أقلام وآراء ( 732 )

ربيع منظمة التحرير الفلسطينية المؤجل جداً المركز الفلسطيني للإعلام ،،، علي بدوان

غير مقبول إلا إذا كان إسرائيلياً المركز الفلسطيني للإعلام،،، د. منار الشوربجي

"إسرائيل"الثانية في مصر والثالثة في جنوب السودان والحبل على الجرارالمركز الفلسطيني للإعلام أ. د. علي الهيل

دعونا نُعطي "المصالحة" فُرصَتها (1/2) فلسطين أون لاين،،، د. محمود العجرمي

عندما يتآمر نتنياهو وأوباما على الثورة المصرية فلسطين الآن ،،، صالح النعامي

زيارة هنية.. رسائل وعبر فلسطين الآن،،، د.أحمد المغربي

ربيع منظمة التحرير الفلسطينية المؤجل جداً

المركز الفلسطيني للإعلام ،،، علي بدوان

بالرغم من حضور الملف المتعلق بأوضاع منظمة التحرير الفلسطينية على طاولة الحوارات الفلسطينية التي لم تنقطع عملياً منذ عدة سنوات، بما فيها الجولات الأخيرة في القاهرة، فإن ملف المنظمة مازال موضوعاً إشكالياً وشائكاً، بل ويراوح مكانه دون تحقيق تقدم ولو بسيط على صعيد إعادة بناء مؤسسات المنظمة وتفعيلها، وتوسيع صفوفها بقوى التيار الإسلامي التي باتت تشكل مكوناً أساسياً من مكونات الحياة السياسية والكفاحية والمجتمعية للشعب العربي الفلسطيني في الداخل والشتات.

فلماذا المراوحة بالمكان بالنسبة لملف المنظمة بالرغم من تعالي الأصوات المنادية بالالتفات إليه وإعطائه ما يستحق من جهد وعمل، وهل من أفق ممكن لرؤية ربيع فلسطيني بإرادة شعبية، يتم من خلاله إعادة تجديد حياة المنظمة وعموم المؤسسات الفلسطينية التي تكلست وتقوقعت على ذاتها منذ زمن طويل، وباتت أشبه بشاهد زور يستدعي عند الضرورة للمصادقة على قرارات محددة يتم اتخاذها في الإطار السلطوي الفلسطيني..؟

نقد قاس.. ولكن

في البداية لابد من القول إن العقدين الماضيين شهدا عملية تهميش لمنظمة التحرير الفلسطينية بشكل تراكمي، ولعملية الحط من مكانتها باعتبارها الوعاء الحاضن والموحد للشعب الفلسطيني في فلسطين والشتات. فقد تحولت المنظمة وهيئتها القيادية الأولى المسماة باللجنة التنفيذية إلى مجرد أداة ووسيلة فقط يتم استحضارها عند الضرورة لتمرير قرارات وتوجهات سياسية محددة.

كما لابد من القول إن عملية النقد القاسية لأوضاع منظمة التحرير الفلسطينية تنبع بالأساس من الحرص عليها وعلى دورها باعتبارها الكيانية التمثيلية التعبيرية، والمرجعية التي توحد كل الشعب الفلسطيني في الداخل والشتات، وباعتبارها الوعاء الحاضن لعموم قوى وفصائل العمل الوطني الفلسطيني. فالسلطة الفلسطينية في الداخل تمثل جزءاً من الشعب الفلسطيني (القدس والضفة الغربية وقطاع غزة) أما منظمة التحرير فتمثل كل الشعب الفلسطيني في الداخل والشتات وحتى داخل الأرض المحتلة عام 1948م. كما أن المرجعية المفترضة للسلطة الفلسطينية هي منظمة التحرير وليس العكس حيث حلت السلطة عملياً مكان المنظمة، التي تراجع دورها وبات دوراً شكلياً استخدامياً لا أكثر ولا أقل.

ومن الواضح عبر مسيرة الحوارات الفلسطينية التي تتالت فصولها منذ عام 2005 في العاصمة المصرية، بان موضوع منظمة التحرير وملفها الشائك تتنازعه وجهات نظر مختلفة داخل أطر العمل السياسي الفلسطيني، حيث سبق وأن تم وأد كل المحاولات التي جرت خلال العقود الثلاثة الماضية لخلق أطر بديلة أو موازية للمنظمة من قبل بعض الأطراف الفلسطينية، كما سقطت معها كل مشاريع ما أسماه البعض بـ (هدم الخيمة) وإعادة بناء خيمة جديدة.

لقد هيمن تيار تقليدي ومازال يهيمن على المنظمة وحالها، وهو تيار يريد إدخال إصلاحات شكلية وليست جذرية ونوعية على أوضاع المنظمة، إصلاحات لا ترتقي إلى المستوى المطلوب، وهو تيار ذو لون سياسي واحد تقريباً، يحن لبقاء حالة الاستفراد في القرار وفي إدارة دفة الحياة السياسية المقررة في المستويات الفلسطينية العليا، ويريد في الوقت نفسه الإبقاء على «اللعبة الداخلية» الفلسطينية المتقادمة، والتي استندت على سببية ثلاثية وفق متوالية عمادها: أولاً المحاصصة واقتسام الكعكة بين طرف رئيسي وباقي الأطراف المتحلقة حوله. ثانياً هيمنة لون سياسي واحد على كل المؤسسات (وفق قاعدة السمكة الكبيرة تأكل الأسماك الصغيرة). وثالثاً إتباع طريفة ديمقراطية ملعوب عنوانها «قولوا ما تشاؤوا في المؤسسات كاللجنة التنفيذية (وهي أعلى سلطة في المنظمة) واللون السياسي الواحد المهيمن يفعل ما يشاء».

وبالطبع، فإن منطق المحاصصة واقتسام الكعكة بين عموم القوى، أو حتى بين القوتين الأكبر والمقصود حركتي فتح وحماس، أمر لم يعد مقبولاً على الإطلاق، ويعاكس منطق الحياة وطبيعة الأشياء، فمن يريد فعلاً إعادة بناء وتأسيس منظمة التحرير الفلسطينية عليه أن يسير باتجاه إدخال إصلاحات جوهرية عليها وعلى عموم مؤسساتها، وصولاً لصياغة برنامج ائتلافي وطني يمثل الموقف المشترك لعموم القوى السياسية ذات التلاوين الأيديولوجية المختلفة في الساحة الفلسطينية، والوصول إلى المشاركة الحقيقية والتامة في صياغة القرار الوطني وإدارة دفة العمل السياسي الفلسطيني ببعده التكتيكي والاستراتيجي.

