المصريين، مثلما كانت قضية مبارك.

    ومهما كان تأثير العوامل الخارجية فإن الإخوان كانوا يحكمون الشعب، وهو الذى عارضهم ورفضهم وكشف خداعهم طوال عامين ونصف منهم عام تحت رئاسة الدكتور مرسى. ومن الطبيعى أن يعيد هؤلاء جميعا النظر ويعترفوا أن مشكلتهم مع الشعب ومن سوف يعود منهم سوف يجد نفسه مضطرا للتعامل مع المجتمع بتنوعاته، هذا لو لم يفكر فى العزلة والهجرة داخليا أو خارجيا. لكن من سوف يقرر البقاء سيكون مضطرا لمراجعة كل ما جرى. ويسأل نفسه عن المكان الذى يقف فيه. وكل ما جرى بعيدا عن قيادات تدافع عن وجودها بصرف النظر عن الضحايا.

    تحية جديدة للموقف السعودى
    اليوم السابع / سعيد الشحات

    فى الوقت الذى لم يذرف فيه رئيس الوزراء التركى أردوغان دموعه على استشهاد 25 جندياً تم قتلهم ببرود على يد الإرهاب فى سيناء، كانت السعودية تواصل تلقين المجتمع الدولى درسا بليغا فى نفاقه وانحيازه الأعمى لمساندة الإرهاب فى مصر.

    تحدث وزير الخارجية السعودى الأمير سعود الفيصل أمس الأول عن جرائم وحرق مصر وقتل شعبها الآمن، وتحويل الأزمة إلى حرب شوارع، وقال إن تزامن هذا النشاط الغوغائى مع العمل الإرهابى فى سيناء يؤكد أن المنبع واحد.

    تحدث الفيصل عن نفاق المجتمع الدولى الذى يشجع على التمادى فى هذه الممارسات، وأن انتفاضة ثلاثين مليون مصر لا يمكن بأى حال من الأحوال أن توصف بالانقلاب العسكرى، إذ إن الانقلابات العسكرية تتم تحت جنح الظلام، ورفض التهديد بقطع المساعدات الدولية عن مصر قائلاً: «الأمة العربية غنية بإمكانياتها وأبنائها ولن تتأخر عن تقديم يد العون لمصر، فمصيرنا واحد وهدفنا واحد»، واختتم الفيصل كلامه إلى الدول التى تتخذ موقفا عدائيا من مصر بقوله: «كما تنعمون بالهدوء والاستقرار فلا تستكثرون علينا ذلك».

    الذين لن يعجبهم هذا الكلام سيستدعون ردودا من قبيل أنه تأييد لنظام استبدادى وقمعى فى مصر، لكن أن تتحرك السعودية فى هذا التوقيت، فهذا يعنى وقوفها عند أن المخطط الدولى الذى يتم تجهيزه لمصر والمنطقة برعاية أمريكية هو أكبر وأعمق من الوقوف عند ما نراه على السطح، أكبر من عملية فض اعتصام رابعة والنهضة وما ترتب عليهما من نتائج، هو مخطط تجن أمريكا من إجهاضه بفضل إرادة الشعب المصرى.

    حين ترى أمريكا وبريطانيا وألمانيا يهددون مصر بقطع المساعدات فلابد أن تتوقف متسائلاً، هلى يفعل هؤلاء ذلك حقا من أجل حقوق الإنسان والديمقراطية، أم أن الجراب فيه من الكثير من ألاعيب الحاوى؟

    يستدعى الغرب الحديث عن حقوق الإنسان والديمقراطية وقت أن يفيد هذا الحديث مخططاته الجهنمية، وينصرف عنها طالما تمضى مخططاته، وهناك مئات الدلائل على ذلك، ومن هنا فإنه لن ينطلى على الشعب المصرى والعربى هذا النفاق الرخيص، ودموع التماسيح التى يذرفها أردوغان وأمثاله، والمفارقة هنا تأتى من أن السعودية التى يعتبرها البعض بلد لا يؤمن بالثورات تعلن صراحة أن ما حدث فى 30 يونيو هو ثورة، فى حين أن الغرب الذى يتشدق بإرادة الشعوب لا يحترم إرادة الشعب المصرى التى عبر عنها ملايين المصريين ضد حكم مرسى وأهله وعشيرته.

    ترجم الغرب نفاقه مثلاً بصمته الآن نحو حرق الكنائس على يد إرهابيين، بعد أن كان يقيم الدنيا كلما وقعت حادثة طائفية فى مصر تستهدف المسيحيين، والمفارقة هنا تأتى فى أن السعودية هى التى تتحدث عن هذه القضية فى سياق عمليات التخريب والترويع التى شهدتها مصر فى الأيام الماضية.

    الموقف السعودى سيظلمه هؤلاء الذين سيضعونه فى خانة أنه موقف مساند لنظام يحكم مصر الآن، فقد قلنا من قبل أن السعودية فعلت ذلك مع نظام عبدالناصر بعد نكسة يونيو 1967، بالرغم من عدم راحتها لتوجه عبدالناصر الثورى، وفعلت ذلك فى حرب أكتوبر عام 1973، هى إذن تقف عند المحطات التى تتعرض فيها مصر لخطر التفكك، لأن تفككها يعنى تفكك دول المنطقة.

    الملفات المرفقة الملفات المرفقة

المواضيع المتشابهه

  1. اقلام واراء عربي 462
    بواسطة Haneen في المنتدى أقلام وآراء عربي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2013-07-30, 10:17 AM
  2. اقلام واراء عربي 409
    بواسطة Haneen في المنتدى أقلام وآراء عربي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2013-05-28, 10:25 AM
  3. اقلام واراء عربي 391
    بواسطة Haneen في المنتدى أقلام وآراء عربي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2013-05-07, 11:41 AM
  4. اقلام واراء عربي 390
    بواسطة Haneen في المنتدى أقلام وآراء عربي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2013-05-07, 11:40 AM
  5. اقلام واراء عربي 388
    بواسطة Haneen في المنتدى أقلام وآراء عربي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2013-05-07, 11:38 AM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •