النتائج 1 إلى 1 من 1

الموضوع: اقلام واراء محلي 06/05/2014

مشاهدة المواضيع

  1. #1

    اقلام واراء محلي 06/05/2014

    في هذا الملـــــف:

    خطوات ايجابية على طريق المصالحة
    بقلم: حديث القدس – القدس
    فلسطين: التحذير من القائم
    بقلم: هاشم عبد العزيز – القدس
    الوحدة الوطنية الفلسطينية خيار استراتيجي
    بقلم: يزيد صايغ – القدس
    "فلسطين تجمعنا والعودة موعدنا"
    بقلم: هاني المصري – الايام
    "فتح" و"حماس" على طريق الشراكة الملغومة !
    بقلم: رجب ابو سرية – الايام
    تغريدة الصباح - وداعاً، والى اللقاء
    بقلم: احمد دحبور – الحياة
    سوق حر أم سوق مر؟
    بقلم: د. صبري صيدم – الحياة
    "تدفيع الثمن" منتج إسرائيلي طبيعي
    بقلم: عمر حلمي الغول – الحياة
    الإعلام و"الربيع العربي"؟
    بقلم: د . بسام عويضة – معا



    خطوات ايجابية على طريق المصالحة
    بقلم: حديث القدس – القدس
    لا يخفى على أحد ان غالبية شعبنا الفلسطيني تدرك المصاعب التي تواجه تنفيذ اتفاق المصالحة، ويذهب البعض الى التشكيك في امكانية تحقيقها اساسا، رغم انها مطلب جماعي لكل ابناء شعبنا على اختلاف توجهاتهم او انتماءاتهم السياسية، لان فيها تعزيزا للصمود وقوة متزايدة في وجه تحديات الاحتلال بكل ممارساته المعروفة.
    لكن التصريحات والممارسات من كلا الجانبين، "فتح وحماس" تشير الى تطورات ايجابية وتمسك بتحقيق هذه المصالحة وتجاوز كل العقبات والقضايا الخلافية، ومن ذلك اللقاء الهام الذي تم بالامس بين الرئيس ابو مازن ورئيس حركة حماس خالد مشعل في الدوحة، واكد فيه المسؤولان اصرارهما على تحقيق المصالحة واتفاقهما على عدد من القضايا المتعلقة بعملية التنفيذ خاصة ما يتعلق اولا بقضية تشكيل حكومة التوافق الوطني من شخصيات مستقلة.
    ومن هذه التطورات الزيارة المرتقبة للقيادي الفتحاوي عزام الاحمد الى غزة لاستكمال عملية البحث في التفاصيل، وربما كان الاهم من كل ذلك هو الاتفاق على انضمام مئات من قوى الامن الوطني الفلسطيني الى قوى الامن في غزة.
    يشار كذلك الى اتفاق على مهام الحكومة المرتقبة ودور منظمة التحرير في التفاوض، وعدم تداخل اختصاصات كل منهما في مهام الأخرى. فحكومة التوافق تعنى بالشؤون الداخلية وقضايا المصالحة اساسا ومنظمة التحرير تتولى الدور السياسي في ما يتعلق بالمفاوضات والعلاقات مع اسرائيل.
    ان امنية تحقيق المصالحة هدف قوي في اعماق كل فلسطيني وهذه الخطوات كلها تساعد على تعزيز الامل في اتمام هذه المحاولة على خلاف الاتفاقات والمحاولات السابقة التي لم تنجح لاسباب متعددة ... وشعبنا يتطلع الى المزيد من هذه الخطوات حتى نرى المصالحة او الشراكة واقعا ميدانيا ... يقف في وجه التحديات.
    كراهية للسياسة وليس لاميركا
    في استطلاع للرأي، كما ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال الاميركية المشهورة، جاءت فلسطين في المرتبة الاولى بين شعوب العالم التي تكره اميركا، كما جاء في المراتب الاولى عدة دول عربية، اي ان الكراهية لاميركا واسعة في العالم العربي. هنا لا بد من التأكيد ان هذه الكراهية ليست لأميركا كدولة او للاميركيين كشعب وانما للسياسة الاميركية المتعلقة بهذه الدول، وهذا شيء منطقي وواضح واسبابه معروفة.
    ان شعبنا الفلسطيني يلمس بكل وضوح مدى انحياز السياسة الاميركية لاسرائيل وتجاهلها المدمر للحقوق الوطنية الفلسطينية، وان الوساطة الاميركية لتحقيق حل الدولتين تتجاهل تماما المطالب الفلسطينية وتتماشى مع الاطماع التوسعية الاسرائيلية.
    وان كانت شعبية اميركا دوليا قد تحسنت قليلا، فأن عليها ان تعيد النظر تجاه سياساتها في العالم العربي عموما، وفي ما يتعلق بالقضية الفلسطينية تحديدا.

    فلسطين: التحذير من القائم
    بقلم: هاشم عبد العزيز – القدس
    انتهت أيام المفاوضات، هذا ما بدا الأربعاء الماضي 29 نيسان حاضراً في اختزال للمفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية بمدتها التي حددها وزير الخارجية الأمريكي جون كيري بتسعة أشهر للوصول إلى اتفاق على تمديدها لتعود الأمور إلى أسوأ مما كانت عليه قبل عودتها . لسنا بصدد إعادة قراءة ما جرى لأن غياب الأساس لا يتيح التقييم، لكن المناسبة تسمح بالإشارة إلى التالي:
    قاطرة الاستيطان خلال أشهر هذه المفاوضات كانت في أقصى سرعتها، ومجرد الاستدلال، فقد بلغ عدد وحدات المشروعات الاستيطانية المنفذة وتلك التي هي قيد التنفيذ في الضفة الغربية 14 ألف وحدة سكنية بواقع 50 وحدة سكنية في اليوم الواحد، وأن السياسة الاسرائيلية تمضي باندفاع محموم ل"تكريس الفصل"، حسب كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات، في إمعان للنيل والتنكيل بالفلسطينيين، في حقوقهم وحياتهم ومصيرهم .
    أن نتوقف ولو قليلاً أمام ما نسب إلى وزير الخارجية الأمريكي قوله عشية انتهاء مدة المفاوضات من أن توقفها وعدم التوصل إلى حل سيؤدي إلى تحول إسرائيل إلى "دولة عنصرية" يعيش فيها أناس "من درجة ثانية" .
    إعلان كيري هذا تحذير باتجاهين: الأول أن مصير الفلسطينيين سيكون بيد إسرائيل لا بحقهم المشروع وبإرادتهم، وما يفترض من مسؤولية المجتمع الدولي والإنساني بأسره، والثاني مع أن إعلان كيري جديد ولافت من مسؤول أمريكي عن مستقبل الحديقة الديمقراطية كما يصفونها في الغرب، لكنه في الواقع يهول ما هو قادم ويتجاهل ما هو قائم .
    إسرائيل لا تحتاج إلى اتهام بالعنصرية وغيرها من الانتهاكات ضد الإنسانية، لأن سجلها بدأ بسلب الأراضي الفلسطينية من أبنائها تشريداً وتهجيراً، وفي هذا الشأن لم يكن المجتمع الدولي اعتبر الصهيونية شكلاً من أشكال العنصرية إلا على هذه الحقيقة بأوجه قسوتها، ولا تغير من هذه الحقيقة الحملة الأمريكية التي قادت إلى إلغاء قرار الأمم المتحدة في هذا الشأن في حملة من الضغوط التي شاركت دول غربية ضالعة في وجود ودعم وحماية اسرائيل .
    في الحاضر، هل سلب أراضي الفلسطينيين ومنحها لمستوطنين إنساني؟ وما طبيعة المعاملة الاسرائيلية للفلسطينيين الرازحين تحت الاحتلال في سكنهم وعملهم ودراستهم وحياتهم وعلاج أمراضهم؟ إن ما هو قائم بات يقوم على أن الفلسطينيين لا يعانون ظلم سلطة الاحتلال فقط، بل وتوسعية كانت وراء إقامة جدار الفصل في تجسيد لهذه النزعة غير الإنسانية .
    مؤكد أن الساسة الغربيين في شأن إسرائيل لا يرون هذه الصورة لكن دعونا نرى ما يعبّر به بعض الإسرائيليين الآن عن وطأة هذا الوضع ، إن لم يكن في معاناتهم ففي مسؤولياتهم تجاه ما يكرس من انتهاكات بحق الفلسطينيين .
    مؤخراً بدأت في إسرائيل دعوات من أوساط اليسار لمقاطعة إسرائيل، إذ يرى هؤلاء أن اليمين يقود بثبات ومثابرة نحو نظام ال"أبارتهايد""، وأن من شأن المقاطعة سيقتنع الجمهور الإسرائيلي "بالتخلي عن الاحتلال والصعود إلى طريق السلام" .
    وحسب الكاتب الإسرائيلي أوري أفنيري: "يقول مؤيدو المقاطعة وعن حق إن كل مواطني إسرائيل اليهود شركاء بشكل مباشر أو غير مباشر في الاحتلال والقمع وهذا يضمنا نحن -يقصد حركة السلام- أيضاً المقاتلين ضد الاحتلال فضرائبنا تمول المستوطنات، شبابنا يملأ صفوف جيش الاحتلال، كلنا نشارك في الانتخابات وحتى عندما نصوت للأحزاب التي تعارض الاحتلال فإن الانتخابات تمنح الشرعية لحكومة الاحتلال، كلنا نتمتع بهذا الشكل أو ذاك بثمار الاحتلال" .
    والمشهد الذي يقدمه أفنيري عن حقيقة "أن السوق الفلسطينية الأسيرة تضطر إلى أن تشتري منتجات صناعتنا، ومن حقيقة أن الفلسطينيين لا يمكنهم أن يصدروا البضائع التي تنافس تصديرنا" ناطقة بالوضع والنهج التمييزي الذي يكرسه الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني .
    السؤال الآن: ما هي مسؤولية الولايات المتحدة تجاه النهج الاسرائيلي أكان قائماً أو قادماً؟
    مبعث السؤال هكذا أن الولايات المتحدة لم تكرس سياستها في هذه المنطقة على دعم وحماية إسرائيل وحسب، بل هي إلى ذلك استفردت منذ مؤتمر مدريد للسلام بشأن وشؤون هذه المنطقة تحت مظلة التسوية لأزمتها، ولكن وفق الأمر الواقع القائم على الاحتلال .
    أليس هذا النهج هو الذي قاد إلى ما صار قائماً من تجاهل إسرائيلي لحقوق الشعب الفلسطيني؟ وكيف يستقيم الضغط الأمريكي على الفلسطينيين للتنازل عن حقوقهم المشروعة والتجاوب مع مطالب وشروط الاحتلال ؟ وهذا ما تجسده الآن رؤية كيري للتسوية القائمة على سلسلة ألغام مقوضة للحق والعدل والسلام .