رياح التغيير وصاداتها

فالتيار الحقيقي المعبر عن نبض الشارع الفلسطيني، وعن مواقف الناس المتأثرين بالحراكات الجارية في العالم العربي، ينحو نحو الدعوة إلى العمل من أجل إيصال رياح التغيير إلى الساحة الفلسطينية، عبر إسقاط الحالة والمعادلة الفلسطينية الداخلية المتقادمة، والتي تآكلت خلال العقود الماضية، وبناء معادلة داخلية فلسطينية جديدة عمادها مشاركة الناس في الداخل والشتات في بناء الخيارات الوطنية الفلسطينية بما في ذلك انتخابات منظمة التحرير ومجلسها الوطني ووقف سياسات التعيين والكوتات لصالح النزول عند إرادة الناس وصندوق الاقتراع، وبالتالي في إنهاء ضعف المنظمة وتفككها وغيابها وتآكل سفاراتها ومكاتبها ومنظماتها الشعبية، وإجراء مراجعة جذرية شاملة للحالة الفلسطينية، تبدأ بالاتفاق الوطني على إصلاح منظمة التحرير جذرياً، وإعادة انتخاب هيئاتها القيادية بواسطة صندوق الاقتراع للشعب الفلسطيني في الداخل وحيثما أمكن في الشتات.

وفي هذا السياق، فان تشكيل إطار قيادي فلسطيني مؤقت، وانطلاقته في اجتماعه الأول قبل أيام في القاهرة بمشاركة حركتي حماس والجهاد الإسلامي، يشكل خطوة متواضعة وأولية على طريق إعادة بناء منظمة التحرير وإحداث ثورة ربيع حقيقي داخلها وداخل مؤسساتها بعد سنوات طويلة من التهميش ومن حالة السبات العميقة التي مازالت غارقة فيها.

فالاجتماع الأول للإطار القيادي المؤقت في القاهرة، لا يعني بأن الأمور باتت على سكة الإصلاح والتطوير بالنسبة لمنظمة التحرير، فالقلق المشوب بالحذر مازال سيد الموقف في الشارع الفلسطيني نظراً للتجارب المريرة التي عاشها ومر بها الشعب الفلسطيني، حيث لم تستطع حتى الآن كل الحوارات واللقاءات والاتصالات أن تخطو خطوة جديدة مقنعة بالنسبة لمشروع إعادة بناء المنظمة ومؤسساتها، وإعادة بناء الائتلاف الوطني العريض داخل أطر الحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة.

وبالطبع، فان الشعب الفلسطيني يعي بأن الأمور تحتاج لإرادة وطنية تتغلب على المصالح الفئوية الضيقة لهذا التنظيم أو ذاك، وتتغلب على نزعات الاستحواذ والهيمنة ورفض الرأي الأخر، ورفض النزول عند رغبات الناس والشارع الفلسطيني.

فالشعب الفلسطيني بحسه الفطري والعفوي، صاحب خبرات وتراكمات، وصاحب أطول عمليات كفاحية وانتفاضية شهدها التاريخ الحديث والمعاصر للإنسانية برمتها منذ إضرابه واعتصامه التاريخي في العام 1936 (الاعتصام والعصيان المدني المعروف بإضراب الستة أشهر زمن الانتداب البريطاني)، وبالتالي فمن المنطقي القول بأن وجود أعضاء في القيادات العليا الفلسطينية كبعض الأمناء العامين للعديد من القوى والفصائل ومنها فصائل منظمة التحرير واليسارية منها على وجه الخصوص الذين مازالوا في مواقعهم منذ أربعة عقود ونيف، أمر لم يعد يحتمل ولا ينسجم مع إرادة الشعب الفلسطيني وربيعه المنشود، ولا ينسجم مع أجواء ومناخات التطوير والتغيير إلى تكتسح العالم والعقل البشري.

كما أن وجود بعض أعضاء اللجنة التنفيذية منذ عقود وهم في موقعهم وقد تحولوا إلى (أيقونات) داخل اللجنة التنفيذية أمر لا ينسجم مع طبيعة التطور ومناخات الديمقراطية المطلوبة في الساحة الفلسطينية، حيث هناك من دخل اللجنة التنفيذية للمنظمة وهي أعلى هيئة قيادية مقررة باسم الشعب الفلسطيني، وعمره لا يتجاوز (24) عاماً ومازال إلى الآن عضواً في اللجنة التنفيذية وقد تجاوز الستين عاماً من عمره.

وفي هذا السياق، فان رياح التغيير لم تنأى بنفسها عن الساحة الفلسطينية لكن هناك (صادات) كبيرة وواسعة قد اعترضتها، فالمعيقات التي حدّت من انطلاق ربيع فلسطيني حقيقي، تمثلت بعدد من العوامل التي جاءت على خلفية الخصوصية الفلسطينية ووجود الشعب الفلسطيني في الداخل تحت السيطرة الفعلية للاحتلال، ووجود فلسطينيي الشتات تحت ظروف استثنائية.

فلو كان الشعب الفلسطيني على بقعة جغرافية واحدة وخارج سيطرة الاحتلال، وخارج تداخلات النظام العربي على من هم في الشتات من الفلسطينيين، لشهدنا ثورة الربيع العربي في فلسطين قبل أي قطر عربي آخر.

وخلاصة القول، نتمنى لخطوة تشكيل الإطار القيادي المؤقت النجاح، والانتقال نحو البدء بإصلاح أوضاع المنظمة، والوصول إلى نتائج طيبة في أسرع وقت ممكن، حيث سيف الزمن لا يرحم أبداً ولا يغفر للمقصرين.

