تقدير موقف
تغير النظام في سوريا سيؤدي الى اعادة هيكلة الشرق الاوسط
من خلال قراءة كيفية تعامل النظام السوري مع موجة الاحتجاجات التي تجتاح سوريا يمكن الاستنتاج ان النظام مصمم على التصدي لها بكل ما اوتي من قوة وعدم تكرار ما حدث في كل من تونس ومصر، او كتلك التهديدات التي تواجه انظمة الحكم في ليبيا واليمن والبحرين.
لقد كان بامكان بشار الاسد تأكيد سلطته والامساك بزمام الامور قبل انفلاتها في خطابه في الـ 30 من اذار من خلال اعلانه عن اجراءات اصلاحية كرفع حالة الطوارئ، واطلاق سراح السجناء السياسيين ونشطاء حقوق الانسان، واحالة اساطين الفساد في النظام الى المحاكمة، وكبح جماح سلطات قوات الامن، والسماح بتشكيل حزاب سياسية جديدة ... الا أن الاسد لم يفعل ذلك ولن يفعل، لأنه اختار الاستمرار في القتال في شوارع المدن والبلدات السورية واستخدام المزيد من العنف، كما عكس اعلان وزارة الداخلية السورية هذا الموقف الذي جاء فيه أنه "ليس هناك مجال للتساهل والتسامح في تطبيق القانون والمحافظة على امن البلاد والمواطنين وحماية النظام العام".
إن اعلان وزارة الداخلية السورية هذا يؤشر الى أن كفة المتشددين في مطبخ الحكم في دمشق ترجح على كفة "العملانيين" فيه، وتحديدا فأن قائد الحرس الجمهوري ماهر الاسد شقيق بشار وابن خالته رامي مخلوف يتوليان دفة إدارة الصراع مع الشارع السوري الذي بات يطالب بتغيير نظام الحكم بكامله وليس اصلاح طريقة الحكم فقط .
لكن السؤال: ماذا سقط نظام بشار الاسد ؟
إذا ما جرى الاطاحة بنظام الاسد نتيجة للحراك الشعبي الذي يجتاح سوريا فإن هنالك تداعيات "جيوسياسية" ستترتب على ذلك، حيث سيتعرض حلفاء دمشق ابتداء من إيران ومرورا بحزب الله وانتهاء بحماس لخسارة كبيرة، أو بكلمات أخرى سيؤدي ذلك الى سقوط الهلال الشيعي، او ما اصطلح على تسميته بقوى الممانعه.
إن سقوط النظام في سوريا سيؤدي قطعا الى تغيير في خريطة التحالفات وطرق ادارة الصراعات الاقليمية في الشرق الاوسط، وستكون ايران اول الخاسرين من سقوطه، كما ستشهد المنطقة تغييرات جيوسياسية منها تعزيز مكانة تركيا كقوة اقتصادية وسياسية فاعلة جدا، واستعادة العراق لقوته ومكانته في المنطقة كما كان قبل الاحتلال الامريكي له، ومما لا شك فيه أيضا أن اسرائيل تنظر الى سقوط النظام السوري بارتياح لأن هذا من شأنه تفكك قوى الهلال الشيعي (قوى الممانعه) ، رغم انها لا تخفي قلقها من حلول نظام اسلامي محل نظام الاسد الامر الذي قد يعرض مصالحها للخطر.
وفي حالة سقوط النظام السوري فإنه يتوجب على حماس والجهاد الاسلامي وعدد من الفصائل الفلسطينية التي تتخذ من دمشق مقرا لها ان تبحث عن مكان جديد (ربما في طهران)، مما سيبعدها آلاف الكيلومترات عن ساحات الصراع ناهيك عن الضعف السياسي والعسكري الذي سيلحق بها نتيحة لذلك، وقد يؤدي مثل هكذا تطور الى احداث تقارب بين ايران والعراق اللتان خاضتا حربا مدمرة في سنوات الثمانين بسبب التجانس الطائفي بين قيادة كلا البلدين ( الشيعه الاثني عشريه) .
ورغم التغيرات في خارطة التحالفات والقوى في المنطقة نتيجة لسقوط نظام بشار الاسد فإن بعضا منها سيبقى على حاله، فمثلا فإن تركيا ستواصل استثمار صداقتها مع سوريا ايا كانت طبيعة النظام فيها، لان سوريا تظل محورا رئيسا في مطامح السياسة العربية لتركيا، وقد تحل تركيا محل ايران كحليف اقليمي رئيسي لسوريا.
كما انه من غير المتوقع ان تقلل سوريا من نفوذها في لبنان، اذ ليس بامكان اي نظام سوري مهما كانت طبيعته ان يقبل بوجود حكومة معادية في بيروت، فأمنه، وخاصة في مواجهة اسرائيل، مرتبط بقوة بأمن جارته لبنان، الذي يعتبر الساحة الخلفية لسوريا .


رد مع اقتباس