    الوحدة الوطنية الفلسطينية خيار استراتيجي
    بقلم: يزيد صايغ – القدس
    في الثالث والعشرين من نيسان ، أعلن ممثّلون عن «فتح» و «حماس»، عن محاولة جديدة لإنهاء الانقسام. وبموجب بنود اتفاق المصالحة الذي وقّعتاه في غزة، سيتم تشكيل حكومة وحدة وطنية في غضون خمسة أسابيع، على أن تليها انتخابات رئاسية وبرلمانية في غضون ستة أشهر. وستتم إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية واعتماد تدابير تؤدّي إلى تفعيل المصالحة المجتمعية واستعادة الحريات العامة.
    بيد أن سجلّ المحاولات السابقة في بناء وحدة وطنية لا يبدو مشجّعاً، إذ لم تشارك فتح و «حماس» قطّ في إطار مؤسّسي مشترك: لم تنضمّ «حماس» حتى الآن إلى منظمة التحرير الفلسطينية التي هيمنت عليها فتح منذ عام 1969، ورفضت فتح الانضمام إلى حكومة الوحدة الوطنية التي عرضت «حماس» تشكيلها بعد أن فازت في الانتخابات العامة الفلسطينية في كانون الثاني 2006.
    ولم يُنفَّذ اتفاقا المصالحة اللذان وقعتهما فتح و «حماس» في القاهرة في نيسان 2011 وفي الدوحة في شباط 2012، لأن أياً من الحركتين لم تلتزم بهما، حيث عانتا من غياب الإجماع الداخلي على المضي قُدُماً في تنفيذهما. ولعلّ هذا ما يفسّر ترحيب معظم الفلسطينيين المشوب بالشك باتفاق نيسان 2014.
    بيد أنه إذا ما تجلّدت فتح و «حماس» بالمثابرة، فإن لديهما فرصة للخروج من الطريق المسدود الذي علق به الفلسطينيون لسنوات. فمن شأن جعل الوحدة الوطنية أولوية كبرى وحقيقية أن يساعدهما على استعادة جزء كبير من شرعيتهما المحلية، وإنهاء الانقسام..
    المهمة التي تنتظر الفلسطينيين شاقّة. ستكون التكاليف عالية ومباشرة والمكافآت غير مؤكّدة ومتأخرة. ومع أن العقبات تبدو كبيرة جداً، فإنها ليست عصيّة على الحل. ولعلّ أولها وأكثرها تحدّياً هو العقبات الداخلية. فمن الواضح تماماً أن الاعتبارات القصيرة الأجل كانت دافع الموقّعين على اتفاق 23 نيسان، ومن المحتمل أن يتخلّوا عنه حالما تتغيّر ظروفهم. وسيتعيّن على فتح و «حماس» أن تعملا بجدّ للبقاء على مسارهما الجديد، ويجب أن تكونا على استعداد لتقديم تنازلات كبيرة في شأن المصالح الأساسية والأجندات الأيديولوجية إذا ما أرادتا تحقيق الأهداف الوطنية.
    يبدو التفكير التكتيكي لدى كلا الجانبين واضحاً. فـ «حماس» وحكومتها في غزة محاصرتان على جميع الجبهات. وقد أغلقت السلطات المدعومة من الجيش في مصر الحدود (والأنفاق من تحتها) تقريباً أمام حركة التجارة والمرور، ما أدّى إلى قطع المصدر الرئيسي للإيرادات العامة والدخل (والسلاح) الذي كانت تعتمد عليه «حماس» للتعويض عن فقدان الدعم الإيراني وتقلّب المساعدة القطرية للموازنة والتنمية المدنية في غزة. وتواجه «حماس» أيضاً تحدّياً متزايداً من الجماعات الجهادية في غزة، غير أنها تخشى من تمرّد علني حتى في داخل صفوفها، إن هي مضت بعيداً في المصالحة مع حركة فتح أو تبنّت المفاوضات مع إسرائيل بصورة رسمية.
    يجب على حماس أن تفكّر بما هو أبعد من المدى القصير. فهي لم تنجح في تخطّي الصعوبات في غزة، إلا عبر إدارة الأزمات بصورة مستمرة، وذلك باستخدام التهديد بالهجمات الصاروخية لتثبيت الشروط العسكرية والاقتصادية لتعايش ضمني مع إسرائيل، والاعتماد على تفاهم هشّ مع السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية بهدف الحفاظ على تدفّق التحويلات المالية من الجهات الأجنبية المانحة. هذه الترتيبات معرّضة لانهيارات دورية، وتسمح لـ «حماس» وحكومتها بمجرّد الاستمرار. فقد ظنّت «حماس» أن الربيع العربي أنهى مأزقها الاستراتيجي بصورة حاسمة عبر إيصال الأحزاب الإسلامية الزميلة إلى السلطة في الكثير من البلدان، خصوصاً مصر، غير أنها ما لبثت أن تلقّت صدمة قوية.
    سترتكب «حماس» خطأً جسيماً آخر إن كانت تعتبر الآن أن اتفاق الوحدة الوطنية الذي وقعته في 23 نيسان مجرّد أداة إنقاذ مؤقّتة إلى أن تغيّر بعض التطورات غير المتوقَّعة ظروفها الاستراتيجية مرة أخرى، فتسمح لها بالتصريح باستمرار صلاحية مقولة «المقاومة - عدم الاعتراف». غير أن هذه شعارات وليست استراتيجية.
    غير أنه لا ينبغي للسلطة الوطنية أن تستخدم المصالحة مع «حماس» فقط كمناورة تكتيكية لمواجهة الضغوط الأميركية لتوقيع اتفاقية إطار جديد مع إسرائيل تقلّص ما هو معروض على الفلسطينيين إلى الحدّ الأدنى منذ البداية الرسمية لمفاوضات «الوضع النهائي» في عام 1999. وبالمثل، يجب أن يكون قرارها بتقديم طلب فلسطيني للانضمام إلى خمس عشرة معاهدة واتفاقية دولية، وهو الطلب الذي وافق عليه الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في 10 نيسان، أكثر من مناورة تكتيكية أخرى إذا أريد له أن يتسم بالصدقية ويكون فعالاً.
    فقد اعتادت الولايات المتحدة وإسرائيل على اعتبار الرئيس عباس أنه ما من خيار لديه سوى القبول بالشروط.
    تهدد الديناميكيات الداخلية على جانبي الانقسام الفلسطيني بجعل الأجندة الوطنية رهينة لتقلّبات السياسة العربية الإقليمية الأوسع في لحظة حرجة. غير أن هناك الكثير من الأمور معرّضة للخطر بالنسبة لفتح أو «حماس» إذا سمحتا لاتفاق الوحدة الوطنية بالفشل. ويجب أن يتحوّل ما بدأتاه لأسباب تكتيكية ومصلحة ذاتية إلى خيار استراتيجي لا يتزعزع. وهذا أمر ضروري إذا أرادت الحركتان والحكومتان المتحالفتان معهما مواجهة العقوبات المالية التي طبقتها إسرائيل، والتي أوقفت بالفعل تحويل مبلغ 100 مليون دولار شهرياً من عائدات الجمارك والضرائب الأخرى المستحقة للسلطة الفلسطينية، والعقوبات التي يهدّد بفرضها حلفاء إسرائيل في الكونغرس الأميركي.
    وتكشف حقيقة أن الاتحاد الأوروبي المنصاع عادة خالف الولايات المتحدة للترحيب باتفاق الوحدة الوطنية الفلسطينية عن المكافآت المحتملة التي يمكن أن يجلبها تبنّي اتجاه جديد في السياسة الفلسطينية. فإضافة إلى تشديده على أنه لم يعد ممكناً اعتبار الولايات المتحدة وسيطاً نزيهاً، يمهّد الاتحاد الأوروبي الطريق لاستئناف تقديم المساعدات المباشرة إلى غزة، على رغم مشاركة «حماس» في حكومة الوحدة التي سيتم تشكيلها. أما الدول العربية التي فقدت الثقة في السياسة الفلسطينية بعد أن رعت محاولات فاشلة عدة للمصالحة – بدءاً من اتفاق مكة في آذار 2007 – فربما أصبحت على قناعة الآن أيضاً بأن زيادة مساعداتها للسلطة الفلسطينية الموحدة وتقديم دعم قوي للديبلوماسية الفلسطينية في الأمم المتحدة، أمر مبرّر.
    ولكي يحقّق أي من هذه السيناريوات النجاح، يجب أن تجعل حركتا فتح و «حماس» الوحدة الوطنية واقعاً ملموساً بكل وسيلة ممكنة. أولاً، يجب أن تكونا على استعداد لتقديم تنازلات متبادلة ذات مغزى في شأن المناصب الوزارية لتشكيل حكومة موثوقة سياسياً ومهنياً.
    أخيراً، يجب على فتح و «حماس» تشكيل «كتلة تاريخية» يمكنها التفاوض على تحقيق سلام ملزم ودائم مع إسرائيل. وما من شكّ في أن هذا هو الأمر الأصعب بالنسبة إلى «حماس» التي لا تزال تختبئ وراء ورقة عدم الاعتراف بإسرائيل .
    غير أنه يتعيّن على حركة فتح أيضاً أن تثبت استعدادها للمخاطرة بامتيازاتها المكتسبة لتمكين الديبلوماسية الفلسطينية وتحقيق حل الدولتين القابل للعيش، لا سيما من خلال الالتزام بالقيام بمقاومة غير عنيفة ومتواصلة لمواجهة حملة التوسّع الاستيطاني والسيطرة الإسرائيلية في الضفة الغربية والقدس الشرقية.
    هذا يشكّل فرصة لأي فصيل سياسي يريد تحقيق الأهداف الوطنية ليأخذ مكانه كقوة رائدة في المصير السياسي الفلسطيني، في المستقبل. والواقع أن إنجاز الوحدة، مهما كلّف الأمر، هو السبيل الوحيد لذلك.
    "فلسطين تجمعنا والعودة موعدنا"
    بقلم: هاني المصري – الايام
    تحت هذا الشعار عقد المؤتمر الثاني عشر لفلسطينيي أوروبا في قاعات "أوروسايت" في العاصمة الفرنسية باريس، بحضور آلاف الفلسطينيين من مختلف البلدان الأوروبية التي يبعد بعضها عن باريس آلاف الكيلومترات. معظمهم أتوا في الحافلات، وهذا يعني أنهم سيقضون ساعات طويلة في رحلة الإياب والعودة.
