ملخص مركز الاعلام
من روسيا إلى غزة وبالعكس
يوسف رزقة / فيسبوك رزقة
الرئيس محمود عباس في روسيا، ومن روسيا ووسائل إعلامها يبدي الرئيس قلقه ؟! ما الذي يبعث القلق في نفس الرئيس بينما هو في برد البلد القطبي ؟!
هل الرئيس قلق من تصريحات نيتنياهو التي تنصل فيها من مشروع حل الدولتين ؟! وهو أمر يبعث على قلق حقيقي عند كل من بنى مستقبله السياسي، ومستقبل فلسطين السياسي على مشروع حلّ الدولتين. ليس في تصريحات الرئيس من الساحة الروسية شيئا من هذا؟!
هل الرئيسية قلق من مواصلة نيتنياهو التصديق على مشاريع استيطان جديدة في القدس والضفة الغربية؟! وهو أمر يبعث في النفس الوطنية قلقا حقيقيا. ليس في تصريحات الرئيس شيئا من هذا. هل الرئيس قلق من تراجع القضية الفلسطينية في الأجندة العربية بسبب مشاكل العراق وسوريا واليمن. مصر وليبيا، والحرب على الإرهاب في المنطقة ؟! وهي أمور جديرة أن تبعث القلق في النفوس التي تحمل هم فلسطين. ليس في تصريحات الرئيس شيئا من هذا للأسف؟!
الرئيس قلق جدا من حماس؟! لأن حماس هي مشكلة المشاكل له ، سواء أكان الرئيس في رام الله ،أو في روسيا؟! خيال حماس يقلق الرئيس دائما حيثما حلّ وحيثما ارتحل؟! حماس هي سبب نكبة فلسطين في عام ١٩٤٨م؟! وهي سبب هزيمة العرب في عام ١٩٦٧م؟! وهي سبب هزيمة المسلمين في الأندلس؟! وهي سبب مشاكل العراق وسوريا ولبنان وليبيا واليمن ومصر ؟!
حماس هذه قوة عظمى، وقوة خفية لا يرصدها الرادار الروسي، ولا الردار الأميركي ؟! تصوروا أن حماس لابسة ( طاقية الإخفاء؟!) وهي تفاوض إسرائيل سرا، مفاوضات منفصلة عن عباس والمنظمة، وتفاوضها على دولة بحدود مؤقتة في غزة، وحكم ذاتي في الضفة الغربية ؟! ولهذا الرئيس قلق؟!
هذه المفاوضات السرية، المنفصلة، حول الدولة المؤقتة، لا تعرفها ردارات العالم، والدول العظمى، ويعرفها عباس وحده، دون العرب ودون إسرائيل، لذا هو في غاية القلق، وليس لديه فسحة لتأجيل قلقة لحين العودة إلى رام الله، لذا فهو يعرب عن قلقه واكتشافه من روسيا ؟! تصوروا من روسيا، ومن خلال الصحف الروسية؟!
حضرة سيادة الرئيس لقد آلمني قلق، ولا شك أنه آلم كل مواطن غيور على فلسطين ، وأحب أن أطمئنك بأن المشكلة ليست عند حماس، ولكن عند الردار المغشوش الذي قدم لك صورة مغشوشة عن حماس، إذ يبدو أنه ردار مديل قديم، يعمل بالديزل في زمن الذرة، لذا أنصحك باستبدال الردار أو تزويده بشاشة شفافة مديل حديث؟!
حماس يا سيادة الرئيس ضد مشروع المفاوضات لأن المفاوضات كانت كارثة على القضية والشعب، وما زالت كارثة أيضا، لذا هي رفضت أوسلو، ورفضت المبادرة العربية التي هي أفضل من أوسلو، وحماس على قائمة الإرهاب لأنها لا تعترف بإسرائيل ولا بأوسلو وبناتها، وحماس كغيرها من فصائل المقاومة تفاوض اسرائيل بالرصاص، وحين أدارت مصر مفاوضات تهدئة في حرب العصف المأكول كان رئيس الوفد عزام الأحمد القيادي من فتح ، لأن مصر وإسرائيل رفضت المفاوضات مع حماس وفصائل المقاومة الأخرى.