فأوضاع منظمة التحرير والطريق نحو تصحيحها وإعادة بنائها من جديد مازالت مهمة شاقة وعسيرة، والشعب الفلسطيني بقاعدته العريضة لا يملك من ثروة سوى فطرته الكفاحية المتوالدة مع أجياله، ومشروعية نضاله وارثه الديمقراطي الذي لم تصنعه له أو تأتي به أحزاب الساحة الفلسطينية من أي لون سياسي أو فكري. كما أن الكرة الحديدية الثقيلة الهابطة على رأس الشعب الفلسطيني جراء الاحتلال والمعاناة اليومية في الداخل، والأحوال الاستثنائية للفلسطينيين في الشتات، تحتاج بالضرورة إلى قيادات وقوى استثنائية حضوراً وعملاً وسمواً وارتفاعاً في قاماتها بعيداً عن الانقسام والتشرذم ومنطق الاستحواذ الذي استنزف حركة المقاومة جزءاً هائلاً من المخزون الحقيقي والفعلي لها، وقذف بخيرة كوادرها خارج إطار العمل المباشر.

غير مقبول إلا إذا كان إسرائيلياً

المركز الفلسطيني للإعلام،،، د. منار الشوربجي

في "إسرائيل" اليوم جدل كبير حول مسألة الفصل بين الرجال والنساء في المجال العام، وهو فصل يطالب به المتشددون اليهود على أسس دينية، فقد جرت أكثر من واقعة مؤخراً طُلب فيها من سيدات التخلي عن مقاعدهن الأمامية في الحافلات العامة والانتقال إلى مقاعد خلفية.

ففي الأسبوع الماضي، استقلت طالبة شابة مقعداً أمامياً في إحدى الحافلات العامة. فطالبها أحد الركاب الأرثوذكس المتشددين بالرجوع للمقاعد الخلفية، ولكنها رفضت، ولم تترك مقعدها، فإذا بها تتعرض للكثير من الإهانات اللفظية من جانب الراكب ومن ناصروه.

وعلى الرغم من أن تلك الواقعة ذات دلالة، إلا أن الواقعة الأهم منها هي تلك التي حدثت منذ أسابيع؛ وكانت بطلتها سيدة هي نفسها من اليهود الأرثوذكس تدعى يوكيفيد هارويتز. استقلت الحافلة التابعة للنقل العام، واختارت مقعداً في الصف الثاني. وفى المحطة التالية صعد رجل ما إن رآها حتى رفض إغلاق الباب من أجل أن تنطلق الحافلة في طريقها، إلا إذا تركت هارويتز مقعدها وانتقلت للمقاعد الخلفية.

وحين أصرت هارويتز على رفضها، وأصر الرجل على موقفه، تذمر الركاب وطالبوا السائق بحل المشكل، فقام الأخير باستدعاء الشرطة. لكن رجل الشرطة حين حضر انتحى بالرجل الغاضب جانباً ثم عاد بعد قليل ليطلب من هارويتز أن تنتقل للمقاعد الخلفية، فرفضت من جديد. وقد انتهى الموقف بمغادرة الرجل الغاضب للحافلة.

ومغزى تلك الواقعة بالذات هو في هوية بطلتها. فهي هذه المرة سيدة أرثوذكسية ملتزمة حتى في مظهرها وملابسها، ولكنها اعتبرت أن إجبار المرأة على الجلوس في المقاعد الخلفية لمجرد أنها امرأة يمثل إهانة لها، وهى قالت إن ذلك السلوك مبنى على فهم خاطئ للنصوص المقدسة التي لا يوجد بها ما يفرض الفصل بين النساء والرجال.

وهى أضافت أن ما تخشاه حقاً هو وقع ذلك الفصل التعسفي على النشء الذي قد يستخلص من ذلك أن المرأة تستحق موقعاً مهيناً، بينما الكتاب المقدس يعلى من شأنها. والقضية برمتها ليست جديدة في "إسرائيل".

فهي تعود إلى أكثر من عقدين على الأقل حين بدأ المتشددون من اليهود الأرثوذكس المطالبة بالفصل بين النساء والرجال في المواصلات، بل أنشأوا بعض وسائل المواصلات الخاصة لكي تتبنى ذلك الفصل، إلى أن انتقل الجدل اليوم إلى المواصلات العامة والمجال العام عموماً.

والحقيقة أن هاتين الواقعتين ليستا جديدتين على المجتمع الإسرائيلي. فقد حدثت وقائع مماثلة من قبل، لعل أهمها هو الموقف الذي تعرضت له الأديبة الإسرائيلية تانيا راجين منذ سنوات، حين رفضت ترك مقعدها والانتقال إلى مقعد خلفي تعرضت لوابل من الصراخ والإهانات التي كالها لها المتشددون من الرجال الأرثوذكس في الحافلة، حتى أنها اضطرت للمغادرة وهى تبكى. لكن الأديبة لم تسكت. فهي رفعت الموضوع إلى القضاء الإسرائيلي الذي أصدر حكماً لم ينصفها في نهاية المطاف.

فقد صدر قرار المحكمة العليا ليمسك العصا من المنتصف، فأدى لتكرار تلك الحوادث فيما بعد. فالقرار على الرغم من وصفه للفصل بين النساء والرجال في المواصلات العامة بأنه «غير قانوني»، إلا أنه أضاف أنه من الممكن قبوله لو أنه حدث بالتراضي. بعبارة أخرى، فتحت المحكمة الباب واسعاً لمن يريد الضغط على النساء بدعوى محاولة الوصول للتراضي.

وتمثل دعاوى الفصل بين الرجال والنساء في "إسرائيل" مجرد واحدة من تجليات حالة عامة من التشدد بل والتطرف التي تعم الساحة الإسرائيلية، سواء كان تطرفاً سياسياً أو دينياً أو إيديولوجياً.