    وتتضح الصورة عندما تلاحظ أن قسمًا كبيرًا منهم أتوا مع عائلاتهم، وأنهم سيقضون ليلة على الأقل في العاصمة الفرنسية، وأنهم جميعًا يتحملون تكاليف الرحلة التي باتت تقليدا سنويًا، وبعضهم من المقتدرين لا يكتفي بذلك، وإنما يتبرع للمساهمة في تغطية تكاليف المؤتمر التي تشمل التحضيرات والوجبات وأجرة القاعات وتكاليف سفر وإقامة الضيوف، حيث كان ضيف الشرف لهذا العام طاهر المصري، رئيس الحكومة والبرلمان والأعيان الأردني السابق، وكان من الضيوف السفير الفلسطيني في فرنسا هايل الفاهوم، والمطران رياح أبو العسل، ومحرزية العبيدي نائبة رئيس المجلس التأسيسي التونسي، وجمال ريان المذيع في قناة الجزيرة، وأنا.
    يحضرني في هذه المناسبة ما قاله جان بول سارتر، المفكر الفرنسي الشهير، ومنظر الفلسفة الوجودية أثناء زيارته إلى قطاع غزة برفقة صديقته سيمون دي بوفوار قبل العدوان الإسرائيلي على الدول العربية في العام 1967، حيث شاهد طفلاً عمره أقل من خمسة عشر عامًا، أي ولد بعد نكبة 1948، وسأله فجأة من دون أن يكون هذا على برنامج الزيارة: من أين أنت؟ فأجابه الطفل: من قرية قرب يافا، فقال له: ما اسمها، وأين تقع؟ فأخبره بالتفصيل عن موقعها وكيف تصل إليها بالرغم من أنه لم يزرها من قبل، فقال سارتر: إن شعبًا يربي أطفالاً بهذه الطريقة لا يمكن إلا أن ينتصر.
    إذا تخيلنا أن سارتر عاد إلى الحياة وشاهد مؤتمرات حق العودة بعد أكثر من ستة وستين عامًا على النكبة، الذي يشارك فيه كل عام آلاف الفلسطينيين من حاملي الجنسيات الأوروبية، وقسم غير قليل منهم حملة شهادات ويعيش عيشة مرتاحة، والكثير منهم لم يولد في فلسطين ولم يزرها ولو لمرة واحدة؛ سيدرك أن ما قاله في زيارته المذكورة صحيح مائة بالمائة.
    لا تزال القضية الفلسطينية حية بالرغم من مرور كل هذه السنين، ورغم ما عاناه الشعب الفلسطيني من تشريد ومجازر ومعاناة داخل وطنه وخارجه من الأعداء ومن الأشقاء، ورغم الحروب والمجازر والموت، وفي ظل حالة الهبوط التي تعيشها القضية الفلسطينية بعد مرور أكثر من عشرين عامًا على توقيع اتفاق أوسلو، الذي ضرب بالصميم وحدة القضية والأرض والشعب وقسمها إلى قضايا، والحل إلى مراحل، واعترفت فيه القيادة الفلسطينية بحق إسرائيل في الوجود رغم عدم اعترافها بالدولة الفلسطينية، ونبذ العنف والإرهاب بأثر رجعي، رغم أن ما تقوم به الصهيونية وأدواتها ممثلة بالمشروع الاستعماري الاستيطاني وبإسرائيل الاحتلالية يمثل ذروة الإرهاب المستمر، الذي لم يتوقف لحظة واحدة رغم أكذوبة عملية السلام المستمرة منذ ذلك الحين وحتى الآن.
    إن انعقاد مؤتمر حق العودة كل عام في أحد البلدان الأوروبية أحد الدلائل الكبرى على أن القضية الفلسطينية رغم كل ما جرى وفي ظل المغامرات والاستخدامات الفلسطينية والعربية والاقليمية ووجود الانقسام الفلسطيني المدمر ما زالت حية، لأن الشعب الفلسطيني مصمم على إحيائها وعلى الكفاح لتجسيدها مهما طال الزمن وغلت التضحيات.
    ومن مظاهر بقاء القضية حية الصمود والتواجد الفلسطيني على أرض الوطن، حيث لا يزال يعيش نصف الشعب الفلسطيني (ستة ملايين) في وطنهم بالرغم من أن الاحتلال يعني الجحيم، لا سيما وأن العيش في بطن الحوت بالنسبة لشعبنا داخل أراضي 48 يعني أن يكون الإنسان الفلسطيني صاحب البلاد الأصلي مواطنًا من الدرجة الثانية، يعاني من الاضطهاد والتمييز العنصري، ومن مخططات التهجير الطوعي والقسري التي أصبحت البنود الرئيسة لأحزاب مركزية تشارك ولا تشارك في الحكومات الإسرائيلية.
    وكذلك كل أشكال المقاومة السلمية وغير السلمية، بما فيها صمود غزة في وجه الحصار وضد العدوان الإسرائيلي الذي وصل في أكثر من مرة إلى حد الحرب الشاملة، كما حصل في أواخر العام 2008 وأوائل العام 2009، وفي تشرين الثاني 2012.
    ومن مظاهر حياة القضية الفلسطينية حركة مقاطعة إسرائيل (bds)، هذه الحركة المتنامية التي يشارك فيها المتضامنون الأجانب والإسرائيليون، والتي باتت تقلق الحكومة الإسرائيلية، لدرجة أن بنيامين نتنياهو خصص أكثر من نصف خطابه أمام مؤتمر "الأيباك" السنوي لها، وذكر كلمة المقاطعة 18 مرة؛ ما يدل أنها باتت مقلقة، ويمكن أن تكون مفزعة إذا وضعت كل الطاقات الفلسطينية داخل فلسطين وخارجها لدعمها.
    ومن مظاهر حياة القضية الفلسطينية أيضًا أن 138 دولة صوتت لصالح قبول فلسطين كدولة مراقبة في الأمم المتحدة، وسط معارضة 9 دول وامتناع 41، وقبلها صدرت الفتوى القانونية لمحكمة لاهاي الدولية التي أعطت الفلسطينيين أكثر مما طلبوا، وتقرير غولدستون الذي أدان الجرائم الإسرائيلية ضد شعبنا في غزة، وقبله عشرات القرارات الدولية التي أدانت الاحتلال والاستيطان والجرائم المختلفة بحق الفلسطينيين، وهذا كله يؤكد أن القضية الفلسطينية عادلة ومتفوقة أخلاقيًا، وأن الرأي العام الدولي ينتصر لها ومتضامن معها، وأنها قابلة لتحقيق النصر إذا اتبع الشعب الفلسطيني وقواه الحية وقياداته الطريق القادر على أن يؤدي إلى الانتصار.
    في هذا السياق نضع أيضًا رفض القيادة الفلسطينية لاتفاق الإطار والتمديد للمفاوضات وفق الشروط الإسرائيلية كأحد أشكال الصمود الفلسطيني، بالرغم من كل الملاحظات الجوهرية على السياسة الرسمية الفلسطينية، التي تسير منذ وقت طويل تحت تأثير وهم أن السلام الذي يتضمن تحقيق الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية يمكن أن يتحقق من خلال: اعتماد المفاوضات المباشرة كطريق وحيد؛ وإبداء حسن النوايا؛ وتقديم التنازلات عن الحقوق؛ والتخلي عن المقاومة؛ وتنفيذ الالتزامات المتضمنة بالاتفاقات من جانب واحد.
    وهذا الطريق لم يؤد إلى شيء سوى إلى زيادة التعنت والتطرف الإسرائيلي، والقضاء على ما كان يطلق عليه معسكر سلام في إسرائيل، حيث لم يتبق منه في مرحلة أوسلو والسلام المزعوم سوى شظايا.
    ومن مظاهر حياة القضية الفلسطينية إحياء الهوية الوطنية والثقافة الوطنية من خلال جميع أشكال الفنون والثقافة والأدب، حيث لم تعد المساهمة الفلسطينية تقتصر على الشعر والرسم، وإنما وصلت إلى كل الميادين، وخصوصا السينما التي تعتبر كما قال لينين بحق: من بين جميع الفنون السينما هي الأهم لأنها تجمع كل الفنون.
    إن قضية اللاجئين أساس القضية الفلسطينية وجوهرها، ولا يمكن أن تحل القضية حلاً عادلاً أو متوازنًا من دون حلها، ومن الخطأ التعامل وكأنها مستحيلة التحقيق، أو أنها يمكن أن تتم المقايضة بها مقابل إقامة دولة فلسطينية والتنازل عن حقوق شعبنا في أراضي 48، فهذا الخيار سقط بعد اتضاح استحالة إقامة دولة فلسطينية من دون تغيير ميزان القوى تغييرًا جوهريًا بما يجبر إسرائيل على الانسحاب من الأراضي المحتلة العام 1967.
    كما من الخطأ تقزيمها على طريقة مبادرة السلام العربية التي تضمنت تنازلاً مجانيًا من خلال الحديث عن حل عادل ومتفق عليه، ما يضع الفيتو بيد إسرائيل.
    وكذلك إعادة إحياء معايير كلينتون التي استثنت خيار عودة اللاجئين إلى ديارهم التي هجروا منها أو وضعته تحت رحمة إسرائيل، من خلال اشتراط موافقة إسرائيل وضمن القانون الإسرائيلي "لم الشمل" الذي لا علاقة له بحق العودة على الإطلاق.
    وأيضًا من الخطأ الاكتفاء بالمطالبة بالاعتراف الإسرائيلي بالمسؤولية القانونية والتاريخية والسياسية مع أو من دون عودة عدد محدد يشمل 20 ألفاً أو 100 ألف أو حتى 150 ألفاً.
    إن من الخطأ الفصل بين الحق الفردي لكل لاجئ والحق الوطني، أو الحديث عن عدم إمكانية استيعاب إسرائيل لملايين اللاجئين جغرافيًا وديمغرافيًا.
    أي من الخطورة أن نقدم عروضًا تساعد إسرائيل على تبرير موقفها الرامي إلى تصفية قضية اللاجئين كليًا من دون أدنى استعداد لديها لتلبية الحد الأدنى من متطلبات حل قضية اللاجئين حلاً عادلاً أو متوازنًا أو حتى مقبولاً.