المفاوضات تخصص عباس، وعريقات، وجزء من فتح. لذا لا فصيل فلسطيني آخر يتجرأ على المفاوضات، بعد تجربتك يا سيادة الرئيس؟! حماس لا تفاوض إسرائيل لا سرا ولا علنا لا على دولة مؤقتة، ولا غير مؤقتة، وأنت تعلم هذا أكثر من غيرك؟! وقديما حذرتك حماس وغيرها من مشروع الحكم الذاتي في الضفة، وهو مشروع ولد مع بيغن والليكود في مدريد، ولكنك ركبت رأسك؟! ، وقلت لا بل دولة؟! واليوم تقول إن إسرائيل تريد حكم ذاتي في الضفة ، ودولة بحدود مؤقتة في غزة؟! وحماس تفاوض على ذلك وتطعن المشروع الوطني ؟!
حضرة الرئيس لا تلقوا بأخطاءكم على الآخرين، والأجدر بكم مراجعة مواقفكم وسياساتكم ؟! والاعتراف بالخطأ فضيلة.
قادة فصائل م.ت.ف.... صمت دهرا ونطق كفرا؟؟
عماد الحديدي / الرأي
تناولت وسائل الإعلام المختلفة وبصورة تصاعدية أفكار التهدئة الحمساوية الإسرائيلية من زوايا متعددة تعدت في بعض منها الخبر والتقرير والمقابلات إلى الردح والشتم والقذف والاتهام بالخروج عن الصف الوطني بل تدمير المشروع الوطني الفلسطيني، والتقاطع مع الاحتلال في تصفية القضية الفلسطينية برمتها، والملفت للنظر أن الحملة الإعلامية تشنها هذه المرة فصائل منظمة التحرير ضد حركة حماس وشخص القيادي محمود الزهار شخصيا، متناسين أن هذا الرجل القائد قدم ولدين وصهر غير رفقاء دربه من القادة من أجل فلسطين وقضيتها ومازال يعاني صحيا من آثار استهدافه، فهل من السذاجة أن يبيع الوطن بوهم أو فتات، وهو الذي يؤكد دوما أن فلسطين من البحر إلى النهر،
ولكن لنقترب من المشهد قليلا لنجد أن من يقود الحملة هم المطبخ السياسي لفصائل منظمة التحرير الفلسطينية "الأمناء العاميين" للفصائل الفلسطينية وأعضاء مكاتبهم السياسية والمقترب أكثر من تفاصيل هذه الحملة يجد التوقيت الموحد للتصريحات، والإجماع على المحتوى العاطفي الثوري مع ترك هامش محدود للعب في الصيغ والكلمات، الموجهة مباشرة للمواطنين والجماهير الفلسطينية، ولنقف معا على بعض هذه التصريحات، أمين عام جبهة النضال الشعبي الفلسطيني أحمد مجدلاني يحذر من خطورة مشروع حماس بإقامة إمارة إسلامية في قطاع غزة، وأن هناك حالة انتقال سياسي لدى حماس من انقسام إلى انفصال وأن أول من طرح فكرة الإدارة الذاتية وكيان سياسي في غزة هو الزهار، بينما الأمين العام لجبهة التحرير الفلسطينية واصل أبو يوسف يحذر أيضا من خطورة دعوة الزهار الانفصالية وإقامة إمارة جديدة في قطاع غزة، وأن هذه الإمارة التي يراهن الاحتلال عليها تقف عائق أمام إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة من جهة ، وتكرس وتعزز الانقسام الفلسطيني من جهة أخرى،
كما أكد الأمين العام للجبهة العربية الفلسطينية جميل شحادة أن دعوة الزهار الانفصالية بإقامة دولة فلسطينية في قطاع غزة مرفوضة من الكل الوطني الفلسطيني، وأن استمرار هذا الموقف الحمساوي يخدم إسرائيل التي تسعى جاهدة لتتنكر لحقوق شعبنا الفلسطيني، ونرفض العبث والتلاعب بالمشروع الوطني الفلسطيني من قبل قادة حماس لمعالجة بعض الخلافات السياسية، ورفض عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية كايد الغول، أي مبادرات ودعوات تهدف إلى فصل قطاع غزة، لأن هذا الانفصال يجسد الرؤية الإسرائيلية بأن حل القضية الفلسطينية يتمثل بإقامة دولة في قطاع غزة، ونحذر من خطورة هذا المشروع الانفصالي على كافة أهداف الوحدة الوطنية للشعب الفلسطيني،
من جهته حذر عضو المكتب السياسي لحزب الشعب الفلسطيني وليد العوض من خطورة تنفيذ المخطط المدمر لمشروع الدولة الفلسطينية المستقلة، واعتبره تساوقاً مع المشاريع التي يجري إعدادها في دوائر الامبريالية الأمريكية، واختم مع عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية محمود إسماعيل، الذي رفض المشروع التآمري والهادف لتحقيق المخططات الإسرائيلية واختزال الدولة الفلسطينية بقطاع غزة فقط وهذا تساوق مع الجانب الإسرائيلي في تحقيق أهدافه.