غير أن الموقف الأميركي مما يجري في "إسرائيل" مثير للانتباه، ويدعو للتأمل. فبينما يقيم الكونجرس الأميركي الدنيا ولا يقعدها بخصوص وصول الإسلاميين للسلطة في العالم العربي، حتى إنه هدد رسمياً بقطع المعونات عن مصر «إذا ما وصل المتطرفون الإسلاميون للحكم فيها»، إلا أن هذا الكونجرس نفسه لم ينطق بكلمة واحدة إزاء ما يجرى في "إسرائيل"، على الرغم من أن المتطرفين، بما في ذلك الأحزاب الدينية المتطرفة، وصلوا للسلطة، وممثلون في الكنيست، بل ويشاركون بشكل فعال في الحكم في "إسرائيل"! لكن إزاء هذا الوضع الإسرائيلي، فإنك لا تجد في الدوائر السياسية الأميركية إلا دعماً غير مشروط ل"إسرائيل"، وتعهدات بالوقوف في صفها بشكل مطلق، بغض النظر عن طبيعة الحكم فيها أو مدى تطرفه.

وما يجرى الآن من تنافس على حب "إسرائيل" في حملة انتخابات الرئاسة في أميركا هو أحد تجليات تلك الحالة. والولايات المتحدة التي زعمت أن تحرير المرأة من براثن التطرف الديني كان أحد أسباب غزو أفغانستان، إلا أنها لا تحرك ساكناً، ولا يصل دعمها غير المشروط ل"إسرائيل" إلى الوقوف في صف المرأة الإسرائيلية ضد التطرف الديني هي الأخرى.

بل أكثر من ذلك، فأنت نادراً ما تجد مقالاً في الصحف الأميركية يشير أصلاً لوقائع التطرف الديني في "إسرائيل" على غرار المقالات التي لا تعد ولا تحصى والتي تتولى التشهير بالعرب والمسلمين كلما حدثت واقعة في بلادنا. فعلى الرغم من أن مجتمعات الدنيا كلها، بما فيها المجتمع الأميركي نفسه، تنطوي على تنوع كبير.

وفى مجتمعاتنا العربية مثلها مثل كل المجتمعات يوجد المعتدلون والمتطرفون والمتشددون ومن يستخدمون العنف، إلا أنك تنظر إلى الخطاب الأميركي فتجده يستثنى من كل ذلك "إسرائيل"، فهي الحمل الوديع وواحة الديمقراطية في محيط من التخلف!.

"إسرائيل" الثانية في مصر والثالثة في جنوب السودان والحبل على الجرار

المركز الفلسطيني للإعلام،،، أ. د. علي الهيل

لا أعتقد أن من قبيل الصدفة أن تُعلن السفيرة الأمريكية (سوزان دينيس بيِج) في (جوبا-عاصمة دولة جنوب السودان) ضرورة إنشاء جيش جنوبي "محترف" (طبعاً لمحاربة جمهورية السودان) بالتزامن مع زيارة (سيلفا كير) رئيس الدولة المنشقة إلى (إسرائيل). لقد صدرت التعليمات إذن من (الإيباك) ولوبياتها في أورربا كما كان متوقعاً إلى الإدارة الأمريكية وحليفاتها ألأوروبيات وخاصة بريطانيا وفرنسا باحتضان الدولة المسخ الخنجر في خاصرة (جمهورية السودان) العربية المسلمة المصرة على إحياء أحكام الشريعة في مختلف مناحي الحياة.

وهذا أمر يغيظ الغرب دائماً قديماً وحديثاً مع تحفظنا على طريقة استعمال حكومة (الخرطوم) لفكرة تسييس (الشريعة) كأداة للضغط حيناً وللمقايضة حيناً وللبقاء في السلطة في أحايين أخرى في تعاطيها مع معارضيها من شماليين وجنوبيين على حد سواء، مستغلة تعاطف الشماليين وكثير من مسلمي الجنوب مع أحكام الشريعة.

لا شك أن (سيلفا كير) قد أسمع الصهاينة كلاماً جميلاً قابلاً للتطبيق خاطباً ودها ليوده الغرب (بطبيعة الحال) وتأكد الصهاينة في (تل أبيب) من إمكانية تبنيه على أرض الواقع يخدم أولاً وأخيراً نظرية الأمن الصهيوني (الإسرائيلي) المزعوم ومصالحها الاقتصادية والالتفاف على العالم العربي من البوابة الشمالية لإفريقيا العربية.

إنه مخطط قديم أو لنقل جزئية ضمن مخطط (إسرائيل الكبرى) حالت ظروف تاريخية دون تحقيقه وتبدو الظروف الحالية سانحة لأن يتحقق بأثر رجعي ربما. فقد خرجت من (مصر) مؤخراً صيحات قبطية بأصوات عروبية مخلصة من أمثال (المفكر العربي المصري القبطي بولس رمزي) تحذر من إقامة (إسرائيل الثانية) في مصر. إن فوز التيار الإسلامي المدني والسلفي في الانتخابات المصرية الأخيرة الذي يؤشران لم يكن يعكس بجلاء واضح كفر الناخب المصري بحكم العسكر (حالة شبيهة كثيراً بالحالة التركية التي أدت إلى مجيئ 'العدالة والتنمية') وتعاطفه مع الظلم التاريخي الذي تعرض له هذا التيار على يد الحكم المصري ومن قبله الاستعمار الفرنسي والإنجليزي. وإذا ما تم ربط ذلك بإدراك الناخب المصري بكراهية (إسرائيل) والغرب لأي شكل من أشكال الحكم الإسلامي في العالم العربي خاصة مصر ويؤازر (إسرائيل) والغرب في ذلك بشكل جلي واضح الجنرالات المصريون بزعامة (طنطاوي وعنان) لا سيما بعد مقاطعة (حماس) التي جيئ بها إلى الحكم في كانون الأول (يناير) عام 2006 عن طريق صناديق الاقتراع في أجواء ديمقراطية في أراضي (السلطة الفلسطينية) هي الأنقى في الشرق الأوسط كما وصفها في حينها (جيمي كارتر)، ومن قبلها أطيح في كانون الأول (يناير) عام 1990 بنتائج انتخابات (الجزائر) التي أوصلت الإسلاميين من خلال (جبهة الإنقاذ الإسلامية) إلى الحكم والتي هي الأخرى وُصفت من قِبَلِ مراقبين دوليين بأنها كانت نزيهة وشفافة، فإن الناخب المصري ربما أعطى صوته للتيار الإسلامي نكاية في (إسرائيل) والغرب وجنرالات مصر.