    "فتح" و"حماس" على طريق الشراكة الملغومة !
    بقلم: رجب ابو سرية – الايام
    ما كاد الحبر يجف عن إعلان الشاطئ، الذي أعاد فيه طرفا المعادلة السياسية الداخلية الفلسطينية التأكيد على الالتزام باتفاق القاهرة وإعلان الدوحة، الخاصين بالمصالحة وإنهاء الانقسام، وبمجرد ان غادر وفد حركة فتح قطاع غزة، حتى سارع قادة "حماس" إلى "توضيح" ما تفهمه الحركة، وعمليا ما تهدف إليه من الذهاب على طريق المصالحة مع "فتح". وبعد ان قال محمود الزهار، الذي ظهر مجددا على خشبة المسرح السياسي، بعد غياب طويل، أن المجموعات العسكرية لن تخضع للسلطة، وستظل تأتمر بأمر "حماس" حتى بعد الانتخابات، أكمل موسى أبو مرزوق جملة التصريحات بالقول بأن الحكومة القادمة لن تكون حكومة الرئيس، بل حكومة الإطار القيادي، وحكومة التوافق، ثم تواصلت تصريحات مسؤولي وقادة "حماس"، لتصل الى حدود الحديث عن الافتراق السياسي بين برنامجي الحركتين، من خلال التأكيد على أن "حماس" لن تعترف بإسرائيل، وان مجلسا رئاسيا سيقود المرحلة الانتقالية وليس الرئيس محمود عباس، وذلك كرد _ على ما يبدو _ على ما أعلنه الرئيس من ان الحكومة القادمة ستكون حكومته وستعترف باتفاقيات المنظمة، وستلتزم بسياسته وتوجيهاته، في محاولة منه لاحتواء المحاولة الإسرائيلية لإعاقة تشكيل تلك الحكومة.
    من الواضح أن تصريحات قادة "حماس" المختلفة والمتباينة، والتي جاءت بعد توقيع إعلان الشاطئ، تهدف لتحقيق العديد من الأهداف التي تبدو هي أيضا بدورها متباينة، بعضها موجه لكوادرهم وعناصرهم، بهدف تجنيدهم للقبول بمواصلة طريق المصالحة حتى إنهاء الانقسام، وبعضها موجه بشكل تكتيكي لفتح وذلك بفتح المزاد الحكومي مبكرا، بمناسبة الحديث عن بدء المحادثات للتشكيل الحكومي الجديد.
    فبعد ان اجتمع المجلس المركزي، وكذلك المجلس الثوري، وبعد ان قام الرئيس محمود عباس بإعادة "توضيب" أو ترتيب وتفعيل الأوراق الداخلية وحتى العربية، وكل ما يستطيع من أجل كبح جماح ردة الفعل الإسرائيلية، ومنعها من استثمار لحظة انتهاء الفترة التفاوضية، بشكل دراماتيكي، وبعد أن يلتقي كلا من أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد ورئيس "حماس" خالد مشعل في الدوحة، حيث من المحتمل أن يقف عند حدود رأيهما بخصوص تفاصيل الحكومة الانتقالية، ومستوى الدعم اللذين سيقدمانه لها، سيكون الرئيس أمام استحقاق إصدار المرسوم الرئاسي بخصوص تشكيل الحكومة، وبالطبع، فإنه من الطبيعي أن يتردد، لسبب بسيط، وهو انه لا يضمن استجابة "حماس" في غزة بالتحديد، والتزامها، ولا حتى إيفاءها بما وقعت عليه قبل نحو أسبوعين في بيت إسماعيل هنية بمخيم الشاطئ، حيث انه لا مشكلة بالطبع مع حكومة رامي الحمد الله التي وضعت استقالتها بين يدي الرئيس، ولا كانت هناك في يوم من الأيام أية مشكلة بين الرئيس وبين حكوماته المتتابعة في رام الله، التي كانت تلتزم بتوجيهاته وقيادته وحتى بسياساته العامة، ولكن المشكلة كانت وما زالت مع "حكومة" إسماعيل هنية في غزة، التي لم تعلن حتى اللحظة ولو بكلمة واحدة، استعدادها للاستقالة، أو لأن تحل نفسها، على الأقل، بالتزامن مع إعلان الرئيس تشكيل حكومة التوافق، وهنا بالذات توجد مشكلة، وهي كيف يمكن للرئيس أن يصدر مرسوما بتشكيل حكومة مسؤولة عن الضفة الغربية وقطاع غزة، ما لم تقدم أو تعلن "الحكومتان" استقالتهما له ؟ !
    ربما كان ابو مرزوق والزهار أرادا ان يطمئنا قادة وكوادر وعناصر القسام، بأنهما لم يسلما الراية للشراكة، حتى لا يقفوا كعقدة المنشار في طريق تنفيذ اتفاقات المصالحة، كما فعلوا في حزيران عام 2007، حين انقلبوا على اتفاق مكة بعد ثلاثة أشهر بالضبط، وهي المهلة التي كانوا قد منحوها لهنية حينها، وبأن سيطرتهم الفعلية ستظل على القطاع، وأن إدماج 3000 عنصر فتحاوي في أجهزتهم لن يمس هذه السيطرة، لأن الحديث لا يجري عن قيادة الأجهزة، كذلك محاولة ترويج المكسب المباشر من المصالحة بتأمين رواتب نحو 40 الف موظف حمساوي في غزة، من خلال ضمهم لمرتبات السلطة في رام الله، وبالتالي كسب تأييد هؤلاء لإعلان الشاطئ.
    بالمقابل، بأن تلك التصريحات توجه لفتح خطابا مضمونه، ان "حماس" لم تقبل الدخول تحت عباءة فتح والسلطة، وهي تصر على الشراكة الثنائية، "وراس براس" وتفضل الذهاب الى إطار "فيدرالي" تكون فيه السيطرة الميدانية في غزة لها وفي الضفة لـ "فتح"، مع مجلس رئاسي مشترك وإطار قيادي ثنائي، إن كان على صعيد صلاحيات الرئاسة، او فيما يتعلق بالاتصال الخارجي. وهذا سينطبق حتى على معبر رفح، والتواجد فيه، وربما حتى على ما ينجم عنه من عوائد ضريبية وما الى ذلك.