إذن استيقظت الفصائل وصحصح أمنائها العامون من بعد نوم عميق أو غياب عقلي تطوعي، ليجدوا أنفسهم أمام صفقة بيع الوطن وتمزيق الهوية وضياع الحلم الفلسطيني، لا أريد أن أبعد بعيدا لمواقف هذه الفصائل منذ انحراف بوصلة البندقية الفلسطينية في الشتات وتصويبها نحو صدر الفلسطيني ثم الدخول في انشقاقات وتمزقات حزبية وفصائيلية أفرزت من يسبح بحمد الراتب والموازنات التشغيلية والهبات الجيبية، وصولا لصفقة العمر الأوسلوية الواعدة بالمناصب السلطوية، بل نبقى في الانقسام الفلسطيني ألم تنزل الفصائل عند رغبة العم عباس في ترك حماس لتشكل الحكومة العاشرة رغم الموافقة المبدئية لبعضها، ثم أين هي من الاتفاقيات المبرمة على مدار عمر الانقسام!؟، أخيرا أين الموقف الفصائلي من حكومة الوفاق وقضية الموظفين الحكوميين والتلاعب في القضايا الحياتية للمواطنين الكهرباء وإعادة الاعمار والحصار الذي أكد رئيس السلطة وعبر أكثر من فضائية أنه شريك فيه، أين هي من التفاهمات الحكومية الحمساوية الأخيرة التي نقضتها الحكومة وقفزت عنها ورجعتنا خطوات إلى الوراء!، لماذا لا تقف الفصائل مع الطرف المعني بإنهاء الانقسام ضد الطرف الرافض له، وتنعته بأنه مدمر للمشروع الفلسطيني ومتساوق مع مشاريع الاحتلال، على الفصائل أن تعيد ثقتها بجمهورها الذي يبتعد عنها شيئا فشيئا، من خلال الوقوف بجانبه في قضاياه الحياتية والوطنية، وألا ترهن قرارها بمال أو سلطان، وعليها اتخاذ القرار الوطني وتحمل مسؤولياته، فنحن ضد من ينعت الفصائل بالاصفار، بل يجب هي من تثبت بأنها رقم صعب في جسد الشعب الفلسطيني.