ما من ريب في أن جنرالات الجيش المصري الحاليون (بصرف النظر عن الاعتذارات والتوضيحات التي استماتوا في توجيهها للشعب المصري خاصة عن الانتهاكات الصارخة الأخيرة لشرف حرائر (مصر) في رسالة كما قال (محمد عواد) أحد شباب الثورة المصرية على الجزيرة الأسبوع الماضي للعائلات المصرية بأن تَلزمَ فتياتها الخدور وأن يَقِرْنَ في بيوتهن ولا يثُرْنَ مع الثائرين من بعد أن تبين لهنَّ الحق ومن بعد أن تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الثورة المصرية الشبابية العظيمة) كانوا سنة توقيع اتفاقية الخزي والعار كما يصفها الوطنيون المصريون (كامب ديفد) عام 1979 في مقتبل العمر في العشرينات أو الثلاثينات من أعمارهم، وقد رعوا تلك الاتفاقية وحموها ودافعوا عن كل بند فيها مع علمهم يقينا أنها ضد مصالح مصر دعك عن مصالح محيطها العربي الطبيعي الذي تم سلخها منه. وكلهم تقريباً تتلمذوا في دورات في الفكر العسكري على يد أساتذة وضباط صهاينة وأمريكيون وأوروبيون غربيون على مدة ثلاثة عقود ونيف، في داخل مصر وفي (إسرائيل) ودول الغرب. وكما فُعل بالضباط العراقيين منذ غزو الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا للعراق عام 2003 ومن خلالهما (إسرائيل) وكما يُفعل الآن بالضباط الليبيين والحبل على الجرار فُعل بالضباط المصريين بأنْ تم غسل أدمغتهم وجعلهم يصدقون بلا أدنى شك أن (كامب ديفيد) مقدسة وعليهم أن يعضوا عليها بالنواجذ. إنها عقلية مخابراتية موسادية ومعروف أن الموساد هو أستاذ السي أَيْ إِيْ، ألم يغسلوا دماغ (الأمير فيصل) ابن أخ الملك العظيم الراحل (فيصل بن عبد العزيز) عن طريق صديقته الصهيونية اليهودية (حسب رواية أحمد زكي يماني) عضو الموساد والسي أَيْ إِيْ ومن ثم دفعوه دفعاً بعد أن هَلْوسوهُ (قبل أن يكتشف القذافي قصة حبوب الهلوسة بسنوات عديدة) إلى الرياض حيث قتل عمه (الملك فيصل بن عبد العزيز) عليه رحمة الله فقط لأنه وعد بأن يصلي في القدس وفقط لأنه أهان الصهيوني اليهودي (هنري كيسنجر) وزير خارجية أمريكا وقت ولاية (ريتشارد نيكسون).

دعونا نُعطي "المصالحة" فُرصَتها (1/2)

فلسطين أون لاين،،، د. محمود العجرمي

هل انطلق قطار المصالحة، أم أنها لم تزل قفزة انتقائية في فراغ المأزق السياسي العَصِيّ الذي تواجهه بعض القوى، بعد إفلاس مشروعها التسووي الذي يستطيل فصولاً منذ سنين !

وما هي الضمانات الوطنية الكفاحية – إذا حَسُنَت النوايا - لضمان يُسْر اندفاعته، وإسناد سكته حتى محطته الأخيرة !

أسئلة كبيرة، وكثيرة، تَفْرِض نفسها، ولم تزل دون إجابة شافية، في كل ما يتعلق بالملفات الرئيسية وحتى الآن ؟!

التصريحات الفلسطينية تَملأُ الصُحف، عن التقدم "المزعوم" الذي تم إحرازه، ولكن قراءة هادئة لجوهر "جَوجَلة" هذا الركام، لن تُشفي غليل كل أولئك الباحثين عن نتائج حقيقية ملموسة يُمكن أن يبني عليها الشعب أملاً طال انتظاره، في غياب الأجندات الزمنية، والمرجعيات القانونية، والإجراءات العملية على الأرض، تلك التي تؤشر إلى أن لحظة "استعادة الُلحمة" قد دَنَت!!

وعلى الجبهة الأخرى، التهديدات الصهيوني تتوالى لأكثر من مسؤول في دولة الاحتلال، لقطع طريق المصالحة، بالغزو والحصار تارة، وبقطع الأموال تارة أخرى !!

و"قانون القدس" في الكنيست الصهيونية بإعلانها "عاصمة الشعب اليهودي" يُطارِدُ كل المتسكعين على متن طائرات سراب الحلول خارج وحدة الصف الوطني الممر الإجباري الأول والأهم لإنجاز أي تقدم نحو دحر الاحتلال.

والإجراءات المعادية كثيرة وفي مقدمتها بالطبع رفع وتسارع وتيرة الاستيطان والتهويد والإبعاد وأخرى يطول ذكرها، ولكن الأهم منها حملات الاعتقال، والقتل، واعتبار العدو وبعض "بني جلدتنا" أن توحيد القلعة الوطنية مقدمة لسيطرة "التطرف" على الخارطة السياسية الفلسطينية!

حكومة العدو تُقِرُّ مشروع "القدس الكبرى" فيدخل حيز التنفيذ، وتبدأ الآلاف الجديدة للوحدات الاستيطانية الصهيونية إمعاناً في تهويد وتلويث قدس العرب مسلمين ومسيحيين وكل أحرار العالم!

وحدة الصف الفلسطيني التي تأخرت لخمس سنوات بالتمام والكمال، آن لها أن تتحقق بكل الزخم الذي يتمناه كل وطني يعز عليه الوطن شعباً ومقدسات، ولكن ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، وليس بالرجاء وحده تتحرر الأوطان!! ونقول في ذلك ولمرارة التجربة إن من بين الزوايا الهامة التي يجب أن تتعاطاها الاستراتيجية الوطنية، السيطرة على الصُدف!

فمثلاً، نحن الذين وضعنا أنفسنا في فخ مآزق التسول لهاثاً وراء حقوقنا المالية، وفق اتفاق أوسلو، وفضيحة "اتفاق باريس الاقتصادي"، التي يجب أن نتحلل منها بكل ما أوتينا من عزم لمواجهة معركتنا الحقيقية مع عدو نازي يمارس ضدنا إبادة عرقية منهجية تستديم منذ أكثر من قرن!