    وطبعاً، ما زالت الهوة بين المصالحة وإنهاء الانقسام بيّنة وواضحة، و"حماس" والى حد ما "فتح"، تفضل الذهاب على طريق المصالحة، وبدلا من إنهاء الانقسام الذي بات مستحيلا مع عدم قدرة احد الفصيلين على احتواء الآخر، ومع تجربة فاشلة في نظام الشراكة، بتقاسم السلطة الواحدة ( حين كان الرئيس فتحاويا والحكومة حمساوية) فإن الوصول الى إنهاء الانقسام، عبر محطة الانتخابات الرئاسية والتشريعية، دونه مرحلة انتقالية، ستشهد كل أشكال الشد والرخي وعض الأصابع بين الطرفين، بما لا يؤكد بأن الأمور ستسير قدما الى الأمام، وما رد فعل الناطقين باسم "فتح" على تصريحات قادة "حماس" الا تأكيد على ذلك، بما في ذلك نفي فايز أبو عيطة لما كان قد اعلنه موسى أبو مرزوق من أن عزام الأحمد سيعود لغزة بالتزامن مع زيارة الرئيس لقطر، للبحث في أسماء المرشحين للحكومة الانتقالية، والتي يصر الطرفان على ان تظل شأنا ثنائيا، منذ تفردا بإعلان الشاطئ، نظرا لنوايا تقاسم السلطة، بعد تقسيمها بينهما، وهذا في أحسن الأحوال، لدرجة أن يخطئا في كتابة اسم أبو مرزوق على ورقة الإعلان، بما يدل على انه كتب على عجل، أو انه ليس على تلك الدرجة من الأهمية، التي يعتقدها البعض، وان سياسة "حط في الخرج" باتت متبعة من قبل من يتحكمون بالشأن الداخلي الفلسطيني، ويلعبون بمصير شعب مكافح قدم آلاف الشهداء وعشرات آلاف الأسرى ومئات ألوف الجرحى، وما زال يعض على الجرح، الذي بات نصفه الداخلي، منذ الانقسام، يؤلم أكثر من نصفه الخارجي.
    تغريدة الصباح - وداعاً، والى اللقاء
    بقلم: احمد دحبور – الحياة
    تجرعت، نهاية الاسبوع الفائت، نبأ أليماً، فقد توفي عيسى، ابن اختي الذي لم يشبع من الحياة، راحلاً بأعوامه التي لا تتجاوز الخمسين، وبوجهه البشوش الذي كان يتدفق بشراً وصحة ومرحاً. واذا كان الموت كأساً تلحق بالناس جميعاً، فان في هذا بعض العزاء الذي لا يجدي .. لقد كان من أسباب الوفاة، ان المستشفى الهام الذي قصده الفقيد، يفتقد الى كثير من المعدات الضرورية، وهذا ما انتهت اليه أحوال دمشق، لؤلؤة الشرق ومفخرة العرب الفيحاء!!
    لست في معرض إلقاء اللوم على أحد، لا على مستشفى ولا على طبيب، ولكنها المفارقة الأليمة التي تقضي ان يفقد بعضنا بعضا، من غير ان تكون للأحياء فرصتهم المشروعة في الوداع والتشييع. وقد كانت هذه الكأس المرة، ملازمة لنا منذ وقوع النكبة التي فرقتنا أيدي عرب - على حد تعبير الراحل الكبير إميل حبيبي - حتى بات من تقاليدنا الوطنية ان نتلقى أنباءنا المؤسية أكثر مما بعد كل نأمة أمل او سحابة فرح ..
    هكذا كانت الرسائل وملحقاتها، من برقيات وهواتف وأخبار، هي وسيلتنا لمعرفة ما يحدث معنا ولنا وبنا، واذا كان آباؤنا يتفجعون بالقول ان مأساتنا قد تجاوزت مأساة الأرمن، فان بعض الشعوب والأوساط المصابة بالضيم، باتت تتشبه بنا، كما سبق لنا ان تشبهنا بالأرمن .. أضف الى ذلك ما تتلقاه الأسر المفجوعة من صدمات لدى ما يسميه أهلنا بساعة الغفلة، فهذه الساعة القاتمة المفاجئة كثيرا ما تصدمنا بأخبار أليمة ونوائب، حتى بتنا نتحرج من الضحك المباغت فنستجير بالله ان يحمينا من شرّ هذا الضحك!!
    لست في معرض استقصاء تلك الأنباء الفاجعة، ولكنها حين تأتي - في ساعة غفلة على الأغلب - تفتح الجراح دفعة واحدة، فيغدو رحيل عزيز ما، مناسبة لاستذكار الآلام السابقة والفقدانات الأليمة ..
    ولهذه المناسبة أقول: ان عيسى، ابن أختي، لم يكن شخصاً خارقاً حتى أذهب الى انه خسارة قومية، ولكنني أستذكر فجيعة ابن الرومي بولده الأوسط يحيى، يوم قال:
    وأولادنا مثل الجوارح، أيها
    فقدناه كان الفاجع البيّن الفقد
    ولهذا فان النساء حين يشاركن بالعويل والنحيب على غير ابنائهن، انما يتذكرن أبناء وأعزاء لهن سبق ان رحلوا، فكانت كل فجيعة مناسبة للتذكير بمصابهن، او كما قال الشاعر الشعبي: «واللي مات ابوها او أخوها، تجي تبكي ونا ساحة بكا»، مع ان كل فاجعة انما تعني المكلومين بها قبل أي أحد، ولكن للدمعة مواسم، وموسم الدمعة هو يوم يغيب راحل جديد، لأنه يفتح الجروح القديمة، والرحمة للخنساء يوم قالت:
    وما يبكين مثل أخي ولكن
    أعزي النفس عنه بالتأسي
    على انه اذا كانت المأساة تطول صاحبها المباشر في الأساس، فانها توقظ مآسي الآخرين، فالثاكلات لا يكتفين بالبكاء على أولادهن، بل يبكين كل من يذكرهن بمآسيهن في غياب حبات القلب، أما في الحالة الفلسطينية فان لدينا هموماً اضافية، كأنما المأساة لا تكتفي باختطاف أحبائنا، بل تأخذهم وهم بعيدون عنا. وقد يقال ان هذه الفواجع تحدث لغير الفلسطينيين ايضاً، وهذا صحيح، ولكن كل مأساة تفتح جراح مأساة سابقة، فضلاً عن أننا قد ضربنا رقماً قياسياً في فقدان الأحبة وهم بعيدون عنا. فيا لله ويا لهذه النكبة وما فعلت بنا ..
    تلحّ هذه الشجون، ولم أشر بعد الى من نفقدهم شهداء - وهؤلاء غالباً ما يكونون في شرخ الشباب، وكما يقول ابو ماضي: ان البكاء على الشباب مرير .. حتى بات من التقليد الشعبي ان يوصف كل فقيد شاب بأنه شهيد .. مع الاختلاف طبعاً في حالات التأبين والتشييع ..
    أما عيسى، رحمه الله، فأتخيله يهم بمغادرة اللحد، ليداعب المعزين او يفتح عليهم باب الضحك، فما كان ليطيق العبوس والدموع، مع أني أذكره يوم كسر هذه القاعدة، إثر وفاة أمه، حين انخرط في نوبة بكاء فجرت شآبيب الدموع في عيون المشيعين والمعزين على حد سواء ..
    انها الحياة، وكلنا لها .. وان تقول الحياة، يعني انك مرشح للرحيل، على ان هذا التعميم الأليم لا يوزع الفاجعة ولا يخفف من وقعها على المصابين بها. وهذه الحقيقة الحزينة ليست الا رخصة لارسال الدمع، والترحم على الراحلين .. فرحمك الله يا عيسى، والصبر والسلوان لأشقائك وأهلك .. وفي طليعتهم شقيقتك الوحيدة. أما أنا فأرجوك ان تدير وجهك بعض الشيء حتى أتمكن من البكاء، وحدي وعلى طريقتي ..
    وليس لي، بعد هذا، الا ان أغمغم بين الأسى والمصابرة: وداعاً أيها الشاب الظريف، والى اللقاء ..