أما بخصوص التهدئة موضع الحملة، فالسياسة علمتنا بأن نتحقق أولا قبل الاتهام، ولنذهب للمعنيين مباشرة ونسألهم هل ما يذاع حقيقة؟ وأين الوثيقة؟ وما هو مكتوب فيها؟ وهل هي تهدئة أم هدنة أم اتفاقية؟، وهل مفتوحة أم مقيدة؟، وهل مدنية أم سياسية؟، ومن مقدمها؟ وما هي الضمانات لها؟، وما هو موقف حماس منها؟ وهل تمس بالثوابت الفلسطينية؟ أليس هذا هو العقل السياسي الواقعي! الذي خاطبتمونا به منذ عام 1988م، بإعلان الدولة ورفع غصن الزيتون، ولن تدمع بعد اليوم أم يهودية، و التصفيق لاتفاقيات أوسلو وملحقاتها، والتصفيق الحار في عرس تدمير الميثاق الوطني الفلسطيني 1998م في المجلس التشريعي بغزة بحضور رئيس الولايات المتحدة الأمريكية بيل كلينتون آنذاك والذي استمر التصفيق الحار واقفين لدقائق طويلة؟
مصير غزة
عصام شاور /فلسطين اون لاين
في عهد الرئيس الدكتور محمد مرسي زعمت قيادات فلسطينية: "إن مرسي عرض ضم غزة إلى مصر"، وبالتوازي قيل: "إن التيار الإسلامي في مصر أشار على مرسي بضم غزة إلى مصر؛ لأن جماعة الإخوان ترفض الحدود بين الدول"، وبعد الانقلاب في مصر تبدلت الرواية وقيل: "إن مرسي عرض على حماس أجزاء من أراضي سيناء لإقامة دولة فلسطينية، وإن جماعة الإخوان تسعى إلى تفتيت المنطقة وتقسيم مصر وفلسطين وكثير من الدول العربية"، وجميع الروايات متناقضة ولا أساس لها من الصحة.
الرواية المتداولة حاليًّا أن القيادي في حماس د.محمود الزهار قال: "إن الحركة مستعدة لإقامة سلطة أو حكم ذاتي أو إدارة مدنية في غزة"، ويبدو أن الهدف من نشر تلك الأقوال هو تأكيد أن حماس تسعى إلى فصل غزة عن الضفة الغربية، أو من أجل تحقيق أهداف أخرى، ولكن حركة حماس لم تتأخر في نفي الخبر، وتوضيح أن التصريحات المنسوبة إلى الدكتور الزهار اجتزئت بطريقة غير مناسبة من تصريحاته التي أكد فيها عكس ما قيل، وأكدت حماس أنه لن يكون هناك دولة في غزة ولن تكون دولة دون غزة.
واضح أنه لا يوجد أي دليل على كل الشائعات التي أثيرت عن نوايا الرئيس محمد مرسي بشأن الدولة الفلسطينية، ولا على مخططات حماس لفصل غزة عن الضفة أو وصلها مع مصر، كلها أقوال لا أساس لها من الصحة، وكلها تناقضات يدحض بعضها بعضًا، ولكن يبقى السؤال: لماذا كل هذه الضجة المفتعلة؟!، ولماذا نحاول حرف الأنظار عما نواجهه من فشل في توحيد الصف الفلسطيني، أو ما تواجهه منظمة التحرير من فشل في مشروعها السياسي التفاوضي، أو الفشل الذي تواجهه حكومة التوافق في إنجاز المهمات المطلوبة منها؟!
لا يمكن تغطية سلسلة الإخفاقات بسلسلة من الشائعات والمعارك الجانبية، الشعب الفلسطيني يطالب القيادة بحل مشاكله، غزة منكوبة ويجب فك الحصار عنها والبدء بإعادة ‘عمارها وإنقاذها مما هي فيه، والموظفون يطالبون بحقوقهم ورواتبهم المقطوعة والممنوعة لأسباب سياسية، أما المناكفات الداخلية وتأليف القصص و"الفبركات" فهي آخر شيء ينتظر سماعه المواطن الفلسطيني، وخاصة في غزة.
الاتفاق النووي واستراتيجية الفخ المتبادل
محمد رمضان الأغا / فلسطين اون لاين
بإنجاز اتفاق الإطار النووي تكون إيران قد قطعت شوطا مهما من تحقيق رؤيتها الاستراتيجية لتكون لاعبا استراتيجيا في "نادي الكبار" أو ما يسمى اصطلاحا "5+1" حسب ما أطلق عليه خلال الفترة الماضية.
إن قدرة إيران على تحقيق ذلك يعتبر إنجازا من الوزن الثقيل وهو شهادة لها على إجادة تحقيق أهدافها الاستراتيجية من خلال إمكانياتها وتكتيكاتها التفاوضية في أعتى "صراع أدمغة" تخوضه مع الغرب.