رئيس المجلس التشريعي د. عزيز دويك، يُعلن توصل الرئيس محمود عباس، ورئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إلى اتفاق لاستئناف أعمال المجلس مطلع شهر شباط/فبراير المقبل، وأنه سيناقش كافة القوانين والمراسيم الرئاسية خلال فترة الانقسام وقانون الانتخابات التشريعية والرئاسية المزمع عقدها – كما قيل – في أيار/مايو القادم وفقاً للقانون الأساسي وتعديلاته التي تفصل بين السلطات، تلك التي تؤكد أن البرلمان سيد نفسه! يبحث الجميع عن أي وثيقة أو صيغة أو إعلان، أو حتى إشارة تؤكد ذلك، ولا مجيب. وهل سَيَفْلُت المجلس المغدور فِعلاً من قبضة يد من يلوي عنقه منذ 5 سنوات ؟! وعلى العكس من ذلك، كل ما يدب على الأرض يؤكد أن المجلس قد يُمضي فترة "بيات شتوي جديدة" لأن السادة ما زالوا يبحثون عن الدب في غابة أخرى !!

وينوه رئيس السلطة الاشتراعية بمرارة إلى غياب يراه تغييباً لدور المؤسسة الوطنية الأهم عن أكثر المهام دقة خلال اجتماعات الحوار الوطني في القاهرة.

الجميع يتمنى أن يذهب الانقسام إلى غير رجعه كحالة طارئة واستثنائية، وأن تُطوى صفحتها إلى الأبد، وأن ينخرط كل ذوي الشأن العام في تأدية المهام الميدانية المُلِحَّة للخروج إلى فضاءات التَوَحُّد حول برنامج وطني يحفظ الثوابت، ويعيد بناء المؤسسات، ويُقَدِّس الشراكة، وينبذ التَفَرُّد. فهل نقترب فعلاً من وضع حد لهذا الكابوس، أم أن هناك من ينظم وضع العصي في دواليب الحل، أو تفجير قنابل دخانية اسمها الحركي “تفاهمات المصالحة"، وخطط تُعد على نحو غير مسبوق كالاعتقالات التي لم تزل تتوالى على عجل حتى لا نصل إلى نهاياتها السعيدة! علامات استفهام تغلق الطريق، تشير إلى أن البعض يرى في جُلّ ما يجري خطوات تكتيكية "لتقطيع مرحلة" والوصل مع ما انقطع في ظروف أكثر ملاءمة!

عندما يتآمر نتنياهو وأوباما على الثورة المصرية

فلسطين الآن ،،، صالح النعامي

تعيش "إسرائيل" حالة من الفزع والإرباك الشديد إثر الأحداث المتتالية التي شهدتها مصر مؤخراً، والتي أظهرت لصناع القرار في تل أبيب بؤس الرهان على إمكانية أن تنجح قيادة الجيش المصري في تقليص "المخاطر" التي قد تتعرض لها "إسرائيل"، والناجمة عن عملية التحول الديمقراطي في مصر.

فالجنرال أورن شاحور، الذي كان مسؤولاً عن التنسيق مع الجيش المصري يرى أنّ مصلحة "إسرائيل" تقتضي أن يبقى المجلس الأعلى للقوات المسلحة في الحكم أطول فترة ممكنة من أجل ترتيب الأمور بما يضمن بقاء مصر ضمن الدائرة الأمريكية، كما نقلت عنه ذلك النسخة العبرية لموقع صحيفة "يديعوت أحرنوت" بتاريخ 23-11-2011.

ويصور أليكس فيشمان، كبير المعلقين العسكريين في صحيفة "يديعوت أحرنوت" الإسرائيلية، وثيق الصلة بدوائر صنع القرار الصهيوني، مشاعر خيبة الأمل التي تعصف بدوائر الحكم الإسرائيلية، بعدما فشلت محاولات المجلس العسكري في تأمين مكانة فوق دستورية لنفسه في الدستور المصري القادم.

ويرى فيشمان في مقال نشره بتاريخ 22-11-2011، أنّ عدم نجاح المجلس العسكري المصري في تأمين مكانة فوق دستورية خاصة، يعني مواجهة "إسرائيل" شرق أوسط جديد، حيث يؤكد فيشمان أنّ صناع القرار في واشنطن وتل أبيب كانوا يأملون أن ينجح المجلس العسكري، ليس فقط، في تقليص قدرة القوى المعادية ل"إسرائيل" على تحقيق الفوز في الانتخابات التشريعية المقبلة؛ بل كانوا يراهنون على نجاح المجلس العسكري في ترجيح كفة مرشح للرئاسة يضمن الحفاظ على اتفاقية "كامب ديفيد" من جهة، ويواصل ربط مصر بالمنظومة الغربية، على اعتبار أنّ ذلك "مصلحة قومية مصرية".

حسب البوصلة الإسرائيلية

إنّ "إسرائيل" أدركت منذ وقت بعيد الطاقة الهائلة الكامنة في علاقاتها مع نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك، مما جعل وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق بنيامين بن إليعازر يصف مبارك بأنّه "كنز إستراتيجي" ل"إسرائيل"، لذا فقد جن جنون القيادة الإسرائيلية بعدما تم خلع مبارك.

لكن الأمل الذي ظل يحذو حكام تل أبيب، كان يتمثل في السعي للحفاظ على نفس العلاقات مع أركان نظام مبارك، التي ظلت تمارس صلاحيات الحكم بعد خلعه، لا سيما قيادة العسكر والمؤسسة الأمنية.

وفي الوقت نفسه، خشيت محافل صنع القرار ودوائر التقدير الاستراتيجي في "إسرائيل" أن تسفر عملية التحول الديمقراطي في مصر عن المس بمكانة قادة العسكر والأمن في مصر، فاتجهت إلى واشنطن للتشاور حول كيفية تقليص "الأخطار" الناجمة عن التحول الديموقراطي في مصر.