    سوق حر أم سوق مر؟
    بقلم: د. صبري صيدم – الحياة
    مطاعم ومقاهٍ ومحالٍ تجارية وشركات وأفراد وحرفيون يفرضون مجتمعين على اقتصادنا الصغير والمحاصر أسعارهم الفلكية كما يشاءون بحجة واحدة هي أنهم يعملون في سوقٍ حرٍ قائمٍ على العرض والطلب.. إذا أعجبك اشتريت وإن لم يعجبك فهذا شأنك.
    أغذية ولحوم ومشروبات وخدمات ومنتجات بأسعارٍ تفوق حدود المنطق والمقبول والمعقول. ولو أنك اخترت مراجعة أصحاب الشأن في المؤسسة العامة لواجهتك نفس الحجة: سوق حر.
    سوق حر يتفوق على طوكيو ولندن وأوسلو وموسكو؟ سوق حر يستوفي كامل مستحقاته بما فيها المستحقات القسرية للشماعة الدائمة ألا وهي الاحتلال ويعود ويسلخ جلد الشاري والمشتري بأسعارٍ خارج حدود الخيال؟
    مشروبات سعر الكأس فيها يزيد عن سعر ثلاثين كيلوغراماً من الفاكهة ذاتها التي استخرج منها المشروب؟ أكلات شعبية تباع أطباقها بسعر أطباق اللحوم؟ شقق سكنية تباع بسعرٍ يفوق خمسين بالمئة سعرها الحقيقي؟ مكاتب ومواقع تؤجر بخمسة أضعاف تصنيفها السوقي؟ فنادق تعمل مطاعمها بأسعارٍ تفوق تصنيفها السياحي بضعفين؟ فنجانٌ للقهوة يباع بضعفي ثمنه في الشانزيليزيه والبيكاديلي؟ كل هذا وذاك تحت مسمى ماذا؟ نعم.. سوق حر!
    سوقٌ يزدهر في ظل غياب الرقيب والحسيب.. سوقٌ ينتعش فيه أمراء المال ممن استفادوا من صمت المغلوبين على أمرهم والمتقاعسين في عملهم والنائمين على مسؤولياتهم.
    فنجانٌ للقهوة في رام الله يتجاوز في سعره حاجز الدولارات الخمسة ويقترب من حاجز الأربعة جنيهات البريطانية وما يزيد عن أربعة من اليوروهات!! كيف؟ سوق حر؟! أم سوق مر؟
    لا عجب إذاً بأن تكون الحياة مرة للكثير من الشباب ممن لا حول ولا قوة ولا مال كافياً لديهم لمواجهة جشع بعض الأمراء الذي فضلوا جيوبهم على أهلهم ومجتمعهم مهللين مطبلين مزمرين للسوق الحر!
    بعض ممن يقرأ هذا المقال لا بد من أن يقول في قرارة ذاته: إذا كنت أنت الشاكي، فماذا نقول نحن؟ الجشع والطمع والمغالاة لا تعجب أياً منّا بغض النظر عن موقعه وماله وقد اخترت أن أكتب هذا المقال حتى أعبّر عن صوت من لا صوت لهم في حربهم على الأسعار الجنونية المرتبطة بمكونات حياتهم.
    السوق الحر لا يعني تجنب الرقابة ولا يعني الحصانة ضد المغالاة في الاسعار ولا الإعفاء من حق الناس في تثبيت تلك الأسعار وتحديدها ونشرها. السوق الحر ليس منصة للمحاباة والابتزاز وسرقة الناس وابتلاع أموالها بحجج واهية بل هو ما وجب أن يكون نتاجاً لمجتمعٍ حرٍ يمتلك مساحة أكبر من الحرية والخيار والحماية.
    سوق مر لمجتمعٍ حر سيجعل ذلك المجتمع كله مراً .. وسوق حر لمجتمعٍ حر سيجعل ذلك المجتمع كله صامداً.. فلا نامت أعين الجشعين وأمراء المال من المغالين والمتّغولين!