هي استراتيجيات متبادلة المصالح؛ لكنها دائما لصالح الأقوى؛ فبتوقيع اتفاق الإطار النووي بين إيران والغرب؛ تعتبر أميركا أنها حققت إنجازا من وجهة نظرها لمصالحها؛ وكذلك إيران تعتبر أنها حققت أهدافها من وجهة نظرها؛ والدهاء السياسي والاستراتيجي أن يستغل أحدهما الآخر لتحقيق مصالحه؛ والاتفاق الحالي بوزن النووي وأكثر؛ يعمل لصالح إيران؛ التي أنهكها الحصار؛ والاتفاق بمثابة ضخ روح جديدة في دمائها؛ وإطلاق ليديها في المنطقة؛ والخاسر الأكبر فيه هو العالم العربي ومن ثم تركيا فروسيا.
وقد اجتمع خلال هذه المفاوضات كل من الخبث الأميركي والدهاء الإيراني؛ حيث إن كلا منهما خاضا تجارب حروب مختلفة انتهت بعدم تحقيق أهدافهما كل على انفراد؛ فأميركا خاضت حروب فيتنام وأفغانستان والعراق واعترفت بكل صراحة أنها خسرت بل فشلت استراتيجيا في هذه الحروب ؛ وأصبح لديها توجه أو حتى قرار استراتيجي بعدم العودة إلى خوض هكذا حروب تقليدية؛ إنما خوضها وفق مفاهيم الأجيال الجديدة من الحروب كالحرب بالوكالة أو إثارة الفتن وإشعالها بين أعدائها وأعدائهم أو خصومهم؛ أي الجيل الرابع والخامس من الحروب وهي حروب غير مكلفة أو مستنزفة لها كما في الأجيال الأولى.
أما إيران فبعد حربها الطويلة مع العراق في ثمانينيات القرن الماضي؛ فقد قررت أن تخوض حروبها بطريقتها الخاصة؛ والتي أصبحت فيما بعد استراتيجية إيرانية مبتكرة؛ والتي استطاعت بها فرض هيمنتها على العديد من المناطق في الإقليم من خلال النفس الطويل والتزويد بالمال والسلاح حتى لا تتكرر تجربتها المرة في العراق. وهي تكاد تكون مشابهة للاستراتيجية الأميركية في الجيل الرابع والخامس من الحروب مع وجود بعض الاختلافات الجوهرية والطفيفة؛ لكنها تبقى حروبا ذات بعد عسكري وجيوسياسي معا؛ بل وأكثر تمددا وأسهل انتشارا وانكماشا وقت الحاجة؛ ومن الممكن تحولها إلى خلايا نائمة إذا ما اضطرت إلى ذلك تحت أي نوع من الضغوط السياسية أو العسكرية أو الأمنية أو حتى الاجتماعية والاقتصادية.
لم يعد خافيا في "اللعبة الاستراتيجية الكونية" أن كلا من أميركا وإيران تلعبان بإتقان لعبة "استراتيجية الفخ". فإيران تعتبر وأميركا تعترف أنها أوقعت إيران في فخ حرب "إيران -العراق" في ثمانينيات القرن الماضي بهدف استنزاف الثورة الإيرانية في مهدها حفاظا على مصالح أميركا وخشية تمدد إيران وتصدير ثورتها. وفي المقابل أميركا تعتبر وإيران تعترف أن إيران مهدت بوسائل متعددة لإيقاع أميركا في "فخ العراق" لتحقق هدفين استراتيجيين: أولهما إسقاط صدام حسين العدو اللدود لإيران ثأرا للحرب الثمانية؛ و ثانيهما لإدراكها أنها ستوقع أميركا في حرب استنزاف طويلة مع المقاومة العراقية وبدعم سخي من إيران؛ ومن ثم تنسحب أميركا تاركة وراءها فراغا سياسيا وأمنيا واستراتيجيا في العراق لا تملؤه سوى إيران حسب الفسيفسائية العراقية بالغة التعقيد؛ وهذا تماما ما حدث بعد الانسحاب الأميركي من العراق بعد الفشل الذريع هناك، حيث تفوق تكلفة الحربين تريليون دولار حسب تقديرات أميركية.