فبخلاف الانطباع السائد، فإنّ اللقاء الذي جمع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الأمريكي باراك أوباما في نيويورك أواخر أيلول الماضي، قد بحث بشكل أساسي آليات التحرك الكفيلة بتقليص المخاطر الناجمة عن عملية التحول الديمقراطي في مصر، في أعقاب إجراء الانتخابات التشريعية.

النقاش حول طلب السلطة الفلسطينية عضوية كاملة لدولة فلسطين في الأمم المتحدة، لم يشغل حيزاً كبيراً في اللقاء بين الإثنين، كما كشف عن ذلك التلفزيون الإسرائيلي.

لقد بحث كل من نتنياهو وأوباما آليات للتأثير على المشهد السياسي المصري المستقبلي بشكل يخدم المصالح الإسرائيلية والأمريكية، مع العلم أنّ التوصية بهذه الآليات قد جاءت نتاج مباحثات مطولة أشرف عليها كل من يعكوف عامي درور، رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، وتوم دنيلون مستشار الأمن القومي الأمريكي.

وحسب التصور الذي قدمه لواء الأبحاث في شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية لحكومة نتنياهو فإنّ المصلحة الإسرائيلية تقتضي أن تواصل قيادة الجيش المصري الاضطلاع بدور حاسم في عملية صنع القرار السياسي والعسكري المصري في مرحلة ما بعد إجراء الانتخابات المصرية.

وقد عبّر وزير الدولة الإسرائيلي الجنرال يوسي بيليد عن أمله أن يضطلع الجيش المصري بنفس الدور الذي كان يضطلع به الجيش التركي قبل صعود حزب العدالة والتنمية بزعامة أردوغان.

توظيف أوباما

لقد تعلم نتنياهو الدرس من تجربة تدخله الفج لصالح الرئيس مبارك في ذروة تفجر الثورة المصرية، عندما توجه علناً لقادة الدول الأوروبية وطالبهم بعدم السماح بإسقاط مبارك، حيث أنّ هذا التدخل المكشوف أدى، في حينه، إلى نتائج العكسية.

من هنا، فإنّ نتنياهو يحاول حالياً أخذ الاحتياطات بشأن مستقبل العلاقة مع مصر، بشكل سري وبعيداً عن الأنظار، وضمن ذلك عبر تفاهمات مع الرئيس أوباما.

وحسب إسحاق مولخو، المستشار السياسي لنتنياهو، فإنّ أكثر هاجس ظل يشغل بال رئيس الوزراء الإسرائيلي على مدى الأشهر الأخيرة، هو السعي لتأمين المخاطر الناجمة عن عملية التحول الديمقراطي في الوطن العربي، وتحديداً في مصر. ومن الواضح أنّ نتنياهو قد قبل توصية شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية آنفة الذكر، وبالتالي يمكن القول أنّ نتنياهو ومساعديه قد أوصوا الرئيس أوباما بالضغط من أجل أن يحافظ العسكر في مصر على ثقل زائد في عملية صنع القرار السياسي، وذلك لمنع القوى السياسية المصرية التي يفترض أن تحكم مصر بعد الانتخابات من القيام بأيّ خطوة جدية تؤثر سلباً على المصالح الأمريكية والإسرائيلية.

وفي سعيهم لتجنيد الأمريكيين للتأثير على مستقبل مصر، فإنّ الإسرائيليين قد حرصوا على تذكير أوباما بالمصالح الأمريكية التي يمكن أن تتضرر جراء صعود قوى سياسية "متطرفة" للحكم في مصر، لا سيما الملاحة البحرية عبر البحر الأحمر وقناة السويس وإمكانية أن ينشأ تكتل عربي معادي للولايات المتحدة بقيادة مصر في المرحلة المقبلة.

يستدل مما تقدم أنّ "إسرائيل" عملت في الخفاء على إحباط التحول الديمقراطي في مصر، وعندما أدركت أنّ هذه المهمة باتت مستحيلة، فإنها تستنفر حالياً للمواجهة، وهذا ما يتوجب على القوى السياسية المصرية الانتباه والتحوط له.

زيارة هنية.. رسائل وعبر

فلسطين الآن،،، د.أحمد المغربي

الكاتب يتحدث عن الجولة الخارجية التي يقوم بها رئيس الوزراء اسماعيل هنية وما تحمله من رسائل تشر إلى إعادة بناء الأوضاع المختلفة في النظم السياسية العربية والإسلامية والدولية على أسس جديدة قائمة على الود والإخلاص بين الشعوب العربية والإسلامية، وقائمة على الندية الإيجابية مع دول العالم الأخرى.

الكاتب يتحدث عن الجولة الخارجية التي يقوم بها رئيس الوزراء اسماعيل هنية وما تحمله من رسائل تشر إلى إعادة بناء الأوضاع المختلفة في النظم السياسية العربية والإسلامية والدولية على أسس جديدة قائمة على الود والإخلاص بين الشعوب العربية والإسلامية، وقائمة على الندية الإيجابية مع دول العالم الأخرى.

وجاء في مقاله

بم يشعر طاغية مصر السجين وأتباعه الفاسدين وهم يرون رئيس الوزراء الفلسطيني الرجل الصالح يدخل مصر آمنا على نفسه، وآمنا على فكره، وآمنا على رسالته، وآمنا على أهدافه، بينما هم وراء قضبان المذلة والخزي والعار، بينما هم في الصندوق الخلفي للأحداث، لا قيمة لهم ولا وجود، ولا حسا ولا ركزا!

تتعدد العبر وتتطاير الرسائل في اتجاهات متعددة من هذه الزيارة، رسائل ليست جديدة إلاّ بقدر التجديد الذي حدث على جغرافيا المكان السياسية، والتبدل المنتظر الذي يجب أن يتبع زلزال الإصلاح الذي اقتلع أنظمة فاسدة من جذورها، والذي ينتظر أن يقتلع أنظمة أخرى نخرها الفساد فجعلها هشة، وحالها مع شعوبها اليوم كحال عصا سليمان عليه السلام التي أبقته زمنا واقفا وهو في الواقع ميت منذ زمن؟.