    "تدفيع الثمن" منتج إسرائيلي طبيعي
    بقلم: عمر حلمي الغول – الحياة
    فكرة "تدفيع الثمن" تمظهرت في عام 2008 في مستعمرة "يتسهار"، غير انها سابقة لذلك بعشرات العقود، لكن بعناوين واسماء اخرى. من يقرأ تاريخ الارهاب الصهيوني منذ بدأت الغزوة الاستعمارية الصهيونية لفلسطين التاريخية، ومع تشكل العصابات المسلحة "الهاجاناة" و"شتيرن" و"ليحي" و"الاراغون" وغيرها من منظمات إرهابية، والفكرة موجودة، وجرى تطبيقها من خلال سلسلة المذابح والمجازر الاسرائيلية ضد ابناء الشعب العربي الفلسطيني لتحقيق هدف الحركة الصهيونية المدعومة من الغرب الاستعماري باقامة دولة التطهير العرقي الاسرائيلية على حساب نكبة الفلسطينيين.
    وكان عمادها السياسي والاقتصادي والثقافي شعارات الحركة الصهيونية الناظمة لمشروعها الكولونيالي الاجلائي والاحلالي بدءا من شعار "أرض بلا شعب.. لشعب بلا ارض" و" العمل العبري" وغيرها، التي جميعها مشتقات وإفرازات من فلسفة ومركبات العنصرية والتطهير العرقي، وشكلت المعين الاساسي لبناء وعي مزيف استمد بناءه من رواية صهيونية مختلقة، قامت على نفي الحقيقة والواقع ووضعت مداميك نكبة الشعب العربي الفلسطيني عام 1948.
    وبعد قيام إسرائيل على انقاض النكبة الفلسطينية، التي تحل ذكراها السادسة والستين، طورت القيادات الصهيونية شعاراتها وادواتها التصفوية والارهابية ضد ابناء الشعب الفلسطيني داخل الخط الاخضر من الاوامر العسكرية، التي امتهنت كرامة وحقوق الانسان الفلسطيني بابشع الصور الوحشية، حتى انها تفوقت على الفاشية الايطالية والنازية الالمانية وديكتاتوريات العالم العسكرية.
    وفي اعقاب احتلال إسرائيل لكل فلسطين التاريخية وسيناء والجولان في الرابع من حزيران عام 1967، واصلت سياسة "تدفيع الثمن" لابناء الشعب الفلسطيني خصوصا والشعوب العربية عموما، التي احتلت اراضيها، فاعادت إنتاج قانون الطوارئ والاوامر العسكرية لاستكمال مراحل مخططها ومشروعها الكولونيالي الصهيوني الاول، المستند الى الشعار السياسي الاساسي "ارضك يا إسرائيل من النيل للفرات"، وشرعت بالاستيطان الاستعماري مباشرة في الاراضي المحتلة، الذي استفحل أكثر فاكثر، حتى بات وباء اكثر خطورة بعد توقيع اتفاقيات السلام بين إسرائيل والعرب وخاصة بعد اتفاقيات اوسلو 1993، ثم اصدرت تشريعات في الكنيست بضم القدس وغيرها من المناطق بما في ذلك الجولان.
    والاستيطان الاستعماري يعتبر الركيزة الاخطر في عملية "تدفيع الثمن"، لان كل الانتهاكات الاخرى حرق السيارات والاماكن المقدسة ودور العبادة المسيحية والاسلامية وقطع الاشجار والاعتداء على مصالح ومزارع المواطنين الفلسطينيين إن كان داخل إسرائيل او في اراضي الدولة الفلسطينية المحتلة عام 1967، ليست سوى انعكاس وترجمة مباشرة للتغول الاستعماري. وقبل ذلك، تعود سياسة "تدفيع الثمن" لمركبات بناء الوعي الصهيوني العنصرية، المنتج والمولد للكراهية والحقد والاستعلاء، ولشعور قادة دولة التطهير العرقي الاسرائيلية، انها فوق القانون الدولي من خلال الحماية، التي شكلتها سياسة الغرب الرأسمالي وخاصة الولايات المتحدة.
    مع ذلك الانتهاكات اليومية، التي ترتكب ضد ابناء الشعب العربي الفلسطيني في الجليل والمثلث والنقب وفي الاراضي المحتلة عام 1967، ما كان لها الاستمرار لو ان الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة واجهزة امنها وخاصة الشرطة و"الشاباك"، اتخذت الاجراءات الرادعة المناسبة ضد منفذي الجرائم العنصرية الخسيسة. ولكن جهاز الامن العام الاسرائيلي كما يقول رئيسه السابق كارمي غيلون، لم يقم بمسؤولياته ضد المجرمين، وهم ليسوا لغزا، كما يقول الصحفي حاييم ليفينسون في "هآرتس"، وتستطيع اجهزة الامن الاسرائيلية وضع اليد عليهم لو وجد قرار سياسي من قبل الحكومة. غير ان الحقيقة تقول، ان هناك قرارا سياسيا عكسيا، اي ان الحكومة، رغم تصريحات بعض اركانها ضد تلك الممارسات، إلا انها اطلقت، وتطلق يد تلك المجموعات الارهابية، لانها تمثل روح سياساتها، وتعبر عن مشروعها التصفوي للقضية الفلسطينية، والمتناقض مع خيار السلام وحل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 67، والدفع بالمنطقة لمربع العنف والحرب.