واليوم يعتبر توقيع "اتفاق الإطار النووي" استمرارا لحرب "الثارات" بين الطرفين؛ لكن بخوض جيل جديد من الحروب السياسية والدبلوماسية والتفاوضية الماكرة والخادعة؛ بعد قناعتهما بأن حروب الأجيال الأولى لم تعد ذات جدوى لأسباب عديدة وغير خافية على أحد.
فإيران تدرك بحنكتها أن أميركا تعاني تدهورا استراتيجيا سيمتد عقودا وإنها ستتنحى عن القيادة الاقتصادية للعالم خلال عقد أو عقدين من الزمن؛ بصعود الصين ودول الاقتصادات الصاعدة الأخرى؛ وهذا ليس ضربا من الخيال، إنما هو قراءات استراتيجية واستخبارية أميركية وأوروبية للقرن 21.
وبلا شك فإن أميركا تدرك أنها لا تستطيع خوض حرب ضد إيران نيابة عن (إسرائيل) ومن أجل عيونها؛ لوعيها أن هذه الحرب لن تختلف عن سابقاتها وإنها ستخرج منها بكل أنواع الفشل إن لم يكن بـ"الاستنزاف القاتل"؛ كما حدث لعدوها الأبرز في الحرب الباردة "الاتحاد السوفيتي سابقا"؛ حيث خرج منهارا من حربه الطويلة في أفغانستان مما أدى إلى "تفكيكه" كدولة عظمى في العقد الأخير من القرن الماضي بعد استنزافه هناك. إن تعقيدات الأوضاع العالمية الأمنية والاقتصادية والجيوسياسية والجيواقتصادية كلها قادت الولايات المتحدة نحو هذا الخيار هروبا من خيار "الاستنزاف" الذي يبدو أن هناك من كان يعمل على دفعها إليه دفعا أو جرها جرا؛ خصوصا في منطقتي الشرق الأوسط وآسيا؛ وبعض أوروبا التي تريد وبلا ريب التخلص من الهيمنة الأمريكية على قرارها الاقتصادي والسياسي والاستراتيجي أيضا.
والسؤال الكبير هنا: من نصب فخا استراتيجيا لمن؟
إن السياسة تحكمها تقلبات الظروف بكافة أنواعها من اقتصاد وسياسة ونفط وأسعار نفط وأسعار دولار وأمن وجغرافيا وحكام ورؤساء وحسابات شخصية وثورات وانقلابات وتغيرات وكوارث طبيعية وغير طبيعية وغير ذلك. وهذه الظروف وغيرها تخلق تناقضات أو تحالفات استراتيجية لا يستطيع اقتناصها إلا من قرأ الواقع والمستقبل معا مستشرفا صناعة الحياة لأمته وشعبه؛ ولا تغيب عنه دروس التاريخ واللحظات الحرجة ووجود لاعبين آخرين من الدول ومن غير الدول يقفون متأهبين؛ عقولهم كعيون الصقر في انقضاضها؛ وإلا عفا عنهم الزمن وأصبحوا قطعة من التاريخ.
خلاصة القول: إن التفكير الاستراتيجي الأميركي والإيراني معا يتفقان في الهدف ولكن كل حسب استراتيجياته وطموحاته وآلياته؛ فالأميركي يهدف إلى استمرار احتلاله الكوني للقرن (21) بأقل تكلفة مع استمرار الهيمنة والسيطرة إلى أقصى حد ممكن؛ أما الإيراني فهدفه تمكين هيمنته على الإقليم المحيط من خلال ضوء أخضر من القوى الكونية؛ أي موافقة على أن تصبح إيران لاعبا استراتيجيا في المنطقة ولكل شيء ثمنه؛ فليس في السياسة سلع مجانية أو منح أو مكافآت ؛ بل سلع معلومة الثمن ويكون الثمن دائما باهظ التكاليف لطرف على حساب الطرف الآخر.


رد مع اقتباس