الرسالة الأولى: تتمثّل في زيارة المكان، فالخطورة الأولى التي مشاها الرئيس أبو العبد كانت إلى مصر التي قال الله عز وجل عنها في قرآنه المجيد: (أدخلوا مصر إن شاء الله آمنين) يوسف 99، ولا شك أنّ هذا أول دخول لمسؤول حمساوي إلى مصر بأمان، لأن الطغم السابقة كانت تشكّل درع حماية للصهاينة يرعب كل حامل رسالة شريفة أو فكرة جهادية.

الرسالة الثانية: توكيد شرعية التنظيم الجهادي الحمساوي بانتمائه لجماعة الإخوان المسلمين، وهذا التوكيد يلتقي مع انتصارات الجماعة على مستوى العالم العربي في استلام زمام الأمور السياسية والتشريعية في الدول العربية بناء على تقديم الشعوب العربية لهم بواسطة صناديق الانتخاب، وحماس ستدخل معركة الصناديق الانتخابية، ونتيجتها لن تختلف عن نتائج الإخوان المسلمين عبر العالم أجمع.

الرسالة الثالثة: تثبت حماس بأنّ جماعة الإخوان المسلمين بقدر ما تقدّم للناس من تنظير شرعي فقهي يتوافق مع واقع الأمة، ويراعي الأولويات في حياة الناس السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية، فإنّها أيضا قادرة على أن تقدّم للناس النموذج التطبيقي الواقعي العملي لتلك التنظيرات، وقادرة أن تقدم نموذج حكم راشدي يقضي على كل أنواع الفساد، ويتقدّم فيه المواطن الفرد، أيّا كان انتماؤه، يتقدّم على أكبر مسؤول في الحركة، لأن همّ الحركة ليس الحكم، ولكن نشر العدل والعدالة والأمان، وهمهم أن يحققوا ما حفظوه من كتاب الله عز وجل، وأكثرهم حافظيه، والقرآن وحماس في علاقة دائمة من الطاعة والتمثل، فقد تمثّلوا قول الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ) الأنفال15، وقوله تعالى: (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ) الأنفال 65، وأثتبوا للعالم بأسره قبل العالم الإسلامي أنّ حاملي القرآن ومطبقيه منتصرون لا محالة، هو وعد الله الذي لا يتخلّف، فتكون حماس قد جددت المفاهيم التي حضّنا عليها القرآن الكريم والرسول الأمين محمد عليه الصلاة والسلام.

الرسالة الرابعة: استقبال مصر وأهل مصر للرئيس هنية وتعليق صوره على أعمدة الكهرباء والعمارات، وارتفاع الرايات الخضراء في أيدي الرجال والنساء والأطفال، هذا الاستقبال العفوي الذي لم يُكره عليه الناس، بل خرجوا وملء القلوب الحب والود والشوق ودموع الفرح، هذا استقبال لم ولن يفرح بمثله الزعيم العربي الصنمي، وهذا الاستقبال هو استقبال لفكرة الجهاد والاستشهاد في سبيل الله، واستقبال لقضية فلسطين وقضية القدس وقضية الأقصى، قضية وقضايا لا تغادر فكر كل مسلم حر أبي في هذه الدنيا مهما ابتعدت به الأرض ونأت به المسافات.

الرسالة الخامسة: تعود تركيا إلى واجهة السياسة الإسلامية، وتشكّل محطة مهمة في اتخاذ قرار الصراع العربي والإسلامي- الصهيوني والأمريكي، هذا الدور اعتمد على تمكين مرجعية القرار الحر بالتأصيل الشرعي الإسلامي الذي كان غائبا عن تركيا، وعودة تركيا اليوم وجعلها محطة للتشاور ومحطة في المساهمة الفعالة في اتخاذ القرار تكسب قضية القدس والأقصى والصراع الفلسطيني الصهيوني زخما كانت القضية بحاجة له، خاصة أنّ تركيا اليوم باتت تشكّل ندا مطلوبا وده من قبل القوى الاقتصادية الغربية التي تعاني من كثير من المشاكل، وزيارة الرئيس الفلسطيني أبو العبد هي توكيد على شرعية التدخل التركي في الشأن الإسلامي والعربي والفلسطيني، وتأكيد على تصدير قضية الأقصى إلى كل محافل السياسة الإسلامية الشريفة.

الرسالة السادسة: تنبيه إلى النظام السياسي العربي أنّ شرعية حماس على الأرض العربية والإسلامية هي شرعية منبثقة من القرآن الذي يوصي بأرض الإسراء والمعراج، والذي يوصي بعدم محالفة أو اتباع بني صهيون، وهذه الأنظمة قد خالفت كتاب الله وبذلك انتهت شرعيتها ومرجعيتها الإسلامية في الحكم، والشعوب التي ترحب اليوم بالرئيس أبي العبد هي بالمقابل تقول للنظام السياسي العربي لا مرحبا بكم ما دمتم بعيدين عن كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

الرسالة السابعة: دعوة للنظام السياسي العربي، ونحن في الأردن جزء منه، إلى إعادة النظر في أولويات تعاطينا السياسي مع الملف الفلسطيني، ودعوة إلى إنصاف حركة حماس من خلال علاقاتنا السياسية، ومن خلال الاستماع إلى نبض الشارع وإلى مقولات قلوب الناس وتطلعاتها، ومن خلال القراءة الجديدة للواقع العربي الذي تتبدل فيه المشاهد برمتها، ومن خلال إعادة قراءة النص الشرعي الإسلامي الذي يلزم باستيعاب واحتضان الحركة الجهادية الفلسطينية في سبيل حماية كيان الدولة العربية أولا ثم في سبيل توفير علاقة صحية بين مكونات الشعوب المختلفة، وفي سبيل إعادة اللحمة بين الناس على أسس صحيحة واقعية لا على أسس مناطقية أو خارجية قائمة على الترهيب والابتزاز.

رسائل كثيرة يمكن أن تثيرها زيارة الرئيس الفلسطيني، ولكن في مجملها تؤشر إلى إعادة بناء الأوضاع المختلفة في النظم السياسية العربية والإسلامية والدولية على أسس جديدة قائمة على الود والإخلاص بين الشعوب العربية والإسلامية، وقائمة على الندية الإيجابية مع دول العالم الأخرى.