    الإعلام و"الربيع العربي"؟
    بقلم: د . بسام عويضة – معا
    الربيع العربي لن يقود إلى "خلق" إنسان يصنع تاريخ، لأن الربيع العربي تحول لاحقاً إلى حريق، يُوجه عبر خطاب إعلامي من ماكينات إعلامية ضخمة.
    مصدر هذا الخطاب أنظمة قبلية عشائرية تحكم منذ القرن التاسع عشر في منطقة الخليج العربي، تموله وترعاه، في حين أن الذي يُشرف على الخطاب حركات أصولية دينية، لمصالح وأجندات سياسية غربية، للسيطرة على القرار في منطقة الشرق الأوسط، وليس لخلق عالم عربي متطور مستنير مثقف مفكر منتج متعلم.
    ما حصل في بلادنا، عكس ما حدث في القارة الأوروبية تماما، التي تطورت بفعل ثورة فكرية فلسفية عملاقة، قادها فلاسفة ومفكرين من العيار الثقيل أبرزهم الفيلسوف الألماني المخضرم إيمانويل كانط، نتج عنها فكرٌ وإنسان وأخلاق وضمير وقانون ودستور وإعلام ونظام ديمقراطي ودولة مؤسسات.
    هؤلاء الفلاسفة أحدثوا قطيعة إيجابية مع التراث، ولا نقول انسلخوا عن ماضيهم، فكتبوا في نظام الحكم والقانون والدستور والعقد الاجتماعي وفصل السلطات والحرية الفردية والتعليم وحرية الرأي، بينما بقي المفكرون العرب على اختلاف مشاربهم في دائرة الزمن الماضي، يفكون تشابك النص الأول مع النص الثاني، "معتقدين أنّ علة الحاضر ليست في الحاضر أو في الماضي، وإنما في ماضي يجب أن يكون حاضراً بثوب جديد"، كما يقول أستاذ الفلسفة في جامعة دمشق د. أحمد برقاوي، ومن هنا أصبح التراث العربي والإسلامي مقدساً، برتبة سلطة.
    في كتابه "ثورات القوة الناعمة في الوطن العربي، نحو تفكيك الديكتاتوريات والأصوليات" للمفكر اللبناني علي حرب، يكتب يقول: "الأصوليات هي كالدكتاتوريات تأخذ من الغرب التقنيات والتجهيزات والأسلحة التي تستثمرها في حروبها، كما تفيد من انتفاخ الأسواق غير المحدود لجمع الثروات الطائلة غير المشروعة، فيما هي ترفض القيم والمفاهيم والنظريات التي يمكن استثمارها في أعمال التحديث والإنماء أو تجسيدها في احترام الحقوق واطلاق حريات التفكير والتعبير والتنظيم، بذلك جمعت الأصوليات مساؤئ المشاريع السابقة، القومجية واليسارية، فأضافت الإرهاب والفتن المذهبية إلى الفقر والتخلف والاستبداد، مما وضع المجتمعات العربية بين فكي الكماشة الخانقة، استبداد مضاعف وفساد منظم، وثراء فاحش، وفقر مدقع، وجزر أمنية، ومافيات مالية، جحيم المخابرات وجهنم الارهاب".
    الوسائل الإعلامية في المجتمعات العربية مثلها مثل الطائرة، والمركبة، والحافلة، وجهاز التلفاز، وجهاز الهاتف النقال، نُقلت من الغرب إلى الوطن العربي، بسبب التحديث المادي الذي شهدته تلك المجتمعات العربية، لكن التحديث العقلي، لا يُشترى، ولا ينقل- بحسب المفكر محمد أركون - لا يمكن شراء الفكر والقيم والتطور العقلي والتنوير، كما لا يمكن نقل النظام الديمقراطي من منطقة جغرافية لأخرى هكذا بدون ثمن، هذا يحتاج إلى جهد مفكرين ووقت وتضحية، فالتلفاز الموجود في بيت الفرنسي هو ذاته في بيت القطري، كجهاز، ولكن محتوى الرسالة الإعلامية في بيت القطري، هو عبارة عن مخزون ثقافي في آلة إنتاج معطلة، نشأت في بيئة صحراوية ذات نظام قبلي عمرها يزيد عن 1500 عاماً، لم يستطع حتى الفكر الجديد "الدين" ، التغلب عليها، كما بين عميد الفكر العربي المعاصر محمد عابد الجابري، ولهذا إذا أردنا إعلام عربي حقيقي، وليس خطاباً إعلامياً عربياً، لا بد من تغيير المخزون الثقافي في العقل الجمعي العربي المستقيل أو المعطل.
    صياغة نشرة الأخبار، في التلفاز العربي، هي نتاج مخزون ثقافي عمره أكثر من 1500 عاماً، فإذا أردت أن تفهم نشرة الأخبار، فما عليك إلا أن تحفر أركيولوجياً في "ممول" نشرة الأخبار.
    فالنشرة الإخبارية تصاغ في قناة "الجزيرة" العربية وفق خطاب أصولي سني، وفي "العربية" وفق خطاب سلفي سني، وفي قناة "المنار" خطاب أصولي شيعي، وفي قناة "ال بي سي" خطاب مسيحي، وفي قناة قطر خطاب قبلي أبوي، وكل هذا يتحرك ضمن أجندة لها حسابات، وليس بناء على حدث ومعلومة.
    في دول الاتحاد الأوروبي مثلاً، المؤسسات الإعلامية الفرنسية والألمانية، هي عبارة عن مؤسسات إعلامية تابعة لهيئة يطلق عليها "هيئة الإذاعة والتلفاز " وهي عبارة عن مؤسسة مستقلة تجمع الضريبة من المواطن وتوزعها على الإعلام الرسمي شبة المستقل، ولهذا قد يكون الخبر الأول في نشرة الأخبار الألمانية، فضيحة مدوية عن المستشارة الألمانية إنجيلا ميركل أو أحد وزرائها، في قناة التلفزة الألمانية الأولى أو الثانية.
    هناك فصل كامل وواضح في الغرب بين السلطة السياسية والمؤسسات الإعلامية، ولكن هذا لم يأت من فراغ، فمؤسسة الإعلام تجسدت كنتيجة لثورات فكرية متتالية مرت على القارة الأوروبية، قادها فلاسفة ومصلحون كبار من الوزن الثقيل ابرزهم ألمان مثل: مارتن لوثر وإيمانويل كانط وهيغل وليبنتز وفيشته وشيلينغ وشوبنهاور وفورباخ وادموند هوسيل ومارتن هيدغر ويورغن هبرماس، وما ينطبق على غيرنا، ينطبق علينا، لن نتطور بدون فكر حتى لو بعد ألف سنة.
    الخطاب الإعلامي العربي ناتج عن ماكينات إعلامية جبارة، تشرف عليها أنظمة قبلية عائلية من بعض دول الخليج، تستخدم هذا الخطاب كأدوات بالإضافة إلى مجموعات الأصوليات الدينية والمال لتشكيل رأي عام عربي وفق أجندة سياسية يُحول بالمطلق إلى عدم تنويره، ونشر المعرفة في صفوفه، لأن نشر التنوير والمعرفة والقيم يعني زوال عصر القصر الأميري.
    ما يميز الماكينات الإعلامية الخليجية أنها تبني خطابٍ إعلاميٍ واحد تجاه ما يحدث في دول الخليج العربي، عملاً بقاعدة "اتركني وشأني، أتركك وشأنك"، فهناك أتفاق ضمني، غير مكتوب، بين الماكينات الإعلامية الخليجية أو من يبث من أراضيها، بعدم التطرق نهائياً إلى أنظمة الحكم في الدول الآخرى.
    حرية الإعلام تعني أن تتناول قضايا البلد الذي تبث منها وسيلة الإعلام، والجغرافيات الآخرى، وأن تدخل كاميرا الماكينة الإعلامية إلى قصور الأمراء وتسأل: إلى متى ستبقى؟ كما هو بمقدور قناة "ارتي" الألمانية– الفرنسية المشتركة أن تقول للرئيس الفرنسي فرانسو اولاند القابع في قصر الإليزية الباريسي، أو للمستشارة الألمانية إنجيلا ميركل القابعة في بيت المستشارية ببرلين ماذا تعملون؟ وكيف تخططون؟ والأخطاء التي ارتكبتموها، ودون أن ترسل الأسئلة عن طريق البريد الالكتروني قبل إجراء المقابلة بيوم واحد.
    ولكي يتحول الخطاب الإعلامي إلى إعلام ينبغي أن يتحول من استعارة إلى معلومة، كما ينبغي السماح للماكينات بحرية التعبير والرأي في كل الاتجاهات، وهنا نشدد على أن الحرية المجزوءة ليست حرية، فالحرية لا تعني هنا بأي حال من الأحوال استضافة شخصين مغايرين من حزبين مختلفين فقط، وإنما أن تدخل الكاميرا إلى قصر رئيس المؤسسة، ويكتب الإعلامي عنه وعن أعماله وأمواله ونساءه وأولاده، وكيف وصل إلى منصة الحكم؟ ومتى؟ ومتى سيغادر؟ أن يسمح بالتعبير عن المؤسسة التي تبث، وعن القصر الذي يدفع، وعن قصور الأمراء الآخرين، وأن لا يكون ذلك مرتبطا بالعلاقات السياسية، فالإعلام يعني العلم بالشيء، في كل زمان، وفي كل مكان ، وعدا ذلك يتحول الإعلام إلى خطاب إعلامي.
    الإنسان المفكر، صاحب البذرة، لا يطلق الأحكام جزافاً بسبب صورة أو نص جميلين وإنما يدرس بعمق ممول هذه الماكينات الإعلامية، والدويلات التي تحتضنها والتي لا يوجد فيها حزب سياسي واحد، أو برلمان، أو محكمة دستورية عليا، أو نقابة عمال، أو مؤسسة نسوية واحدة، أو نقابة للصحافيين، وحرية التعبير فيها 147 على مستوى العالم.
    لقد فشل المفكرون العرب الذين ظهروا في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين من ترسيخ إرهاصات فكرية لبناء مجتمع عربي متقدم، بل نتج عن ذلك دولاً فاشلة من العيار الثقيل تحكمها أنطمة دكتاتورية ظالمة لا يوجد فيها إلا البطالة والبطالة المقنعة والأمية والتعليم التلقيني وتحويل العمال الاسيويين إلى عبيد.
    معظم كتابات المفكرين العرب تمحورت حول الخطاب الديني في الماضي، العرب لم يكتبوا في الفلسفة أو الأخلاق أو المنطق أو الضمير أو الجمال أو المستقبليات أو القوانين أو نظرية الحكم أو فصل السلطات أو العلوم التقنية أو علم الانثروبولوجيا أو القيم أوالعلوم الدينية.
    واليوم تتبدل تلك الدكتاتوريات العسكرية إلى أصوليات بمساعدة خطاب إعلامي صادر عن "ماكينات حكي" بعيدة كل البعد عن التنوير والثقافة والوعي، يحكمها خطاب ديني وفق أجندة سياسية نابعة من عقلية قبلية عائلية.
    مساحة سوداء تلف المجتمعات العربية، لا يمكن كسرها إلا ببناء إنسان عربي عنده بذرة، صاحب فكر أصيل، لا يشعر بالاغتراب، لهذا إذا أردنا إعلام عربي حقيقي، وليس خطاباً إعلامياً عربياً، لا بد من تغيير المخزون الثقافي في العقل الجمعي العربي المعطل.

    الملفات المرفقة الملفات المرفقة

المواضيع المتشابهه

  1. اقلام واراء محلي 05/05/2014
    بواسطة Haneen في المنتدى أقلام وآراء محلي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2014-06-04, 09:16 AM
  2. اقلام واراء محلي 04/05/2014
    بواسطة Haneen في المنتدى أقلام وآراء محلي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2014-06-04, 09:15 AM
  3. اقلام واراء محلي 03/05/2014
    بواسطة Haneen في المنتدى أقلام وآراء محلي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2014-06-04, 09:14 AM
  4. اقلام واراء عربي 28/05/2014
    بواسطة Haneen في المنتدى أقلام وآراء عربي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2014-06-03, 01:10 PM
  5. اقلام واراء عربي 19/05/2014
    بواسطة Haneen في المنتدى أقلام وآراء عربي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 2014-06-03, 01:05 PM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •